تعداد نشریات | 43 |
تعداد شمارهها | 1,674 |
تعداد مقالات | 13,665 |
تعداد مشاهده مقاله | 31,656,080 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 12,503,444 |
المنجز الإبداعي العراقي المعاصر مرجعية قرائية أم مرجعية مجتمعية ( بحث تطبيقي) | ||||||||||||||
بحوث في اللغة العربية | ||||||||||||||
مقاله 4، دوره 14، شماره 27، دی 2022، صفحه 31-40 اصل مقاله (917.72 K) | ||||||||||||||
نوع مقاله: المقالة البحثیة | ||||||||||||||
شناسه دیجیتال (DOI): 10.22108/rall.2021.124923.1316 | ||||||||||||||
نویسنده | ||||||||||||||
منى التميمي* | ||||||||||||||
ستاذة مساعدة في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة الكوفة، الكوفة، العراق | ||||||||||||||
چکیده | ||||||||||||||
إن خصوصية المنجز األدبي وتمظهراته تفرض سؤاال معرفيا حول أيهما أكثر تأثيرا في صياغة نسق إبداعي محدد، هل هو الحقل البيئي ـ المجتمعي أم قراءات الإديب، بغض النظر عن اتساقها أو عدم اتساقها مع البيئة المجتمعية؟ وأيهما األقدر على رسم المحددات المباشرة وغير المباشرة في حقل اإلنتاج األدبي؟ وأيهما تمثل معرفة متعالية ومعرفة محايثة للنص اإلبداعي؟وعلى هدي الرؤية السابقة، سيتبنى البحث تحديد األطر المنهجية وآليات التطبيق في قراءة طبيعة تكون المنجز اإلبداعي، وعلى وفق المفردات اآلتية: اعتماد المقاربة البحثية المرتكزة على المرجعيات الفكرية والثقافية، وتحديد أثرها في تبيئة المفاهيم المنهجية، واألسئلة الواردة في البحث تحدد نمطا إجرائيا يكون مقدمة لسلسلة من العمليات الالحقة التي تستلزم إجراء استبانه للمبدعين، بوصفهم عينة الدراسة، لتوضيح وتحليل طبيعة الظاهرة التي يتبنى البحث قراءتها؛ ومن المجموع اإلجرائي المتقدم تتحدد استنتاجات البحث، بوصفه نوعا متخصصا من اإلجراء. | ||||||||||||||
کلیدواژهها | ||||||||||||||
: المنجز اإلبداعي؛ مرجعية قرائية؛ مرجعية مجتمعية؛ الحقل البيئي ـ المجتمعي | ||||||||||||||
اصل مقاله | ||||||||||||||
تحددت رؤية البحث في اختيار المدخل الفكري والثقافي وتوظيفها في قراءة تجربة الإبداع الأدبي؛ لأن المرجعيات الفكرية والمعرفية تؤثر في اعتبارات الفهم الإبداعي لأنماط التعبير التي ظلت محكومة برؤى مسبقة شكلت المرجع المعرفي لها، ومن أهمها الكيفية التي أسس فيها المبدع وعيه والمرجعيات التي وظفها وانتهل منها لتكوين رؤيته المتخصصة والمتحولة؛ في الوقت نفسه بحسبان أن ظاهرة الإبداع الأدبي ظاهرة متحولة لا تعتمد الثبات لانصياعها لقوانين التحول الكوني لكل الظواهر الكونية مع الأخذ بالحسبان الفعالية المتفاوتة لتأثير البنيات الزمكانية عليها. فالنظام الحضاري الذي بنيت عليه البيئة العربية، يستمد سطوته من فضاءات وانساق دينية، ومعرفية وثقافية تمتد بجذور متماسكة في النشاط الحضاري والإنساني، وتتميز بإنجازات مؤثرة وفاعلة أفضت إلى انبثاق مدارس فتحت آفاق القراءة والبحث، والدراسة، والإبداع، وصاغت لها آليات ومحددات ومبادئ إجرائية متخصصة بها. ولكل مظهر منها خطوطه الفارقة التي يعرف بها، إلا أن هذا التمايز لم يمنع من أن تنداح في مديات التشكل الحضاري علائق الاتصال البنيوي بين المجالات المعرفية المتعددة، ليثمر هذا التواشج العلائقي مظاهر متخصصة عرف بها المنجز الإبداعي العربي الذي يعد مصداقا لأثر البيئة في الظاهرة الإبداعية وتشكلها مشروطة بظروفها ومؤطرة بحدودها الزمنية. تفرض خصوصية المنجز الأدبي وتمظهراته سؤالا معرفيا حول أيهما أكثر تأثيرا في صياغة نسق إبداعي محدد، هل هو الحقل البيئي ـ المجتمعي أم قراءات الأديب، بغض النظر عن اتساقها أو عدم اتساقها مع البيئة المجتمعية؟ وأيهما الأقدر على رسم المحددات المباشرة وغير المباشرة في حقل الإنتاج الأدبي؟ وأيهما تمثل معرفة متعالية ومعرفة محايثة للنص الإبداعي؟ على هدي الرؤية السابقة، سيتبنى البحث تحديد الأطر المنهجية وآليات التطبيق في قراءة طبيعة تكون المنجز الإبداعي وعلى وفق المفردات الآتية: ـ الرؤية التنظيرية المحددة لطبيعة المقاربة البحثية والمرتكزة على المرجعيات الفكرية والثقافية وأثرها في تبيئة المفاهيم المنهجية. ـ الأسئلة الواردة في البحث تحدد نمطا إجرائيا يكون مقدمة لسلسلة من العمليات اللاحقة التي تستلزم إجراء استبانه للمبدعين، بوصفهم عينة الدراسة، لتوضيح وتحليل طبيعة الظاهرة التي يتبنى البحث قراءتها. ـ من المجموع الإجرائي المتقدم، تتحدد استنتاجات البحث، بوصفه نوعا متخصصا من الإجراء. وقد انتظم البحث بثلاثة مباحث: تخصص الأول منها بالحدود المنهجية للبحث، وتكفل الثاني بتحديد مفاهيم المرجعية القرائية والمرجعية المجتمعية، واستقل الثالث بالجانب التطبيقي، وعرض الاستنتاجات والتوصيات. 1ـ1. مشكلة البحث تعد المرجعيات المؤسسة للوعي الإبداعي ذات طبيعة مراوغة في تحققها، إذ لا يمكن لها أن تستقل بذاتها بعيدة عن التواشج المعرفي والحضاري للبنية الإبداعية الأدبية، بوصفها منظومة معرفية «ترتبط بعوامل وسياقات تاريخية وثقافية وحتى جيوسياسية» (عبد الرحمن، 2019م، ص 54). ولأن الإبداع يرتبط بالذات الإنسانية من جهة ويتأصل وجوده بالمجتمع من جهة أخرى، بسبب تواصلية اللغة التي يعتمدها المبدع، فإن مقاربته النقدية تتطلب تحديد مواطن الالتقاء والافتراق بين تلك الذات والمجتمع، وفهم الآلية التي تتكون بها النصوص الإبداعية على وفق ثنائية القراءة والمجتمع، وهي ثنائية تتسم بالتواصل في بعض جزئياتها، إلا أنها قد تفترق في مفاصل أخرى، فضلا عن التراتبية التي تتأصل في طبيعة هذه العلاقة والمتمثلة بالآتي: ـ التزامن الأفقي في التأثر والتأثير وتساوي فاعلية كل من القراءة والمجتمع. ـ غلبة الحس القرائي عند المبدع على حساب الوعي المجتمعي وتمظهراته المتعددة. ـ تكريس البعد المجتمعي ليحتل المرتبة الأولى في تشكل الوعي ناسخا القراءات الثقافية وفاعليتها ومحيدا وجودها. 1ـ2. أهمية البحث تتأتى أهمية الدراسة من أهمية المادة التي تطبق عليها وموقعها المائز، فبنية النقد الأدبي تسهم مع البنية الإبداعية في تكوين الوعي المجتمعي بما يتسق وأهمية المنجز المدروس. وكذلك تتضح أهمية الدراسة في الموضوع الذي يبحث عن كون مرجعيات الوعي الأدبي تمكن الناقد العربي من صياغة نظرية نقدية متخصصة بواقعه ومرجعياته، فيكون قادرا على إعطاء أجوبة ناجعة في تحديد العلائق بين المبدع ونصه ومجتمعه وصولا إلى تحقق التمايز المنهجي والتطبيقي بنظرية مرتبطة بمرجعيات الأدب العربي. 1ـ3. أهداف البحث يمكن تحديد أهم الأهداف بما يأتي: ـ تقديم إطار نظري يوضح مفهوم المرجعيات القرائية والمجتمعية وأثرها في صياغة النظرية النقدية المتخصصة بالإبداع الأدبي. ـ تحديد مستوى تمظهر المرجعيات في النصوص المعاصرة لأدباء العراق. ـ اختبار علاقة الارتباط والانفصال أو التأثر والتأثير بين المرجعية القرائية والمرجعية المجتمعية وأثرها في البنية الإبداعية العربية. 