تعداد نشریات | 43 |
تعداد شمارهها | 1,639 |
تعداد مقالات | 13,339 |
تعداد مشاهده مقاله | 29,949,291 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 11,980,144 |
مدلول الفعل وزمانه عند النحويين واللغويين والأصوليين آراء مهدي المخزومي، وتمام حسان والشهيد الصدر نموذجا | ||
بحوث في اللغة العربية | ||
مقاله 11، دوره 14، شماره 26، تیر 2022، صفحه 139-152 اصل مقاله (1.22 M) | ||
نوع مقاله: المقالة البحثیة | ||
شناسه دیجیتال (DOI): 10.22108/rall.2020.106271.1065 | ||
نویسندگان | ||
سودابه مظفّري* 1؛ رضا خدامرادي2 | ||
1أستاذ مساعد في سسم اللغة العربية وآدابها بجامعة الخوارزمي، طهران، يران | ||
2طالب الدكتورا في سسم اللغة العربية وآدابها بجامعة الخوارزمي، طهران، يران | ||
چکیده | ||
لا شك أن الفعل ركن أساسي في بناء الجملة العربية اهتم به رواد علم الصرف والنحو؛ وفي العصر الحاضر، ظهرت موجة جديدة تنظر إلى الفعل بنظرة مختلفة، عما كانت عند القدامى. فرؤية المعاصرين بالفعل ومدلوله وزمانه وأقسامه تختلف عن أسلافهم اختلافا بارزا؛ على هذا، نرى الاضطراب في وضع مفهوم محدد للفعل وأقسامه عند المعاصرين من النحويين واللغويين والأصوليين؛ فلهذا، دراسة آراء هــؤلاء وتبيين وجوه الاختلاف بينهم تتطلب اهتمامــا بالغا؛ من هنا، نتوخى في هذا المقال بالاعتماد على المنهج الوصفي ـ التحليلي، تبيين المعايـير والمحددات التي يـعنون بها في دراستهم بناءا على هذا السؤال: كيف وعلى أية أسس ومعايير قسّم النحاة المعاصرون الفعل؟ ومن المتوقع الوصول إلى أنهم يعتقدون بوجوب إعادة النظر في ذلك بتحكيم لغة العصر ومناهجها؛ وذلك بدراسة آراء المخزومي ممثلا للنحويين وتمام حسان ممثلا للغويين والشهيد الصدر ممثلا للأصوليين؛ أما المخزومي فهو يرفض القول بتقسيم الفعل على أساس الزمان مستدلا بأن بعض الأفعال لا يقع تحت هذه الأقسام المزعومة، بينما يفرق تمام حسان بين الزمن الصرفي والزمن النحوي، والشهيد الصدر لا يعتبر الزمن مدلول الفعل، بل الفعل عنده مركب من المادة والهيئة. | ||
کلیدواژهها | ||
مدلول الفعل؛ زمان الفعل؛ المخزومي؛ تمام حسان؛ الشهيد الصدر | ||
اصل مقاله | ||
لقد بدأ النحاة جل مؤلفاتهم بتقسيم الكلمة على اسم وفعل وحرف، واتجهت هذه الأقسام نحو الاختلاف بينهم، كما جعلوا الفعل حدثا يرتبط بالزمن؛ ومضى النحاة يقسمون الأفعال على معنى الزمنية التي تفيده وتعددت آراؤهم. وكانت دلالة الفعل الزمنية مجالا للجدل بين النحاة، وتحدى بعض العلـماء المحدثيـن النحاة القدماء في تناولهم للفعل وقضاياه الزمنية، وكانت لهم آراء تخالفهم. فلهذا، ركز أكثر النحاة المحدثين على محاولات في سبيل إصلاح المنهج النحوي القديم الذي يتميز بالتعقيد والغموض، ومنها جهود مهدي المخزومي وتمام حسان اللذان دعوا إلى إصلاح المنهج النحوي من خلال اتباع المنهج الوصفي وتطبـيقه في دراسة النحو العربي؛ وإلى جانب هولاء، نظر الأصوليون في الفعل، من حيث الدلالات اللفظية؛ فرؤيتهم تختلف عن رؤية النحويين واللغويين؛ فلذا ندرس رأي الشهيد الصدر في الفعل وعلاقته بالزمان ممثلا للأصوليين، فنبحث عن جهود النحويين واللغويين والأصوليين المحدثين على أساس آراء ممثليهم، أي مهدي المخزومي، وتمام حسان والشهيد الصدر عن الفعل، معتمدين على مواقفهم من الفعل وأقسامه على ما احتوت كتبهم. يمكن حصر مشكلة الدراسة في السؤالين: ـ ما رؤية النحويين واللغويين والأصوليين للفعل وكيف يدرسونه؟ ـ ما الأسس التي يعتمدون عليها؟ تهدف الدراسة الحاضرة إلى تحديد أهم المعايير التي استخدمها النحويون واللغويون والأصوليون المحدثون في مدلول الفعل وتقسيماته وتبيين مدى الاختلاف بينهم وكيفية دراستهم. ونهجنا في هذا المجال المنهج الوصفي ـ التحليلي وفقا للخطوات التالية: استعراض أهم الدراسات التي تعرضت لهذا الموضوع، وتحليل تلك الدراسات واستخلاص أهم النتائج التي من المتوقع الوصول إليها. 1ـ1. خلفية البحث الدراسات حول الفعل كثيرة لمكانته في الجملة العربية، ومن أهم الكتب الشهيرة القديمة: الكتاب لسيبويه، والإيضاح في علل النحو للزجاجي، والإنصاف لابن الأنباري، والمفصل للزمخشري، وشذور الذهب لابن هشام؛ ومن الدراسات الحديثة ما يلي: دراسات في الفعل لعبد الهادي الفضلي (1982م)، والفعل: زمانه وأبنيته لإبراهيم السامرائي (1983م)، وأقسام الكلام العربي من حيث الشكل والوظيفة لمصطفى فاضل الساقي (1977م)، واللغة العربية: مبناها ومعناها لتمام حسان (1944م). ما يميز الدراسة الحاضرة هو تبيين وتحليل آراء هولاء الممثلين الثلاثة من النحاة المعاصرين والمقارنة بين آرائهم، وصولا إلى كيفية رؤيتهم وتحليلهم عن الفعل وتبيين مدى الاختلاف فيما بينهم.
