تعداد نشریات | 43 |
تعداد شمارهها | 1,675 |
تعداد مقالات | 13,678 |
تعداد مشاهده مقاله | 31,692,460 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 12,521,155 |
ثلاثية الكلاسيم والسيميم والميتاسيميم في تشكيل الخطاب السردي على ضوء نظرية جوزيف كورتيس في قصيدة حلم من ماء للشاعر أديب كمال الدين | ||
بحوث في اللغة العربية | ||
مقاله 6، دوره 16، شماره 31، دی 2024، صفحه 69-86 اصل مقاله (902.44 K) | ||
نوع مقاله: المقالة البحثیة | ||
شناسه دیجیتال (DOI): 10.22108/rall.2024.140768.1506 | ||
نویسندگان | ||
پرویز احمدزاده هوچ* 1؛ علي صياداني2؛ شهلا حيدري3 | ||
1أستاذ مشارك في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة الشهيد مدني بأذربيجان، تبريز، إيران | ||
2أستاذ مشارك في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة الشهيد مدني بأذربيجان، تبريز، إيران | ||
3طالبة الدكتوراه في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة الشهيد مدني بأذربيجان، تبريز، إيران | ||
چکیده | ||
الخطاب في شتى حالاته، ما هو إلّا كلاماً موجهاً من السارد إلى المتلقي، ويراد به إيصال فكرة ما أو تعبيراً خاصاً أو غاية من التأثير أو التنوير؛ لذلك يقترح المنظر الفرنسي، جوزيف كورتيس، لابدية تفكيك العناصر المتمظهرة من ذلك النص، حتى يتمكن المتلقي من استلهام تلك الماورائيات المبهرة، وتكهن نتائجه الخصبة، ويقدم سداسية، تنقسم ثلاثة منها على المستوى المتمظهر، والأخرى في المستوى العميق. الثلاثية الأولى تضم عناصر معنونة بـ(السيم المتغير، السيم النووي، والكسيم)، وهي تدرس جانبه الشكلي وفي وحداته الصغرى من الكلمة إلى الجملة. وأما الثلاثية الثانية، فهي تشمل العناصر العميقة التي اصطلح بها (الكلاسيم، السيميم، والميتاسيميم)، ومنها يعتلي النص من حالته الظاهرية، وينتقل إلى كونه خطابًا سردياً ذا مغزى؛ لذلك اختار هذا البحث من خلال المنهج الوصفي ـ التحليلي، دراسة هذا الفصل من النظرية الكورتيسية، وشرحها على قصيدة حلم من ماء، للشاعر أديب كمال الدين. في الثلاثية الأولى ضمن عملية التقطيع، تقسمت القصيدة من وحداتها السيمية الصغرى التي تشمل السيم المتغير والسيم النووي، والمنتج منها كان كل سطر هو صورة لكسيمية معينة تحمل رسالة معينة. ومن مجموعة هذه اللكسيمات، تشكلت مقاطع القصيدة المختلفة. وعند التطبيق حسب الثلاثية الثانية، كان كل مقطع منها الذي يحتوي على مجموعة من اللكسيمات، هو يمثّل كلاسيماً ينص عن مفهوما سياقياً أكبر من تلك الوحدات الصورية، وأكمل مفهوما منها، إلى أن تكونت القصيدة من تلك التوليفات، وصارت نصاً خطابياً كاملاً يحتوى على سميميات وميتاسيمات، يتمنطق من خلالها الشاعر على كونها حروفيات عرفانية ماورائية. وهكذا، تبيّنت خطابية كورتيس المقصودة، كيف تتجسد على القصيدة السردية، وما تسمية أركانها حسب المصطلحات؟ | ||
کلیدواژهها | ||
الكلاسيم؛ السيميم؛ الميتاسيميم؛ جوزيف كورتيس؛ أديب كمال الدين؛ حلم من ماء | ||
اصل مقاله | ||
بدأت السيميائية رحلتها المتطورة، عند اقتباس الفكرة الأساسية من اللسانيات الحديثة، وحولتها إلى منهج من مناهجها الجديدة التي حاولت من خلالها التحدث عن تحليل النص ونظامه الداخلي، وكشف عناصره البنيوية، والوصول إلى مستواه العميق بواسطة شكله الظاهري ومستواه السطحي. بدأت الريادة لهذه الفكرة البناءة مع ألخيرداس جوليان غريماس[1]، واستمرت مع تلامذته، حيث كان جوزيف كورتيس[2]، من أبرزهم وأكثرهم سعياً في تحقق ما بدأه أستاذه، وكرّس جُلّ اهتمامه في هذا المسار، خاصة حول تحديد الملفوظ وبنية الجملة البسيطة. وكان هذا المجهود، من خلال دراسة الكشف عن أهمية الفعل الذي اقتبسه «من اقتراحات لوسيان تينيير[3] حول بنية الجملة البسيطة» (بن مالك، 2000م، ص 17). وأهمية الفعل تمكن في الجملة الفعلية وما يسهم في مسار النص من منظوره العميق. وتوافقا مع رأي كورتيس، باعتبار أنّ «السيميائية تعالج المعنى، فإنّها مثل أي بحث في التدليل، لا تكون إلا نقلاً لمستوى من الكلام داخل آخر مختلف» (2007م، ص 57). وانطلاقاً من هذه التحديدات اللسانية، استطاع أن «يستند إلى التشاكل الافتراضي الموجود بين الجملة والخطاب» (بن مالك، 2000م، ص 17). حاول كورتيس في أعماله التي قدمها، أن يشرح نظريته على أنّ شكل النص هو سبيل الوصول إلى معناه الذي يُبنى من خلال لعبة الاختلاف والتضاد. ويحصل هذا من خلال تحديد السيمات النووية، والتكوين الكلاسيمي في عناصره المتمظهرة، ومن ثم التوزيع السيميمي، والوصول إلى الميتاسيميمات، وبعدها تتكون المجموعة الخطابية الكاملة. ستأخذ هذه الدراسة مسار شرح ما يرمي إليه جوزيف كورتيس في نظريته المكونة من الثلاثية السيميائية على عاتقها، وسيكون هذا من خلال قصيدة حلم من ماء نموذجاً، قصيدة مختارة من الديوان السابع للشاعر العراقي، أديب كمال الدين، الذي تمت طباعته أخيراً عام 2024م، حسب المنهج الوصفي ـ التحليلي، لتبيين النتائج الحاصلة من هذه المزاوجة بين النظرية والتطبيق، للحصول على مسارات مثمرة حول الوصول للمعنى المطلوب والمتجسد في حروفيات شاعرنا. وطبعا كان السبب لاختيار هذه القصيدة هو مقاطعها المتجزئة والنتائج الحاصلة في نهايتها، والذي ربط حروفها الشاعر من العنوان حتى النهاية مع بعض، ليرشدنا إلى غاية خاصة. وهذا كان يمثل لنا السيم بنوعيه، واللكسيم ومجموعات السيميم والميتاسيميم المعني بحثه في الدراسة. 1ـ1. أسئلة البحث تسعى هذه الدراسة إلى الإجابة عن السؤالين الجوهريين: ـ كيف تتكون العناصر السيمية التي جمعها جوزيف كورتيس في ثلاثياته السيم المتغير، السيم اللامتغير، اللكسيم، والكلاسيم، السيميم، والميتاسيميم، في قصيدة حلم من ماء للشاعر أديب كمال الدين؟ ـ ما العناصر السيمية التي تجعل القصيدة الواحدة تكون بمثابة نص خطابي كامل وهادف، حسب نظرية جوزيف كورتيس؟ 