
تعداد نشریات | 43 |
تعداد شمارهها | 1,725 |
تعداد مقالات | 14,122 |
تعداد مشاهده مقاله | 34,503,710 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 13,812,534 |
دراسة سيميائية في قصيدة إذا الشعب يوما أراد الحياة على ضوء نظرية مايكل ريفاتير | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بحوث في اللغة العربية | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مقاله 3، دوره 16، شماره 31، دی 2024، صفحه 21-36 اصل مقاله (935.34 K) | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نوع مقاله: المقالة البحثیة | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
شناسه دیجیتال (DOI): 10.22108/rall.2024.141250.1514 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نویسنده | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
سيد احمد موسوي پناه* | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
أستاذ مساعد في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة شهيد تشمران أهواز، أهواز، إيران | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
چکیده | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
إن السيميائية ـ بشكل عام ـ منهج نقدي حديث، يسعى لمعالجة فهم النص، من خلال إمعان النظر الواعي في نظام العلامات النصية. توجد في هذا المجال نظريات عديدة، إلا أنّ منهجية مايكل ريفاتير تعد من أهمّها وأبرزها، حيث تهتم بدراسة النص الأدبي، لكشف الجمال والإبداع الكامن وراء العلامات، وذلك عبر تأويل الإيحاءات وفك الشَّفرات التي قد يتجاوزها القارئ غير الملمّ باللغة. في هذه الأثناء، يتمّ العثور على نوعين من القراءة لإعادة إنتاج النص ومشاركة المتلقي في إيجاده: الأولی تسمى القراءة الخطيّة أو الاكتشافية التي تهتمّ بالتشاكل والتباين والألفاظ؛ والثانية تُدعَى القراءة الارتجاعية التي يتمّ من خلالها دراسة عناصر النصية، كالخروج عن القاعدة والمألوف والمنظومات الوصفية والتعابير المتراكمة والهيبوغرام والماتريس. نظرا إلی أنّ قصيدة إذا الشعب يوما أراد الحياة، لأبي القاسم الشابي، تشتمل على الكثير من السمات السيمائية والشفرات التي تحتاج إلى التأويل والتحليل، فتهدف هذه المقاربة، عبر اعتمادها على المنهج الوصفي ـ التحليلي، إلی دراسة هذه القصيدة، وفق نظريّة مايكل ريفاتير. توصّلت المقالة إلی أن التعابير المتراكمة في هذه القصيدة تنقسم إلی مجموعتين، تكشفان عن وجوه القصيدة ولبِّها: المجموعة الأولی تتعلّق بعناصر الطبيعة، كالريح، والفجاج، والجبال، والشجر؛ والغرض الرئيس الذي يتحرّاه الشاعر من وراء هذه المجموعة هو استنهاض الأمَّة من خلال جرّ انتباهها إلی هذه العناصر التي تمثل الحركة والنشاط والحيوية في الحياة؛ والمجموعة الثانية تتمثّل في نبذ الخوف، حيث إنّ الشاعر يرید أن يرسم في وعي الأمّة أنّ السبيل الوحيد للحياة الكريمة ليس سوی ترك الحذر في مثل هذه الظروف. وتبين أيضا أن المنظومات الوصفية فيها تتوزع إلی ثلاث: الإرادة، والطموح، والخمول، وأن الماتريس البنيوي يكشف لنا عن توحّد الموضوع والدلالة في القصيدة، رغم تعدّد المظاهر فيها. | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
کلیدواژهها | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
السيميائية؛ ريفاتير؛ القراءة الخطية؛ القراءة الارتجاعية؛ أبو القاسم الشابي | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
اصل مقاله | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
برزت في القرن العشرين دراسة حديثة، تسعى في صميمها للكشف عن دلالات النص الأدبي وفكّ شفراته المبثوثة في جميع أجزائه، وعرِفت في كتب النقد الحديثة باسم السيميائية. وتشعّبت هذه المدرسة إلی عدّة اتجاهات، أهمّها وأشهرها: السيميائية التواصلية، والسيميائية الدلالیة، والسيمائية الثقافية، والسيميائية التداولية. فكلّ هذه المناهج في الحقيقة ليست سوی محاولة، تهدف إلی تزويد الناقد بمجموعة من الأدوات والآلیات التي تمكّنه من فهم النص وإفهامه وتحليله تحليلاً أدبياً، يستخرج جماله ويضع الید على مواطن الإبداع فيه. من هذا المنطلق، ظهر منهج ريفاتير السيمائي الذي يدرس النص الشعري من أجل تحليله واستكشاف الفكرة المحورية فيه. يتبنّی منهج ريفاتير نوعين من القراءة: الأولی تسمَّی الخطّيّة أو الاكتشافية؛ والثانية تدعى الارتجاعية. ويرى هذا المنظّر الشهير أنّ الناقد يجب علیه في النوع الأوّل من القراءة، أن يقدّم قراءة تتعلّق بفهم المعنی الظاهري والسطحي؛ لكن في القراءة الثانية، يجب التعمّق أكثر وأبعد، حتی يستكشف الجمال في النص. مهما يكن من شيء، فتحاول هذه الدراسة، عبر المنهج الوصفي ـ التحليلي، تطبيق منهجية ريفاتير على قصيدة إذا الشعب يوما أراد الحياة، للشاعر أبي القاسم الشابي؛ لأنّها قصيدة تحفل بالكثير من السمات والصفات السيمائيّة التي يطرحها ريفاتير في منهجيته، حيث إنّها تشتمل على التعابير المتراكمة والمجموعات الوصفية والماتريس البنيوي والهيبوغرام؛ وهذه كلّها سمات تؤهلها للدراسة، حسب هذا المنهج كما هو واضح. والغاية من وراء هذا، هي إظهار العلامات الدلالیة المتوفرة فيها، والسعي لكشف الدلالات النصية، وتحديد موقف الشاعر الذي هو الوقوف بوجه من سلب الناس كرامتهم، وكذلك إيقاظ الأمّة من سباتها، لتبحث عن الحياة من جديد. وترجع أهمية هذا الموضوع إلی أن هذه القصيدة من عيون الشعر العربي المعاصر، تبثُّ في المجتمع آناً بعد آنٍ روح النهوض والاستنهاض، وتزوّده بالمعنويات، مما تجعله يكافح الظلم ويرفض الظالم، حتى لكأنّها صوت ممتدّ يرنّ في وجدان الأمّة، يوقظها من سباتها وغفلتها التي طالما جرّت علیها الويلات. انطلاقا من ذلك، يحاول البحث الردّ على الأسئلة الآتية: ـ كيف ساهمت منهجيّة ريفاتير في تحديد دلالات النص الشعري؟ ـ ما أهمّ خصائص السيميائيّة في القراءة الخطية لقصيدة إذا الشعب يوما أراد الحياة، وفق منهجيّة ريفاتير؟ ـ كيف ظهرت الخصائص السيميائية في القراءة الارتجاعية لهذه القصيدة، وفق منهجية ريفاتير؟ 1ـ1. خلفية البحث من المسائل التي لا يمكن تجاهلها في كلّ دراسة هي الاطلاع على الدراسات السابقة؛ إذ إنها تعدُّ نواة رئيسة تستمدّ منها الدراسات اللاحقة يد العون، وتأتي لتكمل المشوار، وتسدّ الفجوات والثغرات المتبقية. من هذا المنطق، لا بدّ لنا هنا أن نذكر أقرب الدراسات لدراستنا مع بيان الفروق والاختلاف بينهما. بعد مراجعة المصادر المتوفرة والمواقع الإلكترونية، يمكننا تقسيم هذه الدراسات إلی قسمين: القسم الأول ما يتعلّق بإجراء نظريّة مايكل ريفاتير، تطبيقا على قصيدة إذا الشعب يوماً أراد الحياة، لأبي القاسم الشابي. فلم نجد شيئا من هذا القبيل، وذلك بعد مراجعة الكثير من المصادر والمواقع الإلكترونية. ومن أجل هذا، قرّر الباحث أن تكون هذه القصيدة محطّة بحثه ومنطلقا لما يليها من دراسات وبحوث. وأما بالنسبة للدراسات التي عنيت بمنهجيّة ريفاتير بشكل عام، وأجرتها على النصوص الشعرية المختلفة غير القصيدة التي بصدد دراستها، فهي جمّة كثيرة نشير أدناه إلی أهمّها: مقالة دراسة سيميائية لقصيدة بشري البستاني (موسيقي عراقيّة) في ضوء نظرية مايكل ريفاتير، لعاطفة رحماني ومحمد رضا إسلامي وحميد ولي زاده (2024م). توصلت الدراسة إلی أنّ الماتريس البنيوي في القصيدة يدور بين دلالات الموت والألم والانتصار، وأنّ حركة الدوال تجسّد الانتصار ودحر العدوان. وكذلك مقالة أثر النكسة في شعر أمل دنقل دراسة سيميائية على ضوء منهجية مايكل ريفاتير، لأبي الحسن أمين مقدسي ومحمد سالمي (2020م). توصلت هذه الدراسة إلی أنه توجد أربعة ماتريسات في أشعار أمل دنقل تمثل أربع مراحل مرت بها الشعوب العربية، واستنتجت أيضا أن هناك تلاؤم بين الشخصيات التاريخية والرموز في قصائد أمل دنقل. وبحث آخر بعنوان دراسة سيميائية في قصيدة من يوميات سيف بن ذي يزن في بلاد فارس لعبد العزيز المقالح، لأمير فرهنگ نيا (1397ﻫ.ش). ومن أهم ما توصلت إلیه هذه الدراسة، هو أن الرموز والاستعارات المستخدمة في هذه القصيدة تسببت في تضخم دلالات عميقة في النص، وأن العنوان يعتبر بمثابة المفتاح السيميائي لفهم القصيدة. نظرا إلى أهمية منهجية ريفاتير في تحليل النصوص الشعرية، وعدم وجود محاولة قبل هذه الدراسة لتحليل القصيدة المدروسة، وفق منهجية مايكل ريفاتير، فتتسم هذه الورقة البحثية بالجدة.
لقد تعدّدت تعريفات السيميائية، إلاّ أن دي سوسير، وهو أحد أهمّ العلماء البارزين في هذا المجال، يعتقد: أنّ «اللغة نظام من العلامات التي تعبّر عن الأفكار، ويمكن تشبيه هذا النظام بنظام الكتابة أو الأبجدية المستخدمة عند فاقدي السمع والنطق، أو الطقوس الرمزية، أو العلامات العسكرية أو غيرها من الأنظمة؛ ولكنه أهمّها جميعا، ويمكننا أن نتصوّره علما لدراسة حياة العلامات في المجتمع، فيكون جزءا من علم النفس الاجتماعي، وهو بدوره جزء من علم النفس العام، وسأطلق علىه العلامات» (عصام، 2015م، ص 112). يهدف هذا النظام اللغوي إلى أن يأخذ بيد القارئ إلی ما هو أبعد من البنية السطحيّة بغية فهم الزوايا الخافية في النص، و«يختلف عن البنيوية لا من حيث إهمالها للشكل وتجاوزها له؛ ولكن من حيث عنايته بالمعنی، وحرصه على أنّ كل نص أدبي ينطوي بطبيعته على إمكانات متعددة للتأويل، واستخلاص المتلقي لأنواع غير محدّدة من الدلالات والمعاني؛ ولهذا فإنّ عددا من البنيويين رأوا في السيميائيّة رديفاً لنقدهم البنيوي» (خليل، 2010م، ص 105). إذن، السيميائية ـ بناءً على ما تقدّم ـ علم العلامات. ويستخدم هذه العلامات لكشف المزيد من المعاني الكامنة في النص. ومن بين المنظّرين في هذا المجال، يرى ريفاتير أنّ للشعر لغة فريدة ومتميّزة، وأنّه استخدام خاصّ وفني للغة؛ وعلى هذا الأساس، يقسّم القُرَّاء إلی فئات: «منهم القرّاء الأكفّاء، ومنهم القراء غير الأكفّاء» (سلدن وبروكس، 2001م، ص 116 ـ 117). ومن ثَمَّ، يحدّد معيار القارئ النموذجي على أنّه معيار موضوعي يمنع كلّ قراءة ذاتية؛ بمعنی آخر، ليس كلّ قراءة يقدّمها أيّ قارئ مقبولة، بل يشترط فيها أن يتمتّع القارئ بالكفاءة الثقافية واللغوية التي تؤهله لتحليل النص الشعري؛ ذلك أنّ منهج ريفاتير يعالج النص الأدبي عبر القرائتين: الأولی تركّز على المعنی الظاهري، ويسمّيها القراءة السطحية أو الاكتشافية؛ ويحدّد نوعا آخر من القراءة يتجاوز فيها الظاهر من أجل تفسير العلامات وتأويل السمات اللغوية، ويسمّيها الارتجاعية. ويعتبر مهمّة القراءة من النوع الأوّل هي التفسير والإيضاح؛ «لأنّ المعنی يتمّ فهمه عبر هذه النوع من القراءة للنص واعتماداً على الدور الذي يلعبه القارئ حسب كفاءته اللغوية التي تقوم على أساس من مرجعية لغوية» (ريفاتير، 2001م، ص 217). ومهمّة القراءة الثانية تنبع من لغة نصّ الشعر الخاصّة، فلا بد أن تكون قراءة أكثر عمقاً وتأنياً؛ «لأنّه في مرحلة القراءة الاسترجاعية يحين الوقت لتفسير ثانٍ (أكثر عمقاً)، أي قراءة تأويلية حقيقية» (المصدر نفسه، ص 217). فالقارئ في هذه المرحلة بعد إيضاح النص وفهمه فهما أولياً، عليه أن يغوص في أعماق النص لاستخراج مكامنه وفهم لغته أكثر من غيره. والقارئ الذي يكون في مثل هذا المستوى، يجعل من انحرافات النص والخروج عن المألوف ركيزة للبحث لأجل كشف معنی قد لا تدلّ علیه القراءة العابرة وغير المتأنية. وعلى هذا، فإن القراءة وظيفة سيميائية ونشاط أساسي، وظيفته «دمج المضمون بالتعبير، وتحويل سلسلة من التعابير المتتالیة من العلامات» (خمري، 2007م، ص 95)، ويسعى من خلالها الناقد المعبّر عنه في منهجية ريفاتير بالقارئ الكفوء تقديم تحليل يكشف عن خبايا النص وخفاياه التي تغيب عن الأشخاص العاديين.
