تعداد نشریات | 43 |
تعداد شمارهها | 1,650 |
تعداد مقالات | 13,398 |
تعداد مشاهده مقاله | 30,195,166 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 12,071,813 |
لغة الوجه والعین في نهج البلاغة دراسة دلالیة | ||
بحوث في اللغة العربية | ||
دوره 16، شماره 31، دی 2024، صفحه 37-50 اصل مقاله (1.01 M) | ||
نوع مقاله: المقالة البحثیة | ||
شناسه دیجیتال (DOI): 10.22108/rall.2024.140152.1495 | ||
نویسندگان | ||
سيد مهدي مسبوق* 1؛ مریم علیزاده سرشت2 | ||
1أستاذ في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة بوعلي سينا، همدان، إيران | ||
2حاصلة على الماجستير في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة بوعلي سينا، همدان، إيران | ||
چکیده | ||
لغة الجسد لغة متفوقة منذ القدم ولدت مع الفطرة البشرية؛ لذلك تعد أكثر شفافية من التواصل اللفظي. هناك ألفاظ تعجز عن نقل الرسالة إلى المتلقي، فتأتي لغة الجسد داعمة لها، تبين ما خفي من معانيها ودلالاتها، فهي انعكاس صادق لما نفكر أو نشعر به. یهدف هذا البحث إلی دراسة لغة الجسد في نهج البلاغة، بالمنهج الوصفي ـ التحلیلي. وقد وقع اختیارنا علی لغتي الوجه والعین أنموذجین فقط، منعاً لتضخم البحث. فندرسهما دراسة دلالية، ونوضح أهم المواضع التي يبرز فيها التواصل من خلال حركات الوجه والعين، لنستشف أهمية هذا التواصل ودلالاته في کلام الإمام علي (8). تكمن أهمية هذا البحث في کونه یبیّن الأثر الذي تتركه لغة الوجه والعین في الآخرين، كما یجعل القارئ أكثر فهماً واستيعاباً لکلمات الإمام علي ويسهل على الدارسين الغوص في أبحاث واسعة ضمن هذا المجال. أما أهم النتائج التي تم التوصل إليها، فهي أن الإمام علي حرص علی تنویع طرق إیصال الأفکار إلی الآخرین، بلغة الجسد التي من شأنها أن تسرع من عملیة بث الأفکار والمشاعر والانفعالات وکشف مخبوءات الباطن وفهمها من قبل المخاطب واستقبالها، حیث لم یقف الإمام عند حد الکلام المنطوق، وإن للغة الوجه والعین دورا مهما في الاتصال بالمتلقي في کلام الإمام، وذلك عبر إيصال الرسائل الهادفة، كما أن لها وقعا کبیرا في تبسیط التواصل والتفاهم بين الأفراد وتسهیله. یدل الوجه في کلام الإمام علی ظاهر المؤمن ودماثة الخلق والفرح والبشاشة والمجد والکرامة والرد والمنع، وتدل العين التي هي أکثر الجوارح تعبیرا عن المعاني وتأثرا بتغیر الأحوال النفسیة علی أمور مختلفة، منها الازدراء والتحقیر والخشوع والخوف والفزع. | ||
کلیدواژهها | ||
لغة الجسد؛ الوجه؛ العین؛ الدلالة؛ نهج البلاغة | ||
اصل مقاله | ||
حرصنا في بناء أساسات هذا البحث، علی دراسة وتقصي كتاب نهج البلاغة؛ لكونه تبيانا للمسألة الجوهرية التي نريد دراستها، فهو من أفضل النماذج على الإطلاق، لما له من وقع في القلوب والنفوس وعلاج للأرواح. فبلاغته الملموسة مستقاة من بلاغة القرآن وتعالیم الرسول الأمين (2)، حيث لا يمكننا أن نغفل أهمية ودور الإمام علي (8) الذي كان بعفويته الثقافية يأتي بالنص المرتجل كنص مكتوب، كأنه آیة في الروعة والإتقان. فهذا دليل واضح على الفعالية الخارقة لعقل مبدع موهوب. فالإمام علي هو السيد المؤكد في عالم العقول. فنرى أن كتاب نهج البلاغة بكل ما يحويه من تنوع في مواضيعه وسعة في ميادينه، أرض خصبة لجميع الدارسين. یهدف بحثنا هذا إلی دراسة لغة العين والوجه في نهج البلاغة دراسة دلالیة، لما لها من أهمية قصوی وقيمة جلیلة. فمن خلال تتبع خطب ورسائل وحكم الإمام، ارتأی لنا أنها ترتكز على عملية التواصل الجسدي، وخاصة لغة الوجه والعین اللذین لحرکاتهما دلالات مختلفة عمد الإمام إليها، ليكون أثر کلامه أكبر في النفوس. لا يمكن نكران أن البلاغة لها ارتباط وثيق بالأهداف والأغراض الدينية؛ لأن الوسائل البلاغية طريق إلى أداء الحقائق على نحو مؤثر؛ ففيه إقناع يفتح الأبواب المحكمة ويقتحم القلوب المغلقة. ومن يدرس هذا الكتاب، يعرف أن لغة الجسد تشغل مساحة کبیرة في کلام الإمام، حيث تم توظیفها للأهداف الأدبیة، ولاسيما أن لغة الإشارة تقرب من عملية التواصل بين الكائنات جميعها. أما المنهج المتبع في هذا البحث، فهو المنهج الوصفي ـ التحليلي الذي يعمد إلى تحليل لغة العین والوجه في نهج البلاغة من منظور دلالي، ونسعی من ورائه أن نخلص إلى إجابات شافية للسؤالین، هما: ـ ما أهمیة لغة الجسد في خطاب نهج البلاغة؟ ـ ما أهم دلالات لغة العین والوجه في نهج البلاغة؟ والهدف الذي نبتغي الوصول إليه من خلال هذا البحث، هو بيان الأثر الذي تتركه ألفاظ العين والوجه، بالاعتماد علی الأمثلة والنماذج، وكشف دلالاتها ومعرفة مدى أهمية لغة الجسد في إظهار ما خفي من معان ودلالات قد عجزت الألفاظ عن إیصالها إلى المتلقي. 1ـ1. خلفیة البحث هناك کتب وبحوث ورسائل وأطاریح جامعیة أجراها الباحثون حول دراسة لغة الجسد، سواء کانت عن القرآن أم الأعمال الأدبیة، کما أن هناك بحوثاً درست نهج البلاغة؛ ولکن هذه البحوث لم تتطرق إلی لغة العین والوجه في کلام الإمام علي. فهذه الدراسة جدیدة في نوعها لم یدرسها أحد. ومن الدراسات المتعلقة ببحثنا هذا ما یلي: كتاب البيان بلا لسان: دراسة في لغة الجسد، لمهدي أسعد عرار، 2007م. وفيه يتجاوز الباحث ما ينطق به الصوت؛ إذ يفتح للبيان آفاقاً یستنطق بها لغة الصمت ويقوم بتجاوز ما يخرج عن اللسان، فيوضح لغة الجسد بالكامل. فيعد هذا الكتاب إضافة منفردة للغة الجسد ودلالاتها الخفیة. وكتاب المعاني الخفية لحركات الجسد، لجوزيف ميسينجر[1]، عام 2006م. يهدف الكاتب إلى دراسة معاني الحركات والإشارات العفوية الشائعة بين المجتمعات بأسلوب فكاهي يجعل القارئ أشد انجذاباً ويساعده على تذكر إيماءات الجسد ومعانيها، كما رأى الكاتب إبراز المعاني الدلالية العميقة لكل حركة وإشارة يصدرها الشخص خلال المواقف اليومية التي يصادفها ويتعرض لها. وقد خصص في هذا الكتاب زاوية كبيرة لدراسة الوجه ودلالاته وكل ما يصدر عنه من إشارات وإيماءات مختلفة. ورسالة لغة الجسد في القرآن، لأسامة جميل عبد الغني ربايعة، سنة 2010م. تهتم الرسالة بدراسة لغة الجسد من خلال الوقوف على الآيات القرآنية، وتتبع حضور لغة الجسد في النص القرآني. فأهم نتائج الدراسة أن الإنسان بإمکانه أن يستخدم لغة جسده فقط لإيصال أفكاره إلى الآخرین، ويستطيع أيضاً قراءة المعاني ذاتها في الطرف المقابل له ،والذي يجري معه العملية الإتصالية، وأن الاتصال الصامت يوازي الاتصال الناطق في أهمية وجوده من خلال الآیات القرآنیة. ومقالة معنونة بدراسة الدلالات المفهومية والبلاغیة للغة اليد في نهج البلاغة، لجعفر عموري. في هذا المقال، يدرس الكاتب حركة اليد ودلالاتها وجمالیاتها البلاغیة في نهج البلاغة. من هذا المنطلق، نری أن هناك اختلافاً بين بحثنا هذا والدراسات السابقة التي عرضناها سابقاً؛ إذ ینصب جهدنا في هذه الورقة علی استقصاء کلام الامام علي الذي تبرز فیه لغة العین والوجه مع بیان دلالاتها وتأثیرها في المتلقي، معتمدین علی شروح نهج البلاغة.
