تعداد نشریات | 43 |
تعداد شمارهها | 1,673 |
تعداد مقالات | 13,654 |
تعداد مشاهده مقاله | 31,575,818 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 12,474,071 |
صدی الشفرات الخمس لرولان بارت في خطاب روایة الجازیة والدراویش، لعبد الحمید بن هدوقة | ||
بحوث في اللغة العربية | ||
مقاله 4، دوره 15، شماره 29، دی 2023، صفحه 37-50 اصل مقاله (881.44 K) | ||
نوع مقاله: المقالة البحثیة | ||
شناسه دیجیتال (DOI): 10.22108/rall.2022.130438.1388 | ||
نویسندگان | ||
فاطمه قادري* 1؛ حمیدة مروتی2 | ||
1أستاذة مشاركة في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة يزد، يزد، إيران | ||
2طالبة الدكتوراه في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة يزد، يزد، إيران | ||
چکیده | ||
يعتبر بعض الباحثین روایة الجازیة والدراویش کنزا تراثیا وفنیا طوت في ثنایاها الکثیر من الرموز والدلالات. تتحدث الروایة عن حقبتین في المجتمع الجزائري: الحقبة الاستعماریة ومرحلة ما بعد الاستقلال، وتسعی إلی الحدیث عن الماضي والحاضر والتطلع إلی المستقبل بین مختلف الأحزاب داخل بنیة هذا المجتمع. قام رولان بارت بالتحلیل النصي في قصة سارازین لبلزاك، باحثا عن مجموعة من الشفرات، منها: شفرات الحدث أو الأفعال، والشفرات التفسیریة أو التأویلية، والشفرات الضمنیة أو الدلالية، والشفرات الرمزیة، والشفرات الثقافیة أو الحضاریة أو الإحالیة. من هذا المنطلق، يهدف هذا البحث إلی تحلیل روایة الجازیة والدراویش لعبد الحمید بن هدوقة، وفق نظریة بارت، ومن خلال المنهج الوصفي ـ التحلیلي والکیفي، وباختیار نماذج من الروایة؛ لیدرس صدی الدلالات الثقافیة في الروایة الجزائریة المعاصرة، وفق الشفرات الخمس لرولان بارت والکشف عن أحداث الروایة وألغازها ودلالاتها الضمنیة والصریحة وإشاراتها الثقافیة. تظهر نتائج الدراسة أن الروایة لها شفرات متشابکة، بعضها تتجلی في عملیة تکوین الروایة، وبعضها تتمثل في المعاني الضمنیة في خطاب الروایة وتناقضاتها الثنائیة وإحالاتها الثقافیة. ونظرا للأجواء السیاسیة السائدة علی المجتمع الجزائري والتیارات المتصارعة التي ترید الحکم علیه، فإن الشفرة الضمنیة فالرمزیة ثم الثقافیة تحتل حیزا کبیرا من الروایة لتدل علیها. | ||
کلیدواژهها | ||
رولان بارت؛ الشفرات الخمس؛ عبد الحمید بن هدوقة؛ روایة الجازیة والدراویش | ||
اصل مقاله | ||
للأدب قیمة غالیة وبذلك ینبغي للأدیب المبدع أن یعي واجبه نحو الجمهور و«ینقّب في أمراض مجتمعه باحثاً عن علاج لها، مسلطا أضواء قلمه علی ما یعانیه هذا المجتمع من متاعب یلفت إلیها انتباه الناس، لیتدارکها المجتمع قبل أن یستفحل علاجها، أو یصعب التخلّص منها» (المصري والبرازي، 2002م، ص 16). فللنص والأدب قوة «في تشکیل طلیعة ثقافیة تسعی إلی تغییر المجتمع» (شنیني، 2012م، ص 102). فعلی الناقد الأدبي الترکیز علی اللغة لإعادة خلقها وتحریر قوتها الفاعلة. وکما استعمل الأدبُ اللغة أداة للتعبیر عن فنون الحیاة المختلفة، فاللسانیات ومنها السیمیائیة، تعتمد اللغةَ مجالاً للدراسة، وهذا یسبّب التقاءهما من حیث الموضوع والهدف وتقویة الارتباط بینهما (رابح، د.ت، ص 1). الشفرات من المفاهیم الأساسیة في السیمیائیة، فهي توفر إطاراً تجد معنی في تلك العلامات؛ وکل ما لم یکن في نطاق الشفرات، لیس بعلامة (تشاندر، 2017م، ص 45). إن السیمیائیة تبحث عن عوامل إنتاج المعنی وحصوله عَبر أنظمة الإشارات (مسعودی، د.ت، ص 50). وهذه الإشارات ـ بناء علی علاقتها بالسیاق ـ تکون ذات معنی؛ ولذا في السیمیائیة یخلق الباحث المعنی، مستعیناً بفکره ووعیه (شعیری، 1388ﻫ.ش، ص 48 و50). اتفق نقاد الغرب «علی أن السیمیائیات هي ذلك العلم الذي یعني بدراسة العلامات» (رنیمة ومسعودي، 2015م، ص 55)، کاللغات، والرموز، والإشارات وغیرها. بدأت السیمیائیة في الغرب «کعلم علی ید بیرس[1] الذي أخذ یدرس الرموز ودلالتها وعلاقتها في جمیع الأشیاء والموضوعات الطبیعیة والإنسانیة» (گیرو، 1380ﻫ.ش، ص 13؛ رنیمة ومسعودي، 2015م، ص 55)؛ ولکن بشّر بمولدها فردیناند دوسوسیر[2] في کتابه دروس في اللغویات العامة[3]، ثمّ تطورت السیمیائیة عبر الزمن ونشأت عنها مناهج جدیدة، منها منهج رولان بارت[4] الذي یکون من روّاد البنیویة في المجالات النقدیة والسیمیائیة وغیرها. فالسیمیائیة، وإن کان بیرس ودوسوسیر منظّرين أوّلين لها، وإن کان للآخرین دور في بسطها، إلا أن الانتقال من السیمیائیة إلی الدراسات الثقافیة متأثّر برولان بارت، المنظر الفرنسي؛ ولهذا الانتقال دور هام في ظهور نظرة جدیدة في الظواهر الاجتماعیة والثقافیة؛ وهذا لدی بارت بدأ مع محاضراته التي ألقاها في (1968 و1969م) عن قصة سارازین[5] لبلزاك ونشرها في کتابه S/Z (1970م)، والذي له دور کبیر في تاریخ تحلیل النص عالمیا (بارت، 