1ـ2. خلفية البحث معظم البحوث التي اعتمدت المنهج السيميائي، ومنها منهج مدرسة باريس، قد تناولت ما قدمه غريماس وتكنكته لمقاربة النصوص الأدبية خاصة، والعالم الأيقوني بشكل عام، إلاّ أنَّ ما قدّمه تلميذه المنظر، جوزيف كورتيس، بقي كامناً ما بين من يشير إليه بمجرد إشارة، ومن يراه تلميذاً بذل قصارى جهده في ذلك المشوار حتى ساند أستاذه بنظرياته. فكل ما قُدِّم حول كورتيس لا يبلغ أكثر من ترجمة بعض كتبه باحتراف، والشرح النزر مما قام به من مجهود قدّمه، حيث كان للنقاد العرب، مثل عبد الحميد بورايو، وجمال حضري، وجميل حمداوي، ودايري مسكين، وعبد النبي ذاكر، ورشيد بن مالك، يد فاقت على غيرها في نقل هذا الجهد. سنشير إلى بعض الدراسات التي لها صلة مع هذا البحث، مثل: المقال المعنون بتفسير العلاقة بين اللغة والإحالة، قدّمه جوزيف كورتيس (2018م). يتحدث هذا المقال عن أسباب إنكار أنصار دوسوسير ويلمسلف، ومنهم جوزيف كورتيس، لقاعدة أهمية الإحالة في فهم التلفظ. ومقال قدمه رشيد بن مالك، معنون بالمصطلح السيميائي من خلال مشروع مدرسة باريس، المعجم المعلقن في نظرية اللغة لأ. ج. غريماس، وجوزيف كورتيس نموذجا، عام 2019م، وتناول فيه مصطلح "الخطاب" والأهمية الكبيرة التي يكتسبها في المشهد السيميائي، وهو من ضمن سلسلة مصطلحات وردت في المعجم المعلقن التي قام بدراستها غريماس وكورتيس في نظريتهما. وأمّا عن الشاعر أديب كمال الدين، فإذا قلنا بأنَّ الأقلام تتسارع لترصد حروفياته من كل حدب وصوب، فلا إغراق في هذا؛ لأنّ ما اجتمع عليه النقاد في الكتاب المعنون بالحروفي: 33 ناقدًا يكتبون عن تجربة أديب كمال الدين الشعرية، والذي قدم له الناقد مقداد رحيم سنة 2007م، وهو من ضمن الكتب التي حازت على أهمية كبيرة، حيث يذكرها الباحثون في طليعة فقرة سوابق بحثهم. وكتاب آخر يحمل عنوان الحرف والطيف: عالم أديب كمال الدين الشعري، مقاربة تأويلية عام 2010م، لمصطفى الكيلاني، يدرس فيه المستوى الدلالي في أعمال الشاعر أديب كمال الدين، وكذلك التمثلات التأويلية العرفانية في حروفه، ويرى بأنّ أشعاره فيها ضرب من التصوف الخاص الذي يدعوه لضرورة الأداء الجواني، فيتشبث به، وكأنّما يريد أن يحيل بشغفه على تاريخ الذات الشاعرة وثقافتها العقدية والعرفانية. والباحث عبد القادر فيدوح في كتابه أيقونة الحرف وتأويل العبارة الصوفية، في شعر أديب كمال الدين سنة 2016م، يذكر معظم الطرق الجمالية التي قام هذا الشاعر باستخدامها، وهي من ضمن المنهج السيميائي، ويقدّم قراءة يهدف بها كشف العلامات المخزونة في حروفياته، ويقوم بتوزيع ما بين صراحة المعنى وضمنيات دلائل العبارات والتأويلات، والتصورات السيميائية فيه. وهناك كتابٌ آخر تحت عنوان أسلوبية التشكيل الشعري المعاصر عند أديب كمال الدين، لكريمة نوماس المدني عام 2021م، فقامت الباحثة بدراسة التشكلات اللغوية الانزياحية والدلالات الشعرية الإيحائية في أشعار كمال الدين من ضمن دراستها فيه، وأنهت الكتاب بقراءة رؤى التصوف في الإشارات الإلهية واستشراف معانيها الصوفية البصرية ومشاهدها الدرامية في أشعاره، وحاولت أن تكشف ثراء تلك النصوص الشعرية عبر الأنساق المتنوعة، مبينة فاعلية الصور المتنوعة في الرؤية الشعرية عند الشاعر. إضافة إلى هذا، هناك رسائل وأطاريح وبحوث ودراسات مختلفة بشتى اللغات، رصدت أشعار أديب كمال الدين، ولم تترك أثراً من آثاره، ولا حرفا من حروفه، إلاّ وركزت عليه بمجهرها العلمي والأدبي والنقدي، مثل: المقال المعنون بموتيف "الموت والحياة" في شعر أديب كمال الدين، لنعيم عموري، والذي طبع عام 2015م. لقد أشار الباحث في هذه الدراسة القيمة إلى ما تعنيه ظاهرة الموتيف، وأخَصَّ بخصيصتي الموت والحياة وما يعنيه الشاعر من استخدامهما في أشعاره، واستنتج أن موتيف الحياة في شعر أديب كمال الدين، لم يكن إلا لتبيين تفاؤله على الرغم من الاضطهاد والظلم المخيم في بلده. وهذه الخصيصة هي من ضمن التراث الإنساني والتناص القرآني الذي يُراد منها الحصول على تجارب راقية في الحياة. ومقالة أخرى تحت عنوان سيميائية اللون الأسود ودلالاته في شعر أديب كمال الدين: ديوان "الحرف والغراب" أنموذجا، لرسول بلاوي، وعلي أصغر قهرماني مقبل، وليلا يادگاري سنة 2016م. تناول الباحثون الكرام فيها تجربة الشاعر الخاصة في مجال اللون الشعري، كاللون الأسود في ديوانه الحرف والغراب، بأنّ لها أغراض دلالية ترمز إلى الخوف والظلمة والشؤم والهم والحزن واليأس. وهناك رسالة تحمل عنوان إستراتيجية الحضور والغياب في ديوان رقصة الحرف الأخيرة، لأديب كمال الدين، ناقشتها زينة دراجي عام 2020م، ودرست فيها ثنائية الحضور والغياب في أشعار الشاعر كمال الدين، وركزت في دراستها على ظاهرة الرمز كأداة تنوب عن الإفصاح، مستنتجة بأنّ هذه الرمزية في أشعار أديب كمال الدين، خلقت اندماجاً ما بين الشعر والسرد عنده. وأطروحة سيمياء التشكيل البصري عند أديب كمال الدين سنة 2021م، لمشتاق طالب حسن. تناول الباحث فيها التكوين البصري للشاعر، في مجلداته الستة من أعماله الشعرية. ومقال معنون بسيموطيقا الآخر في شعر أديب كمال الدين، لسلام مهدي رضيوي الموسوي سنة 2021م. تناول الباحث فيه المنهج السيموطيقي في أشعار الشاعر أديب كمال الدين من الوجهة العامة للمنهج السيميائي. ومقال ثنائية اللفظ والمعنى في الخطاب الشعري حرف من ماء قصيدة حب طويلة للشاعر أديب كمال الدين، مقاربة سيميائية بناء على نظرية جوزيف كورتيس، لشهلا حيدري وبرويز أحمدزادة هوش وعلى صياداني وحميد ولي زادة سنة 2024م، حيث تناولوا القصيدة على ضوء النظرية التلفظية للمنظر جوزيف كورتيس، واختصوا بهذه الدراسة أهمية اللفظ والمعنى في القصيدة المذكورة، واستنتجوا أن هذه القصيدة كنموذج من أشعار أديب كمال الدين، قد اجتمعت فيها ثلاثية الزمن والفضاء والقائمون بالفعل الكورتيسة، وتحققت من خلالها التفرعات التلفظية والملفوظية وتعاضد المستوى العميق والسطح فيها، لتنتج تلك الطاقة الخطابية السردية التي تصل كل منهما إلى الجانب الدلالي العميق بطريقته، مزودة بجمالية التعبير الخاص، حيث تمت دراسة الأركان المذكورة، كركن الزمن والفضاء الممثلون، حسب النظرية التلفظية الكورتيسة. من الدراسات التي ذكرت كنماذج بارزة، تبين أنّ نظرية جوزريف كورتيس التلفظية التي تتشعب إلى عدة فروع، والتي تحمل في فروعها هندسة خاصة لإبداء المعاني، مازالت من ضمن النظريات التي لم تتطرق إليها الأقلام الباحثة؛ لذلك في هذه الدراسة ومن خلال ثلاثية السيمات والميتاسيمات والكلاسيمات الكورتسية، سيلج البحث إلى مدخل من مداخل تلك الفروع، حتى يشرح فيه طبقات المعنى السيميائي الكامن والمقصود في النص الأدبي. وأمّا عن سبب اختيار قصيدة حلم من ماء للشاعر أديب كمال الدين، فهو وجود مقاطعها المتجزئة التي تعني لنا، وكأنها فصول متتالية. والنتائج الحاصلة في نهاية القصيدة، تُعتبر كنتيجة نهائية لتلك النتائج التي اختتمت بها المقاطع، حيث تصافحت حروفها ومقاطعها، بداية من العنوان حتى النهاية، لتنبأ لنا غاية الشاعر. وهذا هو المطلوب في تبيين السيم بنوعيه، واللكسيم ومجموعات السيميم والميتاسيميم المعني بحثه في الدراسة. هذه القصيدة هي من ضمن أشعار أديب كمال الدين في مجلده السابع، حيث تم نشره أخيراً، ولم يتطرق إليه بحث علمي محكم آخر.
