تعداد نشریات | 43 |
تعداد شمارهها | 1,677 |
تعداد مقالات | 13,681 |
تعداد مشاهده مقاله | 31,720,782 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 12,534,281 |
التشكيل البصري في شعر بلند الحيدري | ||||
بحوث في اللغة العربية | ||||
مقاله 5، دوره 14، شماره 27، دی 2022، صفحه 41-56 اصل مقاله (1.23 M) | ||||
نوع مقاله: المقالة البحثیة | ||||
شناسه دیجیتال (DOI): 10.22108/rall.2021.127939.1362 | ||||
نویسندگان | ||||
طيبه سيفي* 1؛ مهدی فاضلی2؛ مهدی آبرون2 | ||||
1أستاذة مساعدة في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة الشهيد بهشتي، طهران، إيران | ||||
2طالب الماجستير في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة الشهيد بهشتي، طهران، إيران | ||||
چکیده | ||||
لقد عرف الشعر العربي تطورات عديدة في مسار حركته الإبداعية منذ القدم حتی یومنا هذا؛ وكانت هذه التطورات نتيجة تغيير الظروف الاجتماعية والسياسية والدينية والاقتصادية في المجتمع العربي؛ أما في العصر المعاصر، وخاصة في عصر النهضة الأدبیة، فإن اختراع الطباعة وانتشار ثقافة القراءة والكتابة أدى إلى انتشار الشعر عبر النص المکتوب علی عکس ما کان في السابق وعند القدماء؛ وهذا الانتقال من الشفهي إلى المكتوب أدی إلی الإبداع عبر المكتوب وفي النص المكتوب عند معظم الشعراء. ولكن واجه الشعراء مشاكل عديدة في مسارهم وفي انتقالهم من الشفهي إلى المكتوب، فاهتموا لحلها بالإبداع في النص المكتوب. ومن هولاء المبدعین المعاصرين الذین حرصوا علی هذا النوع من الإبداع، هو الشاعر العراقي، بلند الحیدري، الذي كان شاعرا مبدعا في أساليبه الجديدة التي لا یجاریه فيها إلا شعراء قلائل من العراق. إن مکانته العالیة وأسلوبه الإبداعي في هذا المجال دفعنا إلى أن نقوم ـ في هذا البحث ـ برصد التشكيل البصري وظواهره الطباعیة ـ البياض والسواد، وعلامات الترقيم ـ ودلالاته في أشعاره. ویهدف هذا البحث ـ من خلال المنهج الوصفي ـ التحلیلي ـ إلی فتح رموز هذه الظواهر والکشف عن الأسباب التي دعت الشاعر إلی أن یلح بها. ومن خلال دراسة أشعار بلند الحیدري، وجدنا بکثافة استخدام ظاهرة التشكيل البصري للسواد والبیاض وعلامات الترقیم في شعره، ووصلنا إلی جملة من النتائج، أهمها هي أن الشاعر يستخدم هذه الظاهرة؛ لأنه يواجه أحيانا عجز اللغة المألوفة عن إيصال فكرته وأحاسيسه؛ وإضافة إلى هذا، أنه یهدف إلی نظم القراءة والتحفيز عليها، کما يريد أن یمنح القارئ فرصة للمشاركة في التأويل وتفسير كل ما يدور في النص الشعري. | ||||
کلیدواژهها | ||||
الشعر المعاصر؛ التشكيل البصري؛ البياض والسواد؛ علامات الترقيم؛ بلند الحيدري | ||||
اصل مقاله | ||||
تعتبر الفراغات والفجوات النصية أبرز المبادئ الأساسية التي تقوم عليها نظرية التلقي، لما لها من دور مهم في استفزاز القارئ وصدمه وهز انتظاراته وتوقعاته؛ وذلك من خلال تمرد بعض النصوص الأدبية المعاصرة التي يكتنفها عنصر الفجائية والضبابية المتمثل في الشكل الطباعي، باعتباره أهم ملمح من ملامح تلك النصوص. لا شك أن نشأة الشعر العربي القديم كانت تقوم على المشافهة؛ ولكن عندما الإنسان اخترع وسائل الكتابة من الأوراق والأقلام وبعده اخترع الطباعة انحسر دور المشافهة إبداعا وتداولا (الصفراني، 2008م، ص 13 ـ 14)، وأيضا انتقل معظم الشعراء إلى الإبداع عبر النص المكتوب. ومن خلال هذا الانتقال، لجأ الشعراء إلى التشكيل البصري من أجل إيصال الجزء المفقود من نصوصهم إلى المتلقي. رغم أن هناك اختلافات عديدة بين النقاد في تحديد بداية الظاهرة التشكيلية في الشعر العربي، ولكن يمكن القول إن الطبيعة الإنشادية الشفوية للقصيدة العربية قد أسهمت في إرساء معالم التشكيل البصري. عندما انتقل الشعر العربي من البعد الشفهي إلى التحريري والمكتوب، لجأ الشعراء إلي ظاهرة التشكيل البصري لإيصال الجزء المفقود، أي ذلك النظام الصوتي الإيقاعي بين الصدور والأعجاز. وكانت نتيجة هذه المحاولة اتخاذ الشكل التقليدي لبناء البيت الشعري، أي الكتابة الشعرية العمودية:
(التلاوي، 2006م، ص 36). فالبيت الشعري بني وفق الأداء الشفهي، وهذا الشكل التحريري جاء تطبيقا مباشرا لصدى الصوت الإنشادي، والفراغ والبياض الذي يعبر عن الصمت اللازم وسط الأسطر الشعرية، يزيد من إحياء التناسق النغمي والتناسب بين الشفهي والمكتوب. وقد مرت القصيدة العربية قديما بتغييرات، يمكن أن تدخل في ظاهرة التشكيل البصري، وخاصة التغييرات التي طرأت على شكل القصيدة في العصر الأندلسي (البقمي، 2019م، ص 172)؛ ولكن «تنجح في تغيير مسار القصيدة العربية عن قنواتها المألوفة» (الرواشدة، 2001م، ص 92). وقد تم هذا النجاح في العصر الحديث وبعد إبداع الشعر الحر، فتخلص الشاعر من قيود الشعر القديم، حیث احتل التشكيل البصري مكانة بارزة في لغة الشعر، خاصة في الشعر الحر؛ لأن هذا النوع من الشعر أعطى الشاعر حرية مطلقة في تقنية الكتابة الشعرية (البقمي، 2019م، ص 172). التشكيل البصري عنصر فعال ورئیس في إنتاج المعنی وتعمیق الرؤیة، وتعد هذه الظاهرة في الشعر العربي المعاصر من الظواهر الأدبية البارزة التي حاول الشاعر المعاصر عبر توظیفها جذب انتباه المتلقي وإثارة رؤیته، لیزید من فاعلیة نصه الشعري من جهة، ویحدث تفاعلا بین شعره وقارئه من جهة أخری، کما یستفید من هذه الظاهرة الأدبیة لخلق أشكال تعبيرية جديدة تمنح شعره طاقة جديدة يستطيع من خلالها إنتاج دلالة بصرية تعزز قدرة الكلمة في تعبيره. ولقد حظي موضوع التشكيل البصري بأهمية كبيرة في الدراسات الأدبية المعاصرة؛ فهو «كل ما يصنعه النص للرؤية سواء أكانت الرؤية على مستوى البصر / العين المجردة، أم على مستوى البصيرة / الخيال» (الصفراني، 2008م، ص 18). وله آليات مختلفة، منها: الخطوط والرسوم، وعتبات النص، وعلامات الترقيم، وتقسيم الصفحة، والبياض، والنبر البصري، والهوامش و.... أما أهمیة هذا البحث المعنون بالتشكيل البصري في شعر بلند الحيدري، فهي تكمن فيما يلي: أولا أن هذا البحث یساعد المتلقي علی فهم الشعر المعاصر فهما دقیقا وکاملا؛ ثانیاً أنه محاولة لتسليط الضوء على شعر بلند الحيدري[1]، كأحد من كبار الشعراء المعاصرین الذين كان شعرهم على قمة الأدب في عصرهم. من هذا المنطلق، تسعى هذه المقالة أن تتطرق إلى ظاهرة التشكيل البصري وجمالياتها في شعر بلند الحيدري، حتى تكشف عن الدلالات المضمرة التي تضفيها هندسة الكتابة على النص الشعري، وأن تعالج البياض وعلامات الترقيم بسبب أهمیتهما وکثرهما في شعر بلند الحيدري، كنموذجين رئيسين من بين الآليات الأخرى للتشكيل البصري. 