2016م، ص 15 - 21). یقترح بارت في کتابه هذا كمنهج اشتهر بالشفرات الخمس التي استنبطها من النص ومن خلال تشریحه لهذه القصة. من بین هذه الشفرات، شفرتا الأحداث والتفسیریة تختصّان بالکاتب ویسعی بهما القارئ أن يکشف هدف الکاتب؛ ولکن الشفرات الثلاث الأخری فیها دور أساسي للقارئ، فهو الذي یخلق المعنی. فهناك في رأي بارت نصّان موجودان: النص القابل للکتابة، وهو الذي یجعل القارئ منتجاً للمعنی، والنص القابل للقراءة، وهو الذي لا یضیف إلی القارئ شیئاً ولیس لهذا النص قیمة (بقاح، 2015م، ص 200). إن بارت في دراسته السیمیائیة لقصة سارازین لبلزاك في کتابه s/z وشفراته الخمس التي طرحها فيه، درس تناص النص وسیاقه الثقافي (صافي بیر لوجه، 1395ﻫ.ش، ص 191)، فضلا عن تحلیل النص لغةً لغةً. ومن میزات نظریة بارت اهتمامه بالشفرات الثقافیة والإیدیولوجیة. بما أن روایة الجازیة والدراویش روایة ثقافیة، تراثیة وفنیة تحتوي على الکثیر من الرموز والإشارات، فاخترنا الشفرات والرموز موضوعا للدراسة في هذه الرواية التي عبرت عن الوضع الثقافي والاجتماعي والسیاسي في الجزائر بلغة رمزیة. فهذا البحث یسعی أن یکشف شفرات هذه الروایة بناء علی منهج بارت في کتابه s/z باحثاً عن مفاهیمه الخفیة والعمیقة للإجابة عن السؤالین التالیین: ـ ما أبرز الشفرات التي تکوّنت منها روایة الجازیة والدراویش، وفق نظریة بارت؟ ـ کیف تجلّت شفرات بارت الخمس في مضمون روایة الجازیة والدراویش؟ 1ـ1. منهج البحث ینتهج هذا البحث المنهج الوصفي ـ التحلیلي والکیفي الذي یقوم علی التفسیر والنقد؛ فیترصَّد شفرات بارت الخمس في خطاب روایة الجازیة والدراویش، ثم یقوم بتحلیل هذه الشفرات وتفسیرها، وفقا لنظریة رولان بارت، لإلقاء الضوء علی الروایة من خلال دراسة سیمیائیة تحلیلیة، لیکشف عن الدلالات الصریحة والضمنیة في هذه الروایة وتحلیلها وفق هذه النظریة. 1ـ2. خلفیة البحث یبدو من خلال المصادر أن موضوع هذا البحث لم یخضع للدراسة من قبل، وإن أجریت فیما یتعلق بخلفیة البحث – السیمیائیة والشفرات الخمس عند بارت ـ دراسات عدیدة کما توجد مدوّنات ومقالات شتّی اهتمت بدراسة روایة الجازیة والدراویش من نواحٍ متعددة، أقربها إلی هذا البحث ما يلي: دراسة سیمیائیة الشخصیة في روایة الجازیة والدراویش لعبد الحمید بن هدوقة أنموذجا، (2017م)، کتبتها باشوش أمال ودبال لامیة لنیل شهادة اللیسانس، حیث درستا الروایة من ناحیة مفهوم الشخصیة عند فلیب هامون وحاولتا دراسة الأبعاد المادیة والنفسیة والاجتماعیة لبعض الشخصیات الرئیسة والثانویة، طبقاً لنظریة هامون. ورسالة ماجستیر لصفیة دغفل ومحادي أمینة باسم سیمیائیة العنونة عند عبد الحمید بن هدوقة (2020م)، قد تطرقت الباحثتان إلی البنیة الترکیبیة والدلالیة في عناوین روایات بن هدوقة، ومنها روایة الجازیة والدراویش، ثمّ أنواع العناوین في روایاته. ومن الدراسات التي تمت فیها معالجة هذه الروایة، مقالة بعنوان البعد الثقافي لرمزیة الطرح وحقیقة الصراع عند عبد الحمید بن هدوقة في روایات ریح الجنوب / الجازیة والدراویش / غدا یوم جدید، کتبها عیسی بریهمات وسعدیة بن یحیی (2017م)؛ وقد تناولت المقالة الأبعاد الثقافیة في هذه الروایات من خلال رمزیة الطرح، فاختارت ثلاث شخصیات وفیها شخصیة الجازیة، ثم درست رمزیة الاسم لکل منها. مهما يكن من أمر فلم یحصل الباحثان علی دراسة لها صلة مباشرة بالبحث الراهن، فدراسة صدی الشفرات الخمس لبارت في خطاب هذه الروایة لاتزال غیر مدروسة من قبل الباحثین الآخرين.
عبد الحمید بن هدوقة (1925-1996م)، کاتب ومبدع جزائري لقّب بمؤسس أول روایة فنیة ـ ریح الجنوب ـ بالعربیة في الجزائر. له کثیر من المؤلفات، منها: روایاته تحت عنوان ریح الجنوب (1971م)، ونهایة الأمس (1975م)، وبان الصبح (1980م)، والجازیة والدراویش (1983) وغدا یوم جدید (1992م). وأما روایة الجازیة والدراویش فقصة فتاة جمیلة في إحدی قری الجزائر الجبلیة، اسمها "الجازیة"، وأبوها شهید قتل في حرب التحریر وأمّها ماتت أثناء الوضع. لهذه الفتاة الجمیلة التي حسنها كان قد ملأ الدنیا، خطّاب کثیرون. فمن خطّابها "الطیّب"، وهو فتی قروي مثقّف ومسلم اتهم بالقتل وسُجن؛ و"ابن الشامبیط" الذي یقرأ في أمریکا وابن شرطة القریة ورجل الحکومة فیها، و"الأحمر" الطالب المتطوّع الذي جاء إلی القریة لانتقال السکّان منها إلی قریة أخری في سفح الجبل، وخاطبها الآخر "عاید" ابن المهاجر الجزائري وشابّ مثقّف. فيحب کلّ الرعاة والدراویش هذا الابنة؛ لکنّهم یخشون التعبیر عن هذا الحب. فأحداث الروایة تتمحور حول تنافس هذه الخطّاب للحصول علی الجازیة، فقُتِل "الأحمر" أثناء هذا، ورجع "ابن الشامبیط" بعد سقوط أبیه في الهاویة إلی أمریکا، وعدل "عاید" عنها؛ لأنّها في رأیه حلم لا تتحقق له، وأخیراً، قبلت الجازیة "الطیّب" الذي طیّبه السجن للزواج.
