تعداد نشریات | 43 |
تعداد شمارهها | 1,639 |
تعداد مقالات | 13,339 |
تعداد مشاهده مقاله | 29,950,877 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 11,980,811 |
دراسة الخطاب الجاهلي في القرآن في قصة إبراهیم () عبادته الأجرام وتحطیمه الأصنام وفي قصة عزیر اعتمادا علی طریقة بدام | ||
بحوث في اللغة العربية | ||
دوره 15، شماره 28، شهریور 2023، صفحه 141-160 اصل مقاله (1.3 M) | ||
نوع مقاله: المقالة البحثیة | ||
شناسه دیجیتال (DOI): 10.22108/rall.2023.135179.1436 | ||
نویسندگان | ||
فاطمه محمدی1؛ مريم جلائي* 2؛ عباس اقبالي3؛ حسين ايمانيان4 | ||
1طالبة الدكتوراه في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة كاشان، كاشان، إيران | ||
2أستاذة مشاركة في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة كاشان، كاشان، إيران | ||
3أستاذ في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة كاشان، كاشان، إیران | ||
4أستاذ مساعد في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة كاشان، كاشان، إيران | ||
چکیده | ||
تعتبر اللسانیات من الدراسات المهمة اللغویة من ناحیة بیان معنی النص الخطابي المراد دراسته؛ ومن الطرق المهمة في هذه الدراسات طریقة بدام، وهي بشكل عام، تشبه طریقة فركلاف في شمولها علی ثلاث مراحل مهمة، وهي: الوصف والتفسیر والتبیین. في ثنایا هذه المراحل، یدرس الباحث النص الخطابي دراسة معنویة تحلیلیة عمیقة من ناحیتین: من حیث المعنی الظاهري أو (السطحي) أولاً، ومن حیث المعنی الباطني أو (العمیق) ثانیاً. في هذا المقال، حاولنا دراسة ثلاث قصص قرآنیة قصیرة، وهي: 1ـ عبادة الأجرام السماویة زمن إبراهیم (j)؛ 2ـ موت عزیر مدة مئة عام؛ 3ـ تحطیم إبراهیم للأصنام. بعد دراسة معنی الخطاب في هذه القصص القرآنیة دراسة معنویة تحلیلیة، قارنّاه بمعنی الخطاب الجاهلي مقارنة نقدیة معتمدین علی الأسلوب الوصفي ـ التحلیلي وعلی أساس طریقة بدام. من النتائج التی حصلنا علیها من هذه الدراسة أن موضوعات القصص القرآنیة تشبه موضوعات الشرك وعبادة الأصنام التي كانت موجودة في الجاهلیة وتشبه الموضوعات الأخری أیضاً، وهي موضوعات البعث والمعاد. موضوعات هذه القصص الثلاث بیان وعرض لعادات مشركي الجاهلیة في تقلید آبائهم وأجدادهم باعتقادهم بالآلهة الأرضیة والسماویة وإنكارهم للتوحید والبعث والمعاد. هدف القرآن الكریم من بیان هذه القصص الثلاث إثبات الشبه في اعتقاد الإنسان بمسألة التوحید والمعاد وإقناع المخاطب أو المتلقي ببیان واضح مصحوبٍ ببیان تصویری منظور في جواب منكري المعاد والرد علیهم، وذلك في بعث الحیاة في المیت وإعادتها إلیه بعد مرور مئة عام علی موته، أما بالنسبة إلی قصة تحطیم إبراهیم (j) للأصنام، ففیها معنی خفيّ یشیر إلی تحطیم الأصنام الجاهلیة بعد فتح مكة. | ||
کلیدواژهها | ||
الخطاب؛ النقد؛ المجتمع الجاهلي؛ أسلوب بَدام؛ عبادة الأصنام؛ إنكار المعاد | ||
اصل مقاله | ||
تحلیل الخطاب النقدي هو أحد الأساليب الجديدة في اللسانيات؛ ولهذا التحليل إمكانية تطبيقه في القرآن؛ فهو إضافة إلی دراسة الشرائح السطحية أو الظاهریة يمكنه إظهار الثنایا الخفية والباطنیة للنص أيضا ويمكنه التوصل عبر تحليله إلى التركيبة المكانية والزمانية ومواقع الأفراد الذين كانت لهم أدوار في ذلك الخطاب، علما بأن دراسة الثنایا السطحية للسور القرآنية يمكنها أن تقرب لنا الأساليب الصحيحة للنقد الاجتماعي؛ بينما تبين دراسة الثنایا العميقة تجليات خلود هذا الإعجاز السماوي وتصون المجتمعات اللاحقة من تكرار ألوان الانحرافات المشابهة . هنالك أساليب متعددة في تحلیل الخطاب النقدي؛ منها أسلوب فن دايك[1] وفيركلاف[2] ولاكلا[3]، وهي من أهم تلك الأساليب وجميعها محكوم عليها بالوقوع في فخّ معاني الكلمات والمفاهیم والقواعد اللغوية. ويعد أسلوب بدام أحد أهم الأساليب الفاعلة في تحليل الخطاب النقدي للنصوص المقدسة. ففي هذا الأسلوب، تتم دراسة الثنایا السطحية والعميقة للنص في أربعة مراحل، إضافة إلی تبیان المفاهیم القانونية، فإنه يسبر عمق المجتمع والثقافة والانحرافات (بشیر، 2016م، ص 10). إن الخطابات تحوي في داخلها عناصر وسلوكيات مختلف قطاعات المجتمع، ويمكننا من خلال النفوذ إلى ثنایا الخطابات العميقة، تحليل عناصر المجتمع وسلوكياته؛ ويمكننا أیضاً دراسة الكثير من قصص القرآن من خلال أسلوب بدام الخطابي. ونظرا إلى أن أصالة فطرة البشر تتكرر فيها جميع السلوكيات علی مرّ الأزمان، فنجد أن حضور الأنبياء كان بهدف إيقاظ تلك الفطرة . في البحث الحالي، وقع اختيارنا على ثلاث قصص قرآنية قصيرة تختص بالمجتمع الجاهلي تماما، وذلك بعد دراسة خمس عشرة قصة من قصص القرآن. وهذه القصص تشمل عبادة الأجرام السماوية من قبل الوثنيين المعاصرين لإبراهیم (j)، وفيها إشارات إلى معتقدات هؤلاء الوثنيين بالربوبیة لآلهة سماوی؛ والثانية قصة موت عُزير الذي أماته اللّٰه مئة عام وتشتمل على نوع من الصور والمشاهد العينية لمنكري المعاد، وأخيرا قصة تحطيم الأصنام بيدي إبراهيم (j). أما سبب اختيار هذه القصص الثلاث فإنه إضافة إلی قابلية تطبيق أسلوب بدام عليها، استمرارية مضامينها والأفكار المحفوفة بالشرك علی مرّ العصور. لهذا السبب، فالبحث الحاضر هو بصدد الحصول على إجابة عن هذه الأسئلة: ـ كيف يتم تفسير الخطاب القرآني في قصة عبادة الأجرام السماوية في زمن إبراهيم (j) وفق أسلوب بدام التحليلي؟ ـ كيف يتم تفسير الخطاب القرآني في قصة موت عُزير لمدة مئة عام وفق أسلوب بدام التحليلي؟ ـ كيف يتم تفسير الخطاب القرآني في قصة تحطيم إبراهيم (j) للأصنام وفق أسلوب بدام التحليلي؟ ـ ما الترابط بين خطابات هذه القصص وبین الخطاب النقدي للنبي الأكرم (2) في العصر الجاهلي؟ 1ـ1. ضرورة البحث وأهمیته تكمن ضرورة البحث فيما يلي: ـ یعتبر الفن القصصي من أهم الأسالیب التربویة تأثیراً في فئات المجتمع قاطبةً، في عقولهم وتفكیرهم وعواطفهم. ـ الفن القصصي في القرآن الكریم هو أرقی أنواع هذا الفن وأشدها وأقواها تأثیراً من هذه الناحیة؛ لأن القصة القرآنیة لا تخاطب العقول فحسب، بل تخاطب العواطف والمشاعر أیضاً، مؤكدة علیها في مضمار هذا الخطاب الخاص، بحیث تسیطر علیها وتجعلها منقادة، لا إرادیاً أو عفویاً، لها ثم توجهها نحو الهدف المتوخی من وراء سردها وبیانها. ـ التحلیل الخطابي للقصص القرآنیة في نقد المجتمع الجاهلي لا یحلل الثنایا السطحیة والعمیقة لآیاتها فقط، بل یوجهنا إلی كیفیة الاستفادة من هذا العنصر الأدبي النادر للوصول إلی فهم الهدف المتوخی منه. ـ والأمر الذي لا جدال فیه أن قصص القرآن الكریم تحكي عن معتقدات مجتمع عصر النزول وثقافته، أي تسرد معتقدات الجهل والضلال في ذلك الزمن. وبواسطة تحلیل الخطاب في هذه القصص بطریقة بدام، یتضح لنا جلیاً الهدف المتوخی منها كاملاً. ـ معتقدات الجاهلیین وطرق سلوكهم في حیاتهم لم تكن مقصورة علیهم فقط، بل إنها توجد في سلوكیات الناس علی مدی التأریخ قدیماً وحاضراً ومستقبلاً. وفي تحلیل ثنایا الخطاب الظاهریة والباطنیة لهذه القصص القرآنیة، تذكیر لعقل المجتمع الإنساني وتنبیهه ووعظه، المجتمع الإنساني الذي یمكن أن تماثل معتقداته وسلوكیاته المعتقدات التي كانت في مجتمع العصر الجاهلي وسلوكیاته. 1ـ2. خلفية البحث لقد جرت بحوث عديدة في مضمار تحلیل الخطاب النقدي، منها الدراسات التالیة: نشر مهدي مطیع ورضا شكري وهدى صادقزادگان (1390ﻫ.ش)، مقالةً في موضوع بررسی روش گفتمانكاوی و چگونگی كاربست آن در مطالعات قرآنی (= دراسة طریقة الخطاب وکیفیة تطبیقه في الدراسات القرآنیة). فقد قدم مؤلفو هذا المقال نموذجاً منهجیاً تدریسیاً علی أساس طریقة بدام في الموضوعات الدینیة وخلصوا إلی أنه یمكن تفسیر جوانب آیات القرآن الكریم كلها وبیان دلالات النص الخفیة عبر تحلیل الخطاب. تطرقت عارفه مزید (1393ﻫ.