1ـ4. منهجية البحث استعمل البحث منهج التحليل الوصفي بطريقة المسح بالعينة، لتحقيق أهداف الدراسة وما يتطلبه من عمليات إجرائية طبقت على مجتمع الدراسة وعيناتها والأساليب الإحصائية فضلا عن المفاهيم الإجرائية الأخرى. 1ـ5. حدود البحث أما حدود البحث فقد اقتصرت على ما يلي: ـ الحدود المكانية: تقتصر حدود هذه الدراسة على محافظة النجف الأشرف في العراق. ـ الحدود الزمانية: استغرق البحث خمسة عشر يوما لإنجاز هذه الدراسة. ـ الحدود البشرية: إن مجتمع البحث قد تمثل بالأدباء والشعراء في محافظة النجف الأشرف في العراق. 1ـ6. أسئلة البحث يسعى البحث إلى الإجابة عن الأسئلة التالية: ـ ما أثر البيئة في تكون الوعي الإبداعي؟ ـ ما تأثير قراءات المبدع على تجربته الإبداعية؟ ـ ما العلاقة بين ثالوث العملية الإبداعية، أي المبدع، والنص، والبيئة؟ 1ـ7. فرضيات البحث أما فرضيات البحث فهي ما يلي: ـ تختلف التجربة الإبداعية باختلاف مرتكزات كون الوعي البيئية والقرائية. ـ كلما ازدادت قراءات الباحث قل أثر الموجهات الخارجية لوعيه الإبداعي. ـ هناك علاقة جدلية بين البيئة المجتمعية وقراءات المبدع وتحايث وجودهما في النص الابداعي. 1ـ8. خلفية البحث لا توجد ـ قدر علمنا ـ دراسات سابقة تتصل بموضوع البحث بجزأيه النظري والتطبيقي.
يتحدد الوجود المعرفي للإنسان بين فواعل متعددة ـ بحسب النظريات السوسيولوجية ـ من أهمها الفواعل السيولوجية والفواعل الفكرية بتباين مجالاتها وأنماطها، وتغاير أنساقها إلا أنها تعد البؤرة المركزية المشكلة للذات العارفة (عيد، 1988م، ص 32)؛ ولأن الأديب يمثل جزءا رئيسا من تلك الذات، فإنه يعيش جدلية التفاعل والتأثر والتأثير في مجمل انساق البنى المولدة للمنظومة الحضارية التي تمارس أدوارها في صياغة وعيه، ليغدو ذاتا واعية وفاعلة تحاول الوصول إلى الحقيقية والإمساك بها بطرائق تتعدد بحسب تعدد الأنساق المكونة لوعيه. وعندما يحصل التحول الجذري في المعرفة الأدبية للإنسان، فإن الأديب سيكون أمام تحولات معرفية واجتماعية وثقافية متعددة، تتداخل فيما بينها وتتشابك أحيانا، أو تتعاضد وتتنافر وقد تصل إلى الاصطدام واكتساح بعضها بعضا في محاولة لتسيد نمط اجتماعي أو ثقافي على أنماط أخرى أو يحصل تلاقحا بين منظومات القيم ومستويات الكل المجتمعي، وذلك بحسب طبيعة المنظومة المشكلة لوعي الأديب ووعي مجتمعه وحضارته التي يرتبط بها وأساليبه في صياغة المفاهيم وطرائق تحققها. ومن هذه البينية، يصوغ الأديب وعيه عبر تحولات بعيدة المدى تتسم بدينامية متخصصة تحفظ للتمايزات معاييرها التي يستقي الأديب منها تصوراته ومفاهيمه وتتحدد أدواته الخاصة على هديها. وتتمظهر هذه البنية في جل المرجعيات القارة المؤسسة لماهية الوجود الأدبي والمؤثرة في الأديب نفسه الذي يعد ابنا لبيئته يتأثر ويؤثر بها على وفق جدلية العلائق الرابطة بينهما؛ إلا أن طبيعة هذه العلاقة تتغير بحسب تغاير المرجعيات المؤسسة للمنظومات الأدبية، وهو ما حدده عنوان البحث الذي لا يقدم أسئلة مجردة، وإنما يبحث في الكيفية التي يفهم منها تشكل الوعي الفني عند الأديب ونموه، فالرؤية الإبداعية يمكن إرجاع تكويناتها إلى مرجعيتين: المرجعية الأولى تتمثل في المصادر المعرفية المتشكلة من قراءات الأديب ومدى استجابته للنصوص المقروءة؛ وأما المرجعية الثانية فتتمثل في البعد السوسيولوجي والبيئي للأديب متمثلة بالحاضنة البيئية المولدة لإشكال الوعي وتمظهراته في النصوص الإبداعية. 