إن رولان بارت أحد أعلام النقد الذي یقوم بتحلیل قصة سارازین لبلزاك في کتابه S/Z بناءً علی الجمل. والجملة عنده تعني العبارة أو التعبیر اللغوي ذا الوظیفة المتمایزة، و«یتم تفسیر هذه الجمل بناءً علی توجهات خمس شفرات استنبطها بارت من النص، وهي ما یوجه حرکة تلك الجمل وینظم دلالاتها الضمنیة المتعددة» (الغذامي، 1998م، ص 67). إنه یقترح خمس شفرات لخلق المعنی، ویعتقد أنها متساویة القیمة، ولیس لها تسلسل هرمي في النص (کودون، 2013م، ص 132). هذه الشفرات الخمس هي: شفرات الحدث أو الأفعال[6]، والشفرات التفسیریة أو التأویلية[7]، والشفرات الضمنیة أو الدلالية[8]، والشفرات الرمزیة[9]، والشفرات الثقافیة أو الحضاریة أو الإحالیة[10]. فیما یلي، سنقوم بدراسة هذه الشفرات في خطاب روایة الجازیة والدراویش. 3ـ1. شفرات الأحداث أو الأفعال إن بارت رمز لهذه الشفرة بـ«ACT»، وهي صوت التجربة والحالات العملیة، تعکس تجارب مختلفة ومتعددة في النص و«تدرس جمیع ما یرصده النص من متوالیات لفظیة لمجموع هیکله الأحدوثي: بمعنی کل ما ینبني علیه المحکي من أفعال وسلوکات وأحداث، وخاصتها التظاهر بالترابط المنطقي والتتابع السلیم» (بارت، 2016م، ص 25). فهذا الرمز یرتبط بتسلسل الحوادث، مما یتم تسجیله أثناء قراءة الروایة أو جمع المعلومات التي تقدمها لنا الروایة ویُسمی باسم ما. فأحداث روایة الجازیة والدراویش هي: 1ـ دخول الطیّب في السجن ومرور ذکریاته التي من خلالها یدرك القارئ أنّ هناك قتل قد وقع وقُتل الأحمر الطالب المتطوّع بالسقوط في الهاویة، مما أدی إلی سجن الطیّب؛ کما یطلع علی شخصیات الروایة والحوادث التي وقعت في القریة، والقریة التي تجري أحداث الروایة فیها ویتعرّف أثناءها على الجازیة والأحمر والشامبیط والأخضر وخطبة الطیّب للجازیة وسعي الأحمرِ لوصال الجازیة وتقدّم الشامبیط لخطبتها لابنه؛ 2ـ عودة عاید إلی الدشرة ومواجهته لحوادثها واطلاعه علی أخبارها الماضیة؛ فمن هنا یواجه المتلقي أحداث القریة من وجه آخر، ففي هذه الوحدة، یتمّ تکمیل معلومات المخاطب ویفهم کلّ شيء أثناء أفکار الطیّب السجین، بجزئیاته وتفاصیله وظهر له بعض الأشیاء التي کان مبهماً له؛ 3ـ حوار عاید مع الراعي والأخضر والحجیلة والدرویش؛ فأثناء هذه المحاورات، یکشف سبب قتل الأحمر وسجن الطیّب؛ 4ـ الشامبیط یخطب الجازیة لابنها بعد أن یُسجن الطیّب وإن کان قد خطب الطیّبُ الجازیة قبل دخولها السجنَ؛ لکن بعد دخوله في السجن یستغل الشامبیط الفرصة، فیخطبُها لابنه ویعلن الخطبة رسمیا؛ 5ـ قتلُ الشامبیط أو موته بالسقوط في الهاویة وقد وقع هذا القتل بعد إصرار الشامبیط لخطبة الجازیة وزواجها مع ابنه وحین استعدّ الشامبیط لإعلان هذه الخطبة رسمیاً؛ 6ـ براءة الطیب الفتی المسلم الجزائری وانکشاف هویة الجازیة وأنها هي الجزائر التي لا تخضع للسلطة الأجنبیة بعد تحریره من الاستعمار، بل تخضع للجزائري المسلم الذي یرید الغد المزدهر لها. 3ـ2. الشفرات التفسیریة أو التأویلية رمز بارت لهذه الشفرة بـ«HER». ویرتبط هذا الرمز بألغاز النص، مما دوره طرح الأسئلة والإجابة عنها بأشکال مختلفة (بارت، 1974م، ص 17). فهذا صوت جلاء الحقیقة آجلاً أم عاجلاً ویشمل «مجموعة الوحدات التي یطرح من خلالها لغزاً ما وتثیر حوله اتجاهات من الشکوك لمعرفة طبیعته أو نوعه أو تحدیده ثم تصل إلی الکشف عن هذا اللغز سواء أکان ذلك بإعلانه مباشرة أو بتأخیر ذلك إلی وقت لاحق» (برکات، 2002م، ص 71). فالقصد من هذا الرمز ـ کما سبق ـ أن نتناول ألغاز النص، والألغاز موجودة في کل روایة. فنظراً إلی عنوان الرواية، فیتشکّل لغز في الذهن؛ لأن العنوان هو المفتاح الأوّل لتحریض القارئ، «فهو أوّل ما یشد انتباهه، فالبحث في العنوان هو البحث في صمیم النص؛ لأنّه یوحي بما سیأتي» (بقاح، 2015م، ص 198). فیسأل القارئ أنّ الجازیة من هي؟ والدراویش من هم؟ ولماذا عُطف اسم الجازیة علی الدراویش؟ ولماذا جاء اسم الجازیة أولاً ثم اسم الدراویش؟ فالعنوان مفتاح الولوج إلی الروایة وذکر الجازیة فیها «أولاً یعطیه حضوراً قویاً في ذهن المتلقي مقابل الدراویش ثانياً» (صفية ومحادي، 2020م، ص 54). فهذا الحضور یوحي بأن الجازیة هي الشخصیة الرئیسة والمحوریة في الروایة. أمّا مجاورة هذا الاسم بالدراویش في العنوان فتکشف عن الصراع في الروایة، کما تکشف عن الثنائیة فیها (المصدر نفسه، ص 54)؛ ولکن من هذه الجازیة التي هي الشخصیة الرئیسة؟ لقد جاء في الروایة أنّها فتاة جمیلة، «وذات عشیة، شاهد السکان فتاة عائدة من العین مع النساء، حسنها یملأ الدنیا! / عرفوها: أنها الجازیة ابنة الشهید!» (بن هدوقة، 1991م، ص 23). ولکن ما انکشف هذا اللغز حتی یواجه القارئ ما یبرز لغزاً آخر حول الجازیة، وذلك أن الجازیة أصبحت الأسطورة و«الجازیة أخرجت الدشرة من سبات القرون. أعطتها حیاة حافلة بدل حیاتها المیتة» (المصدر نفسه، ص 24). لماذا هذه الفتاة أصبحت أسطورة؟ وکیف أعطت الدشرة الحیاة؟ فیبقی اللغز حول الجازیة، وإن یتخیّل انکشف، لا ینکشف تماماً حتی نهایة الروایة وبعد ألغاز فرعیة کثیرة؛ فإلی جانب هذا اللغز الرئیس، یری القارئ ألغازا فرعیّة في الروایة ینکشف له شیئاً فشیئاً، وأخیراً ینکشف ربطه باللغز الأصلي في نهایة الروایة. فإذا نظر القارئ إلی الروایة، وهو في بدایتها یری هذه الجمل في بدایة الروایة: «قبل میلاد الزمن: / قبل میلاد الزمن کان الجبل / وکانت العین / وکان الصفصاف / ومع میلاد الزمن / ولدت الجازیة / والدراویش / و«السبعة» / والرعاة / والشامبیط. / وهکذا بدأت القصة ...» (المصدر نفسه، ص 5). ثم یری القارئ أن الکاتب قسم الروایة إلی ثمانیة أقسام وسمی هذه الأقسام علی التوالي بالزمن الأول والزمن الثاني، وإن بدا في البدء انکشف اللغز الذي توجده ثنائیة قبل میلاد الزمن ومع میلاد الزمن؛ وتلك الثنائیة دلیلٌ علی تقسیم الفصول، وبهذا التقسیم یظهر لغزٌ آخر، وهو لماذا تتشکّل الروایة من الزمنین: الزمن الأول والزمن الثاني؟ فیری القارئ نفسه أمام ثنائیات، ثناییة الجازیه والدراویش وثنائیة قبل میلاد الزمن ومع میلاد الزمن وثنائیة تقسیم الروایة الی الزمنین بدل الفصول. وهذه الثنائیات تجعله حریصاً علی کشف حقیقتها وفهم معانیها. فثنائیة الزمن تدل علی ثنائیة الماضی والمستقبل، وان انکشف هذا اللغز في أثناء الروایة مجملاً؛ لکن یصبح واضحاً حینما نواجه مجادلة الأحمر والطیّب حول الرحیل من الدشرة وإصرار الطیّب علی أنّ الدشرة تمثّل ماضي السکّان: «إنها تمثّل ماضیهم وماضي أجدادهم ... هم في حاجة إلی الماضي وإلی المستقبل بنفس الضرورة ونفس المرارة ...» (المصدر نفسه، ص 121). وکما یتمّ تکمیل الروایة بالجمع بین الزمنین الأول والثاني، کذلك یحتاج الناس إلی کِلا الزمنین الماضي والمستقبل. أما اللغز الآخر فهو دخول الطیّب، إحدی شخصیات الروایة، في السجن، الذي یشیر إلی أن هناك حدثٌ یستحقّه للسجن؟ فیطرح لغزٌ آخر، وهو لماذا سُجنَ الطیّب؟ یری الطیّب أنّه برئ (المصدر نفسه، ص 8 و115)، ویری الآخرون أنّه قاتل (المصدر نفسه، ص 32 و33 و89 و110 و155). هذا یزید من حیرة القارئ، الطیب السجین قاتل أو برئ؟ وکلّما تقدّمت الروایة ازدادت هذه الحیرة. ولا ینکشف هذا اللغز إلا في نهایة الروایة، حین یسقط الشامبیط فی الهاویة ویظهر للقارئ أنّ الطیّب برئ: «عاید بمجرد أن سمع النبأ قفزت في ذاکرته صورة قطیع الأکباش منطلقة کالسیل والراعي وراءها! ... وتساءل في نفسه: "من وراء موت الشامبیط؟ ماذا کان یعمل هناك الأخضر بن الجبایلي؟ والراعي کیف ولماذا کان هناك ولم یحضر الزردة؟"» (المصدر نفسه، ص 186). فهذا، وإن کان إجابة عن سبب قتل الشامبیط؛ ولکن أثناء هذا ینکشف لغز قتل الأحمر وبکلام الجازیة: «الطیّب، طیّبه السجن» (المصدر نفسه، ص 196). ینکشف هذا اللغز تماماً. وأسماء الشخصیات وحضورهم في الروایة وسعیهم للوصول إلی الجازیة وبناء القریة الجدیدة ألغاز فرعیة تتبعها الانکشاف في النص شیئا فشیئا. إن الشفرتین ـ شفرة الأحداث والشفرة التفسیریة ـ مرتبطتان بأسلوب قصصي یسبب الحرکة من مکان إلی آخر و«تنظّمان تسلسل الأحداث في القصة» (بقاح، 2015م، ص 208). فشفرة الأحداث تعتمد علی وعي القارئ في تحدید تنامي الحدث، «فهي تجربیة والشفرة التفسیرية یعنی بخلق تأزم داخل الوحدات البنائیة للحدث، یتبعه الانکشاف» (شنیني، 2012م، ص 104 - 105). ولیس علینا أن نمضي في دراستهما أبعد من ذلكلکن الشفرات الثلاث الأخیرة ـ الشفرة الضمنیة والشفرة الرمزیة والشفرة الثقافیة ـ فإنها خلال الانتقال من سطح الروایة إلى طبقاتها الداخلية، تکشف عن المعنى الخفي للروایة، وتساعد على فهمها. 3ـ3. الشفرات الضمنیة أو الدلالية هذه الشفرة صوت العوامل الفاعلة فی النص وتدل علی الدلالات الضمنیة التی تتمتع بالإشارات واللعب الدلالیة. فرمز لها بارت بـ«SEM» (بارت، 1974م، ص19)، و«تحیط بدلالات المواقف والأشخاص والأمکنة والأزمنة والأفعال المکونة للسرد وبالمعنی وأجزائه وتعددیته وتناقضاته وتشابکات العلاقات والتحلیلات النفسیة والاجتماعیة الکامنة في النص ومن تلاقي المعاني والدلالات الإیحائیة مجموعة في شخص أو فعل أو رمز نستطیع التعرّف إلی مزایاه ومعانیه وخلفیاته، أي تحدید مواصفاته العامة والخاصة، المعلنة والکامنة، الزمانیة والمکانیة ... إلخ» (برکات، 2002م، ص 71). فهذه الشفرة «تأتي من ملاحظة أن کل قارئ لنص یؤسس في ذهنه، وهو یقرأ دلالات خفیة لبعض الکلمات والعبارات، ثم یأخذ بوضع هذه الدلالات مع مماثلاتها، مما یلمسه في عبارات أخری في نفس النص، وعندما یحس بوجود جذر مشترك لهذه الدلالات الخفیة فهو عندئذ یقرر (موضوع) القصة، وهو غرضها الضمني وبهذه العملیة ندرك شخصیة العمل ونمنحه صفاته» (الغذامي، 1998م، ص 68). فهذا الرمز یعني بالدال الضمني والمضامین الجانبیة. في روایتنا هذه، نواجه دلالات ضمنیة کثیرة بعضها ترتبط بأسماء الشخصیات، وبعضها ترتبط بالأمکنة والأشیاء. فعنوان الروایة من الدلالات الضمنیة. یتشکل العنوان من اسمین: الجازیة والدراویش، وهما من الشخصیات الرئیسة في الروایة. فالجازیة اسم للمصدر بمعنی "الجزاء"، والجزاء هو المُكافأَة على الشيء، کما قال ابن منظور: «والجَزَاءُ يكون ثواباً ويكون عقابا» (1414ﻫ، مادة ج زي)، وکذلك «الجَزاء بمعنی القَضاء. فجَزَى هذا الأَمرُ أَي قَضَى» (المصدر نفسه). فهذه الشخصیة جزاء لمن اکتسبه بشکل صحیح: «الجازیة ... من ذا لا یحب الجازیة؟ لکن الحب شيء والغصب شيء آخر! من یقبل أن یغصب الجازیة، وأبوها قتل بألف بندقیة؟» (بن هدوقة، 1991م، ص 153)؛ ولکن من یریدها بالکید، فعقابه هو الهاویة: «نحن نبني من الأساس، والذي یرید مساعدتنا یبکّر، لا یتأخر. ویسلّم أمره إلینا، مکتّف الیدین والرجلین! عندئذ ینال ما یتمنّی. أما الذي یرید أن یدخل إلینا من النافذة والباب مفتوح، فإننا نرمي به في الهاویة!» (المصدر نفسه، ص 152). والجازیة في الروایة فتاة جمیلة له خطّاب کثیرون، منهم من یریدها لنفسها، ومنهم من یریدها للمغامرة، ومنهم من یریدها لمسح عار الشمبطة عن جبینه، ومنهم من یریدها؛ لأنّ خطیبها الشرعي في السجن ولئلاّ یخطبها الشامبیط لابنه فنجد علاقة بین هذا الاسم وبین إرادة کثیرین لخطبتها، فهي جزاء لمن یحبّها حقاً ولنفسها هي. و«... الجازیة لیست فتاة، هي حیاة! من دخلت داره فاض خیره وعلا نجمه» (المصدر نفسه، ص 68)، و«... تستحق الجازیة أن یقتل في سبیلها الرجال، ویسجن الرجال» (المصدر نفسه، ص 155). وهذه کلّها تدلّ علی أنّ الجازیة لم تکن فتاة فحسب، بل هي الجزائر کلها کما یلي في الرمز الثقافي. أما الدراویش ومفرده الدرویش فکلمة فارسیة بمعنی الفقیر والزاهد والمتعبد، وکذلك بمعنی البسیط؛ فترتبط هذه اللفظة بالتصوف (البقلي، 1976م، ص 17)، ثم استعمل لغیاب العقل وأصبح رمزاً لأزمة الفکر (مبارکیة، 1998م، ص 119). ولهذا الاسم دلالات خفیة تحرّض القارئ علی فهمها وفهم ارتباطها بالروایة. نری أیضاً في الروایة شخصیات کثیرة، منها رئیسة، ومنها ثانویة. نختار منها ما یساعدنا في فهم دلالات الروایة الخفیة. فالطیّب أحد خطّاب الجازیة، فهو یرید الجازیة لنفسها لا لشيء آخر. الطیّب صفة مشبّهة من "طیب". ولقد قال ابن منظور: الطیّب نعت، وهو خلاف الخبیث، «فیقال: أَرضٌ طَيِّبة للتي تصلح للنبات وطُعْمة طَيِّبة، إذا کانت حلالاً وامرأَةٌ طَيِّبة، إذا کانت حصاناً عفیفاً ... وکلمةٌ طَيِّبة إذا لم یکن فیها مکروه، وبَلْدَة طَيِّبة أي آمنة کثیرة الخیر ... ونَفْسٌ طَيِّبة بما قدّر لها أي راضیة ... وتُرْبة طَيِّبة أي طاهرة ... وسَبْيٌ طَيِّبٌ إذا لم یکن عن غدر ولا نقض عهد ... فلانٌ في بيتٍ طَيِّبٍ یکنّی به عن شرفه وصلاحه وطیب أعراقه ...» (1414ﻫ، مادة ط ي ب). ومهما کان الأمر، فیمکن أن یوحي کل من هذه المعاني بجزء من شخصیة الطیّب، فیمکن أن یکون الطیّب إحدی الشفرات الدلالیة لهذه الروایة. فالطیّب وإن کان في السجن، إلا أنه فتی شریف، فالذین یعتقدون أنّه قتل الأحمر، یقولون: قتله دفاعاً عن شرفه: «... الناس هنا یرون أن سجن الطیّب بن الأخضر شرف له وللقریة!» (بن هدوقة، 1991م، ص 155). وأیضاً في رأي الجازیة: «الطیّب، طیّبه السجن» (المصدر نفسه، ص 196). فهناك صلة وطیدة بین اسم الطیب وشخصیته، الطیب ولد الأخضر، والأخضر رمزٌ للإسلام في هذه الروایة کما سیأتي في الشفرة الثقافیة. الأحمر شخصیة أخری في الروایة، وهو الذي یرید الجازیة للمغامرة: «لکن عندما جاء الأحمر، الطالب المتطوّع صاحب الحلم الأحمر، لم یتحدّث أمامها عن حبّه. تحدّث عن عیون تسیل إلی أعلی، عن شموس تخرج من الأرض، عن مناجل تحصد الأشعّة، عن مستقبل یتّجه کلیة إلی المستقبل! ...» (المصدر نفسه، ص 17). هذا الاسم من الحمرة، سُمّي الأحمر؛ لأنّ لونه أحمر: «من یکون هذا الشابّ الأشقر الذي یشبه الصفصاف طولاً؟ هل هو درویش؟» (المصدر نفسه، ص 79)؛ ولأنّ أحلامه حمراء کما یقول: «الأحمر هو اسمي الحقیقي. هو لوني، هو أحلامي» (المصدر نفسه، ص 62). لون الأحمر ـ کما هو معروف ـ رمز الاشتراکیة والمرکز الرئیس لها، السوفیتي السابق والکتلة الشرقیة. فالأحمر في هذه الروایة رمز للاشتراکیة: «الناس ینتظرون مشاریع خضراء، وهو جاءهم بمشاریع حمراء! قال لهم لا تغترّوا بالخضرة، إن مثّلت الربیع فلن تمثّل النضج بحال!» (المصدر نفسه، ص 20). وهذه الإشارة توحي بأن هذا الاسم أیضاً من الشفرات الدلالیة في هذه الروایة وتدل علی الکتلة الشرقیة والاشتراکیة. والشامبیط، شخصیة أخری في هذه الروایة. هذه الکلمة «مشتقة من اللفظ الفرنسي "grade champetre" ومعناه الحارس الریفي والشرطي الریفي» (أبو النجاء، 1406ﻫ، 15)، وترتبط بالسلطة الإداریة الاستعماریة؛ ولکن شخصیة الشامبیط في روایتنا هذه مخضرم، وکما کان له شأن في زمن الاستعمار، کان له شأن بعد التحریر: «... شامبیطنا له میزة لا توجد في غیره: هو مخضرم. عمل في عهدین ... له تاریخ وحده!» (بن هدوقة، 1991م، ص 64). فالشامبیط شخصية سیاسیة في هذه الروایة: «هو الحکومة! من یطلب من الحکومة أن تبدل نفسها؟ إن أنصاره في کل مکان!» (المصدر نفسه، ص 143). وابن هذا الشامبیط یقرأ في أمریکا ویرید خطبة الجازیة؛ لأنّه کما قال له أبوه إذا أراد السلطة فیجب أن یقترن بالجازیة: «بإمکانك أن تصبح سلطانا، إذا اقترنت بالجازیة» (المصدر نفسه، ص 25)؛ ولأنّه: «کان یرید أن یتوّج اسمه بهالة النور التي صنعتها بندقیة أبیها ودماؤه! یرید مسح عار "الشمبطة" عن جبینه ...» (المصدر نفسه، ص 24). فالشامبیط وابنه رمز للکتلة الغربیة. عاید يأتي من "عاد" بمعنی "رجع". وقال ابن منظور: «كل من أَتاك مرة بعد أُخرى، فهو عائد» (1414ﻫ، مادة ع ود). هو أیضاً من خطّاب الجازیة، عاد إلی القریة من أجلها بعد أن «أقسم عاید لأبیه أن یعود إلی هذه القریة التي ملأ حبّها» (بن هدوقة، 1991م، ص 26). كان أبوه من المکافحین الجزائریین وکفاحه انتهی به إلی المنفی. وذا الاسم أیضاً من الشفرات الضمنیة في الرواية، والتي تدل علی الذین تمّ نفیهم علی ید الاستعمار الفرنسي والآن وبعد تحریر الجزائر، جاءوا لیساهموا في ازدهارها وتقدمها. أما بالنسبة إلى الدلالات الضمنیة المرتبطة بالأمکنة والأشیاء في هذه الروایة، فنکتفي ببعض الدلالات اجتنابا للإطالة. أحداث هذه الروایة تجري في قریة جبلیة یصعب الصعود إلیها والطریق ضیّق وملتوٍ ولا یمکن الصعود إلیها إلا علی الرجلین أو رکوب البغال والحمیر التي تعرف