تعداد نشریات | 43 |
تعداد شمارهها | 1,682 |
تعداد مقالات | 13,775 |
تعداد مشاهده مقاله | 32,267,048 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 12,764,327 |
موازنة أسلوبية بين قصيدتي البحتري والمتنبي | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بحوث في اللغة العربية | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مقاله 7، دوره 14، شماره 26، تیر 2022، صفحه 75-92 اصل مقاله (1.79 M) | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نوع مقاله: المقالة البحثیة | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
شناسه دیجیتال (DOI): 10.22108/rall.2021.126572.1344 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نویسندگان | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
علي گنجيان خناري1؛ علي مظفري* 2 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
1أستاذ مشارك في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة العلامة الطباطبائي، طهران، إيران | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
2طالب الدكتوراه في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة العلامة الطباطبائي، طهران، إيران | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
چکیده | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
إن الأسلوبية علم يهدف إلى الكشف عن العناصر المميزة التي يستخدمها المؤلف لأغراض شتى؛ وهذا الكشف لا يحصل إلا بالموازنة والتطبيق على السياق الأكبر أو الأصغر، حيث من خلال الموازنة تظهر هذه العناصر المكوّنة للنص، وتبدو أوجه التشابه والاختلاف بين النصين. ومن ثمّ، يمكن تمييز الأسلوب لمؤلف عن آخر أو تمييز السمات الأسلوبية لفترة عن فترة أخرى. وفيما يخص القصيدة، فإنه تتم معالجتها من خلال عناصرها المختلفة كالإيقاع، والنحو، والفكرة، والبيان والمحسنات اللفظية والمعنوية. يعتبر الشاعران البحتري والمتنبي من فحول شعراء العصر العباسي، وتدور معظم قصائدهما حول المدح والغزل. يتناول هذا المقال تحليل وتطبيق قصيدتين لهذين الشاعرين: قصيدة "طَيفُ الحَبيبِ أَلَمَّ مِنْ عُدَوَائِهِ" للبحتري، وقصيدة "عَذْلُ العَواذِلِ حَوْلَ قَلبي التائِهِ" للمتنبي. وسبب اختيار هاتين القصيدتين هو اتفاقهما في المضمون والوزن والقافية. ومن خلال هذه الدراسة، نسعى إلى كشف العناصر الهامة، وكيفية توظيف الشاعرين لها، وتبيين أوجه التشابه والاختلاف في أسلوبهما الفردي. تتناول هذه الدراسة ثلاثة مستويات هي المستوى اللغوي والفكري والأدبي. والمنهج الذي تعتمده هو المنهج الوصفي ـ التحليلي ـ الإحصائي؛ وذلك بالاعتماد على المصادر المكتبية. وبعد معالجة هاتين القصيدتين ونظرا إلى الميزات الأسلوبية، نستنتج أن الكلام عند المتنبي يظهر بشكل مباشر، وهذا ملائم مع إصدار الحكم، وجزالة التعبير؛ وعند البحتري يظهر بشكل غير مباشر ومائل، وهذا ملائم مع التعبير الروائي؛ ولهذا، يرسم الشاعر التفاصيل بالتشبيه والاستعارة. ومن نتائج هذا المقال أنها لا يوجد أي دليل على تأثر المتنبي بالبحتري، حيث إن أوجه الاختلاف بارزة للغاية في أسلوبية التفكير وفي نوعية استخدام الأدوات اللغوية والفنية، وإن هذه النوعية لاستخدام الأدوات قد كوّنت أسلوبهما الفردي. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
کلیدواژهها | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الموازنة الأسلوبية؛ المستوى اللغوي؛ المستوى الفكري؛ المستوى الأدبي؛ البحتري؛ المتنبي؛ الشعر العباسي | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
اصل مقاله | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
لقد تكونت الأسلوبية متأثرة باللسانیات، وتعتبر فرعا من فروعها. إن اللسانيات الحديثة ظهرت في القرن التاسع عشر الميلادي وأنتجت العديد من المدارس اللغوية والأدبية، منها البنيوية والشكلانية والسيميائية وأيضاً الأسلوبية. فقد كانت الدراسات الأسلوبية في البداية أكثر اتجاها إلى القضايا اللغوية؛ لكن بعد فترة، قام الكثير من المتخصصين في الأدب ونقده ـ ومنهم الشكلانيون ـ بوضع قواعد جديدة؛ فقد تشابكَت الأسلوبية مع علم البلاغة[1]، والشعرية[2]، والأدبية[3] لدرجة أنه وضعت علوم جديدة ومصطلحات حديثة، من مثل: "la rhéto-stylistique"[4] الذي ذكره جورج موليني[5] في مقالته الأسلوبية والتراث البلاغي. إن الأسلوبية علم يهدف إلى الكشف عن العناصر المميزة التي يستخدمها المؤلف للأغراض المختلفة. والجدير بالإشارة أن للموازنة والمقارنة دورا هاما في تعين الأسلوب، كما يصرح بذلك شارل بالي[6]، رائد علم الأسلوبية، في كتابه مصنف الأسلوبية الفرنسية[7]: «إن المقارنة بين وقائع التعبير[8] تلعب دورا كبيرا في منهج الأسلوبية» (1921م، ص 1). يمكن أن يقوم الناقد بالتحليل والمقارنة الأسلوبية على السياقين: السياق الأكبر[9]، والسياق الأصغر[10]. «هناك نوع من الدراسة الأسلوبية على السياق الأصغر، وهو دراسة قصيدة أو قصة قصيرة ونظائرها؛ ونوع آخر الدراسة على السياق الأكبر، وهو دراسة مجموعة من أعمال شاعر أو كاتب، أو دراسة فترة أدبية، أو دراسة نوع[11] أدبي» (شميسا، 1395ﻫ.ش، ص 227). فنحن ـ في هذا المقال ـ نقوم بالتحليل والموازنة الأسلوبية على السياق الأصغر بين قصيدتي البحتري والمتنبي، والمشتركتين في المضمون، وهو المدح، وفي البحر وهو الرجز، وفي القافية، وهي مختومة بالهمزة وضمير الهاء المكسورة؛ قد تكوَّن النص الأدبي من اللغة والفكرة والعناصر الأدبية. وللفكرة دور هام في الدراسة الأسلوبية؛ بما أنها ترتبط مباشرة بطريقة التعبير وباستخدام اللغة والعناصر الأدبية. فتركز هذه الدراسة على ثلاثة مستويات: هي المستوى اللغوي، والمستوى الفكري، والمستوى الأدبي. 1ـ1. أهمية البحث وانطلاقا من ذلك، تظهر أهمية الدراسة الأسلوبية وقيمتها، حيث تستكشف هذه الدراسة وقائع التعبير ـ كما ذكره شارل بالي ـ ثمّ تعين نوعية التفكير لكل مؤلف، وأخيراً تميز الأسلوب الفردي وسماته من مؤلف إلى آخر.