إن لغة الجسد هي الحرکات والإیحاءات والنظرات التي یقوم بها الإنسان للکشف عن مشاعره وعواطفه. وهذه الحرکات والإیحاءات تکون بدیلة للتواصل اللفظي أو مکملة لها. ویمکننا القول إن لغة الجسد «هو الفعل بلا کلام ... بالشخصیة أو بالحدث أو بالموضوع» (هاني، 2007م، ص 57).
تتسم تصرفات الناس بقدر كبير من الحساسية، وذلك عند تعرضهم لظروف عاطفية. فتترجم هذه التصرفات على وجوههم، سواء كان الشعور بالحزن أم السعادة أم البغض أم الكآبة. الوجه هو كتاب يمكننا قراءته وقراءة ما يجول في أعماق النفس البشرية. ومن جهة أخرى، يعتبر الوجه وملحقاته كمفتاح يعبر عن المشاعر الداخلية. فنحن نری أن تعابير الوجه البشوش تدل على السعادة والطاقة الإيجابية للشخص. فالوجه البشوش دليل على السعادة والفرح؛ أما الوجه الذي يعقد الحاجبين، فدليل على الحزن واليأس (داود، 2006م، ص 34). في اللغة العربية، الوجه له معان مختلفة ومتنوعة. ومن هذه المعاني، من أجل بيان المفهوم، نقول: "وجه الأمر"؛ وللإشارة على الكرم والسخاء: "أغر الوجه"؛ وللإشارة على الملامة: "فلان عبد الوجه"؛ ومن أجل بيان العظمة والكرامة: "حفظ ماء وجهه"؛ وللإشارة على الجمال: "مشرق الوجه"؛ ولبيان العبوس، يقال: "وجه كالح" (ابن منظور، 1994م، ج 13، ص 557). تكثر صور استخدام الوجه وإشاراته في المدح واللوم والتعظيم والاعتزاز.
وردت کلمة الوجه في نهج البلاغة 21 مرة؛ وفي خمسة مواضع له معان ضمنية وكنائية. ندرس فیما یلي، کلمة الوجه ودلالاته في کلام الإمام. 4ـ1. مخبوءات الإنسان وبواطنه «مَا أَضْمَرَ أَحَدٌ شَيْئاً، إِلَّا ظَهَرَ في فَلَتاتِ لِسانِهِ وَصَفَحاتِ وَجْهِه» (الحکمة: 26). المعنی: القلب حافظ لحقائق وخفايا الإنسان، كما هو مخزن لأسراره؛ وكلّما كان السر أستر، كان على القلب أثقل. شرح الخطبة: إن أعمال الإنسان وأفعاله تظهر كما ينوي في أعماقه، ويضمرها في نواياه. قد يريد الإنسان أن يخفي معالم وجهه، سواء كان غاضباً أم فرحاً. فتأتي صفحات وجهه وتوضح هذه المعالم. ويظهر ذلك في مواقف متنوعة. فإن تعرض المرء لموقف مخيف، يذهب لون وجهه فجأة وتتغير ملامحه، وكذلك إذا تعرض لموقف سارّ والتقی بصدیق غاب عنه لمدة، تبدو معالم السرور والفرح على وجهه. 4ـ2. ظاهر المؤمن «الْمُؤْمِنُ بِشْرُهُ فِي وَجْهِهِ وَحُزْنُهُ فِي قَلْبِهِ، أَوْسَعُ شَيْءٍ صَدْراً وَأَذَلُّ شَيْءٍ نَفْساً، يَكْرَهُ الرفْعَةَ وَيَشْنَأُ السُّمْعَةَ، طَوِيلٌ غَمُّهُ، بَعِيدٌ هَمُّهُ» (الحکمة: 333). المعنی: قدم الإمام في هذه العبارة وصفا کاملا للمؤمن وذکر کل سماته، حیث یقول إن الإنسان المؤمن هو الذي تظهر على ملامح وجهه معالم الفرح، ویضمر أمارات الحزن في قلبه، فلا يظهرها للعلن حتى لا يكون ضعيفاً بنظر من حوله؛ ومن صفاته أن يكون واسع القلب، لا يرضى الذل، ویکره التكبر والغرور، ولا يرغب في أن یكشف عن أعماله الحسنة، ويفضل أن تكون بينه وبين اللّٰه تعالى، وأن لا يتحدث عن محاسن أفعاله الآخرون. 4ـ3. المجد والكرامة ففي إحدى الحكم، قال الإمام علي (8): «مَاءُ وَجْهِكَ جَامِدٌ، يُقْطِرُهُ السُّؤالُ؛ فَانْظُرْ عِنْدَ مَنْ تُقْطِرُهُ» (الحکمة: 346). یقصد الإمام بماء الوجه العفاف والكرامة، فهي أغلى ما يملكه الإنسان، فیحافظ علیه ویصونه، ویمنع نفسه عن إظهار الحاجة عند الناس والاكتفاء بطلبها من اللّٰه عز وجل؛ أما من استغنى عن العفة وعدل عنها، فقد ظهرت في وجهه آثار الانقباض وتغيير الملامح. فتتجلى الرعشة في الوجه؛ وهذا من دلائل انقباض عضلات الوجه ويظهر التعرق باديا على ملامحه. وقد تم التعبير عن هذا الكلام بمصطلح ماء الوجه، فقال الإمام: إن ماء الوجه جامد لا يذهب بنفسه. فالذي يذيبه هو إظهار الحاجة لغير اللّٰه تعالى. وقد نصحَنا أمير المؤمنين أن نسعی لحفظ ماء وجهنا وعدم بذله إلا لمن له المروءة والصلاحية علی الاستجابة. طلب أيضا الإمام علي في الخطبة (225)، من اللّٰه تعالى أن يكفيه ولا يجعله محتاجاً؛ لأن الفقر یذهب بسمعة الإنسان: «اللَّهُمَّ صُنْ وَجْهي بِالْيَسَارِ وَلَا تَبْذُلْ جاهيَ بِالْإِقْتارِ، فَأَسْتَرْزِقَ طالِبي رِزْقِكَ وَأَسْتَعْطِفَ شِرَارَ خَلْقِكَ، وأُبْتَلَى بِحَمْدِ مَنْ أَعْطَانِي وَأُفْتَتَنَ بِذَمِّ مَنْ مَنَعَنِي، وَأَنْتَ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ كُلِّهِ وَلِيُّ الْإِعْطَاءِ وَالْمَنْعِ، إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير». "الوجه" هنا بمعنى الجاه والعزة. ومن ذلك، يقال: کان للإمام علي وجه بین الناس أي جاه وعزّ. يوضح الإمام علي للعامة أن الكرامة وعدم طلب الحاجة من الآخرین من أسمى صفات المؤمن. فالفقر غير معيب؛ ولكن عدم السعي لطلب العمل، ومد يد المعونة إلى الناس یسبّبان الإذلال والرضوخ لأوامر المخلوقین. بذلك يطلب الإمام علي حاجته من الخالق ولا یستعین إلا به ویطیعه طاعة مخلصة. جاء في شرح هذه الخطبة: إلهي لا تجعلني أحتاج إلى أحد، ولا تذهب بماء وجهي بالفقر والضيق، لا تجعلني محتاجاً إلا إلى وجهك الكريم، إلهي استر عليّ بكرمك ولا تجعلني أمدّ يدي إلى أحد من خلقك. فالفقر يولد الكثير من النتائج السلبية التي تؤثر على عزة الإنسان وكرامته، ومنها: ذهاب ماء الوجه؛ ولأن ماء الوجه والسمعة أمران متلازمان، فإنه لا يمكن أن تتحقق خصلة بدون الأخرى؛ والفقر كما يقول الإمام (ع) إنه يقضي على كرامة الإنسان وشخصيته (بحرانى، 1370ﻫ.