ش)، في مقالة تحلیل گفتمان انتقادی سوره آل عمران بر طبق نظریه نورمن فركلاف (= تحليل الخطاب النقدي لسورة آل عمران على أساس نظرية نورمن فيركلاف)، إلى ثلاثة مستویات، وهي الوصف والتفسیر والتبیان، وخلصت إلی أن الخطاب التوحیدي في هذه السورة یناسب منهجها النحوي وأنه أصبح كاملاً بأسالیب القصر والتقدیم والتأخیر والتكرار، وهذه العناصر البلاغیة المستخدمة في هذه السورة تطابق مقتضیات حالة المخاطب تماماً. وفي البحث الذي قدّمته مهين حاجىزاده ورعنا فرهادى (1397ﻫ.ش)، تحت عنوان بررسی قصه یوسف (j) بر اساس نظریه تحلیل گفتمان انتقادی نورمن فركلاف (= دراسة قصة یوسف (ع) علی أساس نظریة تحلیل الخطاب النقدي لنورمن فيرکلاف)، تناولتا فيه ثلاثة مستويات الوصف والتفسیر والتبیان بناءً علی نظریة نورمن فیركلاف وتوصلتا إلى أن قصة یوسف إضافة إلی تماسكها وانسجامها، تستخدم العناصر الأدبیة والخطابیة كالتكرار، والمكان، والزمن والمشهد والصراع، أي العناصر التي تضاعف جمال القصة وتكسبه ازدیاداً. كذلك قدّم پیمان صالحی وطاهره افشار (1398ﻫ.ش)، في بحثهما تحت عنوان گفتمان انتقادی داستان حضرت موسی (ع) در قرآن كریم: بر اساس الگوی نورمن فركلاف (= الخطاب النقدي لقصة موسی (ع) في القرآن الکریم طبق طریقة نورمن فيرکلاف)، دراسةً لثلاثة مستویات للنحو والتفسیر والتبیان بناءً علی نظریة نورمن فیركلاف وخلصا إلی أن الغرض من استخدام المرادفات هو التأكید علی المفاهیم الأساسیة للقصة وأن الهدف من المتضادات هو تصویر الظلم للمجتمع؛ إضافة إلی أن استخدام الأفعال یساعد علی دینامیات النص، كما أن استخدام عناصر الحوار والجمل المثبتة كان له تأثیر مثبت كبیر في تقویة قلب موسی في أمر رسالته. أما في مجال نقد سلوكيات المجتمع الجاهلي، فقد أنجزت بحوث عدیدة من بينها البحث الذي قدمه حسين ایمانیان وعبد الغني ايروانىزاده (1387ﻫ.ش)، تحت عنوان دریچهای بر نقد اجتماعی در قرآن: جامعه جاهلی و بخشش (= نافذة علی طریقة النقد الاجتماعي في القرآن الکریم: المجتمع الجاهلي والكرم)، وتوصلا فیه إلی وجود أنواع مختلفة من النقد في القضایا الاجتماعیة والأخلاقیة تنزیهاً للمجتمع، إضافة إلی دراستهما موضوع الكرم والسخاء في ذلك المجتمع دراسةً متقنةً أثبتا فیها أن هذین الموضوعین لم یكونا موجودین في ذلك العصر لكثرة الآیات التي تحض علی الإنفاق والإحسان والقرض. كذلك تناول محمد نصیرى وحسين زراعتكار في بحثهما (1396ﻫ.ش)، تحت عنوان تحلیل جامعهشناسی مسئلۀ زنده به گور كردن دختران در جزیرة العرب عصر جاهلی (= دراسة اجتماعية تحليلية لظاهرة وأد البنات في جزیرة العرب في العصر الجاهلي)، وخلصا إلى أن وأد البنات إضافة إلی الدوافع الاقتصادية كالفقر، والدوافع الاجتماعیة كوصمة عار، تأثرت بأساطیر القدماء، حیث كانوا یعتقدون بتضحیة الفتیات تقدیماً للملائكة كآلهة مقدسة. وبالرغم من غزارة هذه الدراسات العلمیة وبحوثها الجدیدة، فإن مؤلفیها لم یدرسوا في كل منها تحلیل الخطاب النقدي للقصص القرآني وملائمته معتقدات المجتمع وسلوكیاته وقت نزول القرآن؛ لذلك فقد اهتم هذا البحث بتحلیل الخطاب علی طریقة بدام وتحلیل الثنایا الظاهریة والباطنیة مهتماً بالإجابة عن الأسئلة المطروحة.
من المفاهیم الجدیدة التي بحثها العلماء في مضمار اللسانیات في النصف الثاني من القرن العشرین هو مفهوم الخطاب وطبقوه في كثیر من العلوم مثل علوم اللغة والارتباطات والنفس والسیاسة والاجتماع؛ والخطاب یجسد مفهوم اللغة من خلف الجمل والعبارات. وبعد ظهور تحلیل الخطاب، ظهر التحلیل النقدي للخطاب باعتباره طریقاً جدیداً في بحث التغییرات الاجتماعیة والثقافیة وتحلیلها من خلال النفوذ في الثنایا الظاهریة للنص. وأسلوب هذا الخطاب النقدي الجدید هو تحلیل النص من ناحیة المفردات والدستور والمعنی. وبواسطة الخطاب النقدي، يكون للقاريء دور يقترب من دور الكاتب في إیجاد المعنی الخفي للنص فیما وراء معناه الظاهري. والخطاب النقدي في توجیهه «یوفّر إمكانية اتصال النص بجوانب علم الاجتماع» (بشیر، 2016م، ص 12). وفي هذا المضمار، نجد أن فركلاف باعتباره رائداً لهذا التحلیل النقدي، یبحث النص علی ثلاثة مستویات أو مراحل: المستوی الوصفي والمستوی التفسیري والمستوی التبییني، ثم جاء بعده علماء اللغویات مستفیدین من طریقته وأبدعوا لنا طرقاً أخری في تحلیل النصوص الاجتماعیة والدینیة والسیاسیة. وقد بحث كل واحد من هؤلاء النص الأدبي علی مستوی خاص وبطریقة خاصة به وقد أجادوا في عملهم هذا إجادة مفیدة في تحلیل الثنایا العمیقة له. إن علماء اللسانیات الأروبیین قد استفادوا من تحلیل الخطاب النقدي كثیراً وطبّقوه علی الأمور التي تشكل النص بصورة عامة مثل فصل الخطاب وحسن الختام وكیفیة انتخاب المفردات التي تشكل النص وجمله القصیرة والطویلة والخبریة والاستفهامیة والندائیة، كما أنهم قد بحثوا عناصر النص الاجتماعیة والثقافیة والسیاسیة والتاریخیة ومناسبة بعضها البعض الآخر في حدوده. إن هؤلاء العلماء بحثوا النص من حیث أنواع مفرداته وجمله وأسلوبه النحوي والتقدیم والتأخیر فیه والعلاقات الدستوریة بین جمله والعناصر البلاغیة فیه؛ كل ذلك ساعدهم علی النفوذ في ثنایا النص العمیقة، ثم انتهی بهم إلی تحلیل مفید جامع للمجتمع. يطلق العصر الجاهلي على فترة تتراوح بين مئة ومئة وخمسين عاما قبل ظهور الإسلام. وكلمة الجاهلیة «لا تعني أنها مقابل العلم، بل تعني الخشونة والتعصب وانعدام الحلم، والنقطة المقابلة لها هي الإسلام. والجاهلیةُ مصطلح استخدمه القرآن للعصر الذي سبق البعثة النبوية لبيان الفرق بين عصر ما قبل الإسلام وما بعده» (ضیف، 1974م، ص 39). ولعل غرض القرآن الكریم من هذه التسمیة هو بيان قبح بعض الاعتقادات في مجتمع الرسالة وسلوكياته كعبادة الأصنام والعكوف في المعابد والذبح أمام الأصنام واللجوء إلیه في كل الحاجات، إضافة إلی سلوكهم الجاهلي غیر الصحیح مع الآخرین في موضوع القصاص والإرث ووَأد البنات والأولاد ونزاعاتهم وعصبیتهم الجاهلیة وغیر ذلك؛ وهذه الأمور هي سبب إطلاق القرآن عنوان الجاهلیة علی ذلك العصر. والقرآن الكریم باستعماله كلمة الجاهلیة أدان الاعتقادات والرسوم والتقالید التي كانت سائدةً في ذلك العصر؛ لأن مهمة الرسول كانت محق هذه الاعتقادات والرسوم التي كانت سائدةً في ذلك الوقت. القرآن الكریم إنما نقد في خطابه العادات الجاهلیة، فلم یكن هدفه نَقدَ تلك العادات فحسب، وإنما هدفه الأصلي هو نقد ما یشابهها علی مدی التاریخ أیضاً. لقد تمكن علماء الآثار من اكتشاف مادة تاریخ الجاهلیة الأولی وجاهلیة ما قبل الإسلام من النقوش والكتابات القديمة والتورات والكتب العبرية والمصادر الإسلامية العربية. والنقوش والكتب القديمة هي في الغالب شخصية ولا يمكنها تقديم معلومات عامة دقیقة للباحثين حول تلك الفترة (الأسد، 1988م، ص 34). إذن أهم مصدر يمكن الاستناد إليه لتصوير أوضاع الحياة الجاهلیة، هو القرآن الكريم؛ لأنه يصف لنا حالاتهم ويتناول أفكارهم ومعتقداتهم؛ وبذلك یعتَبر مصدا موثقا في النقد الاجتماعي لتلك الفترة. إن القصص القرآنیة تشكل ربع آیات القرآن الكریم؛ ولرواية القصص وأسلوبها دور أساسي في إثارة العواطف الإنسانية النبيلة، وهي من أفضل أساليب الكلام التي تغذي الذهن والقلب بالندائات الإقناعية. ولغة القصة، تمكن الكاتب من بيان مقصوده بصورة أسهل وأوضح؛ لأنها اللغة التي يمكن فهمها واستيعابها من قبل القراء والمستمعین جمیعاً، وتأثیرها يفوق كل الأدلّة العقلية؛ لأن الإنسان قبل أن يستخدم قدراته في التعقل والتفكير، يخضع تحت طائلة المشاعر والأحاسیس؛ لذا «فإن أحد أسباب الرغبة في قراءة القرآن الكریم وفهمه طيلة التاریخ، يتمثل في وجود نفس هذه القصص والأحداث التي ليس لها من هدف سوى التعليم وأخذ العبر» (معارف، 1378ﻫ.ش، ص 148). إن القصص القرآنیة في مضمونها الكلي تُبَیِّن ناحیة مهمة من نواحي حیاة الأنبیاء السابقین، كما أنها لا تمنع ظهور التجلیات الفنیة من الناحیة البلاغیة؛ فهي إضافة إلی كونها ملیئة من العواطف والشعور، تحتوي علی أهم العناصر الفنیة الجمیلة في النص، مثل الحوار والنزاع والتصویر البصري التي تعطي النص روحاً عذبة وتمنحه جمالاً فنیاً رائعاً.