اختلف النحاة في وضع مفهوم محدد للفعل وأقسامه منذ وضع قواعد اللغة العربية. لكن أقدم تعريف للفعل وصل إلينا هو تعريف سيبويه، حيث يقول: «وأما الفعل فأمثلة أخذت من لفظ أحداث الأسماء وبنيت لما مضى ولما يكون ولم يقع وما هو كائن ولم ينقطع» (1988م، ص 12). فالفعل باعتبار زمان الوقوع على ثلاثة أقسام عند سيبويه، وهي الماضي، والمضارع والحال. وبعده يقول الزجاجي: «الفعل ما دل على حدث وزمان ماض أو مستقبل، نحو: قام ويقوم، قعد ويقعد وما أشبه ذلك» (1959م، ص 52). فالزجاجي قسم الفعل باعتبار الزمان إلى قسمين: الماضي والمستقبل. وعرفه ابن هشام بأنه «ما دل على معنى في نفسه مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة» (عبد الحميد، 1384ﻫ، ص 24). فيرى ابن هشام الأقسام الثلاثة للفعل بحسب زمانه مثل سيبويه. ويقول ابن يعيش: لما كانت الأفعال مساوقة للزمان والزمان من مقومات الأفعال توجد عند وجوده وتنعدم عند عدمه انقسمت بأقسام الزمان، ولما كان الزمان ثلاثة: ماض وحاضر ومستقبل، وذلك من قبل أن الأزمنة حركات الفلك، فمنها حركة مضت، ومنها حركة لم تأت بعد، ومنها حركة تفصل بين الماضية والآتية، كانت الأفعال كذلك ماض ومستقبل وحاضر (د.ت، ج 2، ص 14). لقد وضع ابن يعيش للزمان ولتقسيم الفعل أساسا فلسفيا. فتقسيم الفعل إلى ثلاثة أقسام عنده باعتبار الأقسام الثلاثة للزمان. فما سبق نماذج من آراء النحاة المتقدمين في مدلول الفعل وزمانه؛ وأما الآن فندرس بعض ما قاله المتأخرون من النحاة في هذه القضية، وبعد الموازنة بين آراء النحويين القدامي والمعاصرين في الفعل، سنرى اختلافا بارزا بينهم، وسنتوصل إلى أن أهمية الفعل لدى المعاصرين تقوم على ما يؤديه من وظائف لغوية متعددة الجوانب.
3ـ1. رأي المخزومي[1]، ممثل النحويين المعاصرين الفعل أحد أقسام الكلام الرئيسة التي يتألف منها الكلام، وهو كذلك عند القدماء والمحدثين؛ ولكن القدماء يعنون بالفعل من جانب ضيق محدود (المخزومي، 1986م ب، ص100). يذهب المخزومي إلى أن النحاة المتقدمين لقد تأثروا بالعلل الفلسفية في تدوين المباحث النحوية؛ فلذا عزم إلى إصلاح النحو ويذهب إلى: «أن تقسيم النحاة الفعل على أساس حركات الفلك بتخصيص كل قسم منه بقسم من أقسام الزمان جعلهم يواجهون صعوبات كثيرة في تفسير استعمالات الفعل في غير ما خصوه به من زمان معين» (المصدر نفسه، ص114). كما يقول عن تأثير العامل في هذا التقسيم: «إذا أمعنت النظر فيما كتبوا وفيما تناولوا من موضوعات تتصل بالفعل رأيت أنهم إنما يتناولون الفعل بالقدر الذي يمس جانب التأثير المزعوم المقصور فيه، وهو جانب لا صلة له بالبحث النحوي، ولا يمس في كثير أو قليل منزلة الفعل في الجملة وما يؤديه من دلالات ووظائف» (المصدر نفسه، ص142). فإنه يرفض القول بتقسيم الفعل على أساس الزمان مستدلا بأن بعض الأفعال لا يقع تحت هذه الأقسام المزعومة، فلا بد للنحوي أن يلجأ إلى التقدير والتأويل الذي لا يعتقد به المخزومي نفسه، فيقول: فالنحاة إذن كانوا قد بنوا تقسيمهم الفعل واختلاف صيغه على أقسام الزمان وخصوا كل صيغة بزمان معين، فإذا حاولوا تطبيق صيغ الفعل على أقسام الزمان واجهتم أمثلة لا تقع تحت حصر تستعصي على التطبيق، فاضطروا إلى التأويل والاعتذار عن هذا الاستعمال أو ذاك بإجابات تنطوي إلى كثير من التمحل والتكلف والتوجيه البعيد عن طبيعة اللغة (المصدر نفسه، ص144). والنحو عنده عارضة لغوية تخضع لما تخضع له اللغة من عوامل الحياة والتطور؛ فالنحو متطور أبدا؛ لأن اللغة متطورة أبدا. (المخزومي، 1986م أ، ص22)؛ لهذا ينظر المخزومي إلى الفعل وأقسامه بنظرة مختلفة عما كان عند النحاة القدامى ويقسمه كما يلي: ـ الأول ما كان على وزن "فعل"، وهو ما يسمى بالفعل الماضي، وهو الذي يدل في أغلب استعمالاته على وقوع الحدث في الزمن الماضي، وقال عنه إن له دلالات زمنية مختلفة؛ ـ الثاني ما كان على وزن "يفعل"، وهو ما يسمى بالفعل المضارع، وهو الذي يدل في أغلب استعمالاته على وقوع الحدث في زمن المتكلم؛ ـ الثالث ما كان على وزن "فاعل" وقال عنه: إنه هو الذي يسميه البصريون "اسم الفاعل"، ويسميه الكوفيون "الفعل الدائم"، وقال: إنه فعل حقيقة في معناه وفي استعمالاته إلا إنه يدل في أكثر استعمالاته على استمرار وقوع الحدث ودوامه؛ ـ الرابع أبنية أخرى، وهي التي تدل على طلب إحداث الفعل وقصد بذلك فعل الأمر، وبين أن له بناءين: 1ـ بناء "أفعِل" وما على مثاله، نحو: "أَكرِم ضيفَك"؛ 2ـ بناء "فَعالِ"، نحو: "تَراك هذا"، أي اترُك هذا (المصدر نفسه، ص 21 ـ 25). وأوضح المخزومي أن هذا الفعل ببناءيه لا يدل على وقوع حدث في زمن من الأزمان؛ ولـكنه طلب محض يواجهه المخاطب لإحداث مضمونه فورا، وكلا البناءين مطرد صوغه إلا أن البناء الأول "أفعل" يصاغ من الثلاثي والرباعي ومن المجرد والمزيد، وأن البناء الثاني "فَعالِ" يصاغ من الثلاثي المجرد في أغلب استعمالاته، وضرب للبناءين بعض الأمثلة (المصدر نفسه)، ثم يقول: «أكبر الظن أن بناء "أفعل" ليس بفعل كما يُفهم من هذه الكلمة؛ لأن الفعل يتميز بشيئين: أولهما أنه مقترن بالدلالة على الزمن؛ وثانيهما: أنه يبنى على المسند إليه ويُحمل عليه؛ وبناء "أفعل" خلو من هاتين الميزتين، فلا دلالة على الزّمن بصيغته ولا إسناد فيه» (1986م ب، ص 120). يبدو أن المخزومي أخذ بالتقسيم الكوفي للفعل، حيث يرى الكوفيون «أن الفعل ينقسم ثلاثة أقسام: الماضي، والمضارع والدائم، وجعلوا فعل الأمر مقتطعا من المضارع وذكروا له بناءين "أفعل وفَعالِ"» (ابن الأنباري، 1961م، ص 524)، كما يشير المخزومي إلى رأي الكوفيين في تأييد رأيه المبني علی عدم جعل الأمر من أقسام الفعل، حيث يقول: «فعل الأمر عندهم إذن مقتطع من الفعل المضارع، وليس قسيما له أو للفعل الماضي، ولا قسما مستقلا من أقسام الفعل» (1986م ب،ص 116).