ش، ص 163). 4ـ4. شعبیة الحاکم ودماثة خلقه في الرسالة (67)، يخاطب الإمام قثم بن العباس، حاكم مكة، بخصوص الموضوعات الأخلاقية والسياسية، ویتحدث عن طريقة التعامل مع الناس، يستخدم لغة الجسد لتوضيح ما يريد إيصاله إلی المخاطب: «وَلَا یَکُنْ لك إِلَی النَّاس سَفِیرٌ إِلَّا لِسَانُك وَلَا حَاجِبٌ إِلَّا وَجْهُك وَلَا تَحْجُبَنَّ ذَا حَاجَةٍ عَنْ لِقَائِك بهَا، فَإِنَّهَا إِنْ ذیدَتْ عَنْ أَبْوَابك فِي أَوَّلِ وِرْدهَا لَمْ تُحْمَدْ فِیمَا بَعْدُ عَلَی قَضَائِهَا». تدل الخطبة على أنه لا يوجد شيء للتواصل البشري أفضل من لسانك، ولا بوابة لقراءة الأفكار إلا وجهك؛ فإياك أن تقوم بالامتناع عن تلبية حاجات الناس؛ لأنهم إذا تم رد حاجاتهم في بادئ الأمر عن بابك، فلا تنتظر حمداً لك منهم حتى ولو تم قضاء حاجاتهم فيما بعد. فدماثة الخلق عند الحكام من أفضل الخصائص الموجودة في التعاليم الدينية، والتي توجد عند أولياء اللّٰه الصالحين. 4ـ5. ظهور أمارات الفتنة وعلاماتها یتحدث الإمام في الخطبة 108 عن علامات الفتنة وعواقبها والظلم الذي أحدثه بنو أمية في أیام حکمهم وتمتد نتائجه إلى الآن: «قد انجابت السرائرُ لأهل البصائرِ، ، «قد انجابت السرائر لأهل البصائر، ووضحت حجة الحق لخاطبها وأسفرت الساعة عن وجهها، وظهرت العلامة لمتوسمها» (الخطبة: 108). تمت دراسة الأسرار الداخلية لأصحاب المعرفة الواضحة وإضاءة الطريق الصحيح للجاهلين، وکشف القناع، وبدأت علامات الساعة تظهر. وقد تم استخدام كناية "أسفرت عن وجهها"، لإظهار القوة في التعبير عن هول وعظمة هذا اليوم. فعبارة "أسفرت عن وجهها"، تعني كشف القناع وإظهار ما یتضمنه ویحتويه. وهنا يقصد مضمون الوجه المخيف، أي أن القيامة قد أظهرت وكشفت عن وجهها؛ لأن أول ما يراه الإنسان وينتبه إلیه هو الوجه الذي يعد بوابة لتلقي جميع الأفكار وفهمها. فقد قام الإمام علي بتشبيه الفتن والشغب بوجه يوم القيامة (بحرانى، 1370ﻫ.ش، ص 3). 4ـ6. الفرح والبشاشة إن تقسيمات وجه الإنسان بكل معانيها، تبعث في نفس المقابل فهم المشاعر وومخبوءات النفس والأحاسيس الكامنة في القلب. فعندما يكون الوجه مبتسما ضاحكا، نشعر تلقائياً بالإنجذاب والرغبة في تبادل تلك الإبتسامة. فبشاشة الوجه دليل على سماحة القلب ورحابة الصدر، مثال ذلك: «فاخفض لهم جناحك، وألن لهم جانبك، وأبسط لهم وجهك، وآس بينهم اللحظة والنظرة، حتى لايطمع العظماء في حيفك لهم» (الرسالة: 27). يقدم الإمام نصيحة بالتواضع وعدم العبوس بوجه الآخرين. فالوجه السمح والضاحك يبعث السرور والطمأنينة في النفس. فالتعاليم الدينية في التواصل الاجتماعي ترتكز على السعادة والسرور، وتؤكد بشكل كبير على إخفاء معالم الحزن التي تكون نتائجه سلبية على الفرد والمجتمع، الحزن الذي قد يحدث بسبب الظروف الشخصیة والاجتماعية غير المواتية. وهذه المعالم لا ترتبط بالشخص الحزين فقط، بل يمكن أن تكون متعلقة بالوجوه المبتسمة والضاحكة. فيعد الضحك والتبسم من أكثر العلامات والإشارات التي تدل على أسلوب التواصل الصامت مع الآخرین. بعد أن قام الإمام علي بتنصيب محمد بن أبي بكر ولایة مصر، أوصاه في الخطبة 27 بأن يكون بشوش الوجه أمام الناس. فهو كناية عن التعامل الطيب مع الناس وإظهار الوجه السمح بالتعامل معهم، لا أن يكون مقطب الحاجبين مكفهر الوجه. فتدل هذه الصفات على التواضع. وفي هذه التوصية، نلاحظ بوضوح إشارة الإمام إلى أهمية التبسم، وهو أدنى مستويات الضحك. والغاية من الإشارة إلى الضحك في هذه الرسالة هي إظهار أثره الإيجابي على الناس. في القسم الأول من هذه الخطبة، نجد أنه يتم استخدام لغة الجسد كعلامة تواصل للتعبير عن التواضع. وهذه العلامات التي تظهر على الوجه، تمثل الحالة العقلية والداخلية للإنسان، وهذا دليل للتعبير عن التفسيرات التي تتعلق بالحالات النفسية للإنسان كسمعته. فانبساط الوجه والتبسم في هذه الخطبة هو جزء من العلامات. ولأن حركات الوجه تعد من علامات التواصل الصامت، من أجل إبراز العواطف والمشاعر، فتم التوجه إليها في هذه الخطبة. 4-7. الرد والمنع «فقُلْتُ بَلْ أَنْتُمْ وَاللّٰه لَأَحْرَصُ وَأَبْعَدُ وَأَنَا أَخَصُّ وَأَقْرَبُ، وَإِنَّمَا طَلَبْتُ حَقّاً لِي وأَنْتُمْ تَحُولُونَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ وَتَضْرِبُونَ وَجْهِي دُونَهُ» (الخطبة: 172). في هذه الخطبة التي تتمحور علی القضایا السیاسیة والدینیة عن الإسلام، تم استخدام كلمة "الوجه" في معناه الضمني العميق بمعنى الرد والمنع وسد الطريق. یقول الإمام: إنكم واللّٰه بعيدون كل البعد عن رسوله تعالى، وإني أكثر قرباً واختصاصاً له (2) منكم، وإني أحق به منكم، فأنتم تريدون أن تضعوا حاجزا وتمنعوني عنه. فالوجه، كما نعرف، عضو في جسد الإنسان؛ ولكن الإمام تعمّد معناه الضمني للدلالة على بلاغته وفصاحة لسانه ولإعطاء كلامه لمسة جمالية ظاهرة؛ وبذلك يمكن للمتلقي أن يفهم في هذه الخطبة المعنى الأخلاقي والتعليمي بصورة سلسة وواضحة. 