1ـ2. أهداف البحث تهدف هذه الدراسة إلى محاولة تبيين الأسلوب الفردي في قصيدتي البحتري والمتنبي على المستويات اللغوية والفكرية والأدبية. هذا من جانب ومن جانب آخر، تهدف إلى الموازنة بين هاتين القصيدتين وتبيين بعض التشابهات والتباينات بينهما. 1ـ3. أسئلة البحث تسعى هذه الدراسة إلى الإجابة عن بعض الأسئلة، أهمها ما يلي: ـ كيف تكون الأسلوب الفردي في هاتين القصيدتين نظرا إلى نوعية الاستخدام والتوظيف للتعابير اللغوية والفكرية والأدبية؟ ـ ما هي أوجه التّشابه والتباين بين هاتين القصيدتين؟ ـ هل تأثر المتنبي بقصيدة البحتري أم لا؟ 1ـ4. منهج البحث أما المناهج المعتمدة في الدراسة فيمكن تحديدها في المنهج الوصفي ـ التحليلي ـ الإحصائي، والمنهج الموازن الذي يناسب طبيعة هذا الموضوع، حيث سيجري تبيين وتحليل القصيدتين وعناصرهما بالمناهج المذكورة ثم الموازنة بينهما، ومعالجة التشابهات والتباينات بينهما. 1ـ5. خلفية البحث توجد بعض الدراسات التي كتبت حول أسلوبية البحتري أو المتنبي: دراسة الثابت والمتحول في مدحتي البحتري والمتنبي ووصفهما منازلة الأسد: دراسة تحليلية وموازنة، بقلم محمود أحمد الحلحولي (2019م)؛ تناولت هذه المقالة مدحتي البحتري والمتنبي ووصفهما منازلة الأسد، وفسرت ارتباط المقدمة بالمديح في القصيدتين تتجه إلى "الغلبة" بوصفهما الجو المسيطر؛ وكانت صورة العزم على منازلة الشر والصراع للقضاء عليه؛ وحصلت على بعض النتائج كما تقول: انتقل الشاعران من مقدمة القصيدة التي شكلت قلقهما إلى الصراع النفسي الفعلي بوصف المنازلة بين الأسد والممدوح، إلى أن جاءت نهاية القصيدتين باباً مفتوحاً على صراع جديد. دراسة خصائص الأسلوب في شعر البحتري، لوسن عبد المنعم ياسين الزبيدي (2008م). وقد عالجت الدراسة مسألة خصائص الأسلوب وسماتها في قصائد البحتري؛ وانتظمت الأطروحة في ثلاثة فصول: المستوى الصوتي، المستوى التركيبي، المستوى الدلالي؛ فعالج كل فصل من مستويات شعر البحتري من خلال أمثلة شعرية منتقاة من ديوانه. دراسة سينية البحتري دراسة أسلوبية، لأمينة قعقع (2013م)؛ قامت الدراسة بتحليل البنية الإيقاعية وأثرها الدلالي، والبنية التركيبية والبنية الدلالية، وحصلت على بعض النتائج المفيدة، كما تقول: اعتمد البحتري على الأفعال المزيدة بكثرة، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على المبالغة في الجهد والفعل، كما أن الأبيات تنمو تصاعدیا من حيث الفعل ودلالته، أو تقول: طغت الأصوات المجهورة على القصيدة، أمّا الأصوات المهموسة فقد مثلها حرف السين بدرجة عالية مقارنة مع حروف الهمس الأخرى. ومقالة الظواهر الأسلوبية ودلالاتها في قصيدة الحمى للمتنبي، بقلم خالد محمد صالح وحسن حميد محسن (2014م)؛ هذا البحث محاولة لرصد أهم الظواهر اللغوية والصوتية والتركيبية في قصيدة الحمى معتنيا بالترابط والعلاقة بين هذه العناصر وكيفية تجسيد بواطن أفكار المتنبي بواسطة هذه العناصر. ودراسة مقارنة أسلوبية لقصيدة أبي الطيب المتنبي، لذيب آسية، (2014م)؛ وقد عالجت الرسالة بنى صوتية ودلالية ونحوية في قصيدة المتنبي؛ ومن أهم النتائج المتوصل إليها أن المتنبي في صياغته لكلماته لا يتعامل تلقائيا، بل انتقاها مستغلاً بالخواص الحسية لأصواتها وجرسها وقدراتها الفعالة على إنتاج النغم الموسيقي وأكثر من التكرار الذي يعتمد على إعادة قوالب لغوية متنوعة؛ فإنّ اللغة المستعملة في القصيدة تؤكد زهد الشاعر في الدنيا. لقد درست هذه الأبحاث الظواهر الأسلوبية عند البحتري والمتنبي على حدة، وتناولت في الغالب الجوانب اللغوية والأدبية؛ لكننا في هذه المقالة نسعى إلى أولا أن نقوم بموازنة أسلوبية بينهما (معاً)؛ وثانيا نعالج المستوى الفكري علاوة على المستوى اللغوي والأدبي.