ولد الشاعر التونسي الملقّب بشاعر الخضراء، أبو القاسم الشابي، في قریة الشابية، «سنة 1909م في جنوب تونس. حفظ القرآن الكريم في التاسعة من عمره، ثمّ تلقّی على يد والده مبادئ العلوم العربية والدينية. وبعد أشهر من وفاة والده، أُصيب بمرض تضخم القلب، وهو لا يزال في الثانية والعشرين من عمره، ونهاه الأطباء عن الإرهاق الفكري، فلم ينته بل واصل عمله الأدبي والفكري، وقد انتهج منهجاً رومانسياً في حياته الأدبية، وكانت حياته تزخر بالآلام والأحزان، فجاء شعره تعبيراً حياً عن هذه الآلام التي هيمنت على حياته. وكان شعره صورة واضحة لأحاسيسه وآلام الآخرين الذين عاش بينهم. وفي قصائده لم ينسَ رسالته إزاء شعبه ووطنه، فكان يدعو أبناء شعبه إلی النهوض والحركة والنضال» (شكيب أنصاري، 1390ﻫ.ش، ص192 ـ 195). وبما أنّ قصیدته إذا الشعب یوما أراد الحیاة، قد اشتملت على الكثير من العلامات والسمات، فيسعى الباحث من خلال قراءتها على ضوء منهجية ريفاتير، إلى كشف دلالاتها ومعانيها للمتلقي وتحديد محاورها المعنوية.
يقدّم اللغوي الفرنسي الشهير، مايكل ريفاتير، منهجاً يعتمد على حدس القارئ في تحليل الشعر. في هذا المنهج، يقوم القارئ بتحليل العلامات الموجودة في القصيدة، ومن خلال تلك العلامات، يحصل على معنى القصيدة. يؤكد ريفاتير في منهجيته المقترحة على التفاصيل في تحليل النص الشعري، وأنّ القواعد العامّة التي تحكم النص يمكن الوصول إلیها من خلال التفاصيل المبثوثة في النص، كما يرى أنّ القصائد والنصوص الشعرية لها طبقة خارجية وسطحية تُعالَج تحت مسمّی القراءة الاكتشافية، ولها طبقة آخرى داخلية وعميقة يتمّ دراستها فيما يطلق عليه القراءة الارتجاعية. إن القراءة الاكتشافية هي في الواقع المرحلة الأولى من قراءة القصيدة في نظرية ريفاتير، ويتمّ خلالها فحص القصيدة كحركة خطيّة. ومعنى الحركة الخطية هي أنّ القصيدة تدرس من أوّل سطر إلى آخر سطر ومن أعلى إلى أسفل. وفي هذا النوع من القراءة، يكون لكل كلمة من النص الشعري معنى خاصّ بها. وينبثق معنى القصيدة من تجمّع هذه المعاني، وتشكّل دلالات جديدة في ذهن القارئ. أمّا القراءة الأهمّ للنص في منهجيّة ريفاتير التي تساعد بشكل ملحوظ في فهم النص، فهي القراءة الارتجاعية التي يندرج تحتها كلّ من: المنظومات الوصفية: وهي مجموعة من العبارات التي تنسجم في الغرض والمؤدّي مع الفكرة المركزيّة للنص؛ «إذ إنّها سلسلة من التعابير المتراكمة والمفاهيم التي تعبّر جميعها عن دلالة معيّنة» (ريفاتير، 1978م، ص 39)، وتكون جزءاً من المعنی الذي يسعى الشاعر أن ينقله إلى المتلقي. التعابير المتراكمة: عبارة عن كلمة مركزية تتبعها عدّة مفاهيم «أو نواة رئيسيّة لسلسلة معيّنة من المفردات المترادفة التي تتمحور حولها» (المصدر نفسه، ص 5 ـ 6)، أو يمكن التعبير عنها، بأنها عبارات تربط بينها دلالة الترادف في المعنی. الماتريس البنيوي: المقصود به المضمون الذي تدور حوله القصيدة بمجملها، «وهو مولّد بنائي يمكن اختزاله في جملة واحدة؛ ولكن المولّد لا يمكن اختزاله إلاّ على نحو غير مباشر، فليس له وجود فعلي، بوصفه كلمة واحدة أو جملة واحدة في القصيدة» (المصدر نفسه، ص 75 ـ 76)، فهو يعكس لنا رؤية الشاعر، ويكشف عن الموضوع الذي تتحدث عنه القصيدة. والهيبوغرام: ويراد به المضمون الثابت الذي «يتكرّر بشتّى العناوين ويشكّل بؤرة النص في النظام البنيوي» (المصدر نفسه، ص5 ـ 6)، ويظهر بوضوح في المنظومات الوصفية المتواجدة في النص أكثر من أيّ موضع آخر. يوضح الرسم البياني التالي منحی منهجية الدراسة:
4ـ1. القراءة الاكتشافية في هذه القراءة، يتطرق البحث إلی «فك الشفرات في النص الشعري، واتجاهُه يسير في اتجاه حركة القصيدة، أي من الأعلی إلی الأسفل، ومن السطر الأوّل إلی السطر الأخير. ففي هذه القراءة، يَعتبر القارئ، بالنظر إلی مقدرته اللغوية، كلّ لفظة بمثابة دلالة مرتبطة بمعناها في العالم الواقعي، وبالتالي يصل إلی فهم وإدراك معنی القصيدة واستيعابها بالشكل المطلوب» (المصدر نفسه، ص 5)، ويحاول أيضاً أن يقارن بين «الكلمات حسب الأشياء والنص بأكمله حسب الواقع» (المصدر نفسه، ص 5). ومن أجل تحقيق هذه القراءة، ينبغي أن يكون القارئ ذا معرفة بمعجم الألفاظ ودلالاتها، حتی يقدّم فهماً صائبا من النص الشعري. فيما يلي، يدرس البحث النقاط التي تساعد علی قراءة النص من الأعلی إلی الأسفل، وذلك تمهيداً للقراءة الارتجاعية. تتمحور القراءة في هذه المرحلة علی دراسة كل من العناوين التالیة: 4ـ1ـ1. دراسة الألفاظ في القصيدة من محاور دراسة النص الشعري والدراسة السيمائية في القراءة الخطية للقصيدة هي دراسة الألفاظ، بوصفها أهمّ الأنساق الشكلية للنص الشعري والرؤية السيمائية. «فآلیات