3ـ1ـ1. المناقشة بين النحاة والأصوليين في رأي المخزومي * في فعلية الأمر يؤيد السامرائي رأي الكوفيين والمخزومي، يقول: «إن الكوفيين كانوا على حق عندما أبعدوا الأمر أن يكون قسيما للماضي والمضارع؛ لأن فعل الأمر طلب، وهو حدث كسائر الأحداث، غير أن دلالته الزمنية غير واضحة؛ لأن الحدث فيه غير واقع إلا بعد زمان التكلم، وربما لم يترتب علی هذا الطلب وقوع حدث من الأحداث» (1983م، ص 21 ـ 22). ويذهب تمام حسان ممثلا للغويين إلی أن صيغة "أفعل" «تفيد وقوع الحدث في الحال أو الاستقبال» (1994م، ص 241). أما صيغة الأمر عند الأصوليين فتختلف عما يكون عند النحويين. والمقرر عند الأصوليين هو القول بأن هذه الصيغة لا تدل لغة على الوجوب، كما يقول الشهيد الصدر: «مع أننا نحس بالوجدان أن كلمة الوجوب وصيغة فعل الأمر ليستا مترادفتين، وإلا لجاز أن نستبدل إحداهما بالأخرى، ومادام هذا الاستبدال غير جائز، فنعرف أن صيغة فعل الأمر تدل على معنى يختلف عن المعنى الذي تدل عليه كلمة الوجوب» (1417ﻫ، ص 78). وناقش الصدر رأي المخزومي في إنكار فعلية بناء "أفعل" لا زمانه بقوله: إن دلالة الفعل على تلبس فاعله به لا يقصد منه الدلالة على وقوع ذلك خارجا، بل المقصود أن الفعل والحدث تارة يلحظ في نفسه فيكون اسما وأخرى تلحظ نسبته إلى شخص بنحو النسبة الناقصة أو التامة. ومن الواضح أن هذا محفوظ في فعل الأمر أيضا؛ لأنه يدل على أن المطلوب صدور الفعل من المأمور، فقد لوحظت نسبة الفعل ـ الحدث ـ إلى الفاعل؛ لكنه لم يلحظ ذلك في وعاء التحقق والإخبار، بل في وعاء الطلب والإرسال؛ وهذا الاختلاف لا يمثل فارقا فيما هو مدلول الفعل، بل في مدلول الجملة، وكون النسبة التامة فيها إخبارية أو إنشائية (المصدر نفسه، ص 343 ـ 346). ثم يواصل قوله: إن الملحوظ في صيغة "أفعل" لو كان هو نسبة طلب الفعل إلى الشخص المخاطب ابتداء بدون ملاحظة نسبة بين الفعل والفاعل، كان لما ذكر من كون عدم هذه الصيغة فعلا وجه؛ لأن الفعل متقوم بنسبة الحدث إلى الفاعل بنحو الصدور والحلول؛ ولكن الالتزام بتجريد فعل الأمر عن النسبة المباشرة بين الحدث والفاعل بلا موجب، بل الموجب على خلافه، وهو أن هذا التجريد يقتضي أن يكون المطلوب من المخاطب ذات الحدث، ولو بأن يصدر من غير المخاطب، فلو قال الشخص لابنه: "جئني بماء"، فالولد هنا مطلوب منه مجيء الماء ولم يلحظ مجيء الماء صادرا عنه مع أن الفهم اللغوي والعرفي لهذا الكلام لا يبرر أن يكتفي الابن بتوفير المجيء بالماء عن طريق أمره لغيره بأن يسقي أباه الماء، وليس ذلك إلا لأن النسبة بين الحدث والمخاطب بنحو الصدور مأخوذة، هذا يكفي في كون الصيغة "فعلا" لدلالتها على النسبة الصدورية تصورا، وإن لم تدل على وقوع الحدث من الذات فعلا؛ لأن الوعاء الملحوظ للنسبة ليس هو وعاء التحقق، بل وعاء الطلب، ولو كانت فعلية الفعل متقومة بدلالته على وقوع الحدث من الذات فعلا وكون النسبة بلحاظ وعاء التحقق لوجب الالتزام بعدم فعلية فعل الماضي والمضارع أيضا حينما يلحظان في غير وعاء التحقق، كما إذا قيل: "ليضرب زيد" أو "هل ضرب زيد" (المصدر نفسه، ص 345 ـ 346). ويقول الشيخ العاملي: «إن المتبادر من الأمر طلب إيجاد حقيقة الفعل، والمرة والتكرار خارجان عن حقيقته كالزمان والمكان ونحوهما» (د.ت، ص216). فعلى هذا، يجوز أن يكون الأمر فعلا إن تحقق خارجا أو لا يكون فعلا عند عدم تحققه الخارجي. أما ما قال الأصوليون فتمثلت حصيلته في ما ذكره صاحب كفاية الأصول بقوله: «قد اشتهر في ألسنة النحاة دلالة الفعل على الزمان حتى أخذوا الاقتران به في تعريفه، وهو اشتباه ضرورة عدم دلالة الأمر ولا النهي عليه، بل على إنشاء طلب الفعل والترك، غاية الأمر نفس الإنشاء بهما في الحال» (د.ت، ج 1، ص 61). ويرى الفضلي «أن الأمر ليس فعلا، كما يقول الأصوليون، وإنما هو أسلوب إنشائي شأنه في ذلك شأن الأساليب الإنشائية الأخرى من نهي واستفهام وشرط ونداء وغيره» (1982م، ص 54). في هذا الكلام، يظهر لون من التناقض أو شبه التناقض؛ لأن البحث عن الفعل بحث صرفي والأساليب المختلفة تقع ضمن الجملة ومن المباحث النحوية. وقد لخص القزويني انقسام الآراء في دلالة الأمر على الزمن بأربع حالات: ـ منها ما جزم به جماعة من الأصوليين تبعا لجمهور النحاة من دلالته على الحال؛ ـ ومنها ما يستفاد من غير واحد من أهل العربية من دلالته على الاستقبال؛ ـ ومنها ما يستشم من بعضهم من اشتراكه بين الحال والاستقبال تحليلا بكونه مأخوذا من المضارع الذي هو مشترك بين الحال والاستقبال؛ ـ ومنها ما صار إليه المحققون المتأخرون من الأصوليين من منع دلالته على زمان حالا واستقبالا (د.