1ـ1. أسئلة البحث یحاول المقال الإجابة عن الأسئلة التالية: ـ كيف يتجلى التشكيل البصري بآلياته المختلفة في أشعار بلند الحیدري؟ ـ ما أغراض الشاعر من استخدام هذه الآليات الشعرية؟ ـ ما الدلالات التي تتحقق في أشعاره من خلال التشكيل البصري؟ 1ـ2. خلفية البحث ومن أهم الدراسات التي تناولت التشكيل البصري في الشعر العربي المعاصر، أطروحة عنوانها الخطاب الشعري العربي المعاصر من التشكيل السمعي إلى التشكيل البصري، لعامر بن أمحمد (2015م)؛ تحاول هذه الدراسة أن تتبع بالبحث وتحليل التحولات من التشكيل البصري إلى التشكيل السمعي في التجربة الإبداعية للخطاب الشعري العربي المعاصر، من حيث التشكيلات النصية التي استجابت لتحولات الذوق الفني والأدبي. وأطروحة بعنوان القصائد السياسية لنزار قباني: دراسة سيميائية، لنبيلة تاوريريت (2016م)؛ يهدف هذا البحث إلى تحديد المدار العام الذي تشغله آليات التحليل السيميائي، ثم تطبيق بعض هذه الآليات على القصائد السياسية للشاعر، القصائد التي وقع بينها وبين تلك الآليات تماثلا في دائرة الاستجابة الجمالية. وأيضا أطروحة بعنوان دلالات الفضاء في الخطاب الشعري المعاصر: الشعر الجزائري ما بعد الثمانينيات أنموذجا، لقشيش هاشمي (2018م)؛ لقد تطرقت هذه الدراسة إلى التشکیل البصري في الفصل الثالث تحت عنوان الفضاء النصي والصوري، خاصة في الحدیث عن الفضاء النصي لمكوناته ممثلة في كل من الخط، والنبر البصري، وحركة الأسطر الشعرية، ولعبة البياض والسواد، ثم علامات الترقيم. ومقال بعنوان التشكيل البصري في الشعر الجزائري المعاصر: نماذج مختارة، لنزيهة درار (2017م)؛ حاولت الباحثة من خلال هذه الدراسة، مقاربة هذا التشكيل البصري من خلال نماذج شعرية، وبناء على ذلك وقفت على الظواهر الفنية التي جسدت هذا التشكيل ورصد كل أبعادها. ومقال آخر بعنوان ظاهرة التشكيل البصري في الشعر الجزائري المعاصر ديوان "ما لم يقله المهلهل" للشاعر امحمد زبور أنموذجا، لطيبي بوعزة (2018م)؛ حاولت الدراسة التطرق إلى ظاهرة التشكيل البصري في الشعر الجزائري المعاصر وجماليتها والكشف عن الدلالات المضمرة التي تضفيها هندسة الكتابة على النص الشعري. ودراسة التشكيل البصري جمالياته ومدلولاته في القصيدة الجزائرية: شعر العقد الأول من الألفية الثالثة للميلاد أنموذجا (2000م ـ 2010م)، لليندة بولحارس (2015م)، حيث خصصت الباحثة الفصل الثالث والأخير لرصد جماليات التشكيل البصري في القصيدة الجزائرية، في شكلها الفني وفي صورتها الفنية. وكذلك دراسة التشكيل البصري في ديوان تغريبة جعفر الطيار ليوسف وغليسي، لکلثوم بلقش (2018م)؛ فحاول البحث التعرف على هذه الظاهرة المميزة التي وظفها الشاعر المعاصر في نصه الشعري، حيث تم اختيار المجموعة الشعرية تغريبية جعفر الطيار ليوسف وغليسي نموذجا للدراسة ومجالا للتطبيق. ومن أهم الدراسات التي تناولت شعر بلند الحيدري رسالة المعجم اللغوي للشاعر بلند الحيدري دراسة دلالية أسلوبية، لهند محمد إبراهيم الخطيب (2009م)؛ تناولت هذه الدراسة الجانب اللغوي في شعر بلند الحيدري، لإبراز الأهمية اللغوية أو الوضع اللغوي لدى الشاعر وكشف الدلالات الكامنة وراء الاستعمال اللغوي عنده، ومن ثم دراسة هذا المحصول اللغوي دراسة أسلوبية، ووصلت الدراسة إلى نتائج، منها: تتمتع دواوين بلند الحيدري بكمية كبيرة من المفردات إلا أن لا يستطيع اعتباره مالكا لثروة لغوية كبيرة من حيث النوع، وأيضا يعمد الشاعر دائما إلى استخدام اللغة المألوفة والمأنوسة، ولا يخبر في أشعاره ما هو غريب غير واضح، فجميع دواوينه سهلة وواضحة. ومقالة البناء الدرامي في شعر بلند الحيدري، ليوسف حامد جابر (2012م)؛ يسعى هذا البحث إلى الوقوف على أهم مكونات البنية الدرامية في تجربة بلند الحيدري الشعرية، نظرا لما تمثله الدراما من حضور لافت في مستويات هذه التجربة بسبب امتلاكها مقومات الحركة والتفاعل، ومن النتائج التي وصلت إليها الدراسة هي أن بنية الحوار هي بنية راسخة في نصوص الشاعر، كما هي راسخة بين عناصر الوجود وأيضا استعار الشاعر بعض المظاهر الدرامية من المسرحية اليونانية. ومقال بعنوان دراسة مقارنة بين شعر قاصدك لمهدى اخوان ثالث وساعي البرید لبلند الحيدري، لحيدر محلاتى ومهدى ناصرى (2016م)؛ حاولت هذه المقالة ـ من خلال منهج وصفي تحليلي، دراسة هاتين القصيدتين، من حيث المضامين المشتركة، والمحسنات اللفظية والمعنوية، وظاهرة التكرار وأغراضه، ومن ثم الموسيقى والجرس الشعري؛ وتوصلت إلى نتائج عدة، أهمها أن القصيدتين اشتركتا في التعبير عن هموم الناس وآلامهم من خلال استخدام التعابير البسيطة المعبرة عن الحالة الاجتماعي التي عاشها كل من الشاعرين، وهي ظروف كادت تكون في الغالب متشابهة ومماثلة. ومقال بعنوان هيكلة النص الشعري عند بلند الحيدري: دراسة أسلوبية في تجربة الحداثة، لفرحان بدري الحربي (2007م)؛ حاولت الدراسة الكشف عن نمط الإبداع الشعري في تجربة الريادة عند بلند الحيدري، ووجدت أن تجربة الحيدري الشعرية من التجارب الريادية المهمة، والجمل اللفظية ترتبط بعضها مع بعض، من حيث اللفظ، فتؤلف جملا أدبيا يمكن النظر إليها على أنها وحدات مستقلة وترتبط الجمل الأدبية بعضها مع بعض بوساطة العطف على الأغلب، وأن المقطع الشعري يؤلف جملة أدبية مستقلة نسيباً. مهما يكن من شيء، فمن خلال بحثنا في الدراسات السابقة، تبین لنا عدم ترکیز الباحثین علی دراسة أشعار بلند الحیدري من حیث التشكيل البصري؛ بذلك، تعد هذه الدراسة خطوة أولى في هذا الموضوع.
