تعداد نشریات | 43 |
تعداد شمارهها | 1,640 |
تعداد مقالات | 13,343 |
تعداد مشاهده مقاله | 29,968,501 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 11,992,327 |
دراسة نقدیة في تعریب أشعار أحمد شاملو بناءً علی نظرية جيمس هولمز کتاب ترجمة مختارات من الشعر الفارسي الحديث لمحمد نور الدين عبد المنعم أنموذجاً | ||
بحوث في اللغة العربية | ||
دوره 15، شماره 28، شهریور 2023، صفحه 191-206 اصل مقاله (749.8 K) | ||
نوع مقاله: المقالة البحثیة | ||
شناسه دیجیتال (DOI): 10.22108/rall.2023.133549.1411 | ||
نویسندگان | ||
علي افضلي* 1؛ مختار حسامی2 | ||
1أستاذ مشارك في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة طهران، طهران، إيران | ||
2طالب الدكتوراه في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة طهران، طهران، إيران | ||
چکیده | ||
کان أحمد شاملو شاعرا ومخرجا سينمائيا وصحفيا وباحثا ومترجما ومعجميا وأحد أمناء جمعية الكتاب الإيرانيين. تعود شهرة شاملو من الأساس إلى ابتكاره في الشعر الفارسي المعاصر وصیاغة نوع من الشعر يعرف بالشعر الحر أو الشعر الشاملوئي، والذي يعد حاليا أحد أهم أشكال الشعر السائد في إيران، وهو تقليد للشعر الحر الفرنسي أو الشعر المنثور. وبما أنه كان رائدا للشعر الحر باللغة الفارسية، فإن ترجمة أشعاره تتطلب معرفة تامة بهذا النوع من الشعر، وهذا إضافة إلى تمكّن الشاعر من اللغتين الفارسية والعربية. فإن هذه الدراسة تهدف عبر المنهج الوصفي ـ التحليلي واعتمادا على نظرية جيمس هولمز، إلى دراسة ونقد طريقة ترجمة محمد نور الدين عبد المنعم لبعض أشعار أحمد شاملو في كتاب مختارات من الشعر الفارسي الحديث، لتحدید مدی نجاح المترجم في تعریبه. وتشير نتائج الدراسة إلى أن المترجم يعتمد في تعریبه إلی الأنواع الأربعة للترجمة، وفقا لنظرية هولمز، وأن بعض جهوده لم تكلل بالنجاح وأخطأ أحيانا في فهم معاني المصطلحات ودلالات الرموز أو تحديد أركان بعض الجمل. | ||
کلیدواژهها | ||
نقد الترجمة؛ جيمس هولمز؛ أحمد شاملو؛ محمد نور الدين عبد المنعم؛ مختارات من الشعر الفارسي الحديث | ||
اصل مقاله | ||
إن معرفة نوع الترجمة وفهم أطرها النظریة، بغض النظر عما إذا كان المترجم على علم بها أم لا، تسمح للقارئ أن يدرك معنى النص المترجم في اللغة الهدف. وعلى الرغم من أن هولمز نفسه يعتقد أنه لا توجد على الإطلاق أي ترجمة للشعر "مماثلة" أو "معادلة" للأصل، ويقول إن القيود التطبيقية التي تمنعنا من الحصول على "المعادل"، مع ذلك فقد حدد أربع إستراتيجيات تُستخدم تقليديا في ترجمة أنواع مختلفة من الشعر. وبما أن شاملو يُعدّ رائدا للشعر المنثور أو ما يسمى بالشعر الحر ويطلق عليه أحيانا الشعر الشاملوئي، فمن الصعب جدا اختيار نظرية تلائم تحليل هذه الأشعار أو ترجمتها إلى أي لغة أخرى؛ لأنها قد تخلّت عن بعض المكوّنات الأساسية للشعر التقليدي، وفي رأسها الوزن والقافية؛ ولكنها لم تتحول إلى نص منثور لاشتمالها على الإيقاع والتنغيم والمحسنات اللفظية والمعنوية. وعند اختيارنا لنظرية تناسب دراسة هذه الأشعار وترجمتها علينا أن نهتمّ بالجانبين. ففي هذه الدراسة، نهدف إلى نقد ترجمة محمد نور الدين عبد المنعم لبعض أشعار شاملو، وفقا لنظرية جيمس هولمز. 1ـ1. أسئلة البحث هذه الدراسة تنوي الإجابة عن هذین السؤالین: ـ ما منهج محمد نور الدين عبد المنعم في فهم المصطلحات والرموز والإشارات والمحسّنات اللفظية والمعنوية لأشعار أحمد شاملو وترجمتها إلى اللغة العربية؟ ـ ما مدى نجاحه في التعریب، بناءً على مكوّنات نظريّة جيمس هولمز؟ 1ـ2. خلفية البحث دراسة الترجمة العربیة لأهم دواوین الشعر الفارسي علی أساس النظریات الجدیدة، لیس لها تاریخ قدیم في إیران. لقد درس على افضلى ومساعدوه في العديد من الدراسات، ترجمة الأعمال الكلاسيكية والمعاصرة للأدب الفارسي إلى اللغة العربية، مستخدمین نظريات جديدة في نقد الترجمة، من أهمها: دراسة ونقد ترجمة عمر الشبلي العربية لغزلیات حافظ الشیرازي (1394ﻫ.ش)، ونقد ومراجعة ترجمة كلستان السعدي العربية بناءً على نظرية أنطوان بيرمان (1395ﻫ.ش)، وتقییم کیفي لتعریب عبد العزیز بقوش من کتاب العرائس السبع لنظامي الکنجوي (1396ﻫ.ش)، والتقييم النوعي للترجمة العربية لقصائد الرومي على أساس نظرية أنطوان بيرمان: دراسة كتاب مختارات من ديوان شمس الدين التبريزي لإبراهيم الدسوقي شتا (1398ﻫ.ش)، وتطبيق نظرية جدعون توري للقواعد في التقييم النوعي للترجمة العربية لقصائد فروغ فرخزاد (1399ﻫ.ش)، والتقييم النوعي لتعریب شعر السعدي بناء على نظرية جيمس هولمز (1400ﻫ.ش). تطرقت نسرين هاني الدهني (1393ﻫ.ش)، في مقال لها بعنوان ترجمة شعر أحمد شاملو في الوطن العربي إلى دراسة تعریب شعر أحمد شاملو، وبيّنت سمات شعره الفنية في محاولة للإحاطة بالأسباب التي حدت بالمترجمين العرب إلى نقل شعره للعربية، وناقشت خيارات المترجمين وتفضيلهم لترجمة نصوص بعينها دون سواها، ثمّ قدمت دراسة لتعریب قصيدة النشيد الکبير، فوضّحت مدى تکافؤ کل ترجمة مع النص الأصلي، مع إبراز مواطن القوّة ومواطن الضعف في کلّ ترجمة، ثم قدمّت ترجمة بديلة؛ ولكنها لم تتطرق إلى الأشعار التي نحن بصدد دراسة ترجمتها إلى العربية. في بحث موسوم بانعكاس ترجمة الشعر الفارسي المعاصر في العالم العربي، درس محمد رحيمى خويگانى وسميه كاظمى نجف آبادى (1396ﻫ.ش)، اتجاهات ترجمة الشعر الفارسي المعاصر إلى العربية بشکل عام. أیضاً بهروز لقربانزاده (2016م)، بحث بعنوان جهود محمد نور الدين عبد المنعم لترويج ونشر اللغة والأدب الفارسي في مصر، يتناول أعمال عبد المنعم ويثني على خدماته في الترويج للغة الفارسية في العالم العربي، وخاصة في مصر.