ت، ج 1، ص 97). حصيلة ما تقدم، أن صيغة الأمر بنفسها لا تدل على الزمان حاضرا أو مستقبلا إلا إذا تحققت فعلا؛ إذن تدل على الحال أو المستقبل حسب وصفها في تركيب الجملة وسياقها، أي نحويا أكثر مما تدل عليه كصيغة مستقلة بذاتها، أي صرفيا. * في فعلية اسم الفاعل كما سبق، ذهب المخزومي إلى أن اسم الفاعل قسم مستقل من أقسام الفعل؛ ولكن مصطفى فاضل الساقي يرفض رأي المخزومي بأنه يعدّ اسم الفاعل فعلا؛ لأنه يختلف اختلافا بارزا مما يحدد به الفعل من الميزات، فيقول: في اعتقادي أن هذه الصيغة تختلف عن الفعل شكلا ووظيفة، فالفعل معناه الحدث والزمان، وهذه الصيغة معناه الموصوف بالحدث والزمن في الفعل هو وظيفته الصرفية، وهو زمن صيغي، بينما الزمن في صيغة "الفاعل" زمن نحوي يستفاد من السياق وتحدده القرائن القولية والسياقية، هذا على مستوى الوظيفة؛ أما على مستوى الشكل، فإن هذه الصيغة لا تقبل علامة شكلية واحدة من علامات الفعل (1977م، ص 73). ويعتقد، بظنية قول الكوفيين والمخزومي، بفعلية اسم الفاعل لعدم قبول اسم الفاعل علامات الفعل، فيبرر كلامه قائلا: والذي يبدو لي أن تسمية الكوفيين هذه المادة بالفعل الدائم واتباع الدكتور المخزومي لهم في اعتبارها فعلا لم تكن ناتجة عن تعبير سليم في وضع الأسس الصحيحة لتقسيم الكلم على واقع لغوي وصفي دقيق يعتمد الظواهر الشكلية، وأهمها العلامات أساسا لتمييز الفعل عن غيره وبالعكس؛ فإن الكوفيين، وإن كانوا قد راقبوا استعمال هذه المادة في الكلام العربي، إلا أنهم اعتمدوا الدلالات الظنية فقط أساسا للقول بفعليتها، فقد رأوا أنها تدل على حدث ثم أنها تنصرف إلى زمن، وهذا يكفي ـ عندهم ـ للقول بفعليتها، وفاتهم أن الأسس الشكلية التي يقوم عليها تقسيم الكلم، وأهمها قبول علامات الفعل، لا تسمح بالقول بفعلية هذه المادة؛ أضف إلى ذلك أن هذه المادة تدل على موصوف بالحدث، ثم إن الزمن وظيفتها في السياق فلا تدل عليه دلالة صرفية كما هو الحال في دلالة الفعل علي الزمن، وإذا كان الأمر كذلك فإن تسمية الكوفيين لها "الفعل الدائم"؛ ومن بعدهم الأستاذ المخزومي أمر جانب الدقة في تعيين موقعها بين أقسام الكلم (المصدر نفسه، ص 133 ـ 134). فضلا عن هذا كله، فالذي يجدر الإشارة إليه في تقسيم المخزومي للفعل غفلته عن دلالة الفعل وخلوه من العامل، فاعتبر وزن "فاعل" من أقسام الفعل، وإن دل وزن "فاعل" على الاستمرار والدوام؛ ولكنه لا يخلو من عامل الفعل المستمر؛ وربما الألف فيه أفضل آية للدلالة على القائم بفعله؛ هذا من جانب ومن جانب آخر، فالجملة المبتدئة بوزن "فاعل" لا تعرف بالفعلية، كما نقول: "هل جالس محمد؟"، إن كان وزن "فاعل" من أقسام الفعل، فلا بد أن تعتبر الجملة الشاهدة وأمثالها من أنواع الجمل الفعلية. 3ـ2. رأي تمام حسّان[2]، ممثل اللغويين المعاصرين ومن اللغويين المحدثين الذين تختلف رؤيتهم للفعل هو تمام حسان. والتقسيم عنده مبني على اعتبارات صرفية بالأساس والغلبة فيها لسلطان المعنى لا غير؛ فإنه نهج المنهج الوصفي في التقسيم ويقول: «قررنا أن المعيارية في موقف المتكلم مقبولة لا غبار عليها، ولكنها في موقف الباحث موضع اعتراض كبير؛ لأن الأساس في الدراسات اللغوية هو المنهج الوصفي» (1980م، ص 22). ويؤكد قوله مشيرا إلى الغاية الأولى من وضع القواعد العربية قائلا: إن الغاية التي نشأ النحو العربي من أجلها، وهي ضبط اللغة وإيجاد الأداة التي تعصم اللاحنين من الخطاء فرضت على هذا النحو أن يتسم في جملته بسمة النحو التعليمي لا النحو العلمي، أو بعبارة أخرى أن يكون في عمومه نحوا معياريا لا نحوا وصفيا (1994م، ص 13). يعتقد حسان بالأقسام الثلاثة للفعل؛ ولكن يقدم طرحا جديدا لهذا التقسيم ضمن النظام الصرفي، ملخصه فيما يلي: أ ـ من حيث الصورة الإعرابية: يختص الفعل بقبول الجزم، وهو المضارع من بين الأفعال، فلا يشاركه فيه قسم آخر من أقسام الكلام، وإذا كان الماضي لا يجزم لفظا، فإنه يجزم محلا حين يكون شرطا ولا جزم لفعل الأمر من أي نوع؛ ب ـ من حيث الصيغة الخاصة: هناك صيغ محفوظة قياسية مبوبة إلى ستة أبواب للفعل الثلاثي، وهناك صيغ أخرى محفوظة قياسية للأفعال، مما زاد على الثلاثة، ثم هناك صيغ من كل ذلك لما بني للمعلوم وصيغ أخرى لما بني للمجهول؛ ج ـ من حيث الجدول: الأفعال تقبل الدخول في جميع أنواع الجداول، أي الجدول الإلصاقي، والجدول التصريفي والجدول الإسنادي؛ د ـ من حيث الإلصاق وعدمه: تمتاز الأفعال من هذه الناحية بقبول طائفة من اللواصق التي لا تلصق بغيرها، ومنها الضمائر المتصلة في حالة الرفع والسين ولام الأمر وحروف المضارعة؛ هـ ـ من حيث التضام: وتختص الأفعال بقبول التضام مع "قد، وسوف، ولم ولن"؛ و ـ من حيث الدلالة على الحدث: تدل الأفعال على الحدث دلالة تضمنية؛ لأن الأحداث جزء معناها، فهي تدل إلى جانبه على الزمن؛ ز ـ من حيث الدلالة على الزمن: يختلف الفعل عن الصفة التي لا تتصل