2ـ1. المرجعية القرائية ونعني بها المرجعية المؤثرة في صياغة وعي الأديب على وفق الأنساق القرائية التي ركز عليها، وأقام علائق فكرية وثقافية وشعورية معها حتى غدت بؤرة متجذرة تعمل على تحويل المقروء بما يكتنزه من مفاهيم، وأفكار، ودلالات ومنظومات معرفية إلى قناعات راسخة تعمل على توجيه نصوص الأدب إلى الوجهة التي تريدها. وتستمد هذه القراءات قوتها من فاعلية التأثير المعتمد على استفزاز القارئ أو الأديب ودفعه إلى ممارسة فعل الكتابة باستجابته غير المشروطة للنصوص المقروءة، ليتحول إلى منتج للنص على وفق اشتراطات ومفاهيم المتون القرائية التي شكلت ثقافته ووعيه، وهو بذلك يكون أقرب إلى مفهوم ما عرف نقديا بنص المتعة بتعبير بارت، ولا بد من التنويه إلى أننا لا نقصد بالتحايث القرائي المتولد من ما يعرف بنقد استجابة القارئ الذي يدخل ضمن منظومة نظرية الاستقبال والتلقي، والذي يضع القارئ في حالة ضياع و«يجعل القاعدة التاريخية والثقافية والسيكولوجية للقارئ تترنح، ويزعزع كذلك ثبات ذوقه، وقيمه، وذكرياته» (بارت، 2001م، ص 56). وهو ما نلحظه في تجارب شعرية ونثرية متعددة؛ لكنها تتشكل باتجاهين: الأول هو التوظيف الفاعل لتلك القراءات وتبيئتها بما يتسق والبنية الحضارية التي تشكل وعي المبدع فيها؛ ويتمثل الاتجاه الآخر في الانصياع الكامل لتلك الرؤى التي تزعزع المبدع وتزيح ذائقته الراسخة لتستبدلها بذائقة مغايرة لما تربت عليه تجربته الإبداعية وتمارس سطوتها الكاملة بالنمو في ذهنه، لتكون الدافع الرئيس لإنتاج النص. وعلى الرغم من صعوبة الفصل الكامل بين هذين الاتجاهين، إذ إنهما يتداخلان معا في المفهوم والإجراء، إلا أن قراءة التجارب الإبداعية يمكن أن تعطي تصورا واضحا لسيادة اتجاه على آخر ضمن مفهوم المرجعية القرائية العام (الحمداني، 2003م، ص 14). ولعل التجارب الحضارية التي شهدها المجتمع الإسلامي في عصور ازدهاره، تؤكد على غلبة الاتجاه الأول الذي وعى فيه المبدعون بمختلف تخصصاتهم، وتوجهاتهم الفكرية والثقافية والأدبية واللغوية والفلسفية أهمية التحولات الحضارية واتساع مديات الثقافة وصيرورتها المتنامية، فعملوا على قراءة آداب الغير ومنجزاتهم الفكرية وأعادوا صياغتها بما يتسق وبنية الحضارة الإسلامية. أما الاتجاه الآخر فقد تبدى واضحا في التجارب الأدبية المعاصرة بشقيها الشعري والنثري، وظهر أثر القراءات واضحا في أنماط المقاربات الشعرية والنثرية، لاسيما فيما يتعلق بقصيدة النثر، أو التجريب الروائي التي انساق فيها المبدع لقراءاته؛ إذ عدها المصدر الأهم في المعرفة بانبهار واضح حاول فيه إبعاد الجوانب السيولوجية والثقافية الأخرى، فنرى أن النص يبدو في أنساقه اللغوية ودلالاته بعيدا عن الواقع المعاش ولا يرتبط به وعيا وتصورا وماهية إلا في سياق خارجي بعيد عن بنية النص الكلية. 