2ـ1. مكوّنات نظرية هولمز كان جيمس إس. هولمز[1] (1924 ـ 1986م)، شاعرا ومترجما وباحثا هولنديا ولد في 2 مايو 1924 في كولينز في الولايات المتحدة، وتوفي في 6 نوفمبر 1986 في أمستردام في هولندا. وكان بحثه الموسوم باسم وطبيعة دراسات الترجمة[2] فريدا في تطور الحقل كمنهج بحثي مميز ومنسّق. يقدم هولمز إطار عمل شامل يصف فيه ما تشتمل عليه دراسات الترجمة، حيث شكّل هذا الإطار مسار توجيه ليتبعه الباحثون لاحقاً، وفق خارطة الطريق التي وضعها هولمز لدراسات الترجمة، والتي قسمها إلى فرعين: النظري والتطبيقي. فالفرع النظري في خارطة هولمز ـ توري، والذي يعرف بدراسات الترجمة الصِّرفة أو البحتة [3] ينقسم إلى قسمين: نظرية [4] ووصفية [5]، وقد كانت أهداف البحث كما جاء في شروح هولمز للإطار، وهي: ـ وصف ظواهر الترجمة (نظرية الترجمة الوصفية)؛ ـ وضع مبادئ عامة لوصف مثل هذه الظواهر والتنبؤ لها (نظرية الترجمة). ويتضمن الفرع النظري النظريات العامة والجزئية؛ وحسب هولمز، فإن العامة هي التي تسعى إلى وصف جميع أنواع الترجمة وتفسيرها والقيام بالتعميمات التي ستكون مناسبة للترجمة عموما؛ وأما الدراسات النظرية الجزئية للترجمة فمحددة، وهي التي ترتبط بتصنيف دراسات الترجمة الثلاث: الوصفية المعنية بالمنتج والوصفية المعنية بالعملية والوصفية المعنية بالوظيفة. فللدراسات الوصفية للترجمة ثلاث محاور رئيسية، هي: فحص المنتج والوظيفة وعملية الترجمة (ماندى، 1394ﻫ.ش، ص 15)، ثمّ إنّ الفحص الدقيق للكتابات المترجمة من خلال استكشاف النص الأصلي ومقارنته بالنص المترجم، وكذلك استخراج البيانات وتحليلها وشرحها من منظور علمي خاصّ، أدّى إلى تغيير في الرؤية وتحوّل في تحديد الأولويات للقضايا النظرية لدراسات الترجمة. وفي هذا الصدد، فإن ثنائية منتج الترجمة، أي نص الترجمة، الذي هو نتيجة لجميع تأملات المترجم وأفكاره، وعملية الترجمة، كسلسلة من الأحداث التي تحدث في ذهن المترجم وعمله من أجل الحصول على منتج الترجمة، تعدّ أحدث ثنائية في هذا المجال (حقانى، 1386ﻫ.ش، ص 216). وعلى الرغم من أن هولمز نفسه يعتقد أنه لا توجد على الإطلاق أي ترجمة للشعر تماثل الأصل، ويقول إن القيود التطبيقية الحاكمة على الموقف تمنعنا من الحصول على المعادل، مع ذلك فقد حدد أربع إستراتيجيات تُستخدم تقليديا في ترجمة أنواع مختلفة من الشعر، هي:
2ـ2. شاملو وأشعاره أحمد شاملو (1304 ـ 1379ﻫ.ش)، الملقب بـ"ا. بامداد" و"أ. صبح"، كان شاعرا ومخرجا سينمائيا وصحفيا وباحثا ومترجما ومعجميا وأحد أمناء جمعية الكتاب الإيرانيين. تعود شهرة شاملو من الأساس إلى ابتكاره في الشعر الفارسي المعاصر وصیاغة نوع من الشعر يعرف بالشعر الحر أو الشعر الشاملوئي، والذي يعد أحد أهم أشكال الشعر السائد في إيران، وهو تقليد للشعر الحر الفرنسي أو الشعر المنثور (سپانلو، 1384ﻫ.ش، ص ۲۸ ـ ۲۹). التقى شاملو بنیما يوشيج في عام 1325 للهجرة الشمسية، وتحول تحت تأثيره من النمط الکلاسیکي إلى "الشعر النيمائي"؛ ولكنه للمرة الأولى في قصيدة تا شکوفهٔ سرخ یک پیراهن (= إلى الزهرة الحمراء لقميص)، التي نُشرت عام 1329 تحت عنوان شعر سفید غفران (= قصيدة الغفران البيضاء)، تخلى عن الوزن تماما وابتكر أسلوباً جديداً في الشعر الفارسي المعاصر (ترابی، ۱۳۸۲ﻫ.ش، ص ۱۸ـ ۲۱). وقد تُرجمت بعض أعماله إلى السويدية والإنجليزية واليابانية والفرنسية والإسبانية والألمانية والروسية والأرمنية والهولندية والرومانية والفنلندية والكردية والتركية. كما تأتي بعض شهرة شاملو من نهجه المثير للجدل في الشعر الكلاسيكي والموسيقى والسياسة، حيث اعتبر تصحيحه لديوان حافظ الشيرازي تافهاً وكان ينتقد بشدة فردوسي وسعدي ويثني على بعض الشعراء الأوروبيين مثل فيديريكو غارسيا لوركا وبول إيلوار وقبيل وفاته، كان ناقماً علی الموسيقى الكلاسيكية الإيرانية. بدأ عام 1326 بإصدار كتاب بعنوان آهنگهای فراموش شده (= الأغاني المنسية)، وهو كتابه الشعري الوحيد في نسق تقليدي وعروضي. يكتب شاملو في مقدمة نفس الكتاب: «القصائد التي تم جمعها في هذا الكتاب، كتابات يجب أن تكون قد احترقت بالفعل، فإنها أغانٍ سيتم نسيانها قريبا ...، فإنها الخطوات الأولى لطفل أراد المشي، فيضع بالضرورة يده على الحائط؛ ويده ترتجف وهو خامل ومتردد ويمشي بشكل غير متوازن؛ وبعد سنوات، يؤسس شاملو شعرا جديدا بإصدار كتابه قطعنامه (= القرار» (حقوقى، 1384ﻫ.ش، ص ۲۸ ـ ۲۹). يقول رضا براهني: في الواقع، يقترح شاملو شعرا جديدا بإصدار قطعنامه ويفرض التزاما صريحا جدا على عاتق الشعر، والذي قد تتعارض مع جوهر الشعر بالمعنى الحقيقي. ولكن ضرورة الوقت، وعلم النفس الخاص به، واحتجاجه العميق على القرار من أي نوع، كانت تتطلب كتابة هذا الشعر (1384ﻫ.ش، ص 55). وفي عام 1336، مع نشر مجموعته الشعرية هواى تازه (= الهواء الطلق)، والذي يحتوي على أشكال وتجارب مختلفة في شكل الشعر الحديث، أثبت نفسه كشاعر بارز، حيث يعتقد عبد العلي دستغيب، الناقد الأدبي، الذي كتب مجموعة من المراجعات عن أعمال شاملو، أن شاملو كان له الأثر الأكبر على الشعر والشعراء المعاصرين بعد نيما يوشيج، كما يعتقد أن أشعار شاملو الرومانسية هي أجمل أغاني الحب في الشعر الفارسي الحديث (1373ﻫ.