كل نصّ بأصنافه المتنوعة، يتكون من مجموعة مفردات وعلائم وجمل وسطور ومقاطع. ومن مواد لُبنتها الأساسية هي اللغة التي تحتوي على هياكل جُمَلية المعبّرة لا بد من أن تربطها تعاضدات من الألفاظ ومعانيها، والمفاهيم التي ترمي إلى تعابير قد تكون مختبئة خلف الستائر الصناعات الأدبية وما شاكل ذلك، وقد تكون ذات شفرات جمالية تحتاج من يفسرها بحنكة بالغة. إن سيميائية المنظر، جوزيف كورتيس، تقترح منهجاً مفسراً، يمكن من خلاله حل لغز النصوص وشرحها بطريقة مهندسة دلالية ناتجة، اقتبسها أستاذه من علم الفيزياء والكيمياء، كما قيل عنه: «وظّف غريماس المصطلح لأول مرة في كتاب الدلاليات البنيوية (1966)، وهو مصطلح اقتبسه من علمي الفيزياء والكيمياء» (والي، 2021م، ص 446). وهذا المنهج يبدأ من عملية تقطيع النص، وبعد التقطيع يقسمه على محورين، يحتوي الأول على "جوهر المحتوى"، والثاني على "المتمظهر". وبعدها يقوم بمحايثة النص، وهو «البحث عن الشروط الداخلية المتحكمة في تكوين الدلالة، وإقصاء كل ما هو إحالي خارجي، كظروف النص، وسيرة المؤلف، وإفرازات الواقع الجدلية. وعليه، فالمعنى يجب أن ينظر إليه على أنه أثر ناتج عن شبكة من العلاقات الرابطة بين العناصر» (حمداوي، 2015م، ص 45)، ليظهر في هذا المستوى الإيضاح، والوصول إلى: «أين تتمفصل السيمات، ومستوى التمظهر (في المحتوى) الذي ينقطع إلى سيميمات وميتاسيميمات» (كورتيس، 2007م، ص 72). الناتج من هذه القراءة هو ما يجعل المتلقي يربط ما بين المفاهيم وما يؤدي به إلى تكوين الانسجام السردي والخطابي الحاصل من النص المعني. غريماس يرى بهذه الخطوة، أنّ التخيل الذي يستدرجه المتلقي من هذه القراءة، هو ما يؤدي به إلى تمفصل العالم الدلالي، وتقسيمه لوحدات تدليلة. تسمى هذه التدليلات في المنهج السيميائي، (السيمات)، كأنّما «يُكتَب النص من جديد مع كل قارئ، بل مع كل قراءة، مما يؤدي إلى الإفلات من إسار الدوران الأبله في فلك النص ذاته، وتجاوز شرح مفرداته، وتجاوز تأويلات السابقين له لتصل ... إلى آلية إنتاج النصوص وفهم آلية تداولها ورواجها، وتحريمها وإقصائها ونبذها» (الحلاق، 1999م، ص 10). وأما المقاربة الدلالية في الخطاب السردي، فیحتاج فيها التحليل إلى توافق ما بين التدليل السيمي وما يشاكله، ويحتاج هذا الأخير لوجود وحدتين دلاليتين على الأقل، حتى تتفحصا حسب المحور التوزيعي وتبيين علاقتهما مع العنصر المتصل بهما، وما يمثله في ذلك النسج النصي. مدى الاقتراب والتعالق الموجود في ذلك النص، هو ما يفسر المعنى الدلالي فيه، ويمكنه فك الشفرات الرمزية المبثوثة على امتداده، ويتوارى كل ما هو كامن فيه وما هو مفهوم من النظرة الخاطفة دون تمعّن. 2ـ1. تعريف الوحدات الأساسية وأما عن تعريف الوحدات والمصطلحات الأساسية التي سنواجهها في البحث، فسنتطرق حول مصطلح "السيم"[4]، وهو ما يعرّفه كورتيس بأنّ: «وحدة الدلالة القاعدية هي السيم أو العنصر التدليل الأدنى، والذي لا يظهر بهذه الصورة إلا في علاقة مع عنصر آخر، إنه ليس له إلا وظيفة تمايزية، وبفعل هذه الخاصية، فإنّه لا يلتقط إلا داخل مجموعة عضوية، أي في إطار بنية» (2007م، ص 73 ـ 74). ويراد بهذا أنَّنا إذا أردنا أن نفسّر جملة ما من حيث مستواها المتمظهر، فلا بدّ أن نكون بصددها المحايث في بداية الأمر، ونحدد عناصرها التركيبة، وهي المفردات المشكّلة لتلك الجملة، فكل مفردة فيها تسمى "سيم"، وهو العنصر الأدنى، أي: أصغر عضو يشكلها. ولم تظهر علاقته التدليلية ومعناه المعطى إلا مع تعاضدها بالعناصر الأخرى، كأنّنا نرسم معادلة في تلك الجملة، ويقول كورتيس أيضاً: «أيّ كلمة في خطاب تكون قابلة للتقسيم إلى سيمات مختلفة لن تستغل كلها بالضرورة وفي آنٍ واحد في موضعٍ محدد» (2010م، ص 109). على سبيل المثال، ستكون حسب الترتيب التالي: (سيم + سيم نووي = لكسيم). كما هو واضح، نرى عندنا نوعين من السيمات[5]، وهي السيم المتغيّر الذي يتغيّر من جملة إلى أخرى في النص الواحد؛ والسيم النووي[6] أو الأساسي واللامتغير. وننوه بأنّ السيم النووي، سيتغير دوره في الجملة ولا يُحذف؛ أمّا السيم المتغير، فهو ما يحتوي على المكونات المتغيرة في الجملة الواحدة. وما هو ذات أهمية بأنّ كل تغيير قد يؤدّي إلى إنتاج صورة مفهومية أو معنى آخر، كما في المقبوس التالي من القصيدة كمثال: «صورٌ لنساءٍ يتبرّجنَ أبد الدهر / ما بين حرف العرى / وحرف الموت / وحرف الهذيان» (2024م، ج 7، ص 30). مفردة "حرف" هي ما تسمّى السيم النووي واللاّمتغير في المقطع، والمفردات التي تحيط بها هي ما تسمّى (السيم)، والمعنى المنتج من كل سطر من هذا المقبوس هو ما يسمّى لكسيم[7]. واللكسيم هو الصورة الحاصلة من تعاضد تلك السيمات مع بعض، وتآزر الجمل المتتالية في النص والصور المنتجة منها، وهي ما تكوّن لنا مجموعة من اللكسيمات أو الصور. إذن، اللكسيم هو التعبير الأدنى، الذي يحتاج إلى سيمين على الأقل. وهنا، يقول كورتيس: «فإنّ من السهل تخيل كيف أنَّ عدداً قليلاً من السيمات يمكن أن يولد بواسطة توليفة عدداً معتبراً من الوحدات الدلالية أكثر اتساعاً» (2007م، ص 75 ـ 76). ويقصد بالوحدات الدلالية، هي اللكسيمات الحاصلة من تراص السيمات مع بعضها، أو كما يُعبِّر هو عنها، (التدليل اللكسيمي، هو وظيفة حزمة من السيمات)؛ لذلك ما يمكن القول عنه هو أنَّ السيمات النووية في المستوى السيميولوجي هي ما يحيل المعنى والفهم الخارجي على دورها في تلك الصور، أي اللكسيمات. ولا ننسى بأنَّنا مازلنا بصدد المستوى المتمظهر وعناصره في النص؛ لأننا اتفقنا على أنَّ الشكل المتمظهر منه، هو السبيل الذي يرشدنا إلى مستواه العميق، أي معناه الدلالي. ولم نكتف بهذا في المكون التركيبي؛ لأنَّنا سنتواجه مع مصطلحات، مثل السيم السياقي الكلاسيم[8]، والسيميم[9]، والميتاسيميم[10]. وأمّا عن مصطلح الكلاسيم، فهو ما يحتوي على مجموعة من الصور، أي اللكسيمات المترابطة مع بعضها. وهذا طبعا لا يتعلق أمره في السيمات النووية واللامتغيرة، بل بالصور الناتجة. وبمختصر القول إنّنا للحصول على اللكلاسيم، نحتاج إلى ربط «على الأقل بين لكسيمين (أو بشكل أدق بين صورتين)، إنَّ الأمر يتعلق بالفعل هنا بسيمات لا تنتمي إلى الصورة النووية، أي النواة اللامتغيرة المعتبرة في ذاتها، إنّها محددة (ومرصودة) بالسياق، فالكلاسيم هو سيم سياقي» (كورتيس، 2007م، ص 78 ـ 79). وفي الواقع أننا إذا أردنا أن نتفحص كلاما ما، فإنّنا نحدد مستواه السميولوجي بواسطة النواة السيمية، ونصل إلى مستواه الدلالي والفكري والمفهومي بواسطة تلك الكلاسيمات. وأما عن مصطلحي السيميم والميتاسيميم، فهما ينتميان إلى نمط الوحدات الدلالية المتمظهرة، وهما محصول حاصل توليفة النواة السيمية والسياقية، في مستوى أعلى من الوحدة الدلالية التي قلنا عنها (الجملة)، بل هنا سندخل في مستوى الخطاب وآثار المعنى فيه. فهذا الاجتماع في مستوى الخطاب، عند منهج غريماس وكورتيس، يسمّى سيميم وميتاسيميم؛ ولكن هناك وجه تمايزي بينهما، وهو عدم حضورها في المستوى المتمظهر للمحتوى دون الميتاسيميمات، وهو نفس الموقف بالنسبة للنواة السيمية. يقول كورتيس: السيميمات كنتيجة لتوليفة، والتي يكفي تحديد قواعد بنائها أو اشتغالها مع القيود التي تميزها: فالسيمات النووية مثلاً لا يمكن أبداً أن تظهر في مستوى تمظهر المحتوى دون الكلاسيمات، الأمر نفسه بالنسبة للسيميمات، بينما السيمات السياقية يمكن لبعضها الإندماج مع البعض الآخر لتشكّل مدوّنة من الميتاسيميمات (2007م، ص 84). إذن، السيمات النووية والكلاسيمات في المستوى الأعلى، وهو الخطاب، تنتجان السيميمات والميتاسيميمات، وهما حسب المفهوم الحاصل من ذلك التوليف. فقد يحصل بين السيمات أو الكلاسيمات أو بين توليف الكلاسيمات وحدها. يقول ابن مالك بأنَّ: الصعود إلى الأعلى، أي إلى تجلّي المضمون، يستلزم من الناحية المرفولوجية (منطقيًا) / أو يمرّ (بنائيًا) عبر توليفات بين السيمات النووية، حتى نحصل مثلاً على نواة سيمية، وبين النواة السيمية والسيمات السياقية، حتى نحصل على مفعولات المعنى التي تدعي السيميمات زمنها على العامل، وبين السيمات السياقية ذاتها لنحصل على الميتاسيميمات» (2021م، ص 34).