بمعنى الزمن الا من خلال علاقات السياق؛ ح ـ من حيث التعليق: يبدو الفعل في السياق في صورة المسند ولا يكون مسندا إليه أبدا، فهو بذلك عكس الاسم تماما (المصدر نفسه، ص 106 ـ 107)[3]. نلاحظ أن تمام حسان يفرق بين الزمن الصرفي والزمن النحوي، يقول: وإذا كان النحو هو نظام العلاقات في السياق، فمجال النظر في الزمن النحوي هو السياق، وليس الصيغة المنعزلة، وحيث يكون الصرف هو نظام المباني والصيغ يكون الزمن الصرفي قاصرا على معنى الصيغة يبدأ بها وينتهي بها، ولا يكون لها عندما تدخل في علامات السياق، فلا مفر إذن من النظر إلى الزمن في السياق نظرة تختلف عما يكون للزمن في الصيغة؛ لأن معنى الزمن النحوي يختلف عن معنى الزمن الصرفي، من حيث إن الزمن الصرفي وظيفة الصيغة، وإن الزمن النحوي وظيفة السياق تحددها الضمائم والقرائن (المصدر نفسه، ص 242). ثم يشير إلى تقدم وظيفة الكلمة على موقعها بين أقسام الكلمات، ويرى أن السياق يعتبر المكان الطبيعي لبيان المعاني الوظيفية للكلمات، فوضوح مكان الكلمات في الجملة له علاقة بوضوح وظيفتها فيها (حسان، 1955م، ص 199 - 200)، ويفرق بين الزمن الصرفي والزمن النحوي، فيرى أن زمان الفعل على المستوى النحوي يتوقف على السياق واعتبار الزمن جزءا من الفعل مختص بالمستوى الصرفي، يقول: أما معنى الزمن فإنه يأتي على المستوى الصرفي من شكل الصيغة وعلى المستوى النحوي من مجري السياق؛ ومعنى إتيان الزمن على المستوي الصرفي من شكل الصيغة أن الزمن هنا وظيفة الصيغة المفردة، ومعنى أن الزمن يأتي على المستوى النحوي من مجرى السياق أن الزمن في النحو وظيفة السياق وليس وظيفة صيغة الفعل؛ لأن الفعل الذي على صيغة "فعل" قد يدل في السياق على المستقبل، والذي على صيغة المضارع قد يدل فيه على الماضي. فقول النحاة: "والزمن جزء منه"، قول مقبول على المستوى الصرفي فقط (1994م، ص104). و قول تمام حسان هذا يتجلى في النماذج المختلفة لاستعمال الفعل ضمن الجملة ودلالته الزمنية المختلفة باعتبار القرائن والقيود المختلفة في الجملة، ألا ترى أن الفعل الماضي الذي يدل على ما مضى وانقطع، إذا وقع بعد "إن" الشرطية، تدل على المضارع المشترك زمانه بين الحال والاستقبال، والفعل المضارع الذي تتراوح دلالته الزمنية بين الحال والاستقبال، يدل علی الماضي عند التحاق "لم" و"لمّا" به؟ وقس على هذا. ثم يقسم حسان الفعل باعتبار الزمان من النظرة الصرفية إلى ثلاثة أقسام قائلا إن: «الفعل من حيث المبنى الصرفي ماض ومضارع وأمر، وهذه الأقسام الثلاثة تختلف من حيث المبنى، وهي فوق ذلك تختلف من حيث المبنى الصرفي الزمني» (المصدر نفسه). وعلى هذا، يذهب إلى أن الزمن لا بد أن يعتبر جزءا من الفعل في النظام الصرفي؛ وأما حول الزمن النحوي فهو يقول: «فإنه جزء من الظواهر الموقعية السياقية؛ لأن دلالة الفعل على زمن ما تتوقف على موقعه وعلى قرينته في السياق» (المصدر نفسه، ص 105). وهكذا نسب حسان القصور إلى لنحاة في تعاملهم في زمنية الفعل في المجال التركيبي النحوي داخل السياق؛ إذ يقول: «إن النحاة لم يحسنوا النظر في تقسيمات الزمن في السياق؛ إذ كان عليهم أن يدركوا طبيعة الفرق بين مفردات النظام ومطالب السياق، ثم أن ينسبوا الزمن النحوي إلى مطالب السياق» (المصدر نفسه، ص243)؛ وقد حاول حسان ربط دلالة الفعل داخل السياق بنوع الجملة (المصدر نفسه، ص 347 ـ 348). 3ـ2ـ1. المناقشة بين النحويين والأصوليين في رأي حسان يؤيد فاضل مصطفى الساقي رأي حسان في اعتبار الزمن جزءا من النظام الصرفي ويصف الفعل بأنه «كلمة تدل على حدث وزمن، والدلالة على الحدث والزمن هو المعنى الصرفي للفعل، وهي وظيفته الصرفية المركبة، بمعنى أن كلا من الزمن والحدث جزء من معنى صيغة الفعل» (1977م، ص 229). واتجه فريق من المحدثين إلى رفض دلالة الصيغة بذاتها على الزمن، منهم إبراهيم أنيس الذي يقول إنه: «أمر لا تبرره استعمالات اللغة ولا تؤيده» (1978م، ص280). لقد رفض إبراهيم أنيس اختصاص كل زمن بصيغة فعلية معينة وقال ناقدا للنحاة: «ولما رأى النحاة العرب ثلاث صيغ للفعل اختصوا كلا منها بزمن من تلك الأزمنة» (1978م، ص170). وهذه الأزمنة ـ في رأيه ـ مرتبطة بالزمن الفلسفي، لا الزمن اللغوي، يقول: إن النحاة حين رأوا الخلل يتسرب إلى تقسيمهم من نواح عدة بدأوا كعادتهم يحملون الكلام العربي ما ليس منه، فإذا استعمل الماضي مكان المضارع قالوا: لحكمة أرادها المتكلم أو الكاتب، وإذا استعمل المضارع مكان الماضي التمسوا في هذا حكمة بلاغية هللوا لها وكبّروا، وما كان أغناهم عن كل هذا التعسف لو أنهم نظروا لصيغ الفعل وأساليبهم بعيدة عن الفكرية الزمنية (المصدر نفسه، ص 171). ينتقد حلمي خليل رأي النحاة بقوله: «نجد أن تعريفهم للزمن في اللغة لم يخرج عن حد الزمان الفلسفي» (د.