ش، ص 6). توفي أحمد شاملو في 23 آب 2000م، بعد صراع طويل مع المرض، ودفن جثمانه في امامزاده طاهر ب مدينة كرج. 2ـ3. محمد نور الدین عبد المنعم وترجمته لأشعار شاملو محمد نور الدین عبد المنعم أستاذ اللغة الفارسية وآدابها بكلية اللغات والترجمة جامعة الأزهر وعميد الكلية الأسبق. وله 35 كتاباً ما بين مؤلف ومترجم ومائتا بحث منشور في المجلات العلمية المحكمة. وهو مقرر لجنة ترقية أساتذة اللغات الشرقية بالجامعة. أشرف وناقش العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه بالجامعات المصرية. قام بتدريس اللغة الفارسية وآدابها في بعض الجامعات المصرية مثل جامعة القاهرة وعين شمس والمنصورة والإسكندرية، بالإضافة إلى جامعة بغداد بالعراق وجامعة الملك سعود بالمملكة العربية السعودية. اختار محمد نور الدين عبد المنعم طريقة أكثر فاعلية في ترويج اللغة والأدب الفارسيين في العالم العربي، وخاصة مصر، أي ترجمة أعمال الشعراء والكتاب الفارسيين إلى العربية. ومن آثاره نذکر: دراسات فی الشعر الفارسی حتی القرن الخامس الهجري (1976م)، ورباعیات بابا طاهر العریان الهمداني (1978م)، وفن الرباعي: مختارات من الرباعيات الفارسية (2005م)، وآخر جرعة في هذه الكأس ـ وقصائد أخرى من بستان الشعر الفارسي (2008م)، ومختارات من الشعر الفارسي الحدیث (2009م)، ومختارات من أشعار الشاعرة الإيرانية فروغ فرخزاد (2010م)، وفن الغزل: مختارات من الغزليات الفارسية (2011م)، وجولة فی ریاض الأدب الفارسي (2013م) (قربانزاده، 1395ﻫ.ش، 831 ـ 853).
۳. تطبیق مكوّنات نظرية جیمس هولمز على ترجمة أشعار شاملو إن معرفة نوع الترجمة وفهم نظريتها، بغض النظر عما إذا كان المترجم على علم بها أم لا، يسمح للقارئ أن يدرك معنى النص المترجم في اللغة الهدف. إن أهم طريقة لإظهار الوظيفة الشعرية للغة في الشعر هي نقل المحور الاستبدالي[10] والاستعاري للغة على المحور السياقي التركيبي[11]، ويزيد الشعر من ثراء اللغة بإبراز أوجه التشابه اللفظية والوزنية والشكلية، ويلفت الانتباه إلى سماتها الشكلية ويحولها عن معانيها المرجعية (سكولز، 1379ﻫ.ش، 49). وفي ترجمة الشعر، يجب مراعاة معايير مثل الوزن والقافية والنقل الصحيح للمعنى وكيفية التعبير عن الصنائع الأدبية ونوعية استخدام الكلمات الأدبية الراقية وبنية اللغة الشعرية. ورغم أن الشعر الحر قد تفلّت من حصار القافية والوزن اللذين كان يدور فيهما الشعر التقليدي، ولم يعد الشاعر مجبرا على تكرار القافية ذاتها في كل بيت، بل تحرر منها تماما لكنه ينطوي على سمات وخصائص لغوية نحو كثرة التشبيهات والاستعارات والمحسنات البديعية التي تكون عماد الفعل الشعري، ويمتلئ بالخصائص الشعرية؛ مثل تكرار الطباق أو الألفاظ أو الأساليب اللغوية التي تخلق إيقاعا وجرسا موسيقيا عاليا يسهم في زيادة جمالية النص وألقه، وكذلك الرمزية وتعدد الدلالة صبغة حديثة للشعر الحر وربما لم يكن الشعر القديم يصطبغ بهذه الصبغة، وإن كان يقوم على الإيحاء والاختصار. إذن یعدّ البحث عن مدى تحقق هذه المعايير في الترجمة العربية لهذه القصيدة المعنية من أولویاتنا. ومن جانب آخر، لا ينبغي الحكم بمعناه المطلق على إمكانية أو استحالة ترجمة الشعر؛ بل يمكن نقل أي مفهوم بأي لغة طبيعية، وإنما شكل هذا المفهوم يختلف في اللغات المختلفة وكذلك في النظم والنثر. فلذلك، على الرغم من أنه من الممكن ترجمة قصيدة، بحيث تكون مقبولة في اللغة الهدف، إلا أنه لا يمكن نقل جميع ميزات ومحسنات النص الأصلي للقصيدة (منافى أنارى، 1382ﻫ.ش، ص 9). وكل نص هو نتيجة العلاقات التناصية وتوجد فيه علامات هي نفسها نصوص وفي علاقات متعددة الأبعاد مع غيرها من العلامات؛ لذلك فإن الشعر ليس نصا واحدا فقط، بل بوجود مثل هذه العلامات يكون متضمناً لعدة نصوص ويتكون كلّ منها في سياقه الخاص؛ وفي نفس الوقت، ورغم التعددية، تصل هذه النصوص إلى الوحدة والتماسك في إطار الشعر وتخلق خطابا شعريا في فضاء خارج النص. فالشعر عبارة عن خطاب من علامات تناصية تكون في تواصل وتفاعل متعدد الأوجه مع بعضها البعض وترتبط أيضا بالعلامات التناصية. وتحمل العلامات، بالإضافة إلى العبء الدلالي، عبئا ثقيلا من المعتقدات والأفكار والأساطير والثقافة بالمعنى العام. وتكسب هذه العلامات قيمتها من خلال الرموز الثقافية وتذهب بقرّائها إلى أعماق تاريخ كل مجتمع وثقافته (سجودى وكاكهخانى، 1390ﻫ.ش، ص 138). بالنظر إلى كثرة الرموز والصنائع الأدبية في أشعار شاملو، وكذلك اتساع معانيها نقوم بدراسة تعریب افق روشن (= الأفق المنیر)، من أجل تبين مدى نجاح المترجم في عملية الترجمة والوصول إلى ترجمة صحيحة ومقبولة. 