3ـ1. تطبيق ثلاثية السيم، السيم النووي، واللكسيم في قصيدة حلم من ماء عندما نحدد طريقة نظرتنا للنص المقصود، في الواقع أننا نحدد مستوى التطبيق الذي نحتاجه في تحليل ذلك الموضوع، ومن أجل إجراء هذه العملية التطبيقية، لا بدّ أن نبقى على خط فاصل بين المفردات وعلاقاتها؛ لأنّه لا يمكن دراسة جوهر المحتوى، إلاّ إذا كنا على تواصل مع إطار الشكل. إذن، تذهب بنا عملية التقطيع في هذه المرحلة إلى مستويين: الأول هو "المستوى المحايث"، أي العميق من القصيدة التي اخترناها كنموذج تطبيقي؛ والثاني هو "المستوى المتمظهر"، أي ما يصفه كورتيس بالسطحي والجانب الظاهر من النص. عند دراسة المستوى المحايث، تجد المتلقّى يبحث عن (أين تتمفصل السيمات؟)، أي ما هي سيماتنا في هذه القصيدة مثلا. وهي نظرة تفسر بها «الأشياء في ذاتها ومن حيث موضوعات تحكمها قوانين تنبع من داخلها وليست من خارجها» (زيقم، 2016م، ص 103)؛ لذلك ندخل القاعدة كالتالي، بداية من العنوان حلم من ماء: السيم: (أو العنصر التدليل الأدنى): حلم السيم النووي: ماء اللكسيم: هي الصورة التي تنمّ عن التمني، أو الأمنية التي يبتغيها، حيث يرى بأنّها مائية الماهية. لماذا اخترنا مفردة "ماء" كسيم النووي هنا؟! والإجابة هي سنرى تحولاتها المعنوية من خلال الأسطر في القصيدة، مثل: «لم يسقني الفرات ماءً صامتاً / بل سقاني ماءً مليئاً بالصُخب» (2024م، ج 7، ص 29). "حلم من ماء / ماءً صامتاً / ماءً مليئاً بالصخب"، تكررت مفردة "ماء" كسيم نووي لامتغير في العنوان، بمثابة سطر من سطور القصيدة، وفي أول سطرين من القصيدة، ورافقتها السيمات المتغيرة بشكل مختلف، بحيث تراها في كل سطر، أعطت معنىً غير الذي قبله. ـ "حلم من ماء": بمعنى الحلم الذي انبنى على مكونات مائية، مثل البكاء وحب الوطن وذكريات فراته إلخ. إذن، مفردة "ماء" هنا أخذت دور الدموع والبكاء؛ ـ "لم يسقني الفرات ماءً صامتاً": بمعنى أن نهر الفرات الذي استقى منه الشاعر، لم يكن عادياً فحسب، بل يرى فيه نوعا من القدسية. ومفردة "ماء" في هذا السطر، تبنّت دوراً روحانياً ومصداقاً يختلف عن أي نوعية من المياه العادية. ـ "بل سقاني ماءً مليئاً بالصُخب": وهنا يشرح ما فعلت به هذه النوعية من المياه؛ لأنَّها حركت فيه أوتار الصخب والصراخ والضجيج وكل ما تمتلك مفردة الصخب من معاني، والتي ستكتمل مفاهيم كل السيمات في ما بعد. إذن، "الماء" الذي يتحدث عنه أديب كمال الدين، هو ماء الحياة، وحب الوطن، والدموع التي يذرفها على مدى حروفياته؛ لأنّه ذلك الحروفي الذي روحانية حروفه مستقية من ماء العرفان وحب الوطن الذي ترمزه مفردة الفرات، والذي حرّكت في أجوافه زوبعة من الحروف الناشدة التي تنمّ عن صخب المشاعر الجيّاشة. فكل اللكسيمات التي حملتها هذه السطور، حصلت من تكوين سيمات متغيرة، وسيم نووي لامتغير وثابت فيها، وهي إذا نظرنا إليها من الجوانب التي تآخت معها السيمات المتغيرة، يمكننا أن نقسمها حسب التوزيع التالي: ـ مع نواة (الطرف + أمامية)، وهي تنقسم إلى: 1ـ طرف + أمام + أفقية + انقطاع: ـ حلم من ماء 2ـ طرف + أمام + أفقية + استمرارية: ـ لم يسقني الفرات ماءً صامتاً ـ بل سقاني ماءً مليئاً بالصخب في التقسيم الأول، عبّر الشاعر في العنوان عن ماهية حلمه بأنّه مائي الصفة، وأنّه مبنيٌ على بحور من المسافات، ومن دموع ذرفها من أجله إلخ، وانقطع الكلام. ولكن في التوزيع الثاني، فالكلام مستمر؛ لأنّه يريد أن يشرح قضية ذلك السيم النووي، والصور اللكسيمية التي أنتجتها سطوره. ويبيّن لنا كورتيس بأنّ مع كل تغيير بسيط للسيم من حيث الانقطاع أو الاستمرار، يمكننا الحصول على معنى مختلف. ومن الجانب المعجمي الدلالي الموجود في سيمي (الصمت والصخب)، فقد نحصل على نوعين من الأضداد، يمتلكان مكونات منفصلة ومتصلة بنفس الوقت. فمن جهة الانفصال، وهي التضاد المعنوي البديهي الموجود بين (الصمت والصخب). وأما الاتصال، فهو المعنى الذي نحصل عليه من تعاريف هذين الضدين، ومن المظهر الاتصالي الذي يرجع بنا إلى التراتب الموجود في المستوى السيمي المحدد في بنية التدليل. فقد يرسم لنا علاقة ثنائية ناتجة من قاعدة معنوية في المحور الدلالي، تمكّننا بالاستدلال مما يستخرج من اللكسيمات الموجودة في الأسطر المشار إليها، الذي يدل على ذلك الصخب المأخوذ من صخب الفرات كنهر ذي أمواج هائجة. وقد أورثها لمن يستقون منه. وهنا، تأتي الحروف والنقاط التي استلهمها الشاعر من مشهد الفرات، على هيئة طغيان شعري، أو مثلا في مفردة "حروف"، و"حرف"، على أنّهما نواة سيمية رئيسة انبنت بها أشعار أديب كمال وعرف من خلالهما كشاعر حروفي، وليس في هذه القصيدة فقط. فإذا أدخلناهما في قاعدة توزيعات (طرف ـ دائري)، سنواجه معاني ذات صلابة واستمرارية، كما سنرى في الشرح مفردة "لحروف" كنواة سيمية، نموذجاً: «النقاط والحروف» (2024م، ج 7، ص 29). كلمتان يتشكلان من قاعدة دورانية. فإذا نظرنا إليهما حسب المحور التوزيعي لمعادلة (طرف + دائري + أفقي + حاوي)، نجدهما يدوران حول بعضهما في الجهات الأفقية بصلابة، فإنّهما مفردتان سيميتان ـ نووية ومتغيرة ـ تحتويان على مجموعة من دلالات؛ مثل: ـ النقاط والحروف = النقاط التي تمد الحروف معنى بعد ما توضع على مكانها المناسب. ـ الحروف، والنقاط = تحاورية قد تجري في عوالم تشكيل الجمل، وتكتسب الحروف نقاطها المهمة. ـ نقاط الحروف = تلك التي تخرج الحرف من إبهامات اللافهم، وتمنحه فرصة الكلام. ـ حروف النقاط = هي الحروف التي تُدخِل النقاط في دهاليز العرفان، وتشرح لها أسباب قدسيتها وكلّ ما تمتلك من مآثر لا تحصى إلخ، ولكل متلق رأيه في ما يستنبطه عقله الإدراكي. و«لهذا، يمكن القول بأنّ النواة السيمية هي انتظام اتباعي للسيمات» (كورتيس، 2007م، ص 78). وعن السيم النووي "حرف" والسيمات المجاورة له في المقطع الأخير من القصيدة: «صورٌ لنساءٍ يتبرّجنَ أبد الدهر ما بين حرف العرى وحرف الموت وحرف الهذيان» (2024م، ج 7، ص 30). تعمدنا بذكر اللكسيم الذي لم يذكر فيه السيم النووي "حرف"، وهو السطر الأول من هذا المقبوس؛ لأنّنا سنحتاجه فيما سنتحدث عنه في ما يلي هذ الحديث. وأما اللكسيمات الثلاثة التي جاءت بها مفردة "حرف" كسيم نووي، فتمتلك قاعدة توزيعية دائرية، ذات صلابة حسب هذه المعادلة (دائرية + صلابة). ولكل من تلك اللكسيمات، حكاية تروي نفسها بنفسها. وأما الحرف، فهو يرمز