يتكون مصطلح "الأسلوبية"[12] من "الأسلوب"[13] و"ية"[14] ويشير إلى علم أسسه شارل بالي في أوائل القرن العشرين وتأثر كثيرا بأستاذه فردينان دو سوسير[15]، لمّا كان يشارك في صفوف دروس في اللسانيات العامة[16]. قد شرح بالي قواعد الأسلوبية وميزاتها في كتابه مصنف الأسلوبية الفرنسية، مستخدماً ومعتنياً بمصطلحات علم اللغة[17] الذي وضع أسسه فردينان دو سوسير. «وقد ابتكر نظريات تحليل الأسلوب من قبل المتخصصين منهم بالي وجيل ماروزو[18] ومارسيل كراسو[19]» (ريكارد، 1992م، ص 43). إن بالي في كتابه قبل أن يتناول موضوع الأسلوبية، يتحدث عن علاقة اللغة بالتفكير وأهميتها؛ يقول: «إن اللغة[20] نظام من رموز[21] التعبير؛ إنّها تعبّر عن فحوى فكرنا لمعرفة آرائنا ومشاعرنا» (1921م، ص 1). فالمتكلم لا يعبر إلّا عن فكرته أو أحاسيسه بواسطة اللغة، ثم يقدم وصفا موجزا للأسلوبية: «أنها تدرس القيمة العاطفية لوقائع[22] اللغة[23] المنظمة، و(تدرس أيضاً) العمل المتبادل للوقائع التعبيرية التي تساعد على تشكيل نظام وسائل التعبير عن لغة[24]» (المصدر نفسه، ص 1). «فهي (الأسلوبية) إذن تعنى بالجانب العاطفي في الظاهرة اللغوية وتقف نفسها على استقصاء الكثافة الشعورية التي يشحن بها المتكلّم خطابه في استعماله النوعي، لذلك حدّد بالي حقل الأسلوبية بظواهر تعبير الكلام وفِعْل ظواهر الكلام على الحساسية» (المسدي، 1982م، ص 41). تابع بالي تحقيقه ضمن هذه الحدود بدقّة فلاحظ أن كلّ فكرة تتحقق في اللغة ضمن سياق عاطفي ووجداني تكون موضع اعتبار؛ ويجيء بمثالٍ: «عندما أعطي أمراً، أستطيع أن أقول: "افعلوا هذا" من غير أي نبر، أيْ بالبقاء على مستوى الإيصال البحت. أو أقول: "أوه، افعلوا هذا"، أو "أه! إذا أردتم فعل هذا" أو "أوه، نعم، افعلوه". وأكون بهذا قد عبرت عن رغبتي، وعن أملي، وعن نفاد صبري» (جيرو، 1994م، ص 54). لتدقيق البحث، علينا أن نميز بين اللغة والكلام، كما ميز بالي وأستاذه سوسير في دراسات البنيوية. إن اللغة مجموعة من القواعد، والكلام ظهور تلك القواعد في استعمال فردي؛ «إن الفصل بين اللغة والكلام يعني أيضاً الفصل بين ما هو اجتماعي وما هو فردي، الفصل بين ما هو جوهري وما هو ثانوي وعرضي إلى درجة ما. فاللغة ليست وظيفة الفرد، بل هي نتاج يهضمه الفرد بصورة سلبية، أما الكلام فعلى العكس من ذلك، فعل فردي وهو عقلي مقصود» (دي سوسير، 1985م، ص 32). فموضع ظهور الأسلوب هو في الكلام[25]، وليس في النظام اللغوي[26]، حيث موضع الاختيار لطريقة التعبير هو في الكلام. يقول بالي: «إنه (الأديب) يستخدم اللغة لغرض جمالي؛ يريد أن يخلق الجمال بالكلمات مثلما يفعل الرسام بالألوان والموسيقار بالأصوات» (1921م، ص 19)؛ فيعتقد أن موضع الاعتبار هو في طريقة التعبير، ولا في اللغة أو الألوان أو الأصوات. «فإن الأسلوبية هي صلة اللسانيات بالأدب ونقده؛ وبها تنتقل من دراسة الجملة لغة (اللسانيات) إلى دراسة اللغة نصا فخطابا فأجناسا (الأدب)» (عياشي، 2015م، ص 25). هناك مصطلحان في اللسانيات تحت عنوان العلاقات السياقية أو الترابطية[27] والعلاقات الإيحائية أو الاستبدالية[28]. فإن فعْلَ الاختيار يحدث في هذين المحورين[29]، وهو يلعب دورا هاما لتعين الأسلوب الفردي. «فالعلاقات السياقية وسماها ياكبسون "علاقات المجاورة"، حيث تكتسب الكلمة عند دخولها في تركيب قيمتها من مقابلتها بما يسبقها أو يلحقها من كلمات، فهي علاقات تقوم بين الكلمات في تسلسلها وتتابع بعضها إثر بعض بحيث تتآلف في سلسلة الكلام» (قصاب، 2009م، ص 127). ترتبط هذه العلاقات بعلم النحو ونوعية تلاقي الكلمات بعضها مع بعض، وبالمعاني التي تُدرك وتؤخذ بهذا الاختيار في تركيب الجملة؛ سواء في ذلك المعاني المحورية أم في المعاني الهامشية. «والعلاقات الإيحائية فلو أخذنا كلمة من الكلمات السياقية المتسلسلة لوجدنا أنها تثير كلمات أخرى بالتداعي والإيحاء خارجة عن القول؛ ولكنها تشترك معها في علاقة ما بالذاكرة؛ ومن هنا تتكوّن مجموعة من الكلمات تقوم بينها علاقات متعددة» (المصدر نفسه، ص 127). فترتبط العلاقات الإيحائية باختيار المفردات عناية على معان وأغراض شتى؛ على سبيل المثال عندما أطلب الصمت من أحد، يمكن أن أقول: "اسكتْ!" أو "صَه!" أو "اخرس!". فعلى المحور الإيحائي، أختار المفردات المختلفة للأغراض المختلفة. فحسب ما ذكرنا، لهذين المحورين دور هام في تكوين الأسلوب وتعيّنه؛ ليس هذا فقط بل ممكن أن نقول لهما دور هام في تمييز الأجناس[30] الأدبية أو المدارس[31] الأدبية. «على رأي ياكبسون يمكن أن تكون كمية الاستخدام لهذين المحورين معيارا للكشف عن الأسلوب؛ ففي المدرسة الرومانسية والرمزية حسب رأيه، كان الشعراء أكثر ميلاً للاختيار على المحور الإيحائي وفي المدرسة الواقعية، كانوا أكثر ميلاً للاختيار على المحور السياقي؛ والجدير بالذكر أن هذه الاتجاهات تؤدي إلى تكوين الأسلوب الفردي» (صفوى، 1394ﻫ.ش، ص 186). فحسب ما قلنا، يتكون الأسلوب الفردي بواسطة الفكرة والعاطفة والوجدان؛ فربما يمكن أن يقال أن النفس تشارك في تكوين الأسلوب ولها دور كبير. «ولعل الكتاب الأكثر تمييزاً في هذا الشأن هو كتاب هنري موييه علم نفس الأساليب (1959م). وهو يقوم على "مفاضلة للكائن الداخلي"، حيث يذهب الكاتب انطلاقاً منه إلى تمييز القوة، والإيقاع، والتوجه، والحكم، والالتحام، واعتبرها "أنماط جوهرية خمسة" للأنا العميقة والمكوّنات الكبرى للطبع. وتظهر كل هذه الأنماط بأشكال إيجابية أو سلبية. فالإيقاع قد يكون منتظما أو معوجا، والتوجّه قد يكون صادقا أو خفيا، والالتحام إنّما يكون مطمئنا أو حذرا، والحكم كذلك يكون متفائلا أو متشائما، والقوة تكون قاعدة للسلطة أو للضعف. إن كل سمة من هذه السمات تتناسب مع أدوات تعبيرية خاصة» (جيرو، 1994م، ص 91). فهنا تظهر العلاقة بين علم النفس والأسلوبية.
