تعداد نشریات | 43 |
تعداد شمارهها | 1,650 |
تعداد مقالات | 13,402 |
تعداد مشاهده مقاله | 30,200,935 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 12,073,822 |
أسلوبية قصيدة "عذاب الحلاج" لعبدالوهاب البياتي وفقا للنظرية البنيوية النقدية | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بحوث في اللغة العربية | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
دوره 16، شماره 30، تیر 2024، صفحه 87-104 اصل مقاله (1.24 M) | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نوع مقاله: المقالة البحثیة | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
شناسه دیجیتال (DOI): 10.22108/rall.2024.140560.1502 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نویسندگان | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مرتضی براری رئیسی* 1؛ محمدحسن امرائي2 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
1أستاذ مساعد في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة ولايت، إيرانشهر، إيران | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
2أستاذ مشارك في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة ولايت، إيرانشهر، إيران | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
چکیده | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأسلوب منهج يركّز على العناصر الأساسية والداخلية للعمل الفني، للكشف عن معايير الاختراع والابتكار فيه. إنّ مناقشة أسلوب العمل الأدبي وسيلة لفهم الآراء والنظرة العالمية والثراء الفني للعمل الأدبي؛ إذ إنّها توضح كيفية تفاعل المؤلف مع الإمكانات والكفاءة اللغوية التي تظهر في المستويات المختلفة للغة. يمكن القول بأنّ الأسلوبية هي إحدى الأساليب الجديدة التي دخلت مجال الأدب لتحليل النص، بحيث يمكن من خلالها الوصول إلى أحسن الفهم للنصوص الأدبية. تحتوي قصيدة عذاب الحلاج لعبد الوهاب البياتي على ستة أجزاء داخلية تشكل بنية ذات معنى في اتصال عضوي، ليتمكن الشاعر من استحضار شخصية صوفية كحلاج حتی يشرح تجربته الواعية لمجتمعه المعاصر. ولذلك تصبح قصيدة عذاب الحلاج بنية ذات معنى تعكس ظروف المجتمع. وفي السياق ذاته، وبالنظر إلى السمات الأسلوبية المحددة للقصيدة، يهدف هذا المقال إلى التحقيق في شتی مستويات القصيدة، منها الفكرية، والصوتية، والنحوية، والبلاغية، من خلال الاعتماد على المنهج الوصفي ـ التحليلي القائم على التفسير والتحليل. تشير نتائج هذا البحث إلى أنّ قصيدة عذاب الحلاج تتكون من ستة أقسام داخلية محزنة، تشكل بنية ذات معنى في ارتباط عضوي، بحيث يتمكن الشاعر من استدعاء شخصية صوفية بهدف شرح تجربته الواعية وتقديم الاستجابة المناسبة لتصرفات مجتمعه المعاصر. وبهذا، تصبح القصيدة بنية ذات معنى دالة على أحوال المجتمع. لقد أبدع البياتي في هذه القصيدة الواقعية الصوفية، وترك أسلوباً خاصاً قد تجلّی في عدّة مستويات: لغوية، وأدبية، وفكرية. فإن انسجام المستوى اللغوي والأدبي لهذه القصيدة مع نظيرتها الفكرية هو من أهم السمات الأسلوبية لهذه القصيدة. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
کلیدواژهها | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأسلوبية؛ عذاب الحلاج؛ عبد الوهاب البياتي؛ البنيوية؛ المستوی الأدبي؛ المستوی الفكري | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
اصل مقاله | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
يعود تاريخ الأسلوب إلى الإغريق وروما. لقد اندرج مصطلح الأسلوب في علم الخطابة وحظي باهتمام أرسطاطاليس وأفلاطون، حيث يعرفه الأخير بقوله: «الأسلوب شبيه بالسمة الشخصية» (جيرو، د.ت، ص 23)؛ فمن خلال التعريف الذي قدمه أفلاطون لمصطلح الأسلوب، نلاحظ أن الأسلوب عنده هو سمة خاصة بكل إنسان، فكل شخص له أسلوبه الخاص في توظيف أو تركيب الكلام كيفما شاء (خوية، 2013م، ص 31). فالأسلوب هو خاصية مكتسبة؛ ولكنّها تنقسم إلى درجات مختلفة. الأسلوبية بمعناها الحقيقي لم تكن موجودة في العصور الماضية. وفي القرن العشرين، تأثرت هذه المعرفة، مثل التقنيات الأدبية الأخرى، باللسانيات البنيوية وحصلت على لون وشكل جديد (جيرو، د.ت، ص 29). أما البنيوية، فهي مقاربة نقدية تعتمد على قراءة النص، بناء على مبادئ وأسس صارمة؛ لأنّ هذا المنهج يرى في النص بنية لها قواعدها الخاصة التي تنظم العناصر المميزة في وحدة واحدة، وأهميته مستقلة عن العالم الخارجي؛ لأن المفاهيم والأفكار تستخرج من خلال قراءة النص. يعتمد المنهج البنيوي في تحليل النصوص الأدبية علی مستويات متعددة، يمكن تقسيمها إلى العناوين التالية: ـ المستوى الصوتي: يعتمد هذا المستوى على دراسة الحروف وتكوينها ورمزها وموسيقاها، كالنغمة والنبر والإيقاع. ـ المستوى النحوي: يتناول هذا المستوى الأسلوبي في كثير من الأحيان دراسة الكلمات وتنظيمها، وبنية الجمل، وتركيبها، وخصائصها الدلالية والجمالية. ـ المستوى الصرفي: الغرض من هذا المستوى هو فحص ودراسة الكلمات وبنيتها اللفظية ووظيفتها في تكوين اللغة. ـ المستوى الدلالي: غالبًا ما يكون الغرض من هذا المستوى هو بحث وتحليل المعاني المباشرة وغير المباشرة والصور المرتبطة بها خارج حدود اللغة. ـ المستوى الرمزي: يدرس هذا المستوى رمزية الكلمة ويستدل ويجمع الدور الذي تلعبه المستويات السابقة في المعنى الجديد وينتج معاني أدبية جديدة. هناك العديد من الشعراء في الشعر العربي المعاصر الذين ابتكروا أسلوباً جديداً في شعرهم بتأثير المدارس الغربية ولاسيما البنيوية. ومن هؤلاء الشعراء المبدعين ذوي الأسلوب الخاص هو البياتي الذي كان من رواد شعر الحر واستعمل تقنية النقاب. وقد أبدع هذا الشاعر العراقي في الشعر شكلاً ومضمونًا، وتميز أسلوبه باستخدام القناع والنزوع نحو التصوف، وربما اختار التصوف آلية للهروب من الواقع المرير (عباس، 1978م، ص 166)؛ لأن «البياتي كان يحب الحياة والأرض والربيع والأطفال كارهاً الموت والدمار» (الورقي، 1983م، ص 285). وكانت لشعره سمات، كالكلمات السهلة والجديدة والتعابير العذبة والعاطفة الصادقة والموسيقى الممتعة، واضحاً خلافاً لشعر أدونيس. في هذا المقال، تتم الإجابة عن الأسئلة التالية من خلال تحليل قصيدة عذاب الحلاج، وفقًا لنظرية البنيوية النقدية: ـ ما أهم السمات الأسلوبية لهذه القصيدة وفقا لنظرية البنيوية النقدية؟ ـ ما أهم العناصر الأسلوبية المستخدمة في هذه القصيدة، وفقا لنظرية البنيوية النقدية؟ ـ هل للشاعر سمات أسلوبية خاصة في هذه القصيدة؟ والفرضيات التي بني عليها طرح هذه الأسئلة، هي: ـ من أهمّ الظواهر الأسلوبية لهذه القصيدة، يمكننا أن نحدد البنية الإيقاعية، والبنى الصرفية، والبنى التركيبية، والبنية المعجمية، حيث إن كل من هذه الهياكل لديها مجموعات فرعية محددة. ـ هناك عناصر كثيرة جعلت هذه القصيدة متميزة من حيث الأسلوب، منها التكرار، والرموز، والتناص مع الأساطير والنصوص الدينية وتاريخية، والاستدعاء والقناع، والالتفات، وتقنيات الدراما و... . ـ هناك وراء الكلمات البسيطة فكر عميق أرسل القصيدة إلى عوالم النفس البشرية الخفية، حيث يمكننا سماع صرخة رجل فهم المعاناة الأبدية للإنسان. يعد عبد الوهاب البياتي أحد الشعراء العرب المبدعين، الذي استطاع أن يبعث الحياة في الحوار وتعدد الأصوات في قصائده من خلال استحضار الشخصية الصوفية في قصائده مع خلق الوحدة بينه وبين الجوهر المخلوق. يقوم البياتي بإحياء أصوات مختلفة في النص باستخدام تقنية القناع وتقنيات، مثل الكلام ثنائي الاتجاه، والبيانات الخطابية (الاستفهام، والأمر، والتعجب و ...). 1ـ1. خلفية البحث قد تمت مناقشة شعر عبد الوهاب البياتي في مقالات وأبحاث عديدة. وفیما یلي إشارة إلی بعض هذه الدراسات: التناص وإشكالية التحيز في المفهوم والنص عذاب الحلاج للبياتي أنموذجا، عنوان مقال كتبه أحمد عدنان حمدي (2007م)، وهو يشير إلى التناص في هذه القصيدة، بناء على تحليل تقنية النقاب بشكل وصفي، دون أي تحليل. ومقالة نقد سبكشناسانه سروده بكائیة إلی شمس حزيران عبدالوهاب بیاتی (= النقد الأسلوبي لقصيدة البکائية إلی شمس حزيران لعبد الوهاب البياتي)، لعلي نجفی إیوكي وسید رضا میرأحمدي (1393ﻫ.ش)، حيث اعتبرا أن الاختلافات والشذوذات الأسلوبية في هذه القصيدة علامة على التوتر النفسي لدى الشاعر، الناتج عن الفوضی في المجتمع. ومقالة استدعاء شخصيّة الحلاج والمعرّي في شعر عبد الوهاب البياتي، لشهريار همتي وآخرين (2016م). يرى هؤلاء أنّ روية البياتي تتماشی مع رؤية المتصوفين لشخصية الحلاج؛ في حين أن البياتي يسعی لتقديها كصوفي يخدم المجتمع. ومقالة خوانش سروده عذاب حلاج عبد الوهاب بیاتی در پرتو نظريه ساختارگرايی تكوينی گلدمن (= قراءة في قصيدة عذاب الحلاج لعبد الوهاب البياتي في ضوء نظرية غولدمان البنيوية)، لصديقة أسدي مجره وآخرين (1401ﻫ.ش)، حيث استعانوا بآراء غولدمان، معتقدين بأن الأوضاع الاجتماعية في عصر الحلاج متوافقة مع ظروف المجتمع في قصيدة عذاب الحلاج، وقد حدث التفاعل مع البنی الأدبية والتاريخية، مما أضفی علی القصيدة تلاحماً ومعنی. هناك بون شاسع بین هذه المقالة المذكورة كخلفیة للبحث والمقالة الحالیة التي نحن بصددها؛ إذ إنّه في النظرية التي وضعها لوسيان غولدمان، تدرس العلاقة ذات المعنى بين بنية المجتمع وبنية العمل الأدبي؛ ولكن في هذا المقال، يركز الباحثان على كافّة مستويات النص للوصول إلى نتائج دقيقة. ومن أدق المناهج العملية لتحليل النص الأسلوبي هو فحص المستويات الثلاثة اللغوية والأدبية والفكرية التي اعتمدنا عليها في هذا المقال. ومقالة الإحالة ودورها في اتساق القصيدة: قصيدة عذاب الحلاج لعبد الوهاب البياتي أنموذجا، لعلي باقر طاهري نيا وآخرين (1400ﻫ.ش)، وقد أوردوا في هذا المقال أن الإحالة المقامیة غلبت علی الإحالة النصیة؛ وذلك لتعزيز انسجام النص وسلامته.
وغيرها من الدراسات المتناثرة في ثنايا الكتب والمجلات المنشورة في المواقع الإلكترونية التي ربّما جاءت بأشياء مهمّة وفاتتها أشياء أخرى لا تقلّ أهمية عنها. في المجال ذاته، يؤكّد الباحثان كذلك على أنّهما انتفعا بهذه الأعمال القيمة المدروسة في هذا المجال وملأا أمتعتهما بها، وفي نفس الوقت، يحترمان جهود هؤلاء العظماء؛ لكنّهما يقولان بتواضع إنّه لا يزال هناك مجال للنقاش؛ إذ إنّ البحوث الّتي تناولت آثار الشعراء العرب المعاصرين ـ على حد علم صاحبي هذا القلم ـ لم تلتفت إلى دراسة قصيدة عذاب الحلاج للبياتي دراسة أسلوبية، وفقا لنظرية البنيوية النقدية. وبما أنه لم يتم إجراء أي بحث حول أسلوبية عذاب الحلاج، وبالنظر إلى الخصائص المميزة لأسلوب هذه القصيدة، فإن هذا المقال سيخلق منظوراً جديداً للقارئ.
يعدّ علم الأسلوب أحد الموضوعات الجديدة التي اهتم بها الباحثون اهتمامًا كبيرًا في السنوات الأخيرة. في بدء الأمر، تناول الأسلوبيون علم البلاغة الكلاسيكية. أما اليوم، فإنّه يرتبط بتاريخ الأدب واللسانيات والعلوم المعرفية والإعلام وتعليم اللغة، ويدرس خصائص النص (فتوحی،1390ﻫ.ش، ص 237). ومن أهم سمات الأسلوبية هو اكتشاف العلاقات اللغوية في النص واكتشاف بعض الظواهر التي تنتج السمات القيمة للنص؛ بالإضافة إلى ذلك، في الأسلوب، يحاول البعض كشف العلاقة بين هذه الخصائص وشخصيته من خلال دراسة مفردات شعر المؤلف (عياد، 1981م، ص 14). لعلم الأسلوب أساليب مختلفة تدرس كل نص أدبي من منظار خاص. فأحد هذه الأساليب اللغوية هو الأسلوب البنيوي. تُعَدّ المدرسة البنيوية من المدارس التي قامت بتقديم آراء وأفكار جديدة في مجال النقد والأدب، واستعراض القضايا الأدبية المعاصرة ولاقت الترحيب (فضل، 1992م، ص 207). يعتقد البنيويون أنّه لا يوجد مكوّن منطقي واحد، وأنّ كل مكوّن من مكوّنات العمل يجب أن يؤخذ في الاعتبار فيما يتصل بالمؤشرات الأخرى، وفي النهاية بالنظام بأكمله ككل متماسك. الأسلوبية يركز علی بحث الحالات التي لها سمة بارزة في النص ـ شعرًا أو نثرًا ـ وتؤدي إلى إبراز الخطاب وإعطائه شكلًا خاصًا (أبو العدوس، 2007م، ص 66). ويركز الباحث الأسلوبي على كافّة مستويات النص، للوصول إلى نتائج دقيقة. يتطلب الفحص الأسلوبي للنصوص منهجًا متناسبًا. ومن أدق المناهج العملية لتحليل النص الأسلوبي هو فحص المستويات الثلاثة اللغوية والأدبية والفكرية، ويتم تنظيم الدراسة للنص من خلال التنسيق والترابط بين هذه المستويات المتعددة. وبهذه الطريقة، ومع الاهتمام بمكونات النص، نقوم بتحليل هيكل قصيدة عذاب الحلاج، لنجد العناصر الأسلوبية فيها. وانطلاقاً من المبادئ الأسلوبية على المستوى الفكري، فإن الباحثين يكشفان عن الفكرة الرئيسة للنص محاولين الإيضاح بما يريد النص قوله؟ وما اهتماماته وتوجهاته؟ وعلى المستوى الأدبي، تمت مناقشة تقنيات النص، بما في ذلك القضايا البلاغية، مثل التشبيه والاستعارة، والقضايا الجمالية والدلالية. وفي المستوى اللغوي، الذي يشتمل في حد ذاته على ثلاثة أجزاء صوتية ومعجمية ونحوية، نلقي الضوء علی موسيقى العمل الأدبي وطريقة اختيار الكلمات من حيث بساطتها أو تركيبها وتكرارها ونوع النص حسب محور الإبدال (عبد المطلب، 1994م، ص 198)، ونحلل الجمل من حيث القصيرة والطويلة، والاسمية، واللفظية، وصيغ الأفعال، والضمائر وغيرها.
