تعداد نشریات | 43 |
تعداد شمارهها | 1,640 |
تعداد مقالات | 13,343 |
تعداد مشاهده مقاله | 29,984,499 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 12,003,276 |
دراسة الأبعاد التداولیّة في الخطاب السياسي للسيّد حسن نصر الله وفقًا لآراء جون سیرل | |||||||||||||||||||||||||||||
بحوث في اللغة العربية | |||||||||||||||||||||||||||||
دوره 15، شماره 28، شهریور 2023، صفحه 85-106 اصل مقاله (1.17 M) | |||||||||||||||||||||||||||||
نوع مقاله: المقالة البحثیة | |||||||||||||||||||||||||||||
شناسه دیجیتال (DOI): 10.22108/rall.2022.134430.1423 | |||||||||||||||||||||||||||||
نویسندگان | |||||||||||||||||||||||||||||
حسين مهتدي* 1؛ مهدي حسن شمص2؛ مها خير بك3 | |||||||||||||||||||||||||||||
1أستاذ مشارك قسم اللغة العربیة وآدابها بجامعة خلیج فارس، بوشهر، ایران | |||||||||||||||||||||||||||||
2حاصل علی الدكتوراه في قسم اللغة العربیة وآدابها بالجامعة اللبنانية، بیروت، لبنان | |||||||||||||||||||||||||||||
3أستاذة في قسم اللغة العربیة وآدابها بالجامعة اللبنانیة، بیروت، لبنان | |||||||||||||||||||||||||||||
چکیده | |||||||||||||||||||||||||||||
الحجاج التداولي يدرس الخطاب مقام التخاطب، وأغراض المتكلم، وانتظارات السامع، والمعارف المشتركة بين المتكلم والمستمع؛ وهذه المعطيات ضرورية لفهم الملفوظات فهمًا صحيحًا ومكتملًا. تهدف هذه الدراسة إِلى الكشف عن أبعاد الحجاج التداولي في خطاب السیّد نصر الله، وعن المقاصد والغايات التي أراد الإضاءة عليها من أجل خلق نهضة فكرية، قوامها الوعي بالقيم الدينية والسياسية والاجتماعية والوطنية. سيتمّ في هذا البحث درس الخطاب المنطوق من قبل السیّد نصر الله، وتعالج الحجاج التداولي الذي ظهر فيه، وبالتحديد الشخصية من خلال الإشاریّات وأنواعها کالإشارات الشخصیّة، والإشارات المكانیّة، والإشارات الزمانيّة، والإشاريَّات الاجتماعية، وأسماء الإشارة، وأفعال الكلام وأنواعها. نستنتج أنّ لمفهوم التداوليّة خط كبير في خطاب السیّد نصر الله؛ فمن إشاريات وإحالات على الشخصية والمكان والزمان، وصولًا إلى الإشاريات الاجتماعية، وانتهاءً بالفعل الكلامي الذي يتميّز، بأنه فعل لفظي، إِنجازي، تأثيري. الإشاريات تساهم في تأسيس العلاقة الإيمانية والاجتماعية بين السیّد نصر الله وجمهوره، كما تؤشر إلى الانتماء إلى جماعة المضحين المقاومين، في مقابل جماعة المحبطين والمتخاذلين، ويظهر أيضًا الجمع بين المتكلم والمخاطب، وهذا من الوظائف التداولية أو القصدية، وهي موافقة الخطاب مقتضى الحال، حيث يرى الجمهور نفسه كجمهور مقاوم ومضحٍ، يختلف ويتمايز عن أولئك الذين في الطرف الآخر. الأفعال التعبيرية في خطاب السیّد نصر الله تعبّر دائمًا عن غضبه تجاه العدو الصهيوني، ومحبته للجمهور، وافتخاره بالشهداء والمضحّين. فقد اعتمد الباحث في دراسته هذه على المنهج الوصفي -التحليلي إذ یقوم على استقراء الخطب السیّد حسن نصرالله ومن ثم تحليلها من ناحیة تبیین عناصر التداولیّة. | |||||||||||||||||||||||||||||
کلیدواژهها | |||||||||||||||||||||||||||||
اللسانيّات؛ الأبعاد التداولية؛ تحليل الخطاب؛ السيّد حسن نصر الله | |||||||||||||||||||||||||||||
اصل مقاله | |||||||||||||||||||||||||||||
تنتقل الفكرة بواسطة اللغة من السكون إلى الحركة والتفاعل، وتتخذ في أثناء أداء مهامها أشكالا وأنساقا، منها الخطاب. والخطاب هو ممارسة اجتماعية تسمح للأفكار والآراء أن تُمرّر وتنتشر بين المتلقِّين، وبخاصة ما كان خطابا حجاجيا؛ لأنّ غايته التأثير والإقناع، من خلال سلسلة من الملفوظات التي يمكن تحليلها إلى وحدات لغوية قوامها جمل تمايزت بتمايز الأغراض والأهداف. يستمد كل حجاج معناه ووظائفه من مرجعية خطابية محدّدة، ومن خصوصية الحقل التواصلي الذي يكتنفه، فنجد حجاجا خطابيا، وآخر بلاغيا، أو سياسيا، أو فلسفيا؛ «وتبعا لذلك، يصبح الحجاج بُعدا من أبعاد الخطاب الإنساني المكتوب والمنطوق» (إعراب، 2001م، ص 98). يقتضي الحجاج وجود طرفين: مرسل ومتلقٍ؛ وفي الخطاب، يتطلب الحجاج أدوات تتعلق بالخطيب وشخصيته، ونوعية المتلقي، والرسالة التي يريد المحاجج إيصالها من خلال الخطاب؛ وبذلك «يعدّ الحجاج إستراتيجية لغوية، تكتسب بُعدها من الأحوال المصاحبة للخطاب، بوَصفِ اللغة نشاط كلامي يتحقق من الواقع وفاق معطيات معينة من السياق» (بلخیر، 2003م، ص 120)؛ إذًا، فالحجاج لا يكون في الأمور البديهية والمسلّم بها، إنّما يكون في ما هو مرجّح وممكن ومحتمل؛ كما أن الأدلة التي تُقدمها المحاججة ليس من شأنها أن تكون حاسمة، بل لها حقائق متعددة، وعلى الأدلة أن ترجح إحداها على الأخرى، أو أن تصل إلى ما هو أقرب للصواب. لقد أكدت كثير من الدراسات الحديثة، في موضوع الخطاب، على جانبين: البيان والحجاج على أنهما وسيلة أساس من وسائل الإِقناع في الخطاب السياسي؛ فالتأثير والإقناع في الخطاب يتطلبان قدرات بيانية وحجاجية فاعلة لتحقيقه، ويعد الحجاج ركيزة أساس في الخطاب الموجّه للقصدية والنقاش. تتناول هذه الدراسة خطابات السيد حسن نصر اللّٰه السياسية، التي ألقاها في مناسبات عديدة. إن هذه الخطب تكشف عن فكر السیّد نصر اللّٰه المستند إلى الموروث الديني، والثقافي المتصل بالخط المحمدي وأهل البيت، والخطاب الحجاجي الذي يستميل فيه جمهوره، ويحاول إقناع خصومه مرتكزا على عناصر الفكر الحجاجي في الإقناع، ليصل إلى مبتغاه في استنهاض جمهور الأمة والتمسك بمعتقداته وغاياته على أسس معرفية. 1ـ1. أسئلة البحث تسعی هذه الدراسة من خلال التقصي والتنقيب عن الأبعاد التداولیة في خطاب السیّد حسن نصر اللّٰه، إلی الإجابة عن الأسئلة التالية: ـ ما أهمّ الأبعاد التداولیة في خطب السیّد حسن نصر اللّٰه؟ ـ كيف وظّف السیّد حسن نصر اللّٰه عناصر التداولیة في التأثير في الجمهور؟ ـ كيف تحوّل اللفظ الكلامي في خطاب السیّد نصر اللّٰه إلى فعل إنجازي؟ ـ كيف صارت اللغة لغة مشتركة بين السید نصر اللّٰه وبين المتلقين؟ 1ـ2. منهج البحث تعتمد هذه الدراسة على المنهج التداولي. فيقوم هذا البحث بدراسة الأبعاد التداولیة لخطاب السیّد حسن نصر اللّه، حیث سیجري تبیین التداولیة وأهمیتها في التحلیل اللغوي، ثم دراسة تحلیلة لحضور الأبعاد التداولیة في خطاب السیّد حسن نصر اللّٰه. فتتناول هذه الدراسة خطاباته السياسية، التي ألقاها في مناسبات عديدة، وقد تم اختيار تسع خطبه في العام 2008 م، وتدور هذه الخطب حول الانتصار على العدو الصهيوني واندحاره عن لبنان؛ ومن ضمن المختارات بعض الخطب الدينية التي تتداخل مع السياسة. وقد تم استقاء هذه الخطب من "جمعية إحياء التراث المقاوم"، وهي جمعية تعنى بتوثيق خطاب السيد نصر اللّٰه، والكتب والمقالات التي تتحدث عن هذا الخطاب. ومركز هذه الجمعية هو بيروت، وقد نشأت عام 2008، ولها علم وخبر 1234. 1ـ3. خلفية البحث كثرت المقالات والكتب التي تتحدث عن سماحة السيد حسن نصر اللّٰه؛ لكنها في الأغلب الأعم تتحدث عن ميزاته القيادية وأسلوبه ومحبة الجمهور له. ومن هذه الكتب التي تناولت شخصية سماحته، كتاب الحرب الأسطورة لجعفر العطار، وحسن نصر اللّٰه الوعد الصادق وملحمة النصر الإلهي لرفعت سيد أحمد، وكتاب زمن نصر اللّٰه لمصباح محجوب، وغيرها والكثير التي تناولت خطاب السيد من الناحية المتعلقة بشخصيته. ومن الدراسات التي کتبت في مجال نظریة الحجاج ما يلي: كتاب نظرية الحجاج عند شابيم بيرلمان لحسين بنو هاشم، وفيه يشرح الكاتب نظرية بيرلمان عن مقدمات الخطاب وكيفية التأثير بالمتلقي من خلال الوقائع والحقائق، والقيم، والمنظومات، والتراتبيات، ومواضع الأفضل، من حيث الكم والكيف لجعل الخطاب مقبولاً لدى المتلقي، ويعلق أو ينتقد الكاتب مرة، ثم ينتقد تارة أخرى مصوباً أو شارحاً لنظرية بيرلمان. وكتاب في نظرية الحجاج دراسات وتطبيقات لعبد اللّٰه صولة، يعرض فيه الكتاب لطريقة عرض المعطيات وشكل الخطاب وغايات الخطاب وكيفية استخدام الصيغ الحجاجية. ولكن من الناحية الأدبية، ليست أبحاث تتحدث عن المستوی التداولي في خطاب السيد نصر اللّٰه، إلا مقالة تحت عنوان مقاربة تداولية للخطاب السياسي المعاصر في لبنان؛ بناء على خطاب اثنين من السياسيين لفاطمة پرچگانی (2019م). تناولت فیها الکاتبة خطابات السید حسن نصر اللّٰه ونبیه برّي في سنة 2006م، وفقا لآراء أوستین في نظریة التداولیة؛ وخصّصت الکاتبة مقالتها بالأفعال الکلامیة في خطابات هذین السیاسیین ولم تتطرّق إلی عناصر التداولیة الأخری. ولکن مع کل ما بذله أوستین من جهد في سبیل إقامة نظریة متکاملة لأفعال الکلام، إلا أنّه لم یوفق وظلّت أعماله تفتقد للأسس المنهجیة الواضحة حتی مجيء تلمیذه جون سیرل الذي استفاد من أستاذه أوستین واقترح بعض التعدیلات. بناء علی هذا في مقالتنا هذه، اکتفینا بخطابات السیّد حسن نصر اللّٰه وتناولنا خطاباته من منظار الأبعاد التداولیة من الإشاریات وأنواعها وأفعال الکلام، وفقا لآراء جون سیرل وأشرنا في أفعال الکلام إلی الغرض الإنجازي ولم تشر إلیه السیدة پرچگانى في بحثها.