الأهم في كل تلك الحكايات. يقول عدنان لكناوي عن حرف أديب كمال الدين بالذات: لقد شكّلت ظاهرة الحروفية في خطاب الشاعر العراقي أديب كمال الدين، لغة جديدة، وبؤرة رؤيوية تعددية انفتحت بجسارة على أقاصي الذات، والعالم والمعنى، واتّسمت تجربته الممتدة لأكثر من خمسين سنة، بزخم معرفي وجمالي، تمظهر لكمياء شعرية في أقصى درجات التفاعل الإبداعي (2022م، ص 68). ويرى بأنّ «الحرف / الرمز من أهم تمظهرات التعبير والتواصل في حياة البشرية، إن لم يكن أهمّها على الإطلاق» (المصدر نفسه، ص 14)؛ لذلك تراه ذات صلابة، ليس في تلك الأسطر فقط، بل للحرف شأن عند كمال الدين، كما كانت عند ابن عربي الذي كرّس كل اهتمامه حول الحرف وقدسيته ورموزه. ذلك الحرف الذي يتغلغل ما بين الاكتشاف واللذة، تنعطف إليه المتعة في توالد المعاني، كأنّه يمتلك معولاً فتّاكاً يكسّر به صمت العالم وينفلت به نحو النور والوضوح واليقين؛ لأنّه حياة النص وروحه: «اللذة التي ينهض بها الجسد ـ النص، النص ـ اليقين، اليقين ـ الحرف، الصوت ـ الصوت، الهسهسة» (بارث، 1992م، ص 10). ويقول ابن عربي، حول ما تمتلك الحروف من أسرار: «اعلم وفّقنا اللّٰه وإيّاكم أنّ الحروف أمّة من الأمم مخاطبون ومكلفون، وفيهم رسل من جنسهم، ولهم أسماء من حيث لا يعرف هذا إلاّ أهل الكشف من طريقتنا» (1985م، ص 260). إذن، نتفق بأنّ كل سطر من هذه المقبوسات النموذجية هي عبارة عن صورة لكسيمية تحتوي على تعبيرين: أحدهما يرجع للكسيم الواحد؛ والثاني يربطنا باللكسيم الثاني، كما في المعادلة التالية: فهذه المجموعة من الصور، هي لكسيمات مترابطة مع بعضها، حيث تنبني من هذا الترابطات صورة أكبر من تلك التي نقتبسها من اللكسيم الواحد، وتمثل صورة تمتلك أكثر تقارباً لفهم ما يقصده الشاعر وما يحيكه في نسقية حروفه وسطوره. وإنّها تأخذنا لتراتبية أعلى من تلك الوحدات السيمية الصغرى التي تمثلها المفردات، أي السيم المتغير واللامتغير. ويمكننا أن نقول بأنّ كل لكسيم هو وحدة تمتلك نوعيتين من التعريف، نوعية هي التي تمثل الوحدة الكبرى بين السيمات ووحدة صغرى، في تراتبية النص العليا. وإذا أردنا جمع تلك اللكسيمات في قصيدتنا المعنية، فإنّنا نجمعها كسطور، ومقاطع إلى تنتهي بنا القصيدة على هيئتها الكاملة. ولكل من هذه الخطوات في المعادلة التي قدمها كورتيس في سيميائيته، عنوان خاص، كما ذكرنا آننفاً. وسنخطو هذه الخطوات واحدة تلو الأخرى في القصيدة كما التالي: (سيم + سيم نووي = لكسيم). ـ (حلم + من + ماء). = لكسيم أي صورة من أمنية ترافقها دموع وفراق الوطن؛ ـ (لم يسقني + الفرات + ماءً + صامتاً) = وهنا، تأتي صورة ترتسم في المخيلة، صورة من نهر الفرات تصاحبها معان تنافي معنى الهدوء، إضافة إلى السيم النووي المختار ماء، فنجد سيم الفرات يلعب بطولة متفاعلة أكثر من سيم الماء، حيث يدلنا هذا السيم على إحدى المصادر التي تكوّن خلايا حلم الشاعر: ـ (بل + سقاني + ماءً + مليئاً + بالصُخب) = وفي هذا اللكسيم، تأتي الصورة المصحوبة بأصوات الأمواج الكاسرة، وكأنّنا نقترب أكثر من ذلك الحلم لنتعرف عليه. والنقطة التي وضعها الشاعر في نهاية السطر، تخبرنا بأنّ هنا انتهت مجموعة اللكسيمات البدائية، ثلاثة لكسيمات عرفتنا بحلم الشاعر، وماهيته، ومصدر إلهامه. وأخذ يواصل الشرح في مجموعة اللكسيمات التالية، ويدخلنا في صلب الموضوع: ـ (كلّما + شربتُهُ + أورقت + في روحي). = هذا اللكسيم، يواصل الحديث الذي بدأه الشاعر في اللكسيم السابق، ويكتمل مع اللكسيم الذي يليه، وكأنّه حلقة وصل بين لكسيمين. والضمير الذي وضعنا تحته خط، ضمير يرجع بنا إلى السيم النووي (الفرات)، حتى لا تكون صورتنا خالية من نواته اللامتغيرة. وننوه بأنّنا بصدد النواة السيمية "فرات"، بدلاً من سيم "الماء"، مع أنّنا مازلنا واقفين عند الماء المقصود الذي نفسره بماء الحياة: ـ (النقاط + والحروف) = في هذا اللكسيم، يمكننا أن نقتبس صورة مجموعة من (النقاط والحروف) التي نستنتج بها حسب التفسير الذي به في معادلة الدلالة، التي قدمناها في فقرة توزيع (طرف + دائري + أفقي + حاوي)، ويمكننا أن نضعها في ضمن حلقات الوصل العمودية في مجموعة اللكسيمات. وفي كِلا الحالتين، نحن أمام صورتين مختلفتين من لكسيم واحد، صورة تخبرنا عن عالم الحروف والنقاط التي تمثل أساسيات الشاعر، وصورة تمتلك بيدها حلقة تسلسلية في لكسيمات هذه القصيدة: ـ (وأزهرت + فيّ + الأغاني + والدفوف) = وهذا اللكسيم هو اللكسيم الأخير من المقطع الثاني، حيث أنهاه الشاعر بنقطة. على رأي رشيد بن مالك، أنّنا «في مستهل قراءتنا عند أول إتصال لنا بأيّ رواية أو أيّ مقال أو أيّ قصة، وأيّ قصيدة شعرية ... لا نرى خطاباً، بل لا نرى سوى الحرف المخطوط على الورق» (2021م، ص 40). وهكذا، نحن عندما نواجه السيمات والكسيمات في هذه القصيدة، كأنّ كمال الدين يضعنا أمام رؤوس أقلام، وتجميع قِطَع هذا اللغز يبقى على عاتقنا، إلى أن ينتهي بنا المطاف في باحة نص خطابي واسع. ننتقل للمقطع الثالث، وسنقوم بتقطيعه كما قدمنا في المقطعين: ـ (كان + الفرات + يضحك + بل يقهقه + ممّا + يرى) = سطر واحد، يحمل إمكانية لكسيم ومقطع كامل المعنى بحد ذاته؛ لذلك ختمه بنقطة صارمة، وانتقل إلى المقطع التالي يسرد حكايةً ترابطية مفادها خواطر، وشاطئ وماء وفرات يحمل الحياة التي يبحث عنها الشاعر بين جانبيه: ـ (وحين + جلستُ + على + شاطئهِ + ذات حياة) = يروي عن خواطره مع شاطئ الفرات، حينما كان يستنشق من مجاورته الحيوية والحياة. ويقصد بسيم "ذات حياة"، ذلك الحين الذي يستلهم من الفرات حروفه وأشعاره، ويشاركه همومه وأفراحه، ويحاكيه عن معاناته وأشواقه. ويعني له بمثابة الصديق الذي يلجأ إليه حين كان يحتاج إلى وحدة وصحبة، ينفرد بنفسه ويصاحبه الفرات. ومازال سيم "الماء" يرافقنا في القصيدة، ويتمثل لنا في اللكسيم التالي على هيئة "دموع": ـ (أنزف + دما + ودموعا) = صورة تدل على شدة الألم الذي يكابده الشاعر إثر الفراق الذي يعاني منه؛ ولكن بالرغم من أنّنا لا نرى لسيم النووي الذي ذكرناه في أغلب اللكسيمات، هنا في هذا اللكسيم يتحدث الشاعر عن آثاره وما فعل به الفراق والمعاناة التي ينزف منها ألماً ودماً ودموعا: ـ (مِن + قمّة + رأسي + حتى + أخمص + قدمي) = وفي هذا اللكسيم المترابط مع سابقيه، يصوّر لنا الشاعر مدى استيلاء هذا الألم، وهي صورة تمثيلية تدل