3ـ1. الترجمة المحاكاتية القصائد التي نناقشها في هذا المقال هي ثلاثة أشعار من الشعر الحر لأحمد شاملو. والشعر الحر أو الشعر الشاملوئي یعدّ نوعاً من الشعر الفارسي الحديث ظهر في ثلاثينيات القرن الماضي مع مجموعة هواى تازه (= الهواء الطلق)، لأحمد شاملو، ويمكن مقارنته بالشعر الحر في الأدب الغربي. والاختلاف الرئيس بين هذه الأشعار والأمثلة السابقة للشعر الجديد أو ما يسمى بالشعر الحر، إنما يكمن في شكل الشعر. ففي هذا الأسلوب، لا يُهتمّ بالقافية والوزن العروضي عموما؛ ولكنه يتضمن التنغيم والموسيقى، ويتميّز بالعديد من الخصائص الأسلوبية، والتي تعتمد على الوحدة الموضوعية؛ فلا تقتصر الوحدة في ذلك على البيت فقط، بل إنّ القصيدة بأكملها تشكل كلاماً متماسكاً، وامتزاجاً وتناغماً في شكلها ومضمونها، حيث تم وضع القافية، والتفعيلة، والصياغة، والبحر، تحت خدمة الموضوع، ممّا جعل الشاعر يعتمد على التفعيلة في شعره، وعلى الموسيقى الداخلية المناسبة بين الألفاظ، وهي بذلك طريقة للتعبير عن نفسية الشاعر، ونزواته، وطموحه، وآماله، أكثر من كونها أبيات منتظمة مصفوفة. ومن خصائصه أيضا استخدام الرموز والإيحاءات بكثرة في القصيدة، والتي عادةً ما تكون صعبة التحليل، والإكثار من استخدام الصور الشعرية، والتشبيهات، والتي تساهم في التأثر بالفكرة التي يطرحها الشاعر. کتب شاملو: اليوم، يقبل قارئ الشعر أن الشعر يمكن أن يُكتب نثرا أيضا؛ بمعنى آخر، يمكن صياغة كلام يكون شعرا ممتلئا بالحيوية والعمق دون استخدام الوزن والقافية؛ وأنا لا أؤمن مطلقا بالوزن باعتباره شيئا متأصلا وضروريا أو میزة للشعر؛ لكنني على العكس أعتقد أن الالتزام بالوزن التقليدي يؤدي إلى انحراف ذهن الشاعر؛ لأن الوزن يحتمل عددا ضئيلا من الكلمات ويُهمل العديد من غيرها من الكلمات، وقد تكون الكلمات التي لم يستوعبها هذا الوزن، في اتجاه الإبداع الذهني للشاعر (اسوار، 1384ﻫ.ش، 126). في هذا النوع من الترجمة، يتحدث هولمز عن محاكاة المترجم لشكل الشعر الأصلي؛ لأن الشعر في جميع اللغات عبارة عن صياغة العواطف بطابع موسيقائي وبلُغة الشكل والصورة. وجميع الأشكال تنشأ من هنا وليس الفن إلّا شكلاً (شفيعى كدكنى، 1390ﻫ.ش، ص 698). وإن المحاكاة في ترجمة الشعر، هي في الواقع إنشاد شعر جديد على أساس الشعر الأصلي. ويقول هولمز: إن المترجم يحتفظ بالشكل الأصلي في هذه الترجمة، والتماثل مستحيل؛ ولكن يمكن تقريب الأنماط، ويمكن تنسيق الأشكال الأساسية للبنية الشعرية، كما فعل ريتشموند لاتيمور لقصيدة هوميروس باللغة اليونانية والمكونة من ستة مقاطع وقابلة للمحاكاة (گنتزلر، ۱۳۹۳ﻫ.ش، ص 120). والرابط الوحيد بين القصيدة الأصلية والمترجمة هو الارتباط الموضوعي؛ ولكن هناك فرقاً كبيراً بينهما من حيث البنية والأسلوب؛ والنص الجديد هو نسخة من النص الأصلي، وليس ما يعادله بالضبط. ففي هذا النوع من الترجمة، يكون التزام المترجم بأسلوب ومعنى النص الأصلي في أدنى مستوى. وإن محاكاة شكل القصيدة الأصلية، بشرط مراعاة التوازن والحفاظ على المعنى، يمكن أن يبدو جميلا أيضا في اللغة الهدف ويكون له تأثير القصيدة الأصلية على المخاطب. ـ روزی ما دوباره کبوترهایمان را پیدا خواهیم کرد / ذات یوم سوف نعثر علی حمائمنا من جدید، و مهربانی دست زیبايی را خواهد گرفت / وسوف یأخذ الحنان بید الجمال، روزی که کمترین سرود / ذات یوم ستکون القُبلة هی أقل أغنیة، بوسه است و هر انسان / وکل إنسان برای هر انسان / یکون أخاً برادری ست / لکلّ إنسان (عبد المنعم، 2009م، 129). هنا یرکز عبد المنعم على مفهوم الشعر ویجعله أهم مبدأ في الترجمة ويحاول نقل هذا المفهوم مراعیاً الاعتبارات الجمالية والالتزام بروح العمل والإخلاص للنص الأصلي للشعر. وقد نجح عبد المنعم في ترتيب الكلمات والذي یتطلب من المترجم للشعر إبداعا خاصا ویمیز مهاراته من غیره من المترجمین الذین یقومون بترجمة نصوص غیر شعریة؛ لأنه تمكن إلى حدّ ما من إعادة بناء الصور الشعرية وحفظ موسيقى الشعر وإيقاعه، وهذا مهم جدا في ترجمة الشعر الحر الذي يعوزه الوزن والقافية ويعتمد على الإيقاع أكثر منهما. ومع ذلك، فمن المستحيل على المترجم عمليا نقل الشکل کما هو في الشعر الفارسي إلى العربية؛ لأن الاختلاف في الکلمات والتراکیب والأسالیب في اللغتین لا يسمح بذلك. فعندما يقول الشاعر "بوسه است"، ثم يأتي بـ"برادرى ست" بعد تركيبين اثنين؛ إنما يفعل هذا للحصول على نوع من الإيقاع والتنغيم؛ فلما لم يكن بإمكان المترجم أن ينقل هذا الإيقاع بهذا الشكل بالضبط نظرا لاختلاف الأسلوب بين اللغتين، لجأ إلى إدخال "يكون أخا" بين "وكل إنسان" و"لكل إنسان" ليحصل على نفس الإيقاع ولكن بطريق آخر. ففي الشعر، لا ینفك الشكل عن المضمون، وإذا أراد الشاعر تغيير أسلوبه في البیان والتعبیر، يتغير ولا بدّ مضمون کلامه أيضا (نجفى، 1361 ﻫ.