تعداد نشریات | 43 |
تعداد شمارهها | 1,673 |
تعداد مقالات | 13,654 |
تعداد مشاهده مقاله | 31,576,570 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 12,474,314 |
ظاهرة الازدواجية اللغوية بين الفصحى والعامية في رواية دلشاد: سيرة الجوع والشبع، للروائية بشرى خلفان حسب نظرية شارل فرغيسون | ||
بحوث في اللغة العربية | ||
مقاله 8، دوره 15، شماره 29، دی 2023، صفحه 103-120 اصل مقاله (1.02 M) | ||
نوع مقاله: المقالة البحثیة | ||
شناسه دیجیتال (DOI): 10.22108/rall.2023.137974.1465 | ||
نویسندگان | ||
عبدالاحد غيبي* 1؛ شهلا حيدري2 | ||
1أستاذ في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة الشهيد مدني بأذربيجان، أذربيجان، إيران | ||
2طالبة الدكتوراه في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة الشهيد مدني بأذربيجان، أذربيجان، إيران | ||
چکیده | ||
ظاهرة الازدواجية اللغوية تتحدث عن وجود لغتين، ألا وهما اللغة العامية واللغة الفصحى عند فرد في مجتمع واحد. فيستخدم الأولى في تعاملاته اليومية، والثانية أثناء الرسميات وخط الحديث الكتابي. أتى تعريف الازدواجية اللغوية لأول مرة بهذا المعنى والمصطلح في مقال قدّمه العالم اللغوي، شارل فرغيسون، عام 1959م، بعدما لم يجد من ينقل أصل مصطلحها الفرنسي إلى الإنجليزية. ثمّ قدّم الكثير من الدارسين والباحثين دراساتهم التي تتطرق إلی موضوع الازدواجية اللغوية في المجتمعات المختلفة ومجالات التعليم ودخولها في الأدب، وأشاروا إلى سلبياتها وإيجابياتها. وأما عن الازدواجية اللغوية في الحوار الروائي، فما هي إلا لتقريب المجتمع الروائي من عالم الواقع الذي يتحدث فيه الناس بشتى اللغات واللهجات. فلذا كان اختيار رواية دلشاد: سيرة الجوع والشبع، للكاتبة بشرى خلفان أكثر تناسباً لهذه الدراسة حسب المنهج الوصفي ـ التحليلي، في عالم الرواية علی أنّه كيف تتجسد فيه الازدواجية اللغوية وكيف يمكن أن يتفنن فيه الكاتب لنقل أفكاره والتقرب من قرائه. فدلّت النتائج بعد اختيار أربعة خصائص أشار إليها فرغيسون، كخصيصة الوظيفة والاكتساب والمفردات والتراكيب الصوتية، على أن الوظيفة تحدد دور التوظيف اللغوي في الشخصيات؛ وفي الاكتساب، تتبين اكتسابية الفصحى عن طريق التعليم، خلافاً للعامية التي تأخذ دور اللغة الأم للفرد؛ وفي خصيصة المفردات، التشابهات بين المفردات العامية والفصحى أحياناً تشابهات جذرية؛ وأما في خصيصة التراكيب الصوتية، فيتضح تطور الكلمات التي تکون من أصل فصيح، وتغير شكلها ولفظها في العامية. وكل هذا لم يحدث في الرواية إلا لأجل التعامل والتواصل مع القارئ بشكل أسهل وأقرب لفهمه. | ||
کلیدواژهها | ||
الرواية؛ الازدواجية اللغوية؛ شارل فرغيسون؛ بشرى خلفان؛ دلشاد: سيرة الجوع والشبع | ||
اصل مقاله | ||
اللغة وسيلة انتقال لكل ما يدور في خلجات الإنسان، تخرج من بواطن مكامنه إلى عالم الإدراكات الخارجية، وتعتبر أداة تواصل يتفاهم بها الناس فيما بينهم. وقيل: إنها «الامتداد الثقافي والفكري والحضاري، قد شكلت على الدوام رمزاً لوحدة أمتنا، وأداة لتواصلنا وتآلفنا، وإحلال العامية محلها، سيعمل على تفتيت هذه الوحدة وتمزيق هذا الرباط التآلفي والتعارفي، وسيجعل من الأمة أمماً شتى، وأقواماً متفرقين؛ إن إقصاء الفصحى يشكل نذيراً لإنهيار منجزات الأمة وتفتيتاً لوحدتها» (المصري وأبو الحسن، 2014م، ص 55). وتتفرع اللغة حسب مقتضياتها إلى ظاهرتين: الأولى وهي كمنتج راق يُعبَّر بواسطتها عن رقي الطلب والأداء؛ والثانية إلى منتج يتشعب للهجات المختلفة، بغض النظر عن تطور الأساليب المعبرة للفرد الواحد. وأطلق اللغويون على اللغة المتداولة في الحديث اليومي اسم "اللغة العامية" أو "الدارجة" أو "اللهجة". فيقول الناقد إبراهيم كايد محمود في مقاله الذي لاقى صيتاً لاذعاً حول مواضع تسمية الثنائية اللغوية والازدواجية اللغوية واستخدامهما: تخص الفصحى للاستخدام الرسمي في الدوائر والمؤسسات الحكومية كالمدارس، والجامعات، والمحاكم، والوزارات، وغيرها، وهي المنابية الوحيدة لهذا الاستخدام، وتكون العامية هي الأنسب للاستخدام اليومي بين عامة الناس؛ أما من حيث المكانة، فإن كثيراً من المتكلمين يرى ضرورة استعمال الفصحى عند الحديث في قضايا هامة كالخطب السياسية، أو البيانات، أو المحاضرات، والندوات، والمؤتمرات؛ في حين أنهم لا يجدون غضاضة في استخدام العامية في مواضع ومناسبات أخرى (2002م، ص 62). هذا الإتقان لتلك النوعيتین المختلفتین من النطق، كما رأينا في تبيين كايد محمود، يستخدمه الإنسان من الأولى للتواصل في المواضع والمعاملات الرسمية في مجتمعه التعليمي، ومن الأخرى والتي هي تقابل اللغة الرسمية، يستخدمها حسب اضطراراته في عالمه اليومي. فالاحتكاك بالمجتمع قد يفرض على كل منا تعلم هاتين اللغتين المختلفتين. وحديثنا هنا يدور حول هذه الاختلافات في الاستعمال اللغوي بشتى لهجاته في داخل المجتمع الواحد وللفرد الواحد، وتسمى علمياً بالازدواج اللغوي. وأما عن حديث إتقان لغتين مختلفتين جذرياً للشخص الواحد، فهي ما تستوجب عليه تواصليات خارج عن ثغريات مجتمعه، فقد تسمى بالثنائية اللغوية. اخترنا لترجمة هذا الحديث وشرح المصطلحات المذكورة في هذه الدراسة، متبعين المنهج الوصفي ـ التحليلي، رواية دلشاد: سيرة الجوع والشبع، للكاتبة الروائية العمانية بشرى خلفان، نحللها حسب نظرية شارل فرغيسون[1]. وهي رواية احتوت في سرديتها كلا الجانبين من الثنائية اللغوية والازدواجية اللغوية. وإنها رواية وصلت ضمن القائمة القصيرة من الروايات المنتخبة، للحصول على جائزة البوكر للرواية العربية في عام 2022م. فهي رواية ستوجهنا إلى وجهة نظر وجود الازدواجية اللغوية ما بين العامية والفصحى في الروايات، أمر لا بأس من استخدامه، ولا ضير من دخول العامية بجوار الفصحى عند الحوارات ما بين الشخصيات، بل سيطلع القارئ علی وجود مجتمع کان أهله یتحدثون بهذه اللهجة التراثية، إضافة إلى الفصحى الرسمية.