إن الهدف الأساسي من القصص والأمثال التی وردت في القرآن الكریم هو التأكید علی الموضوعات المتعلقة بالعقيدة والاجتماع والأخلاق والتقاليد والعادات التي كانت رائجة في الجاهلیة (مهدوى، 1381ﻫ.ش، ص 62). وفي الوقت الحاضر، نجد أن حسين بشیر قد استفاد من أسلوب التحلیل الخطابي النقدي لفركلاف وعرضه بأسلوب جدید بعنوان «أسلوب علمي في تحلیل الخطاب لبدام»؛ وذلك من أجل تحلیل الثنایا الظاهریة والعمیقة للنصوص السیاسیة والدینیة. الأسلوب العملي لتحلیل الخطاب علی أساس طریقة بدام هو واحد من الأسالیب المهمة في تحلیل الخطاب للثنایا الظاهریة والباطنیة للآیات القرآنیة الكریمة؛ وهذا الأسلوب (یعني أسلوب بدام) یمكن بحثه في أربعة مستويات تحلیلية: مستوى «سطح ـ سطح» و«عمق ـ سطح»؛ وهذان المستویان یدرسان الثنایا الظاهرية (1395ﻫ.ش، ص 111). ومستوی «سطح ـ عمق» و«عمق ـ عمق»، وهذان المستویان یدرسان الثنایا الباطنیة؛ أما مستوی «سطح ـ سطح» فهو یمثل شريحة النص الفوقانية التي لها صفة خارجية تفید الباحث في اختیار موضوع من مواضیع القصة من خلال الجمل والمصطلحات لا غیر دون تحلیل ودراسة؛ وأما «عمق ـ سطح» أو المستوی الذي یقع مباشرة تحت السطح، فهو یهتم بالمصطلحات والجمل والتركيبة الداخلية لها من الناحية النحویة والبلاغية، كما یُعنى بالمحتوی أیضاً. وأما مستوی «سطح ـ عمق» فهو یمثل أعلى مستوی في عمق النص؛ لأنه يهتم باختيارموضوع محدد من بين مختلف المواضيع أو مشهد من القصة من بين مختلف مشاهدها ويكون له شبه قوي بتفسیر النصوص الدينية. ومن خلال دراسة مستوی «عمق ـ عمق» يجب الالتفات إلى شروط النص، من حیث الزمان والمكان والظروف الأخرى وأثرِها في تكوين الخطاب وخصوصیات عناصره فردية واجتماعية (المصدر نفسه). إن الآیات القرآنیة وردت بصورة مجملة؛ لذا فإن الأخصائیین في البحوث القرآنیة لا یستغنون عن تحلیل الخطاب النقدي في فهم معاني الآیات الكریمة، فهم یستطیعون بواسطته أن یفهموا كثیراً من التضاد الظاهري في الآیات الكریمة، أي إنهم یستطیعون أن یعلّلوا أو یفسّروا التضاد الظاهري بین المعنی الظاهري المفهوم من الآیات الكریمة والمعاني الخفیة والباطنیة المفهومة منها.
3ـ1. قصة عبادة الأجرام السماوية وإبراهیم (j) الآیة التالیة في سورة الأنعام، أكثر آیات هذه السورة التي تخاطب المشركین الذین یعبدون آلهة غیر اللّٰه؛ لذلك أرسل اللّٰه الأنبیاء مبشرین ومنذرین لینقذوهم من الضلال؛ ومن هؤلاء الأنبیاء إبراهیم (j). والآیة موضوع البحث تعرض علینا ناحیة من قصته مع قومه: « وَإِذْ قالَ إِبْراهيمُ لِأَبيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ في ضَلالٍ مُبينٍ ! وَكَذلِكَ نُري إِبْراهيمَ مَلَكوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنينَ ! فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الآفِلين ! فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِني رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ ! فَلَمّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ فَلَمّا أَفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَريءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ! إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهيَ لِلَّذي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكينَª (الأنعام 6: 74 ـ 79).
في ثنایا «سطح ـ سطح»، هذا الحدث هو بیان زاوية من مناظرة إبراهیم (j) عمَّهُ آزر حول عبادة الأصنام بيَّنها القرآن في الآیات (74 ـ 79) من سورة الأنعام. ففي هذه المناظرة أو الجدال، نرى أن إبراهیم يحاول إقناع المشركين، من خلال مجاراتهم في عبادة الأجرام السماوية ومن ثم يعلن براءته منها. وتبدأ القصة في ثنایا المعنی «الباطني ـ الظاهري» أو «العمیق ـ السطحي» برواية حوار إبراهیم عمَّهُ آزر، «أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً». وهنا، نجد إبراهیم یسأل عمَّهُ بأسلوب الاستفهام الإنكاري. فیعتبر الاستفهام الإنكاري من أروع العبارات في إثارة العواطف الإنسانیة، فهو یوقظ عواطف المخاطب وحالاته الداخلیة. والمتكلم یستفید منه في بدء الكلام مشاركة المخاطب في الحوار، فهدفه الأساسي هو أن یحصل علی إقرار من المخاطب وتثبیت الموضوع المراد في ذهنه ثم توبیخه وملامته. والنبي إبراهیم (j) في استعماله الأسلوب الاستفهامي كان یهدف إلی إیقاظ وجدان عبدة الأصنام النائم وإثارتهم نحو التفكر والتعقل. وبإشارته إلی الأصنام بصورة نكرة «أَتَتَّخِذُ أَصْناماً» یؤكد علی حقارتها وأن قومه یعبدونها وإثباته لهم بعدم تمكنها من القيام بأي عمل (الطباطبائي، 1927م، ج 7، ص 378). وهنالك جمل اعتراضيه تبيّن تمیّز النبي إبراهيم (j) عن الآخرين في رؤية ملكوت السماوات والأرض في قوله تبارك وتعالى: «وَكَذلِكَ نُري إِبْراهيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنينَ». فقبل هذه الجملة الإعتراضية، يبادر النبي إبراهيم (j) إلى تحقیر جميع الأصنام التي يعتبرها الوثنيون آلهتهم: «أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً». وبعد هذه الجملة، يقدم تلك الأجرام السماوية على أنها ربّه، وفي ذلك القول تناقض. فقد بدأ النبي إبراهيم (j) في مواجهة عبادة الأجرام، بدأ أولاً بمواكبة الوثنيين عباد الكواكب: «فلمّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي»؛ لأنهم كانوا جماعة قلیلة. ولم يمض وقت حتى تحول من عبادة الكواكب وفسّر سبب عدوله عنها بأفولها: «فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الآفِلين». وكان الوثنيون عباد الكواكب يعرفون أفولها في النهار؛ ولذلك صنعوا أصناما ووضعوها في المعبد لعبادتها؛ واستفاد إبراهيم من مزاعمهم قائلًا: إن الذي يُرى أحيانا ولا يُرى أحيانا لايستحق أن يُعبد، بل إن الرب يجب أن يكون موجودا للمربوب دائماً ويلبي حاجاته. وهو بهذا القول أسقط أحد آلهتهم: «فَلَمّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِني رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ». وبعد ادعائه ربوبیة القمر، رآه قد أفل عند طلوع الصبح: «فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِني رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ»؛ وإذا تقرر أن يكون القمر ربه، یجب أن يكون حاضرا أمامه؛ لكنّ القمر له طلوع وغروب، فهو أسیر القوانین الطبیعیة؛ وبهذا أراد النبي إبراهيم بیان أدلته وصحتها وبیان أدلتهم وبطلانها؛ لأنها تفتقر إلی المنطق. وفي المرحلة الثالثة، تناول إبراهیم بناءً على أدلة هؤلاء أنفسهم، موضوع عبادة الشمس، وهي أكبر ولها منافع أكثر؛ ولكنه بمجرد أفولها أبدى استياءه من أربابهم كلها: «فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَريءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ». وفي المرحلة النهائية، أعلن عن عقيدته الحقة المتمثلة بعبادة اللّٰه خالق الأرض والسماء رافضاً الآلهة الأرضية والسماوية قائلًا: «إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكينَ». ففي هذه الجملة، بيّن النبي إبراهيم (j) عقيدته بادئاً بها حرفاً من حروف التوكید؛ فإبراهیم (j) بعد أن جاری عبدة الأصنام والأجرام في عبادتهم كما جاء في الآیات السابقة، أنكر عبادة الأجرام السماویة وبیّن عقیدته بجملة اسمیة: «إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ» أكثر تأكیداً من الجملة الفعلیة، وهي تدلّ علی الاستمرار وأنّ إبراهیم (j) بكلیته یعتقد بوحدانیة اللّٰه تعالی وعبادته، كما أنها تفید الحصر والتخصیص، أي إنه أراد بهذه الجملة أنه جدیر بمثل هذه العبادة، أي عبادة اللّٰه الواحد القهار. ومن جهة أخرى، «فإن مجيء فعل "وَجَّهْتُ" في باب التفعیل، إضافة إلی دلالته علی التوكید یدلّ علی المبالغة أیضاً، فالتعبیر بالفعل بهذا الباب وفي هذا الموضوع یدل علی ثبوت عبودیة إبراهیم (j) اللّٰه الواحد الأحد بتمامیة وجوده. فقوة المعنی في هذا الباب هي نتیجة تشدید عین الفعل فیه، فكما أن تشدید عین الفعل یفید القوة في اللفظ، فهو یفید القوة في المعنی أیضاً. ثم إن الفعل"وَجَّهْتُ" یؤكد علی عقيدة إبراهیم المبنية على وحدانية اللّٰه في خلق الأجرام السماوية، وأنه أخلص في دينه وعمله له وانقطع إليه من أي شغل وعمل» (سلمي، 1990م، ج 1، ص 28). ثم إن الأصنام كان لها مكان معین لعبادتها؛ لذا جاء في الآیة الكریمة: «إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ» حرف الجر «اللام» بدل حرف الجر «إلی» للدلالة علی أن اللّٰه تعالی لا یحُدُّه مكان، والتعبیر بحرف الجر «إلی» یُفهَم منه أن خالق السموات والأرض لیس له مكان خاص؛ لذا قال إبراهیم (j) أنا بتمام وجودي وكلیتي أعبد خالقاً مُنَزّهاً من المكان والحدود. «فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ»، فالسموات والأرض هي محل الأجرام كالشمس والقمر والكواكب، وخالق محل هذه الأجرام التي كانوا یعبدونها هي السماء، فإبراهیم (j) أشار إلی السموات والأرض بدل الإشارة إلی هذه الأجرام. وفي ثنایا المعنی «الظاهري ـ الباطني» أو «السطحي ـ العمقي»، ابتدأ إبراهیم بتوجيه انتقاده إلى آزر واعتراضه عليه، واصفا عبادته وقومه للأصنام بالضلال المبين؛ بعد ذلك قدّم نفسه على أساس أنه يعبد كوكبا وعندما أفل الكوكب، أظهر نفوره منه؛ لأنه أفل وغرُب (الطبرسي، 1981م، ج 8: 157). ولم يمض سوى زمن قصير، حتى عبد القمر وبعدها توجه ليعبد الشمس؛ وفي هذه المراحل الثلاثة «قدم نفسه على أساس أنه یعبد الكواكب، والقمرَ والشمسَ» (الطباطبائي، 1996م، ج 7، ص 67)، ليعلن بعدها مباشرة براءته من عبادة هذه الأجرام والإقرار بعبادة ربه خالق السماوات والأرض، وبما أنه يعلم أن السبب الأصلي لعبادة الأصنام التي تمثل الأجرام السماوية، هو الخشية من النحس والابتلاء بأنواع المصائب، أعلنها صراحة قائلاً إنه لا يخشى أبدا مما جعلوه شریكاً للّٰه. وفي ثنایا «عمق ـ عمق»، تصبح قصة إبراهیم وأسلوبه في مواجهة عبادة الأجرام السماوية بمثابة المرآة التي يُرى فيها الماضي والحاضر والمستقبل وتُری فیها دعوة نبينا محمد (2) بواسطة سيدنا إبراهیم (j). كان قوم إبراهیم يرون أن الأصنام التي تشمل الأجرام السماوية وبقیة الآلهة أربابا، إضافة إلی اتخاذها آلهة وكانوا يرون أن التغییرات التي تحصل في العالم الأسفل والأرض هي نتيجة للتغییرات التي تحدثها النجوم وينسبون مبدأ حوادث العالم وحتی السعادة والشقاء إلى حالة ومكانة النجوم في الفلك. وقد استعان النبي إبراهيم (j) بالأسلوب الإقناعي التدریجي والمواكبة، والمقارنة والاستدلال بالكلام اللين لاجتذاب مخاطبيه، وجعل الأمور الحسية التي يمكن أن یفهمها هؤلاء أساسا لأدلته العقلية لكي يتمكن للجميع كلٌّ حسب مقدار فهمه وشعوره إدراك التعالیم الإلهیة بصورة كاملةً .ومع أن قوم إبراهیم يؤمنون بأن "اللّٰه" هو خالقهم؛ لكنهم كانوا يعتقدون أنه يمكنهم عبادة اللّٰه عبر الأسباب الفاعلة من قبيل الملائكة والأجرام السماوية والجن؛ وقد وصل بهم الأمر إلى أن نسوا تدریجيا الإيمان باللّٰه الخالق وأنه هو رب الأرباب (ابن عاشور، 1999م، ج 19، ص 152).