ش، ص 9). وتقوم موسيقى الشعر على ثلاثة أركان، هي: الوزن والقافية، والإيقاع. ولا تكتمل حدود موسيقى الشعر بالوزن والقافية وحدهما، بل من خلال نسيج التلاؤم بين الألفاظ وما تحمله من معنى والوزن الذي تقوم عليه وتآلفهما وانسجام الألفاظ وتناسق أصواتها، وذلك ما يشتمل عليه مفهوم (الإيقاع) الذي «يقصد به وحدة النغمة التي تتكرر على نحو ما في الكلام أو في البيت، أي توالي الحركات والسكنات على نحو منتظم» (هلال، 1969م، ص 463). وهو في الشعر وفي النثر أيضاً. فالإيقاع صورة أشمل من الوزن، وما الوزن إلا "صورة خاصة للإيقاع" وبقدر ما يقوم عليه الوزن من تصور تستمد قوانينه من خارج المضمون وما يتحرك في آفاقه من أفكار وأحاسيس، يقوم الإيقاع على تأمل للقوى الخفية التي تربط الكلمة بسواها، وهو ما أدركته نظرية النظم عند الجرجاني فوضعه في فصاحة اللفظ وتناسب العبارة. ولكن عندما نأتي إلى ترجمة كلمة "روزى" في العبارة "روزی که کمترین سرود"، هنا لا بدّ أن ننتبه إلى أن اليوم هنا هو نفس اليوم الذي أشار إليه الشاعر في بداية الشعر؛ ولكن عندما نكرر هنا "ذات يوم"، كأنه يوم آخر قد يكون نفس اليوم أو غيره من الأيام. فكان من الأفضل جدّا لو أتى المترجم بكلمة أخرى لتبين هذا الاختلاف اللطيف. فكان بإمكانه مثلا أن يقول: يومٌ؛ أي "هو يومٌ"... إلخ. وكذلك عندما يقول المترجم "ستكون القبلة هي أقل أغنية"، فقد غير أسلوب النص الأصلي وجعل المبتدأ خبراً والخبر مبتدأ ولا مبرّر للقيام بهذا التقديم والتأخير؛ لأن الشاعر كان بإمكانه أن يقول "روزى كه بوسه كمترين سرود است"، وإنما عدل عن هذا ليخلق نوعا من التشويق[12] يجعل السامع يتشوف ويطلع إلى الخبر وعندما يسمعه، بعد أن ساوره الشك والسؤال يشعر بنوع من الفرح والاطمئنان؛ وهذا من المقاصد والاعتبارات الجمالية تزيد الشعر جمالا وبهاء. فلا ينبغي العدول عن هذا الأسلوب إلا عند الضرورة وتحت ضغط الاختلاف بين اللغتين في الأسلوب والبيان. وكذلك لا مبرر هنا لتغيير زمن الفعل؛ فبدل "سيكون"، ينبغي أن نقول "يكون"، وهذا ما فعله المترجم فيما بعد، وقال "يكون أخا"، فأي فرق بين هذا وذاك؟! فبإمكاننا أن نقول: "علی الأقل تكون القبلة أغنیة". وبما أن الترجمة علم، ومهارة، وفنٌ، وذوق، تتطلب ثلاثة أشياء، هي: إتقان اللغة الأم أو اللغة الهدف، وإتقان اللغة المصدر والإلمام بالأفكار وتاريخ الأدب الذي يحكم النص؛ فعلى المترجم أن یکون متقنا للغة الأصل واللغة الهدف وعلی درایة بثقافة لغته وثقافة اللغة المترجم إلیها، لیتسنی له مد الجسور بینهما. وهنا نجح المترجم في نقل المعنى، ولكنه أخفق في إعادة بناء العلامات اللغوية وموسیقی الکلام. وبغض النظر عن مدى سيطرة المترجم على أدوات العمل، فإن النتيجة هي شيء آخر، نص مختلف عن النص الأصلي. فعلى الرغم من أن المترجم ترجم الكلمات إلى اللغة العربية بشكل صحيح وباهتمام بالغ بالنص المصدر، إلا أنه لم يكن قادرا على عرض الموسيقى بين الحروف والكلمات في اللغة العربية. 3ـ2. الترجمة التناظرية في هذا النوع من الترجمة، يحاول المترجم تحدید وظيفة النص الأصلي في ثقافة المتلقي ويبحث عن وظيفة موازية له في عرف اللغة الهدف ليحصل على شكل قياسي يمكن أن يقوم بوظيفة متناظرة (گنتزلر، 1393ﻫ.ش، ص 129). وفي هذه الترجمة، يهتم هولمز بالشكل الثقافي للنص ويسمح للمترجم باستخدام شكل مشابه للشكل الثقافي للنص الأصلي للشعر. فالمترجم يلتزم ببعض عناصر النص الأصلي؛ ولكنه لا يُلزم نفسه بترجمة جميع ميزاته إلى اللغة الهدف؛ وفي بعض الحالات، يقوم بترجمة حرّة لبعض العناصر من أجل الحصول على ترجمة واضحة غير ملتبسة في اللغة الهدف. وهذه الترجمة شبيهة جدا بالقصيدة الأصلية؛ لأن الشعر ليس إلا فن اللغة، والحد الفاصل بين الشعر وغير الشعر هو فقط في استخدام اللغة، وليس في استخدام الوزن والقافية وعدم استخدامهما (شفيعى كدكنى، 1390ﻫ.ش، ص 308). ـ شب كه میخواند كسی نومید/ إنّه اللیل الذي یدعو الیائس، من ز راه دور دارم چشم / وأنا أنظر بعینی من مسافة بعیدة، با لب سوزان خورشیدی كه / وهو یقبّل بشفة شمسیة حارة؟ بام خانه همسایهام را / شرفة منزل جارتی بشوق ولهفة. گرم میبوسد. (عبد المنعم، 2009م، ص 131 ـ 132). يقول الشاعر: "في الليل عندما يدعو أحد، وهو يائس؛ أنا أنظر من بعيد إلى الشفة الحارّة للشمس، وهي تقبّل شرفة منزل جاري، أو جارتي، بلهفة". فهذا الشعر صراع كلّه بين المقابلات الثنائية التي تكشف عن الصراع الداخلي للشاعر ومعركته مع السواد واليأس والضعف. وفي كل هزيمة ويأس وسواد وظلام، يَعد بالنصر والأمل والبياض والنور. وفي هذا الجزء من الشعر، تعتبر الحالة الداخلية للشاعر وموقفه ضد اليأس موقفا معارضا يَعد بخطاب الأمل. فـ"أنظر من بعيد إلى الشفة الحارّة للشمس" تعني أنني أنظر إلى ضوء الشمس ودفئها. فإن الشمس تعد دائما بالنور ونهاية الظلام وإن شروق الشمس وعودة ظهور النور، على عكس اليأس والظلام، يلهمان خطاب الرجاء. - شب كه میماسد غمی در باغ / إنّه اللیل الذي یلعق الأحزان فی البستان، من ز راه گوش میپایم / وأنا أنصت من بعید سرفههای مرگ را / لأصوات سعال الموت التي تتلاشی در نالهی زنجیر دستانم / في نحیب سلاسل قصتي كه میپوسد (المصدر نفسه، 2009م، ص 132). إن عبارة "من ز راه گوش میپایم" كناية عن الترقّب والترصد والانتظار بدقّة فائقة؛ فالشاعر يقول: "في الليل