1ـ1. أسئلة البحث تحاول الدراسة الإجابة عن الأسئلة التالية: ـ كيف يمكن أن تَحدُث الازدواجية اللغوية في عالم الرواية، كما في عالم الواقع الفردي والاجتماعي وخاصة في رواية دلشاد: سيرة الجوع والشبع؟ ـ كيف يمكن تبيين جدل الفصحى والعامية حسب النظرية الفرغيسونية، الازدواجية اللغوية، في رواية دلشاد: سيرة الجوع والشبع؟ ـ كيف يمكن تبيين أن الازدواجية اللغوية في رواية دلشاد: سيرة الجوع والشبع، لم تستخدم للتضعيف من اللغة الفصحى بالحوارات العامية الموجودة فيها؟ 1ـ2. خلفية البحث حسب الدراسات والبحوث التي تمت مراجعتها حول ظاهرة الازدواجية اللغوية في المجتمعات العربية، واجهتنا مواضيع دراسات كالتالي: كتاب بعنوان ازدواجية اللغة، النظرية والتطبيق، للناقد إبراهيم صالح الفلاي (1996م)، حيث قدم فيه شرحاً مبسطاً حول نظرية شارل فرغيسون، والتي تتحدث حول الازدواجية اللغوية وتقسيماتها وخصائصها التي وردت في أول مقال له، قدمه عام 1959م، في الدورية المتخصصة Word، وأضاف إليها نظرية فيشمن وفاسولد حول الشكل اللغوي والمعياري للهجات، متابعةً مباحث تحليلية حول الازدواجية اللغوية من منظور جديد. وفي الحقيقة، قد قدم لنا هذا الكتاب إفادات يسرت لدراستنا المجال في اختيار الموضوع وارتكازه في الرواية الحديثة. وهناك مقال معنون بالعربية الفصحى بين الازدواجية اللغوية والثنائية اللغوية، لإبراهيم كايد محمود (2002م)؛ وتناول فيه مباحث اللغة العربية وأثر الازدواجية والثنائية عليها، وأضاف تعريفا عن الازدواجية بأنه حدث جارٍ بين لغتين مختلفتين يؤثر على الفرد؛ وأما المباحث العامية والفصحى، فهذه تسمى ثنائية لغوية وليست ازدواجية، واستنتج أن هذه الثنائية المعنية تعم المجتمع وجوانب الحياة المختلفة وشخصية الفرد والمجتمع بشكل سلبي. ورسالة ماجستير الازدواجية والثنائية اللغوية في الجامعة الجزائرية، جامعة الوادي أنموذجا، ناقشتها الباحثتان صابرينة بن أم هاني، ووفاء كحيل (2017م)، ودرستا فيها علاقة علم الإنسان وعلم الاجتماع وعلاقتهما مع اللغة، وأنها لا تحيا إلا في ظل الإنسان، وهذا يؤدي إلى قضايا أساسية كقضية الازدواجية اللغوية والثنائية اللغوية. ولكل منها طابع سلبي وإيجابي على المجتمع، فإنهما معاً كخصم عنيد يعمل على هدم البعض والتخلص منه. ومقال بهذا العنوان الازدواجية اللغوية في اللغة العربية، للباحثة فوزية طيب عمارة (2018م)، حيث رأت الباحثة فيه بأن الازدواجية اللغوية مشكلة عويصة حلت بالمجتمعات العربية، حيث أصبحت العامية تحادي الفصحى وتسير معها جنباً إلى جنب، واستنتجت أن العربية الفصحى ذات مستوى عالٍ والعامية في مستوى متدنٍّ، ووجدت الثنائية اللغوية هي ما تتداول حول لغتين مختلفتين في المجتمع الواحد كالعربية والفرنسية. ومقال للباحثتین سعاد قمومية وهاجر حاج الشريف (2021م)، معنون باشكالية الازدواجية اللغوية وكيفية ارتقاء اللغة العربية بالمجلس الأعلى في الجزائر، اشكالات وحلول. درست فيه الباحثتان أهم الإشكالیات التي تواجه اللغة العربية، وسبل الارتقاء بها ومعالجتها. ويدل أبرز النتائج على أن الازدواجية اللغوية أمر بديهي، ومع هذا لا بد من خدمة الفصحى لتكون لها السيادة في الكتابة، والوثوق بها حتى تكون قادرة على مواكبة العصر التقني الحديث. ومقال الازدواجية اللغوية والثنائية اللغوية والتداخل اللغوي وعلاقتهما ببعض المهارات المعرفية، لسعدية زروق، (2021م). تحدثت الباحثة فيه حول التفاعل بين اللغات على أنه أكثر المظاهر اللغوية أهمية، حيث تنتج منه الثنائية اللغوية والازدواجية التي تظهر كلغة بينية قد تعتبر أحياناً مظهراً سلبياً بين الفصحى والعامية، أو بين لغتين أو أكثر بمختلف أنظمتها، واستنتجت بأن الواقع الثنائي في الجزائر ناتج من التعليم الثنائي، والازدواجي فهو ناتج من واقع معيشي. ومقال معنون باللغة بين الازدواجية اللغوية والثنائية اللغوية والافتراض اللغوي، لكوثر قوفي (د.ت). قسّمت الباحثة بحثها إلى ثلاث ظواهر لغوية تنتج عن احتكاك اللغات وصراعها، وتحدثت في كل ظاهرة منها عن الازدواجية اللغوية مع الشرح، ومفهومها وعوامل ظهورها، إلى أن توصلت مستنتجة أن الازدواجية والثنائية كليهما خصم على اللغة العربية الأم (الفصحى)، ولا بد من اتخاذ تدابير لحماية لغة الأم. وأما عن الدراسات التي صادفناها في الفارسية، فما يلي: مقال معنون ببررسی و تحلیل پدیدهی دوزبانگی در شعر معاصر عربی: مطالعه مورد پژوهانه: دیوان "شوقیات" احمد شوقی (=دراسة وتحليل ظاهرة ثنائية اللغة في الشعر العربي المعاصر: ديوان ”الشوقيات“ لأحمد شوقي نموذجا)، لروح اللّٰه صيادي نژاد وعلى نجفى ايوكى ومرجان ژيان پور، (2017م). حديث المقال يدور حول الثنائية اللغوية التي أثرت على أحمد شوقي وقصائده؛ وهذا لأنه نشأ وكبر ودرس في وسط مختلف الهويات واللغات كالعربية والتركية واليونانية والكردية والفرنسية والإنجليزية، حيث يرون أنّ هذا الوسط هو بحد ذاته سبب مقنع لوجود الاضطرابات اللغوية في شوقياته. ومن هنا، نرى دراستنا المعنونة بظاهرة الازدواجية اللغوية بين الفصحى والعامية في رواية "دلشاد: سيرة الجوع والشبع" للروائية بشرى خلفان، حسب نظرية شارل فرغيسون، موضوع بحث لم يدرس من قبل لا في العربية ولا غيرها من اللغات. واخترنا هذه الرواية المعنية كنموذج تحليلي يساعدنا على شرح المواضيع اللغوية الواردة في الأدب الروائي المتأثر بالازدواجية اللغوية.
رواية دلشاد: سيرة الجوع و الشبع، تتشكل من عدة أصوات في ثلاثة فصول: لوغان، ولجات، حارة الشمال، حيث يعلوها صوت دلشاد الذي يعني بالفارسية فرح القلب، وهو ما أسمته دايته البلوشية "ما حليمة" به، «يطلق كركراته حين يشبع، ثم ينامز قالت لي: أمي العمياء إن لهذا الولد قلباً فرحاً، فأسمته "دلشاد"» (خلفان، 2021م، ص 15). أما عن اسمه فبالأصل كان "فرحان"، «حلفت أمي أني خرجت مِن رحمها و أنا أضحك، أنها أسمتني فرحان كي أعاكس شؤم ولادتي لأب ملعون، قتله العطش وهو يبحث عن حبله السرّي تحت سمرة مشؤومة في سيح المالح» (المصدر نفسه، ص 9). كان دلشاد تنتابه نوبات الضحك دون تفسير في كل تقلبات أحواله، فلا يقتصر ضحكه على فرحه، بل حتى حين يحزن ويضطرب، وحين تضيق به الأحوال، والأكثر حين تزداد عليه قَرَصات الجوع. انتقل هذا الضحك منه إلى زوجته نورجيهان التي تزوجها من حارة البلوش، وأورثه ابنته مريم. حكايات هذه الرواية مستوحاة من قصص قديمة لمدينة مسقط عاصمة عمان، وهي ما تروي عن قصص الجوع وآلام الحروب على أهاليها في قبل أكثر من مئة عام، وهو تاريخ مطروق حسب الرواية. تُسرد الأحداث فيها من خلال ألسنة ورواة متعددة، حيث استخدمت الكاتبة في سرد الحکایات وجهات نظر متعددة للشخصیات المختلفة، حیث کل واحد منهم یرويها من زاويته الخاصة حسب موقعه، حتى تكتمل القطع وتصل الفكرة إلى ذهن القارئ دون نقص وترك أي تساءلات. وكل ما فيها من أحداث، كان يدور بين حارات وخيام وأسواق "لوغان" و"مسقط" و"طرح" و"ولجات"، وأحياناً تعبر البحور إلى أن تصل "مومباي". وتختلف الأنغام على ألسنة أهاليها العرب، ومسافريها من العراق، والمتعلمين في بيت التعليم الذي يعلمهم الأشعار والقصص الأدبية التراثية العائدة لبلاد الفرس، وسكانها "البلوش". وكما تشير مجريات الأحداث في الرواية، كانت مجالس الوجهاء من أهاليها تفوح منها روائح العود والياسمين، خلافاً لحارات البلوش والفقراء التي كانت أدخنة المزابل والجوع وبقايا الأسماك خلف الخيام تطغى على سكانها. وخُتمت الرواية بعد صفحاتها الطويلة، بقصة كان ينتظر فيها القارئ معرفة مصير قصة حب جديدة ما زالت في أوانها، مع بطلتها فريدة حفيدة دِلشاد بنت مريم وعبد اللطيف، ولم تكتمل نهايتها.