تتضمن قصيدة عذاب الحلاج لعبد الوهاب البياتي ستة أجزاء داخلية شكلت بنية ذات معنى في اتصال عضوي، ليتمكن الشاعر من استحضار شخصية صوفية، بهدف شرح تجربته الواعية ويقدم ردًا مناسبًا على تصرفات مجتمعه المعاصر. وبهذا، تصبح القصيدة بنية ذات معنى دالة على أحوال المجتمع. وهذه القصيدة أول قصيدة للشاعر في توظيف نقاب الحلاج. في الجزء الأول، المريد، يخلق الشاعر مساحة للدخول إلى الموضوع الرئيس. أما الجزء الثاني، رحلت حول الكلمات، فهو تعبير عن معاناة الحلاج. فهو تقرير حزين بالتوازي مع ذروة الاختناق الاجتماعي في زمن الشاعر. الجزء الثالث، الفسيفساء، يبدأ بعبارة "كان أو ما كان"، وينتهي بنفس العبارة، ويروي الراوي قصة مهرج عاطفي مفتون بابنة الملك؛ لكنه يصبح معزولا بعد وفاة الأمير. أما الجزء الرابع، المحاكمة، فهو قصة صمود الحلاج الذي أصبح الآن رمزا للثورة. أما الجزء الخامس، الصلب، فهو وصف حالة الحلاج الذي كان في مركز وابل البركات بالسعي في طريق التجديد. وفي الجزء السادس، رماد في الريح، الشاعر الذي تجاوز حدود الاتحاد مع الحلاج، يشنق نفسه على الصليب كالحلاج. وفي النهاية، يصبح الرماد المتبقى من جثة الحلاج / الشاعر بذرة تنتشر بين المناضلين من أجل الحرية في مساحات الغابات الخضراء ليدمروا كالنار جذور ظلم العصر. 3ـ1. المستوى الفكري والخطابي الصورة الكبيرة لهذه القصيدة هي أن المراد (المعلم) في أحد الأديرة والهياكل يقوم بتدريس التلاميذ، والبياتي يريد أن يخرج الحلاج، وهو أحد تلاميذ هذا الدير، ليتعرف على الألم من أهل الجماعة، ولمّا تعرّف على آلام الناس، اضطربت أجواء الدير الموحشة، واختلف كلامه في المجتمع، فانفصل التلميذ عن مراده. وباستمرار ذلك، يتطور التلميذ أو المريد فيصبح مرادًا، ويخلد بالتضحية بنفسه في سبيل إيقاظ المجتمع. فمن هذا المنطلق، بإمكاننا أن نلخص أهمّ الأفكار المطروحة في القصيدة في محاور رئيسة تالية، هكذا: ـ إنّ عنوان كل باب من هذه القصيدة ـ كما يلي ـ يدل على محتواه. وبطبيعة الحال، فإن غالبية العناوين الواقعية هي على هذا النحو؛ لأنها، على عكس العناوين الرومانسية، تعتبر حقيقية. ـ في المقطع الأول (المريد)، يقوم الشاعر بملامة مخاطبه؛ سواء كان مخاطبه صوفياً جاء من الدير إلى الناس وترك الدير، أم كان المخاطب شاعراً تخلَّى عن التزامه وتمسكه بالثورة والشعب وخدم البلاط الظالم. لقد دخل النظام الحكومي، فيسعى الشاعر إلى إنقاذ المخاطبين. ـ وفي المقطع الثاني (رحلة حول الكلمات)، يرى البياتي المجتمع مدينة متوحشة، عطلت فيها الذئاب الحاكمة الوضع الاقتصادي، وعطل المثقفون الانتهازيون الثقافة، وحطمت التيارات المنحرفة المبادئ الفكرية بأكملها؛ ولذلك يريد توعية الناس بهذا الوضع الفوضوي من خلال إيقاظهم وزيادة الوعي. ـ وفي المقطع الثالث (الفسیفساء): يصف الشاعر المجتمع غير المنظم والسلوك المزدوج للمثقف الذي يخدم البلاط تارة والثورة تارة أخرى، ويصور التصوف الكاذب الممزوج بالخرافات بما فيه أكل الزجاج؛ فبدلاً من أن يكون متصوفاً، يتواجد في المجتمع ويتحدث إلى الناس ويتحدث إلى النجوم والأموات. في هذه المرحلة، يصور الفن المبتذل. ـ وفي المقطع الرابع (المحاكمة)، يُحاكم الحلاج بتهمة عصيان النظام الحاكم، فيُری الشخص الأول في الحكومة مسؤولًا عن كل مصائب الناس ومآسي الشعب. ويبدو أن الأشخاص المحيطين بالحاكم أصبحوا أيضًا أصدقاء له وكانوا قد خططوا بالفعل لإعدام الحلاج. - في المرحلة الخامسة (الصلب): يتوسع البياتي في الحديث عن الوضع الثقافي والاقتصادي الفوضوي للمجتمع، ولم يتفق معه المراد فحسب، بل وافقه أيضًا المهددون والفقراء؛ لكن القاضي والسلطان منعوه من نشر أفكاره وفاجأوه. - وفي المقطع السادس (الرماد في الريح)، يذكر البياتي الآلام التي تعرض لها بهذه الطريقة، ويحزنه تشويه الحلاج وحرق كتبه؛ لكنه سعيد لأنه باستشهاده خلد أفكاره. الموت والحرية هما القطبان الرئيسيان للقصيدة، وهو يريد الوصول إلى الحرية في ظل بذل حياته الحلوة؛ لذلك يعتبر الحرية حياة (الورقي، 1983م، ص 285)؛ لذلك فإن تكرار الموت والجلاد عدة مرات أمام التردد العالي للألفاظ والكلمات يدل على أنّ الشاعر يغمض عن حياته العذبة في سبيل أفكاره ومثله العليا ليجعل طريقه خالدا. ويتجلى الفكر الماركسي في هذه القصيدة، لدرجة أن يستخدم الشاعر كلمة الزمن رمزا للفكر الماركسي؛ فعلى سبيل المثال، يقول: «فاستيقظت مذعوراً على وقع خطا الزمان» (1995م، ج 2، ص 15)؛ لأن الماركسيين يثقون بحتمية التاريخ. ففي رأيهم، أنّ حتمية التاريخ في النهاية توقظ الناس، كما أن كلمات، مثل: "خبز، وكادح، وفقراء، وجیاع، ومدینة" وغيرها، تشير بوضوح إلى تأثره بالآراء الماركسية؛ لأنّ شعار الماركسيين هو الخبز والمسكن والحرية. فلم يكن لكلمتي "الخبز" و"الحرية" مكان في الأدب العربي القديم؛ لكن بعد وصول الماركسيين، أصبحتا كلمتين أساسيتين في الأدب العربي. الإيمان بمستقبل مشرق في نهاية كل مرحلة والأمل هو سمة القصائد الواقعية. يظهر الصراع بين الأنا والآخر بوضوح في هذه القصيدة. وكثيرا ما يرى الشاعر نفسه وحيدا بين خصومه، وتبرز هذه القضية بشكل أكبر في مقطع المحاكمة، حيث يقول: «حولي يحومون، وحولي يرقصون: إنها وليمة الشيطان / بين الذئاب، ها أنا عریان» (المصدر نفسه). 3ـ2. المستوى الصوتي إنّ الموسيقى بما فيها من الأهمية عند النقاد الأدبيين كعنصر أساسي في الشعر، تجعل النص الشعري آخر ما يمر في ذهن القارئ، وباعتبارها أقوى وسيلة للإلهام وأقواها. فهي تعتبر تعبيرًا عن شيء خفي في عمق كيان الشاعر، والكلمات هي الوسيلة للتعبير عنه (عشري زاید، 2002م، ص 156). ومن ناحية أخرى، فإن الشعر من مصادر الإلهام وخلق لاوعي لدی الشاعر؛ ولذلك فإن كلماته وحروفه وموسيقاه باتت نتيجة لأشياء تنشأ من روح الشاعر؛ ولهذا السبب، فإنّ الأصوات والحروف التي تحتويها المفردات، يمكن أن تنقل معاني معينة إلى ذهن القارئ، بحيث يستطيع الإنسان، من خلال الأغنية الموجودة فيها، أن يخمّن معناها، حتى لو ما كان يعرف معنى الكلمات تمامًا. وفي قصيدة عذاب الحلاج، تعتبر أغنية الحروف السرية من السمات التي تجذب انتباه الجمهور، والتي تبرز بالطبع من خلال استخدام كلمات مكوَنة من حروف مجهورة ومهموسة. يلعب الصوت دورًا مهمًا في تحديد المعنى، كما أنه يميز النص علی سواه من حيث الموسيقى والنغمات. وسندرسها إحصائيًا بادئين بالأصوات المجهورة: 3ـ2ـ1. الأصوات المجهورة إنها أصوات تهتز الحبال الصوتية بنطقها وغنائها، نظرًا لدُنوّ بعضها من البعض. فالصوتُ المجهورُ هو الذي يهتزُّ معه الوتران الصوتيّان (أنيس، 2007م، ص 22). تتكون هذه الأصوات، من 16 صوتا، وهو: «ا. ع. غ. ج. ي. ض. ل. ن. ر. د. ز. ظ. ذ. ب. م. و» (حسان، 1979م، ص 97). وإنها الأصوات المهيمنة على القصيدة، يوضحها الجدول أدناه:
توافر الأصوات المجهورة في القصيدة
3ـ2ـ2. الأصوات المهموسة وقد عرّف سيبويه الحرف المهموس قائلا: «وأمّا المهموس، فحرف أضعف الاعتماد في موضعه حتّى جرى النفس معه، وأنت تعرف ذلك إذا اعتبرت، فرددت الحرف مع جري النفس، ولو أردت ذلك في المجهورة لم تقدر عليه» (1982م، ج 4، ص 434). وأمّا الأصوات المهموسة، فهي: «س. ك. ت. ث. ف. ح. هـ. ش. خ. ص. ط. ق» (حسان، 1979م، ص ۳۱). تم توظيفها فيما يلي: توافر الأصوات المهموسة في القصيدة
النسبة الإجمالية لتوافر الأصوات المجهورة والمهموسة يتضح أن الأصوات بنوعيها المجهورة والمهموسة، قد وردت بتواتر 2062 مرة في القصيدة بأسرها، والمجهورة هي الأكثر شيوعًا؛ لأنّها تكررت 1428 مرة. أمّا الأصوات المهموسة، فقد وردت 634 مرة فقط. تظهر نتائج إحصاء الأصوات المجهورة أن أكثرها تكرارا هي الألف (213)، والياء (186)، والواو (158)، والضاد (133)، والنون (122)، والميم (115)، واللام (110) على التوالي، بحيث اهتمّ الشاعر بتوظيف أصوات المد وأشباه المد في الغالب الأعمّ. إنّ هذه الحروف المدية تدلّ على الإحساس العميق بالحزن الممدود والمعاناة العاطفية والضغط الذي أصاب الشاعر؛ فلذلك نرى أن الأصوات المدية قد مهدت مساحة نصية مفتوحة لبثّ آهات الغيض والتأوه والحسرة العميقة. هناك العديد من الأصوات المجهورة الثقيلة في النطق والسمع في القصيدة، فثمّ صوت الألف يدلّ على صيحة طويلة ممتدة نابعة من التخلجات النفسية في خفايا نفس الشاعر وإظهار تأسفه العميق (امرائى، 1401ﻫ.ش، ص 177 ـ 178). والملحوظ في الجداول، أن تكرار الأصوات المهموسة في هذه القصيدة أقل بكثير فيما يتعلق بالأحرف المجهورة، حيث تواترت المجهورة بنسبة 31% مقابلها الهمس، وهي متواترة بنسبة بلغت 69%. وهذا التباين الواضح يدل على التخلجات النفسية الحزينة التي ينجلي عنه صراع درامي وما تصدّی له من المصائب الجمّة. ممّا يستحقّ الذكر أن الشاعر لم يستخدم الأصوات الجهورية التي طغت على النص فحسب، بل هيأت كذلك الفضاء النفسي الحزين لبيان الآهات والويلات باستخدامه الأصوات المهموسة الرخوة التي لها دور موسيقي بارز وهادئ. وبالنظر إلى الجدول أدناه، من السهل أن نرى أن نسبة الأصوات المجهورة إلى الأصوات المهموسة عالية جداً، وهو ما يتناسب مع شدة غضب الشاعر واحتجاجاته، كما أن الحروف المهموسة ـ رغم قلة عددها ـ تتناسب مع المعاناة التي تنتاب الشاعر من الوضع الحالي للمجتمع (المصدر نفسه، ص 178). لا يفوتنا أنّ الخبراء في علم الصوتيات يرون أنّ هناك علاقة بين الحالة الداخلية للإنسان والأصوات التي يستخدمها الشخص في تلك الحالات، بحيث الأصوات الناعمة تدل على النقاء الداخلي ولها معان جميلة، والأصوات المرتجفة والقلقة تدل على المعاني والحالة الهشة، ولها صوت أنفي يدل على عدم الاستقرار والأمراض النفسية والجسدية (عباس، 1997م، ص 172)؛ فمثلا «القاف هو أحد حروف الشدة التي ينطقها البعض بالهشاشة والبعض يلفظها باللين، وكثيرًا ما تستخدم في القصيدة هذه للتعبير عن العناد والشدة» (المصدر نفسه، ص 144). والطاء أيضًا حرف هش، مثل القاف، فليس بمعنی السقوط (سقطت) في القصيدة فحسب، بل كأنّ القاف والطاء تضربان أيضًا على رأس المخاطب (المريد). 3ـ2ـ3. التكرار يتم وضع عنصر التكرار في الحقل المفاهيمي للموسيقى الداخلية. ويرى ابن رشيق القيرواني أنّ التكرار في القصيدة إذا لم يكن له وظيفة مثل التوبيخ، والانحناء، والتهديد، والهجاء، يعتبر عيبا (1988م، ص 683 ـ 688)، أي أنّ التكرار إذا لم يكن له وظيفة ذات معنى، فهو لا يضيف إلى جمال الكلمات فحسب، بل يخرجها من الجمال أيضًا. ويأتي التكرار بأشكال مختلفة، مثل: تكرار الحروف (علم الأصوات)، وتكرار الكلمات، وتكرار الجمل. «القاعدة الأساسية في التكرار هي أن تكون الكلمة أو العبارة التي يتم تكرارها ذات صلة قوية ودقيقة بالمعنى العام للقصيدة وتخضع لأسس الذوق والجماليات التي تسيطر علی العمل الأدبي» (رجائى، 1378ﻫ.ش، ص 110). ويبدو أن البياتي في هذه القصيدة لم يسع إلى وضع المعنى في خدمة الكلمة، بل رأى أنها بالإضافة إلى تقوية الموسيقى، ستحقق أهدافها الدلالية؛ والدليل على هذا القول أنه استخدم عددًا أقل من تكرار الألفاظ أو علم الأصوات واستخدم تكرارًا أكبر للكلمات، وخاصة تكرار الجمل. هذا ما جعله في مراحل مختلفة، كما ينمو المريد (الشخصية)، وتتحسن حاله مقارنة بالمرحلة السابقة، تتحسن الكلمات والجمل المتكررة أيضا. ومثل هذا التكرار واضح في جميع أنحاء هذه القصيدة. فعلى سبيل المثال، قال في المقطع الأول: «تاجك الصبّار» في عبارة: «صمتك بیت العنكبوت / تاجك الصبار / یا ناحرا ناقته للجار / طرقت بابي بعد أن نام المغني / بعد أن تحطم القیثار / من أین لي وأنت في الحضرة تستجلي ...» (1995م، ج 2، ص 9)، حيث إنّه يشير إلى قصة المسيح الذي توج بالاتضاع، والتاج سلبي هنا. أما في المقطع الخامس، فيقول: «الفقراء البسوك تاجهم» (المصدر نفسه، ج 2، ص 17). وهذا التاج إيجابي؛ لأنهم جعلوه قائدهم، وانتصاره يكمن في اختراق قلوب الفقراء. ومثال آخر لها: «يا مسكري بحبه / محيري في قربة» (المصدر نفسه، ج 2، ص 11)، المذكورة في المقطع الثاني. وفي المقطع الخامس مكتوب بصيغة: «يا محيري / ومسكري» (المصدر نفسه، ج 2، ص 17). فهو بالإضافة إلى كونه بالشكل المعاكس، فقد حذف "بحبه" و"في قربه" منه، حيث يبدو أن الشاعر أراد من خلال اختزال التعابير أن يجعل العلاقة بين المريد (التلميذ) والمراد (المعلم) أقرب وأكثر داخلية. وأحياناً ولمزيد من الجمال، يجمع بين تكرار الجملة وردّ العجز علی الصدر: «يسألني / عن الذي يموت في الطفولة / عن الذي يُولد في الكهولة / رويتُ ما رأيتْ / رأيت ما رويت / كان ويا ما كان» (المصدر نفسه، ج 2، ص 18). يحمل هذا المقطع في طياته ألوانًا من العبثية والتفاهة. فجاء المقطع بصورة حكاية ليلية، وسرد الأحداث عبر أفعال ماضية، وحتی نری تلك الأفعال المضارعة تحمل معنی الماضي دلاليًا، وانتساب الحكاية إلی الزمن الماضي، يؤكد الهدف التعليمي والإصلاحي للحكاية.