عندما يتعاظم حزنٌ في البستان؛ أترقّب بآذاني سعال الموت في نحيب القيود التي على يديَّ وهي تصدأ". فإن الشاعر يترصد أن یفك القيود التي سلبته الحرية ولكنها على وشك التلاشي والتفكك. ولكن المترجم أخفق في ترجمة هذه الكناية؛ لأنه ظنّ أن "ماسیدن = الانجماد، التکلس" یعادل "لیسیدن = لعق". كما أخطأ في تحديد أركان الجملة في المصرع الأول. وقد زاد "من بعيد" في المصرع الثاني بدون مبرّر ولا ضرورة. وتختلف كلمة "دستانم" بمعنى "يديّ" عن كلمة "داستانم" بمعنى "بقصّتي" في حرف واحد، فالتبس الأمر على المترجم وأخطأ في ترجمتها. وكذلك "كه میپوسد" بمعنى "وهي تتلاشى" أو "وهي تصدأ" ترجع إلى "القيود" وليست إلى أصوات سعال الموت. فهذا من الأشعار السياسية لأحمد شاملو يصور فيها الوضع السياسي المأساوي والاضطهاد الفكري وكبت الحريّات الأساسية وغياب العدالة؛ ولكن رغم أن الليل، وهو كناية عن الظلم والاضطهاد والاستبداد والطغيان، فرض سيطرته وأحكم قبضته، إلا أنّ الشاعر لا يساوره خوف ولا ينتابه يأس، وهو يأمل أن تصدأ القيود وتتلاشى عن قريب ليستعيد حرّيته وكرامته من جديد. لقد أخطأ المترجم في فهم المعنى لبعض المفردات؛ ولكنه بترجمته الحرفية قدم نصا مشابها تقريبا للشعر الأصلي. تتمثل إحدى خصائص النص المترجم حرفيا في أن المنطق الذي يحكم التفسيرات والعلاقات الدلالية بين الجمل أو مكوناتها، اقتراض من النص الأصلي. ويُعدّ هذا النوع من الاقتراض مشكلة عندما يقوم المترجم، بسبب الخلط بين المعاني الأولية والثانوية مثلا، بترجمة الكلمات أو تفسيرها بشكل خاطئ، وبالتالي، يتم تشويه العلاقة المنطقية في النص الأصلي عند الترجمة (خزاعىفر، 1395ﻫ.ش، ص 14). ومن الطبيعي أن يكون لمتلقّي الترجمة عقلية مختلفة عن متلقّي النص الأصلي في اللغة المصدر؛ لأن الكلمات تفقد جزءًا من قدرتها الدلالية أثناء الترجمة؛ ومن ناحية أخرى، يتلاشى الربط الذهني بين المعاني والكلمات والذي يعتمد على المستوى المعرفي للمتلقي وثقافة المجتمع أحيانا (حيدرپور وهاشمى، 1398ﻫ.ش، ص 46). 3ـ3. الترجمة التنظيمية / ترجمة المحتوى عند ترجمة المحتوى، يأخذ المترجم المعنى الرئيسي من النص الأصلي ويترجمه إلى شكله الفريد في اللغة الهدف (گنتزلر، ۱۳۹۳ﻫ.ش، ص 120). وفي هذا الأسلوب، يعتقد هولمز أن المترجم يمكنه إدخال العناصر الدلالية في شكل شعري فريد في الترجمة. وفي علم الدلالة، تتم دراسة معنى العناصر اللغوية، بغض النظر عن العوامل الخارجة عن اللغة؛ ولكن في الشعر يمكن استخدام هذه العناصر في معان أخرى. والمترجم ملزم بترجمة العناصر النصية للغة المصدر إلى اللغة الهدف. يحاول المترجم أن يكتب نصا يكون فيه طابع النص الأصلي غير محسوس قدر الإمكان، ولا يخلو من الإبداع اللغوي، ولا يبتعد عن غرض الكاتب وما يقصده من المعاني، ويكون متماسكا وموحدا كالنصوص الأصلية. فالترجمة الأدبية هي الاستنساخ إلابداعي والفني للنص الأصلي. وللحصول على التناسق الأسلوبي، يحتاج المترجم إلى ذوق أدبي، حتى يتمكن من وضع الكلمة إلى جانب ما يناسبها من الكلمات واستخدام التعابير في مكانها المناسب (خزاعيفر، 1395ﻫ.ش، ص 15 ـ 16). ـ آینهها و شبپرههای مشتاق را به من بده / أعطني مرایا وخفافیش المشتاق روشنی و شراب را / أعطني ضیاءً وشراباً، آسمان بلند و کمان گشاده پل / أعطني سماءً عالیةً وقوساً جیّد التسدید، پرندهها و قوس و قزح را به من بده / أعطني طیوراً وقوس قُزح، و راه آخرین را / وکرّری الطریق الآخِر، در پردهای که میزنی مکرر کن / خلف الستائر التی تسدلینها (عبد المنعم، 2009م، ص 133). لقد أخفق المترجم في نقل العناصر الدلالية للشعر؛ وكذلك أخطأ في تحديد التراكيب الوصفية والاضافية وفي المعرفة والنكرة و...؛ فكلمة "آينهها" معرفة وتعني "المرايا" و"شبپرهها" قد تأتي بمعنى الخفافيش وغالبا تأتى بمعنى الفراشات، وهي المقصود هنا. وكذلك فإن كلمة "مشتاق" صفة لكلمة "شبپرهها"، وليست مضافة إليها؛ ولكن المترجم جعلها مضافة إلى المرايا والخفافيش وعطف بين المضافين؛ وهذا لا يجوز قبل التصريح بالمضاف إليه. فيقول الشاعر: "أعطني المرايا والفراشات المتلهفة"، ثم يقول الشاعر: "الضياء والخمر"؛ أي: أعطني الضياء والخمر؛ وواو العطف يغنينا عن تكرار الفعل، وخاصّة أن الشاعر عدل عن ذكره هنا متعمداً، حيث ذكر الفعل مرّتين وحذفه مرّتين للحصول على تناغم موسيقي وتناسق بين الأجزاء. وكذلك فإن "آسمان" و"کمان" معرفتان وينبغي دخول لام التعريف عليهما، وإن "کمان گشادهی پل" كناية عن مجرّة القوس القزم الكروية. فيقول الشاعر: "وأعطني السماء العالية والقوس القزم والطيور وقوس القزح" وبين "القوس" و"قوس" وكذلك "القزم" و"القزح" جناس. وأيضا فإن كلمة "پرده" تأتي بمعنى "الستار" و"اللوحة" و"النغمة". فهنا يقول الشاعر: "وكرّري الطريق الآخِر في اللوحة التي ترسمينها أو في النغمة التي تغنّين بها؛ وبما أن الشاعر عطف بعد أسطرٍ كلمة "رنگ" بمعنى "اللون" على "پرده"، وقال "در فراسوی پرده و رنگ"، فيكون المعنى المقصود هنا هو اللوحة.