لتعريف الازدواجية اللغوية، نحتاج بداية للتعرف على نظريتها الثنائية اللغوية؛ لأن هناك ضربا من اختلاف الآراء حول تعريف ظاهرة الازدواجية اللغوية وظاهرة الثنائية اللغوية. فالبعض من اللغويين يرى أن الازدواجية اللغوية ما تنم عن وجود لغتين مختلفتين كالعربية والفرنسية، ويستخدمها الفرد أو الجماعة في مجتمع واحد، ولا علاقة لهذا الحدث بين الفصحى والعامية التي ينتميان للغة واحدة، كما كان يدعي محمد علي الخولي، ويطلق عليها الازدواجية الرأسية، ووجود العامية والفصحى في المجتمع الواحد؛ فهذا يسمى ثنائية رأسية، يقول: «أما إذا كانت اللغتان لهجتين للغة واحدة، كأن تكون لهجة عالية فصيحة، ولهجة عامية محلية، فتدعی هذه الثنائية، ثنائية رأسية» (1988م، ص 20). وهناك من يخالف هذا الرأي ويدعي العكس، ككمال يوسف الحاج، حيث يقول بأن الازدواجية اللغوية تحدث: بين العامية والفصحى؛ لأنهما فصيلتان من لغة، وكل لغة بشرية تنقسم إلى عامية وفصحى ...، فإن الفارق بينهما هو فارق فرعي لا جذري. الازدواجية الحقة هي التي تقوم بين لغتين مختلفتي الروح والعبقرية، بين الفرنسية والعربية، بين الألمانية والتركية، بين الصينية والروسية (1978م، ص 156). بغض النظر عن هذه التعاريف، فتعريف مصطلح الازدواجية اللغوية ظهر أول مرة عند اللغويين الفرنسيين وعلى يد العالم وليم مارسية[2] عام 1930م، الذي نحته بهذا الاصطلاح ((La Diglossia، وقال بأنه: «هو التنافس بين لغة أدبية مكتوبة، ولغة عامية شائعة» (الزغول، 1980م، ص 18). وعندما لم یواجه هذا المصطلح بديلاً إنجليزيا حتى يدل على نفس المعنى، بقي عالقاً ومحدود الانتشار لفترة من الزمن، إلى أن بادر في نقله شارل فرغيسون في عام 1959م، بمصطلح (Diglossia) إلى الإنجليزية. كما يقول لويس كالفي: «في عام 1959، استخدم اللساني الأمريكي، شارل فرغيسون، مصطلح الازدواجية، فقد عرّف هذه الأخيرة على أنها العلاقات الثابتة بين ضربين لغويين بديلين ينتميان إلى أصل أجنبي واحد، أحدهما راق (كالعربية الفصحى)، والآخر وضيع (كالعاميات)» (2008م، ص 78). وصرّح فرغيسون بأن هذا المصطلح يدل على وجود نوعين من التحدث للغة واحدة ينتميان لأصل لغوي واحد. يقول صالح الفلاي بعد ما قدم دراسة حول مقال فرغيسون في هذا الصدد: فإن القيام بإيجاد أسماء مطابقة لهذه المصطلحات باللغة العربية ليس بالأمر الهين؛ ومن هذه المصطلحات التي يجب التفريق بينها مصطلحاً: ازدواجية اللغة (Diglossia)، وثنائية اللغة (Bilingualism). والترجمة الحرفية لهذين المصطلحين لا تبين أي اختلاف أو فرق بينهما؛ فإن ازدواجية اللغة تتكون من كلمتين يونانيتين، هما: (Di) ومعناها (اثنان)، و(Glossia) والتي تعني (لغة)؛ أما ثنائية اللغة، فهي مكونة من مقطعين أو كلمتين لاتينيتن، هما (Bi) ومعناها (اثنان)، و(Lingual) وتعني لغة؛ إذاً هذان المصطلحان بالترجمة الحرفية يحملان نفس المعنى وهو لغتان (1996م، ص 81). ويعتقد بأن هذه الترجمة تبعدنا عن العديد من الترجمات التي لا حاجة للغوص بها؛ «فبدلاً من القول بأن ازدواجية اللغة هي ازدواجية اللغة الخاصة بالمجتمع، أو ثنائية اللغة هي ازدواجية الخاصة بالفرد، فضلت استخدام المسميات الأقصر لسهولتها» (المصدر نفسه، ص 81). وحسب المصادر والدراسات التي تمت مراجعتها في هذه الدراسة، يمكن أن نقول: إن رأي الفلاي هو الصواب، وغير هذا ما يكون إلا نابعاً من روح التعصبات القومية التي لا تحبذ الغربنة وهيمنتها على الفصحى، غير أننا وجدنا أكثر الباحثين العرب مثل عبد الحميد بوفاس، وفوزية سعيود يؤكدان على «أن معظم الدارسين العرب اختلفوا مع الغربيين في تبني المصطلح الأجنبي لظاهرتي الازدواجية اللغوية، والثنائية اللغوية، حيث فضل الدارسون العرب مصطلح (Diglossia) مقابل ازدواجية لغوية، ومصطلح (Bilinguisme) مقابل ثنائية لغوية» (الطاهر، 2022م، ص 133). وبما أن هذه الدراسة ترتكز على رأي فرغيسون، فنختار مصطلح الازدواجية بدلاً من الثنائية في التعاريف والتطبيقات. جاء في تعريف مصطلح الازدواجية المعجمي، عند ابن منظور في لسان العرب: «الزوج: خلاف الفرد، يقال: زوج أو فرد، وكان الحسن يقول في قوله تعالي: «ومِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِª، وقال: السماء زوج، والنهار زوج، ويجمع الزوج أزواجاً وأزاويج...» (1990م، ج 2، ص 241 ـ 242). وأما عن تعريف الازدواجية اللغوية اصطلاحاً، فيقول كمال بشر: إن الازدواجية اللغوية: هي وجود نمطين من اللغة يسيران جنباً إلى جنب في المجتمع المعين يتمثل النمط الأول فيما أشرنا إليه وأطلقنا عليه مصطلح اللغة النموذجية، والثاني ما جرى العرف على تسميته اللغة المحكية، وقد يسمّى الأول أحياناً اللغة الرسمية[3] والثاني اللغة غير الرسمية[4] (1997م، ص 186).
من ضمن الحِرَف التي يحترفها الأديب والكاتب ليعبر عن ما ينوي الحديث حوله، هو استخدام الرواية لنقل ما يدور في هواجسه؛ لأنها أثبتت في تاريخها الأنيق، بإمكانها أن تصبح كالجسر الذي يضج بجمهور عملاق من مختلف الطوابق والأذهان، ويحمل مصداقية التقرب بين الكاتب والقارئ، ويتخذها الكاتب كآلة تخاطب مؤثرة مع المتابع، دون أن يلتفت لمستواه العقلي والعلمي، وهكذا تتوفر لديه قدرة التعبير عن قياس المفاد المطلوبة بسهولة. فيصفها عبد الملك مرتاض بأنها تتخذ: «لنفسها ألف وجه وترتدي في هيئتها ألف رداء، وتتشكل أمام القارئ تحت ألف شكل؛ ذلك لأننا تلفي الروايى تشترك مع الأجناس الأدبية الأخرى بمقدار ما تستميز عنها بخصائصها الحميمة، وأشكالها الصميمة» (1998م، ص 11). لهذا، نرى العامية رسخت في الأعمال الأدبية مترنحة، تثبت سيطرتها وتتحنن من الطرفين لتمتد جذورها بموازات الفصحى. وبالطبع احتدم عراك لا متناه بين الموافقين مثل أنيس فريحة قائلة: «إن العرب يشعرون أن لغتهم هي اللغة المحكية، وأن الفصحى لغة رسمية، فهم لا يشعرون بأنها جزء من حياتهم، بل إنهم إذا تكلموا أو صلّوا أو غنّوا أو غضبوا أو شتموا فإن اللغة هي التي يعبرون بها عن هذا كله إنما هي اللغة العامية» (د.ت، ص 122)، وبين المعارضين الذين يرون العامية ليست إلا آلة إضعاف للغة الفصحى، كرأي صفوت علي صالح: «فانتشار العامية على نطاق واسع يؤدي إلى إضعاف الفصحى في عقول وألسنة أبنائها، مما يؤدي إلى وجود بنية لغوية مستضعفة تتسلل إليها مفردات اللغات الأجنبية؛ لأن العامية ليست نِداً للغات الأجنبية في غياب لغة قوية كالفصحى» (2014م، ص 109). في هذه الأثناء، يوجد هناك من لا ينحاز لهذا وذاك، كيوسف محمد نجم: «لا تدخل العامية في الأسلوب القصصي إلا في المواقف الحوارية، فالكاتب الذي يلجأ إلى طريقة السرد المباشر، أو الطرق الفنية الأخرى، لا يحتاج إلى أن يُحدّث قُراءه بلغة عامية ... ولكن أكثر الكُتاب يلجأون إليها في الحوار لتضفي عليه صدقاً وحيوية وواقعية» (1966م، ص 121). مهما يكن من شيء، فاستمرت العامية في الأعمال الأدبية وكثرت في الأشعار والروايات وما شابه. وعندما نرجع لنظرية فرغيسون، نراه يقسم استخدامها في عدة خصائص، يرى فيها وجود اللهجات بموازات الفصحى، بغض النظر عن العربية وغيرها، يزيد من فوائدها ضمن في التعاملات، غير أن هذه الخصائص المذكورة تعطي لكلٍ من الفصحى ووليداتها التزامات تثبت وجوب وجودها ضمن وظيفتها. من أهم تلك الخصائص التي أوردها فرغيسون في بحثه حول الازدواجية