3ـ1. المستوي اللغوي 3ـ1ـ1. الإيقاع قصيدة البحتري[32]، الإيقاع الخارجي: قد أنشئت القصيدة على البحر الكامل التام المضمر، وهو من أكثر بحور الشعر العربي استعمالا، قديما وحديثا؛ ويرتكز بناؤه على تَكرار تفعيلة "مُتَفاعِلن"؛ «وقد أحسنوا بتسميته كاملاً؛ لأنه يصلح لكل نوع من أنواع الشعر؛ ولهذا كان كثيراً في كلام المتقدمين والمتأخرين وهو أجود في الخبر منه في الإنشاء، وأقرب إلى الشّدة منه إلى الرقة» (صادر، 2009م، ص 252). فهناك التلاؤم والتناسب بين اختيار هذا البحر والفحوى، حيث يصف لنا الشاعر شدة الحب وبرحاء الهوى ويخبرنا عن الغرام ودائه؛ وهناك عديد من زحاف الإضمار، وهو زحاف حسن يؤدي إلى زيادة الموسيقى؛ وقد يدل على التسريع في الخبر والحكاية وعلى الاختصار في الزمن، وتم العثور على 27 تفعيلة مضمرة في هذه القصيدة، وقد كثرت كثافة التفعيلات المضمرة في البيت السابع والثامن والتاسع؛ فربّما يقصد الشاعر التسريعَ في الكلام في هذه الأبيات، لكي يصل إلي نهاية المطاف وهي سؤال الشاعر وطلبه، "لارتوى من مائه"؛ وأمّا الإيقاع الجانبي فمشتمل على الردف، والروي، والوصل، والخَروج. فالرِدْف هو الألف، والروي هو الهمزة المكسورة، والوصل هو الهاء المحركة التي تلي حرف الروي. وكما نلاحظ الهاء مشبعة، فيتولد عن هذا الإشباع ياء، والياء الناتجة عن هذا الإشباع هي الخَروج؛ وكل من الردف (الألف) والخروج (الياء) تخلق حرف المدّ التي تسبّب إطالة الصوت، وهذه مناسبة ومستحسنة للغناء والموسيقى؛ وقد تدّل حرف المد على المعاناة والأنين وشدة الحزن، كما نلاحظ في بعض المفردات من مثل آهٍ؛ أو في أدوات الندبة: وا، يا، (وا يوسفاه)؛ وأما الروي، أي الهمزة فتُعتبر من الأصوات الشديدة؛ «إذ إن المرء عند نطقه للهمزة نطقا صحيحا يشعر بضغط في الصدر؛ إذ هو مصدر الهواء الذي من شأنه أن يتكيف وقوفاً أو خروجاً حسب طبيعة الصوت المعين» (بشر، 2000م، ص 292). فتوظيف كل من هذه الحروف في هذه القصيدة لإظهار شدة العواطف والألم. وسنرى كثرة التردد في حرف الهمزة والعين في كل الأبيات وسنتحدث عنها في موضعها؛ وأما الإيقاع الداخلي فمشتمل على الجناس والسجع والتكرار والتناسق الصوتي:
وأما بالنسبة إلى التناسق الصوتي، فإننا أحصينا حرف الهمزة وحرف العين، وقد تكرّرت الهمزة في كل الأبيات 31 مرة وحرف العين 19 مرة؛ فعلى المجموع تكررت الهمزة والعين 50 مرة؛ وكما ذكرنا سابقا فإن الهمزة من الحروف الشديدة؛ وأما العين من الحروف المجهورة (مقابلها المهموسة) الحلقية، فكل منهما تحاكي شدّة الألم والداء؛ فكما لاحظنا فإن قصيدة البحتري متميزة من حيث الإيقاع، وكما سبق ذكره، هناك التلاؤم بين إيقاع القصيدة وفحواها. قصيدة المتنبي[33]، الإيقاع الخارجي: من حيث الوزن لا يوجد أي فرق بين قصيدتي المتنبّي والبحتري إلّا أن زحافات الإضمار أقل من القصيدة البحتري، فتم العثور على 15 تفعلية مضمرة في كل القصيدة؛ وهناك أيضا التلاؤم بين اختيار هذا البحر وفحوى القصيدة، حيث يحكي لنا الشاعر عن قلبه التائه وحرارة الحب وبرحائه؛ وبالنسبة إلى الإيقاع الجانبي لا فرق بين القصيدتين، فالقافية في هذه القصيدة أيضاً مشتملة على الرِدْف، والروي، والوصل والخَروج؛ وأمّا الإيقاع الداخلي فيشتمل على:
فكما لاحظنا هناك التلاؤم بين الموسيقى والفحوى في كلتا القصيدتين، ولا فرق بينهما إلّا أن الإيقاع الداخلي عند البحتري أقوى منه عند المتنبي، خاصة في ائتلاف الألفاظ.
3ـ1ـ2. المفردات قصيدة البحتري: هناك 102 مفردة في هذه القصيدة؛ والمركب الإضافي يبلغ عدده إلى 38؛ وأما بالنسبة لاسم المعنى واسم الذات، فاسم المعنى: الطيف، والعَدواء، والسلام، والاهتداء، والخيال، والبُعد، والعَجَب، والإهداء، والخَبَل، والغرام، والجوى، والبُرَحاء، والهوى، والداء، والشأن، والداء، والعيش، والعِشرة، والفضل، والإخاء، والآمال، والمنى، والدفاع، والحوباء، والمحبة، والمحض، والودّ، والطلاقة، والجود، والنُجح، واللقاء؛ واسم الذات: الحبيب، والبعيد، والموقع، والأرض، والسماء، واللّوى، والعَجِل، والْمُسرعِ، والحَزْن، والأبرق، والجرعاء، والكرى، والمتيم، والأخ، والأخضر، والناضر، واللّٰه، والكريم، وأبو نوح، واللباس، والأعداء، والبِشر، والضياء، والوجه، والامرؤ، والصادي، والجوانج، والماء. فاسم المعنى يبلغ عدده إلى 31 اسما، واسم الذات يبلغ عدده إلى 28 اسما؛ فكما لاحظنا، لقد غلب اسم المعنى على اسم الذات. قصيدة المتنبي: وأما المفردات في قصيدة المتنبي فتبلغ عددها إلى 68 مفردة؛ والمركب الإضافي يبلغ عدده إلى 22. وأما بالنسبة لاسم المعنى واسم الذات، فاسم المعنى: العذل، والهوى، والملام، والبرحاء، والإرضاء، والنصر، والثلاث، والِخلال، والحُسن، والإباء، والمضاء؛ واسم الذات: العواذل، والقلب، والتائه، والأحبة، والسوداء، واللوائم، والحَرّ، والمهجة، والعاذل، والْمَلِك، والأعذل، والقلوب، والزمان، والأرض، والسماء، والشمس، والحسّاد، والقرناء، والسيف، والأسماء، والثلاثة، والدهور، والمثل، والنظراء. فاسم المعنى يبلغ عدده إلى 11 اسما، واسم الذات يبلغ عدده إلى 24 اسما؛ فكما لاحظنا، لقد غلب اسم الذات على اسم المعنى.