ت، ص424)، والمخزومي على: «أن الزمان في الأفعال ملحوظ ودلالتها على الزمان من مقوماتها؛ ولكن الزمان فيها زمان نحوي وظيفته التفريق بين أبنية الأفعال، لا الدلالة على حركات الفلك من مضي وحضور واستقبال» (1986م ب، ص 114). وفاضل مصطفى الساقي يرى عكس هذا قائلا: «إن الزمن في الفعل وظيفة صرفية وهو زمن صرفي، بمعنى أنه وظيفة صيغة الفعل، وهي مفردة خارج السياق، والزمن الصرفي في الفعل ناتج من كونه يدل على حدث والزمن» (1977م، ص235). أما الأصوليون فيردون زمان الصيغة ويعتبرون الزمن من مقومات النحو، فقد تدل صيغة الماضي على المستقبل، وقد يكون عكسه صادقا في سياق الجملة، كما يقول مصطفى جمال الدين: «أما الأصوليون فقد أنكروا زمان الصيغة؛ لأنها عندهم "دالة النسبة" واعتبروا الزمان مدلولا نحويا لا صرفيا، أي إنه مدلول سياق الجملة وقرائنها، لا صيغة "فعل ـ يفعل" بدليل أن "فعل" قد تدل في السياق على زمن مستقبل و"يفعل" على زمن ماض» (1405ﻫ، ص307)، ثم يفرق بين رأي المتقدمين من الأصوليين والمتأخرين منهم في دلالة الفعل على الحدث والزمن قائلا: أما الأصوليون فقُدَ ماؤهم مع النحويين في قصر دلالة الفعل على الحدث والزمن؛ ولكن متأخريهم لهم في ذلك رأي آخر، فالحدث الذي يتضمنه الفعل "معنى غير مستقل في نفسه"، كما يفهمه النحاة، والزمن ليس مدلولا للفعل لا بمادته ولا بصيغته، وإذا دل عليه أحيانا، فبإطلاقه في مقام دون مقام لا بوضعه اللغوي، أي إن الزمن مدلول تتعاون عليه قرائن الجملة لا صيغة "فعل، يفعل" (المصدر نفسه، ص 145). و هذا ـ كما مر سابقا ـ مثل دخول "إن" من أداة الشرط على الماضي ودلالته على المضارع ودلالة المضارع على الماضي بعد دخول حرفي الجزم، أي "لم ولمّا" عليه. فإن رؤية الأصوليين المحدثين في تحديد أقسام الكلمة ومنها الفعل تختلف، وذلك لتوسع نظرتهم إلى دلالة الكلمات على معانيها، من حيث الوضع والموضوع له، «والبحث النحوي عند الأصوليين هو البحث عن دوال النسب والارتباطات ومدلولاتها؛ ولذلك يصح لنا أن نسميه نحو الدلالة في مقابل ما انتهى إليه النحاة من نحو الإعراب» (المصدر نفسه، ص 12 ـ 13). ويعتقد جمال الدين أن ما بحث عنه الأصوليون هو الأقرب إلى البحث اللغوي في نظام التأليف؛ «لأن النحاة لم يبحثوا فيما بين أيدينا من نحوهم في الجمله وطرق تأليفها أصلا، والذي بحثوا فيها هو محلها الإعرابي فقط؛ فلم تكن بهم حاجة إذن الى البحث في "دوال النسب والتأليف" ـ الصيغة والأداة والتركيب ـ ولذلك نقلوها من وظيفة أحداث المعنى النسبي الرابط إلى وظيفة احداث الأثر الإعرابي في أواخر الكلم، وهي وظيفة أجنبية عن طبيعة النحو باعتباره نظام تأليف لا تأثير» (المصدر نفسه، ص13). فقد اتجه الأصوليون في تعريفهم للفعل وجهة انتساب الحدث لا اقترانه بالزمن، فعرّفوه بأنه «ما أنبأ عن حركة المسمى» (المصدر نفسه، ص 145). هذا وجهة نظر الأصوليين للفعل بعدم لزوم تقيده بالزمن. ومن هنا، يظهر الاختلاف فيما بين الأصوليين والنحويين الذين اعتبروا الزمن من ملزومات الفعل. يقول جمال الدين: «فالفعل عندهم كلمة تنبئ عن حركة صادرة عن المسمى، وهذا الإنباء ناشئ عن صيغة الفعل لا من مادته، ففعلية الفعل إذن وليدة صيغة "فعل ـ يفعل" المنبئة عن حركة المسمى» (المصدر نفسه، ص 145 ـ 146). 3ـ3. رأي الشهيد الصدر[4]، ممثل الأصوليين المعاصرين يرى الأصوليون أن الزمان ليس جزءا من مدلول الفعل، وأن الحدث الذي هو جزء مدلول الفعل، ليس بمعنى مستقل في نفسه كما يقول النحاة، فالحدث المصوغ بصيغة "القيام" هو المستقل نفسه؛ أما الحدث المصوغ بصيغة "قام" فليس حدثا مستقلا، بحيث يكون معناه القيام (المصدر نفسه، ص171). ويقول مصطفى جمال الدين في تبيين رؤية الأصوليين عن الفعل: إنهم لا يقرون دلالة الفعل على الزمان لا بمادته ولا بهيئته؛ لذلك لم يجعلوا الاقتران الزماني مائزا بين الاسم والفعل؛ إنهم حين حللوا أوضاع المفردات اللغوية من حيث دلالتها على معانيها وجدوها مصنفة في فئتين: أ. فئة المعاني الاسمية، أي التي يمكن إدراكها بصورة مستقلة عن الجملة، وأدخلوا في هذه الفئة الأسماء ومواد الأفعال، أي أصول اشتقاقها؛ ب. وفئة المعاني الحرفية هي التي لا يمكن إدراكها بصورة مستقلة عن الجملة، وإنما هي روابط لا يتم تأليف الجملة بدونها، وفي هذه الفئة أدخلوا حروف المعاني وهيئات الأفعال وهيئات الجمل وعلامات الإعراب وبعض الضمائر واللواحق التي تؤدي معنى غيرمستقل عما تتعلق به (المصدر نفسه، ص67). على هذا، رؤية الشهيد الصدر، وهو ممثل للأصوليين المعاصرين، بالفعل مختلفة اختلافا كاملا عما كان عليه النحويون واللغويون، فهو لا يعتبر الزمن مدلول الفعل، بل الفعل عنده مركب من المادة والهيئة مبررا بقوله: أما الفعل فهو مكون من مادة وهيئة، ونريد بالمادة