«تعدّ اللغة نظاما تواصليا ثقافيا، ونسقا اجتماعيا، وتعبيرا عن الوجود الإنساني، بل تحقيقا لهذا الوجود الاجتماعي والثقافي في العالم، حيث يعدّها فيركلاف[1] جزءا من الحياة الاجتماعية، لا يمكن اختزاله؛ إذ بينها وبين عناصر الحياة الاجتماعية الأخرى، علاقة منطقية جدلية، تجعل من الضروري أن يأخذ البحث والتحليل الاجتماعي اللغة في الحسبان» (النکر، 2014م، ص 103). «وقد فتحت الدراسات التداولية أفق البحث واسعا أمام مجال العقل الإنساني، بما ينطوي عليه من مؤهلات ذاتية، تطلق لدى الفرد حرية المبادرة والإبداع، استنادا إلى ما يراكمه من تجارب فردية، ومعارف موسوعية، ووقائع خارجية، تنقل هذا الفرد من مجال الأقوال والكلام إلى ميدان الإنجاز والأفعال، وهو انتقال محكوم بقواعد لسانية، منطقية، نفسية واجتماعية وثقافية» (ادراوي، 2020م، ص 14). تركز التداولية على منتج الخطاب ومتلقّيه، وبيئة إنتاجه، وأفق تلقيه وقراءته وتأويله، بالإضافة إلى مجال المقام، والتفاعل، والذوات، والتعاون، والاستلزام، والسياق، والقصد، وغيرها من المفاهيم ذات البعد التدوالي الاستعمالي؛ وهي دراسة تختصّ بوصف العلاقات وتفسيرها، والتي تجمع بين الدوال الطبيعية ومدلولاتها وبين الدالين بها، كما تهتم بالأنساق المنطقية ذات الأبعاد الطبيعية، للكشف عن مختلف العمليات التخاطبية، والتفاعلات الحوارية، والحجاجية المرتبطة باللغة، كما بالذوات المخاطبة، وبالواقع التداولي الخارجي، والقيم الإنسانية والاجتماعية (المصدر نفسه، ص 15). 2ـ1. التداولیة لغة واصطلاحا يرجع مصطلح التداولية إلى «المصطلح الإنكليزي Pragmatics والفرنسي Pragmatique، وکلاهما یرجع تأصیله إلی الأصل اليوناني Pragma التي تعني الفعل أو الحدث Action، وتعددّت التسمیات العربیة المقابلة لهذا المصطلح الأجنبي فقیل: البراغماتیة، والتداولیة، والوظیفیة، والسیاقیة ...» (بوجادي، 2009م، ص 65)، وفي الأصل العربي، فهو «دولَ دالت له الدولة، ودَالت الأيام بكذا، وأَدال اللّٰه بين فلان من عدوهم، جعل الكثرة لهم عليه، وأديل المؤمنون على المشركين يوم بدر، وأُديل المشركون على المسلمين يوم أُحُد، واللّٰه يداول بين الناس مرة لهم ومرة عليهم، وتداولوا الشيء بينهم، والماشي يداول بين قدميه، يراوح بينهما» (الزمخشري، 1998م، ج 1، ص 303)؛ وفي لسان العرب، دال اللفظ على الانتقال والتحول مع وجود أكثر من طرف في هذه العملية، فقال ابن منظور في هذا الصدد: «تداولنا الأمر: أخذناه بالدُّول. وقالوا: دواليك، أي مداولة على الأمر، ودالت الأيام، أي دارت، واللّٰه يداولها بين الناس. وتداولته الأيدي: أخذته هذه مرة، وهذه مرة» (1994م، ج 11، ص 252 ـ 253). وفي الخطاب، يمكن تعريف التداول، أنها «تلك حال اللغة، متحولة من حال لدى المتكلم، إلى حال أخرى لدى السامع، متنقلة بين الناس، يتداولونها بينهم؛ ولذلك كان مصطلح تداولية أكثر ثبوتا بهذه الدلالة من المصطلحات الأخرى الذائعية، النفعية، السياقية» (بوجادي، 2009م، ص 148)؛ فالنتيجة تعني أن التداول لغة تعني الانتقال من حال إلى أخرى، في ظل التواصل والتفاعل، أي أن يكون القول موصولا بالفعل. أما اصطلاحا، «فالتداولية هي دراسة استعمال اللغة في الخطاب، ويرى فرانسيس جاك[2] أن التداولية تتطرق إلى اللغة كظاهرة خطابية وتواصلية واجتماعية معا» (بوقرة، 2009م، ص 166)؛ إذًا، نستطيع القول: إِن دراسة اللغة أثناء الاستعمال، حيث تراعي كل ما يحيط بها، كالمتكلم، والمخاطب، ومكان التخاطب وزمانه، والحاضرين أثناء الخطاب، وعلاقة المتكلم بالمخاطب، والمستوى الثقافي لهما، كي تتضح مقاصد المتكلم والغاية، أو المعاني المطلوب إيصالها إِلى المتلقي (رشید، 2020). «التداولیة تبحث في کل ما من شأنه أن یقرب الفهم والتواصل بین المتکلم والسامع فهي تبحث في السیاق وفي کل الظروف الاجتماعیة والثقافیة والتاریخیة والزمنیة والمکانیة التي یمکن أن تساعد المستمع» (سحایلیة، د.ت، ص 6). يرى أوستن[3] أن التداولیة جزء من علم أعم هو دراسة التعامل اللغوي، من حیث هو جزء من التعامل الاجتماعي، وبهذا المفهوم ینتقل باللغة من مستواها اللغوي إلی مستوی آخر هو المستوی الاجتماعي في نطاق التأثیر والتأثر (أرمینیکو، 1987م، ص 8). بعبارة أخری في رأي أوستین أن كل قول يعبّر عن عمل، أي إن لكل عبارة لغوية طبيعة إِنجازية؛ فحين ننطق أفعالا معينة، فإننا نقوم بأفعال كلامية، هي في حقيقتها أفعال اجتماعية، يعني تحويل القول إلى فعل لغوي ذات صبغة اجتماعية معينة، تتردد بالسياق الذي ترد فيه. يُعدّ هذا المفهوم من الأسس التي قامت عليها التداولية؛ وهو «كل ملفوظ له نظام شكلي دلالي إنجازي تأثيري؛ وفضلًا عن ذلك، يعدّ نشاطا ماديا نحويا، يتوسل أفعالا قولية، لتحقيق أغراض إنجازية، كالأمر والنّهي والوعد والوعيد، وردود أفعال تأثيرية تخصّ المتلقّي» (صحراوي، 2005م، ص 40). ويمكن تقسيم الفعل الكلامي إلى: الفعل اللفظي، الفعل الإنجازي، والفعل التأثيري، وتُصنف بناء قدرتها الإنجازية إلى خمسة أصناف، كما يرى أوستن: أ ـ أفعال الأحكام[4]؛ ب ـ أفعال القرارات[5]؛ ج ـ أفعال التعهد[6]؛ د ـ أفعال السلوك[7]؛ ه ـ أفعال الإيضاح[8] (صحراوي، 2005م، ص 41 ـ 42). ومع کل ما بذله أوستین من جهد في سبیل إقامة نظریة متکاملة لأفعال الکلام إلا أنّه لم یوفق وظلّت أعماله تفتقد للأسس المنهجیة الواضحة حتی مجيء تلمیذه جون سیرل[9] الذي استفاد من أستاذه أوستین (جلولي، 2011م، ص 57)، وصنّف الأفعال الکلامیة إلی خمسة أصناف. وسنعتمد في هذا البحث على تصنيف سیرل، وهي: أ ـ الأفعال الإخبارية[10]؛ ب ـ الأفعال التوجيهية[11]؛ ج ـ الأفعال الالتزامية[12]؛ د ـ الأفعال التعبيرية[13]؛ ه ـ الأفعال الإعلانية[14] (نحلة، 2002م، ص 47 ـ 50؛ نور الهدی، 2019م، ص 34). واقترح بعض التعدیلات التي یمکن أن نلخصها فیما یلي: 1ـ نصّ سیرل علی أن الفعل الانجازي هو الوحدة للاتصال اللغوي، وأنّ للقوة الانجازیة دلیلا یسمّی دلیل القوة الانجازیة، وبیّن أن الفعل الانجازي الذي یؤدیه المتکلم بنطقه لجملة معینة یکون باستعماله لصیغة معینة تدل علی دلالة معینّة کذلك؛ 2ـ الفعل الکلامي عنده أوسع من اقتصاره علی مراد المتکلم، بل أیضا مرتبط بالعرف اللغوي والاجتماعي؛ 3ـ طوّر سیرل شروط الملائمة عند أوستین، فجعلها أربعة، وهي شروط المحتوی، والشرط التمهیدي، وشرط الإخلاص، والشرط الأساسي (اباعلال، 2017م، ص 45 ـ 46)، وأعاد الأفعال الکلامیة، وصنّفها إلی خمسة أصناف. وسنشرحها في الآتیة. نجد أن للمقام والحال الاجتماعي دورا كبيرا في فهم الرسالات المنقولة بالأداء اللغوي؛ لذا سيتم في هذا البحث درس الخطاب المنطوق من قبل السید نصر اللّٰه، وتعالج الأبعاد التداولیة التي ظهر تفيه، وبالتحديد الشخصية من خلال الإشاریات وأنواعها کالإشارات الشخصیة، والإشارات المكانیة، والإشارات الزمانية، والإشاريات الاجتماعية، وأسماء الإشارة، وأفعال الكلام وأنواعها. وسنشرح هذه المصطلحات في القسم الآتي.