2.البياض والسواد الشعر الجديد ليس فقط قافية ووزن، بل ازدادت فيه الرموز. وأحد الرموز الأساسية هو الشكل الذي يتجسد في النص وطريقة انتشاره على الورق. إن البياض الذي يعتبر من أهم رموز الأشعار الحديثة يتسبب في تعددية التأويل، مما جعل الكثير من الشعراء يستخدمون هذه الظاهرة؛ لأن اللغة المكتوبة لم تعد تحمل عبء المضمون في العصر الحاضر، والبياض أعطى الشعر قيمته التعبيرية من حيث المضمون والشكل. إن البیاض والسواد یعتبران مصدرين متضادين، حیث عبّر البعض عن السواد بالظلم أو الظلمة، وعن البیاض بالحریة وطلوع الشمس؛ ولکن إذا أمعنا النظر في هذه الظاهرة عند الشعراء، یمکن التعبیر عن البیاض، بصمت الشاعر، وعن السواد، وهو ما کتب بحبر أسود علی الورق، صوته الذي أراد أن یفصح به؛ ولکن الدلائل والرموز تختفي بداخل البیاض، والسواد لم یکن شیئا سوى خیط یدل القارئ به. إن البیاض عبارة عن الفراغ الذي نشاهده، فهو أصبح الجزء الملازم للشعر المعاصر، بعبارة أخری هو الحبر السري للشاعر. إن الفراغ المفروش بالبیاض لم یکن الصمت المطلق؛ بل هو الصوت الذي یدوي في النص الشعري ویحث القارئ علی فهم ما کتبه الشاعر لیتفاعل معه ومع النص. یقول فولفغانغ آیزر: إن البیاض هو تلك الفجوات أو التفککات المتموقعة بین الخطوط أو المنظورات النصیة والمتجهة تلقاء القارئ حاثه إیاه علی ضرورة رصد الارتباطات الخفیة الممکنة وبناء الموضوع الجمالي (2000م، ص 55). إذا اعتبرنا البیاض صمت الشاعر أمام شيء ما؛ فقد تحدث شاعرنا بلند الحیدی نفسه عن هذا الصمت في شعره وإشارة إلی امتلاکه للصمت في قصيدة ما أقسى برد الليلة: يا سيدتي / معذرة فأنا لا أملك إلا صمتي / وأنا أعرف أن الصمت شتاءٌ آخرْ ... برد آخرْ / يمتد بلا زمنِ (1992م، ص 677). کما أشار مارون عبود أيضا إلی اتصاف شاعرنا بهذه المیزة قائلا: «ليس فينا من قدر الصمت واستوحاه كما استوحاه هذا الشاعر، وقل في الأدب العربي من أوحت إليه الطريق ما أوحت إلى بلند الحيدري ...» (المصدر نفسه، ص 13). وفي قصيدة إلى ولدي، يبين الشاعر أن البياض ـ الصمت ـ الذي لا يتكلم، هو بنفسه يحكي لنا خفايا المضمون الذي نبحث عنه. والشاعر يشبه الصمت بالموت؛ ولكن ليست الغاية منه السكون، بل الكلام الذي مستتر خلفه. وهذا يؤيد النظرية التي أخذ الشاعر يكتب ديوانه على أساسها، وهي الصوت الذي لا يعبر السواد عنه بل البياض أي الصمت: كالموت يصمت حين يحكي (المصدر نفسه، ص 356). وفي القصيدة نفسها، مازال يؤكد الشاعر على أن الصمت هو المتكلم في قصائده، فيحث القارئ على فتح لغزه: لا تسل / عما وراء الصمت من زهر وشوك / أنا إن سألت / فسوف أبكي (المصدر نفسه). في هذه السطور، يوضح الشاعر ما هو السر وراء صمته ولماذا يريد الصمت؟ إن نظرية انتشار البياض تجلت بشكل مميز في ديوان بلند الحيدري. فقصده من ذلك إيضاح المعاني بشكل أكبر؛ لأن السواد يأبى حمل ذلك. فثمة دليل يجعل الشاعر في موقف محرج لا يريد التحدث عنه كتلك الأزهار والأشوك التي تألمه أي الحزن. فلا يريد الحيدري التحدث عنها، بل يريد منك التعرف عليها بخيط أسود. فانتشار البياض والسواد بشكل غير معتاد وبأساليب متنوعة تحثتنا على فهم النص بشكل مختلف، فما هو الدليل الذي أدى بكتابة الشاعر بهذا الشكل؟ حسب الأساليب الموجودة، وكيفية انتشار البياض والسواد في الأسطر الشعرية، قمنا بتقسيم أنواع البياض في شعر بلند الحيدري، واعتمدنا في ذلك على فتح المقصود الذي يريد الشاعر التعبير عنه. 2ـ1. لعبة البياض والسواد إن البیاض والسواد یلعبان دورا بارزا في الشعر الحدیث. ولکل شاعر أسلوبه الخاص في استخدام هذه الظاهرة. یتجلی أيضا البیاض والسواد بأشکال مختلفة عند الشعراء، فأي شکل منهما ودورهما هو مثیر للجدل في عصرنا الحاضر، بحیث نری امتداد البیاض أو انحساره أو عکس ذلك. فما یعني الشاعر بهذه الأشکال؟ يجب أن نذکر بأن التشکیل البصري یکون علی مستویین: وهما مستوی البصري الذي یدرك بالعین، ومستوی البصیرة الذي یدرك بعین الخیال والتفكر. إن اختلاف طول الأسطر الشعریة في القصائد الحداثیة غالبا ما یتبع الموجة النفسیة الشعوریة أو الدفقة الشعریة، وصدى ارتداداتها الداخلیة، وانعكاسها على الواقع اللغوي للقصیدة؛ وهذا یعني أن الداخل الشعوري ینعكس على بنیة القصیدة وطرائق تشكيلها من موجات سطریة قصیرة إلى موجات متوسطة إلى موجات طویلة، أو العكس، بأشكال متفاوتة تتناوب بین الطول والقصر، والمد والبتر، تبعا لمخزون الشاعر النفسي وامتداد الموجات الشعوریة، أو تسجيلها البصري على بیاض الصفحة الشعریة، مما یؤكد «أن تحول النص الشعري الحدیث من القالب البیتي المحدود بعدد ثابت من التفعیلات ـ قیاسات محددة مسبقا ـ إلى رحاب السطر الشعري قد فتح المجال أمام التشكیل البصري» (الصفراني، 2008م، ص 171). وقد ساعد الإخراج الطباعي الشعراء على إجراء تشكیلات بصریة تجسد الدلالات التي یرومون تجسيدها للمتلقي. هناك اختلاف بين أطوال الأسطر الشعریة ،من حیث عدد الكلمات وتوزيعها في السطر الشعري. یقول محمد الصفراني في التشكیل السطري: «ونعني بالأطوال السطریة المتفاوتة تفاوت طول سطرین شعریین متوالیین أو أكثر تفاوتا كمیا، من حیث عدد الكلمات ... ویعد تفاوت أطوال الأسطر الشعریة الملمح الأبرز في نصوص الشعر العربي الحدیث» (المصدر نفسه، ص 172). نری الشاعر في قصیدته حلم في أربع لقطات یقوم بانحسار ومد الأبیات: تفترش الشاشة عينانْ / انفرجت شفتانْ / ابتسمت / لمعت عدّة أسنان / ويغور اللونُ الأخضرُ في كلِّ الألوان (1992م، ص 553). إن الشاعر في هذه الأسطر الشعریة، يحاول أن يلفت أنظار المتلقي وأذهان المخاطب ویعطیه الصورة شيئا فشيئا، فنری السطر الأول یتکون من ثلاث کلمات، والثاني من کلمتین، والثالث من کلمة واحدة، وفي حال استمرار بالقصیدة، ستدرك بأن الشطر الرابع والخامس أیضا یکونان کالشطرین الثاني والأول، من حیث الطول والقصر، مما زاد في جمالية هذه الأسطر الشعرية. أما بالنسبة إلى انتشار البیاض في الشطر الثالث، فنعتقد أنه مرکز الأبیات ومحورها وانتشار السواد وحسره مما یؤدي إلی فهم أوسع من ابتسامة المحبوب، حیث یقف الشاعر بکلمة واحدة لکي یصور للمتلقي بسمتها فقط. فهذه اللعبة ترمز إلى تسلسل يريد الشاعر منه مرافقه القارئ في جميع اللحظات، حتى يقف في النهاية بمنظر كان يبحث عنه من أول لحظاته، فها هو الخيط الأسود يسحبه إلى أن يصل إلى نهايته التي لم يكن للسواد فيه محل. في القصيدة السابقة، رأينا كيف قام الحيدري بترسيم البياض والسواد لتشكيل الإيقاع البصري وسعيه لمشاركة القارئ، يقول عبد الرحمن تبرماسين في هذا المضمار: إن البیاض یدخل مع السواد في