الطریق والتواآته وعراقیله (المصدر نفسه، ص 189). هذه القریة أو الدشرة التی تسمّی السبعة «مازال یحیی في طفولته الأولی ...» (المصدر نفسه، ص 37). وفي هذه الدشرة، جبل وصفصاف عالٍ. الطریق الضیّق مطل علی الهاویة وعثرة واحدة في هذا الطریق تکفي للسقوط فیها. فالجبل والصفصاف رمزان للمقاومة والقیام، والطریق الملتوي رمز لمقاومة الدشرة أمام الأجانب والذین یریدون الهیمنة علیها. فنری الأحمر، رمز الکتلة الشرقیة، والشامبیط، رمز الکتلة الغربیة، یسقطان في الهاویة. فهذه الدشرة وطریقها المنعرج وصفصافها وجبلها کلها شفرات ضمنیة توحی بضرورة رفض الشعب للکتلتین الشرقیة والغربیة وعدم السماح للأجانب بالسیطرة علی الجزائر مرة أخری. أشار بارت إلی أن لبعض الأشیاء دلالات ضمنیة، منها في هذه الروایة البرنس، کثیراً ما یصف الکاتبُ الأخضرَ بأنّه یخیط برنساً (المصدر نفسه، ص 39 ـ 41 و57)، وهو جالس علی الدکة الحجریة. فالبرنس أو البرنوس في الجزائر «لباس تقليدي رجالي يغطي الجسم من الكتفين حتى القدمين به قلنسوة تغطي الرأس ولا أكمام له، يكون مفتوحا من الأمام عدا أعلى الصدر، فيبدو مرتديه وكأنّ له جناحين» (البرنوس الجزائري ... عنوان المقاومة ورمز الدولة، 2019). وهذا اللباس یکون رمزا للدولة والسیادة والمقاومة. فالأخضر رمز للاسلام الأصیل وخیاطة البرنس علامة علی أن الأخضر یهیّئ الجو للمسلمین المثقفین لیقاوموا ویستعدّوا لقیادة الشعب الجزائري. فمن دلالة أسماء الشخصیات الرئیسة في هذه الروایة والدشرة والبرنس وغیرها، تظهر بعض الشفرات الضمنیة. وإن كانت هناك في الروایة شفرات ضمنیة أخری؛ ولكن نکتفی بهذه الدلالات التي تعیننا علی فهم معنی الروایة إلی جانب الشفرات الرمزیة والثقافیة. 3ـ4. الشفرات الرمزیة هذه الشفرة صوت الرموز، وهي کیفیة تکوین النص في شکل تناقضات ثنائیة واجتماع أنماط متناقضة في السرد. «فهو قائم في الوحدات السردیة التي توحي لنا بالشیء ونقیضه دون أن نعطي أفضلیة لأحدهما علی الآخر إلا من خلال توظیفه الترمیزي في النص» (برکات، 2002م، ص 71). «ویتجلی ذلك في الاستخدام البلاغي للغة مثل الاعتماد علی "الطباق"، وهو عنصر بلاغي یحتفل به بارت احتفالا بالغا في تحلیله للنظام الرمزي» (الغذامي، 1998م، ص 68). لقد رمز بارت لهذه الشفرة بـ«SYM». فلفك هذا الرمز في النص، نبحث عن مجموعة من التناقضات الثنائیة التي یتم بها معنی النص. في روایة الجازیة والدراویش، نواجه تناقضات ثنائیة کثیرة یمکن أن نجمعها في مجموعات، وإن کان لکلّ مجموعة عدد من التناقضات والطباقات الفرعیة. فهذه المجموعات هي ما يلي: أ ـ الشفرة التي تتشکل في الروایة حتی تظهر الطباق بین العابد والمعبود، وهذا الرمز وإن کانت له علامة واحدة ـ الجازیة والدراویش ـ فنری هذه العلامة موجودة في کل الروایة، کما نراها في العنوان. فللجازیة في هذه الروایة أبعاد عدیدة، منها أنّه یدل علی أسطورة "زیجیا" آلهة الجزائریة قبل المیلاد (ابو النجاء، 1406ﻫ، ص 15)، فهي تدل علی معبود، في حین یدل الدرویش علی العابد. ب ـ الشفرات التي تدل علی الطباق والتناقض بین الزمنین الماضي والمستقبل وأحیاناً الماضي والحال؛ ولهذه المجموعة علامات وإشارات فرعیة کثیرة في الروایة. فیما سبق، ذکرنا أن بن هدوقة قسّم الروایةَ إلی الزمنین الأول والثاني؛ فالکاتب کتب الزمن الأول حسب الأفکار التي یتذکّرها الطیّب في السجن؛ وعلی هذا الأساس، یرجع إلی الماضی؛ أما الزمن الثاني فهو الأحداث التي یواجهها عاید في الدشرة بعد حضوره فیها، فالزمن هنا الحال. وفي الروایة، یستمر هذا التناقض بین الزمنین یتبع بعلامات الماضي والمستقبل، کما یتبع بعلامات التقدم والتخلف وأحیانا الإسلام الرجعي والاشتراکیة: «لکن الطلاب لم یکن یهمّهم انتقال السکان من قریة إلی أخری، بقدر ما کان یهمهم انتقالهم من الماضي إلی المستقبل ... وخاصة الأحمر صاحب الحلم الأحمر» (بن هدوقة، 1991م، ص 54). والطباق بین الماضي والمستقبل تناقض بین العقیدتین والثقافتین؛ العقیدة الاسلامیة بجذورها وسننها والعقیدة الاشتراکیة بمستقبلها الغامض: «إنّها تمثّل ماضیهم وماضي أجدادهم. إنّها کل شيء عندهم. ردّ عليّ بسخریة وإشفاق: «هل هم في حاجة إلی الماضي أم إلی المستقبل؟»، قلت له: «هم في حاجة إلی الماضي وإلی المستقبل بنفس الضرورة ونفس المرارة ... الماضي هو السند الذي تستریح الدشرة إلیه ...» (المصدر نفسه، ص 121). وکما یتمّ تکمیل الروایة بالزمنین الأول والثاني، فیتمّ کمال المجتمع باعتماده علی الماضي والمستقبل ولا یمکن بناء المستقبل دون الاعتماد علی الماضي. ج ـ العلامات التي تدل علی التناقض بین المقاومة والمساومة ونتائجهما، وهذه العلامات من جهة تظهر نتیجة المقاومة، ومن جهة أخری تظهر نتیجة المساومة. فنری في الروایة التناقض بین الموت والحیاة؛ فالممات هو عدم الوجود الذی هو نتیجة المساومة، بینما الحیاة هي نفس الوجود الذي هو نتیجة المقاومة: «ویقول: "یا ویلي، یا ویلي! السباع تخاف الکلاب، والأعداء صاروا أحباب! یا ویلي، یا ویلي! الأبطال هربوا، والانذال غلبوا! . . . واللي ما عاش في الحیاة ما یعیش في الممات! "» (المصدر نفسه، ص 80 ـ 81). وکذلك الطباق بین الأبطال والأنذال، وکما نجد الطباق بین الوصول وعدم الوصول، وبین الانفتاح والإغلاق، وبین الصعود والهبوط؛ وهذه کلها علامات تدلّ علی الشفرات الرمزية في الروایة. 