تعداد نشریات | 43 |
تعداد شمارهها | 1,677 |
تعداد مقالات | 13,681 |
تعداد مشاهده مقاله | 31,753,260 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 12,551,124 |
دراسة دلالية سردية في قصيدة شجرة القمر لنازك الملائكة | ||
بحوث في اللغة العربية | ||
مقاله 6، دوره 14، شماره 26، تیر 2022، صفحه 63-74 اصل مقاله (1012.74 K) | ||
نوع مقاله: المقالة البحثیة | ||
شناسه دیجیتال (DOI): 10.22108/rall.2020.121895.1266 | ||
نویسنده | ||
نعيم عموري* | ||
أستاذ مشارك في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة شهيد چمران أهواز، أهواز، إيران | ||
چکیده | ||
اتجه الشعر المعاصر إلی اتجاهات عدة لها أصول في اللغة العربية والدراسات الغربية الحديثة، حيث مزجت التراث العربي القديم بالرؤی الحديثة. ومن هذه الآراء نظرية جيرار جينيت حول السردية ومكوناتها التي تنطلق منها الدراسات حول الراوي والمروي والزمان والمكان والأحداث. من هذا المنطلق، البناء السردي في الشعر القصصي له أهمية كبری في الدراسات الأدبية، حيث تختلف منهجية الحكي عن السرد في دراسة الأشعار. ففي موضوع البحث، نلاحظ أن قصيدة شجرة القمر للشاعرة العراقية، نازك الملائكة، قصيدة قصصية تحتوي علی مكونات السرد القصصي، حيث تتجه الدراسة نحو بنية العنوان والحكاية السردية في الشعر القصصي في الزمن السردي والاسترجاعي والاستباقي. فالقصة التي نظمتها نازك الملائكة شعراً قصصياً مثقلة باستعارات ورموز كثيرة. تهدف هذه الدراسة إلی تحليل البنية السردية في القصيدة، وذلك بالاعتماد على المنهج الوصفي ـ التحليلي. ومن نتائج البحث أنّ الديمومة والتكرار السردي هما المكوّنان الأساسان للسرد القصصي في قصيدة شجرة القمر، والشاعرة ربطت الأصوات وموسيقی الشعر الداخلية والخارجية بشعور وانفعالات مؤثّرة في القصة الشعرية الخيالية، فالبنية السردية في القصيدة متماسكها في ديمومتها وسردها التكراري. | ||
کلیدواژهها | ||
البنية السردية؛ الديمومة؛ نازك الملائكة؛ شجرة القمر | ||
اصل مقاله | ||
تطرّق القدماء والمحدثون إلی قضيتين رئيستين: السرد، والحكي في الدراسات القديمة والحديثة، وأرادوا من السرد الجانب الشكلي أو شكل الحكاية، ومن الحكي القصة والخطاب، فعمّموا نطاق الحكي علی السرد. لكن في الدراسات الحديثة وخاصّة ما تطرّق إليها جيرار جينت[1]، عمّ نطاق السرد وأخذ بعض الدارسين يدرسونه في النثر والشعر علی حد سواء. أمّا الشعر القصصي فيشمل كلا الموضوعين من حكي وسرد ومن قصة وشعر؛ لذا يدرس هذا البحث المعنون بالبنية السردية في قصيدة شجرة القمر لنازك الملائكة، البنية السردية والسرد العربي في الشعر القصصي، حيث السرد يدرس في القصة والرواية، وقلّما تطرّق الكتّاب إلی السرد القصصي في الشعر. وأمّا قصيدة شجرة القمر فمن ضمن الشعر القصصي. تناول هذا البحث السرد لغة واصطلاحا، ثم اتجهت الدراسة إلى إطار محدد من دراسة السرد مبتدأة بدراسة القصيدة وبنية العنوان والبنية الحكائية السردية في القصيدة وما تمخض من البنية الحكائية ممهداً لزمن السرد في الشعر القصصي. وعالج البحث البنية السردية الزمنية في كلا النوعين: الاسترجاع، والاستباق. وهناك شعب متعددة في السردية الزمنية من المسافة والديمومة وعناصرها في الحركة السردية: كالخلاصة، والحذف، والمشهد، والوقفة، ثم تناول البحث الصورة الشعرية في السرد في صورتيه الداخلية والخارجية، وانتهی بالتكرار السردي والنتائج. 