التأويل السيميائي تأخذ الألفاظ والمفردات بعين الاعتبار، انطلاقاً من الدور الإبلاغي والوظيفي الذي تؤدّيه في النص الشعري» (سعدية، 2016م، ص 44). كذلك الشابي في قصيدته هذه يوظّف المفردات الحافلة بالإيحاء والدلالة والمعاني الرمزية. ومن هذه المفردات هو "الليل"، ويرمز به إلی الواقع المرير والظروف العاتمة، فيقول: "ولا بدّ لليل أن ينجلي" (2023م، ص 155 ـ 187). فليس المراد باللّيل ما يقابل النهار، بل أخذ أبرز معانيه التي هي الظلام، ثم أفرغها على الواقع المرير الذي يعيشه الشعب المظلوم، فكما أنّ وقت الليل ظلمة وانقطاع للنور، فكذلك الواقع البئيس حيف وانقطاع للعدالة. وهذا الليل لا ينقضي، إلا إذا أبدى الشعب إرادة صادقة، فعندها يحلّ مكانه النهار الذي يشتمل على النور والإبصار. فالليل في هذا المقطع يعطي دلالة عكسية، ويرمز إلی ضرورة التغيير من أجل النهوض بالأمة ونيل الحرية والخلاص. ومن المفردات التي يمنحها الشاعر دلالة رمزيّة ليعبّر بها عن معنی أوسع وأرحب من المعنی اللغوي، هي "الجبال". فالشاعر يعطي هذه المفردة مجموعة من الدلالات الجديدة التي لا تدلّ علیها اللغة في تعابيرها المعتادة، فيقول: "ومن لا يحبّ صعود الجبال / يعش أبد الدّهر بين الحفر" (المصدر نفسه، ص 155 ـ 187). فالجبال ترمز إلی الحياة الكريمة التي لا تحصل إلا بإرادة تبدّد الليل وتكسّر القيد، وترمز إلی الطموح وحبّ الحياة، وتومئ إلی أنّ طريق الكرامة طريق وعر كصعود الجبال، يحتاج إلی عزيمة ورغبة وصبر في آن واحدٍ. وفي الوقت نفسه، يشير إلی أنّ الذي يرغب عن الجبال، محكوم علیه العيش بين الحفر. فتدل "الحفر" على الخنوع والذلّ والحياة الفارغة من الكرامة والمجد. فنجد أنّ الشاعر يجمع بين مفردتي "الجبال" و"الحفر"، ثم يمنحهما دلالة رمزية جديدة. كما قد ساهم الطباق بين معنیهما في إبراز دلالتهما وتنبيه المتلقي إلی رمزيتهما، ليتجاوز ظاهر الدلالة إلی معنی أكثر عمقاً. وكذلك من المفردات التي تحمل معنی رمزياً في طياتها في هذه القصيدة، وتعد مفردة محورية فيها، هي "الميت". فالشاعر يفرغ هذه المفردة من دلالتها اللغوية التي هي انقطاع الحياة، ليوظّفها في معنی مَن ترك الهمة والسعي وراء الغاية التي من أجلها خَلَقَه اللّٰه ومنحه كلّ عناصر الطبيعة لتخدمه. فالذي لا يغامر من أجل الغاية السامية، ولا يؤدّي دوره الحقيقي في هذه الحياة، لا فرق بينه وبين الميّت الذي لا يضر ولا ينفع. وهذا التحويل في الدلالة اللغوية للمفردات ومنحها معانیَ رمزيّة واسعة، جعل القصيدة تحفل بالمعاني العميقة والكثيفة، وأضفی جمالاً خلاباً على قصديتها وإبلاغيتها. 4ـ1ـ2. العدول النحوي لا ينحصر العدول عن القاعدة والنحو لدي ريفاتير في الخروج عن القواعد النحوية، بل «يتضمن كلّ حدث يجلب تنبّه القارئ إلی التغييرات في النص وإلی العدول عن القاعدة» (ريفاتير، 2001م، ص 8). في الحقيقة أن هذا العدول عن المألوف في القاعدة يضطرّ القارئ إلی أن يلتفت إلی المعاني الخفيّة في عتبات النص؛ لأنّه، وإن کان «في القراءة الأولی يعد تهديداً بالنسبة للمعنی وفهم النص، إلا أنّ هذه التغييرات في القراءة المتأنية تكشف عن مجموعة من المعاني والدلالات التي تساعد على فهم النص» (المصدر نفسه، ص 13)، وأنّ القارئ حين يجد أن هذا العدول يتعلّق بالمفردات لا بالواقع، «فإنّه في القراءة الارتجاعية سيكتشف أنّ هذه التغييرات لها دلالات أخرى منسجمة مع النص» (المصدر نفسه، ص 1). وتجدر الإشارة أنّ أهمّ التغييرات التي تعد خروجاً عن المألوف عند ريفاتير، هي الاستعارة والمجاز المرسل والكناية وما يتعلّق بالنحو وقواعد النحو. وأمّا بالنسبة للتغييرات التي تتعلّق بالنحو، فيمكن الإشارة إلی: ـ "إذا الشعب يوماً أراد الحياة" (الشابي، 2023م، ص 155 ـ 187)؛ حذف فعل "أراد"، وتم تعويضه بالجملة المفسِّرة؛ لأنّ تقدير الكلام: "إذا أراد الشعب أراد الحياة"؛ إذ الأصل في ترتيب الجملة الفعلیة: (الفعل + الفاعل + المفعول + الفضلات). ـ "ولا بد لليل أن ينجلي" (المصدر نفسه)؛ وضع الجارّ والمجرور "لليل"، بعد قوله "لا بدّ" التي تدلّ علی الحتمية والوجوب، ممّا یشعر أنّ الذي يجب أن يتغيّر مباشرة ويستجيب لإرادة الشعب هو الليل لا غير، ورغم أنّه كان بمقدوره أن یورد العبارة علی نحو: "لا بد أن ينجلي اللّيل"، بأن یؤخّر الليل خاصة؛ لکن لم یفعل لأجل الفائدة السالفة. ـ "فعجّت بقلبي دماء الشّباب" (المصدر نفسه)؛ قدّم الجار والمجرور "بقلبي" على الفاعل، وهو "دماء" تأكيداً لبيان مكان العجيج؛ ذلك أنّ الأهمّ من كلّ شيء لصناعة المستقبل في هكذا ظرف هو حدوث مثل هذا العجيج في هذا المكان؛ إذ إنّ القلب هو منبع الشعور ومصدر الحماس والقوة والإرادة والتغيير والأكثر تحكماً بفئة