والهدف من عرض هذا المقطع من قصة حياة إبراهیم (j) هو مناسبته الدعوة المحمدية، فقد اعتقد العرب أن الطبیعة حافلة بقوى هي أكبر من القوى البشرية؛ ولذلك نجدهم يتوسلون بتلك القوى في اكتساب الخیر ودفع الشر ويعتقدون بحلول تلك القوى في الأشجار والمغارات والينابيع والصخور؛ وفي زمن الجاهلیة كانوا يعتقدون بوجود آلهة مختلفة من أشهرها الشمس والقمر والنجوم، وقد اتخذت قبائل العرب عبادة اللّٰه من الأُمم المختلفة التي كانت على علاقة بها (الحوفي، 2014م، ص382). وأما في عبادة الأجرام السماوية فكانت توجد عدة وسائط، وكان المعبود الأصلي لديهم الأجرام الروحانية؛ یعني الأرواح التي تحل في الأجرام، بعدها اضطروا إلی عبادة الأجرام نفسها باعتبار أن تلك الأجرام تمثل تلك الأرواح؛ ولكن لما كانت الكواكب تطلع وتغرب وتغيب عن الأنظار في النهار، قام عباد الأجرام بصنع الأصنام بشكل تتجسد فيها القوى الفاعلة، والأثر الذي تتركه تلك الأجرام یتجسد في العالم الأسفل؛ فمثلاً الزهرة بزعمهم هي مصدر الطرب والسرور، وبعد ذلك يعرضون صنمها بصورة فتاة جميلة، والمریخ كانوا يرونه أنه مصدر الفتنة وسفك الدماء (الطباطبائي، 1996م، ج 15، ص 393). والشمس والقمر باعتبارهما أولى الأجرام التي عبدوها كانوا یعتقدون أنّ لهما أثراً كبيراً في الزرع، في الأرض وحياة البشر. لقد استوحى الناس نظرتهم إلی الشمس والقمر، من تأثیرهما في حياة الفلاحين والحیوانات وحدوث الليل والنهار وإیجاد الفصول المختلفة. فقد أقاموا للشمس معابد مختلفة وكانوا يبادرون إلى تقديم النذور والأضاحي إلیها. وكانت أسماء الأشخاص المركبة من الشمس ومن شخص في منطقة ما، فيها دلالة على شیوع عبادة الشمس لدى الناس في تلك المنطقة ويعتقد البعض أن صنم «اللات» هو صنم الشمس نفسه (علي، 2001م، ج 6، ص 60). وكان بعض العرب الجنوبيين يفضلون القمر على الشمس؛ وهذا الموضوع كان له علاقة بالمناخ والاختلافات في تقاليدهم. فمثلاً إن نور القمر لدى عرب الجنوب في الليالي الحالكة ينير الطريق لرجال القوافل، ويبعث الطمأنينة والأمل وراحة النفس وفيه الكثير من القوى الخفية التي لها أبعد الأثر في حياة الانسان. وسبب رواج عبادة القمر بدلا من الشمس في بعض قبائل الجنوب هي أن اشعة الشمس الحارقة تجعل التحرك في النهار صعبا جداً، ويصبح العمل والنشاط في النهار في غایة الشدة على الناس؛ إذن ليس من العجب أن يفضل عرب الجنوب عبادة القمر على عبادة الشمس؛ ورغم أن عُباد الشمس كانوا يشيرون إلى اسم الشمس بشكل صریح؛ لكنهم كانوا يشيرون بالكناية والصفة إلى القمر في شِعرهم ونصوصهم مراعاةً للأدب ولإجلال "رب الأرباب" (المصدر نفسه). يعتقد بعض العلماء أن جميع العبادات في الجاهلیة كانت مختصة بعبادة النجوم والكواكب، ومع ذلك فقد وضعوا أسماء متعددة لأصنامهم؛ ذلك أن كل تلك الاسماء هي أسماء الشمس أو القمر أو الكواكب. فأُسرة الآلهة مكونة من: أب: یعني القمر وأُم: تعني الشمس، وابن: یعني الولد الذكر؛ وفي الواقع أن أكثر أسماء الآلهة هي صفات هذه الأجرام السماوية الثلاث. وكان عَبدَتُها يعتقدون أنهم یتقربون إلى الأجرام من خلال العبادة والاعتكاف وتقديم النذور لاعتقادهم بأنّها تسبغ النعم والسعادة والمال والبركة علیهم (المصدر نفسه). مناسبة نواحي هذه القصة معتقدات عصر النزول: قول إبراهیم: «إِنِّي بَريءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ» وإعلان برائته من عبادة الأجرام السماویة یتفق مع برائة اللّٰه وبرائة الرسول (2) من عبادة الأصنام التي كان یعبدها المشركون في قوله تعالی: «لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدونª (الكافرون 109: 2)، كما أن الآیات الواردة في سورة النجم: «أَفَرَأَيْتُمُ اللّاتَ وَالْعُزَّى ! وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى ! أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى ! تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضيزى ! إِنْ هيَ إِلّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللّٰه بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدىª (النجم 53: 19 ـ 23)، تنص علی عبادة الأصنام بناءً علی طرق الجاهلیین ومعتقداتهم محتقرةً عبادتهم إیاها، وتتفق أیضاً مع كلام النبي إبراهیم (j) في هذه القصة؛ لأنه قال: «قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِني رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضّالِّينَ». وبتطبیق منهج بدام في تحلیل الخطاب علی آیات عبادة الأجرام السماویة، یمكننا القول إن الثنایا المختلفة في هذه القصة تناغم ظروف مجتمع عصر نزول القرآن ومعتقداته. 3ـ2. قصة تحطيم إبراهيم للأصنام إن سورة الأنبياء تتحدث عن التوحید والمعاد والأنبیاء وتعرض علینا قصص بعضهم مبینةً عنت أقوامهم، ومنهم النبي إبراهیم (j). والآیة موضوع البحث تعرض علینا جانبا من قصته مع قومه: « وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عالِمينَ إِذْ قالَ لِأَبيهِ وَقَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثيلُ الَّتي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ ! قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدينَ ! قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ في ضَلالٍ مُبينٍ قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللاَّعِبينَ ! قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدينَ ! وَتَاللّٰه لَأَكيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرينَ ! فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلّا كَبيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ ! قالُوا مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمين ! قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهيمُ ! قالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ ! قالُوا أَ أَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهيمُ ! قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُون ! فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ ! ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُون !قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّٰهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ ! أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ! قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ ! قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ ! وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَª (الأنبیاء 21: 52 ـ 70). في ثنایا «سطح ـ سطح»، جرى نقل قصة تحطيم ابراهیم للأصنام، بصورة حوار بين جانبين في الآيات (52 ـ 70)، من سورة الأنبیاء. وبمعونة هذا العنصر الروائي، يطلع كل من طرفي الحوار على ما يجري في رؤوس كل طرف منهما. ومن ثنایا المعنی «الباطني ـ الظاهري» أو «العمیق ـ السطحي» في الآیة الكریمة: «وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ»، نفهم أن اللّٰه تعالی ابتدأها بكلمة «لقد» لیدل علی أن في الآیة قسماً محذوفاً؛ وهذه الجملة هي جوابه ولیؤكد علی أن سلوك إبراهیم وعمله لم یكن ناشئاً من عنده، بل كان وحیاً من عنده تعالی وهدایةً له منه، ثم إن اللّٰه سبحانه وتعالی یكمل الآیة بقوله: «إِذْ قالَ لِأَبيهِ وَقَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثيلُ الَّتي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ»؛ فاللّٰه سبحانه وتعالی یبدأها بحوار إبراهيم (ع) عمّه الذي كان قد تولّى رعايته كما لو كان أباه لكن عمّه كان وثنيا. واستفادته من كلمة «أب» للعمّ توضح الاحترام الذي كان إبراهيم يكنّه لعمّه (البستاني، 1987م، ص 380)، بقوله «ما هذِهِ التَّماثيلُ الَّتي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ»، والسؤال عن نوع الأصنام بالحرف «ما» يمثل نوعا من التقريع للأصنام وإهانتها. في الواقع إن إبراهیم طرح هذا السؤال على الوثنيين بأسلوب تجاهل العارف (الشحات، 1991م، ص 117)، وعبارة «التَّماثيلُ» تعني الأجسام، كما كان معهودا لدى الناس، وهي صوّر للطيبين كانت تصنع بصورة أجسام لتعبد (خسروانی، 1390ﻫ.