انبثق عن التداولیة عدة مباحث، وقد تختلف في بعض منطلقاتها؛ لکنها تتفق في کونها جمیعا تعالج الاستعمال اللغوي في ضوء السیاق، وقد استطاعت التداولیة أن تتوسل بهذه المباحث لتضع منهجا جدیدا یمکّن من معالجة القضایا اللغویة عند المتکلمین. ویمکن تلخیص أبرز مفاهیم التداولیة في ما یلي: الإشاریات، وأفعال الکلام، والاستلزام الحواري، ومتضمّنات القول. بما أن دراسة جمیع هذه المفاهیم تحتاج إلی مجال واسع، فاکتفینا في هذا البحث بالإشاریات وأنواعها وأفعال الکلام وأنواعها في خطب السیّد نصر اللّٰه؛ لکي نستنتج نتیجة ملموسة. 3ـ1. الإشاريات[15] تعد الإشارات من أهم الآليات اللغوية في التحليل التداولي؛ لأنها تهتم بالعلاقة بين التراكيب اللغوية والسياق الذي تستخدم فيه، فهي عناصر لغة، يتطلب فهمها معرفة العناصر السياقية المحيطة بعملية التلفظ؛ «فالتلفظ يجب أن يكون في سياق يحضر فيه أطراف الخطاب حضورا عينيا أو ذهنيا، من أجل إدراك مرجعها» (الشهري، 2004م، ص 80). هناك إشاريات واضحة في الخطاب، وأخرى مضمرة، يعرفها المتلقي من خلال الكفاءة التداولية، بل يتجاوز الخطاب الإشاريات المضمرة إلى الإشاريات المستقرة في بنية الخطاب العميقة؛ لأن التلفظ ينطلق من شخص له صفات وسمات محددة في مكان وزمان محدّدين، ما يجعل الخطاب بناءً متكاملا. هناك عدد من الإشاريات الشخصية والمكانية والزمانية والخطابية والاجتماعية، وهذا ما سنعالجه في خطاب السیّد نصر اللّٰه. 3ـ1ـ1. الإشاریات الشخصیة تعرف الإشاريات الشخصية بالضمائر المتصلة والمنفصلة، وهي تتفرع بحسب الحضور والغياب؛ فالحضور يعني المتكلم، يقابله مخاطب، ويوجّه إليه الخطاب، والغائبة بالمطلق، ويعتمد على السياق لمعرفة دلالات الضمائر، وهي تتجاوز الوظيفة النحوية إلى المعيار التداولي، كما تظهر الهوية بالنسبة إِلى طرفي الاتصال. الضمائر: ترجع ضمائر المتكلم إلى صاحب القول، وقد وردت ضمائر المتكلم في خطاب السیّد نصر اللّٰه متصلة ومنفصلة ومستترة، كما جاءت في المفرد والجمع. أ ـ الضمائر المستترة نكاد لا نجد جملة واحدة خالية من هذه الضمائر، ومنها قوله في تشييع الشهيد القائد عماد مغنية: «في البداية، أود أن أعتذر من جميع الإِخوة والأخوات المحتشدين في الخارج تحت المطر، وأسأل اللّٰه سبحانه وتعالى أن يتقبّل منه» (جمعية إحياء التراث المقاوم، 14/2/2008). الملاحظ في هذه العبارة، أن السید نصر اللّٰه لم يصرّح باسمه، ولكن المتلقّي استطاع تحديده، وذلك من خلال الضمير المستتر (أود – أعتذر – أسال)؛ وقد عرف الجمهور من هو المتكلم من خلال حضور الجمهور أمام السیّد، من خلال الشاشة التي يشاهده من خلالها الجمهور؛ ويظهر أيضا الضمير المستتر في قوله في تشييع الشهيد القائد عماد مغنية: «أقول لهم: لقد قتلتم الحاج عماد خارج الأرض الطبيعية للمعركة ... وقلت لكم: أيها الصهاينة، إن أردتموها حربا مفتوحة، فلتكن حربا مفتوحة» (المصدر نفسه). فالسيد لا يذكر اسمه إلا ما ندر، ولعله ذكر اسمه مرة أو مرتين خلال كل هذه السنوات، والجمهور ليس بحاجة إلى أن يذكر السيد اسمه، فهم يعرفونه حق المعرفة، ويشاهدونه أمامهم، ويعرفون الإشارة المعرفية من خلال سياق الحديث أيضا. وتتوالى الضمائر في كل خطاب من خطب السیّد نصر اللّٰه، للدلالة على الشخصية التي تتحدث، وهي معروفة للمتلقي، ومنها قوله في أسبوع المقاومة الإِسلامية، أسبوع الشهيد مغنية، «بالبداية، أتوجّه باسمي وباسم عائلة الشهيد القائد عماد مغنيّة ... أتوجه بالشكر إلى مراجعنا العظام ... من واجبي أن أخصّ بالشكر سماحة آية اللّٰه العظمى الإمام الخامنئي ... أتوجّه بالشكر إلى عشرات الآلاف الذين شاركونا تشييع شهيدنا القائد ... أتوجه إليك» (المصدر نفسه، 22/2/2088)؛ ويُكثر السید من استخدام الضمير المستتر الذي يُبرز المتكلم، وهو السیّد نصر اللّٰه؛ وهنا لا حاجة لمعرفة السياق اللغوي؛ لأن السياق المقامي معروف، ومرجعية الضمير معروفة، "أقول – أؤكد – ألفت – أظن – أود – أشيد – أعتقد – أحذّر – أَعترف – أقسم – اِعتدت" (المصدر نفسه)؛ وعلى الرغم من وجود مراجع خارجية للضمائر، إلا أنها غير ثابتة؛ لذلك يعتمد على السياق في تحديدها، خاصة ضمائر المتكلم والمخاطب، «لأنّ ضمير المتكلم والمخاطب بطبعهما لا يحيلان إلى مذكور سابق، ويتطلب استعمالهما معرفة سابقة بالهُوية، بالنسبة إِلى طرفي الاتصال» (بوجراند، 1998م، ص 333). إن أكثر الضمائر التي استعملها السید نصر اللّٰه هي ضمير المتكلم المستتر، التي تظهر في قوله في أَربعين القائد الشهيد مغنية: "أبارك – يهمني – أتوقف – أعود – أستطيع – أتحدث – أذكر – أقرأ – أرجو – اُستشهد – أحلل – أستبعد – أنفي – أذكرهم" (جمعية إحياء التراث المقاوم، 24/3/2008)؛ وفي بعض خطبه أيضا، نجد الضمير المستتر قد استعمل عشرات المرات؛ وهذا الاستعمال يدل على إستراتيجية معينة، يعتمدها السیّد نصر اللّٰه بما يضمن تحقيق الغاية المطلوبة، من خلال اختيار العلامات اللغوية الملائمة، والتي تساهم في مساعدة المتلقي على تحليل الخطاب، ذهبنا، وتقبّل الإشاريات، أو التوجيهات، أو الأفكار التي يطرحها السیّد نصر اللّٰه، فجاء في خطبه في الذكرى الثامنة للتحرير: "أرحّب – أدخل – أقول – أَنتقل – أريد – أدعو – أوافق – أفضل – أعرف – أعدكم – أؤيد –أُعلن – أجدد" (المصدر نفسه، 26/5/2008). والملاحظ أن هذه الأفعال أفعال مضارعة، مما يظهر تطلع السیّد نصر اللّٰه الدائم إلى الحاضر، ومعرفته الواقع، واستشرافه للمستقبل. يحيل السیّد نصر اللّٰه الضمير المستتر إلى مرجعية معروفة، وهي شخص الأمين العام من دون أن يذكر الاسم أو الصفة؛ ولكن قاعدة الصدق موجودة في الخطاب، وهذا ما يجعل المرجعية واضحة لدى المتلقي، بحكمة وحدة الثقافة بين السیّد نصر اللّٰه وجمهوره؛ فهو يستخدم الأفعال التي تتضمن الضمير المستتر، دون أن يذكر صفته أو اسمه، وهذا دليل على الاندماج والمعرفة المتبادلة بين طرفي الخطاب منها قوله في احتفال إطلاق الأسرى من السجون الصهيونية: "أرحب – أستمع – أوجّه – أقول – أريد – أؤمن – أؤيد – أعود" (المصدر نفسه، 16/7/2008)؛ والسیّد نصر اللّٰه يحيل ضمير المستتر إلى نفسه؛ فالضمير المستتر يمكن أن يعبّر عن أشخاص لا تعدّ، كما يعبّر عن موجودات جامدة؛ ولكن بحكم الواقع المقامي للمخاطب، وسياق التلفظ، تصبح الإحالة واضحة على شخص السیّد نصر اللّٰه، منها قوله في الذكرى الثانوية الثانية لحرب تموز: "أدخل – أسأل – أنحني – يحضرني – أقول – أنتظر – سأتناول – سأؤجل – أقصد – أريد – أتناول – أَتحدث" (المصدر نفسه، 14/8/2008). ب ـ ضمائر المتكلم ولا يمكن تصوّر خطاب خالٍ من الضمير "أنا"، التي وردت في خطاب السیّد نصر اللّٰه؛ وهذا الضمير يرجع إلى المرسِل الذي يعتبر «الذات المحورية في إنتاج الخطاب؛ لأنه هو الذي يتلفّظ به، من أجل التعبير عن مقاصد معينة، ويفرض تحقيق هدف فيه، ويجسّد ذاته من خلال بناء خطابه لاعتماده إستراتيجية خطابية، تمتد من مرحلة تحليل السياق ذهنيا والاستعداد له، بما في ذلك اختيار العلامة اللغوية الملائمة، وبما يضمن تحقيق (منفعته الذاتية)، بتوظيف كفاءته للنجاح في نقل أفكاره بتنوعات مناسبة» (الشهري، 2004م، ص 45)؛ ولكن في بعض المواضع، لا يصرّح السیّد نصر اللّٰه بالضمير "أنا"؛ لأنه يعوّل على وجودها بالقوة في كفاءة المرسل إليه، «فما يجعله يؤول الخطاب تأويلًا مناسبا» (جمعية إحياء التراث المقاوم، ص 82)، كما في قوله في الذكرى الثانية لنصر تموز: «وخلال عامين، كان يتكشّف أكثر فأكثر عظمة الحرب، وسعة العدوان وخطورته، والحجم الهائل للإمكانات العسكرية والأمنية المستخدمة من العدو، وحجم التواطؤ الدولي والإقليمي، وفي المقابل، حجم الصمود، ودرجة التحدّي الذي خضناه سويا في مواجهة الحرب» (المصدر نفسه، 14/8/2008). إن بنية الخطاب في صورته العميقة، هي: «أنا أقول: إنه خلال عامين، كان يتكشّف ....، وأنا أقول: في المقابل، حجم الصمود، ودرجة التحدّي الذي خضناه معا في مواجهة الحرب ...». وعليه، فإن كل ملفوظ يتضمن في بنيته العميقة ضمير المتكلم الذي يعود على المرسِل، بوصفه صاحب القول المتلفّظ به؛ فالسيد نصر اللّٰه لا يحتاج إلى ذكر ضمير المتكلم، ليُعلم المتلقي أنّه صاحب القول؛ لأن الكفاءة التداولية للمتلقي تسمح له باكتشاف صاحب الملفوظ، دون أن يصرّح به المتكلم. ولعل أهم ما يميز حضور الأداة الإشارية "أنا" في ذهن المرسَل إليه، هو إحالته لفظا على المرسِل؛ وتعد ضمائر المتكلم من أعرف الضمائر؛ لأنّها لا تحيل إلّا على صاحب القول؛ ففي قول السیّد نصر اللّٰه في أسبوع المقاومة الإسلامية أسبوع الشهيد عماد مغنية: «كنا نناقش الاستراتيجية الدفاعية على طاولة الحوار الوطني في مجلس النواب، وتحدّثت عن الاعتداءات الإِسرائيلية من الـــ 48 ... وما قلته في التشييع أؤكده اليوم، نعم لقد رحل الحاج عماد شهيدا ...