الشباب، فقدّمه لأهميته على الفاعل الذي هو تابع في الإرادة لهذه الحالة. ـ "لم أتخوّف وعورَ الشَّعاب / ولا كبّة اللَّهب المستعر" (المصدر نفسه)؛ لم يكرّر فعل "أتخوّف" مع الجملة الثانية، حيث لم يقل: "ولا أتخوّف اللّهب" مع إمكانية تكراره، بل اكتفی بما یدّل علیه العطف بالواو من الجمع بين شيئين تحت حكم واحدٍ إيجازاً وليؤكّد للسامع أنّني في سبيل غايتي، تندرج عندي كل المخاوف، سواء كانت صغيرة أم كبيرة تحت حكم واحد، ولا أفرّق بينها، بل أغشی حتی أحقّق ما أريد، دون النظر إلی حجمها وخطرها. النوع الثاني من الخروج عن المألوف والقاعدة الذي يهتمّ به ريفاتير، ويراه ركيزة هامّة لكشف الدلالات الكامنة هو الاستعارة والمجاز والكناية؛ «لأنه يری الاكتفاء بفهم المعنی المباشر في القراءة الأولی يقلّل من قيمة النص الشعري، بل يجب تخطّي القراءة من النوع الأوّل والوصول إلی الدلالات الأكثر عمقاً التي تمنحها اللغة الفنية» (2001م، ص 3). وقد وظّف الشابي هذا العدول بكثرة في قصيدته. نذكر نماذجها ههنا:
قد أكثر الشابي من الاستعارة في قصيدته؛ لأنّ الاستعارة في الحقيقة «نقل العبارة عن موضع استعمالها في أصل اللغة إلی غيرها لغرض؛ وذلك الغرض إمّا يكون شرح المعنی وفضل الإبانة عنه، أو تأكيده والمبالغة فيه أو الإشارة إلیه بالقليل من اللفظ أو يحسّن العرض الذي يبرز فيه» (العسكري، 1971م، ص 205). وكلّ هذه الأغراض المذكورة هي بمثابة المطبّات التي تدعو القارئ إلى التريّث أمام هذا الخروج عن المألوف والقاعدة، ليتحقّق المعنی ويستوعبه أكثر، ويشتدُّ انتباهه إلی التصوير النابع من عملية التحويل الآنفة. فجميع هذه الأمور تصبّ في مصلحة إنتاج النص وإيصال المعنی المطلوب الذي يريده الناص. والأمر الملحوظ في هذه القصيدة هو اعتماد الشاعر على عناصر الطبيعة وإلباسها ثوبَ الاستعارة لإيصال مراده وأفكاره إلی القارئ؛ ولأنّ استخدام الصورة المبنية على المجاز تمنح منشئ النص هو القدرة على «الانتقال من التصوير المألوف إلی تصوير فني يعتمد على التأمل والفكر للوصول إلی معان جديدة فيها من القوة ما يميزها عن غيرها من المعاني» (عودة، 1987م، ص 10). وقد تمكن الشابي من خلال توظيف هذه الاستعارات التي تضاهي المطبات، أن يجعل القارئ الملمّ والمثقّف يتوقف عندها متأمّلاً في معانيها ليستخرج الدلالات الخافية خلفها. 4ـ1ـ3. سيمائية التشاكل إن التشاكل من الموضوعات المطروحة في النظرية السيميائية الشعرية التي أخذها مايكل ريفاتير في تحليله للنماذج الشعرية من الطروحات المتصدرة عن غريماس الذي يُعدُّ المؤسّس الأول للتشاكل في الدرس السيميائي واللساني. «وقد طرح هذا التشاكل في هذين الحقلين، بعد أن اجتلبه من الرد السيميائي وعلمي الكيمياء والفيزياء، ليأخذ بعين الاعتبار العلاقة بين الألفاظ وبين المكونات الخطابية والصور النصية، أي العلاقة المتشابكة بين المكونات الخطابية التي يفضي بعضها إلی البعض ويحيل بعضها إلی البعض ويجمع بينهما خيط دلالي رفيع وأوجه شبه متعددة تندرج تحت محور واحد، يمكن تسميته الحقل الدلالي» (واصل، 2014م، ص 44). تتحقق هذه السمة غالبا عبر التكرار للمقاطع المتقاربة معنی ودلالة، وتفيد في النص الانسجام، «وتزيل غموضه» (أصغري، 1398ﻫ.ش، ص 38)، إلاّ أنّ ریفاتير يرى من الضروري عدم الاكتفاء بهذه السّمة؛ إذ الاكتفاء بها ينزّل الشعر منزلة التقرير البحت ويقلّل من الإبداع فيه (1978م، ص 3). كما أنّ الاكتفاء بها يحول دون الكشف عن خفايا الدلالات النصية في مرحلة القراءة الاكتشافية. ومن نماذج هذا اللون في قصيدة الشابي: ـ "أبارك في الناس الطموح / ومن يستلذّ ركوب الخطر" (2023م، ص 155 ـ 187). تبحث المقاطع في هذين الشطرين وراء دلالة واحدة ومعنی واحد، حيث يحاول الشاعر عبر تكرار هذه المقولات التصنيفية تحقيق انسجام النص وإزالة غموضه وبسط معناه أكثر، كما أنّه عن طريق التركيز على المثابرة في الحياة، يريد تجسيد صورة متكونة عنده من جزئين متشاكلين: الأوّل أن بركة الأرض تحلّ على الطموح من النّاس لا غير، ثم يعيد هذا المعنی؛ لكن بطريقة أخرى وألفاظ جديد، فيقول عن لسان الأرض: "وأبارك الشهم الشجاع والجسور الذي في سبيل الغاية يركب الخطر الصعاب" (المصدر نفسه). فالمعنی المتشاكل قد جعل النص مترابطاً بشكل أكبر وأكّد معنی ذا أهمية في نفسية الشاعر، وأبرز اهتماماته في الحياة. 