اللغوية، والتي قسمها على تسع خصائص أو صفات، ما يلي (الفلاي، 1996م، ص 22): 1. الوظيفة، 2. المنزلة، 3. التراث الأدبي، 4. الاكتساب، 5. المعيارية أو التقنين، 6. الثبات، 7. القواعد النحوية، 8. المفردات، 9. التراكيب الصوتية. واخترنا أربعة منها؛ وذلك لأننا رأينا في هذه الخصائص الأربع، تناسبا مع الأعمال الأدبية، أكثر من غيرها، حتى نقدم من خلالها نسبة أهمية الازدواجية اللغوية في الرواية الحديثة التي أدخلت اللهجات في مكونها السردي: 4ـ1. الوظيفة[5] يعتبر فرغيسون وأغلب متابعيه الوظيفة من أهم الخصائص التسع في ظاهرة الازدواجية التي جاء ذكرها آنفا، حيث يرى أن بعض المواقف والمناسبات الاجتماعية تحتم إدخال واستخدام اللغة المحكية بجانب اللغة الرسمية وبالعكس، مع الاعتقاد بأن هذا الاستخدام «امتداد للموروث الشعبي الذي لا بد لنا من المحافظة عليه» (المصدر نفسه، ص 24). وحسب ما أحصى فرغيسون في الجدول الذي ذكره أثناء بحثه، في تبيين مواضع وجوب استخدام اللغة العليا أو الفصحى، كان من بينها الخطب في البرلمان، أو الرسائل الموجهة للمراتب العليا والتي يتوجب فيها الرسميات، حيث يرى استخدام اللهجات في هكذا مواقف قد يدعو للسخرية. وعندما نأتي للرواية والتدقيق حول وجود معالم الازدواجية، نرى في رواية دلشاد: سيرة الجوع والشبع، استخدمت الكاتبة بشرى خلفان نفس التقنية، لتؤكد على أن هذا الموضع هو موضع الخطاب الرسمي الذي يتوجب فيه علينا استخدام الرسميات. كما في المثال التالي: «ثم قام السلطان فألقى كلمة: "... وإني من صميم قلبي أشكر صديقتنا الدولة البريطانية، لما خلصت لي من المحبة وأكدت ما بيني وبينها من الصداقة، والتي ما برحت عواطفها ومساعداتها مستمرة لنا منذ عصور أسلافنا، لتحقيق آمالنا وتثبيت حكومتنا واستقلالنا"» (2021م، ص203 ـ 204). والعكس من ذلك، يمكننا استخدام الدارجة أو كما يسميها فرغيسون بالشكل اللغوي الأدنى، في عالم الشعر الشعبي، كما نقلته الكاتبة خلفان في روايتها باللهجة المحلية لأهل مسقط، لتؤكد لنا بأنهم عند أثناء البحارة لديهم عادات، من ضمنها هذه الأبيات التي يرددونها مع بعض بأصوات عالية، وهي كأنها أهازيج مكونة من أدعية خاصة، فتنقل في الرواية: «بعد الفجر، وقبل أن ترفع المرساة، تجمع البحارة وبدؤوا في الغناء: "هو يا عباد اللّٰه ... مولانا يا رحيم / نازغين ومسافرين . بجاه رب العالمين / يا رب بالسهالة . والطوب وبلوغ المراد / إلى حضرة النبي صلوا عليه (الفاتحة)"، أنا لا أعرف الصلاة أو الفاتحة، لكنني فعلت ما يفعله غيري، تمتمت بشفتي، ثم رفعت كفي مثلهم إلى وجهي وتشهدت» (المصدر نفسه، ص 104). وأيضا هذا الغناء الحماسي الشعبي: «ارتفع صوت الطبل ترافقه أصوات البحارة، وأنا واقف بينهم، أغني وأصفق بمثل حماسهم، دون أن أعرف وجهتي: هيل ياللّٰه ... ياللّٰه / هيله ياللّٰه ... ياللّٰه / هيه والمين ... ياللّٰه» (المصدر نفسه، ص 105). كان سرد الرواية بالفصحى، ولكن عندما تبدأ الكاتبة بنقل الغناء الشعبي، نجدها تلجأ إلى التحدث بالعامية التي يتكلمها أهالي مسقط. فهي لا تكتفي بالعامية العمانية، بل حتى عندما تريد نقل الشعر الشعبي العراقي الذي كانت تردده الشخصية العراقية في الرواية، أي "قسيمة"، والتي تغير اسمها إلى "شمسة"، تتخذ نفس الطريقة في نقل التراث الشعبي من اللهجة العراقية؛ فلهذه التهويدة أو الليوه كما يسمونها، شهرة وصيت واسع عند أهل العراق: «مازلت أتذكر صوتها، الذي يتقلب الشبه بين المزمار والناي، وتبتدع به أغاني لعبداللطيف وهي تهز مهده لينام: "دللول يا لولد يا بني دللول / عدوك عليل وساكن الجول / دللول يمه دللول / دنام والنومة عوافي"» (المصدر نفسه، ص 231). ( = دللول يا ولدي / عدوك عليل ويسكن البيداء / دللول يا ولدي / ارقد في نومة هنيئة). ونراها اتخذت نفس التقنية في نقل الأشعار الشعبية في اللهجة البلوشية، وقد اختلطت مع اللغة العربية عندهم إثر مجاورة البلوش القانطين بينهم. فهذا الاختلاط سبّب نشوء اللغة ثانية بمحاذاة اللغة العربية الفصحى، وهو ما يسمى بالثنائية اللغوية، وأيضاً المصطلحات الفارسية الرائجة في حواراتهم، حيث إنها أتت على ألسنتهم من كثرة السفر إلى بلاد فارس بغية التجارة والبحارة، كما سمته في الرواية. فمن وجود هؤلاء البلوش الساكنين بجوارهم، أصبح معظمهم يجيدون الفارسية البلوشية إلى حد ما، وهذا طبعا حسب الاستنتاج الذي حصلنا عليه من نص الرواية. فهنا قد تعمدت الكاتبة بشرى خلفان على نقله، لتضيف مؤكدات تاريخية إلى أحداث روايتها، كي لا ينشغل ذهن القارئ بوهمية القصة والشخوص الخيالية، بل ترسخ في ضميره مصداقيتها، وتقلقل مشاعره حين متابعتها، وربما قد تؤكد له وأنها حقيقية، فتحثه على المتابعة بشغف. لننظر إلى المقبوس التالي من الرواية: «سمعت أمي زليخا وهي تغني: مارواراهوره سري ننداه / سيشوكا سنداه ماسوجا بنداه / بلكي ماوتي دوستا جنداه = أجلس عند الدرب منتظراً / أغزل خوص النخيل وأنكثه / عل حبيبي يعود» (المصدر نفسه، ص 14 ـ 15)، أو استخدام المصطلح الفارسي (شاباش): «فيصيح: شاباش ... شاباش» (المصدر نفسه، ص 435). لم تكتف الكاتبة بالنقل فحسب، بل أضافت إلى البلوشية، ترجمة الأبيات باللغة العربية الفصحى، حتى تمتد الترابطات الحميمة أكثر فأكثر وتقترب من القارئ بخطوات أكبر، فقامت بنقل بعض المحادثات بالبلوشية، ولو محادثات قصيرة. ولهذا رأي آخر، ليس من مجال البحث: «بادرتهن بالسلام والسؤال: ـ تشوريتا شما؟ بازوشي؟ ـ باووشي، الحمد للّٰه. كيف حالكن، بخير؟ بخير الحمد اللّٰه» (المصدر نفسه، ص340). فهذا التوظيف الوظيفي، يجعلنا نوافق رأي الناقد رشاد رشدي، حيث يذكر ضمن دراسته التي قدمها في كتاب فن القصة القصيرة: فمن غير المعقول في القصة على الإطلاق أن يجعل الكاتب شخوصه تتكلم بمستوى لغوي واحد، وخاصة إذا كانت اللغة المستعملة غير اللغة التي تتكلم وتفكر بها في الحياة، كما يجعل كثير من كتّاب القصة عندنا أشخاص قصصهم تفكر وتتكلم باللغة العربية الفصحى ... وقد آن لكتابنا ممن يفعلون ذلك أن يدركوا هذه الحقيقة، وهي أنهم ليسوا أحراراً في أن يجعلوا شخوص قصصهم تتكلم أو تفكر بالعربية الفصحى كما يتراءى كهؤلاء الكتّاب (1964م، ص 119). ونضيف إلى رأيه، أنه ليس من الصحيح أن نكتفي بتوظيف لغة واحدة، عامية منها أو فصحى لكل الشخصيات، خاصة إذا كانت الشخصية تحدثنا عن إفرنجية هويتها، بل لتكن إشارات ضمن المحادثات السردية تضمن لنا هذه الهوية، وتقربنا من عالمها المتفاوت. 