1ـ1. أسئلة البحث يحاول البحث الإجابة عن السؤالين: ـ كيف يتطرّق دارس الأدب إلی البنية السردية؟ ـ ما آليات دراسة البنية السردية في قصيدة شجرة القمر؟ 1ـ2. فرضيات البحث يتبع البحث الفرضيتين: ـ يتطرّق دارس الأدب إلی البنية السردية من خلال الخطاب الموجود في نص الأدب النثري أو الشعري، وإن تطرّق مباشرا إلی سرد الحكاية القصصية أو الشعرية؛ فهذه الدراسة تفتقر إلى النظريات الحديثة، وعلی رأسها نظرية جيرار جينت؛ ـ آليات الدراسة في البنية السردية في شجرة القمر كثيرة، منها: بنية العنوان، والزمن الاسترجاعي والاستباقي، والمسافة والديمومة، والصورة الشعرية، والسرد التكراري. 1ـ3. خلفية البحث تطرقت دراسات كثيرة إلى البنية السردية، منها؛ مقالة الشعر والسرد والتاريخ: دراسة في شعر السيد الحميري، لماجد عبد الحميد الكعبي (2010م). درس الباحث فيها شعر الحميري وتطرّق فيها إلى السرد القديم. ومقالة البنية السردية في الخطاب الشعري: قصيدة عذاب الحلاج للبياتي نموذجا، لهدى الصحناوي (2013م)؛ فتطرّقت فيها الكاتبة إلی الخطاب الشعري في قصيدة البياتي. وكذلك مقالة منطلقات المكون السردي في مقامات بديع الزمان الهمذاني: مقاربة في ضوء المعطی السوسيو ثقافي، لناصر بركة (2016م)؛ تطرّق الباحث إلی سرد المقامات وفق نظرية دي سوسير. ومقالة تشكيل البناء السردي في قصيدة "عصا الخرنوب" للشاعر حبيب السامر، لرسول بلاوي (1396ﻫ.ش)؛ هذه المقالة تطرّقت إلی البنية السردية في الشعر المنثور في قصيدة عصا الخرنوب، وذلك من خلال رؤية حداثوية في المكونات الزمنية للسرد من استرجاع واستباق، ففيها رؤية جديدة في دراسة السرد. ومقالة بنية السرد الروائي وتقنياته في الرسالة البغدادية لفرامرز ميرزائى ومريم رحمتى تركاشوند (2017م). تطرّقت الدراسة إلی البناء السردي في الراوي والمروي والزمان والمكان والأحداث وتناولت أسلوب أبي حيان التوحيدي. وأيا يكن الأمر، فهذه البحوث السردية لم تتطرق إلی قصيدة شجرة القمر؛ لذا هذه الدراسة تتصف بالجدة.
السرد لغة «الخَرَزُ في الأديم، وسِرد بالكسر، صار يسرد صومه» (الفيروزآبادي، 2008م، ص 762)؛ والسرد «تقدمة شيء إلى شيء تأتي به متسقا بعضه في إثر بعض» (ابن منظور، 2003م، ج 7، مادة سرد). أمّا علم السرد فهو العلم الذي يقبل صياغة النصوص السردية في بنيتها السردية. والسردية «هي الأسلوب أو الطريقة التي تفك بها شفرات النص» (عمر، 2014م، ص190). في الواقع، السرد «هو العلم الذي یعنی بدراسة الخطاب السردي أسلوبا وبناء ودلالة، ويقوم علی دراسة تمظهر عناصر الخطاب واتساقها في نظام یكشف العلاقات التي تربط الأجزاء بعضها