ذات الشعر، وهو عبارة عن تجسد القصيدة في شكلها الماثل وفي كيفية تنظيم كلماتها وكتابتها عليها وعرضها بطريقة خاصة وشكل خاص هو نوع من اللعب بالإيقاع البصري، فالفراغات المتناثرة تبحث عن القارئ ليملأها ودعوة من المبدع لمشاركة قارئه في العملية الإبداعية ومسائلته عن معاني القصيدة التي امتنعت عن التدفق بفعل (المساحات البيضاء)، ومن الشعراء من يلجأ إليها من غير أن يقدم دلالة، أي من غير باعث إبداعي وإنما لمجرد الموضة، إن امتناع البياض عن معانقته للسواد هو نوع من الجدب والجفاف وعلامة على توقف صوت المبدع الشاعر (2003م، ص 155 ـ 156). و في قصیدته في طریق بیروت نقرأ يقول: مشينا إليك مسافة أجيال / ويوم وصلناك كنت بعيدةْ / وكان بأعيننا لا يزال اشتياق إليك / وكنا / هرمنا (1992م، ص 599). إن السواد یکون في البیتین الأول والثاني علی حد سواء، والشاعر في هذین البیتین بامتداد البياض، یصف الدرب الذي أتی منه إلی حبیبته ویطول السواد في البیت الثالث، حیث یصف شدة اشتیاقه واصراره للوصول من خلال هذا التطویل الذي یملأ کثیرا من الفراغ وبشكل آخر يبين البعد الذي ذكره في البيت السابق ویلخص حاله بفعلين "وکنا"، و"هرمنا"، لکي یتم کل اشتیاقاته. وفي اللعبة بين البياض والسواد، نرى البيت الآخر يختم بسواد أقل مما ذكر في البيت السابق. وهذا يدل على حال الشاعر، فبهذا الانحسار، يبين الشاعر فناءه في الدرب الذي سلكه إلى حبيبته. فهذه اللعبة تبين مدى الأغراض المختفيه وراء كل سطر وكل حبر وكل فراغ وبياض. إذن يتفنن الشاعر في هذه التقنية وينشر البياض والسواد بدقة عاليه حسب ما لا يستطيع قوله وما يستطيع. فبنشر البياض، يريد فهم ما لا يستطيع المرء فهمه من خلال السواد، فيحسره بعض الشيء ويجعله مخالفا للبياض أو العكس. وهذه اللعبة بين أمرين متضادين تحث القارئ على فهم كنه النص من خلال لعبة البياض والسواد. 2ـ2. بياض الفجوة الشعر المعاصر مليء بالحذف، وهذا الفراغ قد یتباین مع البیاض أکثر من السواد، أي یقوم الشاعر بفتح آلامه وتقدیمها إلی القارئ ویطلب منه مشارکته. یقول محمد عبد المطلب عن بلاغة البياض وعدم الوضوح بالسواد في الشعر الحديث: «إشارية اللغة، على معنى أن الصياغة الأدبية يجب أن تبتعد عن الوضوح الكامل؛ لأن هذا الوضوح في الخطاب يبعده عن الكثافة» (1977م، ص 217). ویقول الجرجاني في عدم ذکر الکلام: «فإنك ترى به ترك الذكر أفصح من الذكر، والصمت عن الإفادة أزيد للإفادة، وتجدك أنطق ما تكون إذا لم تنطق، وأتم ما تكون بيانا إذا لم تبن» (1992م، ص 153 ـ 154). فنرى أن بلاغة البياض التي تملئ بين السطور وتتوسط بين السواد، وغالبا تأخذ فجوة كبيرة من الورقة لها معان وبلاغة رفيعة. وکثیرا ما نری هذه الظاهره في أشعار الحيدري على سبيل المثال في قصیدة الاغتیال يقول: اقتلني / اقتلني / اقتلني / ولكن قل لي: / / ما جدوى نصرٍ في زمنٍ مهزومْ / ما جدوى أن تقتل إنسانا مقتولا / يا وطني ...؟! (1992م، ص 755). في هذه السطور، نرى أن الشاعر ترك فجوة کبیرة بين طلبه وسؤاله؛ إذ یطلب موته وینتظر الجواب قبل فجوة البياض ويتسائل بعد البياض. فتوسط فجوة البياض بين السوادين يكون له بلاغة رفيعة؛ إذ يبين أن السؤال يمكن أن يكون محرجا، وربما يكون الطلب، فيه بعض الغموض. ويريد الشاعر بترك الفجوة أن ينقل لنا أهمية السؤال ويجيب على دهشة المتلقي حين يتواجه مع الشعر والشاعر الذي يطلب قتله. وفي قصیدة صدی العذاب، نری الشاعر ترك فجوة کبیرة بین العنوان والأسطر الشعرية: صَدَى عَذَاب
لا تطرقي بابي / فإن وراء قلبي ألفَ بابْ / أبدا يمرغ صمته / شكٌّ / ووهمٌ / واضطرابْ / وأنا ... أنا / كالأمس في هجس الوجود صدى عذاب (المصدر نفسه، ص 165). يظهر أن نفس الشاعر مضطربة، غاب عنها الحرف وانتشر البياض رمزا عن غياب الصوت وحضور الصمت، وكأننا ننتظر الجديد الذي سيأتي. فجوة البياض هنا تثير دهشة القارئ؛ لأن الشعر في هذه الحالة يخرج من شكله المعتاد. فيمكن الاعتبار بأن هذا النوع من البياض هو الأكثر تأثيرا في المتلقي وبلاغته تفوق الخيال؛ لأن القارئ لا یواجه كباقي أنواع البياض خيطا يدله سريعا على قصد الشاعر، فالمتلقي سيشارك ـ لا محالة ـ في فهم الشعر؛ لأنه يواجه فجوة خالية من أي شيء ويحاول فتحها. 2ـ3. بیاض الحیرة في بعض الأحيان، لا يطيق للكلمات قول شيء ما، ولا يستطيع حتى الشاعر من شدة صدمة موقف أو حادث أو حقيقة أن يبوح بأسراره، فيلجأ إلى بياض الحيرة. بياض الحيرة مكان تلقي الشاعر بحقائق تثير همه وتغلغل مشاعره، فیجد نفسه في موقف حرج يصعب الكلام عليه. علی سبیل المثال، نری الشاعر قام باستخدام البیاض بشکل غیر معتاد أو خارج نطاق القصیده: وكان، / موت بقلبي / يهتزا، مغمغاً: / مسكينةْ (المصدر نفسه، ص 183). إذا نظرنا إلی هذه القصیدة، ندرك الشعور الخفي للشاعر؛ إذ یعبر عن ألم في قلبه ویقول: "مسکینة". وهذا الشعور هو اختناق العبرة في لحظة يصعب على الشاعر التعبير عنها. فإنه يصمت بالبياض ويفكر فيها وبعدها يقول: "مسكينة"، فهذا يدل على السواد الذي سبق البياض فشدة الحزن تحيّر الشاعر. وفي قصیدة غدا إذا ما انفجرت نقرأ: يقال / / إن بيتنا كئيبُ / وكل ما في بيتنا / وكل من في بيتنا ... غريبُ يقال / / ما اتعسَ ما يقالُ / فبيتنا كئيبُ (المصدر نفسه، ص 775). هنا، نری أن الشاعر یذکر فعل "یقال"؛ ولکن بعدها یملأ النص ببياض الحيرة. لم یستخدم الشاعر هنا علامات الترقیم؛ بل یضع البیاض من دون أي ذکر أمام الأعین. فهو يفكر بما يقال. فكأن حالته النفسيه تقول له: "كل أقوالهم لا شيء، كذبة أم صحيحة لا أدري"؛ فبهذا یشیر إلی انزعاجه من الأقوال السیئة التي تسببت له بالانضجار والتعسف والدليل على ذلك قوله: "ما أتعسَ ما يقالُ"، فیترك الشاعر النص مفتوحا، لکي یملأه المتلقي لما یواجهه في النص. وفي قصيدة إنها تنتظرني، نرى الشاعر يبين مدى حيرة الأم حين تنتظر ابنها: أمي كباقي الأمهات / عينان / تنتظران من آت لآت / / ويلوح ظل من جديد / لا … ليس ظلي / فأنا / هنا … في السجن يا أمي (المصدر نفسه، ص 366). حين يصف الشاعر أمه، يصل إلى لحظة الانتظار، فيضيف بياض الحيرة إلى ما قال عن انتظارها ونظراتها للدرب؛ إذ يترك هنا فجوة ترمز إلی حيرة الأم في هذا الاشتياق، وهذه النظرية تتبين بعد البياض؛ إذ يلوح للأم ظل يزيد في اشتياقها وبعدها تواجه نفس ما كان سابقا أي الحيرة. استخدم الشاعر بياض الحيرة في جميع دواوينه بدقة عاليه وأبدع في استخدمها. رغم أن الشاعر استخدم البیاض بأنواعه في أشعاره بکثرة؛ ولكن بياض الحيرة لها مكانة رفيعة ولم يستخدمها إلا نزرا في مواقف محرجة والمكان الذي يصعب للمرء الإفصاح فيه.