4-2. الاكتساب[6] يرى فرغيسون أن اللهجة أو اللغة العامية تُكتَسب بشكل طبيعي، خلافا للغة الفصحى أو كما يسميها اللغة الرسمية العليا، والتي يتوجب على الفرد اكتسابها عن طريق التعليم المدرسي والرسمي. يعتقد النقاد أن العامية هي اللغة الأم، حيث يتعلمها الأفراد دون عناء ولا اضطرار وعن طريق الأهل والاستماع والممارسة، دون أن تتطلب ظروفهم لاكتسابها في مكاتب التعليم، ويروا أن مركز رقمها بالنسبة للعامية هو الثاني في حياة الفرد، وهذا رغماً على مكانتها الرفيعة وأهميتها البالغة. طبعاً القصد من كلام فرغيسون أن الاكتساب هو: «الوسيلة التي يتم عن طريقها اكتساب اللغة، كلغة أم» (الفلاي، 1996م، ص 29)، ولم يقصد وضع لغة ما في محطة الأهمية أو الاستهانة بأخرى، بل يقصد الازدواجية اللغوية، هي التي تحدد أهمية تعلم اللغات في حياة الفرد، ويرى أن العامية هي التي يبدأ الشخص بنطقها متأثراً بوالديه من الصِغَر، ويتقن الفصحى في معاهد التعليم والمدارس. فالوسيلة التي يكتسب بها لغته الرسمية والتعليمة، هي التي تؤكد له بأن هذه لغتك الثانية، على رغم أصالتها وجماليتها ومكانتها. ويوافق هذا الرأي أنطوان صياح، حيث يقول: «إن من لم يدخل المدرسة ويتعلم فيها العربية، يبقى مغلقاً على عالمها في مستواه المكتوب وتبقى كنوزها دفينة عليه» (1995م، ص 7). فتراك تفكر في خلوتك وتردد حديثك مع نفسك باللغة العامية، ولو اضطررت أن تخط أفكارك على الورق، فيذهب قلمك نحو الفصحى لا إرادياً، وهذا بسبب تعلمك للغة أثناء التعليم، بأنك تكتب وتقرأ وتدرس بالفصحى. فكيف نطلب من الكاتب الروائي أن يُنطِق شخوصه في مختلف مستوياتهم، بلغة متشابهة ربما لم يدرسها قط، حسب الهوية التي تعطى له. يقول محمد يوسف نجم، في كتابه فن القصة، وهو من المتوسطين الذين لا ينتمون للعصبة المخالفة ولا الفرقة الموافقة، «وأنا أرى أنه ليس ثمة مبرر فني، يمنع من استعمال اللغة العامية في الحوار، بل إن طبيعة رسم الشخصية في القصة، تتطلب ذلك وتعتمد اعتماداً كبيراً» (1966م، ص 121). وهذا الحديث يختلف تماماً عن مجال التعليم الذي يتم من خلال اللهجات في المدارس، كما يرى أحمد معتوق،حسب ما ينقل إبراهيم كايد محمود: «التدريس بالعامية يجعل الناشئ يعيش حالة ازدواجية أو فصاماً لغوياً، ويعاني من لغة تتصارع مع مولود لها معقد التركيب، أو مولود (غير شرعي) لا بد أن يوهنها صراعه؛ لأنه يحتل مواقع مهمة في المجتمع وجوانب مختلفة من حياة الفرد» (2002م، ص 71). فإذا كان حديث هاتين اللغتين في مجال التعليم مثلا، فها هنا يصدق تعريف الزغول حول تعريف الازدواجية اللغوية، بأنها موضع تنافس: «هي التنافس بين لغة مكتوبة ولغة عامية شائعة» (1980م، ص 120). وربما كان لنا موضع الرفض، ولكن طالما نتحدث حول خلق عالم روائي، لم يقصد منه إلا لتتقرب أحداثه مع مصاديق العالم الواقعي. فنحن نوافق الازدواجية الجارية في سردياته. لذا نرى أن هذا سببا مقنع لدخول العامية في الرواية، حتى يكون الكاتب قد تقرب كل القرب من قرائه، حتى يصور لهم الأحداث بمرونة ومواكبة مع ذوقهم ودون التقيد بالفصحى، وحتى لا يكون كمن يوجه عمله إلى شريحة خاصة ويتجاهل أخرى، أو يكن كأنما قصد المتعلم ورفض غيره. كما رأينا في الرواية التي بين يدينا. فإنها لا تخاطب شعباً مخصصاً دون الآخر، بل سبب ارتكازها على العامية سواء كانت تابعة لأهالي مسقط في عمان أم البلوش وغيرهم الذي أتى ذكرهم في الرواية، ما هو إلا لتصنع عالمها القريب من العينات الواقعية والمحسوسة. يقول عبد الإله أحمد في كتابه في الأدب القصصي ونقده: جودة الحوار في القصص، قدرته بالتالي على رسم الشخصيات، وتصوير الأحداث، وإشاعة ما يهدف إليه القاص من أجواء، لا يرتبط أساساً في كونه فصيحاً أو عامياً، وإنما يرتبط بقدرة القاص على كتابة حوار فيه الكثير من المرونة، والبساطة، وشحنه بالكثير من الدلالات، بحيث يصبح بهذا الشكل أو ذاك لصيقاً بالشخصية معبراً عن ملامحها... مهما كان وضعها الإجتماعي والثقافي (1993م، ص 85). كما نرى في الأمثلة التالية، أن الكاتبة لم تنقلها بالفصحى، بل تعمدت على نقلها بالعامية. نذكر بعضاً منها على سبيل المثال: ـ «تراهم يقولوا: "قص إصبع ولا تغير طبع"» (2021م، ص 130)؛ ـ «يقول المثل: "يوم ما يطيعك الزمن، طيعه"» (المصدر نفسه، ص 261)؛ ـ «فابتسمت مريم وقالت: "الحمد للّٰه، جرادة وبيتقاسموها سبعة"» (المصدر نفسه، ص 282)؛ ـ «فتمتمت ممتعضة: "الميت ميت والحي حي"» (المصدر نفسه، ص 345)؛ ـ «من تشبق ثوبه، فكه بالراض» (المصدر نفسه، ص 347). ربما لو نقلت الكاتبة هذه الأمثال بمعادلها الفصيح، فما أفادت القارئ، وما أخبرته عن التراث اللهجوي في عمان، كهذا المَثَل الذي جاءت به الكاتبة بالفصحى في الرواية: «حالنا صار مثل الذي علق ثوبه في شجرة من شوك، فإما أن يدمي إصبعه وإما أن يمزق ثوبه» (المصدر نفسه، ص 347). هل أفادنا بمعلومة عن اللهجة العمانية؟! ... والإجابة هي طبعاً لا كبيرة؛ لأنه مثل تتناقله الألسنة الفصيحة بكثرة، ربما نسمعه من شخص مصري الأصل، أو عراقي، أو من أهالي تونس ... إلخ؛ لذا فنحن في دراستنا هذه، نوافق الرأي الباحث الذي يقول: «... استخدام بعض الألفاظ العامية الدارجة تعطي عمقاً دلالياً وتسلك بالقارئ مسلكاً أيسر للفهم مما لو استخدمت مكانها كلمات فصيحة» (الخزندار، 2019م، ص 44). وعلى هذا الأساس، نرى أن الكاتبة نقلت مثلاً آخر باللهجة البلوشية الفارسية على الرغم من تداوله في اللغة الفصحى أكثر من البلوشية: «"الدنيا دو روتشي حليمة، مرتشي تيجي باندا وديجر يجي"، الدنيا يومان، كانت أمي زليخا تقول وهي تواسيني وتصبرني على حظي العاثر، يوم لك ويوم عليك» (2021م، ص 32). وأتبعته بمعادله الفصيح، وكأنها تريد التوضيح لنا عن معناه ومعادله؛ لأنها تعلم أن «المثَل الشعبي أقوى تأثير في العلاقات الاجتماعية، وألصق بحياة الناس، كونه لا يعالج قضية اجتماعية مرتبطة بظروف مرحلية معينة مثل القصة الشعبية، وإنما يركز على السلوك الإنساني في ظروف وحالات متغيرة، سواء كان السلوك فردياً أو جماعياً» (مصطفى وآخرون، 2021م، ص 425). وما هذه إلا حِيَل في طرق اكتساب اللهجات العامية التي ترمز لكيفية كسبها والإلمام بها، فلو نقلته بالفصحى، فما زادت فصيحتنا إلا فصحى، وليس إلا كأننا جالسين في مدرسة تعليم رسمية، ونحضر محاضرات تعلمية نكتسبها كما نكتسب الفصحى في المدارس؛ ولكن هذا النمط يعرفنا على اللهجة وما فيها من أمثال وأعراف، وينقل لنا بأن طريقة اكتساب العامية يحدث في مثل هكذا مدارس كمدارس الحياة. وعلى هذا القياس، نرى أحيانا تنقل لنا المصطلحات الرائجة في عمان، على طبيعتها العامية كما في هذا المثال: «بعد أن عيرته ما حليمة برفقته الدائمة لنورية، وأسمته "خوي البنات"» (2021م، ص 40). فمصطلح "خَوِيَ البَنات" هو ما يعبر عن قبول قوم لا تحبذ رفقة الولد مع البنات، حتى لا تؤثر كثرة هذه على رجولته، أو مصطلح "لا ساس ولا راس" في هذا المقبوس: «فتخرج الحكاية من فمها معجونة ومهروسة لا يعرف لها ساس ولا ساس» (المصدر نفسه، ص 430). وهو على كثرة استخدامه في اللهجة عندهم، فقد رونقه الفصيح، وربما لم يستخدم في الفصحى بذلك القدر الذي يتردد في العامية العمانية خاصة، وفي اللهجات الخليجية بشكل عام، أو تنقل مناداة الأسماء كما اعتاد أهالي عمان أن ينادوا بعضهم بالعامية، وهي كما تكون للتصغير أو التحبيب، غير أن في اللهجات الخليجية إضافة إلى غاية التصغير أو التحبيب، فقد ينادون بعضهم بتغيير شكل الاسم دون أية غاية، كما هو معتاد في الفصيح بغاية التصغير والتحبيب: «مَريوم تعالي، تعالي كِلِي» (المصدر نفسه، ص 115)، وهو يعني اسم "مريم"، «أنا بموت عيسوه» (المصدر نفسه، ص 59)، تقصد به اسم "عيسى"، و"خلوف" في «أما خلوف فرددت بصوتها الرفيع: "ما شي حيلة ... ماشي حيلة ...» (المصدر نفسه، ص 130)، تقصد منه اسم "خلائف"، و"فرشوه" في: «كانت فرشوه واقفة بملاسها الضخم» (المصدر نفسه، ص 207)، وتقصد منه اسم "فريشة" أو "فراشة"، أو كما ذكرنا في الأمثلة السابقة، نقلت الأهازيج والتهويدات بنفس اللغة العامية، وحتى أسماء الأكلات والحلويات العمانية الشعبية، مثل: "الخبيصة، السخانة، العصيدة، خبز الرخال، المرضوف، وحلوى الماهوة والغربية ..."