ش، ج 6، ص 28). وفي «أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ» وهي جملة اسمیة، والعاكفون بصورة اسم فاعل، دلالةً على لزوم واستمرار سلوك العكوف (الشوكاني، 1993م، ج 3، ص 486(، والعكوف یعني الإقامة وحبس النفس في مواضع العبادات (ابن منظور، 1984م، ج 9، ص 255)، وفيه إشارة إلى الحالة الموجودة في الكثير من التقاليد الرائجة. ومن نماذج هذه التقالید بناء المعابد الخاصة، والتبرك بالطعام، والنذر والأضاحي، والإقامة فیها والطواف حول الأصنام التي فیها. وقد أشار هؤلاء في الرد على سؤال إبراهیم حول ماهیة الأصنام بقوله «ما هذِهِ التَّماثيلُ» أشاروا إلى تقاليد الآباء والأجداد: «فقالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدينَ». والفعل "وَجَدْنا" في حالة الماضي یدل على ثبوت واستقرار الفِكر الجامد والتقلید الأعمى الذي ترسّخ في أذهانهم منذ زمن آبائهم. وفي الحقیقة كان هؤلاء يعلمون أنهم لا يملكون دليلا عقليا مقبولا لعبادة الأصنام؛ لذلك عمدوا إلى اعتماد استدلال عاطفي. أمّا إبراهیم فلم يماشهم ولم یساومهم، بل وصفهم بمنتهى الحزم والشدّة، ووصفهم بالضلال في سلوكهم وعملهم وعمل آبائهم: «لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ في ضَلالٍ مُبينٍ». وبعد حرف التوكید «لَقَدْ» الذي أرفقه بالفعل الماضي وهو نوع من التوكید أيضا، جاء بالضمیر المنفصل «أَنْتُمْ» للتوكید على الضمیر المتصل في «كُنْتُمْ»، وهو من أساليب التكرار. والهدف من هذا التكرار، هو ثبوت ضلالهم وإقراره في أذهانهم (الهاشمي، 2005م، ص 145). وهنا بدت الدهشة علیهم من كلام إبراهیم، هذا الكلام الذي فنّد به أعمالهم وأعمال آبائهم ووصفها بالضلال المبین، والحالة أنهم كانوا مصرّین علی تقلید آبائهم، فاعتبروا مثل هذا الكلام الذي صدر عنه مزاحاً «قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللّاعِبينَ». والظرف «في» في عبارة « قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ في ضَلالٍ مُبينٍ» یدل علی ثبوت ضلالهم وأنه ضلال قدیم موروث له جذور عمیقة في اعتقادات آبائهم وأجدادهم. وبعد هذا الحوار، يعمد إبراهیم إلى شرح معنى كلمة رب بقوله: «بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذي فَطَرَهُنَّ». فالرب والمُدبر لشؤون الأرض والسماوات، هو خالق الأرض والسماوات. إن الغرض من الفعل «فطر» هو الدلالة علی أن خلق السموات والأرض كان ابتدائاً وعلی غیر مثال سابق، وهذا خاص بقدرته تعالی؛ أما بالنسبة إلی الفعل«خلق»، فالفرق بینه وبین «فطر» یكون أحیاناً ابتداءً وعلی غیر مثال سابق كما في الفعل «فطر» وأحیاناً یكون علی مثال سابق كما في قصة عزیر. كان الوثنيون في زمن إبراهیم (j) يؤمنون بخالق العالم أنه اللّٰه الواحد؛ لكنهم يعتقدون أن آلهة أخرى تتولى تدبير الشؤون إلى جانب خالق الوجود (مغربى، 1382ﻫ.ش، ص 53)، وأن الربوبیة، تعني التدبیر وإقامة العلاقات بین الأشیاء؛ لكن إبراهیم أراد بهذه الجملة تفنيد اعتقادهم القائم على الفصل بین الرب والخالق، وبعدها أقسم أن يدبر أمرا لأصنامهم؛ وتعقيبا على هذا القسم، اتخذ إجراءا مناسبا «فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً»، أي قطع أوصال أصنامهم كلها ما عدا كبيرهم ليثبت لهم أن الأصنام لاحول لها ولا قوة . وفي سياق الآیة، يبين سبب عدم تحطيم الصنم الأكبر وعدم تقطيع أوصاله (الطباطبائي، 1996م، ج 14، ص 301): «لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ». وفي الواقع كانت كل قبیلة وطائفة تحتفظ لها بعدة أصنام صغيرة في المعابد، بينما كان الصنم الكبير تعبده كل القبائل. وكان إبراهيم يهدف من عدم تحطيم الصنم الكبير هو دعوتهم إلى المحاججة، بقوله إن ربكم الكبير ورب أربابكم لم يُقَضَ عليه، إذن ينبغي لكم أن تسألوه (طیب، 1999م، ج 9، ص 200). وبعد أن شكوا بإبراهیم، قاموا باستدعائه لأخذ الإقرار منه ومحاسبته حتى لا يكون لتجاسره وشجاعته تأثیر سيّء على الآخرين: «قالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ».بعد ذلك حصلوا منه على الإقرار وسألوه: «قالوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهيمُ». وسیاق هكذا سؤال هو تجاهل العارف، أي إن المتكلم يطرح سؤالا حول شيءٍ يعلمه حقیقةً من أجل ملاحظة مثل التوبیخ أو المبالغة في المدح أو المبالغة في الذم أو التعجب؛ لذلك يبدو كأنه يجهل الشيء (الهاشمي، 2005م، ص 376)؛ ويرد عليهم إبراهیم بهذه الجملة: «قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ»، يناقشهم إبراهیم عن طريق الجدل ويستفيد من الأمور التي يذعنون بها هم أنفسهم ويستخدم تلك الأمور التي يذعنون بها في الرد عليهم. فأنتم الذين تذعنون بربوبیة الأصنام وتدبیرهم الشؤون، إذن «فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ». فالمرحلة الأولى من الدعوة، تتمثل في إيقاظ ضمائرهم النائمة. لقد أثار النبي إبراهيم (j) بجملة «فَسْئَلُوهُمْ» عاصفة نفسية، أما من حيث الرؤية البلاغية فإن جملة جواب الشرط «فَسْئَلُوهُمْ» تقدمت على الجملة الشرطية «إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ»؛ لأن الغرض من جواب الشرط هذا، ليس سؤالا واقعيا، بل الغرض منه هو إظهار عجز تلك الأصنام والسخرية منها. هذه الأصنام لا تقدر على الكلام؛ إذن سؤالها ليس صحیحا أيضا. هكذا سؤال من إبراهيم (j) الهدف منه أخذ الإقرار منهم « لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ»، واستخدام هؤلاء مع حرف التوكيد "لَقَدْ" یعني الإشارة إلى عدم نطق الأصنام، بل التأكید علی ذلك. وفي ثنایا المعنی «الظاهري ـ الباطني» أو «السطحي ـ العمقي»، بيّن اللّٰه تبارك وتعالى في جانب من سورة الأنبیاء، تجليات من مراتب رشد إبراهیم، بيّن بعضا من إجراءاته المتصلة بتجليات رشده. فالوثنيون تعلّموا من آبائهم أنهم كانوا يخرجون في أيام خاصة من المدينة ويُعدّون أطعمة ویقدّمونها إلی الأصنام من أجل حلول روح الأرباب في تلك الأطعمة، ثم حلول البركة فیها، وبعد عودتهم من معابدهم يستفيدون من تلك الأطعمة لمعالجة بعض الأمراض والتبرك بها لأغراض أخرى. ويبدو أنهم اقترحوا على إبراهیم (j) الخروج معهم من المدينة؛ لكن النبي رفض ذلك (مكارم شيرازى، 1374ﻫ.ش، ج 13، ص 432)؛ لأنه كان یرید الاستفادة من هكذا فرصة، ويبدو أنه كان قد انتظرها منذ فترة فدخل المعبد وحطم بكل شجاعة وجسارة الأصنام كلها وجعلها جذاذا ما عدا الصنم الكبير. وأما سبب عدم تحطيم الصنم الكبير، هو أنه عندما يشاهد الناس هذا المشهد، يسألون النبي إبراهیم ويحاورونه (الطباطبائي، 1996م، ج 14، ص 422). وقد شك المشركون في إبراهيم (j) بعد رؤية هذا المشهد؛ لأنه كان يذكر آلهتهم بالسوء (طیب، 1991م، ج 9، ص 202). بعدها استدعوه للمحاكمة وأخذ الإقرار منه، وبعد إحضار النبي وسؤاله، طلب إبراهیم إلیهم أن یسألوا الصنم الكبیر ليحصل على إقرار منهم بعدم قدرة الأصنام على جوابهم، فيوقظ بذلك ضمائرهم النائمة؛ وقد طأطأ الوثنيون رؤوسهم أمام سؤال إبراهیم هذا، وقالوا: أنت تعلم أن هؤلاء لا ينطقون. في الواقع كان جوابهم هو الشيء الذي ينتظره إبراهيم (j) منهم؛ بعد ذلك، وجه النبي إبراهيم أعنف هجماته إلیهم قائلًا لهم: أتعبدون أوثانًا لا تقدر أن تدفع الضرر أو تجلب النفع حتی لأنفسها؛ وهنا قرر الوثنيون أن يثيروا عواطف الناس الدینیة والعصبیة، بالدعوة إلى حرقه ونصرة آلهتهم (الطباطبائي، 1996م، ج 14، ص 427). وفي ثنایا «عمق ـ عمق» وطبقا