من الملاحظ أنّ هناك مراتب من التكرار في القصيدة، بحيث يقتبس كلمة أو جملة مرة من لغة المراد ومرة أخرى من لغة المريد. فمثلاً يقتبس "موعدنا الحشر" من لغة المراد في المقطع الأول: «موعدنا الحشر / فلا تفض ختم كلمات الریح فوق الماء / ولا تمس ضرع هذي العنزة الجرباء» (المصدر نفسه، ج 2، ص 19). وفي المقطع السادس، يقتبس نفس العبارة من لغة الحلاج (المريد) الذي أصبح هو نفسه مراداً في هذا المقطع، حيث يقول: «فالزيت في المصباح لن يجف / والموعد لن يفوت / والجرح لن يبرأ / والبذرة لن تموت...» (المصدر نفسه، ج 2، ص 20). 3ـ3. المستوى المعجمي (أسلوبية المفردات) عدد الأسماء في هذه القصيدة أكثر من الأفعال؛ لكن عدد الأفعال متزايد نسبة إلى روتينها المعتاد. والطبيعي أن كثرة الأفعال المزيدة من السمات البارزة في هذه القصيدة، والتي تعتبر في حد ذاتها لزيادة المعنى؛ فتارة تكون للمبالغة، مثل "أكابد وتناهبوا" في: «عشر ليال وأنا أكابد أهوال وأعتلي صهوة هذا الألم القتّال أوصال جسمي قطعوها ... أحرقوها ... نثروا رمادها في الريح ... دفاتري ... تناهبوا أوراقها» (1995م، ج 2، ص 19)، وأحيانا تكون للتعبير عن الشدة، مثل "سقطت، وتلطخت وتلوثت" في عبارة: «سقطت في العتمه والفراغ، تلطخت روحك بالأصباغ، شربت من آبارهم، أصابك الدوار، تلوثت یداك بالحبر وبالغبار» (المصدر نفسه، ج 2، ص 9)، وأحيانا يكون للضرب والتكثير، مثل "قطّعوها" في عبارة: «وأعتلي صهوة هذا الألم القتّال أوصال جسمي قطعوها ... أحرقوها ....» (المصدر نفسه، ج 2، ص 19). إن استخدام أسماء المفرد والجمع صراع بين الوحدة والتعدد يمكن فهمه بسهولة من بداية القصيدة حتى نهايتها. كلما تحدث الشاعر عن معاناة هذا الطريق، جمع بين الأسماء والأفعال دلالة على صعوبات هذا الطريق الكثيرة، نحو: «عشر ليال وأنا أكابد أهوال / أوصال جسمي قطعوها / أحرقوها / دفاتري تناهبوا أوراقها» (المصدر نفسه، ج 2، ص 19)، وكلما تحدث عن العلاقات المادية، جمع الأسماء للدلالة على التعدد، مثل: "الأصباغ، وآبارهم، وأسمال"، كما جاء في عبارة: «تلطخت روحك بالأصباغ / شربت من آبارهم ... الفقراء منحوني هذه الأسمال ...» (المصدر نفسه، ج 2، ص 9). وقد وردت نسبة عالية من مفردات مقطع المحاكمة بصيغة المثنی، مثل: "كلمتین، ولفظین، ولیلتین، وفیهما" وغيرها، وهو ما يدل على الازدواجية والتناقض؛ ولذلك فهو أداة لتسليط الضوء على المعارضة والاحتجاج. وكثير من كلمات هذه القصيدة مأخوذة من الأدب المسيحي، مثل: "هیكل، والصلب، وعَشائي الأخیر، وولیمة الحیاة ...". وقد استخدمت كلمات عرفانية وصوفية، مثل: "روح، وعاكف، ونار، وصمت، وباطن، وضراعة البكاء، وصامت، ومسكر، ومحیر ..."، وكذلك مصطلحات اجتماعية، مثل: "خبر، وجیاع، وكادح، وسلطان، وفقراء، وأخوة، ومدینة ...". ومن التقنيات التي تضفي علی الشعر اللمعان والحیویة هو التداخل في التركيب الطبيعي للكلمات، والذي يتكون أحياناً من تقديم العبارات وتأخيرها، مثل: «یخرج للشمس، إذا مدّت إلیه یدها، اللسان» (المصدر نفسه، ج 2، ص 13)، حيث إن اللسان هو المفعول به في الجملة، إلا أن فهم هذه النقطة يحتاج إلى تفكير أدی إلی ديناميكية الشعر وأدبيته؛ لكنه قد يتم ذلك عن طريق الانقلاب، أي تحويل العبارات إلى شكل عكسي، نحو: «وها أنا عريان قتلتني هجرتني نسيتني حكمت بالموت علي قبل ألف عام وها أنا أنام...» (المصدر نفسه، ج 2، ص 15). فهو يأتي بالعبارات في صورة معكوسة، حيث ينبغي أن يقال في شرحها أن النسيان يسبق الهجرة، والهجرة تسبق القتل أيضًا؛ لأنه بعد قتل شخص ما، ليس من المنطقي الانفصال عنه. إن تعايش الكلمات والألفاظ، أو بمعنى آخر اصطحاب الألفاظ في محور الرفقة والمجاورة، هو من سمات هذه القصيدة التي أصبحت مؤثرة جداً في جمال النص. فعلى سبيل المثال، فإن كلمتي "حضرة" و"استجلاء" مصطلحات صوفية وجدت معًا: «من أین لي وأنت في الحضرة تستجلي وأین أنتهی وأنت في بدایة أنتهاء / موعدنا الحشر / فلا تفض ختم كلمات الریح فوق الماء» (المصدر نفسه، ج 2، ص 9)، أو أن جلب شهود زور إلى جانب السلطان: «ولم أجد إلا شهود الزور والسلطان / حولي يحومون / وحولي يرقصون: إنها وليمة الشيطان / بين الذئاب / ها أنا عريان» (المصدر نفسه، ج 2، ص 15). فذلك تعريض للنظام السياسي الحاكم، وكأن أيديهم جميعا في وعاء واحد. ومن أجمل هذه المصاحبات والمرافقات هي "زمر الذئاب"؛ لأن الذئاب تصطاد دائمًا في مجموعات. وهناك تركيبات أخرى جميلة في هذه القصيدة تكفي عن بعضها، مثل: «موعدنا الحشر / العنزة الجرباء / ضراعة البكاء / خبز الجیاع الكادحین / حدیقة الصباح / السحب السوداء / الفقراء إخوتي / فجر خلاصي / أكابد الأهوال ...» (المصدر نفسه، ج 2، ص 9). 3ـ4. المستوى النحوي إنّ من يمعن النظر في قصيدة البياتي المتینة، يستطيع من خلال التنقيب في نصّه، أن يلتمس طريقه إلى عدد من السمات الأسلوبية من كوة رصد الظواهر المائزة له في المستوى التركيبي. على المستوى النحوي أو أسلوب الجملة، يتم فحص الجملة من وجهة نظر محور الرفقة والدقة في قصر الجمل وطولها، وزمن الأفعال المستخدمة، ونوع الجمل من حيث الاسمية أو الفعلية. وأحياناً سياق العبارات أو طريقة التعبير عن المادة من حيث الصياغة يلفت الانتباه، وهذا يعطي الكتابة جانبًا أسلوبيًا إلى حد ما. إنّ تكرار الأفعال المستخدمة في القصيدة يلفت انتباه القارئ. وبقليل من الدقة في نوع الأفعال، نجد أنّ تكرار استخدام الفعل الماضي أكثر بكثير من الأفعال المضارعة والأمر والنهي. وهكذا، من بين الأفعال الـ 110 في القصيدة، تم استخدام الفعل الماضي 68 مرة، والفعل المضارع 42 مرة، كما استخدم فعل النهي 3 مرات، وفعل الأمر 6 مرات، والفعل المصحوب بـ"لن" 4 مرات. وهو ما يمكننا رؤيته في الرسم البياني أدناه:
يعتبر الفعل عنصرًا أساسيًا في بناء الجملة العربية، واحتلت الأفعال حيّزا ضخما في هذه القصيدة، تنقسم إلى الماضي والمضارع والأمر والنهي. ولكن نرى الهيمنة الساحقة للأفعال الماضية في معظم سطور القصيدة، نحو: «أوصال جسمي قطَّعوها / أحرقوها / نثروا رمادها في الريحْ / دفاتري / تناهبوا أوراقها / وأخمدوا أشواقها / ومرّغوا الحروف في الأوحالْ ...» (المصدر نفسه، ج 2، ص 19). فقد صرح علماء البلاغة أنّ الجملة الفعلية في أصل وضعها تدل على الاستمرار والحدوث. فإذا كانت مبدوءة بالفعل الماضي، دلت على حصول الشيء في الماضي. في هذه القصيدة، احتلت الأفعال الماضية الأغلبية المطلقة، والأفعال المضارعة هي في الدرجة الثانية مع اختلاف كبير، وأما فعل الأمر فلم نعثر عليه إلا في 3 أحوال. اعتمدت القصيدة في صياغة ألفاظها على الأفعال الماضية التي تسرد الأحداث التي وقعت في الزمن الماضي بدلالتها النحوية. فهذا يدل على أن شاعرنا يريد الإخبار عما بداخله بصوت غاضب تمزجه نبرات تحمل في طياتها حسرة عميقة ونغمة حزينة، حيث استدعى الشاعر ذاك الماضي المؤلم بالأفعال الماضية التي تثير مشاعر الحزن والأسی لدی متلقيه. إنّ موسيقى القصيدة لها حروف مدية وثقيلة، وهي قلقة وصاخبة. الغضب الخفي الذي يمكن رؤيته في اختيار الكلمات؛ إذ إنّ الشاعر ـ بحسب تصريحه ـ يسعى إلى إصلاح وتغيير الوضع الحالي؛ لذلك يمكن استخلاص ذلك من فكر الشاعر الثوري واحتجاجه الدائم على أوضاع الوطن العربي وضرورة إحداث التغيير والحركة فيه. يوضح الرسم البياني أدناه أن تكرار الجمل الفعلية يكاد يكون أربعة أضعاف الجمل الاسمية. وبما أن الجمل الفعلية تنطوي على حدوث وانقضاء، فإنها تتوافق مع غرض القصيدة، وهو التغيير والتحول: جدول توارد الجمل الفعلية والاسمية