الأصل الذي اشتق منه الفعل ونريد بالهيئة الصيغة الخاصة التي صيغت بها المادة؛ أما المادة في الفعل، فهي لا تختلف عن أي اسم من الأسماء، فكلمة "تشتعل" مادتها الاشتعال، وهذا له مدلول فعلي؛ ولكن الفعل لا يساوي مدلول مادته، بل يزيد عليها بدليل عدم جواز وضع كلمة الاشتعال موضع كلمة "تشتعل"؛ وهذا يكشف عن أن الفعل يزيده بمدلوله على مدلول المادة، وهذه الزيادة تنشأ من الهيئة؛ وبذلك نعرف أن هيئة الفعل موضوعة لمعنى، وهذا المعنى ليس معنى اسميا استقلاليا، بدليل أنه لو كان كذلك لأمكن التعويض عن الفعل بالإسم الدال على ذلك المعنى والاسم الدال على مدلول مادته، مع أنا نلاحظ أن الفعل لا يمكن التعويض عنه في سياق الكلام بمجموع اسمين، وبذلك يثبت أن مدلول الهيئة معنى نسبي ربطي؛ ولهذا استحال التعويض المذكور، وهذا الربط الذي تدل عليه هيئة الفعل ربط قائم بين مدلول المادة ومدلول آخر في الكلام كالفاعل في قولنا: "تشتعل النار"، فإن هيئة الفعل مفادها الربط بين الاشتعال والنار؛ ونستخلص من ذلك أن الفعل مركب من اسم وحرف، فمادته اسم وهيئته حرف؛ ومن هنا، صح القول بأن اللغة تنقسم إلى قسمين: الأسماء والحروف» (1417ﻫ، ج 1، ص 69). أما القول بتركيب الفعل من الاسم والحرف، فيؤدي إلى تعقيد أقسام الكلمة أكثر من قبل؛ ووفق قول الشهيد صدر بأن الفعل لا يساوي مدلول مادته، بل يزيد عليها، فربما ما يجعل مدلول الفعل زائدا على المادة هو دلالته على الزمن. فعلى رؤية الأصوليين المحدثين وخاصة الشهيد الصدر، إذا كان الفعل مركبا من الاسم في مادته والحرف في صيغته لا يعتبر قسما ثالثا من أقسام الكلمة. وهذا الاختلاف يرجع إلى توسع نظرتهم إلى دلالة الكلمات على معانيها، من حيث الوضع والموضوع له. يقول الشهيد الصدر: «إن اللغة يمكن تصنيفها من وجهة نظر تحليلية إلى فئتين: إحداهما فئة المعاني الاسمية وتدخل في هذه الفئة الأسماء ومواد الأفعال، والأخرى فئة المعاني الحرفية ـ أي الروابط ـ وتدخل فيها الحروف وهيئات الأفعال وهيئات الجمل» (المصدر نفسه، ص70). ومقتضى هذا التصنيف أن يكون التقسيم عندهم ثنائيا، أي اسم وحرف، إلا أن طبيعة الفعل وأساس تكوينه من مادة تلحقه بالأسماء وهيئة تلحقه بالحروف. وإذا تم قبول هذا التقسيم وهذا التحديد للفعل، فيترتب على تخطئة قول العلماء في تحديد الحرف بأنه متشكل من حرف أو حرفين أساسا، ورفض قولهم في عدم استقلال الحرف وتعلقه. إن الفعل باعتبار ما يتضمنه من حدث منسوب إلى فاعل لا بد له من زمان يحدث فيه؛ وهذا ما اتفق عليها النحاة والأصوليون؛ ولكن النحويين ربطوا هذا الزمان بالمسألة الصرفية، أي بدلالة الصيغة في أصل وضعه اللغوي على الزمن. فصيغة "فعل" تدل على الزمن الماضي، وصيغة "يفعل" تدل على الحاضر والمستقبل، وصيغة "أفعل" تدل على الحاضر عند بعضهم وعلى المستقبل عند بعضهم الآخر؛ فلذا يقول الآخوند في كفايته: «قد اشتهر في ألسنة النحاة دلالة الفعل على الزمان حتى أخذوا الاقتران به في تعريفه، وهو اشتباه» (الرشتي، د.ت، ج 1، ص 59). وأما الأصوليون فقد ربطوا هذا الزمان بالمسألة النحوية لا بالمدلول الصرفي للصيغة، أي إنهم ربطوه بطريقة تأليف الجملة وسياقها ودلالتها حسب مواقع الخبر والإنشاء بحسب القرائن المقيدة لإطلاق الفعل (المصدر نفسه، ص 168). فالخلاف إذن بين النحويين والأصوليين ليس في إنكار المدلول الزمني للجملة الفعلية، وإنما هو في تحديد الدال عليه، فالدال عليه عند النحويين هو الصيغة؛ لذلك اعتبروا دلالة الفعل على الزمن دلالة تضمنية، والدال عند الأصوليين هو سياق الجملة وقرائنها.
الخاتمة نلخص النتائج فيما يلي: ـ المنهج القديم الذي قام عليه النحو العربي، ينبغي أن يعاد فيه النظر بإصلاح مناهجه، وذلك من خلال المنهج الوصفي في دراسة اللغة العربية. ـ كان التأثير والتأثر مبرهنا بين النحويين واللغويين والأصوليين. ـ رأينا نقاط الالتقاء والاختلاف بين النحويين واللغويين والأصوليين، وأن كل هولاء يدرسون النحو على أساس معاييرهم الخاصة. ـ وجوب استعياب الفروق بين منهج النحاة المتقدمين والمتأخرين واللغويين والأصوليين. ـ هناك فرق بين دلالة الفعل ببنيته الصرفية وبين دلالته الزمنية الدقيقة التي تحدد داخل السياق. ـ ظهر لنا أن هناك فرقا بين الزمن النحوي السياقي والزمن الصرفي . ـ يجب الاهتمام بالسياق عند تحديد دلالة الفعل الزمنية. ـ وجود الاختلاف في تقسيم الفعل من حيث البحث النحوي الوظيفي، والصرفي، والدلالي والأصولي. ـ عند دقة النظر في الآراء المختلفة بين النحويين واللغويين والأصوليين، يظهر قول اللغويين أوجه وأعدل؛ لأنهم يعتقدون بالدلالة الزمنية في الفعل ضمن السياق والقرائن، فهو الزمن النحوي، فلا يجردون الفعل من الزمن ولا يخرجونه من أقسام الكلمة ويتبعون طريق الاعتدال.