4ـ1ـ4. سيمائية التباين التباين هو ما يخالف التشاكل في السيميائية الجديدة، وهو مواطن الاختلاف والفروق الكامنة في النص. والتباين يحصل عبر الألفاظ والصورة أيضا. وكلّ من هذه التباينات تحمل معها إيحاءات سيميائية من شأنها إظهار دلالة النص للمتلقي أكثر. وبعد التمعن في قصيدة الشابي، نجد أنّ الشاعر قد اعتمد بشكل أساسي على هذه السمة لعكس المعنی وإيصاله إلی السامع، كما أن هذا النوع من البيان ساعد في تطريز النص وإضفاء لون ساحر من البيان علیه. ففي قوله: "إذا الشعب يوماً أراد الحياة / فلا بد أن يستجب القدر / ولا بد لليل أن ينجلي / ولا بدّ للقيد أن ينكسر" (المصدر نفسه)؛ يجمع الشاعر بين صورتين متعاقبتين قد بُنيتا على التباين: الأولی تعني الموت والخضوع والخنوع وتتمثل في المفردات التالیة: ـ "القيد"، يعني الانكسار والاستلام والرضى بالواقع المرير وعدم تحريك ساكن من أجل الانطلاق للحرية. ـ "الليل"، ويعني العتمة والظلام والظلم والخوف والبقاء في الذل المتفشي. وتقابل هذه الصورة تلك التي تدعو إلی التطلع إلی الغد المشرق وإلی الأمل وتبديد الظلام وتبديله بالحياة والحرية وتتمثل في الكلمات الآتية: ـ "الحياة"، وتعني التخلص من الأسر والقيد وكسر القواعد المألوفة بسبب الخوف وخشية البطش من قبل السلطة. والوسيلة التي يبينها الشاعر لتغيير الحال والوصول إلی الحرية التي يطمح لها الشعب المضطهد، هي: الإرادة، حيث يقول: "إذا الشعب يوماً أراد الحياة" (المصدر نفسه). إذن، للتغيير شروط، منها أن تكون هناك عزيمة وإرادة. وإذا حصل مثل هذا الشرط، كان السبب الرئيس لبداية التغيير واستجابة القدر، "فلا بدّ أن يستجيب القدر". وكذلك من هذه الشروط التمهيدية للتحول هي أن يعزم الشعب، أي جمهور الناس على نيل الحياة، وليس رغبة جماعة منه فقط، إذ الشعب من يقدر على كسر القواعد وتغيير اللعبة وليس أصوات بعض أفراده. ومن الصور المبنية على التباين، والتي تحمل في طياتها إحياءات سيميائية، وتُعدُّ في الحقيقة تقريراً للصور السابقة هو قول الشاعر: "ومن لا يحبّ صعود الجبال / يعش أبد الدهر بين الحفر (المصدر نفسه). فيرسم الشاعر صورتين متباينتين: "الجبال" و"الحفر". فالشاعر من خلال الجمع بين هاتين الدلالتين في هذا البيت، يؤكّد قوله السابق أن الطريق للتخلص من القيد وكسب الحياة، تبدأ بالحبّ الذي يتحوّل إلی إرادة وعزيمة، وأنَّ مَثَل الذي يرضی بالقيد ولايطمح للحياة كمثل الذي يبقی في الحفر ولا يسعى للصعود إلی الأعالي وقمم الجبال. فالتباين بين ألفاظ الصورتين ودلالتهما، تبعث في النفس الهمة للإقدام وتحقيق الأماني. وهذه العلامة السيميائية فاشية جداً في القصيدة التي بين أيدينا، منها قول الشاعر: "هو الكون حيّ يحبّ الحياة / ويحتقر المّيتَ المندثر" (المصدر نفسه). في هذا البيت، قد جمع الشاعر بين الدلالة المتبانية والألفاظ المتبانية معاً. وكلّ هذه الصور والألفاظ تحاول استنهاض الهمّة في المتلقي؛ إذ يؤكد الجمع بين الأضداد المعنی ويجعله أكثر جلاء ووضوحاً. فتكرار هذه التباينات من أجل أهمية الموضوع في ذهن الشاعر ورغبته في إيصاله إلی السامع، بطريقة لا تحتمل اللبس ولا الغموض أبداً. 4ـ2. القراءة الارتجاعية في هذه المرحلة، يحاول الباحث تجاوز المعاني السطحية والظاهرة، ليتعمق أكثر من أجل كشف الدلالات الكامنة بين السطور، والتي قد تختفي على المتلقي والقارئ غير العُمدة. وهذه القراءة «تسوق القارئ إلی المستوى المدلولية واحدة العلامة ويحصل على مفتاح المدلولية في نطاق أوسع» (ريفاتير، 1978م، ص 6). الجدير بالذكر أنّ البحث في هذا القسم يتناول كلا من التعابير المتراكمة والمنظومات الوصفية والهيبوغرام والماتريس البنيوي، بغية كشف دلالات عميقة منتشرة في النص. 4ـ2ـ1. التعابير المتراكمة ومن الموضوعات المطروحة في نظرية ريفاتير السيميائية، هي دراسة ومعالجة المفردات التي تصبّ في المجری الدلالي المشترك أو المفردات ذات الخيط الدلالي الواحد، والتي يعتبرها ريفاتير «نواة رئيسية لسلسة من معينة من المفردات المتردافة التي تتمحور حولها» (المصدر نفسه، ص 218)، وتكشف عن وجه سيميائي ذي دلالة عند الشاعر. ويمكن تقسيم هذا التعابير في هذه القصيدة إلی الأنواع الآتية: المجموعة الأولی فنجد أنّ هذا اللون من التعابير قد تراكم بشكل ملفت في هذه القصيدة؛ وذلك لأنّ الشاعر يسعى لاستنهاض الأمة وتحريرها من القيد المظلم من خلال جرّ انتباهها إلی النظر في الطبيعة. فالشعب الذي يرید الخلاص من القمع والذل، علیه أن يصبح يوماً مزمجراً كالرعد وجارفاً كالرياح وألا يخشی الصعود إلی أعالی الجبال. أمّا الخامل الذي يبقی ينتظر الحرية دون حركة ونشاط، فحاله حال من يقع بين الحفر ويرنو إلى صعود الجبال دون عمل وإقدام. فلدى إمعان النظر في سرّ تراكم هذه القصيدة، يكشف لنا عن غاية الشاعر الذي يقصد أن يبعث الحياة من جديد في أمته، ويدعوها ألا تتوجس ركوب الخطر؛ إذ إنّ أوّل الطريق لتحقيق المعنی رمي الخوف وراء الظهر والتسلح بسلاح القوة ورباطة الجأش والاستلهام من الطبيعة التي لا تصبّ مطرها إلا بعد حركة الرياح والرعد.