ببعض» (حطيني، 2010م، ص 111). يختلف السرد عن الحكاية؛ لأنّ «السرد من الأنشطة اللغوية والتواصلية التي يمارسها كلّ شخص، وتمكنه من سرد مجموعة من الوقائع والأحداث أو استرجاعها سواء كانت واقعية أو متخيلة» (آيت أوشان،2010م، ص 43). و«يرتبط مفهوم الراوي بمفهوم المروي عليه، فلا وجود لأحدهما دون الآخر» (ميرزائى ورحمتى تركاشوند، 2017م، ص 441). «فالسرد القصصي يتخذ من اللغة وسيلة له فهو يحكي عن طريق اللغة السلوك الإنساني والحركات والأفعال والأماكن» (البركة، 2016م، ص260). لذا، فالشعر القصصي غير بعيد عن الحكاية والقصة في سرده «واقتران الشعر بالحكي قديم عرف في الملحمة وبعض الأنواع الأدبية المعرفة» (الكعبي، 2010م، ص 3). في الواقع، استثمار تقنيات السرد في النص الشعري القصصي يأتي عبر أشكال تختلف عن السرد الحكائي في الروايات (الصحناوي، 2013م، ص 387). لقد أصبح المبنی السردي هو الكیفیة التي یجري بها نقل الواقعة الإنسانیة من الأبعاد والتقنیات المختلفة، وذلك یشبه القصیدة المعاصرة التي لا تقتصر علی صوت واحد، بل هي حاملة لأصوات مختلفة قد تبنی علی أساس النسق السردي الذي ینقل فیه الشاعر أحداثا ذات دلالات مثیرة للانفعال والتأثر. وعلی أساس ذلك، تفتّحت مشاعر الشاعر علی عالم بصري شعوري له أبعاد وجود حقیقیة، ونفسیة، وزمانیة، ومكانیة، وهو أصبغ علیها بعدا موضوعیا معزولا عن الغنائیة المطلقة والذاتیة المغلقة؛ لذلك الملامح السردية المتمثلة في البناء السردي لا تملك وجودا قصصیا للغایة، بل تنمو كفعل شعري داخل الكیان الشعري.
أصل هذه القصيدة قصة نظمتها نازك لابنة عمّها ميسون الفتاة البالغة سنّ الحادية عشرة عام 1952م؛ لهذا السبب هذه القصيدة نظمت في أسلوب قصصي رائع تحكي عن غلام يعيش في كوخ صغير في منطقة جبلية. وفي مساء صيف، صعد هذا الغلام قمة شاهقة ثمّ قبّل القمر وأخذه إلی كوخه الصغير، وقامت ضجة في الناس: أين القمر؟ ثمّ جاؤوا إلی كوخ الغلام وبدأ الغلام بحفر الأرض ودفن القمر، ثمّ كسر الناس جدار الكوخ ودخلوا فيه فلم يشاهدوا إلا الغلام البرئ ثمّ رجعوا يتساءلون عن القمر، ثمّ في الصباح شاهد الغلام الشجرة المنوّرة، وقد تغذت عروقها من القمر، ومن كلّ غصن تدلّی قمر. 4.دراسة وتحليل 4ـ1. بنية العنوان العنوان أول علامة سيميوطيقية للنص؛ رواية كان أو مسرحية أو شعراً فينمّ عما فيه. فالعنوان فيه دلالة واضحة أو دلالة إيحائية رمزية تجاه النص الأدبي. في الواقع، العنوان، كضرورة فنية تأتي خادما للعملية الإبداعية برمتها، فلم يعد مجرد هوية عبور إلى المتلقي، أو اتخاذه مفتاحا لأبواب مغلقة الدلالة (ديب، 2010م، ص 17). «يعد العنوان واحداً من أهم الوسائل الجمالية والدلالية في بناء النص من جهة، فهو يؤدي دورا فعالا في العملية الأدبية إبداعا؛ إذ يحرص المبدع على الدقة في اختياره لإدراكه حساسية ارتباطه بالنص، والأهمية التفاعلية بينهما، وبيانه لهوية النص» (يحياوي، 1998م، ص 116)، فهو «رسالة لغوية تعرّف بتلك الهوية وتحدد مضمونها، وتجذب القارئ إليها، وتغريه