الرسم البياني لتوزيع حجم الجملات
وعلى هذا المستوى، فإن ما يمكن اعتباره خاصية أسلوبية لهذا العمل هو كثرة استخدام ضمير المتكلم والغائب، سواء صراحة أو ضمنا، أو متصلا أو منفصلا. استخدم الشاعر في هذه القصيدة 27 ضميرا متكلمًا، جاءت نسبة هذه الضمائر كما يلي:
ولما كانت هذه القصيدة ذات بنية درامية وسردية، فيمكن ملاحظة تنوع الضمائر فيها بوضوح؛ لكن قد يترك الشاعر السرد ويغادر الشخصية تروي السرد بنفسها. فعلی سبیل المثال، في المقطع أدناه من المحاكمة في عذاب الحلاج، يستخدم الشاعر ضمير المتكلم، وكأنه يريد خلق وحدة وتلاحم بين الذات والشخصية، حيث يقول: «بحت بكلمتين للسلطان / قلت له: جبان / قلت لكلب الصيد كلمتين / ونمت ليلتين / حلمت فيهما بأني لم أعد لفظين / توحدت / تعانقت / وباركت ـ أنت أنا» (المصدر نفسه، ج 2، ص 15). وكما نرى فإن الشاعر المعاصر يتعامل مع همومه المعاصرة، وليس فقط لغته وكلماته. والحديث عن الوحدة (أنت والأنا) يخرج عن معناها في نظر الصوفي الكبير، ليأخذ معنى معاصرا. فوحدة الفكر والشعور هي وحدة الهوية والخلاص من الاغتراب. 3ـ5. المستوى الأدبي في هذه القصيدة، تعرض صور الخيال الجزئي على شكل تقنيات بلاغية قديمة، كالتشبيه والاستعارة والكناية، وتظهر الصورة الكلية على نمط آليات بلاغية حديثة، مثل تقنية القناع وتقنيات الدراما. 3ـ5ـ1. البلاغة القديمة في شعر البياتي، يمكن رؤية كل أنواع الصور الخيالية. والتشبيه هو أحد عناصر الصورة في شعره؛ لكن معظم تشبيهاته من نوع الغريب؛ لأنّ «السياق الشعري الجديد يخل بالعلاقات بين مكونات التشبيه، كما هو ثابت في السياق الشعري القديم ويكسره من الأساس. الخطوة الأولى في مجال تجديد الصورة الشعرية هي التخلي عن القواعد والشروط التقليدية لعلم البيان، فيما يتعلق بطرفي التشبيه، مثل القرب والواقعية في التشبيه، أو وجود وجه شبه حقيقي بين الاثنين» (رجائي، 1377ﻫ.ش، ص 70). وكما هو واضح فإن أغلب تشبيهاته بليغة، نحو: «صمتك بیت العنكبوت، تاجك الصبار / حديقة الصباح / خمائل الضباب و ...» (1995م، ج 2، ص 9). يسعى البياتي في شعره إلى التعبير عن قصده بأقصر العبارات والكلمات، فيستخدم أفضل أنواع الصورة، أي الاستعارة؛ لأن الاستعارة تختصر الصور الشعرية، وتضاعف جاذبية الخطاب. يستخدم أحيانًا مجموعات استعارية وتشبيهية في صوره الشعرية ذات الطابع الصوفي، مثل "ختم كلمات الریح"، وهي إضافة استعارية، و"تكلم المساء"، وهو استعارة مكنية من نوع التشخيص، و"خطا الزمن"، وهي إضافة استعارية، وفي "نهبوا بستاني"، البستان استعارة من الكتاب، وفي عبارة: «وأعتلي صهوة هذا الألم القتال» (المصدر نفسه، ج 2، ص 19)، الألم استعارة مكنية. وبالإضافة إلى التشبيهات والاستعارات، فقد وظّف عناصر أخرى من الخيال، مثل الكناية. ونكتفي بإتيان بعض الأمثلة عليها، نحو: «شربت من آبارهم» (المصدر نفسه، ج 2، ص 9)، وهي كناية عن أن تكون آكل خبز شخص ما. و«تلوثت یداك بالحبر وبالغبار» (المصدر نفسه)، وهي كناية عن إفشاء الأسرار الصوفية للناس العاديين، و«ولا تمس ضرع هذي العنزة الجرباء» (المصدر نفسه، ج 2، ص 9)، إشارة إلى عدم تهيئة الشروط، و«وبصقوا في البئر» (المصدر نفسه، ج 2، ص 17)، وهي كناية عن تحريف الفكر، و«ومرغوا الحروف في الأوحال» (المصدر نفسه، ج 2، ص 19)، وهي كناية لمنع نشر الآراء. 3ـ5ـ2. البلاغة الجديدة وقد قام الشاعر في هذه القصيدة باستخدام مجموعة من الأساليب والتقنيات الأدبية الجديدة، نذكر أهمها:
3ـ5ـ2ـ1. الاستدعاء والقناع تقنية القناع نوع من استدعاء الشخصية؛ ويعني أن الشاعر يتحدث بمكبر الصوت لشخصية ما، ويقف خلف الشخصية، ويقول كلامه من فمه. مؤسس هذه التقنية باللغة العربية هو البياتي. ودخل هذا الأسلوب مجال الأدب العربي مع عودة الشعراء إلى التقليد وتأثرهم بالكتاب الغربيين وخاصة إليوت. ويتم ذلك من خلال تحديث الطابع التقليدي وتكييفه مع واقع اليوم. وفي الواقع، فإن الشاعر يحقق هدفين في الوقت نفسه من خلال استخدام «بيانات وجوانب من التجربة التراثية التي تتماشى مع تجربته الشخصية وتتلاءم مع همومه وقضاياه» (عشري زاید، 1997م، ص 59)؛ فهو من ناحية، يشدّ تجربته الشعرية بالتجربة الإنسانية، ويجعل تجربته أصيلة وشاملة؛ ومن ناحية أخرى، بتحديث التجارب التراثية، يعطي حياة جديدة للتراث ويحيي الثقافة بهذه الطريقة. يرتدي البياتي قناع الحلاج للقواسم المشتركة بينه وبين الحلاج، ومنها: كونهما كلاهما شاعرين، ذوي ميول صوفية، معترضين على الأنظمة الحاكمة، مشردين، محكومين، مدافعين عن حرية التعبير، وما إلى ذلك، على الرغم من أن لديهما أيضًا اختلافات. يعبر البياتي عن أفكاره السياسية والاجتماعية من وراء هذا القناع. كما تظهر فيه نداءات أخرى، مثل إشارة "تاجك الصبار" إلى قصة المسيح (g) الذي تُوّج بالذل. ويحاول الشاعر مناداة المحتاجين والكادحين بعبارات «الجياع الكادحين»، و«الفقراء إخوتي» و«الفقراء ألبسوك تاجهم، وقاطعو الطريق والبرص والعميان والرقيق» (1995م، ج 2، ص 17)، ويحاول أن يدعو المحتاجين والفقراء ويؤلّبهم على النظام الحكومي. وفي ختام مقطع الفسیفساء، ومن خلال طرح أسئلة واضحة وغريبة بطريقة ما، يستحضر شخصية أبي الهول، مما يجعل الناس يفكرون في قضايا واضحة مع مثل هذه الأسئلة: «يسألني / عن الذي يموت في الطفولة / عن الذي يولد في الكهولة» (المصدر نفسه، ج 2، ص 14)؛ ولذلك فإنّ البياتي لا تقف عند حدود الصمت، بل تتعدی هذه الرحلة وتتناول القول والفعل على المستوى السياسي والاجتماعي. 3ـ5ـ2ـ2. الرمز من خصائص الشعر العربي المعاصر هو استخدام الشفرات والرموز. ويستخدم الشعراء هذه الصناعة الأدبية لعدة أسباب، مثل «الخوف من الحكومات الاستبدادية، والإيجاز، وإثارة ذهن الجمهور وإيصاله إلى المتعة الفنية» (پاشازانوس وآخرون، 1395ﻫ.