2ـ2. المرجعية المجتمعية وقر في الدراسات النقدية والأدبية بمختلف أدواتها وآلياتها، وانساق مقارباتها أن الأديب ابن مجتمعه يندمج برؤيته الحضارية وتبدلاته الثقافية، ويستجيب لمتطلبات واقعه وما يحدث فيه من تغيرات وتحولات في بناه السفلية والعلوية؛ فهو المحفز للإبداع والصانع له، والمؤثر الأول في تحديد طبيعة النصوص وطرائق استجابتها للواقع؛ فالمبدع مرتبط بالوعي التاريخي والثقافي والفني لمجتمعه بكل تراكماته وتبدلاته التي لا يمكن مقاربتها بصيغة مبسطة؛ إذ إن البنى الثقافية والحضارية لا بد من أن تنغرس في الذات المبدعة وتمد جذورها في عمق فكره ووعيه ومشاعره؛ لأن «لافكاك للإنسان من شروطه الزمانية والمكانية ومحتوياتهما» (مفتاح، 1985م، ص 123)، والتي تنتج ذاكرة تعد الأساس في معرفة المبدع بعالمه. وأمام هذه الارتكاز المجتمعي في ذهن المبدع، لا يمكن له أن يستقل بذاته بعيدا عن مؤثرات تشكل الوعي الاجتماعي، وتمظهره في منجزه الإبداعي بوصفه شرطا ضروريا ورئيسا لتحقق النتاج الأدبي المعبر عن ذائقته السائدة التي ينصاع لها بوعي منه، أو بفرض هيمنتها بما تمتلك من دلالات مرجعية قادرة على تأطير الوعي بمحدداتها المنهجية، وأنساقها المؤسسة لعلاقة تتأرجح بين التبادلية والهيمنة، بمعنى أن طرفي العلاقة المتمثلة بالمبدع ومجتمعه يتلازمان جدليا بالتأثر والتأثير لصياغة أنماط قادرة على التماهي مع الذات المجتمعية على الرغم من التمايز بينهما، فكما أن الأديب لا بد له من السير على سنن المجتمع في بناء التصورات والمفاهيم والأفكار التي يستزرعها المجتمع فيه، كذلك فإن المبدع سيكون قادرا، إذا تحققت له شرائط الفهم الواعي على صياغة أنماط تتسق ورؤيته للعالم. وتتضح من ذلك سيادة الوعي المجتمعي بثقافته ومحيطه وأنماط التربية فيه؛ إذ تجتمع لتكون داخل المبدع نوعا مما سماه ليفي شيتراوس بالسستم المتكامل، فتعمل «الكائنات والأشياء المحيطة بنا على تركيب جهاز معقد من المقاييس والمراجع في دواخلنا، بحيث يشكل هذا الجهاز سستما متكاملا من السلوكيات والبواعث والأحكام الضمنية» (شتراوس، 1983م، ص 201)، مما يفضي إلى ترسيخ الصيرورة الحضارية في حمل هذا النظام المرجعي المؤثر. 2ـ3. الدراسة التطبيقية يضم هذا الفصل الإجراءات التي اعتمدت في تحديد مجتمع البحث، واختيار عينته وإعداد أسلوب جمع البيانات، والمعالجات الإحصائية وعلى النحو الآتي: 2ـ3ـ1. عينة البحث تكونت العينة من عشرين أديبا وشاعرا من مختلف الأعمار والتخصصات. وتم اختيارهم بطريقة عشوائية، وكما هو موضح في الجدول الآتي:
2ـ3ـ2. أسلوب جمع البيانات وتحليلها لأن البحث يتبنى الدراسة الميدانية المرتكزة على اختبار صحة بعض الفروض التحليلية (المشاط، 2007م، ص 29)، فقد اعتمدت الدراسة أداة الاستبيان، وهي «عبارة عن مجموعة من الأسئلة المكتوبة التي تعد بقصد الحصول على معلومات أو آراء المبحوثين حول ظاهرة أو موقف معين ويعد الاستبيان من أكثر الأدوات المستخدمة في جميع البيانات» (عبيدات، 1999م، ص 63). فدراسة موضوع المرجعيات تحتاج إلى الاستبيان، بوصفها أداة من أدوات التحليل الكمي، وقد تم توظيفها في الدراسة للكشف عن آراء الأدباء، وتوجهاتهم بما يخدم تحقيق تصور كامل عن اثر المرجعيات على وعي الشاعر بإبراز المحددات المنهجية لذلك. وبعد إجراء مقابلات مع المتخصصين من النقاد والأدباء والاطلاع على المقاربات المتعددة، تم التوصل إلى صياغة الاستبانة المعتمدة في البحث بصيغتها النهائية، لشتمل على عشرين فقرة استغرقت المرجعيات القرائية والمجتمعية بأسئلة مصاغة بدقة، وتفضي الى إجابات محددة، ووضعنا أمام كل فقرة ثلاثة بدائل متدرجة للإجابة، وهي "موافق"، وأعطيت لها ثلاث درجات، و"محايد"، وأعطيت لها درجتان، و"غير موافق"، وأعطيت لها درجة واحدة (ملحق رقم 1).