3ـ4. الترجمة المنحرفة / غير ذات الصلة يسمي هولمز هذا النوع من الترجمة "الأشكال المنحرفة". وليس هذا النوع من الترجمة مشتقا من القصيدة الأصلية، وإنما يحافظ على التشابه في مستواه الأدنى متعمدا ولأغراض أخرى. ولا يعطي هولمز مثالاً لهذه الترجمة (گنتزلر، 1393ﻫ.ش، ص 120). وإن هذا النوع من الترجمة اقتباس من القصيدة الأصلية يتجلى بشكل جيد في الترجمة. فيُدخل المترجم العناصر اللغوية للقصيدة الأصلية في الترجمة، وفقا لاختياره، وبالتالي ينحرف عن شكل القصيدة الأصلية. ـ شب كه جوی نقره مهتاب / إنّه اللیل الذي یجعل الصحراء الشاسعة، بیكران دشت را دریاچه میسازد / کبحیرة یتلألأ ماؤها تحت ضوء القمر الفضي، من شراع زورق اندیشهام را / وأنا أنشر شراع زورق فکري، میگشایم در مسیر باد / في مهب الریح (عبد المنعم، 2009م، ص 131). لقد نجح شاملو في إضفاء موسيقى لطيفة وبليغة على الشعر بتتابع الإضافات في "جوی نقرهی مهتاب" و"شراع زورق اندیشهام"؛ لأن هذا التتابع أمر مستحسن في اللغة الفارسية ويزيد من فصاحة الكلام وجماله خلافا للغة العربية التي يعدّ فيها تتابع الإضافات من العيوب الستة التي لا تتحقق فصاحة الكلام إلا بخلوّه منها. وعلى الرغم من أن المترجم استخدم بعض الكلمات المتطابقة في اللغتين، مثل "شراع" و"زورق" وجاء بتتابع الإضافات في "شراع زورق فكري"، إلا أنه قد انحرف عن النص الأصلي بتفسيره وتأويله الخاطئ في ترجمة الكلمات والمصطلحات والتراكيب وتحديد أركان الجملة. فإن الشاعر يقول: "في الليل عندما تجعل قناةُ لُجين ضوء القمر الصحراءَ الشاسعةَ بحيرةً"؛ ولكن المترجم بعد تحليله وتفسيره لهذا النص، قام بإعادة صياغته بهذه الصورة: "إنّه اللیل الذی یجعل الصحراء الشاسعة کبحیرة یتلألأ ماؤها تحت ضوء القمر الفضی". وإلى هنا لمّا تكتمل الجملة في النص الفارسي؛ فالشاعر يأتي بالخبر ويقول: "أنا أنشر شراع زورق فكري في مهب الريح" أي: في الليل عندما تجعل ... أنا أنشر ..."؛ ولكن المترجم جعله جملة مستقلة بإتيانه بواو الاستئناف. ولقد تكرر هذا فيما يأتي: ـ شب كه آوایی نمیآید / إنّه اللیل الذي لا یُسمع فیه صوت، از درون خامش نیزارهای آبگیر ژرف / من داخل مزرعة القصب الساکنة حول البرکة العمیقة من امید روشنم را / وأنا أتغنّی سعیداً بآمالي البراقة همچو تیغ آفتابی میسرایم شاد / کأشعة الشمس (المصدر نفسه، ص 131). يقول الشاعر: "في الليل إذ لا يُسمع صوت من الضمير الخامد لمقاصب البركة العميقة؛ أنا أتغنّى بأملي البراق كشروق شمسٍ". فكلمة "اميدم" بمعنى "أملي" ربّما جاء مفردا؛ ليدل على أن الشاعر لم يبق لديه إلا أمل واحد، وعندما نترجمه بصورة الجمع، يختفي هذا المعنى ونبتعد عن غرض الشاعر. وكذلك إن "تيغ آفتابى" نكرة وكناية عن طلوع أو شروق للشمس، فلا تنبغي ترجمتها بصورة المعرفة والجمع.
الخاتمة نظرا لاستخدام الشعراء للغة بأجمل طريقة وأحسن وجه للتعبير عما يجول في ضمائرهم من مشاعر وعواطف وأحاسيس، فإن الكلمات غير مكتملة للتعبير عن أفكارهم وتأبى أشعارهم الرومانسية الوصف؛ ومن ثم يميل بعضهم إلى اللغة الرمزية، وخاصة أولئك الشعراء الذين تخلوا عن الوزن والقافية والبحر والعروض، ليقللوا قدر الإمكان من العوائق التي تحول دون بوحهم عما بداخلهم؛ ولهذا السبب، يبتعد الشعر الحر عن الأشكال التقليدية ويقبل إلى استخدام الرموز والإشارات. وبما أن أشعار أحمد شاملو قد أنشدت بأسلوب مميز، وهي التي تأسس عليها الشعر الحر، فإنها زاخرة بالمصطلحات والرموز والإشارات ومفعمة بالمفاهيم والمضامين الأدبية والفلسفية والاجتماعية والسياسية. فمن الصعب جداً فهم هذه الأشعار، ومن ثَمّ فإن ترجمتها إلى العربية تتطلب من المترجم مهارة فائقة ومعلومات متعددة الأبعاد في كل من اللغتين المصدر والهدف. إن محمد نور الدين عبد المنعم تمكن من ترجمة المصطلحات والتعابير الخاصة إلى اللغة العربية، نظرا لمعرفته الكافية باللغة الفارسية، وتمكنه من لغته الأم، كما أنه نجح إلى حد لا بأس به في تحديد عناصر الجملة بشكل صحيح وترجمتها إلى اللغة العربية، إلا أن بعض جهوده لم تكلل بالنجاح وأخطأ أحيانا في فهم معاني المصطلحات ودلالات الرموز أو تحديد أركان بعض الجمل.