ش، ص 109). نادراً ما يستخدم البياتي الأسطورة في هذه القصيدة؛ لكن الإيحاء والإشارة من سماته البارزة. إن استخدام الرمز في شعره يخدم تعزيز معنى القصيدة وإناقتها، دون أن يعقّد لغتها؛ لأنه كما يقول بعض النقاد، «إن الغرض من لغة الكود (الرمزية) ليس تعقيد اللغة، ولا للرغبة في شيء محدد يعنيه الرمز. بدلاً من ذلك، الهدف الرئيس هو سموّ المعنى إلى مستوى أعلى وإثرائه بحمل تفسير أثقل تفتقر إليه الكلمة النقية بدون رمز» (رجائی، 1381ﻫ.ش، ص 33). على سبيل المثال، في هذه القصيدة، الناقة هي رمز الميلاد وكل ثروة العربي، والجيتار هو رمز للشعر والفن، والخبز رمز الاقتصاد، والخميل والضباب كلاهما رمزان للغموض والإبهام، والجذور هو رمز الهوية، والفراشة رمز للمعشوق، والمهرج هو رمز الفنان المبتذل، وكلب الصید وصائدو الذباب هما رمزا للثقافيين المنتمين إلی البلاط، فالعقم رمز للعقم الثقافي، والمجاعة رمز للفوضى الاقتصادية، والشباك هو رمز الأمل الأخير، والكلمات والحروف هي رموز الفكر، وأسمال هو رمز الانتماء الدنيوي، وبعد غد هو رمز الأمل. 3ـ5ـ2ـ3. التناص ومن أبرز سمات هذه القصيدة تناصاتها الكثيرة، حيث إن البياتي ضمَّن قصيدته معاني وآيات قرآنية كثيرة، من ذلك قوله: «صمتك بیت العنكبوت» (1995م، ج 2، ص 9)، مقتبس من قوله تعالی: «إِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِª (العنكبوت 29: 41). ولقد كان توجیه الشاعر: «یا ناحراً ناقته للجار» (1995م، ج 2، ص 9)، منسجماً مع قول اللّٰه عز وجل: «فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْª (الكوثر 108: 2)، وكذلك يوافق أيضاً حديث "الجار ثم الدار"؛ وقوله «من أین لي وأنت في الحضرة تستجلي» (المصدر نفسه، ج 2، ص 9)، یشیر إلی الآیة: «فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا ª(الأعراف 7: 143)؛ وقوله «عشر لیال وأنا أكابد أهوال» (المصدر نفسه، ج 2، ص 19)، مأخوذ من الآیة الشریفة: «وَلَيَالٍ عَشْرٍª (الفجر 89: 2)، وكذلك الآية: «لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍª (البلد90: 4)؛ وقوله «والموعد لن یفوت» (المصدر نفسه، ج 2، ص 20)، تناص شبه تامّ مع قوله تعالی: «إِنَّ اللّٰه لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَª (آل عمران 3: 9). 3ـ5ـ2ـ4. الالتفات أحياناً يختار الشاعر في القصيدة عدة مواقف لشخصية قناعه، وحسب بنية القصيدة، يتحدث أحياناً عن لغة الشخصية، وأحياناً يتحدث عن تلك الشخصية (عشري زائد، 1997م، ص 217). في بداية هذه القصيدة، يُخاطب الحلاج أمام الجمهور ويخبره مراده بما يعنيه: «سقطت...»؛ لكن لاحقا في المرحلة الثانية، يصبح الحلاج متكلما وراويا للقصيدة، ويقول: «یا مسكري بحبه...»؛ لكن في المقطع الثالث، بما أنّ الشاعر ينتقد العادات والطقوس الخرافية والمغلوطة التي سيطرت على الصوفية والتصوف، وينتقد الصوفية؛ لكونها أصبحت غريبة عن أكل الزجاج واللعب بالحبال وغيرها، فتظل شخصية الحلاج مخفية، وتُروی القصة بضمير الغائب: «يداعب الأوتار، يمشي فوق حد السيف والدخان / يرقص فوق الحبل، يأكل الزجاج، ينثني مغنيا سكران ...» (1995م، ج 2، ص 13). إنّ استخدام هذا الأسلوب يجعل الشاعر أكثر قدرة على توظيف جوانب الشخصية المختلفة. لا يفوتنا أنّ هناك نوع من الالتفات الأسلوبي في هذه القصيدة. فمثلا في باب المحاكمة لغتها الشعرية اجتماعية أولا (بحت بكلمتین ...)، ثم في «توحدت ...»، أصبحت لغتها صوفية؛ ولكن مرة أخرى في «وضج في خرائب المدینة / الفقراء إخوتي / یبكون ...» (المصدر نفسه، ج 2، ص 15)، فتصبح لغتها اجتماعيةً. 3ـ5ـ2ـ5. تقنيات الدراما لهذه القصيدة بنية درامية وكل جزء منها ستار عرض؛ لكن ممثليها قليلون، حيث لا يوجد أكثر من شخصيتين أو ثلاثة في كل مشهد. يستخدم أساليب مثل المناجاة (المونولوج) والمحادثة (الحوار) والسرد، حيث أغلب حواراته عبارة عن كلمات يقولها لمراد أو حاكم، وأحيانًا تأتي مجموعة أيضًا وتقف في زاوية، حيث لا يكون الصوت هو المسيطر؛ لكن في مرحلة الفسيفساء، يبدو الأمر كما لو أنه يروي قصة للقارئ: «كان ویا ما كان / في سالف الأزمان / یداعب الأوتار ...» (1995م، ج 2، ص 13). في الأدب القديم، كان مصطلح يسمى التدوير العروضي رائجا. أما اليوم، فقد أصبح شائعا التدوير الدلالي، وهو أن الشاعر يعيد قصيدته إلى نفس المكان الذي كانت عليه من قبل، ويسمى بالقصيدة الدائرية. على سبيل المثال، يستخدم الشاعر في هذه القصيدة عبارة «وها أنا أراك ... / علی رماء هذي النار و...» (المصدر نفسه، ج 2، ص 10)، في عدة مناسبات، ويسمي القطعة السادسة «رماد في الریح» (المصدر نفسه، ج 2، ص 19). ويسمى هذا النمط الفلاش باك. فهو شائع الاستخدام على نطاق واسع في السينما. إنّ كثيرًا من الشعراء الذين اهتمّوا بتقنية القناع لمسرحة تجربتهم الشعرية وتجسيدها، استخدموا تقنيات عديدة، بما فيها الدراما، والقصة، والسينما؛ ولذلك، أصبحت في الشعر المعاصر تقنيات، مثل الحوار والسرد القصصي وتعدد الأصوات والمونولوج الداخلي والمونتاج (عشري زاید، 1997م، ص 20). 3ـ5ـ2ـ6. الزمان والمكان قديماً كان الزمن في الحكاية والشعر ساكناً وثابتاً. أما اليوم، فخصيصة القصة أن زمنها عائم، وهو ما يسمى بالزمن السائل. البياتي لا يتبع الزمن الساكن، بل يبحث عن زمن جديد يكون متزامنا مع نص القصيدة ويكون بطيئا أحيانا وسريعا أحيانا حسب الحاجة، ويسمى هذا الزمن بالزمن اللغوي؛ لأن عملية السرد تتسارع للأعلى، فهو يعطي أو يقلل من سرعته (الصحناوي، 2013م، ص 403). يتجه الشاعر باستمرار ذهابًا وإيابًا إلى الماضي، ويتقلب زمن القصيدة. إن نظرة سريعة على أجزاء من المقطع السادس توضح لنا هذه الظاهرة: «عشر لیال وأنا أكابد أهوال / وأعتلي صهوة هذا الألم القتال / أوصال جسمي قطعوها / أحرقوها / دمي بأسمالي / أنا هذا بلا أسمال / ستكبر الغابة» (1995م، ج 2، ص 19). إنّ الفضاءات والضمائر غامضة في هذه القصيدة. على سبيل المثال، يقول الشاعر في باب المحاكمة: «توحدت / تعانقت / وباركت ـ أنت أنا / تعاستي / ووحشتي»، إلی حيث یلاقي القارئ هناك موجة من الغباء وعدم الفهم، فمهما يبحث عن الفاعل للأفعال الثلاثة الأولى، لا یدركه، بحيث مع التأمل والتأخير، سيصل إلى تعاستي / ووحشتي. وفي هذه القصيدة، يظهر تشابك الزمان والمكان بوضوح عندما يقول: «وأین أنتهي وأنت في بدایة أنتهاء» (المصدر نفسه، ج 2، ص 9)، وحتى في الصيف، يهطل المطر: «يا قطرات مطر الصيف» (المصدر نفسه، ج 2، ص 19). هناك تغيرات كثيرة للفضاءات في هذه القصيدة. فمثلا في مقطع المحاكمة، تكون الشخصية مستيقظة أولا وتبوح ببعض الأسرار: «بُحت ...»، ثم ينام «نمت لیلتین ...»، وفي حلمه يرى «حلمت ...»، ثم يستيقظ «استیقظت»، وفي هذه الصحوة يصبح حلمه حقيقة (وها أنا عریان)، ويغفو مرة أخرى (وها أنا أنام).