بقراءتها، وهو الظاهر الذي يدل على باطن النص ومحتواه» (المصدر نفسه، ص 117). وبالعنوان تبدأ عملية التواصل مع العمل الأدبي. فشجرة القمر لها دلالات عديدة، أولها أنّ العنوان تخيلي رمزي فيه إيحاءات غريبة عن الذهن، والمتلقي يتشوّق أكثر فأكثر إلى ما يدور في فحوی القصيدة. فالعنوان يمتاز سيميائيا بعلاقة ارتباطية عضوية مع النص، مشكِّلا بنية تعادلية كبرى تتألف من محورين أساسيين في العملية الإبداعية هما: العنوان، والنص (يعقوب، 2004م، ص 100). التركيب الإضافي في "شجرة القمر" يدلّ علی معنی التعلّق. وهذا التركيب في بداية القصيدة يتجه نحو سيماء المكان، حيث تعرّف لنا الشاعرة مكان الشجرة وتأتي بأسلوب سردي قصصي أحداث القصيدة التي حاكتها بلغة شاعرية. فالبنية اللغوية والدلالية مرتبطة بالنص الشعري. فالعنوان يؤثر «في مقاربة النص الأدبي، وإنه مفتاح أساسي يتسّلح به المحّلل للولوج إلى أغوار الّنص العميقة قصد استنطاقها وتأويلها» (حمداوي، 1997م، ص 96). فالمفردات السردية التي تقف وراءها قد استنفدت دورة حياتها الحكائية، واستقرت في صيغة أدبية مختزلة في نمط شعري له خصوصياته. فالعنوان هنا «يومئ إلى أمر غائب في النص على القارئ أن يبحث عنه لاكتشاف البيئة المولدة للدلالة والجديرة بأولية التحليل» (قاسم، 2001م، ص 328). وفق هذا الفهم، يرتبط العنوان بعلاقة إيحائية ومرجعية مع سلسلة من الأفكار والرموز والرؤى التي لا بد من البحث عنها لإدراك دلالاته. فاللغة الرمزية عند نازك الملائكة في قصيدتها تحكي عن بنيات سردية تمهد العنوان للأسلوب القصصي، حيث تعرّف البئية التي تحيط بالشجرة وتستخدم السيمياء في كافة القصيدة. 4ـ2. البنية الحكائية السردية في القصيدة هذه القصيدة قصصية نظمت في جو مشحون بالرومانسية، وفيها بعض الغموض. وذلك أمر طبيعي؛ لأن لغة الشاعرة الرومنسية تقتضي هذا النوع من الغموض. فـ«لغة الشعر هي لغة الإشارة، في حين أنّ لغة النثر هي لغة الإيضاح، ولا بد للكلمة في الشعر أن تعلو على ذاتها، أن تزخر بأكثر مما تعنيه، أن تشير إلى أكثر مما تقول، عبر إدراك الشاعر لقدرات المجاز في منح اللغة مساحة أوسع من دلالتها المعجمية، يزيدها قوة تبدو في أنه يمكن للكلمات أن تعني أكثر مما تشير إليه. الكلمات لدى الشاعر تختلف عن الكلمات المستخدمة في الحياة اليومية؛ فالشاعر يستنفذ في الكلمات كل طاقاتها التصويرية والإيحائية والموسيقية. اللغة الشعرية تنظم وتشد مصادر اللغة العادية وأحياناً تنتهكها» (أدونيس، 1979م، ص 125 - 126). فالسرد القصصي يتخذ من اللغة وسيلة له، فهو يعبر بوساطتها عن السلوك الإنساني والحركات والأفعال والأماكن، وهي أدوات عالمية الدلالة؛ ومن ثمّ فإن تحويل التجربة إلى حكاية معناه إخراجها فنيا إلى حيز اللغة الإنسانية الشاملة بخلاف ما لو صيغت على هيئة تأملات أو تقارير محلية. ولا تخفى ههنا أهمية إدراك كيفية تشكل فعل السرد ونضجه الفني عبر آلياته الماثلة في جسد النص (الكردي، 2005م، ص 13). ففي السرد القصصي لهذه القصيدة، تبدأ الشاعرة بالحكاية القصصية