تعد علامات الترقيم أحد عناصر التشكيل البصري وفضاء الشكل الطباعي في النص المكتوب، وأولاها الأدباء، خاصة الشعراء، أهمية بالغة في آثارهم لتحقيق أقصى تأثير على القارئ، ولها أثر بالغ على مستوى تنظيم الكتابة وتسهيل عملية القراءة والفهم والإفهام، کما تسهم علامات الترقیم في إیقاع القصیدة صوتیا وبصریا وتمنح المتلقي إمکان الانفتاح علی التعددیة الدلالیة الکامنة في النص الشعری. «والحق أن كل متكلم واع من جميع الأمم يستخدم في عبارته اللفظية ما يمارس الإيقاع التعبيري، بشكل تلقائي ملحوظ ودقيق مفهوم، من التباطؤ، والتوقف، والتلبث، والمد، والتفخيم، والنبر، والتنغيم، للإشعار بما يريد من قطع، واستئناف، وتفصيل واعتراض، وخبر، وإنشاء...» (قباوة، 2007م، ص 51)؛ ومن ثم، لا توجد أية نبرة صوتية في الكتابة والنص الشعري، فالقارئ يكون دائما في أشد الحاجة إلى رموز مرقومة في الكتابة يحصل بها تسهيل الفهم والإدراك عند القراءة (زكي، 2012م، ص 8)؛ فلذلك تأتي علامات الترقيم لتحقق ذلك الهدف. والمراد بعلامات الترقيم أنها «وضع علامة اصطلاحية معينة بين أجزاء الكلام أو الجمل أو الكلمات، لإيضاح مواضع الوقف، وتيسير عملية الفهم والإفهام» (أوكان، 2002م، ص 103)؛ وبتعبير آخر، «الترقيم هو وضع رموز مخصوصة، في أثناء الكتابة، لتعيين مواقع الفصل والوقف والابتداء وأنواع النبرات الصوتية والأغراض الكلامية، في أثناء القراءة» (زكي، 2012م، ص 12). فتعد علامات الترقيم جزءا لا يتجزأ من الكتابة نفسها، وذلك أنها تساهم في إنتاج الدلالة؛ لأن علامات الترقيم هي «دوال بصرية تتفاعل مع الدوال اللغوية في إتمام المعنى وإنتاج الدلالة ...» (الصفراني، 2008م، ص 200)، وهي تسهل الفهم على القارئ، وتحرره من هدر الوقت بين تردد النظر، وبين اشتغال الذهن في فهم العبارات. فاستخدام علامات الترقيم ليس عشوائيا دون وظيفة، بل لها هدف من توظيفها، کما تحمل دلالات خاصة. 3ـ1. النقطة أو الوقفة (.) تعد النقطة أصغر وحدة خطية وعلامة أيقونة سيميوطيقية، وهي «تشير إلى نهاية الكلام وانقضائه واستقلاله عن ما بعده معنى وإعرابا، كما أنها تساعد القارئ على فهم محتوى القول، إضافة إلى أنها تسمح له أثناء القراءة الجهرية بوقفة يتزود أثناءها بالنفس الضروري لمواصلة القراءة» (المصدر نفسه، ص 106). وبالتأمل في هذا التعريف، نواجه جملة من الوظائف لعلاقة النقطة، وهي: الوظيفة الفاصلة والوظيفة الوقفية، والوظيفة الفيزيولوجية أو راحة النظر واللسان (بن أمحمد، 2015م، ص 182). أما بالنسبة إلی شعر بلند الحيدري، فتأتي هذه العلامة الصغيرة لأغراض متعددة ودلالات مختلفة، منها تحديد موضع الوقف في الأسطر الشعرية. فنرى أن النقطة يسجل للمتلقي سمة من سمات الأداء الشفهي، وهي الوقف لسبب انتهاء الكلام أو تنظيم القراءة. وفي هذه الحالة، تعبر النقطة عن الوقف في الكلام، کما يعبر غيابها عن الامتداد بين الجمل والأسطر. وهذا الاختلاف في حضور النقطة وغيابها في الأسطر الشعرية، ناتج عن اختلاف في الوظيفة والدلالة التي تتخذها هذه العلامة من موقعها الذي عمد إليه الشاعر. وکثیرا ما نری هذه الظاهره في أشعار الحيدري على سبيل المثال نقرأ في القصیدة شتاء محموم: وأقيم أشباح الخطيئة / بعدما / واريت دنياها / وعفت سدومي / عودي. لقد أنكرت عهدك / فانتهى / ونسيت ظل شبابي / المرجومْ (1992م، ص 150). نرى في هذه الأسطر الشعرية، أن الجملة ختمت في السطر الخامس بإحدى علامات الترقيم، وهي النقطة. فالشاعر أتى بنقطة الوقف ليضطر القارئ إلى الوقف بعد الجملة. لقد وضع الشاعر النقطة في الموضع الخاصة بها، حيث يتعرف القارئ على نهاية الكلام تلقائيا قبل القراءة من خلال نظرته إلى النقطة في آخر الجملة، وذلك يحدث قبل أن يتعرف على نهاية الكلام، من حيث تمام المعنى الذي يتطلب إعمال الذهن. وتؤدي النقطة في هذه الأسطر الشعرية وظيفة إيقاعية أيضا، حيث يساعد الإيقاع في القصيدة علی الوقفة اللازمة وسط السطر الخامس؛ و بهذه الوقفة، يتوقف القارئ بعد كلمتين متناغمتين "سدومي وعودي"، ويواجه تنسيقا نغميا في هذين السطرين المتتاليين. ويمكن القول إنه إذا لم تكن هذه الوقفة بعد كلمة "عودي"، لم ينتبه القارئ إلى هذا الانسجام النغمي. وفي قصيدة أخری بعنوان برمثيوس، وضع الشاعر النقطة في نهاية الجملة، باعتبارها علامة وظيفية حدد بها نهاية الجملة: وكالذَّرى / تلك التي لا ترى / في صمتها القارس غير الرعودْ / أعيش في الموتى / وأقتات من السرى الذي كان فكان / الوجود / لا هاجس / يبحث بي عن صدى / ولا غد / يحلم لي بالخلودْ (المصدر نفسه، ص 253). وبناء على ما تقدم، فالشاعر، وفق التعامل مع هذه العلامة الوقفية، یريد أن لا یتعب ذهن القارئ وبصره للحصول على المعنى؛ ولذلك لفت نظره في هذه المواضع إلی علامة تعبر عن الوقوف وإتمام المعنى. ومن خلال هذا التنظيم للمكتوب، يتم الفهم والإفهام وتسهل القراءة، كما ينظم السير لعين القارئ وذهنه معا؛ لأن هذه العلامة الوقفية بمثابة تنبيه للقارئ حتى يقف عند القراءة، كما وقف الكاتب عند الكتابة.