3ـ5. الشفرات الثقافیة أو الحضاریة لا یمکن للقارئ فهم الخطاب إلا في سیاقه، وهذا السیاق نبحث عنه في الشفرة الثقافیة. فهذا الرمز بإمکانه الدلالة أو الکشف عما یقوله الخِطاب. وعلی هذا، یعتبر صوت العلم والمعرفة في النص. فتهتم هذه الشفرة «بکل ما یحیل علی واقع خارج النص، هي مجال المعارف الإنسانیة کالحقول العلمیة والاجتماعیة والنفسیة وغیرها ولا یمکن للنص الاستغناء عن الإحالات المتوالیة إلی إشارات أخلاقیة أو اجتماعیة أو علمیة ...» (برکات، 2002م، ص 71). فهذه الشفرة «تشمل الإرجاعات المعرفیة التي تشیر إلی ثقافة ما تتسرب من خلال النص» (الغذامي، 1998م، ص 68). رمز لهذا الشفرة بـ«REF». فهذه الشفرة تسمی أیضا الشفرة الإحالیة أو الإشاریة؛ لأنها تشیر إلی خارج النص. فهذه الشفرة من الرموز التي تدعو القارئ إلی استخدام معارفه من خارج النص لفهم معناه؛ فدلالة علامةٍ ما علی التراث والتاریخ والتقالید والبیئة وغیرها تستطیع أن تشکّل هذه الشفرة. مهما يكن من شيء، فالجازیة من الرموز الثقافیة في هذه الروایة، فلها أبعاد عدیدة. هذا الاسم مليء بما نشأ من التراث الجزائر. فالجازیة مستمدة من أعماق التأریخ، حیث تحیل القارئ إلى الجازیة الهلالیة ویشیر الکاتب إلی هذا: «أشیعت حولها ألف خرافة، تفوق ما شاع من خرافات حول الجازیة الهلالیة» (بن هدوقة، 1991م، ص 24). فالجازیة الهلالیة امرأة جمیلة وذکیّة وعلامة للحب والشجاعة (مبارکیة، 1998م، ص 119). من جهة أخری هذا الاسم مقلوب "زیجیا" التي تکون من الأساطیر الجزائریة الشعبیة: «... ثم تخرج الجازیة فجأة من الطفولة لتصبح الأسطورة الحلم!» (بن هدوقة، 1991م، ص 23). فتبرز الکاتب هذین البعدین، عندما یتحدث عن الجازیة: «جدّتها الأولی الکاهنة، وجدّها القریب صاحب الحمار!» (المصدر نفسه، ص 59). فالکاهنة إشارة إلی أنها أسطورة وصاحب الحمار علامة لبعدها التاریخي، ویشیر هذا الاسم إلی أبو یزید مَخلَد بن کیداد (ابن عذاری، 1983م، ص 216 ـ 218). هذا من جهة، من جهة أخری أعطی بن هدوقة الجازیةَ طابعا سیاسیا وجعلها رمزا جماليا وفكريا للجزائر المعاصرة التي اکتسب استقلالها وترید أن تبنی مستقبلها، وهي تبحث عن الطرق الصحیحة لها (بن جمعة، 1998م، ص110 ـ 111): «لکن مأساتي أنني لن أتزوج زواجاً حلالاً في وقت منظور ... وأن أزواجي الأولین لن یکونوا شرعیين، سیکونون أزواجاً حراماً، وأنّ کل واحد منهم یلاقي حتفه عندما یظن أن الحیاة استوت له ... ثم یمرّ زمان لا شمس فیه، یشبه اللیل ولیس لیلاً، أعیش أزماته واحدة، واحدة. ثم أتزوّج بعدما یموت کل أبنائي المولودین من زیجاتي الحرام. أتزوّج زواجاً یشهده کلّ دراویش الدنیا!» (بن هدوقة، 1991م، ص 71). وهذه الکلمات، وإن کان کلّها ضمنیة، إلا أننا نعرف منها أن الجزائر تنافس علی حبّها تیارات سیاسیة مختلفة، ولکل تیّار إیدئولوجیته وعقائده، ولا یمکن للجزائر أن تختار حکومتها الملائمة إلا إذا بلغت مرحلة نضجها السیاسي.
الخاتمة وفقا لنظریة رولان بارت، تكشف دراسة روایة الجازیة والدراویش، أن هذه الروایة لها شفرات متشابکة. فهذه الشفرات بعضها تتمثل في عملیة تکوین الروایة، کشفرات الأحداث والرموز التفسیریة، وبعضها تتمثل في المعاني الضمنیة في خطاب الروایة وتناقضاتها الثنائیة وإحالاتها الثقافیة. لقد توزعت جمیع شفرات بارت الخمس في هذه الروایة، أبرزها الشفرات الضمنیة، فالثقافیة، ثم الرمزیة. إن شفرات الأحداث التي تبرز في الوقائع وأفعال الشخصیات وسلوکاتهم کسجن الطيّب وموت الأحمر وعود عاید وقتل الشامبیط و... تظهر تسلسل الروایة واستمراریتها. أمّا الشفرات التفسیریة تتجلی في الألغاز المتعددة في الروایة کعنوانها الجازیة والدراویش ومجاورة الدراویش بالجازیة في العنوان وتقسیم الروایة إلی الزمنین الأول والثاني، کما تظهر هذه الشفرة في دخول الطیّب السجنَ وبرائته من قتل الأحمر أو عدمها وقتل الشامبیط وغیرها من ألغاز الروایة، فتمّ انکشاف بعض هذه الشفرات أثناء الروایة والأخری في نهایتها. أما الشفرات الضمنیة فتظهر في شخصیات الروایة، ومنها الجازیة، والدراویش، والطیّب، والأحمر، والشامبیط وعاید. فتدلّ هذه الشفرات علی الجو السیاسي الجزائري والتیارات المتصارعة التي ترید الحکم علیها بدلالاتها الخفیة والضمنیة. فالجازیة تخفی في طیاتها الدلالة علی الجزائر، فهي جزاء لمن اکتسبه بشکل صحیح. أما الطیّب فمعناه الضمني أنّه شریف صالح، والأحمر رمز الاشتراکیة بلونها الأحمر، والشامبیط رجل الحکومة والسیاسة، وعاید رجع إلی وطنه لیدافع عنه. ومن الدلالات الضمنیة في الروایة، الدشرة الصعبة الوصول التي تدل علی رفض کلّ تفکیر أجنبي من جانب الجزائر، أمّا البرنس فعلامة المقاومة والسیادة. الشفرات الرمزیة تتجلی في التناقضات الثنائیة في الروایة، منها الطباق بین الماضي والمستقبل والمقاومة والمساومة وفروعها، ومنها التعارض بین الجازیة والدراویش، وهنا في الواقع التقابل بین العابد والمعبود. وأخیرا، الشفرات الثقافیة تبرز في الشخصیات الرئیسة في الروایة وفي التقالید والطقوس الجزائریة. فکل هذه الشخصیات تحیل القارئ إلی خارج النص. فالجازیة تشیر إلی الجازیة الهلالیة وأسطورة زیجیا، کما تحیل إلی الجزائر المستقلة؛ والشخصیات الأخری کلّها تشیر إلی التیارات المتصارعة التي ترید الهیمنة علی الجزائر. فكلمة الطیّب تحیل إلی التیار الإسلامي، والأحمر إلی التیار الاشتراکي، والشامبیط إلی التیار الداعم للتفکیرین الغربي والأمریکي، وأما الزردة فتشیر إلی التراث الجزائري.