، فقلت على مسؤوليتي: شارون هو آخر ملوك بني إسرائيل ...، وهذا ما قصدته، عندما قلت: أن دم عماد مغنية سيؤدي بإسرائيل إلى الزوال ...» (المصدر نفسه، 22/2/2008). الملاحظ في هذه العبارات، أن السید نصر اللّٰه لم يذكر اسمه، غير أن المتلقي استطاع تحديده، وذلك عن طريق الضمير المتصل بالأفعال: "قلته – قلت – تحدثت – قصدته"، كذلك في قوله في أربعين الشهيد عماد مغنية: «إنني عندما وقفت في بنت جبيل، في 25 أيار، ذكرت الأسماء، وحاولت أن أنصف الجميع، ما استطعت إلى ذلك سبيلا» (المصدر نفسه، 24/3/2008)؛ فالمتلقي موجود في المكان والزمان والمقام المناسب، لفهم المرجعية التي يستند إليها السیّد نصر اللّٰه، فيعرف أن الضمير المفرد المتصل بالأفعال هي مسندة إلى مرجعية واضحة، هي السيد حسن نصر اللّٰه، الأمين العام لحزب اللّٰه؛ فهو عندما يقول في أسبوع المقاومة الإِسلامية: «بالعودة إلى ما بعد الاحتلال الأمريكي، انقسم الشعب العراقي ككل الشعوب التي تحدّثت عنها قبل قليل ... أيها الإِخوة، عندما وقفت في بنت جبيل، كلكم يذكر ذلك، قلت: نحن هنا قمنا بواجبنا، ويكفينا أن يرضى اللّٰه عنا... أنا عندما خاطبتكم أيام كنتم معتصمين في ساحات الشهداء، ورياض الصلح، وقلت لكم: نحن نعتصم، لأننا نريد حكومة وحدة وطنية، وكنت أعلم أن المسألة تحتاج إلى بعض الوقت، ولكن وعدتكم، وقلت لكم: كما كنت أعدكم بالنصر دائما، أعدكم بالنصر مجددا» (المصدر نفسه، 26/5/2008)؛ وإذا كان المقصد من الكلام يتطلب معرفة السياق اللغوي، والسياق المقامي، لمعرفة المرجعية الحقيقية، فإنها توفرت من خلال عاملين: معرفة الجمهور والحضور أمام السیّد نصر اللّٰه، والضمير المتصل الذي يحيل إلى المتلفظ، وهو السید نصر اللّٰه. ولا بد من تطابق العنصر الإشاري مع مرجعه، لأن الإشاريات تشكل جزءا من المرجعيات، لأنها تشير إلى مرجع ما؛ فالضمير "أنا" والمرجعية جزء من المرجعيات، لأنها تشير إلى مرجع ما؛ فالضمير "أنا" والمرجعية يجب أن يتوافقا، ليشكّلا علاقة حقيقية؛ ولكن السید نصر اللّٰه لا يذكر اسمه، لأن شرط الصدق في الإشاريات متوفر، بالإضافة إلى كون السیّد نصر اللّٰه حاضر أمام الجمهور من خلال الشاشة، ولا يحتاج ضمير المتكلم "أنا" إلى التحقق من مطابقته للواقع، فيكتفي السیّد نصر اللّٰه بقوله في أُسبوع المقاومة الإِسلامية: "أنا"، ويعرف الجمهور من يتكلم، «وأنا من خلال المتابعة اليومية لهذا الأمر أشهد بالجدية العالية جدا من قبل الإخوة السوريين في هذا المجال، ... فأنا بحكين بسرعة لأسباب ذاتية وموضوعية... بس خليني قولا: أنا حكيتا بخطاب، قلت: الإسرائيليون يخافون على وجودهم ... أنا بقبل، أنا شخصيا، هلق بقية المعارضة ما بعرف، بتقبل بهالتحدي ولّا لأ...» (المصدر نفسه، 22/2/2008). وعليه، فإن الخطاب القابل للفهم والتأويل، هو الخطاب الموضوع في سياقه، ولا يستخدم السید نصر اللّٰه الإحالات الغامضة، فهو يوضّح وجهة نظره، وينتقل للحديث عن المعارضة التي يشكل حزب اللّٰه جزءا منها في ذلك الوقت، من خلال إشاريات وإحالات تساعد على معرفة القصدية والجهة التي تتبنَّى موقفا معينا. كما ورد ضمير المتكلم الجمع "نحن" في خطاب السيد نصر اللّٰه، الذي قد يستعمل للجمع بين المتكلم والمخاطب، فيكون دليلا على التضامن بينهما في بنية الخطاب العميقة، ويدل على التضامن بينهما، وقوة العاطفة المشتركة؛ ومن نماذجه في خطاب السیّد نصر اللّٰه في تشييع الشهيد القائد عماد مغنية: «لم تفاجئنا هذه الشهادة المنتظرة منذ 25 عاما، فنحن جميعا ننتمي إلى مدرسة، أنبياؤها شهداء، وأئمتها شهداء، وقادتها شهداء؛ ولذلك نحن اليوم مع شهادة الحاج عماد في سياقنا الطبيعي، وفي وضعنا الطبيعي، كما كنا مع شهادة قائدنا وسيدنا وأميننا العام السيد عباس الموسوي، وكما كنا مع شهادة شهدائنا الشيخ راغب ...» (المصدر نفسه، 14/2/2008). يبيّن السید نصر اللّٰه في هذا القول تلك العاطفة المشتركة؛ فقادة الأمة كلهم يعشقون الشهادة منذ الأنبياء؛ وهو كما هؤلاء القادة، مستعدون للشهادة والتضحية؛ فالضمير "نحن" هنا يحيل على مرجع متمثّل بالسيد نصر اللّٰه ورفاقه من القادة، وهو عنصر إرشادي، يعبّر عن الحالة العقائدية والإيمانية المشتركة بين السید نصر اللّٰه وهؤلاء القادة، من أمثال: الحاج عماد مغنية، والسيد عباس الموسوي، والشيخ راغب حرب، حيث يرى أنهم فرد واحد، فهم هدف واحد، وغاية مشتركة، وانتماء واحد؛ وهذا الخطاب هو في تشييع القائد العسكري للمقاومة الإسلامية الحاج عماد مغنية، الذي اغتالته إسرائيل، حيث «انتهت المرحلة التي امتنعت خلالها إِسرائيل عن اغتيال قادة حزب اللّٰه، وتدمير مقرهم في الضاحية» (جريدة النهار، 20/2/2008). استخدم ضمير المتكلم "نحن" في كل خطابات السید نصر اللّٰه، ومن النماذج التي تدل على ذلك قوله في الذكرى الثانية لنصر تموز: «انو المقاومة بلبنان صار عندا سلاح دفاع جوّ، يمكن أن تكسر التوازن على سبيل المثال، إذا كان هذا صحيح وموجود؛ بالتأكيد، إذا هذه الضوضاء والضجيج له مردودات سلبية وعكسية من هذا النوع؛ نعم، نحن علينا أن نواجه هذه الضوضاء بقوة، فلا يجوز أن يخضع لبنان، أو أحد في لبنان، لهذا الابتزاز، ولهذا التهويل، وأنا أقول للبنانيين: نحن إذا اتّحدنا، وتعاونا، والتزمنا بنص البيان الوزاري ... أما من جهتنا نحن، فأنا أقول للصهاينة: نحن لا نخافكم ... ونحن نعرف أنكم تخططون لاغتيالات جديدة، ولقتل جديد لقادة في المقاومة ...» (جمعية إحياء التراث المقاوم، 14/8/2008) تُظهر الإحالة الإشارية في هذه النماذج وحدة المصير، والتماهي بين السیّد نصر اللّٰه وجمهور المقاومة، ومحاولة لإشراك كل اللبنانيين للتصدّي لمخططات العدو، وهي مؤشر على الوظيفة القصدية والتداولية، والتي تعني وحدة المصير بين السیّد نصر اللّٰه وكل اللبنانيين، وخاصة جمهور المقاومة الذي قدَّم وضحى في حرب تموز 2006؛ وتاليا، فإن واجبهم التصدي لمؤامرات العدو، أو محاولاته في اغتيال قادة المقاومة. كما ورد الضمير المنفصل، نحن بعد الضمير المتصل المعبّر عن الجمع المتكلم، وذلك في قوله في أربعين الشهيد القائد عماد مغنية: «ثم للأسف، يأتي بعض ضعاف النفوس، بدل أن يقفوا ويقولوا نحن ضعاف، نحن لا نملك شجاعة المواجهة، ولا إرادة المواجهة، ولا روح التضحية في هذه المواجهة، دفاعا عن شعوبنا، وعن بلداننا، وعن مقدساتنا ... ثم جاء الإعلام ليضخم لنا هذا الجيش، ليضخم لنا الجندي الإسرائيلي، والضابط الإسرائيلي، والجنرال الإسرائيلي، والدبابة الإسرائيلية، والطائرة الإسرائيلية، ليضخم عدونا، وليوهن في قدراتنا، وإمكاناتنا، وثقافتنا، وعزمنا، وقدرتنا على المواجهة. هذه المعركة أيضا ربحناها في العام 2000» (المصدر نفسه، 24/3/2008)، حتى «قيل: أننا دخلنا في العصر الإسرائيلي، ولن نخرج منه ... نحن صنعنا الانتصار بدم السيد عباس، الذي تراكم مع دم الشيخ راغب حرب ...» (المصدر نفسه، 22/2/2008)؛ فلو حذف العنصر الإشاري الضمير "نحن"، لبقي القول سليما لغويا، لأنّ الضمير المتصل يغنينا عنه، غير أن السیّد نصر اللّٰه استخدمه لغرض تداولي، يكمن في إخراج مجموعة من اللبنانيين المتخاذلين، بحسب رأي السیّد نصر اللّٰه، والذين يحاولون تخويف اللبنانيين، والحط من عزائمهم، ويُظهر أن ضعفهم أمام العدو الصهيوني، في مقابل المقاومين الذي ينتمي السید نصر اللّٰه إِليهم، فحققوا الانتصارات للأمة بدماء الشهداء: "ربحناها – صنعنا"؛ فالفئة التي ينتمي إليها السیّد نصر اللّٰه هي التي تجسّد فيها ضمير الجمع "نحن"، والانتماء الذي أراده السیّد نصر اللّٰه، وهذه الإشاريات تساهم في تأسيس العلاقة الإيمانية والاجتماعية بين السیّد نصر اللّٰه وجمهوره، كما تؤشر إلى الانتماء إلى جماعة المضحين المقاومين، في مقابل جماعة المحبطين والمتخاذلين، ويظهر أيضا الجمع بين المتكلم والمخاطب، وهذا من الوظائف التداولية أو القصدية، وهي موافقة الخطاب مقتضى الحال، حيث يرى الجمهور نفسه كجمهور مقاوم ومضحٍ، يختلف ويتمايز عن أولئك الذين في الطرف الآخر. استخدم السید نصر اللّٰه في خطاباته ضمیر المتکلم مع الغیر أکثر من ضمیر المتکلم وحده لأنّ ضمير المتكلم الجمع "نحن" في خطاب السيد نصر اللّٰه، الذي قد يُستعمل للجمع بين المتكلم والمخاطب، يكون دليلا على التضامن بينهما في بنية الخطاب العميقة، ويدل على التضامن بينهما، وقوة العاطفة المشتركة. تدلّ کثرة استخدام ضمیر المتکلم الجمع في خطابات السیّد علی وحدة المصير، والتماهي بين السیّد نصر اللّٰه وجمهور المقاومة، ومحاولة لإشراك كل اللبنانيين للتصدي لمخططات العدو، وهي مؤشر على الوظيفة القصدية والتداولية، والتي