3ـ2. نقاط الحذف والإضمار (...) إن هذه العلامة هي أكثر العلامة استعمالا في شعر بلند الحيدري، حيث إنها تحمل دلالات أكثر من العلامات الأخرى. «تشكل علامة الحذف عالما سيميائيا بصريا لافتا للانتباه، حيث يحضر هذا العالم فوق صفحة النص في خطيته المستمرة، في شكل نقط متتابعة قد تتراوح بين ثلاث نقط أو أكثر ... وتحيل هذه العلامة على الفضاء المحذوف، أو الفضاء الفارغ، أو الفضاء الصفري أو الفضاء الممتد التي يختزل الكلام، أو الحوار والحقائق إنها تعبير عن عالم الصمت والبياض والفراغ، ويقابل عالم الكلام والبوح والصراخ الصوتي والخطي» (حمداوي، 2020م، ص 19). وتأسيسا على ما سبق، یمکن القول إن نقاط الحذف تستخدم لدلالة على أنها موضع لكلام محذوف أو مضمر لأي سبب من الأسباب، وعندما تأتي هذه النقط في البداية، تدل على أن الكلام لم تذكر من البداية، وفي الآخر تدل على أن الكلام لا ينتهي عنده المعنى. وإضافة إلى ما سبق، يجب اجتهاد القارئ بعد دخول هذه العلامة في النص الشعري، لاستحضار هذا الجزء المحذوف، وهذا بدوره يفتح مجالا واسعا لتأويلات متعددة. وقد يكون من زاوية أخرى أن هذا الحذف مقصود من الشاعر بهدف تحفيز القارئ واختبار خبراته القرائية هذا من جهة، ومن جهة أخرى خشية الشاعر من التصريح بهذا الجزء المحذوف لأسباب ما قد تكون سياسية أو غير ذلك (بن أمحمد، 2015م، ص 186)؛ بدليل «أن الجزء المحذوف يصعب البوح به» (الرواشدة، 1997م، ص 518). أما في شعر بلند الحيدري، فيوظف الشاعر هذه العلامة بأنواعها لأسباب مختلفة؛ علی سبیل المثال، يقول في مقطع من قصيدة بعنوان ثرثرة في الشارع الطويل: لا تقتربْ ... لا تقتربْ ... يا لك من مجنونْ / ابعد عن الشوارع المضيئة / فالنور كالخطيئةْ / ابعد عن الـ ... / أخاف أن تأسرك استغاثة التاريخ / والزمنْ / أخاف أن تأسرك المدنْ / أخاف أن تصير في حذائك العفنْ / لا عذرَ بعد اليوم / ... ولا المسافات رؤى في النومْ (1992م، ص 570 ـ 571). إن هذا النوع من علامات الترقيم يلفت بصر القارئ ويشغل ذهنه لكشف المحذوف في الجملة؛ لذلك عندما وضع الشاعر نقطتین بعد "لا تقرب" و قام بتکرارها، في الحقیقة يدعو القارئ من خلال نقاط الحذف كي يشاركه ويجهد على ملء الفراغات واستحضار ما غيب في النص من كلمات ومعاني. وبعد ذلك، یقول الشاعر "ابعد عن الـ..."، وهي أیضا دعوة للقارئ إلی إتمام المعنى، فأي شيء يقصد بها الشاعر؟ هل هي مكان أو شخص؟ وفي السطر الآخر، حذف الشاعر كلمة أو عبارة عن الجملة لیشیر إلى أن الجملة لا تبدأ من هنا، بل حذفت قبلها كلمات أو جملات تؤدي إلى التساؤل عند القارئ ومشاركته في إنتاج المعاني. والدلالة الأخرى لهذه العلامة في شعر بلند الحيدري، هي الصمت الذي يدور في ذهن الشاعر أو الصمت الذي يوجد في حوار القصة التي يريد الشاعر أن يحكيها عبر نصه الشعري. وفي هذه الحالة، يلزم علی القارئ الوقف والصمت بين الكلمات أو الجمل حتي تنتهي مرحلة القراءة وفق إرادة الشاعر. مثلا في مقطع من قصيدة بعنوان دعوة للخدر نقرأ: والليل نام / ونامت اللصوص والحراس / فنمْ / أطفئ عيون الناس / ونمْ / ولتصمت الأجراس / لتصمت ... ال ... / رأس أس ... ـ ـ ـ (المصدر نفسه، ص 547). إن الشاعر يبدع دلالة جديدة من نقاط الحذف ويستخدم تقنية تسمى بالتقطيع. فصوت الأجراس يعبر عن تمرد الشاعر والسكون والصمت يظهر شيئا فشيئا في نهاية الأسطر تعبيرا عن القيود التي تفرض السكون والصمت على الشاعر؛ وفي ذلك دلالة على السكون المتمثل بصمت الأجراس عبر القطع الكتابي المتماثل مع القطع الصوتي. وجدير بالذكر أن في هذا المقطع الشعري، عندما يصل القارئ إلى هنا، یستطیع أن يسمع دوي الصوت الذي ينتشر من الكلمات ويقطع ويصمت شيئا فشيئا. نلاحظ في قصيدة وحشة توصيفا واضحا لاستخدام هذه العلامة في نفس الدلالة: ... ويرن الصوتُ / ... يرنّ ... يرنُّ ... يرنُّ ... يرنُّ ... / ـ من أنت ...؟ / -أنا أنتَ / ـ لقد أخطأت ... وأخطأت . وأخطأت. / ـ لا أنت أنا / ـ وأنا لا أعرف من نحْ . هل نحن اثنان / أم جيلٌ ... أم جيلانِ / يتمدد بينهما الزمن (المصدر نفسه، ص 394 ـ 395). يستخدم الشاعر نقاط الحذف لدلالة الصمت الموجود في رنين الهاتف، حيث إن هذه العلامة تلعب دورا نشطا في استحضار هذا الصوت في ذهن القارئ، حتی يجد القارئ نفسه في القصة التي يسردها الشاعر. وأيضا يهدف الشاعر من استخدام هذه العلامة إلى تعزيز المستوى الإيقاعي في أشعاره، حيث إن نقاط الحذف تساعد الإيقاع في الأسطر الشعرية بالوقفة التي تخلقها بين الكلمات أو الجملات. يقول الشاعر في قصيدة ثرثرة في الشارع الطويل: تكرهه ...؟! / ـ أجل ... أجل، أبصقها بلا وجل / لولاه ما كان لنا في الشارع الطويلْ / الرعب / والضياع / والمدينة القتيل (المصدر نفسه، ص 567 ـ 568). نرى في السطر الثاني أن الشاعر استخدم نقاط الحذف بين كلمتين "أجل وأجل"، وللوقفة والصمت الذي تخلقه هذه العلامة تأثير إيقاعي أكثر، کما تساعد هذه نقاط الحذف على تنسيق جانبي الفاصلة، حيث تستغرق قراءة أحد الجانبين نفس الوقت الذي تستغرق قراءة الجانب الآخر، إضافة إلى التناسق الذي یخلق بين كلمتين "أجل ووجل". 3ـ3. علامة الاستفهام (؟) تعد علامة الاستفهام من العلامات السيميوطيقية والأيقونية التي تدل على التساؤل ومحاولة كشف الحقائق، كما هذه العلامة هي إحالة على سؤال الدهشة الفلسفية؛ إذ يحاول المبدع من خلالها الوصول إلى المعرفة، وذلك أنها رمز لطلب الحقيقة، وقد شاع توظيفها في الخطاب الشعري العربي المعاصر للدلالة على الاستفهام (بن أمحمد، 2015م، ص 194)، ومن أمثلة توظيفها في شعر الشاعر هي قصيدة بعنوان إلى بيروت الحجر النائي: يا أرض الملح / يا حبا كالجرح / هل لي ... أن أسأل ليلك أن يستر عاري؟ / هل لي أن أغسل في الظلمة أوزاري؟ / هل ... لي؟ (1992م، ص 636). بالتأمل في هذه الأسطر الشعرية، نجد أن الشاعر حاول إظهار النبرة الصوتية الدالة على الاستفهام. فالشاعر استطاع أن يظهر تلك النبرة الصوتية التي رافقت الثقافة الشفوية بأحرف كتابية وأشكال سيموطيقية، حيث يمكن للقارئ أن يكشف تلك الانفعالات النفسية والصوتية التي غيبتها النص الشعري المكتوب، ويتعرف على نوع الكلام تلقائيا قبل القراءة؛ لأن هذه العلامة تشد انتباه البصر قبل القراءة. وفي قصيدة أخرى بعنوان ضیاع يقول الشاعر: وتظل أنت تقول ... ما أقسى الحياةْ / ويظل يسخر ... ما الحياةْ؟!؟ (المصدر النفسه، ص 284). استخدم الشاعر هذه العلامة ليتعرف القارئ على الاستفهام الموجود في الكلام قبل البدء بالقراءة؛ إضافة إلى ذلك، يكرر الشاعر علامة الاستفهام في جملة واحدة، ولا شك أن تكرار العلامة يلفت انتباه القارئ أكثر من العلامة الواحدة، وهو بذلك يستخدمها لتساهم في تعميق الدلالة وتوسيعها. وإنها تؤثر وبشكل مباشر على حدة الإثارة المقصودة، حيث تضاعف الأثر، وتركز على حالة الاستفهام. وأيضا يسجل الشاعر هنا دلالة الاستفهام التعجبي ويترك القارئ في حيرة والتساؤل من خلال ازدواجية العلامات، أي توظيف علامتي الاستفهام والتعجب كعلامتين متتاليتين؛ وفي هذه الحالة، يرسم لنا أسلوب الاستفهام شعورا تعجبيا في نهاية الخطاب الشعري؛ وبهذا الأسلوب، يحاول إلی أن يدرك المتلقي خروج علامة الاستفهام من الدلالات المألوفة التي اعتادت عليه. 3ـ4. علامة التعجب (!) سجلت علامة التعجب حضورها في الخطابات الشعرية العربية المعاصرة، وتسمى هذه العلامة بعلامة التعجب أو التأثر أو الاندهاش، وهي تسهم كباقي العلامات الترقيمية في تلوين النص وتعزيزه بدلالات مختلفة؛ وبإمكانه أیضا أن تدل على سخرية جملة ما أو تدل على اندهاش واستغراب جملة أخرى. فإن علامة التعجب تعكس حالة من الانفعال تعتري المبدع بشكل عام عند القول أو الكتابة، أي أنه في حالة المشافهة تصدر هذه العلامة، وفق نبرة صوتية وإيقاعية يفهم منها انفعال الحيرة أو القسم أو النداء أو التحذير وغير ذلك؛ أما في حالة الكاتبة فتوضع هذه العلامة (!) كمؤشر أيقوني يفسر هذا الانفعال في صورة بصرية، لتدرك بالعين قبل أن تبدأ القراءة (بن أمحمد، 2015م، ص 192). وأما في أشعار بلند الحيدري، فتدل علامة التعجب على الاندهاش والاستغراب. ومن خلال هذه العلامة الأيقونية، يكشف الشاعر عن حالة الانفعال التي تحيل على نفسيته المتأثرة بموقف ما، أو تلك النبرة الصوتية التي تنظم قراءة النص والأداء الشفوي الذي يستدعي التلون والتكيف مع المواقف المختلفة عبر الأداء الصوتي والحركي. يقول الشاعر في قصيدة بعنوان مع الصمت المقرور: تكْ ... تكْ ... تكْ / ذات الصوت المكرور / لا ... لن أرجع / للساعة ميليها المكسورين / ما أروع أن نحيا في زمن ميت! / ما أروع أن أسرق موتى من موتى! (1992م، ص 789). تجسد علامة التعجب في هذين السطرين الأخيرين حالة الاندهاش والاستغراب تجسيدا بصريا، حيث یمکن للمتلقي إدراك هذه الحالة الشعورية التي تم تجسيدها كخطاب بصري يعول على المشاهدة والقراءة في آن واحد. وأيضا تحمل هذه العلامة في طياتها دلالة السخرية؛ ولكن نجد وظيفة هذه الدلالة أقل من الدلالة الأولى لهذه العلامة. فيقول الشاعر في قصيدة بعنوان أأعود ... لمن ...؟: ماذا أبقيت لأهلك / يا أبرهة الأشرمْ ...؟! / غير ظلال عمياء / تجوس زوايا الحي المهجورةْ / وغير ليال سود تتآكل / ما بين الوحل وبين الدمْ (المصدر نفسه، ص 793). نرى في هذه الأسطر الشعرية أن الشاعر يستخدم الاستفهام والتعجب كعلامتين مختلفتين للدلالة علی السخرية؛ و هذا یعنی لیس الغرض منهما السؤال والتعجب فحسب؛ بل الغرض الرئيس من هذه الجملة هي السخرية التي تختفى خلف الجملة الاستفهامية.
الخاتمة توصلت نتائج المقالة إلى ما يلي: ـ إن الشكل الطباعي من أهم ملامح النص الشعري عند بلند الحیدري؛ إذ يقدم الشاعر نفسه للقارئ الحديث بطريقة جريئة تتشاكل أحيانا من أجناس أدبية أخرى، فهو يمنح عنصر البياض قيمة معيارية، حيث يخالف الشكل الشعري القديم الذي لا يترك مجالا واسعا لهذا الاستتار والاختفاء. ـ توظیف البیاض ظاهرة جدیدة في الشعر المعاصر، وقد تکون ولیدة العاطفة والانفعال، خاصة عندما یتلقی هذا البیاض بالسواد. والشاعر بلند الحیدري عمد إلی توظیف هذه الظاهرة بمظاهرها المختلفة ودلالاتها الإیحائیة؛ لأن هذه الظاهرة تحمل دلالة موحیة وطاقات شعوریة تعجز اللغة المألوفة أحیانا عن إیصالها للمتلقي. بعبارة أخری، یضع المتلقي في حالة صعبة لا تدرك تلقائیا، کما کان في الأشعار القدیمة. یمکن اعتبار البیاض بالنسبة للسواد في طولها وقصرها عبارة عن حالة النفسیة للشاعر، حیث یحسر السواد لتفشي البیاض لکثرة همومه أو یترك فجوات بین الأبیات. ـ في الشعر الحديث عامة، وفي شعر بلند الحیدري خاصة، لم يكن للسواد أثر بالنسبة للبياض. فهذا الأمر غيّر قواعد الشعر وأعطى الشعراء الحرية في التعبير عن رأيهم، حيث تتغلب القيمة التعبيرية في الشعر الحديث من حيث الإيقاع البصري والبياض والسواد على القيمة الشكلية التقليدية. فنرى في الشعر الحیدري التعاون وفعالية المتلقي ترتفع بشكل عال مع البياض والسواد، حيث يأخذ من البياض ما لم يصرح به الشاعر في السواد. ـ من بين البياضات التي ذكرت في شعر بلند الحیدري، نجد أن بياض الحيرة يأخذ مكانة عميقة، من حيث المضمون والاستخدام. فبياض الحيرة يشكل نقطة اتصال بين السواد الذي يذكر قبله وبعده ولايستخدمه بلند الحيدري إلا نزرا. ـ استخدم الشاعر من علامات الترقيم لنظم القراءة والتحفيز عليها، كما يمنح القارئ نفسا منتظما من خلالها، وهم ينتقلون من جملة إلى أخرى ومن فقرة إلى ثانية. وتلك التقنيات البيانية في أشعاره تجعل القارئ يتابع النص بشكل انفعالي خاص في زمن القراءة مثل الوقف والحذف؛ لأن المتلقي يشارك الشاعر في المعاني والصور من خلال الدوال والكلمات والأصوات. ـ وكل علامة من علامات الترقيم تحمل في طياتها دلالات لا تستطيع اللغة التعبير عنها؛ لذلك اتخذ الشاعر علامات الترقيم وسيلة لإيصال أهدافه وأحاسيسه ومشاعره وحالته التعبيرية. إذن تلعب علامات الترقيم دورا مهما في منح القارئ فرصة للمشاركة في التأويل وتفسير كل ما يدور في النص الشعري من علامات الحذف والتعجب والاستفهام. ـ وأخيرا، تؤدي علامات الترقيم وظيفة إيقاعية في أشعار بلند الحيدري، حيث تترك الوقفة والصمت الناتج عن النقطة ونقاط الحذف تاثيرا إيقاعيا أكثر في الأسطر الشعرية، وينسق الشاعر بين الجملات والأسطر من خلال توظيف هاتين العلامتين.