المجموعة الثانية يريد الشاعر أن يكشف من وراء هذا التراكم أن السبيل الوحيد للحياة الكريمة ونيل المنى هو ترك الحذر، وأن الخوف الزائد من البطش والفشل الذي يحول دون المغامرة قد يكون هو السبب الرئيس للإخفاق. فعلى الإنسان الطموح أن يغامر في بعض الأحيان ويثابر ويجاهد. لقد تراكمت التعابير الدالة على أنّ الكون يحب الحياة، كما قال: "هو الكون يحب الحياة / يحتقر الميت المندثر / فلا الأفق يحضن ميت الطيور / ولا النحل يلثم ميت الزهر/ لولا أموته قلبي الرؤوم / لفرت عن الميت تلك الحفر" (2023م، ص 155 ـ 187). التعابير دالّ على حبّ الوجود للحياة، كما أنه يرشد إلی حبّ الشاعر وتعلقه بالحياة، لاسيّما وأنّه كان يعاني في ريعان شبابه من المرض والوجع، وكذلك يكشف لنا عن غايتين ممزوجتين: الأولی أنّ المرض جعل الشاعر يستشعر حبّ الحياة أكثر؛ والثانية رسالة منه إلی كلّ من ينشد شعره أن الذي لا يسعى في حياته، فهو بمثابة الميت المندثر يكرهه كلّ من في الوجود. فكما أنّ الأفق لا يحضن الطير الميت، وأن النحل لا يلثم الزهر الذابل، كذلك الكون ومَن فيه يرغب عن الخامل الذي لا يجري مجتهداً خلف غاياته في هذه الحياة. 4ـ2ـ2. المنظومات الوصفية في كل قصيدة، توجد مجموعة من الأوصاف تؤدي كلها قصدية واحدة ودلالة محددة، تصب في مصلحة الغرض الرئيس للنص. من خلال دراسة قصيدة الشابي، عثر الباحث على ثلاثة منظومات وصفية، تعكس وتجسد فحوي النص وروحه، هي: المنظومة الوصفية الأولی: الإرادة المنظومة الوصفية هنا تتحدث عن (الإرادة). هذه المجموعة من الأوصاف تشير إلی عناية الشاعر بالإرادة الحقيقية لأجل تغيير الواقع المعتم إلی واقع مشرق، وأنّ الإرادة هي المفتاح للانطلاقة. فإذا حصلت عند شعب، فعندها لا يبقی شيء إلا ويسير وفق إرادة ذلك الشعب. ومن ثم يزول الليل الظلام وقيد الذل والخنوع. وكأنّ القدر تابع لإرادة الشعب. فالشعب الذي يهوی الحياة ويجاهد من أجلها، يكون القدر عونه وسنده؛ أما الشعب المسلوب الإرادة، فتحلّ علیه الكوارث والمصائب، وليس ذلك لشيء إلا لعجزه وضعفه. المنظومة الوصفية الثانية: الطموح هذه المفردات، وإن كانت تؤكد على هذه المعاني الظاهرة، إلا أنه يمكن وراءها دلالات عظيمة تريد من الإنسان أن يعيش حراً أبياً، لا يقبل الظلم من أحد. المنظومة الوصفية الثالثة: الخمول التكاسل في هذه المنظومة، يصف الشاعر الإنسان الضعيف الذي لا يسعى وراء المطلوب في حياته، بأنّه لا شأن له في الوجود، لدرجة أنّ الحياة نفسها تحتقره وترغب عنه. وكلمة "ميّت" التي كررها الشاعر أكثر من مرة في وصف هذا النوع من الناس، تدل على خساسة مثل هذا البشر في فكر الشاعر، بحيث يقول عنه: إنّ هذا إذا مات ولم يترك لمن خلفه شيئاً، تكاد المقابر تلفظه وترميه عن حفرها بعيداً، ولا تريد أن تضمه إلی صدرها. وجاء بكلمة "حفر"، ولم يقل: "لفرت عنه تلك المقابر"، تحقيراً لمكانته، وأنّ هويته مباشرة ستُطمَس بعد موته في حفرة من حفر الأرض، لا أحد يكترث له ولا يهتم لشأنة. ووصف شأن هذا الإنسان بالطير الميت. فكما أنّ الطير الميت لا يطير، ولا يحلق، كذلك الخامل باقٍ بين الحفر مندثرا كلّ من طار وحلّق رآه حقيراً صغيراً عاجزاً. 4ـ2ـ3. الهيبو غرام في الخطوة الثالثة من القراءة الارتجاعية في نموذج ريفاتير وبعد تحديد التراكمات والأنظمة الوصفية، تعدّ الهيبوغرامات من القضايا الأساسية، وهي «مجموعة كلمات موجودة مسبقا يشار إلیها بعلامة شعرية، ويمكن أن يكون عبارة أو سلسلة من الجمل التي قد تأتي من الصورة النمطية أو نظاما وصفيا، كما أنه قد يتكرر بشتى العناوين، وقد يكون غير مألوف في النص» (ريفاتير، 1978م، ص 89). إن طبيعة الهيبوغرام متغيرة. فيمكن أن «تكون كلمة أو فكرة، أو جملة من نصّ مألوف أو عبارة متبذلة. وعلاقة الأنظمة الوصفية بالتراكمات هي التي تؤدي بالقراءة لفهم الهيبوغرام» (تنها، 1400ﻫ.ش، ص 18). ويكتسب الهيبوغرام أهمية قصوی في منهجية ريفاتير؛ «لأنّ الشعر نتیجة تحوّل هيكل أو جملة بسيطة أو لفظة إلی مسهب أكثر تعقیداً ويعمل الإطار أو النسيج علی شكل متغييرات متتالية. ويحدد العنصر الثابت شكل هذه المتغييرات» (ریفاتیر، 1978م، ص 89). يمكن تلخيص المفاهيم والمفردات التي تشير إلی الفكرة العامة والسائدة في هذه القصيدة فيما يلي: ـ إذا حصلت الإرادة عند الشعب، لا يبقي شيء في الوجود إلا واستجاب. ـ في سبيل تحقيق الغاية السامية، لا بد من نبذ الخوف والوجل. ـ لا حياة للخامل. ـ الحياة لمن يطمح في هذا الكون. ـ عناصر الطبيعة تساعد الذي يسعى وتكره الكسول والجبان. ـ الطموح لهيب الحياة وروح الظفر. الشاعر في مطلع قصيدتهk يقول: "لا بد أن يستجب القدر" (2023م، ص 155 ـ 187)، ليثير الهمم؛ لأن الغالب في أوساط الناس وفي أفكارهم أن ما يحلّ بهم من ظلم وتعاسة هو غالبا بسبب أمر مقدّر ومحتوم علىهم؛ وليس لهم ولا من شأنهم أن يغيروا فيه شيئا؛ لكن الشاعر عندما استفتح شعره بهذا البيت، قلب الموازين، ونبههم لأمر عظيم بأنّ الذي يصنع القدر هو عملنا وهمتنا. فإذا ما يوما أردنا بصدق وتحركنا نحو الحرية، فعندها كل ما في الوجود سيستجيب بما في ذلك القدر نفسه والليل والقيد ... إلخ. فكأن هذه البداية العجيبة تهدف لإيقاظ أمة بأكملها من سباتها، وتبعث فيها الأمل من جديد، وتذكرها أن القرار بالید، وليس الذي حاصل ضربة لازم، بحيث لا يمكن تغييره. وقد أكدّ هذه الفكرة في نهاية القصيدة بأسلوب فني رائع قائلاً: "وأعلن في الكون أن الطموح / لهيب الحياة وروح الظفر / إذا طمحت للحياة النفوس / فلا بد أن يستجيب القدر" (المصدر نفسه، ص 155 ـ 187). فالشاعر بعد أن كشف لشعبه أن القدر يتبع للهمة والإرادة لا العكس، وأن لا تغيير إلا بعزيمة، راح يدعوهم إلی التحلي بالشجاعة وخلع الحذر؛ إذ إن الذي لا يهوى صعود الجبال بسبب الخوف ووعورة الطريق، محكوم علىه بالعيش بين الحفر لا يرى النور ولا يذوق حلاوة التحدي والمغامرة والنصر، كما أن الشاعر يكشف للناس وشعبه أن الذي يقدم على أمر عظيم بإرادة قوية، ستساعده حتی الطبيعة وعناصرها، ليحقق مآربة وأهدافه. وأما من يحب الخمول، فليس له حظ في هذه الحياة. وإذا مات، تكاد الأرض تلفظه بعيدا عنها. فالهيبوغرام السائد في هذه القصيدة كامن في أن العزيمة والإرادة والطموح هي مفاتيح وأسرار الكرامة والعيش السعيد. 