2ـ3ـ3. صدق أداة البحث للتأكد من صدق أداة البحث تم عرض الاستبانة بفقراتها الأولية على متخصصين من ذوي الخبرة والكفاءة، وقد بلغ عددهم خمسة متخصصين، وبعد إجازتهم وموافقتهم على فقراتها، تم اعتمادها بصيغتها النهائية. 2ـ3ـ4. الوسائل الإحصائية الوزن المئوي والنسبة المئوية. 2ـ3ـ5. عرض النتائج وتفسيرها ومناقشتها
يتضح من الجدول السابق الآتي: ـ أن أعلى قيمة للوزن المئوي حصلت عليها الفقرة المرقمة برقم (1): "هل تقرأ نصا أدبيا قبل البدء بكتابة نصك الخاص؟"، ويعطي هذا الأمر مؤشرا على أن قراءات الأديب لها الأثر الفاعل في تكوين النص بصورته الأولية، فضلا عن تكونه الكامل؛ إذ إن قراءة النص قبل ممارسة الكتابة تعد موجها لآليات كتابية تهتدي بالنص المقروء، بما يفضي إلى تحدد الصياغة بفعل قرائي أكثر من الصياغة المجتمعية له. ـ القيمة الثانية للوزن المئوي حصلت عليها الفقرة المرقمة برقم (9): "حين تكتب نصا عن موضوعة اجتماعية، يهمك البعد الجمالي فيها"، ويبين هذا الأمر التلازم الجدلي بين الانصياع للقراءات، وبين الارتباط بالمجتمع بوصفه فاعلا رئيسا في المنظومة الإبداعية، فتدلنا هذه التراتبية على كون الأديب لا يمارس القطيعة الإبداعية مع مجتمعه، كما أنه لا يهمل الجوانب الأدبية اللازمة لنهوض فنه وتطوره. ـ التسلسل الثالث كان من نصيب الفقرة المرقمة (17): "ترى أدبك قريبا من المجتمع"، تؤكد هذه النسبة على اهتمام الأديب في القرب من مجتمعه بصيغه الفنية والموضوعية، وهو قرب يتحدد بآليات متخصصة بحسب المجتمعات التي يكتب فيها الأديب أو يكتب لها. ـ التسلسل الرابع في الوزن المئوي شغلته النقطة المرقمة بالرقم (3): "في كتابة العمل الأدبي تفكر بالمنظومة اللغوية وأنساق الإبداع المتجدد فيها"، تشير هذه النسبة الى بقاء المرجعية القرائية مهيمنة على وعي الأديب، بحسبان أن اللغة ومظاهر الإبداع فيها تتكون من قراءات الأديب التي تمده بالخزين اللغوي المفضي إلى تكوين معجمه اللغوي المتخصص به، وكذلك الحقول الدلالية التي يعتمدها في صياغة صوره وتراكيبه تكون محكومة أيضا بالمرجعية القرائية التي تؤكد سلطتها على وعيه. ـ المرتبة الخامسة في الوزن المئوي كانت للفقرة المرقمة بالرقم (6): "الأدب لغة تنبع من داخل المبدع استجابة لمثيرات نفسية واجتماعية"، يتضح من هذه الفقرة أن وقوعها في نهاية الربع الأول من الفقرات يمثل موجها معرفيا يتسق والرؤية الفلسفية والنقدية الحديثة القائمة على التبادل والتواشج والتفاعل بين الموجهات السياقية والموجهات اللغوية. وبالعودة إلى الجدول السابق، فإن أقل قيمة في الوزن المئوي كانت للفقرة المرقمة بالرقم (10) التي يتضح من وجودها في أسفل التراتبية، فإن الأعمال الأدبية المعاصرة لا يمكن لها من زاوية نظر المبدع أن تكون خطابات اجتماعية، أو توصيفات مباشرة الغرض، منها إرضاء الجمهور أو السير مع المجموع وإنما لها الخصوصية الكاملة في الربط بين ما هو إبداعي وما هو اجتماعي بتحقيق التمازج والتوظيف بينهما.