فمن خلال هذه الإحصائيات، يتبين أنه لا يوجد فرق كبير في أسلوبية المفردات بين القصيدتين من ناحية اسم المعنى والذات إلا أن المتنبي أقل ميلا إلى اسم المعنى وعلى العكس، البحتري أميل إلى اسم المعنى. ولائق بالذكر أن في كل من القصيدتين لا توجد كلمة غريبة غير مألوفة، حيث كثيراً ما، استعمل كل من هذه الكلمات في تلك الفترة؛ ولاسيما توظيف بعض المفردات، من مثل: الشمس، والسيف وملحقاته في قصائد المتنبي بارز جدا؛ ولا نبالغ إذا قلنا إن ذلك يعتبر من سمات أسلوبه الفردي.
3ـ2. المستوى النحوي قصيدة البحتري: الجملة: تم العثور على 20 جملة، وهي تشتمل على 15 جملة فعلية و5 جمل اسمية. واستخدم الشاعر أدوات التوكيد مرّتين: لام التوكيد، وإنّ؛ وهذا دليل على أن الثبوت والتوكيد في أدنى مستوياتهما في القصيدة، وأن عنصر الزمان والتجدد والحدوث فعال جدا في كل الأبيات. وأمّا الفعل الماضي فيشتمل على: ألّم، وجَزَعَ، ووجّه، وزار، وشفى، ولبِسَ، وأكثر؛ والفعل المضارع والأمر: يهدي، ودعْ، ومُتْ، ويموت، وتُعطي، وتُنبي، وتكاد، وتَلقَى؛ فالماضي يبلغ عدده إلى 7 أفعال والمضارع والأمر يبلغ عددهما إلى 8 أفعال. بناء على كلام النحاة، الفعل المضارع والأمر أميل إلى الحدوث والاستمرار من الماضي. فكما لاحظنا، غلب عنصر الزمان والاستمرار على الثبوت والدوام، على العكس تماما بالنسبة لقصيدة المتنبي، وسنتحدث عنها فيما يلي. قصيدة المتنبي: وقد أحصينا الجمل فتبلغ عددها إلى 15 جملة، منها: 8 جمل فعلية و7 جمل اسمية. واستخدم الشاعر أدوات التوكيد أربع مرّات (ضِعْف البحتري): قدْ، وإنّ، ولام التوكيد، وقَدْ؛ والفعل الماضي: أسْخَطتُ، وكانَ، ومَلَكَ، ومَلَكَ، ومضى، وأتينَ، وأتى، وعجَزنَ؛ والمضارع: يشكو، ويصُدُّ، ويلُمْنَ؛ فالماضي يبلغ عدده إلى 8 أفعال والمضارع يبلغ عدده إلى 3 أفعال؛ وقد أظهرت لنا الإحصائيات أن الثبوت والتوكيد والدوام بارز في هذه القصيدة، وأن عنصر الزمان في أدنى مستوياته فيها:
فكما لاحظنا، قد مال المتنبي إلى الثبوت والتوكيد، وربما سبب ذلك أن المتنبي ينشد لنا كأنه يصدر أحكاما ثابتة لا خلل فيها ولا نقص، وهذا ملائم مع الثبوت والدوام؛ وأما البحتري، يوجد القليل من إصدار الحكم في قصيدته، لكن من حيث الرواية أقوى؛ فلهذا يبرز عنصر الزمان في جمله، ويلعب الحدوث والاستمرار دورا هاما في أسلوب تعابيره؛ وسنتناولهما في المستوى الفكري. 3ـ3. المستوى الفكري قصيدة البحتري: إن المضمون في هذه القصيدة هو المدح؛ قد مدح البحتري أبا نوح عيسى بن إبراهيم، وهو كان من الكتاب النصارى في الدولة العباسية، وبناء على كلام النقاد، «يرجع تاريخ الإنشاء لهذه القصيدة إلى عام 233ﻫ، حيث كان الشاعر يخطب ودّ أبي نوح ليصل إلى الفتح بن خاقان» (البحتري، 1963م، ص 23)؛ وهذا المدح ممزوج بالغزل والنسيب، حيث يبدي الشاعر ما يدور في نفسه من الغرام ومشاعره. إن الشاعر في أسلوبية التعبير عن الغزل، عادة ما، يكون ذليلا وشاكيا حرقة الجوى وتباريح الهجر وآلام الغرام والحرمان؛ «ولبيان خواص أسلوب المديح، نذكر فيه الجزالة وشدة التأثير، والتعبير عن المجد، والانتصار، والكرم، والشجاعة، والشرف، والعدالة، واشتهرت فيه بعض الصور، من مثل: السيف الصارم، ومضاء العزيمة، والبحر في الجود، والبدر مضاءة» (الشايب، 1991م، ص 89). لقد استخدم الشاعر كثيرا من سمات أسلوب الغزل والمدح، حيث يحكي عن طيف الحبيب، وخبل الغرام، وجوى البرحاء، وداء الهوى؛ وعن الكرم، والجود، والنجح، وضياء الوجه؛ فمن حيث الفحوى والمضمون لا يوجد الخروج عن المعيار، حيث كانت كل من هذه المضامين مألوفة في عصر الشاعر وما قبله من العصور؛ إلّا أن وحدة الموضوع بارزة جدا، حيث تقسم هذه القصيدة إلى قسمين: من البيت الأول إلى الخامس، وهو عن الغزل والنسيب والتعبير عن الحب؛ ومن السادس إلى العاشر، وهو عن المدح ووصف الممدوح، وأخيراً بيان الطلب. أما القسم الأول فيبدأه الشاعر بكلمة طيف الحبيب، وكأنه يريد أن يجسد أمام عيوننا هذا الطيف والخيال، كما ظهر أمام عينيه، مؤكدا أن هذا الطّيف ظهر من البُعد، أي هناك الفراق والبعد بين الحبيب والمحب؛ والإشارة إلى "أرضه" و"سمائه"، علاوة على التعبير عن الهيمنة والسلطان، يمكننا تفسيرها أن الحبيب هو على الأرض وطيفه في السماء؛ فقد سيطر الحبيب وطيفه على الأرض والسماء، حيث موضع ظهور الطيف (الخيال) هو في السماء عادة ما، كما يحكي البحتري عن الطيف، وهو يصف الأفق في قصيدة أخرى:
(1963م، ص 596). يواصل الشاعر القصيدة باستعارة مألوفة، حيث يستعار اللوى (الرمل) للشاعر. وهذا البيت يشير إلى الصفتين، أي الخضوع والاضطراب. بما أنه (الرمل) قطع الطريق عاجلا ومسرعا من مكان غليظ فيه الحجارة والطين إلى مكان فيه رملة مستوية؛ وهذا اللوى (الشاعر) يهدي التحية والسلام من البُعد، وهل يصل هذا السلام إلى الحبيب (أو طيفه) مع بُعد المسافة؟ فطيف الحبيب باعث على حركة اللوى وسرعته كي يهدي التحية؛ وأمّا شفاء الداء بنَظَر الحبيب فهو من الموتيفات المكررة المألوفة، والشاعر قد استخدمها في هذه القصيدة. إنّ زيارة الحبيب نوعان: إما في الكرى، وإما في غير الكرى؛ وأما الزيارة في الكرى فهي شفاء وحظ للعيون، وأما الزيارة في غير الكرى فهي شفاء للقلوب. وبما أن موضع الغرام وبرحائه في القلب فيفتقر الشاعر إلى الزيارة في غير الكرى حتى يشفي الحبيب ألمه؛ كما يقول البحتري في قصيدة أخرى:
(المصدر نفسه، ص 974). فحين يجد الشاعر أن الوصال مستحيل فيخاطب نفسه، ويقول "فدَعِ الهوى أو مُتْ بدائكَ"، ثمّ يصدر حكماً أنّ شأن المتَيم هو الموت بالداء ولا ترك الهوى؛ وأمّا القسم الثاني من القصيدة فأسلوب المدح فيه واضح. يصرّح الشاعر أن لا فضل لنفسه ولا كرامة إلا بواسطة الممدوح؛ فإذا أنعم الشاعر على أحد فكان الممدوح باعثا على ذاك، وكان هذا الإنعام من المستحيل إلّا بعِشرة الممدوح وإخائه. إن أهم الآمال عند الشاعر هو دفاع اللّٰه من نفس الممدوح، وهذا الأمل أكبر الآمال عند الشاعر، ثم يذكر الشاعر اسم الممدوح بصراحة ويصف محبته ويقول: مَن يرى هذه المحبة فيجيب محبته بالمحبة والوداد. وهذه الإجابة ليست من جانب الأصدقاء فقط، بل من جانب الأعداء أيضا. وفي البيتين الأخيرين، يصف طلاقة بِشر الممدوح وضياء وجهه والجود والنجح؛ وفي نهاية المطاف يبدي طلبَه بكلمة الماء، وهنا يرتبط القسم الثاني بالقسم الأول، حيث اللوى العَطِش يتمنى أن يرتوي من الماء، كما يقول البحتري في قصيدة أخرى:
(المصدر نفسه، ص 550). فيدل المطر والماء على جود الممدوح وسخاه، وقد مهد الشاعر بكلمة اللوى (مستعار للشاعر) في القسم الأول، ثم يطلب الارتواءَ بالماء في القسم الثاني. قصيدة المتنبي: إن المضمون هو المدح كقصيدة البحتري، والممدوح هو سيف الدولة الحمداني الذي مدحه المتنبي كثيرا. قد بدأت القصيدة على أسلوب الغزل والنسيب، ثم استمرت على الأسلوب المدح. والجدير بالإشارة أن هذا النوع من إنشاء القصيدة كان مألوفا للغاية في عصر الشاعرين، كما يصرح المتنبي في قصيدة أخرى:
(1983م، ص 302). إن وحدة الموضوع في هذه القصيدة بارزة جدا. قد رسم الشاعر في بدايتها قلبا متحيرا أحاطه عذلُ العواذل؛ ولكن هوى الأحبة في علقته السوداء، ثم يقول: إن اللوم يدرك حرارة القلب وعذابه، فيشكو إلى اللائمات كي يتركن القلب المعذّب؛ فهذا الشكوى يخفف ألم القلب وشدّة عذابه. كان يدور الكلام حول سوداء القلب ففي البيت التالي يحلف الشاعر بمهجته ويخاطب العاذلَ ويقول: إنني أسخطت أعذلَ منك كي أرضي هذا الْملك الذي يملك القلوب والزمان بكل سيطرته وهيمنته في الأرض والسماء، فيكون السماء تمهيدا للبيت التالي، كي يبدأ الشاعر بكلمة الشمس، ثمّ يقوم بالمقارنة ويقول: الشمس من حسّاده بسبب حسن الملِك والنصر من قرنائه بسبب إباء الملك (من الأعداء) والسيف من أسمائه بسبب مضاء الملِك. والجدير بالذكر أن الضمير في "مضائه" يرجع إلى الملك، فالمضاء في الرأي والحكم، حيث تختَّم الرسالة أو الحكم بخاتم محفور عليه اسم "سيف الدولة"؛ كما يقول المتنبي في قصيدة أخرى:
(المصدر نفسه، ص 414). فهذه من سمات أسلوب المتنبي أن يستخدم التورية لكلمة السيف معتنيا بالسيف (الحديد) والسيف (سيف الدولة)، كما يقول في قصيدة أخرى:
(المصدر نفسه، ص 319). وسنتناول التورية في موضعها. وأما في البيت الأخير فيصدر الشاعر حكما قاطعا أن الدهور لم تقدر أن تأتي بمثله ونظيره ويؤكد أنّها عاجزة عن ذاك. عذل العواذل وسوداء القلب لومُ اللوائم وبرحاء القلب المهجة ووصف الملِك سيطرة الملِك المقارنة بين الملِك والثلاثة الملِك هو الفريد. فهكذا تظهر لنا وحدة الموضوع والترابط والتلاؤم بين الأبيات؛ فيبدأ كل من هاتين القصيدتين بأسلوب الغزل ويستمر وينتهي بأسلوب المدح؛ ووحدة الموضوع فيهما واضحة.