4ـ2ـ4. الماتريس البنيوي التراكمات والمنظومات الوصفية، وكذلك الهيبوغرام وعلاقته بالنصية، تشكل الماتريس البنيوي أو ما يسمّى بالبنية الشعرية وتمنحه الوحدة الموضوعية. ومن أجل هذا، يرى ريفاتير «أن الشعر هو حصيلة التغييرات في الماتريسات، وأنّ الماتريس هو الدلالة الكامنة وراء ظاهر الشعر، يتم كشفها من خلال القراءة الفاحصة لدى القارئ المتمكن» (تنها، 1400ﻫ.ش، ص 19). ويمكن تعريف الماتريس بأنه «العبارة أو الجملة التي يمكن اعتبارها الجذر أو النواة التي تثير بعض المفردات والمفاهيم. ومن خلال هذه المفاهيم والمفردات، يمكن إعادة كتابة الشعر وقراءته من جديد» (نبي لو، 1390ﻫ.ش، ص 86)، أو هو «المفردة أو العبارة أو الجملة التي يمكن اعتبارها الأساس والنقطة الأهم في فهم النص واستيعابه، والتي تنتج الهيبوغرام والنص الشعري من جديد» (جديدآبادي، 1398ﻫ.ش، ص 137). الماتريس النبوي في قصيدة الشابي يبدأ بالإرادة التي تمنح الشعب فرصة الحياة الكريمة، وتصل إلی الدعوة من أجل التحدي والطموح في الحياة بغية غاية سامية، وتهيب بالقارئ الركون والسكون، حتی لا يصبح خاملا عاجزا، يكرهه الوجود بعناصره المختلفة. وتختم بالتأكيد على أن النصر والظفر والتغيير ينبع من قلب الحماس والعزيمة ودماء الشباب المستعرة: الخاتمة توصلت المقالة إلى ما يلي: ـ الشاعر في سيميائية التشاكل، يحاول عبر ترديد وتكرير بعض المقاطع التي تحمل دلالات ومعنی موحد، بيان انسجام النص وإزالة الغموض منه وبسط معناه، مما يعكس نفسية الشاعر جليا للقارئ؛ إذ إن اهتمامه بهذه المعاني هو الذي دعاه لهذا التكرير، فهو صدى لما يجول في خاطره وبداخله. ـ الأمر الآخر أن الشاعر وظَّف سيميائية التباين بشكل واسع في قصيدته، فساهمت هذه السمة في تطريز النص وإضفاء لون ساحر من الجمال والبيان عليه. ـ الماتريس البنيوي في هذه القصيدة يبدأ بالإرادة والعزيمة، وتستمر هذه الديناميكية والحركية تدعو إلی النهوض وتغيير الواقع المرير، حتی تحقيق النصر والظفر. ـ أما الهيبو غرام الذي انكشف بعد الدراسة في هذه القصيدة، والذي يعتبر الفكرة العامة والسائدة فيها، فيحقق في النقاط الست التالیة: أولا إذا حصلت الإرادة عند الشعب، استجاب الوجود وهبّ لنصرته؛ ثانيا في سبيل تحقيق الغاية، يجب نبذ الخوف وركوب الخطر؛ ثالثا لا حياة للخامل، وإن تحرك بين الأحياء؛ رابعا الحياة لمن يكدح ويطمح في الهذا الكون؛ خامسا عناصر الطبيعة تساعد من يسعى وتطرد الكسول والجبان؛ سادسا الطموح هو لهيب الحياة وروح النصر. ـ المنظومات الوصفية في هذا القصيدة ثلاث، تدور حول محور الخمول، العزيمة، الكدح في الحياة. ـ التعابير المتراكمة في هذه القصيدة تتمثل في عناصر الطبيعة، ونبذ الخوف، وحب الحياة. | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مراجع | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
أ. العربية أصغري، محمد جعفر. (1398ﻫ.ش). «دراسة سيميائية في قصيدتي: التينة الحمقاء لأبي وصنوبرين، لمحمد جواد محبت، على ضوء نظرية ريفاتير». مجلة الجمعية الإيرانية للغة العربية وآدابها. ع 52. ص 63 ـ 82. جدیدآبادي، حمید. (1398ﻫ.ش). معالجة ظاهرة الزمان والمکان في أشعار السموئل بن عادیا. دمشق: دار طلاس. خليل، فاضل. (2010م). جمالیات التصویر في شعر أبي البقاء الرندي. بیروت: دار البیضاء. خمري، حسين. (2007م). نظرية النص من بنية المعنی إلی سيميائية الدال. القاهرة: الدار العربية للعلوم ناشرون. رحماني، عاطفة. (2024م). «دراسة سيميائية لقصيدة بشري البستاني موسيقي عراقية في ضوء نظرية مايكل ريفاتير». مجلة دراسات في اللغة العربية وآدابها. س 14. ع 38. ص 56 ـ 78. ريفاتير، مايكل. (2001م). دلائليات الشعر. ط 2. الرباط: منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية. ـــــــــــــــ. (1978م). سيميوطقيا الشعر: دلالة القصيدة. القاهرة: دار إلیاس. سعدية، نعيمة. (2016م). التحليل السيميائي والخطاب. عمَّان: عالم الكتب الحديث. سلدن، رامال؛ وبیتر بروکس. (2001م). «النظریات الموجهة نحو القاری». الآداب الأجنبیة. ع 106. ص 116 ـ 117. الشابي، أبو القاسم. (2023م). دیوان الشابي. تونس: دار المغرب العربي. شكيب أنصاري، محمود. (1390ﻫ.ش). تطور الأدب العربي المعاصر. ط 5. أهواز: جامعة شهيد تشمران أهواز. العسكري، أبو هلال الحسن بن عبد اللّٰه. (1971م). الصناعتين: الكتابة والشعر. بيروت: دار الفكر العربي. عصام، خلف كامل. (2015م). الاتجاه السيميولوجي ونقد الشعر. القاهرة: دار فرحة للنشر والتوزيع. عودة، خليل. (1987م). الصورة الفنية في شعر ذي الرمة. أطروحة الدكتوراة. جامعة القاهرة. فرهنگ نيا، أمير. (1397ﻫ.ش). «دراسة سيميائية في قصيدة من يوميات سيف بن ذي يزن في بلاد الفرس لعبد العزيز المقالح». مجلة بحوث في اللغة العربية بجامعة إصفهان. ع 21. ص 15 ـ 36. مقدسي، أبو الحسن؛ ومحمد سالمي. (2020م). «أثر النكسة في شعر أمل دنقل دراسة سيميائية على ضوء منهج مايكل ريفاتير». دراسات في اللغة العربية وآدابها. ع 31. ص 1 ـ 22. واصل، عصام. (2014م). تحليل الخطاب الشعري: دراسة سيميائية. الجزيرة: دار التنوير.
ب. الفارسية تنها، فاطمة. (1400ﻫ.ش). «كاربست نظريه نشانهشناسى مايكل ريفاتير در تحليل قصيده خذ وردة الثلج خذ القيروانية». مجله ادب عربى. ع 1. ص 33 ـ 45. نبيلو، علیرضا. (1391ﻫ.ش). «كاربرد نظريه نشانهشناسى مايكل ريفاتير در تحليل شعر ققنوس نيما». پژوهشهاى زبانشناختى. ش 2. ص 81 ـ 94. | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 864 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 473 |