4ـ8. سائر دلالات كلمة الوجه قد تفيد كلمة الوجه معنی الاهتمام بجميع الآراء، کقوله (8): «من استقبل وجوه الآراء، عرف مواقع الأخطاء» (الحکمة: 173). المعنی: لا يستحقّ إطلاق الرأي على إظهار نظر إلّا إذا كان صادراً من الخبير في الموضوع المراد إيصاله ووجهة نظر الخبير في رأيه مستند إلى دليل يقيني ووجه علمي. فاذا اختلفت الآراء في مسألة بين ذوي الخبرة كالفقهاء في الأحكام الشرعيّة، أو الصناع في الأمور الصناعيّة، فلا بدّ أن يعتمد كلّ من أصحاب الآراء على دليل. فمن تصفّح أدلّتهم وتوجّه إلى وجوه آرائهم، يعرف بالتدبّر وإمعان النظر مواقع الخطأ، ويستخرج من بينها ما هو الصواب. شرح الخطبة: على كل فرد أن يسعى ليتفهم آراء الآخرین ویتقبلها برحابة صدر حتی يستطيع أن يعرف مواضع الخطأ، وأيضاً يجب على الانسان أن يأخذ برأي من هو أعلم وأكبر منه، وألا يكتفي برأيه فقط؛ وبذلك يمكنه الوصول إلى الحقيقة المطلقة في أمور حياته. وقد جاء في إحدی حكم الإمام في غرر الحكم، ما يشابه هذه الخطبة في معناها الضمني: «حَقٌّ عَلَى الْعاقِلِ أنْ یُضیفَ إلى رَأْیِهِ رَأْىَ الْعُقَلاءِ وَیَضُمَّ إلى عِلْمِهِ عُلُومَ الْحُکَماءِ» (الآمدي، 1375ﻫ.ش، ص 161). كلمة "الوجه" قد تکون بمعنی السياق الذي يحمل أكثر من معنى کقوله (8): «لَا تُخَاصِمْهُمْ بِالْقُرْآنِ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ حَمَّالٌ ذُو وُجُوه، تَقُولُ وَيَقُولُونَ ...، وَلَكِنْ حَاجِجْهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنَّهُمْ لَنْ يَجِدُوا عَنْهَا مَحِيصاً» (الرسالة: 77). المعنى: إن كتاب اللّٰه الكريم یحمل في طیاته عدة المعاني. فمهما حاولنا فهم معاني القرآن ومضامينه والتعمق في تفاسیره، يبقى ما هو جوهري خالد بين سطوره وكلماته؛ لذلك ينصح الإمام أن تكون الحجة على الأعداء بالسنة النبوية والأحاديث الشريفة؛ لأنها تحمل معنى واحدا مباشرا يسهل فهمه. أما القرآن فله وجوه مختلفة ومتعددة لمعنى واحد. ينصح الإمام في هذه الرسالة عبد اللّٰه بن عباس في مواجهته للخوارج، ویقول لا تجادلهم بالآيات الإلهية؛ لأن القرآن یحتمل وجوها عدیدة في تفسيره وإيضاحه، فتعامل معهم بالرکون إلی السنة النبوية الشريفة، وبذلك لن يجدوا منها مهرباً. مثال آخر: «دَعُونِي وَالْتَمِسُوا غَيْرِي، فَإِنَّا مُسْتَقْبِلُونَ أَمْراً لَهُ وُجُوه وَأَلْوَانٌ لَا تَقُومُ لَهُ الْقُلُوبُ وَلَا تَثْبُتُ عَلَيْهِ الْعُقُول» (الخطبة: 92). المعنى: قام الخلفاء الظالمون بتغيير سنّة رسول اللّٰه وسيرته التي كان يتبعها بالعدل والقسط والمساواة بين الرعية، فقاموا بتفضيل العرب على العجم، والرؤساء على العامة، والموالي على العبيد، وفضّل عثمان أقاربه من بني أمية على سائر الناس. فجرى على ذلك ديدنهم سنين عديدة، واعتاد الناس ذلك على مرّ العصور حتّى نسوا سنة الرسول الكريم، وطالبوا الإمام ببيعته ليكون متماشياً معهم في سيرتهم التي اتبعوها. فما كان من الإمام إلا أن خاطبهم بكل جدية وقال: اتركوني واختاروا غیري آخر للبیعة، وقام بتحذيرهم من وجود الفتنة وبداية الحرب بسبب ظهور البدع وخفاء شمس الحقّ. تعني كلمة الوجه الصادقین الحافظین في قوله: «وآخَرُ رَابِعٌ لَمْ يَكْذِبْ عَلَى اللّٰه وَلَا عَلَى رَسُولِهِ، مُبْغِضٌ لِلْكَذِبِ خَوْفاً مِنَ اللّٰه وَتَعْظِيماً لِرَسُولِ اللّٰه (ص)، وَلَمْ يَهِمْ بَلْ حَفِظَ مَا سَمِعَ عَلَى وَجْهِهِ، فَجَاءَ بِهِ عَلَى مَا سَمِعَهُ [سَمْعِهِ]، لَمْ يَزِدْ فِيهِ وَلَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ، فَهُوَ حَفِظَ النَّاسِخَ فَعَمِلَ بِهِ وَحَفِظَ الْمَنْسُوخَ فَجَنَّبَ عَنْهُ وَعَرَفَ الْخَاصَّ وَالْعَامَّ وَالْمُحْكَمَ وَالْمُتَشَابِهَ فَوَضَعَ كُلَّ شَيْءٍ مَوْضِعَه» (الخطبة: 210). یقول: إن آخر رابع له اهتمام بأمر الدين وعناية خاصة بالشرع المبين، وکان صادق العهد مع اللّٰه تعالى ورسوله الكريم (ص)، يخاف اللّٰه تعالى ويجتنب غضبه ولم يكن رجلا منافقا متصنّعا بالإسلام تحرّجا من الكذب والزّور (الخوئي، 1374ﻫ.ش، ص 35). جاء في رسالة إلى معاوية قبل حرب صفين: «فَاتَّقِ اللّٰه فِي نَفْسِكَ وَنَازِعِ الشَّيْطَانَ قِيَادَكَ وَاصْرِفْ إِلَى الآخِرَةِ وجْهَكَ، فَهِيَ طَرِيقُنَا وَطَرِيقُكَ؛ وَاحْذَرْ أَنْ يُصِيبَكَ اللّٰه مِنْهُ بِعَاجِلِ قَارِعَةٍ تَمَسُّ الْأَصْلَ وَتَقْطَعُ الدَّابِرَ» (الرسالة: 55). المعنى: قام أمير المؤمنين عليه السّلام بالتبشير والإنذار للبغاة والعصاة، وعلى رأس هؤلاء العصاة كان معاوية الذي لم يتأثر بإنذار الرسول صلّى اللّٰه عليه وآله طيلة دعوته بمكّة قبل الهجرة، وبقي على كفره ووثنيّته، وبعد أن فتح رسول اللّٰه مكّة المكرمة، آمن هو وأبوه وأهله كرهاً وأسرّوا النفاق دهراً، حتّى توفّي صلّى اللّٰه عليه وآله، فدبّروا وكادوا حتّى استولی معاویة علی مقالید الحکم في الشام، فقام عليّ بإنذاره أداء لحقّ الوصاية وذكّره بآية من القرآن، منها قوله تعالى: «لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًاª (هود 11: 7)، ونبّهه على أنّ الدنيا دار الممر والمحنة والمعاناة.
كلمة الوجه تعني «إشارات اللّٰه وعلاماته في الطبيعة»: «تَبَارَكَ اللّٰه الَّذِي يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً، وَيُعَفِّرُ لَهُ خَدّاً وَوَجْهاً، وَيُلْقِي إِلَيْهِ بِالطَّاعَةِ سِلْماً وَضَعْفاً» (الخطبه: 185). المعنی: أراد بالسجدة معناها الحقيقي؛ لأنّه يسجد له الملائكة والمؤمنون طوعا حالتي الشدّة والرخاء، ویسجد الكفرة له كرها عند الشدّة والضرورة فقط أو معناها المجازي أعني مطلق الخضوع أعمّ من التكليفي والتكويني، أي الدخول تحت ذلّ الافتقار والحاجة (الخوئي، 1374ﻫ.ش، ص 31). كلمة الوجه هنا تعني "وجوه صالح الأعمال": «أنْظرْ فِي حَالِ کُتَّابِك فَوَلِّ عَلَى أُمُورِك خَيْرَهُمْ، وَاخْصُصْ رَسَائِلك الَّتِي تُدْخِلُ فِيهَا مَکَايِدَك وَأَسْرَارَك أَجْمَعِهِمْ لِوُجُوهِ صَالِحِ الأخْلاَقِ مِمَّنْ لاَ تُبْطِرُهُ الْکَرَامَةُ، فَيَجْتَرِئَ بِهَا عَلَيْك فِي خِلاَف لَك بِحَضْرَةِ مَلاَ وَلاَ تَقْصُرُ بِهِ الْغَفْلَةُ عَنْ إِيرَادِ مُکَاتَبَاتِ عُمِّالِك عَلَيْك، وَإِصْدَارِ جَوَابَاتِهَا عَلَى الصَّوَابِ عَنْك، فِيمَا يَأْخُذُ لَك وَيُعْطِي مِنْك» (الرسالة: 53). يوجه أمير المؤمنين هنا الكلام إلى مالك الأشتر، ويوصيه أن يهتم لأمر الكتّاب لما لهم من أهمية ورفعة مقام عنده بأن يقوم بتولية أفضلهم وأكثرهم عملاً على شؤون أموره، ويخص بذلك الأمور المتعلقة بالرسائل التي يرسلها ومضمونها سياسي لا يمكن لأي أحد الاطلاع عليها، فيصف أمير المؤمنين الكتّاب ذوي الوجوه الصالحة والأخلاق الكريمة وعزة النفس.
لقد كان للعيون أهمية فائقة عبر الزمن، فهي من أهم وأجمل أعضاء الجسد. تكمن أهمية العيون في كونها رمزا لإعطاء الطاقة الإيجابية وبوابة لفهم ما يخفيه الإنسان في داخله من أفكار؛ لذلك يعتقد بعض الأشخاص أنهم يمكنهم من خلال النظر إلى العيون مباشرة أن يكتشفوا مدى صدق أو كذب المخاطب. ففي الواقع، تعتبر العيون لغة ثانية للإنسان بعد اللسان. ويعتقد بعض الناس أن العين كلمات بدون صوت، حيث يطلقون عليها «كلام مرئي أو لغة الإشارة» (طراد، 2014م، ص 48). وبدقة أكثر، يمكن القول إن العيون تكشف الأسرار التي يخبئها الإنسان في قلبه وأحواله المتقلبة التي يحاول جاهداً إظهار عكسها من خلال كلامه، فتأتي العيون فاضحة لأسراره وأحواله. فالعيون تعتبر من أهم وأفضل طرق التواصل لكشف وإظهار الأسرار الداخلية للإنسان (عرار، 2007م، ص 49). نذکر فیما یلي دلالات کلمة العین في نهج البلاغة. 5ـ1. غلبة النعاس «مَلَكَتْنِي عَيْنِي وَأَنَا جَالِسٌ فَسَنَحَ لِي رَسُولُ اللّٰه (صلى اللّٰه عليه و آله)، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللّٰه مَا ذَا لَقِيتُ مِنْ أُمَّتِكَ مِنَ الْأَوَدِ وَاللَّدَدِ» (الخطبة: 70). فـ"ملكتني عيني": ملكتني استعارة عن شدة النعاس؛ إذ لا يستطع الإنسان التغلب عليه، فتأتي كلمة "ملكتني عيني" للدلالة على غلبة النوم. وفي إسناد الغلبة إلى النوم مجاز عقلي. شرح الخطبة: يقول الإمام علي: لقد غلبني النعاس في حين كنت جالساً؛ وبينما كنت على هذه الحالة مرّ بي رسول اللّٰه، فشکوت إليه ما لقيت من أمته من أذى وخصام. يقصد من فعل "ملكتني"، غلبة النوم، وهو تعبير عن النعاس؛ وبمعنى آخر، قد استولی علی عیونی النوم. و"غلبني" أي حکمني النعاس وسيطر عليّ، وهو تعبير غريب للغایة. وفي الواقع، أن المخاطب في هذه الخطبة هو رسول اللّٰه، وذلك لبيان شدة الألم والعذاب الذي يلقاه الإمام علي من أمته.