تعني وحدة المصير بين السیّد نصر اللّٰه وكل اللبنانيين. ج ـ ضمائر المخاطب أكثر ما استعمل السید نصر اللّٰه ضمير المخاطب للجمع "أنتم"، والذي يرجع إلى مرجع يكمن في الجمع المخاطب، ومن نماذجه في أسبوع المقاومة الإسلامية: «أيّها الأحبّة، يا أعداء إسرائيل، أنتم الأحبة؛ وأنتم اللّي بمحل تاني أصدقاء إسرائيل، والمراهنون عليها، اسمعوا مني ما أقول: إِن زوال إسرائيل من الوجود هو نتيجة حتمية ...» (المصدر نفسه، 22/2/2008). يتجاوز هذا الاستخدام البعد اللغوي، ليتحكم فيه البعد التداولي؛ والسياق هو الذي يتحكم في بنية الملفوظ، حيث نجد تفاعلا بين اللغة والموقف؛ وقد أحيل الضمير "أنتم" على مخاطب، يفهمه السیّد نصر اللّٰه، ويعرفه معرفة عميقة؛ فهو جمهور المقاومة الذي أصبح مقتنعا أنه يمكن إزالة إسرائيل من الوجود، خاصة بعد الهزائم المتكررة لهذا العدو، والانتصارات المتتالية للمقاومة. ومن النماذج قول السیّد نصر اللّٰه في أسبوع المقاومة الإسلامية: «هل ترضون أنتم في مجمع سيد الشهداء، في كل الشوارع المحيطة، أنتم الأحبة والكرام، هل تقبلون أن نُرجع هؤلاء إلى الحكم، لنحتكم إليهم، ليضيع دم قادتنا، ودم أطفالنا، وليضيع وطننا، ومصيرنا، ومستقبلنا؟» (المصدر نفسه، 22/2/2008). اقترن العنصر الإشاري "أنتم" في المثال بالاستفهام، يحاول من خلاله السیّد نصر اللّٰه التأثير في الجمهور الذي ضحّى وقدّم الدماء، وهو يعرف سلفا جواب الناس، ولعل هذا الاستخدام راجع إلى الظروف المقامية، فهو يُظهر أن من يسيطرون على السلطة الحالية في لبنان (2008م)، إذا أعيد انتخابهم، فهذا ضياع لدماء شهداء المقاومة، ولدماء أبناء هؤلاء المحتشدين في الساحات؛ وعليه، فإن السیّد نصر اللّٰه استخدم في خطابه عوامل تداولية، حيث يوظف المقام والمكان والزمان، للوصول إلى تحقيق الغاية المنشودة من الخطاب، وهي عدم الثقة بالطبقة الحاكمة، كما وظّف العنصر الإشاري "أنتم"، مرفقا بعبارات المدح «أنتم الأحبة»، ليجعل كل متلقٍّ للخطاب يشعر بأنه هو المقصود بالمدح، ويعدّ هذا الأسلوب في العملية التخاطبية، أسلوبا فعّالا في إِنجاح التواصل، وتحقيق الهدف. كما تعد العلاقة بين طرفي الخطاب من أبرز العناصر السياقية، التي تؤثر في تحديد إستراتيجية الخطاب المناسبة؛ فالسيد نصر اللّٰه يراعي العملية الخطابية؛ فهناك علاقة بينه والجمهور، ومعرفة مشتركة، وعناصر مؤثرة، كوحدة المصير، والثقافة، والاتجاه الديني؛ فيقول السیّد نصر اللّٰه في أربعين القائد الشهيد عماد مغنية: «أنا أقول لكم: أيّها الإخوة والأخوات، أنتم، إن شاء اللّٰه، ببركة دماء الشهداء، وخصوصا الشهداء القادة الكبار، من علماء وجهاديين وسياسيين، أنتم الجيل الذي سيشهد الانتصار النهائي الحاسم لأمتنا، وتغيير وجه المنطقة ...» (المصدر نفسه، 24/3/2008). والملاحظ أنه لا يمكن تحديد مراجع الضمير، وهي بمعزل عن سياقها؛ فالسيد نصر اللّٰه يعد الجمهور الذي يؤمن بالمقاومة بالنصر، يعني زوال الكيان الإسرائيلي، ويُحقق هذا الضمير "أنتم" عنصر الإستراتيجية التضامنية في خطاب السید نصر اللّٰه؛ فهو الأنسب لبلوغ الأهداف؛ لأن ما يترتب عن قبول الجمهور هذه الفكرة، أي زوال إسرائيل، هو مزيد من المقاومة والتضحية والتفاعل، وهذا غرض تداولي؛ "فأنتم" تعني التعاون والتبادل، وتعني طبيعة العلاقة بين السیّد نصر اللّٰه والجمهور، وقوة العاطفة التي تحكم هذه العلاقة. 3ـ1ـ2. الإشاريات المكانية تعد الإشاريات المكانية من بين العناصر اللغوية التي يقتضي الإلمام بها بمعناها معرفة سياق التلفظ؛ لأن مرجعها غير ثابت، وغير محدّد، ويكمن دورها في الإحالة على مرجع مكاني، «فهي عناصر إشارية إلى أماكن يعتمد استعمالها وتفسيرها على معرفة مكان المتكلم وقت التكلم، أو على مكان آخر معروف للمخاطب أو السامع» (نحلة، 2002م، ص 21). هناك طريقتان للإشارة إلى الأشياء، فإما بالتسمية، أو بالوصف، أو بتحديد أماكنها من جهة أخرى، وتساعد معرفة المكان على تأويل الخطاب بشكل صحيح، وفهم القصد منه. ويظهر دور الإشاريات المكانية في خطاب السیّد نصر اللّٰه في مواضع عديدة. ومن قول السیّد نصر اللّٰه في أربعين القائد الشهيد عماد مغنية: «انظروا، أيها الإخوة والأخوات، إلى أوروبا؛ بالأمس في فرنسا عوقب موظف كبير في وزارة فرنسية عوقب وطُرد من وظيفته، لأنه كتب مقالا يقول فيه: إن الجنود الإِسرائيليين يطلقون النار على الفتيات الفلسطينيات، وهنّ يخرجن من المدرسة ... هذا ليس حرية تعبير، ولا حرية رأي، ولا حرية صحافة، يُعاقب؛ أما أن يُساء إلى نبي مليار وأَربعمائة مليون مسلم، فهذا حريّة تعبير ...» (جمعية إحياء التراث المقاوم، 24/3/2008). يحيل اللفظ إلى المكان "أوروبا"، ثمّ يحدّده أكثر "فرنسا"، ما يساعد على فهم القصد، وهو أن فرنسا التي تعدّ مهد الحريات، تعاقب من يوصف الحقائق، وتدعي أن الإساءة لنبي المسلمين هو مجرد حرية رأي؛ فالمرجع المكاني هنا، يظهر مكان وقوع الأحداث، ويُبرز أهمية المكان لمساعدة الجمهور على فك شيفرة ادعاء أوروبا احترام الحريّات العامة، ويُظهر كذب هذه الدول وانحيازها. وتساعد المرجعيات المكانية في فهم الخطاب وتأويله بشكل صحيح، فهي بمنزلة شيفرات الخطاب، لأن لكل منطقة خصائصها التي تميّزها عن غيرها؛ والمتلقي عندما يعرف المكان يكتسب معرفة خاصة؛ فعندما يتحدث السیّد نصر اللّٰه عن غزة، سيتبادر إلى الجمهور ذاك الشعب المستضعف في فلسطين، والذي يخضع للحصار، والتجويع، والقتل اليومي؛ يتحدث عن سياسة الصهاينة في غزة في أربعين القائد الشهيد عماد مغنية: «يقولون: نحن نحاصر قطاع غزة، لأننا نريد أن نُفهم الفلسطينيين أن إطلاقهم للصواريخ يكلّفهم غاليا؛ إذًا الهدف كما يقول الإسرائيليون في أدبياتهم: "كي الوعي» (المصدر نفسه، 24/3/2008). يكتسب مكان التلفظ أهمية في معرفة سياقية خاصة بذلك المكان، فعندما يقول السید نصر اللّٰه في أسبوع الشهيد مغنية: «كذلك رئيس الجمهورية الإسلامية في إيران الدكتور أحمدي نجاد الذي أوفد إلى مجمّعنا هذا في يوم التشييع، وزير الخارجية الأخ الدكتور متكي، مع وفد رفيع المستوى يمثّل مختلف المؤسسات والهيئات القيادية الكبرى في الجمهورية الإسلامية في إيران» (المصدر نفسه، 22/2/2008)؛ فقد ذكر السیّد نصر اللّٰه لفظتين تشيران إلى مكان التلفّظ بهما: "مجمّعنا" و"هنا"؛ العنصر الأول "مجمّعنا"، ورد اسما مجرورا؛ والثاني "هنا" ظرف مكان؛ فالإحالة إلى المكان من خلال هاتين اللفظتين معروفتين لدى المستمع، والمجمع المقصود هو مجمع سيد الشهداء في الضاحية الجنوبية لمدينة بيروت؛ وتاليا، فإن نوع التلفظ سيكون مناسبا للمقام والمكان والمناسبة؛ وهذا المجمع هو أحد أهم معاقل حزب اللّٰه الخطابية، وفيه تقام أهم المهرجانات؛ إذًا، فالسيد نصر اللّٰه في عمق البيئة الحاضنة وأمام جمهوره؛ وتاليا، فإنّ السياق اللغوي يؤدّي دورا فعالا في تأويل الخطاب، وتحديد مرجع الملفوظ؛ فالسيد نصر اللّٰه لم يذكر اسم المجمّع، لأنه يعلم أن المستمع يعرف ذلك، لأنه موجود في المجمّع؛ حتى الذين يشاهدون الخطاب من خلال شاشة التلفزة يعرفون ذلك؛ وقد أشار السیّد نصر اللّٰه إلى المكان الذي يبيّن موقع التلفظ، وهو "مجمّعنا"؛ فالمجمع الذي يرتبط بشكل وثيق بخطابات السیّد نصر اللّٰه ومهرجاناته، هو مجمّع سيّد الشهداء؛ وبذلك أغنى هذا اللفظ عن ذكر مكان التلفظ. 3ـ1ـ3. الإشاريات الزمانية تعد الإشاريات الزمانيّة من أبرز العناصر اللغوية التي تساهم في معرفة قصد المخاطب، وفهم الخطاب، وهي «كلمات تدل على زمان يحدده السياق بالقياس إلى زمان التكلم» (نحلة، 2002م، ص 19). إن لزمن التلفظ دورا بالغ الأهمية في العملية التخاطبية؛ وهذا ما يظهر في قول السید نصر اللّٰه في أربعين الشهيد مغنية: «أربعون يوما مضت، ولم نجد في عائلته إلّا الصبر والسلوان، والأسوة الحسنة، كما هو الحال في عوائل شهدائنا الأعزاء ...