[1]. Peirce [2]. Ferdinand de Saussure [3]. A course in General Linguistics [4]. Roland Barthes [5]. Sarrasine [6]. Proairetic Code [7]. hermeneutic Code [8]. Semic Code [9]. Symbolic Code [10]. Cultural Code | ||
مراجع | ||
* القرآن الكريم. أ ـ العربية ابن عذاری، محمد بن محمد. (1983م). البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب. تحقیق إ. لیفی پروفنسال وج. س کولان. بیروت: دار الثقافه. ابن منظور، محمد بن مکرم. (1414ﻫ). لسان العرب. ط 3. بیروت: دار صادر. أبو النجاء، السید عطیة. (1406ﻫ). «الدفن في حناجر الطیور: الجازیة الهلالیة والدراویش في روایة جزائریة». إبداع. س 4. ع 5. ص 15 ـ 26. أمال، باشوش؛ ودبال لامیة. (2017م). سیمیائیة الشخصیة في روایة الجازیة والدراویش لعبد الحمید بن هدوقة أنموذجا. مذکرة اللیسانس. جامعة العقيد أكلي محند أولحاج ـ البويرة. كلية الآداب واللغات. بارت، رولان. (2016م). س/ ز. ترجمة وتقدیم وتعلیق محمد بن الرافة البُکري. طرابلس: دار الکتاب الجدید المتحدة. برکات، وائل. (2002م). «السیمیولوجیا بقراءة رولان بارت». مجلة جامعة دمشق. ع 2. ص55 ـ 76. بریهمات، عیسی؛ وسعدیة بن یحیی. (2017م). «البعد الثقافي لرمزیة الطرح وحقیقة الصراع عند عبد الحمید بن هدوقة في روایات ریح الجنوب / الجازیة والدراویش / غدا یوم جدید». مجلة تاریخ العلوم. ع 10. ص 313 ـ 327. بقاح، أ. سامیة. (2015م). «(S/Z) (س/ز) لرولان بارت Roland Barthes قراءة في کتاب». المرکز الجامعي میلة، مجلة الآداب واللغات. ع 1. ص 190 ـ 215. البقلي، محمد قندیل. (1976م). «ملامح مصریة: الدروشة والدراویش». الجدید. ع 107. ص 17 ـ 19. بن جمعة، بوشوشة. (1998م)، «الجازیة والدراویش: جزائر الاستقلال وأسئلة المصیر». التبیین. ع 12 ـ 13. ص103 ـ 116. بن هدوقة، عبد الحميد. (1991م). الجازية والدراويش. بيروت: دار الآداب. دغفل، صفیة؛ وأمینة محادي. (2020م). سيميائية العنونة عند عبد الحميد بن هدوقة. مذكرة مكملة لنيل شهادة الماستر. جامعة محمد بوضياف بالمسيلة. كلية الآداب واللغات، قسم اللغة والأدب العربي. دوغان، أحمد. (1996م). في الأدب الجزائري الحديث. دمشق: اتحاد الكتاب العرب. رابح، بو معزة. (د.ت). «الاتجاهات السیمیائیة المعاصرة: نموذج غریماسي علی مقطوعة نزاریة». الملتقی الوطني الرابع: السیمیاء والنص الأدبي. رنیمة، خیرة؛ وفتیحة مسعودي. (2015م). المصطلح السیمیائي في الخطاب النقدي العربي المعاصر: عبد الملك مرتاض نموذجا. جامعة الجیلالي بونعامة بخمیس ملیانة. رسالة الماستر. كلیة الآداب واللغات، قسم اللغة والأدب العربي. شنیني، زهیرة. (2012م). الخطاب النقدي عند رولان بارت: الکتابة والقراءة. رسالة الماجستیر. جامعة العربي بن مهیدي ـ أم البواقي. کلیة الآداب واللغات. عبد الغني المصري، محمد؛ ومجد محمد الباکیر البرازي. (2002م). تحلیل النص الأدبي بین النظریة والتطبیق. عمان: مؤسسة الوراق. الغذامي، عبد اللّٰه محمد. (1998م). الخطیئة والتفکیر من البنیویة إلی التشریحیة: قراءة نقدیة لنموذج معاصر. ط 4. القاهرة: الهیئة المصریة العامة للکتاب.
ب ـ الفارسیة آژرون، روبر. (1365ﻫ.ش). تاریخ معاصر الجزایر. ترجمه منوچهر بیات مختاری. مشهد: دانشگاه فردوسی. شعیرى، حمیدرضا. (1388ﻫ.ش). «از نشانهشناسى ساختگرا تا نشانه– معناشناسى گفتمانى». مجله نقد ادبى. ش 8. ص 33 ـ 52. صافى پیر لوجه، حسین. (1395ﻫ.ش). درآمدی بر تحلیل انتقادى گفتمان روایى. تهران: نى. گیرو، پى یر. (1380ﻫ.ش). نشانهشناسی. ترجمه محمد نبوى. تهران: آگاه. مسعودی، امیرعلی. (بیتا). «نقدی بر روش نشانهشناسی و تحلیل روایت رولان بارت». علوم خبری. ش 17، ص 44 ـ 65.
ج ـ الإنجلیزیة بارت Barthes. Roland. (1974). s/z. tr Richard Miller. New Jersy: Black well. تشاندلر Chandler. Daniel. (2017). Semiotics The Basics. 3rd ed. London: Routledge. كودون Cuddon. J. A. (2013). A dictionary of literary terms and literary theory. Revised by M. A. Habib. 5th ed. New Jersy: Wiley-Blackwell.
د ـ المواقع الإلکترونیة «البرنوس الجزائري ... عنوان المقاومة ورمز الدولة». (11/1/2019). | ||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 350 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 270 |