لميسون وتعترف الشاعرة أنّ ميسون لا يسعها فهم القصيدة بسبب تراكم الرموز فيها (1997م، ص 412)، حيث تقول: «على قمّةٍ من جبال الشمال كَساها الصَّنَوْبَرْ / وغلّفها أفُقٌ مُخْمليٌّ وجوٌّ مُعَنْبَرْ / وترسو الفراشاتُ عنْدَ ذُراها لِتَقْضي المَساءْ / وَعِنْدَ يَنابيعِها تَسْتَحِمُّ نُجومُ السَّماءْ ...» (المصدر نفسه، ص 421). السرد القصصي يبدأ بطبيعية وليونة دون ضخّ الرموز في بداية الأمر، حيث نعلم أنّ جبال شمال العراق مشهورة بجمالها وسحرها؛ لذا في سردها القصصي تعمّدت الشاعرة ذكر جبال الشمال ثمّ كستها بصور رائعة وبأشجار الصنوبر والأفق المخملي والجو المعنبر. هذا الكمّ الهائل من الصور علی جمال جبال الشمال يجذب المتلقي لما في القصيدة القصصية. 4ـ3. البنية السردية الزمنية 4ـ3ـ1. الاسترجاع ندرس في هذه القصيدة زمني الاسترجاع والاستباق. والزمان في مفهومه العام هو المادة المعنوية المجردة التي تتشكل منها الحياة، فهو حيّز كل فعل، ومجال كل تغيير وحركة، وهو بالنسبة للإبداع الأدبي عامة والقصصي خاصة تحضير للجو النفسي والاجتماعي والتاريخي والأيديولوجي (طالب، 2004م، ص 9). فالاسترجاع «مفارقة زمنية باتجاه الماضي من لحظة الحاضر؛ استدعاء حدث أو أكثر وقع قبل لحظة الحاضر» (بلاوي، 1396ﻫ.ش، ص 100؛ نقلا عن بيرس، 2003م، ص 16). يقول تودوروف[2]: «الاسترجاعات أكثر توترا، فتروي لنا فيما بعد ما قد وقع من قبل» (1990م، ص 152)؛ وفيها يترك للكاتب مستوى القص الأول، ليعود إلى بعض الأحداث الماضية ليفسرها في ضوء المواقف المتغيرة، مما يعطي بعض المعاني الجديدة؛ إذ كلما تقادمت الذكريات، تغيرت النظرة إليها، وبالتالي یتغیر تفسیرها في ضوء ما استجد من أحداث، كما نلاحظ في قصيدة شجرة القمر، حيث تقول الشاعرة: هُنالكَ كان يعيشُ غلامٌ بَعيدُ الخيالْ / إذا جاعَ يأكلُ ضوءَ النجومِ ولَوْنَ الجِبالْ / وَيَشْربُ عطْرَ الصّنوبرِ والياسَمين الخَضِلْ / وَيَمْلأ أفكْارَهُ منْ شَذَى الزَّنْبَقِ المُنْفعلْ / وكان غُلاماً غَريبَ الرُّؤى غامِض الذِّكْرياتْ / وكانَ يُطارِدُ عطْرَ الرُّبَى وصَدَى الأُغْنياتْ / وكانتْ خُلاصَةُ أحْلامِهِ أنْ يصيدَ القَمَرْ / ويودعَهُ قفَصًا منْ ندًى وشذًى وزَهَرْ / وكان يقضِّي المساءَ يحوك الشباكَ ويَحْلُمْ / يوسّدُهُ عُشُبٌ باردٌ عند نبع مغمغِمْ / ويَسْهَرُ يرمُقُ وادي المساء ووَجْهَ القَمَر (1997م، ص 422 - 423). كما نلاحظ في المفارقة السردية الزمنية التي بنتها الشاعرة علی زمن الاسترجاع، كثرةَ الأفعال الماضية: كـ"كان"، و"جاع". وكثيرا ما تسترجع الأحداث في القصيدة بـ"إذا"، وذلك في الأفعال المضارعة الواردة، وهذا ما يبيّن لنا المفارقة الزمنية في الاسترجاع. والسرد المكاني هو الملاحظ في الاسترجاع، «حينما يستحيل واقعة لغوية ومكونا سرديا، فإنه ينأى بتوظيفه النصي / السردي عن طبيعته الجغرافية وقياساته الهندسية المجسدة لواقعيته وماديته، نظراً لما يؤديه من دور مهم في تنامي الحدث وتفاعل مع الزمن ليولدا معا الفضاء السردي، ويعدّ أيضا وسيلة لمعالجة القيم ... المرتبطة بالانفعالات الشعورية للشخصيات الفاعلة في النص السردي» (بركة، 2016م، ص260، نقلاً عن عبد الفتاح كيليطو، ص 13). فالاسترجاع بمفهوم ما یخدم اللحظة الحاضرة في النص الأدبي نشاهده في الصور القديمة التي ترتبط بالزمن الداخلي من منطلق الزمن الخارجي للأفعال الماضية وللمعنی الماضي في التعابير. 