[1]. هو مهدي بن الشيخ محمد صالح آل زاير دهام الشهير بالمخزومي، ولد في النجف الأشرف من أسرة عربية عريقة عام 1910م. فتوفي والده، وهو صغير لم يتجاوز عمره السنتين، وفقد أمه قبل أن يتم الخامسة، فتولت أخته رعايته وعاش في كنف أخيه الكبير؛ دخل المدرسة الأهلية ودرس النحو والبلاغة ومعالم الأصول. کان الأدب هاجسه، فانتسب إلى جمعية الرابطة الأدبية في النجف الأشرف، ثم التحق بالبعثة الأدبية إلى مصر عام 1938م، وأتم دراسته الجامعية في جامعة فؤاد الأول وعيّن مدرسا في کلية الآداب والعلوم في بغداد وجامعة الرياض يلقي المحاضرات في مادة النحو العربي. توفي في رمضان 1414ﻫ/1993م، وهو في حلقة من طلبته على أثر مرض القلب الذي ألم به منذ سنوات بعيدة. من أهم آثاره: في النحو العربي: نقد وتوجيه، وفي النحو العربي: قواعد وتطبيق، والدرس النحوي في بغداد (سواد، 16/6/2008).
[2]. تمام حسان عمر عالم نحوي عربي ولد بقرية الكرنك بمحافظة قنا بصعيد مصر عام 1918م. أتم حفظ القرآن الكريم والتحق بمعهد القاهرة الأزهري ثم بكلية دارالعلوم، ثم حصل على بعثة علمية إلى جامعة لندن لينال درجة الماجستير. وبعد عودته، عين مدرسا بكلية دارالعلوم. أسس الجمعية اللغوية المصرية عام 1972م، كما أسس قسم الدراسات اللغويّة والتربوية بجامعات مختلفة داخل البلاد وخارجها. وأهم مؤلفاته: مناهج البحث في اللغة، واللغة العربية: بين المعيارية والوصفية، واللغة العربية: معناها ومبناها والخلاصة النحوية (تمام حسان، د.ت). [4]. آية اللّٰه العظمى الشهيد السيد محمد باقر الصدر ولد في مدينة الكاظمية المقدسة سنة 1353ﻫ، وكان والده العلامة المرحوم السيد حيدر الصدر حامل لواء التحقيق والتدقيق والفقه والأصول؛ أما والدته فهي الصالحة التقية بنت المرحوم آية اللّٰه الشيخ عبد الحسين آل ياسين من أعاظم علماء الشيعة. تعلم محمد باقر القراءة والكتابة في مدينة الكاظمية، وهو صغير السن ودرس أكثر السطوح العالية دون أستاذ. في بداية الثانية عشرة من عمره، بدأ بدراسة كتاب معالم الأصول عند أخيه السيد إسماعيل، وكان يعترض على صاحب المعالم. أنهى دراسته الفقهية والأصولية عند آية اللّٰه السيد خويي. بعد أن مضى عشرة أشهر في الإقامة الإجبارية، تم اعتقاله سنة 1400ﻫ/ 1980م. وبعد ثلاثة أيام من الاعتقال الأخير، استشهد السيد الصدر مع أخته بنت الهدی. ومن أهم مؤلفاته: دروس في علم الأصول، ونشأة التشيع والشيعة، وفلسفتنا، اقتصادنا، والمعالم الجديدة للأصول (السيرة الذاتية للإمام الشهيد السيد محمد باقر الصدر، د.ت). | ||
مراجع | ||
ابن الأنباري، كمال الدين. (1961م). الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين. تحقيق وتأليف محمد محي الدين عبد الحميد. ط 4. القاهرة: مطبعة السعادة.
ابن يعيش، موفق الدين أبو البقاء. (د.ت). شرح المفصل. بيروت: عالم الكتب.
أنيس، إبراهيم. (1978م). من أسرار اللغة. ط 6. القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية.
جمال الدين، مصطفى. (1405ﻫ). البحث النحوي عند الأصوليين. ط 2. قم: دار الهجرة.
حسان، تمام. (1980م). اللغة بين المعيارية والوصفية. المغرب: دارالثقافة.
ـــــــــــــ . (1994م). اللغة العربية: مبناها ومعناها. المغرب: دارالثقافة.
ـــــــــــــ . (1955م). مناهج البحث في اللغة. القاهرة: مكتبة الأنجلو.
الخراساني، محمد كاظم. (د.ت). كفاية الأصول. قم: د.ن.
خليل، حلمي. (د.ت). المولد في العربية. بيروت: دار النهضة.
الرشتي، عبد الحسين. (د.ت). شرح الكفاية. النجف: الحيدرية.
الزجاجي، أبو القاسم. (1959م). الإيضاح في علل النحو. تحقيق مازن المبارك. د.م: مطبعة المدني.
الساقي، مصطفى فاضل. (1977م). أقسام الكلام العربي من حيث الشكل والوظيفة. القاهرة: مكتبة الخانجي.
السامرائي، إبراهيم. (1983م). الفعل: زمانه وأبنيته. ط 3. بيروت: مؤسسة الرسالة.
سيبويه، أبو بشر عمرو بن عثمان. (1988م). الكتاب. تحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون. ط 3. بيروت: دار الكتب العلمية.
الصدر، محمد باقر. (1417ﻫ). دروس في علم الأصول. قم: دار العلم.
العاملي، زين الدين. (د.ت). معالم الدين. النجف: الآداب.
عبد الحميد، محمد محي الدين. (1384ﻫ). شرح شذور الذهب لابن هشام. طهران: دار الكوخ.
الفضلي، عبد الهادي. (1982م). دراسات في الفعل. بيروت: دار القلم.
القزويني، علي. (د.ت). حاشية على القوانين. قم: د.ن.
المخزومي، مهدي. (1986م أ). في النحوالعربي: قواعد وتطبيق. ط 2. بيروت: دار الرائد العربي.
ــــــــــــــــــــ . (1986م ب). في النحوالعربي: نقد وتوجيه. ط 2. بيروت: دار الرائد العربي.
الهاشمي، محمود. (1966م). تقريرات بحث السيد الصدر: مباحث الدليل اللفظي. قم: مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي.
ب . المواقع الإلكترونية
سواد، الرياض. (16/6/2008). مهدي المخزومي.
تمام حسان. (د.ت).
https://www.shamela.ws السيرة الذاتية للإمام الشهيد السيد محمد باقر الصدر. (د.ت). | ||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 2,682 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 561 |