، وأسماء الحارات والأماكن، ويسمون الرز بـ"العِيْشْ": «سأصنع من هريسها عصيدة» (المصدر نفسه، ص 79)؛ «علمتني كيف أصنع من الطحين عجيناً، وكيف أفرد العجين على حديدة ساخنة، فيصبح خبزاً رقيقاً بسُمك ورقة الشجر اليابسة، فيكون رخالاً، وكيف أعجنه بالتمر وأطويه على بعضه مرات وأقليه بالدهن فيصبح مرضوضاً» (المصدر نفسه، ص 126)؛ «فأنا لم أذق في حياتي كلها وفي كل بيتوتات مسقط خبيصة أو سخانة ألذ مما تصنعه بنت دلشاد» (المصدر نفسه، ص 214)؛ «يا اللّٰه أنا جيت من جوع، ما كليت العيش إلا هنا، وما شبعت إلا هنا، وما شفت حد يخاف يخلص العيش إلا هنا» (المصدر نفسه، ص 237). «عرفت نازيموية وكمبار وحارة الشمال وحارة الهنود والصاغة والنجارين والوشل وخور بمبة واللولوة والطويان وجيدان والعريانة وخب السمن ووادي خلفان» (المصدر نفسه، ص 346). وهذه كلها أسماء أماكن وحارات. كما نقلت اسم المستشفى الإرسالي بنفس المصطلح المتدوال في العامية "الميشن"، وهو مأخوذ من اللغة الإنجليزية (American Mission Hospital) بمعنى: مستشفى الإرسالية التبشيرية: «ـ زين فتحت عيونك، حسبتك ميت. ـ وين نِحِنْ؟ ـ نِحِنْ في الميشن» (المصدر نفسه، ص 80). وطبعا بعد ما تم الاستفسار عن الكاتبة بشرى خلفان عبر الاتصال بها عبر المواقع التواصلية، تأكدنا من أنه مصطلح تتداول في اللهجة عندهم. فهذا النقل يدل على تفنن الكاتبة بكيفية التواصل الحميم بينها وبين جمهورها دون الالتفات إلى شعبيته وصنفه، مبتعدة كل البعد عن التطرف، حتى تنقل ثقافة أهالي مسقط وأعرافهم بأمانة. وكما يقال: «الكاتب الناجح هو الذي يمسك زمام اللغة، ويعرف كيف يستعملها استعمالاً جيداً» (يارد، 1987م، ص 200). وما هي اللغة إلا «مجموعة من الألفاظ فقط، بل مجموعة من العلاقات المصاغة بألفاظ، إذن فالمهم في العمل الأدبي ليس الألفاظ بذاتها، بل الروابط التي تقام فيها» (الهواري، 1983م، ص 222). والكاتبة خلفان صنعت من روايتها جسرا امتد من بين أصابعها، إلى قلب قرائها، شاركتهم من خلال هذه الرواية تراث أهل مسقط وعالمهم وتأريخهم وثقافتهم وكل ما أثر على ذلك الشعب وتأثر منه. وكل هذا حصل بواسطة اللغة المرنة المحلية التي زادت على رونق الرواية وجمهوريتها. 4ـ3. المفردات[7] الاشتراك الموجود بين أغلب الكلمات الفصحية والعامية في اللغة العربية، غالباً ما يكون اشتراكاً جذرياً أو ربما شكلياً. فأحياناً تجد التراكيب تختلف في الشكل أو في الاستخدام، وأحيانا في المعنى، كما في مفردة "النوخذة" في هذا المقطع من الرواية: «بعد أن استوت السفينة في عرض البحر استدعاني النوخذة، وأمرني في أن أقوم على خدمة رجل أعمى» (2021م، ص 119)، وهي كلمة من أصل فارسي "ناخدا" وتم تعريبها لـ"ناخذاه" في الفصحى، وتُلفَظ في اللهجات الخليجية بـ"نوخِذَة" وتعني ربان السفينة ومالكها، كما جاء في معجم الوسيط: «الناخُذاه: مالك السفينة أو ربانها. ج: نواخِذَة» (مصطفى وآخرون، 2004م، ص 908). ربما تداولت هكذا مفردات في العربية الفصحى وأخذت منحى الرواج على كثرة استعمالها؛ ولكن تبقى مفردات تم تعريبها أو غيرت شكلها في اللهجات العربية، وأصبحت كأنها من أصل تلك اللغة. نأخذ مثال مفردة "الليوان" في هذا المقبوس: «لم يكن الليوان مسقوفاً» (2021م، ص 91). تأتي هذه الكلمة من مفردة "إيوان"، وهي تعني "القصر" أو "المكان المتسع"، كما جاءت في معجم الرائد: «الإيوان: إيوانات وأواوين. 1. القصر: إيوان كسرى، 2. المكان المتسع من البيت، له سقف وثلاثة حيطان، يجلس فيه كبار القوم عادة» (مسعود، 1992م، ص 158). والكاتبة بدلاً من أن تستخدم هذه الكلمة على شكلها الفصيح "الإيوان"، استخدمته على شكله المنطوق في اللهجة عند أهل عمان "الليوان". وهكذا نرى مفردة "استوى" في النموذج التالي: «حين طِلت واستويت رجلاً، وما عادت الخيمة تتسع لي ...» (2021م، ص 23 ـ 24). فمفردة "طِلت" فصحى؛ ولكن أكثر تداولاً عند أهالي الخليج في لهجتهم الدارجة، ويقصد بها "عندما كبرت و ازداد طولي"؛ وكذلك مفردة "استويت"، جاء في معجم اللغة العربية المعاصرة عن معنى هذه المفردة: «1. استوى فلان: اعتدل، استقام (أجبره على أن يستوي)، 2. تم شبابه: {ولما بلغ أشده واستوى أتيناه حكماً وعلماً}» (عمر، 2008م، ج2/ص1141). فنحن لا نرى مثلا في اللهجة العراقية أو اللهجات الشامية أو حتى اللهجة المصرية، يستخدمون هذا المصطلح في حديثهم، إلا عند الخليجيين، ويقصدون بها "صار ويصير"، فمثلا يقولون: "اسْتَوِيت رَجّالْ"، بمعنى صرت رجلاً بالغاً. وأيضاً هذا المثال: «امتدت يدي إلى الغشوة، أريد أن أرخيها على وجهي ...» (2021م، ص 405). فهي تعني قطعة من القماش الأسود الخفيف الذي ترتديه النساء في البلدان الخليجية مثل الكويت والبحرين وعمان والمملكة العربية للاستتار والتحجب به، كما تستخدم نساء الإمارات بالبرقع، ولها أسماء متعددة عندهم كالطرحة والنقاب والبوشية والقطوة. وجاء في معجم اللغة العربية المعاصرة: «غَشاوَة / غُشاوة / غِشاوة [مفرد]: غشاء: غطاء، «وعلى أبصارهم غشاوةª» (2008م، ج 2، ص 1621). فاستخدمت الكاتبة الاسم، كما هو مصطلح متداول بين أهالي عمان، وهو قلما نراه يتراوح على الألسنة في الحديث الفصيح أو في لهجات ساير البلدان العربية. وأيضاً المصطلحات المستعارة الأخرى كالألقاب التي رأيناها أثناء الرواية مثل: "ود السيح: الكناية عن اللقيط"، كما جاء في الرواية: «يسمونه "ود السيح"، وأحياناً "الغبن"، اللقيط ابن اللقيط الذي لا أصل له ولا نسب» (2021م، ص 38). والسيح اسم منسوب لمدينة "ميناء الفحل" في عمان، حيث كان اسمها قديما "السيح مالح". والدليل لهذه التسمية بسبب مجاورة المدينة لشواطئ الخليج الفارسي. جاء في معجم اللغة العربية المعاصرة عن معنى السيح: «سيح [مفرد]، ج: أسياح ... ماء جارٍ على وجه الأرض» (2008م، ج 2، ص 1146)، أو مثلا ينادون المرأة بـ"حُرمة"، مثل: «قالت كذا صرتي حريمة» (2021م، ص 94)، وألقاب أخرى نكتفي بالإشارة إليها نحو: "البيبي: بمعنى السيدة، وصاحبة الشأن"، "حبابيش: السيد، وصاحب الشأن"، "ما / با: ك "ما مويزي وما حليمة إلخ..."، ويقصد من هذا اللقب: الداية، أو المربية، أو الأم الكبيرة / وعن لقب با، نحو: با سنجور: الأب الكبير، أو الشيخ، وهي ربما ألقاب مأخوذة من البلوشية. وأيضاً عندما أرادت أن تعبر عن فصل الصيف في نص الرواية، استخدمت مفردة "القيظ"، وهي تعني الصيف في شديد حره؛ ولكن على الشكل المتداول في اللهجات الخليجية، وهم يسمون الصيف بـ"القيظ"، بغض النظر عن القصد لدرجة الحرارة، كما يسميه العراقيون والمصريون "صيفاً". وترى مثل هذا النموذج من الرواية في المقبوس التالي: «استيقظنا في يوم من أيام القيظ الشديد» (المصدر نفسه، ص 363)، أو: «كانت خيمة ما زليخا مصنوعة من سعف النخيل كباقي الخيام في تلك الحارة، بها فجوات كثيرة تملؤها بالطين اليابس، وكنا نكنُّ في داخلها إذا ما برد الهواء في مسقط، ونخرج إلى الدعن المنصوب أمامها إذا ما حمي القيظ» (المصدر نفسه، ص 20). وجاء عن معناها في جُل المعاجم، ومنه معجم الوسيط، بأن القيظ هو: «صميم الصيف. ج: أقياظ قيوظ» (مصطفى وآخرون، 2004م، ص 770). وبالنسبة إلى كيفية اللفظ، فتأتي في خصيصة التراكيب الصوتية، حيث إنهم يلفظون حرف القاف من القيظ بـ"گ"، ويقولون "گِیظ"، وهكذا في المثال التالي عن لفظ حرف "القاف" في العامية: «إنتِ رجعي للحارة اللي جيتي منها، يمكن تلقي أبوك ينتظرك» (2021م، ص 317). فكلمة "تِلْقي" بمعنى تجدي، وتلفظ "تِلْگِي". وأما عن المصطلحات الرائجة في العامية، فلها نفس استعمال الفصيح. فنرى مفردة "محشور ومحشورة" كما في هذا المقطع من الرواية: «محشورة في ذلك الجحر» (المصدر نفسه، ص 95). والمعنى في معجم اللغة المعاصرة العربية يأتي من: «انحشرَ في ينحشر، انحشاراً، فهو منحشر، والمفعول مُنحَشِرَ فيه. انحشر القومُ: ... جُمِعوا، اجتمعوا» (2008م، ج 1، ص 500). والمقصود بأن "مريم" الشخصية المعنية في الرواية، عندما ألقوا بها في مكان كالسجن توبيخاً لما فعلت، فقد تكورت حول بعضها واجتمعت على ركبتيها من شدة ضيق المكان. ها نحن نتفق بأن المصطلح فصيح؛ ولكن نرى استعماله عند أهالي الخليج بكثرة حاله كحال الأمثله التي ذكرناها حول المفردات السابقة؛ لأن الكاتبة أرادت أن تأتي في النص بهذا المصطلح وغيره من مثله، كما هو رائج ومستخدم في حديثهم وجار على ألسنتهم، حتى يشعر المتلقي بأن من يخاطبه، هو شخص قاطن بين تلك الأهالي، بل وهذه اللهجة هي نفسها التي يتحدث بها ويفكر ويكتب أحياناً إذا تطلب الأمر، أو ربما بسبب الكثرة في الاستعمال، فقد غلبت على تفكيره وتأثر قلمه من هذه المصطلحات دون غيرها أو البديل منها. ويقول صفوت علي صالح: «فمن الصعب إن لم يكن من المستحيل أن تكون هاتان اللغتان متكافئتين تماماً، وإنما سيظهر من حين لآخر درجة من التفضيل والإيثار لإحداهما حسب الموضوع والموقف» (2014م، ص 111 ـ 112). وهذا إذا لم تكن اللغة التي تحدثت بها خلفان، متعمدة علیها وباستخدامها على هذا النحو. 4ـ4. التراكيب الصوتية[8] في هذه الخصيصة، يتغير نطق الألفاظ صوتياً. فيكون التركيب الصوتي في العامية هو الأساس، حتى يمكننا إيجاد الاختلاف مع شكله الفصيح. يقول الفلاي: تحديد النطق بتبعية لأحد الأشكال دون الآخر يبدو غير ممكن؛ لكن من الممكن افتراض أن المتحدث في مجتمع ازدواجية اللغة يملك نظاماً صوتياً واحداً مع وجود خصائص لكل شكل من الأشكال اللغوية والتي عادة ما تتسبب في وجود تداخل أو تضارب بين استخدام الشكلين (1996م، ص 49). لذا كما يرى الفلاي بتبعية نظرية فرغيسون، يبدو الاستماع للفظ في أهمية بالغة من النظر إلى كتابته. في هذا القياس، إن نضع الفصحى، وهي الشكل اللغوي العالي ـ كما يصفه فرغيسون ـ بجانب، واللهجة العامية العماني أو الشكل اللغوي الأدنى، وبالتحديد في مسقط ـ كما ذكرت الكاتبة خلال أحداث النص ـ بجانب آخر، فعلينا أن نأتي بالشكل الملفوظ بجانب المكتوب منه. ولا شك ستصبح لدينا مجموعة هائلة من الأصوات التي غير موجودة في الفصحى، ونرى كيف يستخدم الفرد العربي كلا الشكلين أثناء حديثه وحين الكتابة. ويقول محمد يوسف نجم عن هذا النمط: «لا مانع من أن يستفيد الكاتب من الفصحى التي تقترب من الاستعمال العامي، وقد يطلق على هذه اللغة الفصحى المتوسطة» (1966م، ص 122)، باعتبارها من أصل فصيح، قريبة الفهم على العامية وعوام الناس. نأخذ مثالا من حرف "القاف" الذي يتغير نطقه في أغلب اللهجات إلى "گ"، كما آنفنا حول مفردة "القيظ"، وأحياناً إلى "جيم"؛ ومع هذا، يستعين الشخص بكتابته أثناء نقل المحادثات خطيا بأصله وهو "القاف"، كالنموذج التالي: «عساكر تصرخ: "وقِّف، وِين ساير، تعال» (2021م، ص 359). مفردة "وَقِّف" كتبت بحرف القاف؛ ولكن تلفظ عندهم بـ"گ: وَگِّفْ"، وهي تعني "قِف". ومثال آخر: «سمعت صوته يخرج بأنات كثيرة: "ما حليمة، ما أقْدَر أوْقَفْ، حِمليني"» (المصدر نفسه، ص 32). وتلفظ المفردتان هكذا: "ما أگْدَرْ أوگَفْ"، بمعنى: لا أستطيع أن أقِف. والمقبوس الذي ينقلب فيه حرف "القاف" إلى "الجيم"، وطبعا لم نشعر بهذا التغيير إلا عند الاستماع لتلك اللهجة، كهذا المثال من الرواية: «شِفتَك طايِح قِدام الخيمَة» (المصدر نفسه، ص 80)، كلمة "قدام"، وهي تعني "أمام"، وتلفظ "جِدّام". وغير هذا الحرف، هناك حرف آخر نأخذ مثال منه وهو حرف الكاف، حيث ينقلب لفظه أثناء الحديث بالعامية أحياناً إلى "چ"، ومع هذا نقلته الكاتبة بشكله الكتابي الفصيح. والسبب في هذا هو عدم وجود أشكال ظاهرية يُكتب بها الحرف المعني في الفصحى، حتى يكون مطابقاً مع كيفية تلفظه في الشكل العامي: «أما دلشاد فقال إنه عندما استيقظ وجدها مكفية على وجهها دون حراك» (المصدر نفسه، ص 16). على رغم فصاحة هذه الكلمة، إلا أنها قليلة الاستعمال في الفصحى في مواضع هكذا، وتستخدم بكثرة أثناء الحديث في اللهجة الخليجية، في عمان غيرها من دول الخليج، حيث يلفظونها هكذا: "مَچْفیَّة" وتعني "منقلبة أو منكبّة على وجهها". وأحيانا أخرى، نرى نفس الحرف "ك" يتغير لفظه في العامية في لهجتهم إلى لفظ "خ" في بعض المصطلحات، كهذا المثال: «الدختور يشوفك، أنت مريض دلشاد، يمكن يعطيك دوا» (المصدر نفسه، ص 80). "الدَختور" بمعنى "الدكتور أو الطبيب". وأيضا يتغير إلى حرف "ش" كهذا المثال: «أنا فاطمة، قالو إنِّشْ مِريضَة» (المصدر نفسه، ص 342). فـ"إنّشْ" تعني "إنَّكِ"، ويقصد الخطاب مع المؤنث، أو هذا المثال: «أمرتها فردوس أن تتقدم ... "سلّمي على حبابش"» (المصدر نفسه، ص 111). مصطلح "حَبابشْ" بمعنى سيدَكِ، فأبدلوا حرف الكاف فيه بـ"الشين"، وهو يستخدم حين تتم المخاطبة مع المؤنث. وهناك كلمات ومصطلحات تغير لفظها أثناء المحادثات العامية مثل: سِمَعتوا: «أنا حسن لبن، إسمي حسن لبن ... اسمي حسن لبن ... سِمَعتوا حسن لبن» (المصدر نفسه، ص 393)، وهي لم تشعر بتغييرها إلا عند الاستماع، فترى ذلك التغير الذي يأتي في أمكنة الحركات، كهذا المثال "سِمَعتوا"، ولا يستطيع أحداً تمييزها، إلا إذا كان ملماً باللهجات. وفي هذا المثال: «السوق والفلوس في مطرح والحكومة والقناصلة في مسقط، والواحد لازم يكون لَه رجل هِنا ورجل هِناك» (المصدر نفسه، ص 405). نرى العامية لم تغير في أمكنة الحركات فقط كما في: "الفْلوسْ، لَهْ، وهِنا، وهِناك"، بل تغيرت بعض الكلمات بدلاً مما يعادلها أو يرادفها في الفصحى: مثل كلمة "لازِم: لا بد". وأما عن مفردة "السوق"، فهي يتغير لفظ حرف القاف فيها كذلك إلى "گ: السوگ"، كما ذكرنا النماذج المشابهة سابقاً. وننظر لهذا المقطع أيضاً: «"إن كِنتِ بنت زينة، بتكوني خادِمْتي، وبتْنامي معاي هِنا، وبتخْدميني، من غير ضِحْك ومن غير هَذْرَة"، قلت: "هِي واللّٰه"، كما علّمتني ما مويزي، وطأطأت رأسي، وهززته موافقة» (المصدر نفسه، ص 97). ومصطلح "هِيْ واللّٰه" بمعنى نعم. يُلفظ هذا المقطع بنفس الشكل الذي أضفنا إليه من حركات في العامية العمانية. ونأتي بمثال كلمة "هذرة"، فإنها تُلفظ في الفُصحى هكذا: «هذر الشخص: هذي، خلط، تكلم بما لا ينبغي "سكت عشراً ونطق هذراً" ... هُذرة [مفرد]: صيغة مبالغة من هَذِرَ: "رجل هُذرَة"» (عمر، 2008م، ج 3، ص 2339). نرى أن حرف "هـ" مضموم؛ ولكنه في العامية مفتوح. وهذه النوعية من اللغة ليست إلا «وسيلة نقل المشهد من خَلَد المتحدث والكاتب والشاعر إلى المتلقي، مستخدمة لهذا الغرض كافة إمكاناتها المادية والمعنوية، حتى تتضمن قدراً معتبراً من الصدق والأمانة» (موسى، 2004م، ص 4)، وهي تنم عن تأثير الازدواجية في المجتمع، وانتقاله إلى عالم الروايات والأدب، حيث يتفنن في نقله الكاتب أثناء عمله.