4ـ3ـ2. الاستباق يعد الاستباق أحد المفارقات الزمنية التي تعتمد علی تشظي النسق الأفقي للزمن بواسطة تقديم أحداث زمنية محل أخری سابقة عليها في الحدوث، ويقع علی مقربة من زمن السرد أو الكتابة «خارج حدود الحقل الزمني للحكاية الأولی وتكون وظيفتها ختامية في أغلب الأحيان، بما أنها تصلح للدفع بخط عمل ما إلی نهايته المنطقية» (جينیت، 1997م، ص 77). فالاستباق يروي الأحداث السابقة عن أوانها ويبدأ من الحاضر للوصول إلی المستقبل مستبقا الأحداث التي تقع في الحاضر إلی المستقبل. من الزمن الاستباقي ما تطرّقت إليه الشاعرة في قصيدتها: وفي ذات صيفٍ تسلّل هذا الغلامُ مساءْ / خَفيفَ الخُطَى، عاريَ القدمين، مَشُوقَ الدِّماءْ / وسار وئيداً وئيداً إلى قمَّةٍ شاهِقهْ / وخبّأ هَيْكلَهُ في حِمَى دَوْحةٍ باسقهْ / وراح يعُدّ الثواني بقلبٍ يدُقّ يدُقّ / ويَنْتظرُ القَمَرَ العذْبَ والليلُ نشوانُ طَلْقُ / وَفي لحظةٍ رَفَعَ الشَّرْقُ أستارَهُ المُعْتمهْ / ولاحَ الجبينُ اللجينيّ والفتنةُ المُلْهِمهْ (1997م، ص 425 - 426). في الزمن الاستباقي، نلاحظ توظيف الشاعرة لتراكم الأزمنة التي تمهّد طلوع القمر. ولمّا يطلع القمر تسلل الغلامُ علی الجبل لصيد القمر، ولذا راح يعدّ الثواني بقلب يدق يدق وينتظر القمر ... . فهذه الصورة الزمنية سبقت أحداث اللحظة الحاضرة إلی المستقبل. الزمن في نفوس المقهورين والمبدعين والعشاق ليس زمنا محايداً، فإنه يشبه قصيدة حبلى بألف احتمال، يوجهه الحدث، أو يعيقه الظرف الاجتماعي والسياسي، أو يلونه المكان بما لا حصر له من الأوجة والتوقعات (حطيني، 2010م، ص 123). فلذا، نازك، وهي شاعرة رومنسية رمزية، أتحفت هذه القصيدة القصصية الرمزية بالزمن الاسترجاعي والاستباقي في قسميه الداخلي والخارجي. 4ـ3ـ4. المسافة إن المسافة من أهمّ مكونات الدراسة السردية، حيث السارد أو القاص أو الشاعر يحاول إيهام المتلقي بأنّه ليس هو من يتكلم. وقد انطلق جيرار جينيت في حديثه عن المسافة، من القضية التي أثارها افلاطون في جمهوريته، أثناء حديثه عن الحكي التام والمحاكاة. فالشكل الأول يحصل عندما يتحدث الشاعر ـ الراوي نفسه ـ دون أن يسعی إلی إقناعنا بأن شخصا آخر غيره يتكلم؛ أما الشكل الثاني فيحصل عندما يحاول الرواي إيهام المتلقي بأنه ليس هو من يتكلم وإنما شخصياته، ثم يشير بعد ذلك إلی حكي الأحداث (السرد)، وحكي الأقوال العرض مبيّنا التداخل الحاصل بين الصيغتين أثناء اشتغالهما وتعالقهما مع صيغ أخری، ويتوصل بعد ذلك إلی التمييز بين ثلاثة أنواع من الخطابات، وهي: الخطاب المسرود، وخطاب الأسلوب غير المباشر، والخطاب المنقول (بارش، د.