لآیات القرآن الكریم، كانت الأصنام التي يعبدها الناس في الجاهلیة على ثلاثة أشكال: أصنام وأوثان وتماثيل. فالصنم ينحت من الفضة والنحاس والخشب والحجر؛ والوثن ما يكون له جسد؛ لكن الصنم له صورة من دون جسد (الراغب الأصفهاني، 1991م، ج 1، ص 493). والتمثال في اللغة، يعني صنع شيء يشبه شيئاً غيره. فقد كان العرب، يصنعون تماثيل ومجسمات للصالحين والأنبياء بعد موتهم ويتوسلون بها (الطریحي، 1996م، ج 5، ص 470). وبعض الوثنيين الموسرين كانوا يبنون المعابد للأصنام وكان البعض منهم لديه صنم واحد ينصبه في وسط بيته ويطوف حوله كالطواف حول بيت اللّٰه، وكانوا عندما يسافرون يختارون عدة أحجار، ويأخذون معهم أجمل تلك الأحجار باعتبارها ربّا لهم لكي تحميهم خلال السفر (الكلبي، 2000م، ص 21). وكما نعلم أن بعض الناس في الجاهلیة كانوا يسكنون المدن والبعض الآخر منهم كانوا يرحلون بحثا عن الكلأ والمرعى، وكان بناء المعابد مختصاً بسكان المدن؛ لكن القبائل الرحل الذين كانوا يتنقلون من مكان إلى آخر بحثًا عن الماء والكلأ، كانوا ينقلون آلهتهم معهم حيثما رحلوا. فكانوا ینصبون خياماً لتلك الأصنام التي لها قدسية خاصة؛ ومعابد الأصنام سواء كانت في المدن أو في الخيام كان لها حراس؛ وكان خادم الصنم موظفا بنقل الصنم معه في القبائل الرحل وخلال نزول القبيلة واستقرارها، يقيم معبدا له لإقامة التقالید والشعائر الدینية (علي، 2001م، ج 6، ص 399)؛ فاللّٰه في عقيدة الناس «رب الأرباب» وإله كل الآلهة وأرفع آلهة القبائل؛ وأما الأصنام والأوثان فهي رموز للآلهة التي تعبد من قبلهم (ضیف، 1974م، ص 89). كانت المعابد تبنی في المغارات وفوق الجبال وبالقرب من الينابيع والآبار المقدسة. فقد كانوا يعتقدون أن الآلهة تنزل في هذه الأماكن، وتحلّ أرواحها في الأصنام وأن لها قدرات خارقة، وأن الآلهة تروي الأرض بالماء، وأنها السبب في نمو الأراضي الزراعية، وأن وجود القوى الخارقة لتلك الآلهة هي مصدر كل البركات الموجودة في الأرض والمياه؛ ولهذا السبب فإن إیجاد الحياة واستمرارها هو شأن تلك الآلهة وأن الاصنام والتماثيل هي رموز لوجود تلك الآلهة؛ لذلك كانوا يبادرون إلى تزيين المعابد وتزیین جدرانها، ويقدمون الأضاحي للأصنام، ويتبركون بطعامهم عبر الأصنام وينثرون العطور الفاخرة في المعابد؛ وهذه كلها تعد من تجليات احترام الآلهة ( ضیف، 1974م، ص 91). من الجدیر بالذكر أن حراس المعابد لم یكونوا يسمحون للجميع بدخول تلك المعابد، كما كانوا يأخذون أجوراً من عُباد الأصنام. فكان من الواجب علی من یرید دخول أحد هذه المعابد أن یؤدّي مناسك وآداباً خاصة؛ فمثلاً لأجل احترام قدسية المعابد لا يدخلها أحد بحذائه ولا يدير أحدهم ظهره للأصنام ويجب أن يدخلوا إلى المعابد بثياب وأجسام نظيفة؛ وقد اكتشف علماء الآثار وجود أحواض في أطراف المعابد في بعض مناطق غرب شبه الجزیرة العربية، ويبدو أنه كان الناس يتطهرون فيها قبل أن يدخلوا المعابد (الكلبي، 2000م، ص 12). فالمعابد لم تكن مكانا للعبادة والتقرب للأصنام فقط، بل كانت محلا لرفع المشاكل الاجتماعیة، وطرح أسئلة للتوعية بالمستقبل، والإغاثة والقبض على اللصوص وغير ذلك. وفي اعتقادهم أنه كانت تُسمع أحيانا همهمات وأصوات تخرج من الأصنام كان الكهنة يترجمون تلك الهمهمات مقابل تلقي النذور والهدایا. وكانت بعض القبائل تجري اقتراحاً لمشورة الأصنام والأخذ برأیها في أمور مثل التوجه إلى الحرب، أو السفر أو التجارة، أو الزواج وغيرها، حتی أنهم كانوا يأخذون الأصنام معهم خلال الحروب للدفاع عن عبادها ومساعدتهم ونصرتهم في مواجهة العدو (ضیف، 1974م، ص 91). فلو كانت الآلهة راضية عن عبادها كانت تساعدهم في هذه الدنيا، ومن كانت تغضب عليه الآلهة فإنها كانت تهلكه، وتجعل حياته مليئةً شدةً ومشقةً؛ فصفات مثل الرحمن والرحیم والحلیم والأبتر هي من جملة الصفات التي كانت تطلق على تلك الآلهة (الطباطبائي، 1996م، ج 15، ص 392). فتلك الآلهة كانت تتصف بالعلم والمعرفة والقدرة، وتمنح العابدین مكافاة أو تعاقبهم. وعند تقديم النذور والنفقات والتبرك بها، كانت تنقذهم من البلاء والآفات والأمراض، وتعيدهم سالمين غانمين من الحروب. وقد تمكنت الأصنام من إسباغ غنائم الحرب على عابديها ولو تمرد أحد الوثنيين على أوامر الآلهه وقصر في تقديم النذور والنفقات إلیها، فسوف يبتلی بعقوبات من قِبَلِها؛ وإن أدنى تلك العقوبات هي أن يصبح أعمى أو أعرج أو يبتلی بالفقر والجوع (علي، 2001م، ج 6، ص 180). وكان العباد يبتعدون أحيانا عن أصنامهم بسبب الهزيمة، وكان يتبادر إلى أذهانهم أن هزيمة قبيلتهم سببها ضعف ربهم وعدم مقدرته علی الدفاع عنها. وهنا يجتمع أفراد القبيلة للمشورة مع رئیسهم للبحث عن رب أقوی وأكثر جِدة؛ ربّ جدید، رب مقتدر وناصر ينصرهم؛ لأنه كان قد نصر قبائل أخرى اختبرت نجاحه؛ لكن تغيير أحد الأرباب لم يكن ميسورا بسهولة؛ لأن الكهنة كانوا يبادرون أحيانا إلى تفسیر سبب هزيمة القبیلة ويخلقون أعذاراً مختلفة للدفاع عنها؛ تفاسیر من قبيل ابتعاد الناس عن أوامر الآلهة ونواهیها وعدم إطاعة أحكامها ومخالفة الكهنة؛ فكانوا يعرضون على القبيلة مقترحات من قبيل التوبة والإنابة إلى الآلهة، والتقرب بالمزيد من العبادة، والتقرب إليها من خلال النذر والإنفاق وإقامة طقوس مختلفة للمعابد بما فيها السبل التي يقترحها الكهنة؛ لكن تغییر وتبديل الأصنام هو من اختصاص رؤساء القبیلة وموافقة الكهنة (الكلبي، 2000م، ص 33). إن أهم الثنایا الباطنیة أو العمیقة من حیث المعنی في قصة تحطيم النبي إبراهيم (j) للأصنام تشمل نوعا من التعليم لنبينا محمد (2) فیما سيقوم به في المسقبل الذي هو ليس ببعيد خلال فتح مكة، والذي يتمثل في تحطيمه الأصنام المنصوبة في الكعبة، مثلما فعل بها النبي إبراهیم (j)، مع فارق هو أن النبي إبراهیم (j) حُرِم حتى من حماية أبيه؛ لكن محمداً (2) حطَّم الأصنام بمساعدة علي بن أبي طالب (j) والمسلمین وأنه أنجز ذلك العمل في وقت دخل فيه بعض أهل الجاهلیة الإسلام. إن النبي إبراهیم (j) لم يخش الوثنيين وأصرّ على عبادة اللّٰه الواحد؛ وما كان على سيدنا محمد (2) أن يخشى إجراءات وتهدیدات المشركين الذين كانت كل أعمالهم وتصرفاتهم تشبه أعمال الوثنيين في زمن إبراهیم. وفي الواقع أن رواية قصة تحطيم إبراهیم للأصنام كانت نوعا من البُشرى والأمل والتسلية للنبي محمد (2)؛ بُشرى بحتمية هزيمة المشركين في مكة على أيدي المسلمين، مع فارق هو أن ابراهیم حطم الأصنام في المعبد؛ لكن نبينا محمد حطم أصناما كانت تعرض على الدوام أمام أعين الجميع، مع أن مصاديق عبادة الأصنام كلها كانت تشبه بعضها البعض سواء في زمن إبراهیم (j) أو زمن محمد (2). مناسبة جوانب هذه القصة معتقدات عصر النزول: عندما كان إبراهیم یسأل قومه عن علة عبادتهم هذه التماثیل كانوا یجیبونه بقولهم، كما عبر عنه القرآن الكریم: «وجدنا آباءَنا لَها عابِدينَ»، والجاهلیون زمن النبي أیضاً كانوا یتبعون آباءهم في عبادة الأوثان. ومن هنا نجد أن جواب قوم إبراهیم نبیهم في عبادتهم الأوثان یشبه جواب الجاهلیین للنبي: «وَإِذا قيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللّٰه وَإِلَى الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَ وَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُون» (المائدة 5: 104)، وأیضا في سورة لقمان: «وَإِذا قيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللّٰه قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعيرِª (لقمان 31: 21)، ثم إن إبراهیم (j) في نهایة قصته مع قومه ینكر علیهم عبادتهم الأوثان بسؤالهم: «أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّٰه مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ»، وهذه الآیة التي أجاب بها إبراهیم قومه، تناسب بعض الآیات التي كان النبي یجیب قومه مفنداً بها عبادتهم الأوثان بقوله تعالی: «وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّٰه ما لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهيراًª (الفرقان 25: 55)، وبقوله تعالی: «وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّٰه ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللّٰه قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّٰه بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونª (يونس 10: 15). 