5ـ2. الخوف والفزع كان للإمام علي خطبة یستنهض فیها همم الناس للجهاد ویلوم تخاذلهم وتواکلهم في القتال مع الأعداء وينصحهم بالعودة إلى الطريق الصحيح. وتكون هذه الخطبة مضمونها سياسيا واجتماعيا، وتتشكل من ثلاث فقرات. أما الفقرة الأولى، فهي حول توبيخ أهل الكوفة بالاستفادة من لغة الجسد. فقد صور الإمام علي خوف أهل الكوفة من الجهاد في سبيل اللّٰه تعالى بقوله: «إِذَا دَعَوْتُكُمْ إِلَى جِهَادِ عَدُوِّكُمْ دَارَتْ أَعْيُنُكُمْ كَأَنَّكُمْ مِنَ الْمَوْتِ فِي غَمْرَةٍ وَمِنَ الذُّهُولِ فِي سَكْرَةٍ يُرْتَجُ عَلَيْكُمْ حِوَارِي فَتَعْمَهُونَ وَكَأَنَّ قُلُوبَكُمْ مَأْلُوسَةٌ فَأَنْتُمْ لَا تَعْقِلُونَ» (الخطبة: 34). يشير الإمام علي في هذه الخطبة إلى الحال التي كانوا عليه من نحيب وبكاء، عندما طلب منهم الجهاد، حيث كان التردد باد على وجوههم، والخوف يسيطر على عقولهم. فيقصد بجملة "دارت أعينكم" الإشارة إلى الجبن والقلق الذي سيطر علیهم، كأن الموت يحيط بهم في هذه الساعة، وقد شخصت أبصارهم من الذهول، ووصف قلوبهم القاسية، وكأنها قلوب من جلمود صخر لشدة قساوتها. وتطابق الآیة الكريمة هؤلاء القوم: «فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِª (الأحزاب 33: 19). لقد وصف الإمام (ع) أهل الكوفة بالذین تشخص أبصارهم وتحار أعينهم من شدّة الخوف ويرتج عليهم حواره ويغلق عليهم خطابه، فیعمهون في الضلال ویترددون في الذهاب إلى القتال، وكأن قلوبهم مألوسة وأفئدتكم مجنونة وکأنهم لا یعقلون ما یقول إمامهم ولا یفقهون صلاح أمرهم (لبخوئي، 1374ﻫ.ش، ص 74). 5ـ3. جذور الفتنة وأصولها «فأنا فقأتُ عينَ الفتنة ولم يكن ليجتري عليها أحد غيري» (الخطبة: 93). فـ"فقأت عين الفتنة"، أي شققتها وقلعتها بشحمها أو أدخلت الإصبع فيها، وهو استعارة لكسر ثورانها وإسكان هيجانها. والمراد بالفتنة إما فتنة أهل البصرة والنهروان، كما وقعت الإشارة إليه من الإمام (ع) في رواية إبراهيم الثقفي وسليم بن قيس الهلالي، أو عموم فتن المنافقين والكافرين (الخوئي، 1374ﻫ.ش، ص 75(. شرح الخطبة: يقول الإمام: أنا الذي قمت باقتلاع عين الفتنة من جذورها، ولا أحد غيري يجرؤ أن يفعل هذا الأمر. "فقأت"، من جذر "فقأ"، بمعنى شقّها وأخرج ما فيها (بالغ في فقئها)، فأخرج الدماء منها. هذه الكلمة في أكثر المواقع تأتي ملازمة لكلمة العين، ومعناها الاقتلاع والفقيء الذي تكون نتيجته هي العمى وذهاب البصر (مکارم شیرازي، 1381ﻫ.ش، ص 218). قد استعار الإمام علي (ع)، من أجل إظهار قوته في التغلب على الفتنة والتخلص منها، عبارة "فقأتُ العين"، بمعنى اجتثاث الشأفة. وتعد العين أهم أعضاء بدن الإنسان؛ لأن الكثير من النشاطات والفعاليات التي تجري في حياة الإنسان، تقوم على أساس الرؤية البصرية؛ ولهذا السبب، نجد أن الإمام من أجل بیان التخلص من الفتنة، استخدم مصطلح اقتلاع عين الفتنة؛ والمعنى أنه يتم التخلص من الفتنة بشكل كامل ومن شأفتها؛ والسبب الآخر لاستخدام کلمة "عین الفتنة" هو أن عين الفتنة هي ذاتها أصل الفتنة. وبهذا، نخلص إلى أن الإمام تخلص ونجا من العامل الأساس للفتنة. 5ـ4. المضایقات والأذی «فَصَبَرْتُ وَفِي الْعَيْنِ قَذًى وَفِي الْحَلْقِ شَجًا، أَرَى تُرَاثِي نَهْباً» (الخطبة: 3). تعد الخطبة الثالثة من أشهر خطب الإمام علي وأهمها، والتي تعرف بالشقشقية. وفي هذه الخطبة، يبين الإمام الصعوبات والظلم الذي واجهه خلال تسلمه الخلافة ومدى الصبر الذي تحمله، یقول: تحملت من أذاكم وضيمكم، وكنت صابراً، وكأن في عيني تراب يمنع عني الرؤية، وفي حلقي غصة، كأنها شوكة عالقة تسبب الأذى لي. فأما التراب الباقي في العين، فهو کنایة عن الأذی والظلم الذی تعرض له. يحمل هذا القسم من خطبته في طیاته نداء سياسيا، «وفیه كناية عن شدّة تأذيه بسبب اغتصاب ما يرى أنّه أولى به من غيره، (أرى تراثي) في بعض الروايات تراث محمّد وآله (نهباً)، أي سلباً وغارة والمراد بتراثه المنهوب المسلوب، فدك الذي خلّفه رسول اللّٰه (ص)» (داود، 2006م، ص 43). حاول أعداء أمير المؤمنين إجباره على التنازل عن حقه الذي كان قد ورثه عن سيد المرسلين النبي الكريم، فجعلوا يخلقون الحيل بدسائسهم الملتوية، وعلى الرغم من الظلم والمضایقات التي تعرض لها، إلا أنه كان لا يزال صابرًا ومقاومًا، ولم يكن يهمه سوى رضوان اللّٰه تعالی. وفي هذه الخطبة، تم تشبيه الصبر وكأنه شخص في عينه تراب يعيق حركتها، وفي حلقه غصة باقية، أي أن الصبر مترافق مع الألم والعذاب؛ ومن الممكن أن يكون هذا العذاب أكثر ألماً وأقرب إلى التشبيه الصحيح من وجهة نظر الإمام (ع)؛ وبهذا فقد قام بإيصال الفكرة بتشابيه دقيقة (عطاشى وعمورى، 1396ﻫ.ش، ص 158). وبالاستفادة من الإشارات الواضحة، يتم التأكيد على كلام الإمام علي من خلال تصوير الصعوبة والألم الذي تحمله. فقد استفاد من لغة الجسد في هذه الخطبة، للتطرق إلی المواضيع السياسية. 