[1]. James s. Holmes [2]. The Name and Nature of Translation Studies [3]. Pure [4]. Theoretical [5]. Descriptive [6]. Mimetic [7]. Analogical [8]. Organic [9] Deviant [10]. Paradigmatic axis [11]. Syntagmatic axis [12]. Suspense | ||
مراجع | ||
أ. العربية عبد المنعم، محمد نور الدين. (۲۰۰۹م). مختارات من الشعر الفارسي الحدیث. ط 2. القاهرة: المرکز القومي للترجمة. هلال، محمد غنيمي. (1969م). النقد الأدبي الحديث. القاهرة: دار النهضة العربية.
ب. الفارسية اسکولز، رابرت.( 1379ﻫ.ش). درآمدی بر ساختارگرایی در ادبیات. ترجمه فرزانه طاهری. تهران: آگاه. اسوار، موسی. (1384ﻫ.ش). شعر امروز ایران. تهران: فرهنگستان زبان و ادب فارسی. افضلی، علی؛ و اکرم مدنی. (1400ﻫ.ش). «ارزیابی کیفی ترجمه عربی شعر سعدی بر پایه نظریه جیمز هولمز». کارنامه ادبی متون دوره عراقی. س 2. ش 3. ص 1 ـ 14. ـــــــــــــــــــــــــــ . (1399ﻫ.ش). «کاربست نظریه هنجارهای گیدئون توری در ارزیابی کیفی ترجمه عربی اشعار فروغ فرخزاد». مطالعات ترجمه. س 18. ش 70. ص 45 ـ 60. ــــــــــــ؛ و عطیه یوسفی. (1395ﻫ.ش). «نقد و بررسی ترجمه عربی گلستان سعدی بر اساس نظریه آنتوان برمن». پژوهشهای ترجمه در زبان و ادبیات عربی. س 6. ش 14. ص 61 ـ 83. ــــــــــــ؛ و مرضیه داتوبر. (1396ﻫ.ش). «ارزیابی کیفی ترجمه عربی هفتپیکر نظامی بر اساس نظریه آنتوان برمن: مطالعه موردی کتاب العرائس السبع اثر عبدالعزیز بقوش». مطالعات ترجمه. س 15، ش 58. ص 71 ـ 86. ـــــــــــــــــــــــــــــــ . (1398ﻫ.ش). «ارزیابی کیفی ترجمه عربی اشعار مولانا بر اساس نظریه آنتوان برمن: مطالعه موردی کتاب مختارات من دیوان شمس الدین تبریزی اثر ابراهیم الدسوقی شتا». پژوهشهای ادبی. س 16. ش 65. ص 9 ـ 28. ــــــــــــ؛ و مريم السادات منتظری. (1394ﻫ.ش). «نقد و بررسی ترجمه عربی عمر الشبلی از غزلیات حافظ»، مجموعه مقالات دومین همایش بینالمللی حافظ. ص 137 ـ 158. براهنی، رضا. (1384ﻫ.ش). «گفتمان دوسویگی در شعر احمد شاملو». گوهران. ش 9 ـ 10. ص 55. بیکر، مونا و سالدینا گابرئیلا. (1396ﻫ.ش). دایرة المعارف مطالعات ترجمه. ترجمه حمید کاشانیان. تهران: نو. ترابی، ضیاءالدین. (۱۳۸۲ﻫ.ش). «آسیبشناسی ساختاری شعر نو». شعر. ش 31. ص 18 ـ 21. حقانى، نادر. (1386ﻫ.ش). نظرها و نظریههای ترجمه. تهران: امیر کبیر. حقوقی، محمد. (1384ﻫ.ش). «شاملو و کانون نویسندگان ایران». گوهران. ش 9 ـ 10. ص 28 ـ 29. حیدرپور، امیرداود؛ و محمدرضا هاشمی. (1398ﻫ.ش). نقد ترجمه در ایران. تهران : عصر ترجمه. خزاعىفر، علی. (1395ﻫ.ش). «ترجمه بدون نظریه». مترجم. س 25. ش 59. ص 3 ـ 16. دستغیب، عبدالعلی. (1373ﻫ.ش). نقد آثار احمد شاملو. چ 5. تهران: چاپار. الدهني، نسرین هاني. (1393ﻫ.ش). «ترجمة شعر فروغ فرخزاد في الوطن العربي». انجمن ایرانی زبان و ادبیات عربی. ش 30. ص 41 ـ 59. سپانلو، محمدعلی. (1384ﻫ.ش). «شاملو و کانون نویسندگان ایران». گوهران، ش 9 ـ 10. ص 28 ـ 29. سجودی، فرزان؛ و فرناز کاکهخانی. (1390ﻫ.ش). «بازی نشانهها و ترجمه شعر». زبان پژوهی دانشگاه الزهرا (س). س 3. ش 5. ص 133 ـ 153. شفیعی کدکنی، محمدرضا. (1390ﻫ.ش). با چراغ و آینه. تهران: سخن. قربانزاده، بهروز. (1395ﻫ.ش). «تلاشهای عبد المنعم در ترویج زبان و ادب فارسی در مصر». یازدهمین گردهمایی انجمن بین المللی ترویج زبان وادب فارسی. ص 838 ـ 853. کاظمی نجفآبادی، سمیه؛ و محمد رحیمی خویگانی. (1396ﻫ.ش). «بازتاب ترجمه شعر معاصر فارسی در جهان عرب». پژوهشهای ادبیات تطبیقی. ش 1. ص 120 ـ 157. گنتزلر، ادوین. (1393ﻫ.ش). نظریههای ترجمه در عصر حاضر. ترجمه علی صلحجو. چ 2. تهران: هرمس. ماندی، جرمی. (1394ﻫ.ش). معرفی مطالعات ترجمه: نظریهها و کاربردها. ترجمه علی بهرامی و زینب تاجیک. چ 2. تهران: رهنما. منافی اناری، سالار. (1382ﻫ.ش). «حدود ترجمهپذیری شعر». مطالعات ترجمه. ش ۱ . ص 9 ـ 30. نجفى، ابوالحسن. (1361ﻫ.ش). «مسئله امانت در ترجمه». دانش. ش 13. ص 5 ـ 11. | ||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 217 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 126 |