الخاتمة اللازدواجية اللغوية التي تحدث عنها شارل فرغيسون بأنها تحصل عند الفرد في المجتمع الواحد ما بين لغته العامية ولغته الفصحى، قد تحصل عند الأفراد الذين يخلقهم الكاتب في مجتمع روايته؛ فمنهم من يمتلك شخصية لا تعرف القراءة ولا الكتابة، ومنهم من يكون عالما ومتحدثا فيلسوفا وخطيبا إلخ. فكما يقسم فرغيسون الازدواجية اللغوية في عالم الواقع، قمنا بتقسيمها بلغة الرواية وعالجنا بأهم وأقرب الخصائص التي يمكن أن تدخل في عالم الرواية، منها الوظيفة، الاكتساب، المفردات، والتراكيب الصوتية. وكانت النتيجة هي العلاقات المترابطة ما بين هذه الخصائص أثناء الحوارات واستخدام الجمل والمفاهيم والمصطلحات والمفردات العامية، جذرياً في بعض الأحيان، وتارة أخرى تتفرد في الاستعمال لا علاقة من اللغة الفصيحة. تتمسك خصيصة الوظيفة بزمام التوظيف اللغوي للشخصيات، وكأنها تحدد لكل واحدة منها نبرتها واختيار لهجتها أثناء التعاملات، حتى تعرف أنها ستختار العامية، إذا طلب منها تحاور نظيرتها، أو تستمر بالفصحى عندما كانت تسرد الأحداث، وكأنها الراوي المتحكم. وأما عن خصيصة الاكتساب، فهي تحدد في الرواية بأن العامية كما وصفها فرغيسون مكتسبة من خلال التعامل والنشوء والممارسة، وهي تختلف عن الفصحى التي بينت الكاتبة ذلك أثناء الخطابات الرسمية والرسائل التي تتحول فيها نبرة الشخصيات من العامية الحوارية إلى البث الرسمي الفصيح. وفي الخصيصتين الأخيرتين (المفردات والتراكيب الصوتية)، كانت تشابهات وثيقة، إلا أن في قسم المفردات تتعالج التشابهات بين اللغتين العامية والفصحى بأنها هل كانت تشابهات جذرية أم تشابهات ظاهرية. وخصيصة التراكيب الصوتية تشرح هذه التشابهات بأنها كيف تحولت فيها الحروف من شكلها الفصيح وانتقلت إلى التلفظ العامي. فكل هذا الحديث ليس إلا رأينا فيه مقصد الكاتبة أن تفتح مجال التقرب من قرائها حتى تنقل لهم ما تنوي إليه بمرونة أكثر، وإلى جمهور أكبر لا تختص فيه طبقته العلمية وثقافته الاجتماعية.
[1] .Charles Ferguson [2]. William Marcy | ||
مراجع | ||
ابن منظور، محمد بن مکرم. (1990م). لسان العرب. بيروت: دار صادر. أحمد، عبد الإله. (1993م). في الأدب القصصي ونقده. بغداد: دار الشؤون الثقافية العامية. بشر، كمال. (1997م). علم اللغة الاجتماعي. ط 3. القاهرة: دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع. بن أم هاني، صابرينة؛ ووفاء كحيل. (2017م). الازدواجية والثنائية اللغوية في الجامعة الجزائرية، جامعة الوادي أنموذجا. رسالة ماجستير. جامعة الشهيد حمة لخضر ـ الوادي. كلية الآداب واللغات. قسم اللغة العربية وآدابها. الجزائر. الحاج، كمال يوسف. (1978م). في فلسفة اللغة. ط 2. بیروت: دار النهار للنشر. الخزندار، ياسر عطية شعبان. (2019م). جماليات اللغة السردية في ثلاثية ستائر العتمة لوليد الهودلي. رسالة ماجستير. الجامعة الإسلامية بغزة. كلية الآداب. خلفان، بشرى. (2021م). دلشاد: سيرة الجوع والشبع. ط 3. الکویت: تكوين ـ مرايا. الخولي، محمد علي. (1988م). الحياة من لغتين، الثنائية اللغوية. الریاض: مطابع الفرزدق التجارية. رشاد، رشدي. (1964م). فن القصة القصيرة. ط 2. القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية. زروق، السعدية. (2021م). «الازدواجية اللغوية والثنائية اللغوية والتداخل اللغوي وعلاقتهما ببعض المهارات المعرفية». مجلة العلوم القانونية والاجتماعية. ج 6. ع 3. ص 269 ـ 294. الزغول، محمد راجي. (1980م). «ازدواجية اللغة نظرة في حاضر اللغة العربية وتطلع نحو مستقبلها في ضوء الدراسات اللغوية». مجلة المورد. س 3. ع 9. ص 17 ـ 33. صالح، صفوت علي. (2014م). محاضرات في علم اللغة العام Linguistics 2014. جامعة القاهرة. كلية دار العلوم. مقرر قسم اللغة واللغات السامية والشرقية. صياح، أنطوان. (1995م). دراسات في اللغة العربية الفصحى وطرائق تعليمها. بيروت: دار الفكر اللبناني. الطاهر، محمد بن حاج. (2022). الازدواجية وأثرها على تعليمية اللغة العربية، المرحلة الثانوية أنموذجا. أطروحة دكتوراه. جامعة حسيبة بن بو علي الشلف. كلية الآداب والفنون. قسم اللغة العربية. عمارة، فوزية طيب. (2018م). «الازدواجية اللغوية في اللغة العربية». مجلة أقلام الهند. س 3. ع 3. ص 1 ـ 7. عمر، مختار. (2008م). معجم اللغة العربية المعاصرة. القاهرة: عالم الكتب. فريحة، أنيس. (د.ت). نحو عربية ميسرة. بیروت: دار الثقافة. الفلاي، إبراهيم صالح. (1996م). ازدواجية اللغة: النظرية والتطبيق. الریاض: فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر. قمومية، سعاد؛ وهاجر حاج الشريف. (2021م). «اشكالية الازدواجية اللغوية وكيفية ارتقاء اللغة العربية بالمجلس الأعلى في الجزائر: إشكالات وحلول». مجلة جسور المعرفة ـ الجزائر. ج 7. ع 4. ص 44 ـ 56. قوفي، كوثر. (د.ت). «اللغة بين الإزدواجية اللغوية والثنائية اللغوية والإفتراض اللغوي». مجلة دراسات لسانية. ع 5، ص 72 ـ 85. كالفي، لويس جان. (2008). حرب اللغات والسياسات اللغوية. ترجمة: حسن حمزة. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية. كايد محمود، إبراهيم. (2002م). «العربية الفصحى بين الازدواجية اللغوية والثنائية اللغوية». المجلة العلمية لجامعة الملك فيصل. ج 3. ع 1. ص 53 ـ 108. مرتاض، عبد الملك. (1998م). في نظرية الرواية: بحث في تقنيات السرد. الکویت: عالم المعرفة. مسعود، جبران. (1992م). الرائد: معجم لغوي عصري، رتبت مفرداته وفقا لحروفها الأولى. ط 7. بیروت: دار العلم للملايين. المصري، عباس؛ وعماد أبو الحسن. (2014م). «الازدواجية اللغوية في اللغة العربية». مجلة المجتمع. ع 8. ص 37 ـ 76. مصطفى، إبراهيم؛ أحمد حسن الزيات، وحامد عبد القادر، ومحمد علي النجار. (2004م). معجم الوسيط. ط 4. القاهرة: مكتبة الشروق الدولية. مجمع اللغة العربية. مصطفى، مونسي؛ وبغداد عبد الرحمن. (2021م). «توظيف العامية في الرواية الجزائرية. ممكلة الزيوان للصديق حاج أحمد أنموذجا». مجلة جسور المعرفة. ج 7. ع 2. ص 419 ـ 428. موسى، حبيب. (2004م). شعرية المشهد في الإبداع الأدبي. الجزيرة: دار ميم للنشر. نجم، محمد يوسف. (1966م). فن القصة. ط 5. بیروت: دار الثقافة. الهواري، أحمد إبراهيم. (1983م). نقد الرواية في الأدب العربي الحديث في مصر. القاهرة: دار المعارف. يارد، جورج. (1987م). نجيب محفوظ والقصة القصيرة. عمان: دار الشرق للنشر والتوزيع.
ب. الفارسية صيادىنژاد، روحاللّٰه؛ علی نجفی ايوكی، و مرجان ژیانپور. (2017م). «بررسی و تحلیل پدیده دوزبانگی در شعر معاصر عربی: مطالعه مورد پژوهانه: دیوان "شوقیات" احمد شوقی». پژوهشهای زبانشناختی در زبانهای خارجی. ش 2. ص 249 ـ 275. | ||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 758 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 477 |