، أيها الإِخوة والأخوات، نحتفل اليوم بذكرى أربعين الشهيد القائد، في أيام هي أيام أعياد للمسلمين والمسيحيين ...» (جمعية إحياء التراث المقاوم، 24/3/2008). قدّم هذا الملفوظ مرجعا زمنيا يحدّد فيه المقصود تحديدا دقيقا؛ لذلك يجب معرفة لحظة التلفظ كي يتسنى للمرسَل إليه الفهم الدقيق؛ فالزمان هو أربعون القائد الحاج عماد مغنية؛ وتاليا، نوع الكلام سيكون متوافقا مع المناسبة، بالإضافة إلى استخدامه لفظة: "اليوم" و"أربعون يوما"؛ والإحالة على الزمان هنا، لا تستغرق المدة الزمانية كلها، أي "اليوم" كله، إنما تقع في جزء منه. وقد يتسع مدى بعض العناصر الإشارية، فيتعدى الزمان المذكور إلى زمان أوسع؛ فكلمة "الليل ـ النهار" في قول السیّد نصر اللّٰه في أربعين الشهيد مغنية: «عندما يسوق البعض في الليل، وفي النهار، على أميركية، على إيران، أو حرب إسرائيلية على سورية، كل جوّ المنطقة هو جو قلق، ولكن ما حاول البعض أن يثيره ليقول: إن هناك حالة ذعر، أو حالة هروب، أو حالة هجرة، ومن بعض المناطق اللبنانية المحددة، هذا ليس صحيحا على الإطلاق» (المصدر نفسه). يضم هذا القول للسيد نصر اللّٰه عنصرين إشاريين زمانيا، "الليل" و"النهار"، فتعدى الزمان المذكور إلى زمان أوسع؛ فـ«الليل والنهار» لا تعنيان تعاقب الليل والنهار؛ وتاليا، مدة الأربع والعشرين ساعة، إنّما تشمل مرحلة تمتد لعدة أشهر، ساق خلالها بعضهم في لبنان والمنطقة، مخاوف من احتمال اندلاع حروب في المنطقة؛ من هنا، فإن الإشاريات الزمانية هي عناصر سياقية، يساعد على تحديد مراجعها سياق التلفظ، والمعرفة المشتركة بين طرفي الخطاب؛ فالسيد نصر اللّٰه يعرف أن العنصر الإشاري الذي يقوله، يستطيع الجمهور تأويله التأويل المناسب، وعدم أخذه على ظاهره. وكي يتبين دور هذا المرجع، لا بدّ من معرفة مجريات الأحداث في مقام محدّد؛ فعندما يقول السيد نصر اللّٰه أثناء تشييع القائد الحاج عماد مغنية: «أتوجه بالتعزية وبالمواساة إلى عوائل الشهداء، شهداء الجيش اللبناني، وشهداء أهلنا الطيبين في مدينة طرابلس ومنطقة الشمال، الذين سقطوا بالأمس، بفعل أيدي إجرامية ...» (المصدر نفسه، 14/2/2008)؛ هذا يعني أن السید نصر اللّٰه أراد أن يُظهر من خلال الإحالة الزمانية "الأمس"، أن تاريخ التلفظ بالخطاب، هو في اليوم الذي يلي جريمة إرهابية، حصلت نتيجة تفجير في مدينة طرابلس في لبنان؛ وبذلك يحدد المرجع الحقيقي للإشاريات الزمانية، بما لا يسمح الشك؛ وهذا ما يعطي الإشاريات الزمانية الدور الفعال في عمليات التخاطب، وفهم القصد الذي أراده الخطيب. 3ـ1ـ4. الإشاريات الاجتماعية الإشاريات الاجتماعية ألفاظ وتراكيب تشير إلى العلاقة الاجتماعية بين المتخاطبين، وتُستعمل في صيغ التبجيل والثناء، وتشمل بعض الضمائر، مثل: "أَنتم" و"نحن"، أو بعض الألقاب؛ وقد تستخدم للتعبير عن الأُلفة والمودة (ابن واکته، 2016م، ص 46). الملاحظ أن السیّد نصر اللّٰه أكثر ما يستخدم من الإشاريات الاجتماعية كلمة "الشيخ"، و"السيد"، و"القائد الشهيد"، حيث إن هذه الإشاريات تعبّر عن الاحترام والتقدير لهذه الشخصيات؛ فكلمة شيخ تطلق على عالم الدين المجاهد، وهو الشهيد الشيخ راغب حرب؛ فيقول السیّد نصر اللّٰه في تشييع الشهيد عماد مغنية: «وكما كنا مع شهادة شيخ شهدائنا الشيخ راغب حرب؛ لأننا في معركة حقيقية، معركة دامية، ندافع فيها عن وطننا، وشعبنا، ومقدساتنا، وكراماتنا، في مواجهة كل الأطماع والتهديدات والتحديات والعدوان الذي تمثّله إسرائيل وأمريكا ...» (جمعية إحياء التراث المقاوم،14/2/2008)؛ فالشيخ راغب يحظى باحترام جمهور المقاومة وتقديره، لما له من تضحيات، كما أن للشهادة تقديرا ومرتبة عظيمة في قلوب أنصار حزب اللّٰه. وكلمة "السيّد" يستخدمها السیّد نصر اللّٰه عشرات مرات في كلّ سنة، ومن نماذج هذا القول یقول في تشييع الشهيد عماد مغنية: «وهكذا الحال مع القائد الشهيد السيد عباس الموسوي، قتلوه، وظنوا أن المقاومة ستنهار بقتله، فتصاعدت، ورسمت خطّها البياني التصاعدي؛ وبعد سنوات قليلة خرجت إسرائيل مهزومة، ذليلة، مدحورة، عام ألفين» (المصدر نفسه). استخدم السید نصر اللّٰه في هذه العبارة ثلاث إشاريات اجتماعية: "القائد"، "الشهيد"، و"السيد"؛ فالقائد، لأنه بحسب السید نصر اللّٰه، يتميّز بكل عناصر القيادة؛ ولأنّه كان الأمين العام لحزب اللّٰه؛ والشهيد، سقط شهيدا على أيدي العدو الصهيوني؛ والسيد، لتمييزه عن العامة؛ فلفظة السيد تطلق على من يرجع نسبه إلى آل بيت النبي محمد. أما قول السیّد نصر اللّٰه أثناء تشييع القائد الحاج عماد مغنية: "القائد الحاج"، فهو توصيف للقائد الجهادي في المقاومة عماد مغنية؛ «والشهيد القائد الحاج عماد مغنية، الحاج رضوان، عاهد اللّٰه بصدق، وانتظر اللّقاء بشوق، وقضى نحبه شهيدا، في شهادة أبي عبد اللّٰه الحسين، سيد الشهداء. الحاج عماد حمل دمَه على كفه، وحمل كفنه على كتفه» (المصدر نفسه). فالحاج عماد مغنية قائد كبير في المقاومة، ومن الطبيعي أن يذكر السیّد نصر اللّٰه إشاريات اجتماعية، لتوصيف هذا القائد، فهو: «من أرعب الصهاينة فترة طويلة من الزمن؛ وقد رأى يورام شغايتسر في مقال نشره معهد دراسات الأمن القومي، أن إسرائيل مضطرة إلى الرد بعنف وبقسوة على أي انتقام من حزب اللّٰه على اغتيال عماد مغنية؛ وكتب أول من أمس: «السيارة المفخخة التي قتلت عمادة مغنية، أنهت المطاردة التي استمرت عقدين، وطالت كل أنحاء العالم ...» (جريدة النهار، 2008/2/20). نستخلص من هذا، أن هناك مجموعة من العوامل السياقية التي تتحكم في استخدام الإشاريات الاجتماعية، منها قدر هذه الشخصيات ومكانتها التي يتحدث عنها السیّد نصر اللّٰه؛ ومكانتها وطبيعة العلاقة بين السید نصر اللّٰه وهذه الشخصيات، كما علاقة الجمهور بهذه الشخصيات؛ وهذه الإشاريات ساعدت على فهم الأبعاد والمقاصد التي يرمي إليها السید نصر اللّٰه، لتقوية الروابط بين القيادة والجمهور، وجذبه إلى استكمال مسيرة هؤلاء القادة. 3ـ1ـ5. أسماء الإشارة تعدّ أسماء الإشارة من الإشاريات التي «تتصل مباشرة بالمقام دون توسط عناصر إحالية أخرى، فهي ترتبط بالحقل الإشاري ارتباطا آنيا محدودا مباشرا، لا يتجاوز ملابسات التلفظ التي يتقاسمها طرَفا التواصل، وهي في ذلك تقابل العناصر الإحالية التي ترتبط بالسياق وما يتعلق به من ملابسات» (الزناد، 1995م، ص 116)؛ ولا يمكن تحديد مرجع أسماء الإشارة إلا من خلال السياق؛ لذلك فهي تعد من المبهمات لوقوعها على كل شيء، ولا تدل على شيء معين مستقل بذاته، بل يصاحبها لفظ آخر لإزالة الإبهام. ومن نماذج استخدام السيد نصر اللّٰه لاسم الإشارة، ما جاء في إحدى خطبه، حيث يقول أثناء تشييع القائد الحاج عماد مغنية: «الحاج عماد حمل دمه على كفه، وحمل كفنه منذ كان شابا في مقتبل العمر، ومضت به السنون، كان يصنع النصر، ويطلب الشهادة، وأخيرا وصل، فهنيئا له هذا الوسام الإلهي الرفيع» (جمعية إحياء التراث المقاوم،14/2/2008)؛ فاسم الإشارة: "هذا" يستخدم عادة للإشارة إلى المفرد القريب كي يحيل على المخاطب؛ وأراد السیّد نصر اللّٰه بذلك الإشارة إلى الشهادة التي نالها الحاج عماد مغنية، خاصة أن جثمان القائد عماد مغنية مسجّى أمام المشيّعين؛ فالإشارة في التلفظ ساعدها وجود لفظ آخر، كما ساعدها وجود المشار إليه أمام جمهور المقاومة؛ والشهادة التي أشار إليها السیّد نصر اللّٰه، هي شيء معنوي لم يذكرها مباشرة، لأنه أتبعها بكلمات تساعد على تحديد مرجعها، واستطاع المتلقي تحديد مرجع هذه الإشارة، لأنه يدرك معناها، ولأن الحاج عماد موجود أمامه بشخصه، كجثمان شهيد سقط في اغتيال نفّذه الموساد الإسرائيلي في دمشق. يستخدم السید نصر اللّٰه أسماء الإشارة أيضا للإشارة إلى أشخاص، وهو ما يظهر في خطابه في احتفال إطلاق الأسرى: «وهنا يجب أن نستحضر أولئك الذين قاتلوا في تلك المعركة في القيادة، وفي موقع الشهادة، وفي موقع الجراح، وفي موقع التحدي، وفي الخطوط الأمامية ...» (المصدر نفسه، 16/7/2008). يشير العنصر الإشاري "أولئك" إلى المقاومين الذين واجهوا المحتل في العام 2006، وحققوا الانتصار، وعودة الأسرى من دون قيد أو شرط؛ فتحديد المرجع لا بدّ لنا من معرفة الجو الخارجي الذي يلفّ إِنتاج الخطاب في ظروف وملابسات؛ لذلك فإنّ أسماء الإشارة هي عناصر سياقية، تعتمد اعتمادا كليا على سياق التلفظ. ومن مواقع استخدام أسماء الإشارة في خطاب السيد نصر اللّٰه في احتفال إِطلاق الأَسرى: «هناك إستراتيجية التحرير، وطرد الاحتلال لدى المقاومة، وهناك إستراتيجية الدفاع عن الوطن والشعب في مواجهة العدوان والاجتياح والتهديد» (المصدر نفسه، 25/5/2008)؛ كذلك قوله في اِحتفال إِطلاق الأَسرى: «طوال التاريخ، عندما يكون هناك بلد وشعب، بلد وتقوم قوى غازية باحتلال ذلك البلد، كان أهل البلد ينقسمون إلى مجموعات عديدة...» (المصدر نفسه، 25/5/2008). يرجع العنصر الإشاري "هناك" و"ذلك" إلى شيء مادي، أي البلد، وتختص لفظة "هناك"، إذا كان المكان المقصود متموضعا بين القريب والبعيد؛ أما "ذلك"، فتستخدم للمكان البعيد؛ فالسياق يدل على أن البلد سواء أكان في المنطقة أم في العالم؛ وهذا التعميم هدفه الاستدلال لإظهار أن الدفاع عن الوطن ليس محصورا بدين أو بلد دون غيره، فهو أمر إنساني طبيعي وقانوني، كما أن وجود العملاء وأصحاب المصالح أيضا شيء موجود. 3-2.