[1]. ولد الشاعر بلند الحيدري في 26 من أيلول 1926م، في مدينة السليمانية في كردستان العراق، وهو كردي الأصل، واسمه يعني الشامخ في اللغة الكردية. كانت أسرته برجوازية فيها رجل الدين والسياسة. لم يكن يتفق مزاج الشاعر مع مزاج أبيه، وهو عسكري؛ فلذلك انسلخ من طبقته ومن أسرته، نعته الشاعر سعدي يوسف بـ"الإبن الضال". يقال إنه ـ منذ شبابه ـ انضم إلى الحزب الشيوعي العراقي وإلى جماعة الوقت الضائع الذين كانوا ينسبون أنفسهم إلى بعض الوجودية والماركسية (ميرقادرى، 1435ﻫ، ص 326). وأيضا مما يجدر الإشارة إليه دخول الحيدري في السجن عام 1963 لأجل موقفه من الانقلابيين الذين استشهد على أيديهم جمال الحيدري هذا الرجل السياسي الثائر من عائلة الشاعر. ومن الأحداث المهمة في حياته، بل الأهم منها، المنفى الذي طبع شعره بطابع خاص. هو بعد أن عاش زمنا في بيروت، انتقل إلى لندن سنة 1982، وبقي فيها حتى توفي عام 1996 (الملحم، 1998م، ص 14 ـ 17). قال الشاعر بدر شاكر السياب عنه: «هناك عدد من الشعراء أكن لهم كل التقدير والإعجاب، وعلى رأسهم بلند الحيدري الذي كان ديوانه خفقة الطين، أول ديوان صدر من ثلاثة دواوين، كانت فاتحة عهد جديد في الشعر العراقي، هي عاشقة الليل لنازك، و"أزهار الزابلة للسياب» (الحيدري، 1992م، ص 13). | ||||
مراجع | ||||
آیزر، فولفغانغ. (2000م). فعل القراءة نظرية الجمالیات والتجاوب في الأدب. فاس: مکتبة المتأهل. أوكان، عمر. (2002م). دلائل الإملاء وأسرار الترقيم. طرابلس: إفريقا الشرق. البقمي، فهد مرسي محمد. (2019م). «ظاهرة التشكيل البصري في الشعر بين النظرية والتطبيق: تجربة الناقد محمد الصفراني أنموذجا». المجلة العلمية لكلية التربية جامعة مصراتة. ع 3. ص 170 ـ 198. بلقش، كلثوم. (2018م). التشكيل البصري في ديوان "تغريبية جعفر الطيار" ليوسف وغليسي. رسالة الماجستير. جامعة 8 ماي 1945 القالمة. كلية الآداب واللغات. بن أمحمد، عامر. (2015م). الخطاب الشعري العربي المعاصر من تشكيل السمعي إلى التشكيل البصري. أطروحة الدكتوراه. جامعة الجيلالي اليابس. كلية الآداب واللغات والفنون. بوعزة، طیبي؛ وعلي کبریت. (2018م). «ظاهرة التشکیل البصري في الشعر الجزائري المعاصر: دیوان ما لم یقله المهلهل للشاعر امحمد زبور أنموذجا». مرکز البصیرة للبحوث والاستشارات والخدمات التعلمیة. ع ۲۲. ص ۱۱۳ ـ ۱۲۰. بولحارس، ليندة. (2015م). التشكيل البصري جمالياته ومدلولاته في القصيدة الجزائرية: شعر العقد الأول من الألفية الثالثة للميلاد أنموذجا (2000م ـ 2010م). رسالة الماجستير. جامعة أكلي محند أولحاج. كلية الآداب واللغات. تاوريريت، نبيلة. (2016م). القصائد السياسية لنزار قباني: دراسة سيميائية. أطروحة الدكتوراه. جامعة محمد خيضر. كلية الآداب واللغات. تبرماسين، عبد الرحمن. (2003م). البنية الإيقاعية للقصيدة المعاصرة في الجزائر. القاهرة: دار الفجر للطباعة والنشر والتوزيع. التلاوي، محمد نجيب. (2006م). القصيدة التشكيلية في الشعر العربي. قاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب. جابر، یوسف حامد. (۲۰۱۲م). «البناء الدرامي في شعر بلند الحیدري». مجلة جامعة تشرين للبحوث والدراسات العلمیة. ج ۳۴. ع ۳. ص ۲۱ ـ ۳۹. الجرجاني، عبد القاهر. (1992م). دلائل الإعجاز في علم المعاني. تحقيق أبو فهر محمود محمد شاكر. ط 3. القاهرة: المدني. الحربي، فرحان بدري. (۲۰۰۷م). «هیکلة النص الشعري عند بلند الحیدري: دراسة أسلوبیة في تجربة الحداثة». مجلة جامعة بابل. ع ۱۱. ص ۹۹ ـ ۱۰۷. حمداوي، جميل. (2020م). علامات الترقيم في القصة القصيرة جدا: قصيصات هيفاء السنعوسي نماذج. تطوان: دار الريف للطبع والنشر الإلكتروني. الحیدري، بلند. (1992م). الأعمال الکاملة للشاعر بلند الحیدري. الکویت: دارسعاد الصباح. الخطیب، هند محمد إبراهیم. (۲۰۰۹م). المعجم اللغوي للشاعر بلند الحیدري: دراسة دلالیة أسلوبیة. رسالة الماجستیر. الجامعة الهاشمیة. عمادة البحث العلمي والدراسات العلیا. درار، نزیهة. (۲۰۱۷م). «التشکیل البصري فی الشعر الجزائري المعاصر: نماذج مختارة». سیاقات اللغة والدراسات البینیة. ج 2. ع 3. ص 415 ـ 427. الرواشدة، سامح. (2001م). إشكالية التلقي والتأويل دراسة في الشعر العربي الحديث. عمان: أمانة عمان الكبرى. ـــــــــــــــــ. (1997م). «تقنيات التشكيل البصري في الشعر المعاصر». مجلة مؤتة للبحوث والدراسات. ج 12. ع 2. ص 501 ـ 542. زكي، أحمد. (2012م). الترقيم وعلاماته في اللغة العربية. القاهرة: هنداوي للتعليم والثقافة. الصفراني، محمد. (2008م). التشكيل البصري في الشعر العربي الحديث (1950 ـ 2004). الرياض: النادي الأدبي. عبد المطلب، محمد. (1997م). البلاغة العربية: قراءة أخری. بیروت: مکتبة لبنان. قباوة، فخر الدين. (2007م). علامات الترقيم في اللغة العربية. حلب: دار المتلقي. محلاتی، حیدر؛ ومهدی ناصری. (۲۰۱۶م). «دراسة مقارنة بین شعر "قاصدک" لمهدی اخوان ثالث، و"ساعي البرید" لبلند الحیدري». إضاءات نقدیة. ع ۲۱. ص ۱۳۷ ـ 156 الملحم، عايدة كنعان. (1998م). بلند الحيدري في الشعر العربي المعاصر. كويت: دار سعاد الصباح. ميرقادرى، فضلاللّٰه؛ ومرضيه فيروزپور. (1435ﻫ). «دراسة الأنيمة في شعر بلند الحيدري». مجلة اللغة العربية وآدابها. ع 2. ص 325 ـ 340. هاشمي، قشيش. (2018م). دلالات الفضاء في الخطاب الشعري المعاصر: الشعر الجزائري ما بعد الثمانينات أنموذجا. أطروحة الدكتوراه. جامعة أحد بن بلة. كلية الآداب والفنون. | ||||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 1,757 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 801 |