الخاتمة توصلت المقالة إلى ما يلي: ـ الأثر القرائي كان واضحا في تحديد تجربة الكتابة الإبداعية عند الأدباء من الشعراء والكتاب والروائيين، وهو الذي حصل على أعلى قيمة في الوزن المئوي. ـ تلازم البعد الجمالي مع الأهمية المجتمعية في صياغة التجارب الشعرية والنثرية المعاصرة مع التأكيد على أهمية الفعل القرائي بوصفه مرجعية مهمة وهو ما أظهره التسلس الثالث للوزن المئوي. ـ إن الوعي الإبداعي لا يتشكل من منظومة منفردة بعيدة عن المنظومات الأخرى، بل تتشابك بينهما بتراتبية محددة كما اتضح في التسلسل الثالث للوزن المئوي. ـ لا يمكن للأديب والناقد الفصل الكامل بين المرجعيات إلا بفصل قسري بعيد عن الرؤية الحقيقية للأديب، وهو ما أفرزه الوزن المئوي للتسلسل الرابع. ـ إن الغلبة غالبا ما تكون للمرجعية القرائية على الرغم من تشابكها مع مرجعيات أخرى؛ لكن هذه المرجعية أصلا قد تتداخل وبشكل كبير مع المرجعية المجتمعية.
التوصيات تعد نتائج البحث الإحصائية مرتكزات بحثية قادرة على تحقيق رؤية علمية منضبطة لطبيعة المقاربات النقدية المتصلة بماهية الإبداع الأدبي وطبيعة تكونه في وعي المبدع، ومن ثم تحققه بوصفه بنية ثقافية معرفية، وعلى هدي ما تقدم من البحث، ندرج في أدناه أهم التوصيات المرتبطة به: ـ اعتماد أسس معرفية منضبطة في التعامل مع النصوص الإبداعية لاسيما في المنظومة النقدية. ـ اعتماد النقاد على معايير تتسق ومبادئ الإبداع الأدبي من دون إسقاطات لمفاهيم مسبقة في الدراسات النقدية والبحثية. ـ إنشاء مراكز بحثية متخصصة تتبنى الإعداد لصياغة نظرية نقدية عربية تتسق مع البنى المعرفية والحضارية والإبداعية العربية. ـ اعتماد مفهوم التنافذ المعرفي في الدراسات النقدية بين التخصصات الأدبية واللغوية والعلوم الأخرى التطبيقية والإنسانية. ـ الإفادة من الرقمية والتفاعلية للتجسير المعرفة الأدبية والتثاقف الإبداعي. | ||||||||||||||
مراجع | ||||||||||||||
بارت، رولان. ( 2001م). لذة النص. ترجمة فؤاد صفا والحسين سبحان. المغرب: دار توبقال للنشر الدار البيضاء.
شتراوس، كلود ليفي. (1983م). مقالات في الاناسة. ترجمة حسن قبيسي. بيروت: دار التنوير.
عبد الرحمن، كلثوم. (2019م). السلطة والآليات الرمزية عند بيار بورديو. أطروحة الدكتوراه. جامعة الحاج لخضر. كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية.
عبيدات، محمد؛ وآخرون. (1999م). منهجية البحث العلمي، القواعد، المراحل، التطبيقات. عمان: دار وائل للطباعة والنشر.
عيد، عبد الرزاق. (1988م). في سوسيولوجيا النص الروائي: دراسات في الرواية. دمشق: الأهالي للطباعة.
الحمداني، حميد. (2003م). القراءة وتوليد الدلالة. المغرب: الدار البيضاء.
المشاط، عبد المنعم. (2007م). التحليل السياسي الامبريقي بالتطبيق على أساليب التحليل الكمي. القاهرة: مكتبة الآداب.
مفتاح، محمد. (1985م). تحليل الخطاب الشعري: إستراتيجية التناص. بيروت: المرکز الثقافی العربی. | ||||||||||||||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 689 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 282 |