أفعال الكلام[16] يعدّ هذا المفهوم من الأسس التي قامت عليها التداولية. ودرسناه في قسم الإطار النظري آراء أوستین وسیرل. وسنعتمد في هذا البحث على تصنيف سیرل، وهي. 3ـ2ـ1. الأفعال الإخبارية وهي أكثر الأفعال التي يستخدمها السید نصر اللّٰه؛ ومن الأمثلة في خطاب السید نصر اللّٰه قوله في تشييع القائد عماد مغنية: «وقد خاضت إسرائيل حربها في تموز 2006؛ الصهاينة سمّوها بعضهم بالحرب السادسة، كما تعارف عليها العالم، ولكن كبار القادة الإستراتيجيين في إسرائيل سمّوها الحرب الأولى ...» (المصدر نفسه، 14/2/2008). جمعت هذه الجمل عدة أفعال كلامية، تشير إلى الوصف والتقرير والإخبار، ولفت النظر، وقوله في أسبوع المقاومة الإسلامية: «هذا العدوان الذي بدأ على لبنان منذ سقوط فلسطين، منذ احتلال الصهاينة، شذّاذ الآفاق لفلسطين عام 1948» (المصدر نفسه، 22/2/2008)؛ وقد اشتملت هذه العبارة على عدّة ملفوظات تقريرية وصفية: «العدوان بدأ على لبنان منذ سقوط فلسطين»، و«منذ احتلال الصهاينة شذّاذ الآفاق لفلسطين عام 1948»؛ أحدث هذا التعبير التفاتا إلى قضية فلسطين المغتصبة؛ وفي وصفه لاجتياح إِسرائيل للبنان في العام 1978، وعدم تحرّك المجتمع الدولي في خطابه في عيد التحرير الثامن، «عندما اجتاحت إِسرائيل جنوب لبنان سنة 78، واحتلت جزءا من الجنوب، أصدر مجلس الأمن الدولي القرار 425، وانتظرنا في لبنان تنفيذ القرار ... لم يحرّك المجتمع الدولي ساكنا لتنفيذ القرار، ولم يحرّك المجتمع العربي ساكنا ...» (المصدر نفسه، 26/5/2008). يتضمن هذا الخطاب فعلًا كلاميا وصفيا، تتمثّل قوته الإنجازية في نفي تحرّك المجتمع الدولي والعربي، دفاعا عن لبنان؛ وأكّد ذلك بالنفي التام: "لم يحرّك"؛ فـ "لم" حرف نفي تام، ينفي، ويؤكد في الوقت نفسه. إن الغرض الإنجازي من الأفعال الكلامية في خطاب السیّد نصر اللّٰه هو الوصف والتقرير، حيث يتحقق هذا الغرض من خلال النطق بالكلام؛ والثاني: الإخبار، باعتبارهما غرضين إنجازيين؛ ويتبيّن لنا أن الإخباريات في خطاب السیّد نصر اللّٰه، هي وصفية في الظاهر؛ ولكنها يمكن أن تُحلل في شكل أفعال كلامية؛ وتاليا، معرفة الأبعاد والأهداف في النطق بها. 3ـ2ـ2. الأفعال التوجيهية الغرض منها حمل المتلقي على أداء فعل معين، وتضم مجموعة كبيرة من الأفعال الكلامية التي تختلف من حيث قوتها الإنجازية باختلاف السياق والمقام، وبحسب العلاقة بين المتكلم والمستمع؛ وهي تشمل صيغا كالأمر، والاستفهام، والنداء، والنهي. أ ـ النداء النداء في اصطلاح البلاغيين هو طلب المتكلم إقبال المخاطب بواسطة أحد أحرف النداء؛ والغاية من النداء في خطاب السیّد نصر اللّٰه، أنه فعل كلامي يقوم به السید نصر اللّٰه ليلفت انتباه المستمع، ويجعله مهيأ لتلقي الخطاب الذي يسعى إلى إيصاله إليه. ومن نماذج النداء في خطاب السیّد في أسبوع المقاومة الإِسلامية أسبوع الشهيد مغنية: «أيها الإِخوة والأخوات، نحن اليوم في محفل الشهداء القادة، وكل واحد من هؤلاء القادة، بات بفعل الجهاد والاستشهاد، وبفعل التضحية، وزمن الشهادة، رمزا وعنوانا لمرحلة معينة ...» (جمعية إحياء التراث المقاوم، 22/2/2008). والنداء في خطاب السیّد نصر اللّٰه مدخل إلى الأفعال الكلامية الأخرى التي يأتي بعدها الهدف المقصود من الخطاب؛ وفي هذه العبارة للسيد نصر اللّٰه، يلفت انتباه الجمهور إلى قدسية شهادة القادة وعظمتها، التي تؤسِّس لمرحلة جديدة من الصراع مع العدو الصهيوني، ولحثّ الجمهور على الاقتداء بهؤلاء القادة. قال السیّد في أسبوع المقاومة الإِسلامية أسبوع الشهيد: «وإن كان ما يجمع بين الشهداء القادة في مناسبتنا كثير وكثير، من الإيمان إلى الصدق، إلى الوفاء، إلى الأخلاق، إلى التواضع، إلى المحبة، إلى الأحاسيس الإنسانية الراقية المرهفة، إلى العمل الدؤوب، إلى الجهاد الدامي ...» (المصدر نفسه). هذه العبارات في دلالة على أفعال كلامية إنجازية، غرضها أن الجمهور، أن الانتصار، يأتي بالعمل والتحلّي بصفات هؤلاء القادة؛ إذًا، هذه الألفاظ تحمل معاني الأفعال، وقدرة التأثير، وفعل الإنجاز؛ لأن فيها دعوة إلى الفعل، والإنجاز، والعمل. هذا النداء لجمهور المقاومة؛ أما نداء السید نصر اللّٰه للصهاينة، فيأتي في باب التحذير والوعيد ومن خطابه في تشييع القائد عماد مغنية، «أيها الصهاينة، إن أردتموها حربا مفتوحة، فلتكن حربا مفتوحة، ووعدت المؤمنين بالنصر، لأنني أثق باللّٰه، وبالمؤمنين، وبشعبنا، وبمجاهدينا..» (المصدر نفسه، 14/2/2008)؛ لقد جاء هذا الخطاب خاليا من حرف النداء "يا"، وهو يحمل بعدا تداوليا، لتعظيم صورة المقاومة، وفعلها الجهادي؛ وهذا الخطاب يُظهر أن هذا الخطاب يحمل أيضا معاني الإنجاز والتأثير؛ فالكل يصدّق أن سيّد المقاومة، إذا قال فعل؛ كما أن لخطابه بعدا تأثيريا على شعب الكيان الصهيوني، الذي يعلم صدقية السیّد نصر اللّٰه، وجهوزيّة المقاومين، لتحويل الكلام اللفظي إلى أداء فعلي. ب ـ الأمر الأمر من الأساليب الإنشائية الطلبية؛ أما عند التداوليين، فهي تحمل قوة إنجازية تحددها إرادة المتكلم وقصده. والأمر في خطاب السیّد نصر اللّٰه ظاهر بوضوح، وهو موجود بكثرة في كل خطبه، وأكثره أمر واضح لا يحمل كثيرا من التأويلات؛ ومن نماذجه خطاب السیّد في تشييع القائد عماد مغنية: «فليسمع العالم كلّه، فلتكن هذه الحرب المفتوحة؛ نحن نملك كمال كل البشر، حقا مقدسا في الدفاع عن النفس؛ وكل ما يؤدي هذا الحق في الدفاع عن بلدنا، وإخواننا، وقادتنا، وشعبنا، سنقوم به إن شاء اللّٰه ...» (المصدر نفسه، 14/2/2008). هو خطاب يأتي بصيغة "افعلْ"، وموجّه إلى العالم كله؛ وهو فعل كلام توجيهي، يحمل قوة إنجازية؛ لأنه فعل صريح؛ لأن السیّد نصر اللّٰه يريد توجيه أنظار العالم إلى جريمة الاغتيال التي قام بها الصهاينة تجاه أحد قادة المقاومة في لبنان؛ ولتحذير كل القوى التي تقف وتؤيّد الصهاينة، أن المقاومة لن تسكت عن اغتيال قادتها؛ فالغرض التواصلي الذي لجأ إليه السیّد نصر اللّٰه، هو التوجيه والتنبيه. ومن أفعال الأمر أيضا التي وردت في خطاب السیّد نصر اللّٰه في الذكرى الثامنة للتحرير: «لا تنتظر المقاومة إجماعا وطنيا، ولا إجماعا شعبيا، وإنّما يجب أن تحمل السلاح وتمضي، لتؤدّي واجب التحرير، تحرير الأرض، وتحرير الإنسان، وتحرير الأسرى، واستعادة الكرامة ...» (المصدر نفسه، 26/5/2008)؛ ويضمّن هذا الخطاب فعلا كلاميا طلبيا: «يجب أن تحمل السلاح»، غرضه الإنجازي حثّ المخاطب، وكل شريف ووطني احتلّت أرضه، أن يقاوم المحتلّ. ج ـ الاستفهام الاستفهام هو أحد الأساليب الإنشائية؛ وهو قد يرد على سبيل الحقيقة، أو سبيل المجاز، فيخرج إلى أغراض ومعانٍ أخرى، يحدّدها السياق والموقف. والاستفهام في خطاب السیّد نصر اللّٰه، هو من نوع الاستفهام الإنكاري، الاستهجان والرفض؛ فيقول في أسبوع المقاومة الإِسلامية: «قيل لنا في الأيام الماضية: لماذا لا تلجأون إلى مجلس الأمن، والمؤسسات الدولية؟ ماذا نقول؟ هل نلجأ إلى مجلس الأمن الذي يرفض أن يُصدر بيان إدانة لقتل أطفالنا في قانا، الذين قتلوا في وضح النهار، لا بد من تحقيق، ولا شيط، طلع الطيران الإسرائيلي، وبحث مجلس الأمن هيدا، وما طلع بقرار إدانة، وبيقتل عماد مغنية، وما بيطلع قرار إدانة، بس أي حادثة اغتيال كانت تحصل بلبنان، بيجتمع وبطلّع قرار إدانه، ليه؟ لأنّا دَمنا غير؟ لأنّو أطفالنا غير؟ لأنّو قادتنا غير؟ لأنّو ناسنا غير؟ ...» (المصدر نفسه، 22/2/2008). يتضمّن هذا الخطاب استفهاما يحمل في مضامينه باب الاستنكار والرفض للجوء إلى مجلس الأمن، وهو حجّة على كل من يسمع الخطاب من خلال تذكيره العالم بمجزرة قانا حين قصف الطيران الإسرائيلي موقعًا للأمم المتحدة في قانا، وأدّى ذلك إلى مجزرة مروّعة، ولم يقم مجلس الأمن بإدانة إسرائيل؛ كما يحمل هذا الخطاب فعلا مؤثرا في الجمهور، لحثّه على رفض اللغة التي تقول: إنه يجب اللجوء إلى المؤسسات الدولية، بل عليه أن يقاوم الصهاينة الذين انهزموا في العام 2000، والعام 2006. 3ـ2ـ3. الأفعال الالتزامية هي الأفعال الفرضية التي تهدف إلى التزام المتكلم بفعل شيء في المستقبل، ويكون شرط الإخلاص في هذا الالتزام هو القصد. قد نال هذا النوع من الأفعال نصيبا في خطاب السیّد نصر اللّٰه، ونستخرج بعض النماذج منها:
3ـ2ـ4. الأفعال التعبيرية هو التعبير عما يلج في نفسية المتكلم، «وغرضها الإنجازي هو التعبير عن الموقف النفسي، تعبيرا يتوفر فيه شرط الإخلاص؛ وليس لهذا الصنف اتجاه مطابقة؛ فالمتكلم لا يحاول أن يجعل الكلام تطابق العالم الخارجي، ولا العالم الخارجي يطابق الكلمات» (نحلة، 2002م، ص80). وتعرّف أيضا بأنها «تعبير عن حالات نفسية، يمكن لها أن تتخذ شكل الجمل، تعبّر عن سرور، أو ألم، أو فرح، أو حزن، أو عمّا هو محبوب، أو ممقوت» (المصدر نفسه، ص 80). وسنحاول رصد الأفعال التعبيرية في خطاب السید نصر اللّٰه، والتي تعبّر دائما عن غضبه تجاه العدو الصهيوني، ومحبته للجمهور، وافتخاره بالشهداء والمضحّين.