3ـ3. قصة موت عزير مئة عام سورة البقرة لا تبحث موضوعاً واحدا، بل تبحث مواضیع مختلفة، أهمها توحید اللّٰه وعبادته؛ لأنه هو الخالق والمدبر ومنها المعاد وتقریع الكفار والمنافقین وتوبیخهم وملامة أهل الكتاب بسبب ما ابتدعوه من التفرقة في دین اللّٰه. والتفریق بین رسله ومنهم عزیر في قصته موضوع البحث: «أَوْ كَالَّذي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أنَّى يُحْيي هذِهِ اللّٰه بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللّٰه مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّٰه عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَديرٌª (البقرة 2: 259). في ثنایا «سطح ـ سطح» في هذه القصة، تقرير موت أحد أنبياء بني إسرائیل، واسمه عزیر، وقد ورد في الآية (259) من سورة البقرة؛ وموضوع هذا القسم من الآية هو بیان أحداث عینية في كیفیة إحياء الموتى قصد إیمان المخاطب بقدرة الخالق الواحد. وفي ثنایا المعنی «الباطني ـ الظاهري» أو «العمیق ـ السطحي»، تبدأ الآیة بحرف العطف «أَوْ» وتتناول قصة عجیبة أخرى حول المعاد. والغرض من حرف العطف هنا هو إظهار الدهشة (حقي البروسوي، د.ت، ج 1، ص 4). إن ذكر المسند إلیه بصورة الموصول وعدم التصریح باسمه، وهو "عزیر"، یراد منه تشجيع المخاطب، مضافاً إلی أن مضمون الصلة أمر عجيب (الهاشمي، 2005م، ص 113). كذلك جاء حرف "الواو" قبل الجملة الوصفية، «وَهِيَ خاوِيَةٌ» جاء للتأكيد على الاتصاف بهذه الصفة بالنسبة إلی الموصوف، وإنه كان قد مرَّ بالتأكيد على قرية خاويةٍ (الأنصاري، 1979م، ص 474). «قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ». ولفظة «قالَ» بدلالتها على الحوار والكلام المباشر بین اللّٰه وعزیر مباشرة، تأكيد على هذا الموضوع، أي وجود هكذا شخص، فرد موحد ومؤمن يحق له مخاطبة اللّٰه وسؤاله (جوادى آملى، 2008م، ج 12، ص 27)؛ و«أنَّى» هي أداة استفهامية تدل على الاستبعاد، أي أنه من المستبعد أن تتركب الأعضاء مع بعضها مجددا؛ لذلك يشاهد فيها دلالة على الدهشة (عرفان، 1991م، ج 2، ص 315)؛ وتكرار «قالَ» إلى جانب مصطلح «لَبِثْتَ» إضافة إلی إيجاد لحن وموسیقی خاصة، يثير الحماس لدى المخاطب لمتابعة القصة بشوق. وأما في كلمة «انْظُرْ» بتكرارها فإنها لا تحمل معنى ومفهوماً واحداً، بل تحمل عدة مفاهیم: «فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ»، ففي الوهلة الأولى يطلب منه أن يلقي نظرة على طعامه وشرابه، ويتبين له أنهما لم يفسدا؛ إذن حصل لديه الیقین بأنه نام قليلا؛ ويطلب منه بعدها بعبارة «وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ» ويكرر الطلب ویرید منه أن يمعن النظر في حماره. قبل أن يصل إلى هذه النتیجة في مثل هذه المشاهدة، يأتي بجملة اعتراضية واحدة في قوله تعالى: «لِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنّاسِ»، فإننا نجعل هذا الموضوع آية للعالمين في معرض ردنا على جواب تفكیرك وتشكیكك في قدرة اللّٰه. وبهذه الجملة الاعتراضية التي وضعت بين حرفي «واو» العطف، توضح الآیة اشتیاق السائل إلی هذا الأمر وفي موضوع مركبه الحمار؛ ومرة أخرى من خلال التكرار والتأكید على «انْظُرْ» توجه المخاطب إلى علامة وآیة أخرى في قوله تعالى: «انْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسوها لَحْماً»، انظرْ الآن كيف نرفع هذه العظام النخرة من الأرض ونشد بعضها ببعض، ثم نكسوها لحما. وفي هذه الآية، تعود كل الضمائر إلى اللّٰه الواحد بصورة الضمیر المستتر الغائب «فَأَماتَهُ، بَعَثَهُ» ويشاهد فيها ضمائر المتكلم مع الغیر؛ «نُنْشِزها ثُمَّ نَكْسُوها» للتدليل على أن الإحياء والإماتة هما من شأن القدرة الإلهية فقط. إن الهدف من مجيء الفعل بصورة المتكلم مع الغیر، في الآیة «نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً» إضافة إلی بیان عظمة الفاعل وعظمة الفعل، فهو یبین كیفیة الأسباب التي یستخدمها الخالق في إنجاز عمل اتصال العظام بعضها ببعض في الخلق الجدید، فالخالق العظیم بأمره للشيء: «كُنْ فَیَكونª (البقرة 2 :117)، یتم الخلق الجدید؛ وبعد مشاهدة عزیر ذلك یعترف بالقدرة الإلهية وأن اللّٰه قادر على كل شيء: «فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّٰه عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَديرٌ». في ثنایا المعنی «الظاهري ـ الباطني» أو «السطحي ـ العمقي»، عطفٌ على جواب إبراهیم. وفي استمرار بحث المعاد، يشار إلى طلب أحد أنبياء بنياسرائیل واسمه عُزیر. ففي أحد الأيام، كان عزير ممتطيا حماره ويحمل معه سلة ملأى بالتين والعنب ليمضي وقتاً في سفرة قصيرة. وعندما صعد تلة مشرفة على المدينة، وقع بصره على قرية خاوية فيها قبور كثیرة، قال في نفسه: «أنَّى يُحْيي هذِهِ اللّٰه بَعْدَ مَوْتِها»؟! فأماته اللّٰه مائة عام، وقبض روحه بهذه الصورة التي تحدث في النوم وأحياه بعد ذلك. وأما بعد أن استيقظ عُزیر، فنظر إلى الشمس وإلى ظلال الأشجار، وبدأ يحاور مَلَكاً؛ وإذا به وكأن شخصا يسأله كم مضى على نومك، فيجيب عزیر: یوم كامل أو بعض يوم. فقال له ذلك المَلَك، بل لبثت مئة عام، وقال له: اُنظر إلى طعامك وشرابك الذي حملته معك، فإنهما مازالا على حالهما ولم يعترهما الفساد! فازدادت دهشة عزیر كيف يمكن أن تمضي مئة عام وذلك الطعام لم يطرأ عليه أي تغيير. بعدها يطلب منه نفس الصوت أن يُلقي نظرة على حماره؛ ويرى كيف تنشز تلك العظام النخرة من الأرض، وتتصل بعضها ببعض وتُغَطّی باللحم. وعندما رأى عُزیر بعينيه كيف تعاد الحياة إلى مركبه، ازداد إيمانه القلبي بإحياءالموتى في القیامة وتَیَقَّنَ بقدرة اللّٰه على القيام بكل شيء. في ثنایا «عمق ـ عمق» یوجد واحد من الأمور التي تحوم حولها الشبهات منذ بداية الخلق، وهو موضوع المعاد وكیفیة إحياء الموتى في يوم القیامة، وهو الموضوع الذي يلاحظ في شأن نزول الآیات في دعوة الأنبياء. وعُزیر هو أحد أنبياء الیهود، ومع أنه يؤمن بالمعاد؛ لكنه يروم الحصول على الیقین في موضوع إعادة إحياء الأموات؛ نفس الموضوع الذي يؤكد عليه أيضا نبينا محمد (2) بعد التوحید. إن بیان تفاصيل اتصال عظام حمار عُزير هو في الواقع بیان كیفیة حصول الحشر الواقعي في القیامة، وهو نوع من الاطمئنان لنبينا (2) في تصویر الحادث الواقعي الذي حصل في فترة من التاریخ. والملاحظة المهمة في موضوع المعاد تتمثل في القدرة التي يمكنها جمع العظام النخرة وإعادتها سيرتها الأولى. فالیهود كانوا يرون أن المكافأة والعقوبة تختص بهذه الدنیا ويعتقدون أن الأموات سوف يلتحقون بأجدادهم، فلا يشاهد في تعالیمهم شيء بعنوان المعاد الجسماني. هؤلاء يعتقدون أن المعاد، هو روحاني، وأن عدم الإشارة إلى المعاد في التورات، دفع البعض إلی الاعتقاد بحصول تحريف في التورات. إنهم كانوا يعتقدون أنه وإن كان الجسم والروح يتعرضان للمحاكمة في محكمة العدل الإلهي؛ لكن اللّٰه يترك الجسم ويؤنب الروح فقط ويعاقبها؛ لأنه بعد مضي اثني عشر شهرا على موت الإنسان، هل يبقى هنالك جسم؟ فبعد هذه الفترة يفنى الجسم وتصعد الروح. هؤلاء كانوا يعتقدون حسب الكثير من الآیات الإلهية أنهم أحباء اللّٰه وأوداؤه، ولن يشملهم العذاب. وفي الواقع موضوع المعاد الجسماني وتجميع العظام النخرة في عقيدة الیهود، يُعدّ موضوعا خرافيا وهميا (سلیمانى اردستانى، 2005م، ص 66).