3ـ4. المستوى الأدبي 3ـ 4ـ 1. البيان قصيدة البحتري: وأما البيان فيشتمل على:
قصيدة المتنبي: وأما البيان فيشتمل على:
3ـ 4ـ 2. المحسنات البديعية المعنوية: قصيدة البحتري: وأما المحسنات البديعية المعنوية فتشتمل على:
قصيدة المتنبي: والمحسنات البديعية المعنوية عند المتنبي أقوى منه عند البحتري، فتشتمل على:
فكما لاحظنا، قد استخدم معظم هذه الاستعارات والتشبيهات والعبارات في عصر الشاعرين كثيراً، وليست عبارات غريبة غير مألوفة؛ إلا عبارة "خبل الغرام". فهذا التشبيه ليس مألوفا، فيبدو أن لهذا السبب قد شكك النقاد في كلمة "خَبَل"، فقرأها بعضهم بالتصحيف "حَبْل"؛ لكن يمكننا القول: كلمة "خَبَل" أصح، معتنيا بالقرائن في البيت التالي "الموت" و"الداء". وأمّا بعض الاستعارات والعبارات مألوفة للغاية أو ـ إن صحّ التعبيرـ كثير التردد في ديوانهما؛ منها في قصيدة البحتري: استعارة الداء للهوى، واستعارة الشمس للوجه، واستعارة الماء للجود؛ وفي قصيدة المتنبي: المقارنة بين الممدوح والشمس، والتورية في كلمة السيف والمضاء. فبناء على ما ذكرنا في المستوى الأدبي، قد ظهر لنا أن توظيف التشبيهات والاستعارات في قصيدة البحتري أكثر من توظيفها عند المتنبي، وهذا يدل على أن الكلام يظهر بشكل صريح ومباشر[34] في قصيدة المتنبي، وهذا ملائم مع الثبوت والدوام، وإصدار الحكم، وجزالة التعبير؛ وفي قصيدة البحتري يظهر بشكل مائل[35] وغير مباشر؛ وهذا ملائم مع التعبير الروائي الذي يبرز فيه عنصر الزمان، حيث يرسم لنا الشاعر التفاصيل بالتشبيه والاستعارة؛ وأمّا البديع المعنوي في قصيدة المتنبي أكثر منه في قصيدة البحتري. ويمكننا القول إن التنوع والتلون في الأدوات الفنية في قصيدة المتنبي بارز للغاية.
وأما التشابه في الأسلوبية بين القصيدتين فمن حيث الوزن لا يوجد أي فرق بينهما، واستخدم البحر الكامل التام المضمر فيهما؛ وبالنسبة إلى القافية أيضا لا فرق بين القصيدتين، فالقافية في كلتا القصيدتين مشتملة على الردف، والروي، والوصل والخروج. والجدير بالذكر أنّ في هاتين القصيدتين، لا توجد قافية مشتركة إلا "برحائه" و"سمائه". وكما لاحظنا، قد وظف مستوى الإيقاع الداخلي في كلتا القصيدتين؛ ولا يوجد مفردة غريبة في اختيار المفردات، كما أشير إلى اسم الممدوح في كلتا القصيدتين: "أبو نوح" و"السيف". وبالنسبة إلى النحو، فقد ظهر لنا أن في كلتا القصيدتين، الجملة الفعلية أكثر من الجملة الاسمية؛ وأما المستوى الفكري فتبدأ كل من هاتين القصيدتين بأسلوب الغزل ويستمر وينتهي بأسلوب المدح؛ ووحدة الموضوع فيهما بارزة جدا؛ وهناك توظيف الاستعارات المصرحة والمكنية والمحسنات المعنوية في كلتا القصيدتين. وأما الاختلاف فالبحتري استخدم زحاف الإضمار أكثر من المتنبي، وهذا من أجل السرعة في الكلام لاسيما في أواخر قصيدته. وقد وظف كلا الشاعرين القوافي المختلفة المتنوعة إلّا المفردتين وذكرناهما سابقا. والإيقاع الداخلي عند البحتري أقوى منه عند المتنبي، خاصة في ائتلاف الألفاظ والتناسق الصوتي. وتبين لنا أنه لا يوجد فرق كبير في أسلوبية المفردات في كلتا القصيدتين من حيث اسم المعنى والذات إلا أن المتنبي أقل ميلا لاسم المعنى؛ وعلى العكس، البحتري أكثر ميلا لاسم المعنى. وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على أن التعبير في قصيدة المتنبي يميل إلى الثبوت ـ كما أشرنا سابقا ـ فلهذا يوظّف الذوات والعيون في كلامه أكثر من اسم المعنى، كي يضيف إلى هذا الثبات، حيث اسم الذات يقوم بنفسه ويدلّ على شيء ثابت؛ في حين أن اسم المعنى لا يقوم بنفسه وجوديا ويدل على شيء تجريدي. وأما على المستوى النحوي فقد غلبت الجملة الفعلية على الاسمية عند البحتري. بما أن المستوى الروائي أقوى؛ فلهذا انتشر عنصر الزمان في كل الأبيات؛ لكن عند المتنبي على العكس تماماً، فأسلوب الكلام يميل إلى الثبوت والتوكيد، حيث إن المتنبي يصدر أحكاما قاطعة ثابتة، فالثبوت والتوكيد ملائمان ومتناسبان مع هذا النوع من التعبير. أما على المستوى الفكري، فتقسم قصيدة البحتري إلى قسمين: من البيت الأول إلى الخامس، وهو عن الغزل والنسيب؛ ومن السادس إلى العاشر، وهو عن المدح ووصف الممدوح، وأخيراً بيان الطلب؛ لكن قصيدة المتنبي تتكون على نظام متماسك، حيث كل بيت تمهيد للبيت التالي. فمن هذا المنظار، يظهر الانسجام والتلاحم عند المتنبي أكثر منه عند البحتري. وأخيرا، المستوى الأدبي فظهر لنا أن توظيف التشبيهات والاستعارت في قصيدة البحتري أكثر من توظيفها عند المتنبي، وهذا يدل على أن الكلام في قصيدة المتنبي يظهر بشكل صريح ومباشر، وهذا ملائم مع الثبوت وإصدار الحكم. وفي قصيدة البحتري، يظهر بشكل غير مباشر ومائل وهذا ملائم مع التعبير الروائي، حيث يرسم لنا تفاصيل الحكاية ودقائقها؛ وربّما لهذا السبب، غلبت الاستعارة المكنية على الاستعارة المصرحة، حيث الصراحة في الاستعارة المصرحة أقوى، كما نلاحظ في تسميتها. وأما استخدام البديع المعنوي ومحسناته في قصيدة المتنبي فهو أكثر تنوعا وتلونا منه في قصيدة البحتري؛ فأوجه الاختلاف بارزة، خاصة على المستوى النحوي، ومن حيث أسلوب التعبير على المستوى الفكري، ومن حيث استخدام المحسنات على المستوى الأدبي. وعلينا أن نشير إلى أننا لم نجد أي دليل على تأثر المتنبي بالبحتري في نظم هذه القصيدة، حيث أوجه الاختلاف بارزة للغاية في أسلوبية التفكير وفي نوعية الاستخدام من الأدوات اللغوية والفنية. والجدير بالذكر أن كلا من الشاعرين كانا قادرين على استخدام الأدوات اللغوية والفنية لغرضهما المقصود. وإن هذه النوعية لاستخدام الأدوات قد كونت أسلوبهما الفردي.