3ـ2ـ5. الأفعال الإعلانية هو الإعلان عن حدوث ظاهرة ما، وينبغي أن يكون إعلانا ناجحا، ليحقق الغرض المنشود إليه، لكي يطابق العالم الخارجي (عبدالمحسن، 2021م، ص 127)؛ وهو يتضمن الإعلان، الوصية، الصفح، وغير ذلك ممَّا يقتضيه المقام؛ ومن النماذج في خطاب السیّد نصر اللّٰه:
لقد تعدّدت وظائف اللغة بتعدد زوايا النظر إليها؛ وعلى الرغم من أهمية هذه الوظائف، إلا أن للغة من المنظور التداولي وظيفتین رئیستین، ترتبطان بمقاصد الإنسان من جهة، ووصفه الاجتماعي من جهة أخرى (تغزاوي، 2014م، ص 1)؛ ويحاول المتحدّث أن يقدّم من خلال كلامه وظيفتين هما: الوظيفة التعاملية المتمثلة في دور اللغة في نقل المعلومات، والوظيفة التفاعلية التي تبنى وفاقها العلاقات الاجتماعية، وتحقق من خلالها أغراض الكلام؛ وهذا ما بيّناها في هذا البحث في خطاب السیّد نصر اللّٰه، من حيث نظرية التداول، بما تتضمّنه من إشاريات، وإحاليات، وعلاقات اجتماعية، وأفعال كلامية.
الخاتمة توصلت المقالة في نهايتها إلى مجموعة من النتائج حول ما تمّ طرحه من أسئلة بحثية في موضوع الأبعاد التداولیة في خطب السیّد حسن نصر اللّٰه؛ وتأتي هذه النتائج في التالیة: اللغة في خطاب السيد حسن نصر اللّٰه تقريرية، تسعى إلى غاية محددة، ترتبط بواقع الجماعة وأهدافها المستقبلية؛ ويحمل خطاب السیّد نصر اللّٰه عناصر الثبات دون إلغاء الآخر أو رفضه؛ لذلك هو يدعو دائما إلى الحوار والتفاهم، للوصول إلى مشتركات، وحلول للمشكلات التي يمرّ بها الوطن. إنّ الخطاب لم يعد مجرد قول لفظي، يتميّز بمظهرية تعتمد اللغة كأساس لها، إنما هو يتعدّى ذلك ليعكس توجّهات سياسية، دينية، قصدية بذاتها، تتوخى زرع قيم محدّدة، وتثبت رؤية، أو ثني المتلقي عن أمر ما؛ هو خطاب الفكر المركب من سلسلة من العمليات العقلية الجزئية التي يرتبط بعضها ببعض في سياق تواصلي محدّد، وفي إطار لغة مشتركة بين السیّد نصر اللّٰه وجمهوره، حتى تتحقق وظيفة التواصل، وهي التأثير في المتلقي، وإقناعه بمضمون الرسالة، أو قصد المرسِل. يستخدم السیّد نصر اللّٰه تشكيلات لغوية متعددة، ولمفهوم التداولية خط كبير في خطاب السیّد نصر اللّٰه؛ فمن إشاريات وإحالات على الشخصية والمكان والزمان، وصولا إلى الإشاريات الاجتماعية، وانتهاءً بالفعل الكلامي الذي يتميّز، بأنه فعل لفظي، إنجازي، تأثيري. تعد اللغة نطاقا تواصليا، ونسقا اجتماعيا؛ وتركّز التداولية على مُنتج الخطاب، ومتلقّيه، وبيئة إنتاجه، وأفق تلقّيه؛ فيتم الاعتماد على السياق، لفهم الإشاريات المكانية والزمانية والشخصية، والاجتماعية، وغيرها من الإشاريات التي استخدمها السیّد نصر اللّٰه، لتأطير الخطاب، ووصفه في أبعاده المطلوبة؛ كما أنها تسهم في فهم خلفية الخطاب، والعلاقات المختلفة الطاغية عليه، ما يجعل المتلقي حاضرا، متأمّلا، مدركا أبعاد هذا الخطاب، بالإضافة إلى أفعال الكلام التي تعبّر عن قصدية السیّد نصر اللّٰه، والتي تتحوّل إلى قوة إنجازية، عندما يتحوّل الخطاب إلى سلوك .... الإشاريات تساهم في تأسيس العلاقة الإيمانية والاجتماعية بين السیّد نصر اللّٰه وجمهوره، كما تؤشر إلى الانتماء إلى جماعة المضحين المقاومين، في مقابل جماعة المحبطين والمتخاذلين، ويظهر أيضا الجمع بين المتكلم والمخاطب، وهذا من الوظائف التداولية أو القصدية، وهي موافقة الخطاب مقتضى الحال، حيث يرى الجمهور نفسه كجمهور مقاوم ومضحٍ، يختلف ويتمايز عن أولئك الذين في الطرف الآخر. إنّ هناك مجموعة من العوامل السياقية التي تتحكم في استخدام الإشاريات الاجتماعية، منها: قدر هذه الشخصيات ومكانتها التي يتحدث عنها السیّد نصر اللّٰه؛ ومكانتها وطبيعة العلاقة بين السید نصر اللّٰه وهذه الشخصيات، كما علاقة الجمهور بهذه الشخصيات؛ وهذه الإشاريات ساعدت على فهم الأبعاد والمقاصد التي يرمي إليها السیّد نصر اللّٰه، لتقوية الروابط بين القيادة والجمهور، وجذبه إلى استكمال مسيرة هؤلاء القادة. الأفعال التعبيرية في خطاب السیّد نصر اللّٰه تعبّر دائما عن غضبه تجاه العدو الصهيوني، ومحبته للجمهور، وافتخاره بالشهداء والمضحّين.
[1] .Fairclough [2]. Francis Jacuques [3]. Austin [4]. Acts Verdictives [5]. Acts Exercitives [6]. Acts Commissives [7]. Acts Behabitives [8]. Acts Expositives [9]. John Searle [10]. Acts Assersifs [11]. Acts Directifs [12]. Acts Commissifs [13]. Acts Expressifs [14]. Acts Declarations [15]. Deixis [16]. Speech acts | |||||||||||||||||||||||||||||
مراجع | |||||||||||||||||||||||||||||
أ ـ العربية أباعلال، مولود. (2017م). اللسانیات التداولیة ونظام الخظابة. رسالة الماجستیر. جامعة جیلالي لیابس. کلیة الآداب. الجمهوریة الجزائریة الدیمقراطیة الشعبیة. ابن منظور، محمد بن مکرم. (1994م). لسان العرب. بيروت: دار الكتب العلمية. ابن واکته، صلیحة. (2016م). الأبعاد التداولیة للإشاریات في سورة البقرة. رسالة الماجستیر. جامعة محمد خیضر بسکره. کلیة الآداب واللغات. الجمهوریة الجزائریة الدیمقراطیة الشعبیة.ادراوي، العیاشي. (2020م). «أبعاد العلاقة بين اللغة العربية والهوية الحضارية: مقاربة لسانية اجتماعية». ضاد مجلة لسانیات العربیة وآدابها. ج 1. ع 2. ص 9 ـ 37.أرمينكو، فرانسواز. (1986م). المقاربة التداولية. ترجمة سعيد علوش. بيروت: مركز الإنماء القومي. إعراب، حبيب. (2001م). «الحجاج والاستدلال الحجاجي: عناصر استقصاء نظري». عالم الفكر. الكويت. ج 4. ع 1. ص 97 ـ 138. بلخير، عمر. (2003م). تحليل الخطاب المسرحي في ضوء النظرية التداولية. الجزائر: الاختلاف. بوجادي، خليفة. (2009م). في اللسانيات التداولية. الجزائر: بيت الحكمة للنشر والتوزيع. بوجراند، روبرت دي. (1998م). النص والخطاب والإجراء. ترجمة تمام حسان. القاهرة: عالم الكتب. بوقرّة، نعمان. (2009م). محاضرات في المدارس اللسانية المعاصرة. القاهرة. مكتبة الآداب. بنوهاشم، حسین. (2014م). نظرية الحجاج عند شابيم بيرلمان. بیروت: دار الكتاب الجديدة المتحدة. پرچگانی، فاطمة. (2019م). «مقاربة تداولية للخطاب السياسي المعاصر في لبنان: بناء على خطاب اثنين من السياسيين». مجلة بحوث في اللغة العربیة. ع 20. ص 135 ـ 146. تغزاوي، یوسف. (2014م). الوظائف التداولیة واستراتجیات التواصل اللغوي في نظریة النحو الوظیفي. إربد: عالم الکتب الحدیث. جريدة النهار. (20/2/2008م). «لبنان والشرق الأوسط في الصحافة الإسرائيلية». ترجمة ر.ح. جلولي، العید. (2011م). «نظریة الحدث الکلامي من من أوستین إلی سیرل». الأثر. جامعة قاصدي مرباح ورقلة. ج 10. ع 12. ص 51 ـ 60. جمعية إحياء التراث المقاوم. (2008م). مجموعة خطب السيد حسن نصر اللّٰه لبنان. بیروت: تحويطة الغدير، علم وخبر 1234. الزمخشري، جار اللّٰه. (1998م). أساس البلاغة. تحقیق محمد باسل عیون السود. بیروت: دار الکتب العلمیة. القاهرة: دار الكتب المصرية. الزناد، الأزهر. (1995م). نسيج النص، بيروت: المركز الثقافي العربي. سحایلیة، عبد الحکیم. (د.ت). «التداولیة». مجلة الخبر أبحاث في اللغة والأدب الجزائري. قسم الأدب العربي. جامعة بسکرة. ص 1ـ 25. سيد أحمد، رفعت. (2007م). حسن نصر اللّٰه وملحمة الوعد الصادق وملحمة النصر الإلهي. دمشق – القاهرة: دار الكتاب العربي. صولة، عبد اللّٰه. (2011م). في نظرية الحجاج دراسات وتطبيقات. تونس: مسکیلیاني للنشر والتوزیع. الشهري، عبد الهادي. (2004م). إستراتيجيات الخطاب مقاربة لغوية تداولية، بيروت: دار الكتب الجديد المتحدة. صحراوي، مسعود. (2005م). التداولية عند العلماء العرب: دراسة تداولية لظاهرة "الأفعال الكلامية" في التراث الإنساني العربي. بيروت: دار الطباعة. عبد المحسن، عمر حسین. (2021م). «الإنجازية في سورة النساء: دراسة في هدي نظرية أفعال الكلام». مداد الآداب. الجامعة العراقیة. کلیة الآداب. ع 23. ص 95 ـ 143. العطار، جعفر. (2007م). الحرب الأسطورة. بیروت: دار الشرق للطباعة والنشر. عكاشة، محمود. (2012م). النظرية اللسانية (التداولية): دراسة المفاهيم والمبادئ. القاهرة: مكتبة الآداب. محجوب، مصباح. (2008م). زمن نصر اللّٰه منظومتا القيم الإلهية والرؤية الاستراتيجية في قيادة السيد حسن نصر اللّٰه. بيروت: دار الأمير للثقافة والعلوم. نحلة، محمود أحمد. (2002م). آفاق جديدة في البحث اللغوي المعاصر. القاهرة: دار المعرفة الجديدة. النكر، سعید. (2014م). «التداوليات واللغة الطبيعية». البلاغة وتحليل الخطاب. ع 5. ص 100 ـ 123. نور الهدی، حانور. (2019م). أفعال الکلام في سورة یوسف دراسة تداولیة. رسالة الماجستیر. جامعة العربي بن مهیدي أم البواقي. کلیة الآداب. الجمهوریة الجزائریة الدیمقراطیة الشعبیة. ب ـ المواقع الإلكترونية رشید، عمران. (2020م). الدلالة والسيميائيات. http://e-learning.univ-tebessa.dz/moodle/course/info.php?id=2028&lang=ar | |||||||||||||||||||||||||||||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 843 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 206 |