الخاتمة توصلت المقالة إلى ما يلي: ـ في قصيدة عذاب الحلاج، فإنّ العنوان هو مفتاح المعنى، حيث يحاول البياتي إظهار نوع من المصيبة من البداية، والتي تتغلغل من خلال كلمة "العذاب". ـ المحور الرئيس لبنية هذه القصيدة هو الاحتجاج أو الرفض، حيث يعترض الشاعر على الإنسان غير المسؤول، سواء كان شاعراً غير ملتزم وملحقاً بالبلاط أم متصوفاً وصوفياً انفصل عن المجتمع. والنبرة القاسية لهذه القصيدة تدل على هذا الاحتجاج. ـ هذه القصيدة في تطور وتغيير مستمر؛ التغييرات مثل تغيير المساحات والفضاءات، واستخدام الأفعال النشطة، والتغيير المستمر وتطور الشخصية؛ لأن مهمة الشعر الواقعي هي التحول، من ما هو كائن إلى ما يجب أن يكون. ـ اختار البياتي أسلوباً خاصاً في الشعر الواقعي باستخدام تقنية القناع والرمز. فإبراز أسلوبه وبروزه في طبقات مختلفة واضح؛ لكن الطبقة الفكرية في شعره تتألق أكثر من الطبقات الأخرى؛ أما على المستوى الفكري، فقد استطاع أن يضع شعره في خدمة المجتمع ومشاكل الناس وتصوير همومهم الاجتماعية والثقافية. ـ وقد مزج البياتي بين التصوف والواقعية في قصيدة عذاب الحلاج التي تعد من روائع الأدب؛ لأن الصوفية والواقعية متضادتان؛ إذ إنّ الصوفي منعزل ويذهب إلى الدير؛ أما الواقعي، فهو اجتماعي ويدخل السجن إثر الصراعات السياسية. ـ ورغم أن شعر الواقعيين سطحي وأرضي، إلا أن البياتي حاول ليدوم شعره باستخدام اللغة الفنية وتقنية الأقنعة والرموز والصور الخيالية كالتشبيهات والاستعارات. ومثل العديد من القصائد الواقعية، لا ينبغي أن تكون شعارية وعابرة. ـ قلة وجود الجمل الاسمية مقارنة بالجمل الفعلية تدل على عدم الاستقرار والتقلب؛ وسواء اعتبرنا هذا التغيير صفة من سمات حالات السلوك والتصوف أم أحد أساسيات الشعر الواقعي. ـ وتبين التلميحات القرآنية الكثيرة في هذه القصيدة الواقعية أن هذا الشاعر تأثر بالماركسيين سياسيا واجتماعيا فقط، وكان ملتزما تماما بالإسلام عقائديا. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مراجع | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
* القرآن الکریم. أ. العربية ابن رشیق القيرواني، أبو علي الحسن. (1988م). العمدة فی محاسن الشعر وآدابه. تحقیق محمد قرقزان. بیروت: دار المعارف. أبو العدوس، يوسف. (2007م). الأسلوبية: الرؤية والتطبيق. عمان: دار المسيرة. امرائی، محمد حسن. (1401ﻫ.ش). «مقاربة أسلوبية لرائية ابن العرندس الحلي من منظور البنيوية النقدية». مجلة بحوث في اللغة العربية. ع 27. ص 171 ـ 192. أنيس، إبراهيم. (2007م). الأصوات اللغوية. ط 4 .القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية. البياتي، عبد الوهاب. (1995م). الأعمال الشعرية الكاملة. بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر. جيرو، بيير. (د.ت). الأسلوب والأسلوبية. ترجمة منذر عياشي. لبنان: مركز الإنماء القومي. حسان، تمام. (1979م). مناهج البحث في اللغة. المغرب: دار الثقافة. حمدي، أحمد عدنان. (2007م). «التناص وإشكالية التحيز في المفهوم والنص عذاب الحلاج للبياتي أنموذجا». مجلة آداب الرافدين. ع 47. ص 239 ـ 256. خوية، رابح. (2013م). مقدمة في الأسلوبية. إربد: عالم الكتب الحديثة للنشر والتوزيع. سيبويه، أبو بشر عمرو بن عثمان. (1982م). الكتاب. تحقيق عبد السلام هارون. ط 2. القاهرة: مكتبة الخانجي. الصحناوي، هدى. (2013م). «البنية السردية في الخطاب الشعري قصيدة عذاب الحلاج للبياتي نموذجاً». مجلة جامعة دمشق. ع 29. ص 387 ـ 417. عباس، إحسان. (1978م). اتجاهات الشعر العربي المعاصر. الكويت: عالم المعرفة. عباس، حسن. (1998م). خصائص الحروف العربية ومعانيها. دمشق: اتحاد الكتاب العرب. عبد المطلب، محمد. (1994م). البلاغة والأسلوبية. بيروت: مكتبة لبنان. عشري زاید، علي. (2002م). عن بناء القصیدة العربیة الحدیثة. بيروت: دار العلم للملایین. عياد، محمود. (1981م). «الأسلوبية الحديثة: محاولة تعريف». مجلة فصول. ع 2. ص 124 ـ 131. فضل، صلاح. (1992م). علم الأسلوب. بيروت: دار الآفاق الجديدة. الورقي، سعید. (1983م). لغة الشعر العربي الحدیث مقوماتها الفنیة وطاقاتها الإبداعیة. القاهرة: دار المعارف. همتی، شهریار؛ جهانگیر امیری، وسارا رحیمی پور. (2016م). «استدعاء شخصیّة الحلاج والمعري في شعر عبد الوهاب البیاتي». كاوشنامه ادبیات تطبيقي. ع 28. ص 119 ـ 133.
ب. الفارسية اسدی مجره، صدیقه؛ سیدرضا ميراحمدى، صادق عسكری، و فرهاد رجبی. (1401ﻫ.ش). «خوانش سروده عذاب حلاج عبدالوهاب بیاتی در پرتو نظرية ساختارگرايی تكوينی گلدمن». انجمن ايرانى زبان و ادبيات عربى. ش 62. ص 145 ـ 166. امین پور، قیصر. (1384ﻫ.ش). سنت و نوآورى در شعر معاصر. تهران: علمى و فرهنگى. پاشازانوس، احمد؛ حشمتاللّٰه زارعیكفایت، و مرتضى براری رئیسی. (1395ﻫ.ش). «بررسی رمزهای طبیعی در اشعار ایلیا ابوماضی». انجمن ایرانی زبان و ادبیات عربی. ش 38. ص 109 ـ 126. رجایی، نجمه. (1378ﻫ.ش). آشنایی با نقد معاصر عربی. مشهد: انتشارات دانشگاه فردوسی. ــــــــــــــ . (1381ﻫ.ش). اسطورههای رهایی: تحلیل روانشناسانه اسطوره در شعر عربی معاصر. مشهد: انتشارات دانشگاه فردوسی. ـــــــــــــــ . (1377ﻫ.ش). «نقد شعر عربی معاصر». مجله دانشكده ادبیات و علوم انسانی دانشگاه تهران. ص 154 ـ 180. شفیعی كدكنی، محمدرضا. (1368ﻫ.ش). موسیقی شعر. چ 2. تهران: آگاه. طاهرینیا، علی باقر؛ مریم علی یاری، و مریم فولادی. (1400ﻫ.ش). «الإحالة ودورها في اتساق القصيدة: قصيدة "عذاب الحلاج"». مجله أدب عربى. ش13 (2). ص 1 ـ 24. فتوحی رودمعجنى، محمود. (1390ﻫ.ش). ﺳﺒﻚﺷﻨﺎسى: ﻧﻈﺮﻳﻪﻫﺎ، روﻳﻜﺮدﻫﺎ و روشها. ﺗﻬران: ﺳﺨﻦ. میرصادقی، میمنت. (1373ﻫ.ش). واژهنامه هنر شاعری. تهران: كتاب مهناز. نجفی ایوكی، علی؛ و سیدرضا میراحمدی. (1393ﻫ.ش). «نقد سبكشناسانه سروده "بكائیه إلی شمس حزیرانِ" عبدالوهاب البیّاتی». مجله زبان و ادبیات عربی. ش 10. ص 167 ـ 195. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 129 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 99 |