5ـ5. الحط من الشأن والازدراء تعد خطبة 216 من أهم الخطب؛ لأن هذه الخطبة جاءت أثناء حرب صفين؛ فهي تنقسم إلى أربع فقرات. وهذه الفقرة التي سنتناولها في شرحنا هي الثانية، بعنوان الحقوق المتوجبه على القائد والناس معاً: «وإن صغرته النفوس واقتحمته العيون بدون أن يعين علي ذلك أو يعان عليه» (الخطبة: 216). شرح الخطبة: "وإن صغّرته النفوس واقتحمته" بمعنى احتقرته العيون بدون أن يعين على ذلك أو يعان عليه. دفع بذلك ما ربما يسبق إلى بعض الأوهام من أن بعض الناس من السوقة والسفلة أي حاجة إلى إعانتهم وأي فائدة في معاونتهم، وردّ علیهم بأن الوغد من الناس، وإن بلغ ذروة الحقارة والدناءة وانحطاط الشأن؛ إلا أنه ليس بأحقر من أن يكون معينا على الحقّ، ولو في صغائر الأمور ومحقّراتها، مثل أن يكون راعياً لدواب المجاهدين أو سقاء لهم أو حطابا أو خياطا ولا أقلّ من أن يكون خاصفا لنعلهم. فإنّ في ذلك كلّه إعانة الحقّ وأهله أو معاناً عليه، ولو بأداء الأخماس ودفع الصدقات إليه ولا أقلّ من تعليمه معالم دينه وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر. وبهذا القول، دفع توهّم عدم الحاجة إلى إعانة العظماء لرفعة شأنهم وعدم الاحتياج إلى الضعفاء لحقارتهم وانحطاط درجتهم. استخدام لغة الجسد، وبالأخص لغة العين في هذه الخطبة، إشارة تأكيدية لأهمية العين كوسيلة للرؤية. فالإنسان بطرف عينه يستطيع إبراز نظرات التحقير، والتكبر، والتشجيع، والحب، والبغض، والكره. ولهذا، استخدم الإمام علي مصطلح "اقتحمته العيون"، من أجل بيان مفهوم النظرة التي تشير إلى الحط من شأن المقابل وتحقيره. وبناء على ذلك، فإن كلمة "اقتحمته" جاءت ملازمة لكلمة العيون ودلت على النظرة الدونية. 5ـ6. العلم الإلهي نعلم أن اللّٰه تعالی، له اطلاع واسع، وهو خبیر بکل الأمور التي تجري. وفي خطبة 183، یصف الإمام العلم الإلهي الذي ليس له نهاية بقوله: «فَاتَّقُوا اللّٰه الَّذِي أَنْتُمْ بِعَيْنِهِ وَنَوَاصِيكُمْ بِيَدِهِ وَتَقَلُّبُكُمْ فِي قَبْضَتِهِ» (الخطبة: 183). شرح الخطبة: خافوا اللّٰه الذي یقوم بحمایتکم. فإن حیاتکم ومماتکم بیده وکل أمور حیاتکم هو الذي یدیرها لکم، وأنتم تحت نظره ورعايته. قد تم استخدام كلمة العين بصورة مجازية، وهذا يعود من باب إطلاق اسم المسبب على السبب. فالعين ـ كما نعلم ـ مرتبط وجودها باكتساب المعرفة والحصول عليها (بحراني، 1370ﻫ.ش، ص 734). عبارة "فاتقوا اللّٰه الّذي أنتم بعينه" تعني أن اللّٰه بعظمة جلاله يريد من العباد أن يكونوا له مخلصين صادقين في إيمانهم يتقون ويشكرون نعمه؛ لأن المؤمن الصادق یعیش تحت رعاية اللّٰه تعالى وحفظه، يقدر له ما هو خير ويبعد عنه ما هو شر. فرب العالمين لا يخفى عنه شيء من الذنوب التي يفعلها المرء، سراً کان أم جهراً، فكله بأمره معقود، فهو العالم والخبير بأحوال العباد، وأكد أن نواصي العباد بيده، أي أنه فعال لما یشاء، حيث لا يستطيع مشرك أن يهرب أو ينجو من عقابه. ومن هنا، نرى أن العين تعد أداة للرؤية وطريقا للاطلاع والمعرفة. فالعين هي آلة الرؤية وطريق العلم والمعرفة. نعلم أن اللّٰه هو الحاضر الغائب، فجاءت كلمة العين لتؤكد أنه الشاهد والناظر لكل الأمور ولكل حالات للناس. 5ـ7. إحاطة اللّٰه التامة علی خلقه «إِنَّ اللّٰه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَا الْعِبَادُ مُقْتَرِفُونَ فِي لَيْلِهِمْ وَنَهَارِهِمْ، لَطُفَ بِهِ خُبْراً وَأَحَاطَ بِهِ عِلْماً؛ أَعْضَاؤُكُمْ شُهُودُهُ وَجَوَارِحُكُمْ جُنُودُهُ وَضَمَائِرُكُمْ عُيُونُهُ وَخَلَوَاتُكُمْ عِيَانُه» (الخطبة: 199). فقال الشارح البحراني حول "ضمائركم عيونه": أي طلائعه وجواسيسه، كقوله تعالى: «يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلمْ یَأتِکُمْ رُسُلٌ مِنْکُمْ یَقُصّوَن عَلَیْکم ... ª(الأنعام 16: 130). وتلك الشهادة بلسان الحال، مما يدل على علم اللّٰه بكل شيء حولنا وإحاطته الواسعة بكل ما يجري. فأتت كلمة "عيونه" مشيرة ومؤكدة على ذلك. 5ـ8. عدم رؤیة اللّٰه بالعین المجردة «لا يُشْمَلُ بِحَدٍّ وَلَا يُحْسَبُ بِعَدٍّ، وَإِنَّمَا تَحُدُّ الْأَدَوَاتُ أَنْفُسَهَا وَتُشِيرُ الآلَاتُ إِلَى نَظَائِرِهَا، مَنَعَتْهَا مُنْذُ الْقِدْمَةَ، وَحَمَتْهَا قَدُ الْأَزَلِيَّةَ، وَجَنَّبَتْهَا لَوْلَا التَّكْمِلَةَ بِهَا؛ تَجَلَّى صَانِعُهَا لِلْعُقُولِ وَبِهَا امْتَنَعَ عَنْ نَظَرِ الْعُيُونِ» (الخطبة: 186). في عبارة "وبها امتنع عن نظر العيون"، تم توظیف لغة العين للدلالة علی عدم إمكان رؤية اللّٰه تعالى بالعين المجردة. والمراد «إنا استنبطنا استحالة كونه تعالی مرئيا بحاسة البصر؛ وذلك لأنه بالمشاعر والحواس لا یدرك، وعرفنا أنه يستحيل أن يعرف بغير العقل، وأنّ قول من قال إنّا سنعرفه رؤية ومشافهة بالحاسة باطل، هكذا قال الشارح المعتزلي» (ابن ابي الحديد، 1393ﻫ.ش، ص 322). 5ـ9. الخشوع أمام اللّٰه «وَيَقِفُونَ عَلَى مِثْلِ الْجَمْرِ مِنْ ذِكْرِ مَعَادِهِمْ، كَأَنَّ بَيْنَ أَعْيُنِهِمْ رُكَبَ الْمِعْزَى مِنْ طُولِ سُجُودِهِمْ، إذا ذُكرَ اللّٰه هَمَلت أعينُهم حتّى تبلّ جيوبهم» (الخطبة: 97). فـ"يقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم"، كناية عن القلق والخوف من يوم الحساب، كانّ بين أعينهم ركب المعزى من طول سجودهم، وأراد ببين أعينهم جباههم مجازا يعنى أن جباههم من طول السجود وكثرة مسّ الأرض صارت كركب المعزى وثفنات البعير في الغلظة والخشونة. وإذا ما تم ذكر اسم اللّٰه تعالى، سالت دموعهم من شدة الخشوع والخوف من اللّٰه (الخوئي، 1374ﻫ.ش، ص: 125). وهذا الكلام دليل على شدة القلق والخوف من ذكر يوم القيامة ومدى استعداد المؤمنين لهذا اليوم العظيم، وأثر السجود والعبادة ظاهر على وجوههم وركبهم التي تصبح مثل ركب الماعز لإطالتهم في السجود. 5ـ10. سائر دلالات کلمة العین «فَإِنَّ عَيْنِي بِالْمَغْرِبِ كَتَبَ إِلَيَّ يُعْلِمُنِي أَنَّهُ وُجِّهَ إِلَى الْمَوْسِمِ أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، الْعُمْيِ الْقُلُوبِ، الصُّمِّ الْأَسْمَاعِ، الْكُمْهِ الْأَبْصَارِ، الَّذِينَ يَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَيُطِيعُونَ الْمَخْلُوقَ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ وَيَحْتَلِبُونَ الدُّنْيَا دَرَّهَا بِالدِّينِ وَيَشْتَرُونَ عَاجِلَهَا بِآجِلِ الْأَبْرَارِ الْمُتَّقِينَ؛ وَلَنْ يَفُوزَ بِالْخَيْرِ إِلَّا عَامِلُهُ» (الرسالة: 33). فـ"عيني" في هذه العبارة بمعنى المخبر أو الشخص الحارس أو الشخص الذي يتولى الأمور ويخبر قائده بكل ما يجري في المنطقة التي هو عليها مؤتمن، والعين في بعض المواقع تأتي بمعنى الجاسوس أيضاً. «وَلَأَدَعَنَّ مُقْلَتِي كَعَيْنِ مَاءٍ نَضَبَ مَعِينُهَا، مُسْتَفْرِغَةً دُمُوعَهَا أَتَمْتَلِئُ السَّائِمَةُ مِنْ رِعْيِهَا فَتَبْرُكَ، وَتَشْبَعُ الرَّبِيضَةُ مِنْ عُشْبِهَا فَتَرْبِضَ، وَيَأْكُلُ عَلِيٌّ مِنْ زَادِهِ فَيَهْجَعَ؟ قَرَّتْ إِذاً عَيْنُهُ إِذَا اقْتَدَى بَعْدَ السِّنِينَ الْمُتَطَاوِلَةِ بِالْبَهِيمَةِ الْهَامِلَةِ وَالسَّائِمَةِ الْمَرْعِيَّةِ» (الرسالة: 45). "العين" هنا جاءت بمعنى النبع. شرح الخطبة: اتبع أمير المؤمنين في حیاته المبارکة منهج الأنبياء والمرسلين وكان زاهداً في الحياة، خاشعا في صلاته، مقلا في طعامه، راضيا في قسمته، يستذكر يوم الحساب في قيامه وقعوده، وتنهمر دموعه ويرق قلبه لحال الناس البسطاء. وفي ذلك أيضا إشارة إلى الحال التي تكون عليها النفس البشرية، فهي تعد من أرقى وأرفع المقامات عند اللّٰه تعالى. فالكائنات البشرية ذات سمات ومراتب عليا مقارنة بالكائنات الحيوانية. «ثمَّ تَرِدُ تِلْكَ الْقَضِيَّةُ بِعَيْنِهَا عَلَى غَيْرِهِ فَيَحْكُمُ فِيهَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ، ثُمَّ يَجْتَمِعُ الْقُضَاةُ بِذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ الَّذِي اسْتَقْضَاهُمْ فَيُصَوِّبُ آرَاءَهُمْ جَمِيعاً وَإِلَهُهُمْ وَاحِدٌ وَنَبِيُّهُمْ وَاحِدٌ وَكِتَابُهُمْ وَاحِدٌ» (الخطبة: 18). ففي عبارة "القضية بعينها"، قد أتت لفظة "عينها" بمعنى القضية بذاتها وبنفسها.
الخاتمة رصد بحثنا هذا دلالات لغة الوجه والعین في نهج البلاغة، وحاول تسلیط الضوء علی مدی تواجدها فيه، وخلص إلی جملة من النتائج، أهمها: ـ بالنظر إلى نهج البلاغة ودراسة مفاهيمه، يمكننا التوصل إلى أن لغة الجسد وخاصة لغة الوجه والعین تؤثر بشكل كبير على العواطف والأحاسیس والمشاعر النفسية وردود الفعل لدی المتلقي، سواء کانت مقصودة أم غیر مقصودة. ـ تترکز معظم الإشارات الجسمیة المنتجة للمعنی في نهج البلاغة علی العین، حیث تم تكرار كلمة العين ومشتقاتها في نهجالبلاغة 91 مرة، حيث إن کلمة "العين" وجمعها "العيون" و"الأعین" أکثر تواترا فيه، ثم تلیها کلمة "البصر" ومشتقاتها التي وردت 57 مرة، ثم كلمة "الوجه" التي وردت 21 مرة فيه؛ بذلك یمکن القول: إن لغة "العین" في نهج البلاغة أکثر الجوارح تعبیرا عن المعاني وتأثرا بتغیر الأحوال النفسیة والدلالة علیها. ـ لـ"لوجه" في کلام الامام (ع) لغته الخاصة التي تعبر بها کاللسان، وتکون مشاعر الإمام ومخاطبیه وانفعالاتهما مقروءة في ملامح الوجه وصفحاته، والطرف الآخر یتأثر بالسمات والردود التي یجدها في وجه من یتعامل معه. ویبدو أن الإمام علي یعرف تماما أن للوجه مكانة عظيمة ويمكن قراءة لغة الوجه ودلالاتها المختلفة في کلامه، سواء كان الوجه دالا على الفزع أم الفرح أم السرور. ـ إن للغة الوجه والعین دورا مهما في الاتصال بالمتلقي في کلام الإمام علي، وذلك عبر إيصال الرسائل الهادفة، كما أن لها وقعا کبیرا في تبسیط التواصل والتفاهم بين الأفراد وتسهیله. ويدل "الوجه" في کلام الإمام علی ظاهر المؤمن ودماثة الخلق والفرح والبشاشة والمجد والکرامة والرد والمنع، وتدل "العين" في کلامه علی أمور مختلفة، منها الازدراء والتحقیر والخشوع والخوف والفزع.
[1]. Joseph Messinger | ||
مراجع | ||
* القرآن الکریم. * نهج البلاغة. أ. العربیة الآمدي، عبد الواحد بن محمد. (1375ﻫ.ش). غرر الحكم ودرر الكلم. ترجمة محمد علي أنصاري. تهران: دار الكتاب الإسلامي. ابن أبي الحدید، فخر الدین. (1393ﻫ.ش). شرح نهج البلاغة. تهران: د.ن. ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مکرم. (1994م). لسان العرب. بیروت: دار صادر. الخوئي، الميرزا حبيب اللّٰه. (1374ﻫ.ش). منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة. بيروت: دار الکتاب العربي. داود، محمد. (2006م). جسد الإنسان والتعبیرات اللغویة: دراسة دلالیة ومعجم. القاهرة: دار غریب للطباعة والنشر. ربایعة، أسامة جمیل عبد الغني. (2010م). لغة الجسد في القرآن الکریم. رسالة الماجستير. كلية الدراسات العليا. جامعة النجاح الوطنیة. نابلس، فلسطين. طراد، علي. (2014م). الاشارات الجسمیة المحکیة في القرآن الکریم وأثرها في تولید المعنی. رسالة الماجستیر. جامعة محمد خیضر. قسم الآداب واللغة العربیة. عرار، مهدي أسعد. (2007م). البیان بلا لسان: دراسة في لغة الجسد. بیروت: دار الکتب العلمیة. عموري، نعیم؛ وعبد الرضا عطاشي. (1439ﻫ). «دراسة الدلالات المفهومیة والبلاغیة للغة جسد الید في نهج البلاغة». مجلة الکلیة الإسلامیة الجامعة. ع 47. ص 391 ـ 412. میسینجر، جوزیف. (2006م). المعاني الخفیة لحرکات الجسد. ترجمة محمد حسین شمس الدین. بیروت: دار الفراشة للطباعة والنشر والتوزیع. هاني، السلیمان. (2007م). لغة الجسد: كيف تقرا أفكار الآخرين. عمان: دار الإسراء.
ب. الفارسیة بحرانى، میثم بن علی بن میثم. (1370ﻫ.ش). شرح نهج البلاغة. ترجمه قربانعلى محمدی مقدم. مشهد: بنیاد پژوهش اسلامی آستان قدس رضوی. عموری، نعیم؛ و عبدالرضا عطاشى. (1396ﻫ.ش). «بررسی دلالتهای مفهومی ـ بلاغی زبان چشم در نهج البلاغه». مجله مطالعات متون اسلامی. ع 6. ص 145 ـ 161.
مکارم شیرازی، ناصر؛ و دیگران. (1381ﻫ.ش). پیام امام شرح تازه و جامعی بر نهج البلاغة. تهران: دار الکتب الإسلامیة. | ||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 26 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 15 |