الخاتمة توصلت المقالة إلى ما يلي: ـ تلعب العلاقات السياقية والعلاقات الإيحائية دورا كبيرا في تكوين الأسلوب الفردي وتعينه؛ فيعبر المؤلف عما يجري في باله بتوظيف هذه العلاقات؛ فالترابط بين التفكير ونوعية استخدام هذه العلاقات يؤدي إلى الأسلوب الفردي. ـ قد تشابه الوزن والقافية في كلتا القصيدتين؛ لكن كثر زحاف الإضمار في قصيدة البحتري مما أدى إلى السرعة في الكلام خاصة في نهاية القصيدة بغرض الوصول إلى بيان الطلب؛ واستخدام ظاهرة حرف الهمزة والعين في الإيقاع الجانبي والداخلي يقوي شدة التأثير في التعبير عن العواطف والألم. ـ إن الجملة الفعلية كثر توظيفها عند البحتري وقل عند المتنبّي؛ لأن المتنبي مال إلى الثبوت والتوكيد، وسبب ذلك أنه ينشد لنا كأنه يصدر أحكاما ثابتة لا خلل فيها؛ وهذا ملائم مع الثبوت والدوام؛ وأما البحتري فمن حيث الرواية أقوى، فلهذا يبرز عنصر الزمان في جمله، ويلعب الحدوث والاستمرار دورا هاما في أسلوب تعابيره. ـ يبدأ كل من القصيدتين بأسلوب الغزل ويستمر وينتهي بأسلوب المدح؛ فهناك وحدة الموضوع والتلاؤم بين الأبيات؛ إلا أن قصيدة البحتري تقسم إلى الأبيات الخمس الأولى ومضمونها الغزل، والأبيات الخمس الثانية ومضمونها المدح؛ لكن كل بيت عند المتنبي يرتبط بالبيت التالي؛ فقصيدة المتنبي أقوى من قصيدة البحتري من حيث التماسك. ـ إن توظيف التشبيهات والاستعارت في قصيدة البحتري أكثر من توظيفها عند المتنبي، وهذا يدل على أن الكلام يظهر بشكل مباشر في قصيدة المتنبي، وهذا ملائم مع إصدار الحكم وجزالة التعبير؛ وفي قصيدة البحتري، يظهر بشكل غير مباشر ومائل؛ وهذا ملائم مع التعبير الروائي، حيث يرسم الشاعر التفاصيل بالتشبيه والاستعارة. ـ لا يوجد أي دليل على تأثر المتنبي بالبحتري، حيث إن أوجه الاختلاف في أسلوبية التفكير ونوعية استخدام الأدوات اللغوية والفنية بارزة جدا؛ وكان كلا الشاعرين قادرا على استخدام الأدوات اللغوية والفنية للغرض المقصود.
[1]. Rhetoric [2]. Poetics [3]. Literary [4]. مركبة من البلاغة والأسلوبية [5]. Georges Molinié [6]. Charles Bally [7]. Traité de stylistique française [8]. Facts of expression [9]. Macrocontext [10]. Microcontext [11]. Genre [12]. Stylistic [13]. Style [14]. Ique [15]. Ferdinand de Saussure [16]. Course in General Linguistics [17]. Linguistic [18]. Jules Marouzeau [19]. Marcel Gressot [20]. Langage [21]. Symbols [22]. Facts [23]. Langage [24]. Langue [25]. Parole [26]. Langue [27]. Syntagmatic Relation [28]. Paradigmatic Relation [29]. axis [30]. Genre [31]. School [32].
(1963م، ص23 ـ 24). [33].
(1983م، ص 352). [34]. Direct [35]. Obliqe | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مراجع | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
أ. العربية
آسية، ذيب. (2014م). مقارنة أسلوبية لقصيدة أبي الطيب المتنبي. رسالة الماجستير. جامعة العربي بن مهيدي، الجزائر.
البحتري، الوليد بن عبيد أبو عبادة. (1963م). الديوان. تحقيق: حسن كامل الصيرفي. القاهرة: دار المعارف.
بشر، كمال. (2000م). علم الأصوات. القاهرة: دار غريب.
جيرو، بيير. (1994م). الأسلوبية. ترجمة منذر عياشي. ط 2. حلب: مركز الإنماء الحضاري.
الحلحولي، محمود أحمد. (2019م). «الثابت والمتحوّل في مدحتي البحتري والمتنبي ووصفهما منازلة الأسد: دراسة تحليلية وموازنة». مجلة جامعة الشارقة. ج 16. ع 1. ص 212 ـ 245.
دي سوسير، فردينان. (1985م). علم اللغة العام. ترجمة يوئيل يوسف عزيز. ط 3. بغداد: دار آفاق عربية.
الزبيدي، وسن عبد المنعم ياسين. (2008م). خصائص الأسلوب في شعر البحتري. أطروحة الدكتوراه. جامعة بغداد. كلية الآداب.
الشايب، أحمد. (1991م). الأسلوب دراسة بلاغية تحليلية لأصول الأساليب الأدبية. ط 8. القاهرة: مكتبة النهضة المصرية.
صادر، سليم إبراهيم. (2009م). جواهر الأدب من خزائن العرب. بيروت: دار الكتب العلمية.
صالح، خالد محمد؛ وحسن حميد محسن. (2014م). «الظواهر الأسلوبية ودلالاتها في قصيدة الحمى للمتنبي». مجلة أبحاث ميسان. ج 10. ع 20. ص 258 ـ 282.
قصّاب، وليد إبراهيم. (2009م). مناهج النقد الأدبي الحديث رؤية إسلامية. ط 2. دمشق: دار الفكر.
قعقع، أمينة. (2013م). سينية البحتري: دراسة أسلوبية. رسالة الماجستير. جامعة الجزائر. كلية الآداب واللغات والعلوم الاجتماعية والإنسانية.
عياشي، منذر. (2015م). الأسلوبية وتحليل الخطاب. دمشق: دار نينوى.
المتنبي، أحمد بن الحسين أبو الطيب. (1983م). الديوان. بيروت: دار بيروت للطباعة والنشر.
المسدي، عبد السلام. (1982م). الأسلوبية والأسلوب. ط 3. تونس: الدار العربية للكتاب.
ب. الفارسية
شميسا، سيروس. (1393ﻫ.ش). كليات سبکشناسى. چ 2. تهران: ميترا.
صفوى، كورش. (1394ﻫ.ش). از زبان شناسى به ادبيات. چ 5. تهران: سوره مهر.
ج. الإنجليزية
ريكارد
Rickard, Peter. (1992). The French Language in the seventeenth century. Cambridge: D.S. Brewer. د. الفرنسية
بالي
Bally, Charles. (1921). Traité de stylistique française. 2nd. Heidelberg: Carl Winter's Universitätsbuchhandlung. موليني
Molini, Georges. (1995). «Stylistique et Tradition Rhétorique». Hermès. n 15. pp 119 – 128. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 2,819 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 631 |