على السيطرة بشكل كامل: ـ (سقاني + حُلُماً + أبصره + ليل + نهار) = وهنا، نرجع لحلمنا المعني، وكيف صار هذا الحلم من ماهية الماء، وكيف صار للشاعر حكاية ليله وأمل نهاره، لعل وعسى أن يلاقي فرجاً وتزول عنه غمم الفراق؛ نختار سيم "حلم" كسيم نووي؛ لأنّه أساس ما تشكلت به لكسيمة هذا السطر. لا ننس بأنّنا مازلنا في صدد الفرات بكل نوعياته ومواصيفه كسيم نووي ولامتغير في كل القصيدة: ـ (حُلُماً + تحلّق + فيه + حماماتٌ + وبلابل) = وفي هذا اللكسيم، يشرح لنا الشاعر بأنَّ هذا الحلم ماذا يحمل في طياته، وكيف يمكنه أن يمتلك حمامات سلام وبلابل أفراح تغرد الأشواق والحب. ـ (وصقورٌ + ونسور) = وهذا اللكسيم الذي ما هو إلا صورة ناقصة تتكامل باللكسيمات السابقة والتي تليه، يصوّر لنا أسراب الصقور والنسور التي ترسم بطولات وطنه، وتحلق في سماء ذلك الوطن بكبريائها، دون أن ترضخ لأيّ ظلم. والصقر له تاريخ من رموز الشراسة والقوة والحرية، وغالبا ما يستخدمه الشعراء، دلالة على الشرف والنبل والكرامة التي يتخذ العربي في ثقافته رمزاً للنجاح والقوة. ـ (وتبزغ + منهُ + صورٌ + لبلدانٍ + شتّى) = وفي اللكسيم، يرجع يصور لنا بنبرة حزينة تلك البلدان التي تشتت رغم قوتها وكبريائها. ـ (ومراكب + غرقى) = ويرجع للماء الذي غرقت فيه مراكب أبحرت في بحور ذلك الوطن، ماء الدموع والألم والآهات. ـ (وزلازل + وحروفٍ + وطغاةٍ + صرعى) = والحروف، نرجع للحروف التي تلامس روح شاعرنا أية ملامسة، والتي تقول كل شيء عنه ولا تقول، والتي تشظت فيه وتلاشى فيها، وصار شاعرها وملكها، وصارت معاناته وبكائه ونداءاته. وانقسمت فيه كباقة حروف مبثوثة، حيث كل حرف منها تملّك كيانه، بل وشق فيه أشواطاً من الحياة، ولم يبق عنده بمثابة ذلك «الحرف الهجائي فحسب، بل غدا كياناً مستقلاً بث فيه روحاً جديدة، وأخرجه من ثوبه المألوف إلى أطر ترميزية تَمَلْمَل فيها بين الإنفتاح والإنغلاق واستنطق رسمه للتعبير عن قضاياه وهمومه وآلامه» (لكناوي، 2022م، ص 84). وهنا، يذهب الشاعر يبث تلك الشظايا الحروفية في ما تبقى منه على السطور، وهو يقسمها حرف تلو حرف، بصور تعلقت في الذاكرة إلى أبد الدهر: ـ (وصورٌ + لنساءٍ + يتبرّجنَ + أبد + الدهر) = في هذا اللكسيم، يرسم لنا الشاعر صورةً من نساء يقصد بهنَّ نوعية من العودة، عودة إلى عالم الجوهر الكوني، كما وضّحت الناقدة أسماء غريب: صورة المرأة داخل نصوص أديب كمال الدين هي نوع من أنواع العودة إلى الجوهر الأنثوي للكون، فهي ليست مُشتهاة بالمعنى الحسي للكلمة؛ ولكنّها بالدرجة الأولى الصورة المُثلى التي يُحب فيها اللّٰه ويُدرك بها وعبرها جماله بشكل يجعل من القارئ يعيش مع الشاعر تجربة النشوة والانخطاف، نشوة تصبح فيها المرأة رمز المعرفة لا رمز هوية وجودة؛ إذ بالصورة يتصور الإنسان المعرفي نفسه متجسداً، وهذا التجسيد يسهّل عليه التعبير عن المعنى لقوة حصوله في الخيال (2013م، ص 77). إذن، كل ما يتحدث عنه الشاعر تحت عنوان المرأة والنساء، لم يكن لغاية ذلك التعبير الظاهري واللغوي للكلمة، بل إنّه تجسيد لمعانٍ أخرى يشرحها عبر ما تليه أبياته وكلماته. ـ (ما + بين + حرفِ + العُرى) = وهنا في هذا اللكسيم واللكسيمات المتتالية التي ترادفت فيها سيمات "حرف" كسيم نووي لا متغير وأساسي، ينثر أديب كمال الدين لآلئ معانيه ومقاصده في تلك الحروف، حتى تشظت حرفاً تلو الآخر تحمل على عاتقها ألم النهايات الحزينة. وأما عن مقصد سيم العُرى عند الشاعر، فيقول عدنان لكناوي بأنّه إظهار لحقائقنا وكشف هويتنا: «أمارة على النقاء والصدق والصفاء؛ لأنّه يظهرنا كما نحن، على حقيقتنا، ويشير إلى هويتنا، حيث نكون نحن لا غير» (2022م، ص 176). ولأنّ الحرف لا تنتهي به مطافات التأويل، فقد بات قضية شائكة عند الشاعر الحروفي كمال الدين، وحين ينتهي منه في قضايا عرى الذات، يزاوجه مع تأويل الموت: ـ (وحرف + الموتِ) = حيث «يبدو الموت في المفهوم القديم خلاصاً من قيد الجسد والمادة، يصبح في المجتمع الحديث حداً وقيداً أمام تحقيق الإنسان لطاقاته وانعتاقه الكامل. فهو نقص مطلق وعطب للمادة وقتل لقدرة لا تعوض وإعدام للحياة وحدّ للذاتية والحرية» (غليون، 2006م، ص 150). وعادة عندما يكون المرء في حالة من التعب والإعياء نجده «أقلّ قسوة عندما يكون المرء متعباً» (سعيد، 2004م، ص 455). ولكن يراه شاعرنا بأنّه الحرف الأعظم، حيث «لا يسبقه حرف ولا يدانيه حرف. وكشاعر اتخذ الحرفَ وسيلةً فنيةً وروحيةً، يقول: "إنّ الحرف والحروفية، بل الشعر والشعرية، إنّما هي احتجاج على الموت وتنديد به، ومحاولة للالتفاف عليه وتحجيمه وتخفيف سطوته وعنجهيته وعبثيته"» (عقيل، 13/8/2017م). لذلك، هذا اللكسيم الذي يظهر بواسطة ذلك الصراع الذي دار ما بين الوقوف على حافة الحياة والعدم، كقلق شاغل سيطر على أفكاره وتجلى في حروفياته. ـ (وحرف + الهذيان) = وأما عن حرف الهذيان، فهو ثالث لكسيم ارتمى من شظايا حروف الشاعر، بعدما انكشفت أغطية الذات والحاربة مع الموت، أتى يردد بحرفه قصيدته المائية المبنية من تصاوير الألم والحلم. هذه النوعية من القراءات تسمّى قراءات مركبة تحتوي على تعاضد عملية (قراءة / كتابة)، مع بعض، فترى فيها «يكتب النص من جديد مع كل قارئ، بل مع كل قراءة، مما يؤدي إلى الإفلات من إسار الدوران الأبله في فلك النص ذاته، وتجاوز شرح مفرداته، وتجاوز تأويلات السابقين له لتصل ... إلى آلية إنتاج النصوص وفهم آلية تداولها ورواجها، وتحريمها وإقصائها ونبذها» (الحلاق، 1999م، ص 10). ولم ينته بنا المطاف إلى هنا فحسب، بل هناك معادلات أخرى يقترحها كورتيس، حتى يصبح معنا النص هو نصّا خطابياً، وهي معادلة الثلاثيات التالية التي اصطلح بها تحت عنوان (الكلاسيمات، السيميمات والميتا سميمات). وسنرى تكملة الحديث فيما يلي:
3ـ2. ثلاثية (الكلاسيمات، السيميمات والميتا سميمات) في القصيدة عندما نريد أن نجمع عناصر النص، علينا أن نجمع قِطَعه المتسلسلة، كتلك العناصر التي قمنا بها في تقطيع القصيدة. واتضح لنا من خلالها ماهية السيمات ونوعيتها المتغيرة واللامتغيرة التي تسمّى النواة، وكيف تتكون من تجميعها، الصور أي اللكسيمات، وبعدها تشكّلت عندنا مقاطع القصيدة حتى نهايتها. وهاهنا نحن أمام مصطلح جديد يختبئ خلف مفردة "تشكّلت"، وهو ما يدعونا لمعرفة عملية التشاكل التي يشير إليها كورتيس من خلال نظريته بأنّها تضمن انسجام النص ونسقيته. يعرّف عبد الملك مرتاض لنا التشاكل بأنّه «تشابه العلاقات الدلالية عبر وحدة ألسنية، إمّا بالتكرار أو التماثل أو بالتعارض سطحاً وعمقاً وسلباً وإيجاباً» (1994م، ص 43). ويرى جوزيف كورتيس أنَّ «المفهوم الأساسي للتشاكل يجب أن يفهم كمجموعة متكررة من المقولات الدلالية (= كلاسيمية) تجعل قراءة موحدة للحكاية ممكنة، مثلما تنتج عن قراءات جزئية للملفوظات وعن حل ملابساتها، موجهة بالبحث عن قراءة واحدة» (2007م، ص 81). إذن، تنقلنا عملية التشاكل من المستوى المتمظهر إلى التفسير البنيوي للنص، وكأنّها تريد أن تخبرنا بأنّ «الصور لصيقة بالمفردات وخزائنها المعجمية والدلالية والثقافية ... بينما المسارات الصورية متعلقة ببنى الخطاب واستعمالاتها فيه، وعلاقاتها مع غيرها، ووفقاً لهذه المنطلقات المنهجية نجد أن النص ينتظم وفق مسارين صوريين، الأول تتمفصل فيه مجموعة من الصور» (واصل، 2013م، ص 45). نبدأ هنا من السيم السياقي، أي الكلاسيم، وهو المنتج الحاصل من ربط الصور اللكسيمية، ومهمته إنتاج المعنى الكامن بينها، ويحتاج على الأقل ربط صورتين أو لكسيمين. وتقول لنا هذه العملية بأن كل لكسيم يمكنه أن يمتلك دلالتين: دلالة ظاهرية، ودلالة باطنية. ويكون مرتكزها على القسم الباطني والمفهومي والدلالي الحاصل من تلك الصورة. ويراها كورتيس بأنها على خط موازٍ مع السيمات النووية؛ لأنّ النوويات تحدد المستوى السيميولوجي للكلام، والكلاسيمات تشكّل مستواه الدلالي ومفهومه الفكري والإنساني. وسنأخذ نموذجا من القصيدة ـ المقطع الأول ـ لنرى ماذا يسرد لنا كلاسيمها:
كما أسلفنا بأنّ كل سطر هو لكسيم. وفي هذين اللكسيمين، نلاحظ ما يبرز لنا هو نوع من الكلاسيم الإنساني حسب السياق؛ لأنّنا طالما واقفين أمام صفتين، مثل (الصمت والصخب)، فإنّنا نربطها بالطباع الإنسانية. وما تسرده لنا هذه الطباع لا إرادياً، مثل هذه حالات الهدوء واللاهدوء في طباع الإنسان. وهذا السيم السياقي يعتبر كلاسيم النوع الأول الذي آنفنا بأنه ينمّ عن دلالة ظاهرية؛ ولكن الكلاسيم الباطني يرجعنا إلى نفس الشاعر المتغلغلة ما بين الصمت والصراخ، والتي أصيبت بحالة من الحنين إلى الوطن، وهو ما تَمَثّل بنهر الفرات. فيقول لنا حسب السياقات الباطنية بطريقة غير مباشرة بأنّ المرء أين ما حلّ وذهب، يبقى حنين الدار يطارده حتى لو أراد التخلص منه. فماذا لو كان ذلك الرحيل، رحيلاً إجبارياً ونفياً مغصوباً عليه؟! إذن هذا نوع من الحنين، هو حنينٌ أبدي لا نهاية له، ولا يضاهيه شعور، ولا يمكن التخلص منه. أو هذا المقطع من القصيدة: «كلّما شربتُهُ أورقت في روحي / النقاط والحروف / وأزهرت فيّ الأغاني والدفوف» (2024م، ج 7، ص 29). المقطع الثاني، الذي يواصل به الشاعر حديثه عن الفرات، فباعتباره الكلاسيم الثاني من القصيدة، يمكننا أن نعتبره كلاسيما مبسطاً للمقطع الأول الذي أشير إليه. هذا غير اللكسيمات المترابطة فيه. فكل سطور هذا المقطع ترجع للفرات كسيم نووي. وما يربطها ببعضها هي الصورة المتكاملة التي تشرح مفتعلات الفرات، أي الوطن المقصود كنواة سيمية للصور اللكسيمية، في ضمير الشاعر. ومجموعة هذه اللكسيمات وما يتنبأ منها هو الكلاسيم المقصود هنا. ويكتمل في الكلاسيم الذي يليه إلى أن تكتمل الصورة. وأما عن السيميمات، فهي تلك القضية التولفية ما بين النواة السيمية التي قلنا بأنَّها ترجع للطبيعة السيميولوجية، والسيمات السياقية ـ الكلاسيمات ـ والتي هي تمسك بزمام الدلالة في النص. وكلاهما ينتميان إلى المستوى المحايث. في الواقع أن السيميمات تلعب دور الناتج في هذا التآلف؛ ولكن تبقى قاصرة العنى دون التجمع الكلاسيمي، وهي بطبيعتها تملك نفس مستوى النواة؛ لأنَّ النواة السيمية بلا أخواتها المتغيرة، كأنَّها يدٍ واحدة لا تصفق، وتكتسب معناها من السيميات المتغيرة. وكذلك بالنسبة إلى السيميمات، فإنّها دون ذلك التوليف الكلاسيمي، لا تستطيع أن تعطي المستوى المتمظهر، إمكانية الظهور. السميميات تظهر معاني النص بعدما تجتمع الصور اللكسيمية، ونحدد الكلاسيمات فيها. وهنا، صار نصنا ذا طابع سيميمي بمنتج أقوى من كونه نص عادي يقرأه المتلقي، ولا يستنتج منه دلالة هادفة. وكلما اكتملت معاني النص ووصل لمفاهيم أعمق، أصبحت طبيعته ميتاسيميمة، حيث تدخلك في دوامة الصور المترابطة وتخرجك بتعابيرها العميقة بمفهوم أعمق. السيميمات والميتاسيميمات تدوران حول مدار واحد وفي نمط واحد. فكلّما توسعت حلقات السيميمات الدلالية، توسعت عملية الميتاسيميمات وأصبح النص نصاً خطابياً متشكلاً من عناصر متعاضدة المعنى مع بعضها، بحيث إنّك تجد كل صورها ومفاهيمها ودلالاتها تهدف إلى دلالة واحدة جامعة، أراد بها الشاعر أو الأديب أن يضعنا أمام مفهوم خاص. وكأنَّ هذه الميتاسيميات هي عبارة عن شجرة ذات فروع وعناصر عدة، تكونت مع بعضها لتقول لنا بأنّها شجرة متفرعة مثمرة. الخاتمة توصلت المقالة إلى ما يلي: أساس الدراسة كان مبنيا على تبيين كيفية تشكيل الخطاب السردي في النص الشعري حسب الثلاثيات الأساسية التي يعرفها جوزيف كورتيس ضمن نظريته، وهي (السيم، والسيم النووي، واللكسيم) و(الكلاسيم، السيميم، والميتاسيميم)، وكلا الثلاثيات المذكورة، هي مجموعة من عناصر تراتبية، من الوحدات الصغرى إلى الوحدات العليا في النص. في المجموعة الأولى من العناصر، نحن بصدد أصغر مكوّن للكلام، ألا وهو الجملة في النص الروائي، والسطر الواحد في القصائد السردية. وأمّا المجموعة الثانية من الثلاثيات، فتأخذنا إلى ما هو أعلى من السطر الواحد أو المقطع في النص الشعري. ومن خلال عملية التقطيع التي أجرتها هذه الدراسة على القصيدة المختارة حلم من ماء، انتهى البحث في نتيجتين، وهما: كل مفردة من هذه القصيدة وبداية من العنوان، هو سيم بحد ذاته، وهذا السيم ينقسم إلى سيم متغير وسيم نووي. فالسيم النووي هو الذي كان نواة الجملة المعنية وثابت وأساسي فيها ولا متغير. وأما السيم المتغير، فهو بمثابة مفردات تعريفية لتلك النواة. وكل سيم متغير من جملة إلى أخرى، يخلق من ذلك السطر صورة، حيث تسمّى هذه الصورة باللكسيم. وهذا اللكسيم يمتلك حالة من التعريف الحاصل من تعاضد السيمات مع بعضها، وهكذا تتكوّن عندنا السطور الشعرية تحت عنوان لكسيمات أي صور. وكل مقطع من مقاطع القصيدة الواحدة هو محصول حاصل لتتابع اللكسيمات مع بعضها، حيث يمكن أن تنتج صور