وعدم التصديق بهذه القدرة، جرت مناقشتها مرات عديدة أيضاً تحت عناوین مختلفة من قبل الناس في زمن نبينا الأكرم (2)، ذلك أن أحد ذرائع المشركين هو إنكار عودة الحیاة مجددًا. فالمشركون كانوا يرون الموت نهاية الحياة وينكرون المعاد بشدة، وكانوا يسخرون من كلام النبي محمد حول قدرة اللّٰه علی إعادة الجسد الفاني، ويعتقدون أن الجسد یموت والعظام تصبح رميماً ولن يبقى أثر للجسد. فكانت إحدى اقتراحاتهم للنبي هو إحياء أحد أجدادهم، وهو «قصي بن كلاب» الذي كان رجلاً صادقا ليسألوه عن رأيه فيما يقوله النبي محمد؛ كانوا يقولون: كيف يمكن إحياء هذا الجسد الذي فني ولم يبق منه شيء وإعادة تركيبه؛ كانوا يقولون: إن الحياة هي مرة واحدة فقط وإن تعاقب الأيام هو السبب في موت الإنسان. نموت ونحيی وبعد موتنا يخلفنا أناس آخرون؛ وما قام به بعضهم مثل عبد اللّٰه بن اُبي» الذي جاء بعظمة نخرة لجسد إنسان وقام بتحطيمها أمام النبي یمثل إفرازا لتلك المعتقدات. فقد سأل نبينا عندها قائلاً: «كيف يحيي اللّٰه هذه العظام، وهي رميم»، أو أُبي بن خلف الذي جاء إلى النبي، وهو يحمل عظاما نخرة وحَوَلَّها رميما بيديه، ثم عرضها أمام الريح وسأل قائلا: «من يحيي هذه العظام؟» (علي، 2001م، ج 6، ص 125)؛ وللإجابة عن الأفكار الجاهلية للناس، تم تبيان جانب من قصة حياة أحد الأنبياء؛ تلك القصة التي تواكب مراحل الدعوة النبوية. ومن الثنایا الخفية الأخرى في هذه الآية، يمكن الإشارة إلى عدم اطلاع عُزیر علی الفترة التي استمر فيها نومه؛ كما جاء في الكثير من الروايات أن الدخول إلى عالم البرزخ والقبر، هو زمان بدء نزول العذاب الأُخروي؛ لكنه في هذه الآیة وفي الآیات التي نزلت في أصحاب الكهف وكذلك في سورة الروم: «وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَª (الروم 30: 53)، والتي تم بيانها على لسان المذنبين، نرى أن هؤلاء الأفراد لم يكونوا يعلمون شيئا عن مدة إقامتهم في عالم البرزخ وأن تلك المدة التي أعلنوا عنها كانت أقل كثيرا عن الفترة الواقعية. وبمثل هكذا افتراض، تكون فترة الإقامة في القبر طبق هذه الآیات قصيرة جدا حسب رؤية الناس. مناسبة جوانب هذه القصة معتقدات عصر النزول: وكما أن الاعتقاد بعدم القدرة علی إعادة المعدوم زمن النبي عزیر كان هذا الاعتقاد موجوداً زمن نزول القرآن، فقد كان الجاهلیون یسخرون من قول النبي (2) بقدرة اللّٰه تعالی علی ذلك قائلین: «كیف نُحیی بعد أن نُصبح رمیماً»؛ فجاء القرآن مفنداً اعتقادهم ورادّاً علی قولهم بقوله: «ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللّٰه أَحْسَنُ الْخالِقينª (المؤمنون 23: 14)، وقال أیضاً: «وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْييِ الْعِظامَ وَهِيَ رَميمª (يس 36: 78)، كذلك یؤكد بعض الآیات علی قدرته في الخلق المجدد للنباتات الأشجار لإثبات المعاد؛ فإن اللّٰه سبحانه وتعالی في جوابه عزیرَ عن كیفیة إحیاء الموتی واتصال عظامهم بعضها ببعض بعد أن صارت رمیماً قد أجاب الجاهلیین أیضاً عن سؤالهم في هذا الأمر: «قالُوا أَ إِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونª (المؤمنون 23: 82).
الخاتمة توصلت المقالة إلى ما يلي: تحليل الخطاب يمثل أسلوبا حديثا في دراسة قصة ما وتوفير الأرضية للبحث وتقصي الجوانب الاجتماعية والثقافية لتلك القصة؛ ولهذا السبب، فإنه من خلال دراسة المواضيع والتجليات الفنية في القرآن، نجد هنالك إضافة إلی التأمل في الثنایا الجلية والخفية للسور ولتفسیر الآیات، نجد أهمية خاصة لتناول البُعد الخطابي للقصص القصيرة. وفي هذا البحث، دأَبنا على تحليل المعنی الباطني للثنایا العمیقة لثلاث قصص قرآنية، هي عبادة الأجرام السماوية في زمن إبراهيم، وموت عُزير الذي استمر مئة عام، وتحطيم إبراهيم للأصنام، وذلك وفق أسلوب بدام التحليلي في تحليل الخطاب. والنتائج الحاصلة هي كالآتي: عبادة الأجرام السماوية في زمن إبراهيم (j) تشبه إلى حد ملحوظ معتقدات عرب الجاهلية في الأجرام والآلهة السماوية. وإجابات إبراهیم (j) في التخلص من كل واحدة من تلك الأجرام كالكواكب والميل إلى القمر والشمس، كل هذا كان نوعا من الرد على الوثنيين عباد الأجرام في العصر الجاهلي؛ فقد كانت كل قبيلة تختار أحد الآلهة والأرباب من الأجرام السماوية وتصنع منه صنما يرمز لتلك الأجرام وتعمد إلى عبادتها .وأما قصة موت عزیر الذي استمر مئة عام وكيفیة يقظته ومشاهدته توصيل عظام حماره بعضها بالبعض الآخر، فهي إضافة إلی إیجاد الاطمئنان القلبي لدى عزیر وتقديم الإجابة عن سؤاله حول كيفية إحياء الموتى، وإثبات المعاد للیهود، نوع من الإجابة عن شبهات أهل الجاهلیة من إنكار المعاد، وإثبات قدرة خالق الوجود علی إمكانية إعادة المُباد وإعادة كیفیته. إن رواية قصة تحطيم إبراهيم للأصنام، تمثل نوعا من التعليم لنبينا (2) في تحطيم الأصنام بعد فتح مكة. وخلاصة البحث، يمكن القول إن المضامين الاعتقادية للناس في القصص الثلاث التي تناولها هذا البحث وكيفية معاملتهم الأنبياء في زمنهم، لها شبه كبير بمعتقدات عرب الجاهلیة وأفكارهم ومعاملاتهم؛ لذلك فإن نقل هذه القصص، إضافة إلی كونها تتضمن تعليما للنبي محمد، كان بمثابة السبيل لتعزيز قوته القلبية أيضا.
| ||
مراجع | ||
* القرآن الكريم. أ. العربية ابن عاشور، محمد طاهر. (1420ﻫ). التحریر والتنویر. بیروت: مؤسسة التاریخ العربي. ابن منظور، محمد بن مكرم. (1997م). لسان العرب. ط 3. بیروت: دار إحیاء التراث العربي. الأسد، ناصر الدین. (1988م). مصادر الشعر الجاهلي و قیمتها التاریخیة. ط 3. بیروت: دار الجیل. الأنصاري، جمال الدین بن هشام. ( 1979م). مغني اللبیب عن كتب الأعاریب . تحقیق مازن المبارك ومحمد علي حمد اللّٰه. ط 5. بیروت: د.ن. البستاني، محمد. (1987م). دراسات فنیة في قصص القرآن. مشهد: العتبة الرضویة المقدسة. حقي البروسوي، إسماعیل. (د.ت). روح البیان. بیروت: دار الفكر. الحوفي، أحمد محمد. (1393ﻫ). الحیاة العربیة من الشعر الجاهلي. ط 3. بیروت: دار القلم الراغب الأصفهاني، أبو القاسم الحسين بن محمد. (1991م). المفردات في غریب القرآن. تحقیق صفوان عدنان داوودي. دمشق: دار العلم الشامیة. سلمي، محمد بن حسین. (1990م). حقائق التفسیر. تحقیق نصراللّٰه پورجوادی. طهران: مركز النشر بالجامعة. سلیمانی اردستانی، عبدالرحیم. (2005م). الیهودیة. تهران: آیة عشق. الشحات، محمد أبوستیت. (1991م). خصائص النظم في قصة إبراهیم. القاهرة: مطبعة الأمانة. الشوكانی، محمد. (1993م). فتح القدیر. دمشق: دار ابن كثیر. ضيف، شوقي. (1974م). تاریخ الأدب العربی في العصر الجاهلي. القاهرة: دار المعارف. الطباطبائي، السید محمد حسین. (1996م). المیزان في تفسیر القرآن. ط 2. قم: مكتب المطبوعات الإسلامیة. الطبرسي، فضل بن حسن. (1981م). مجمع البیان في تفسیر القرآن. طهران: جامعة طهران. الطریحي، فخر الدین بن محمد. (1996م). مجمع البحرین. تحقیق أحمد الحسیني الإشكوري. ط 3. القاهرة: دار الكتب المصریة. طیب، عبد الحسین. (1999م). أطیب البیان في تفسیر القرآن. ط 3. طهران: الإسلام. علي، جواد. (2001م). المفصل في تاریخ العرب قبل الإسلام. بغداد: الشریف الرضي. الكلبي، هشام بن محمد. (2000م). الأصنام. ط 4. القاهرة: دار الكتب المصریة. الهاشمي، السيد أحمد. (2005م). جواهر البلاغة. ط 5. قم: المدرسة العلمیة.
ب. الفارسية ایمانیان، حسین؛ و عبدالغنی ایروانیزاده. (1387ﻫ.ش). «دریچهای بر نقد اجتماعی در قرآن: جامعه جاهلی و بخشش». مجله علوم قرآن و حدیث. ش 81. ص 63 ـ 82. بشیر، حسین. (1395ﻫ.ش). كاربرد تحلیل گفتمان در فهم منابع دینی. تهران: دفتر نشر فرهنگ اسلامی. جوادی آملی، عبد اللّٰه. (1386ﻫ.ش). تفسیر التسنیم. قم: مركز الإسراء للنشر. حاجیزاده، مهین؛ و رعنا فرهادی. (1397ﻫ.ش). «بررسی قصه یوسف (ع) بر اساس نظریه تحلیل گفتمان انتقادی نورمن فركلاف». پژوهشهای ادبی قرآنی. ش 4. ص 25 ـ 42. خسروانی، علیرضا. (1390ﻫ.ش). تفسیر خسروانی. تحقیق محمد باقر بهبودی. تهران: اسلامی. صالحی، پیمان؛ و طاهره افشار. (1398ﻫ.ش). «گفتمان انتقادی داستان حضرت موسی (ع) در قرآن كریم: بر اساس الگوی نورمن فركلاف». پژوهشهای قرآنی. ش 92. ص 82 ـ 92. عرفان، حسن. (1369ﻫ.ش). شرح مختصر المعاني. تهران: مؤسسة منشورات الهجرة. مزید، عارفه. (1393ﻫ.ش(. «تحلیل گفتمان انتقادی سوره آل عمران بر طبق نظریه نورمن فركلاف». پاياننامه كارشناسیارشد. دانشگاه تربیت معلم تهران. دانشكده ادبیات و علوم انسانی. معارف، مجید. (1378ﻫ.ش). «نگاهی به قصه، اهداف و ویژگیهای آن در قرآن». بصیرت. ش 20. ص 132 ـ 154. مغربی، محمد. (1382ﻫ.ش). «توحید خالق، رب و معبود». حكمت رضوی (فروغ اندیشه). ش 6. ص 51 ـ 68. مكارم شیرازی، ناصر. (1374ﻫ.ش). تفسیر نمونه. تهران: دار الكتب الإسلامي. مهدوی، سیدسعید. (1381ﻫ.ش). قصه و نكات تربیتی آن در قرآن. چ 3. قم: بوستان كتاب. مطیع، مهدی؛ و رضا شكرانی، هدی صادقزادگان. (1390ﻫ.ش). «بررسی روش گفتمانكاوی و چگونگی كاربست آن در مطالعات قرآنی». پژوهش در علوم انسانی. ش 3. ص 93 ـ 122. نصیری، محمد؛ و حسین زراعتكار. (1396ﻫ.ش). «تحلیل جامعهشناسی مسئلۀ زنده به گور كردن دختران در جزیرة العرب عصر جاهلی». پژوهشهای تاریخی ایران و اسلام. ش 20. ص 198 ـ 214. | ||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 227 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 159 |