مختلفة مع كل اللكسيم، ويمكنها أن تكون في حالة تسلسلية تربط حلقاتها السطور، وتُعَرِّف بعضها بشكل تتابعي، وتنتج صورة كاملة من هذه الحلقات المتسلسلة. وأما المجموعة الثانية، فهي الثلاثية المتشكّلة من (كلاسيم، وسيميم وميتاسيميم)، فهي تمثّل الدور الأعلى والحلقة الكبرى في ذلك النص، وتضم في أحضانها تلك العناصر كحلقات تعريفية يتم تكاملها بواسطة الحلقات الكبرى. في هذه المجموعة، يحصل عنصر الكلاسيم من مجموعة اللكسيمات المنتجة، وهو يعطي النص مفهوماً سياقياً يختلف عن تلك الصور المتظاهرة في المستوى المتمظهر، وهو كأنّما يبث روح الدلالة والمعنى لها، ويخرج النص من مستواه الظاهري، ويحرّكه بروح المعنى والمفهوم، ويعطي الدور لعنصر السيميم، حتى تكتمل التعابير المتآلفة به، مع بعضها من خلال الصور المستخرجة. ويأخذ ذلك النص مفهوماً أساسياً يسعى لإيصاله الأديب بكل ما يمتلك من مهارات التعبير، حتى يصبح نصه نصاً غنياً بالمعاني الخاصة والمقصودة. وهذا المعنى الخاص الغني بالتعابير، هو الذي يعني لنا بصفته، تلك قضية الميتاسيميمات الشائكة، والتي ستكون المَخرج الأخير لكل هذه الدهاليز الممتالية. وطبعا، يُعتبر الدافع لاختيار هذه القصيدة، هو وجود مقاطعها المتجزئة التي تعني لنا وكأنها فصول متتالية، والنتائج الحاصلة في نهاية القصيدة، وهي تُعتبر كنتيجة نهائية لتلك النتائج التي اختتمت بها المقاطع. والرابط الذي تصافحت به الحروف والمقاطع، بداية من العنوان حتى النهاية، هي كانت غاية الشاعر ليرشدنا على بغيته، حيث تمثلت كل هذه، ما بين السيم بنوعيه، واللكسيم ومجموعات السيميم والميتاسيميم المعني بحثه في الدراسة.
[1]. Algirdas Julien Greimas [2]. Joseph Curtes [3]. L. Tesnière [4]. Seme [5]. Semes [6]. Nuclear Seme [7]. Lexeme [8]. Classeme [9]. Semmime [10]. Meta Semime | ||
مراجع | ||
ابن عربي، أبو عبد اللّٰه محيي الدين محمد بن علي. (1985م). الفتوحات المكية. تحقيق عثمان يحيي وإبراهيم مدكور. القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب. بارث، رولان. (1992م). لذة النص: مقدمة المترجم. ترجمة منذر عياشي. دمشق: مركز الإنماء الحضاري. بلاوي، رسول؛ وآخرون. (2016م). «سيميائية اللون الأسود ودلالاته في شعر أديب كمال الدين: ديوان "الحرف والغراب" أنموذجًا». مجلة جامعة بابل. ع 29. ص 98 ـ 111. بن مالك، حبيب. (2021م). «سند بيداغوجي، محاضرات تحليل الخطاب». مجلة جامعة أبي بكر بالقايد ـ تلمسان. س 3. ص 1 ـ 55. بن مالك، رشيد. (2000م). قاموس مصطلحات التحليل السيميائي للنصوص. الجزيرة: دار الحكمة. ــــــــــــــــ. (2019م). «المصطلح السيميائي من خلال مشروع مدرسة باريس، المعجم المعلقن في نظرية اللغة لأ. ج. غريماس، وجوزيف كورتيس نموذجا». مجلة بحوث سيميائية. ص 9 ـ 14. حسن، مشتاق طالب. (2021). سيمياء التشكيل البصري عند أديب كمال الدين. رسالة الدكتوراه. جامعة سامراء. كلية التربية. الحلاق، محمود راتب. (1999م). النص والممانعة، مقاربات نقدية في الأدب والإبداع. دمشق: اتحاد الكتاب العرب، مكتبة الأسد. حيدري، شهلا؛ وآخرون. (2024م). «ثنائية اللفظ والمعنى في الخطاب الشعري "حرف من ماء" قصيدة حب طويلة للشاعر أديب كمال الدين، مقاربة سيميائية بناء على نظرية جوزيف كورتيس». مجلة أدب عربي. ضمن المقالات الجاهزة للنشر. دراجي، زينة. (2020م). إستراتيجية الحضور والغياب في ديوان (رقصة الحرف الأخيرة) لأديب كمال الدين. رسالة الماجستير. جامعة محمد خيضر ببسكرة. كلية الآداب. زيقم، عصام. (2016م). «المحايثة والقصدية في الخطاب النقدي المعاصر». حوليات الآداب واللغات. ج 4. ص 98 ـ 108. سعيد، جلال الدين. (2004م). معجم المصطلحات والشواهد الفلسفية. تونس: دار الجنوب للنشر. عموري، نعيم. (2015م). «موتيف "الموت والحياة" في شعر أديب كمال الدين». مجلة اللغة العربية وآدابها. س 10. ع 4. ص 587 ـ 610. غريب، أسماء. (2013م). جليات الجمال والعشق عند أديب كمال الدين. الرياض: ضفاف. غليون، برهان. (2006م). اغتيال العقل محنة الثقافة العربي، بين السلفية والتبعية. بيروت: المركز الثقافي العربي. فيدوح، عبد القادر. (2016م). أيقونة الحرف وتأويل العبارة الصوفية، في شعر أديب كمال الدين. بيروت: ضفاف. كمال الدين، أديب. (2024م). الأعمال الشعرية الكاملة. الجزيرة: ضفاف. كورتيس، جوزيف. (2018). «تفسير العلاقة بين اللغة والإحالة». مجلة أيقونات. ترجمة مختارية بن قبلية. ع 6. ج 6. ص 125 ـ 135. ـــــــــــــــــ. (2010م). سيميائية اللغة. ترجمة جمال حضري. بيروت: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع. ـــــــــــــــــ. (2007م). مدخل إلى السيميائية السردية الخطابية. ترجمة جمال حضري. الجزيرة: الاختلاف؛ بيروت: دار العربية للعلوم ناشرون. لكناوي، عدنان. (2022م). الحرف والنقطة في شعر أديب كمال الدين. الجزيرة: الدراويش للنشر والترجمة. مرتاض، عبد الملك. (1994م). شعرية القصيدة، قصيدة القراءة، تحليل مركب لقصيدة أشجان يمانية. بيروت: دار المنتجات العربية. مقداد، رحيم. (2007م). الحروفي: 33 ناقدا يكتبون عن تجربة أديب كمال الدين الشعرية. بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر. مندور، محمد. (د.ت). فن الشعر. القاهرة: دار القلم. الموسوي، سلام مهدي رضيوي. (2021م). «سيموطيقا الآخر في شعر أديب كمال الدين». مجلة آداب ذي قار. ج 11. ع 2. ص 120 ـ 163. نوماس، كريمة. (2021م). أسلوبية التشكيل الشعري المعاصر عند أديب كمال الدين. دمشق: دار الأمل الجديدة. واصل، عصام. (2013م). في تحليل الخطاب الشعري: دراسات سيميائية. الجزيرة: دار التنوير. والي، سهام. (2021م). «ترجمة المصطلح السيميائي: مدرسة باريس أنموذجا». مجلة اللسانيات. ع 1. ص 435 ـ 460.
ب. المواقع الإلكترونية حمداوي، جميل. (2015م). الاتجاهات السيموطيقية. https://www.alukah.net عقيل، حنان. (13/8/2017م). أديب كمال الدين: الكتابة بأسلوب "النجارة" تنتج قصائد مهلهلة وفقيرة. https://www.alarab.app
الكيلاني، مصطفى. (2010م). الحرف والطيف: عالم أديب كمال الدين الشعري، مقاربة تأويلية. https://www.adeebk.com/kasaedy/plaz/47.htm
| ||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 13,068 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 12,768 |