ت، ص 74). مِن ذلك ما تناولته نازك تقول: وقد عكستْهُ مياهُ غديرٍ بَرُودٍ عَطِرْ / وما كان يغفو إذا لم يَمُرّ الضياءُ اللذيذ / على شَفَتيهِ ويسقيهِ إغماءَ كأسِ نبيذْ / وما كان يشربُ من منبع الماء إلاّ إذا / أراق الهلالُ عليه غلائلَ سكرى الشَّذَى ... / وكان قريباً ولم يَرَ صيّادَنا الباسما / على التلِّ فانسابَ يذرَعُ أفْقَ الدُّجَى حالما / وطوّقَهُ العاشقُ الجبليّ ومسّ جبينَهْ / وقبّلَ أهْدابَهُ الذائباتِ شذًى وليونهْ / وعاد به: ببحارِ الضِّياءِ، بكأس النعومهْ / بتلك الشفاهِ التي شَغَلتْ كل رؤيا قديمهْ / وأخفاه في كُوخه لا يَمَلّ إليه النَّظَرْ / أذلكَ حُلْمٌ؟ وكيف وقد صاد ... صادَ القَمرْ؟ (1997م، ص 425 - 428). ففي خطابها المسرود في الوهلة الأولی، يبدو لنا أنّ الشاعرة هي التي تسرد لنا القصة، في صورة انعكاس صورة القمر في المياه وتأهّب الغلام لصيد القمر. ففي "وقد عكسته مياه غدير"، الشاعرة نزلت نفسها في الظاهر منزلة السارد المباشر، لكن في الحقيقة المسافة التي في هذه المقطوعة الشعرية تبين لنا انتقال الشاعرة من الخطاب المسرود إلی الخطاب المنقول، حيث أضفت ظلالاً علی السرد المباشر في قصيدتها. 4ـ3ـ5. الديمومة الديمومة هي علاقة زمن القصة بزمن الخطاب. وفي الشعر القصصي، ندرس العلاقة الترابطية بين زمن الأحداث وزمن الخطاب، حيث تدرس الديمومة زمنية النص، وهي «علاقة امتداد الفترة الزمنية التي تشغلها الأحداث بامتداد الحيّز النصي، وهي علاقة تتحدد بمراعاة زمن قراءة النص بالقياس لزمن الأحداث» (بورايو، 1994م، ص 157). فالديمومة دراسة سرعة النقل وسرعة الخطاب وسرعة التلقي. واقترح جينيت أربع حركات سردية تتحكم في حركة السرد تسريعاً وتبطيئاً وهي الخلاصة، والحذف، والمشهد، والوقفة. فالخلاصة حركة أو تقنية سردية تعمل علی تسريع حركة السرد، وذلك بالمرور السريع على أزمنة طويلة أو قصيرة، يكتفي فيها الراوي بالإشارة الخاطفة إلى أبرز الأحداث التي تخللتها دون الإغراق في تفاصيلها (بلخباط، 2015م، ص 98). والرائع أنّ قصيدة سرديا اتصفت بالديمومة بأشكالها الأربعة. فمن الخلاصة، حيث تقول الشاعرة: «وأرقَدَه في مهادٍ عبيريّةِ الرّوْنقِ / وكلّلَهُ بالأغاني، بعيْنيهِ، بالزّنْبقِ» (1997م، ص 426). نلاحظ في النص الشعري السرعة في القبض علی القمر، حيث الشاب الصيّاد أرقد القمر وضمّه إلی نفسه في حركة خاطفة، وهو في حالة خطف ونهب للقمر المتدلّي، أخذه وذهب به إلی البيت. أما الحذف فيعد من المصطلحات المتداولة في الدراسات اللغوية والبلاغية، وعلى وجه التحديد الدراسات النحوية. ويستخدم غالبا للدلالة على إسقاط المتكلم مكونا أو أكثر من مكونات الجملة، ويستعمل المصطلح في الدراسات السردية للدلالة على معنى مقارب؛ إذ يعتبر الحذف تقنية سردية زمنية تحقق نقلة زمنية على مستوى النص، حين يقوم الراوي بإسقاط فترات زمنية معينة من زمن الأحداث على مستوى النص (القصراوي، 2004م، ص 225)، ويقتطعها دون أن يكلّف نفسه عناء ذكر ما تخللها من أحداث ووقائع. فهنا أيضا لدينا سرعة في النقل، ولكن سرعة الاختصار. فالحذف يمنح الزمن السردي «إمكانية استيعاب الزمن الحكائي» (الإبراهيم، 2011م، ص 223). فالحذف يسهم في البعد الدلالي في سرد الأحداث ويستوقف المتلقي ويحثه علی التأمل، كما نلاحظ في شعر نازك: «وحار الرُّعاةُ أيسرقُ هذا البريءُ القَمَرْ؟ / ألم يُخطِئوا الاتّهام ترى؟ ثمّ{… } أينَ القَمَرْ؟» (1997م، ص430). كما نلاحظ بعد سرد الأحداث الكثيره من سرقة القمر وتجمهر الناس حول كوخ الغلام، الشاعرة تحذف ما أشارت إليه بالاتهام، هل وقع علی الشخص ذاك الاتهام أم علی الغلام نفسه؟ ثم تتساءل أين يا تُری القمر؟ وبعد حرف العطف، حذفت قضايا كثيرة ثم أتت بـ"أين القمر". فهذه التقنية الرائعة تسرد قضايا عديدة تباشر المتلقي دون لفظهان بل تجعلها يُفكر بها ويتأملها. في الديمومة عكس السرعة المتمثلة بالخلاصة والحذف، ندرس التباطؤ المتمثل بالمشهد والوقفة. فالمشهد يدلّ «على الطريقة التي يبني بمقتضاها الخطاب تصوره لمقام تلفظه الشخصي» (مانغالو، 2008م، ص 113). في المشهد، تنتزع الشخصيات حقها في التعبير عن مكنوناتها وتوجهاتها الفكرية والإيديولوجية والتخاطب بكل الحرية مع بعضها البعض دون وساطة أو رقابة من الراوي، الذي يتوارى مؤقتا ليفسح المجال للشخصيات لتبرز ذاتيتها وتفعّل وجودها، مثلما نلاحظ في أبيات نازك: وفي القريةِ الجبليّةِ، في حَلَقات السّمَرْ / وفي كلّ حقلٍ تَنَادى المنادون:"أين القمر؟!" / "وأين أشعّتُهُ المُخْمليّةُ في مَرْجنا؟" / "وأين غلائلُهُ السُّحُبيّة في حقلنا؟" / ونادَتْ صَبايا الجِبالِ جَميعا "نُريدُ القَمَرْ!" / فردّدتِ القُنَنُ السامقاتُ: "نُريدُ القَمَرْ" / "مُسامِرُنا الذهبيّ وساقي صدى زَهْرنا" / "وساكبُ عطر السنابِل والورد في شَعْرنا" / "مُقَبّلُ كلّ الجِراح وساقي شفاه الورودْ" / "وناقلُ شوقِ الفَرَاشِ لينبوعِ ماءٍ بَرودْ" / "يضيءُ الطريقَ إلى كلّ حُلْمٍ بعيدِ القَرَارْ" / "ويُنْمي جدائلَنا ويُريقُ عليها النُّضَارْ" / "ومن أينَ تبرُدُ أهدابُنا إن فَقَدْنا القَمَر؟ (1997م، ص 431 - 432). سردياً، نلاحظ التباطؤ في الاسترسال الذي مهّدته الشاعرة في قضية البحث عن القمر، حيث المشاهد تتكرر واحدة تلو الأخری، بدأتها بـ"وفي القريةِ الجبليّةِ، في حَلَقات السّمَرْ / وفي كلّ حقلٍ تَنَادى المنادون: أين القمر؟!". ففي البداية، استرسال يتصل ببداية القصيدة. فهذا الاسترسال التباطؤئي يأتي بالأحداث الشعرية والشعورية في آن واحد لعملية البحث عن القمر. أما الوقفة في السرد فتعني السكون، تعني الهدوء والتوقف عن السير. فهي حالة سكون تهدف إلى إعطاء تقارير لغوية عن أشياء وأشخاص في وجودها المحض خارج أي حدث، وخارج أي بُعد زمني (بلخباط، 2015م، ص 113). ولا ترد الوقفات في جميع الحالات في حالة سكون وتوقف زمني، بل نلمس في بعضها حركة زمنية، ولو كانت بطيئة، تأتي مصاحبة لتأملات الراوي ويلعب الوصف وظيفة هامة على مستوى التلقي، بحيث يزود المتلقي بالمعرفة اللازمة التي تساعده علی اكتشاف هندسة الأمكنة وأبعادها المادية، وعبرها يكتشف ملامح الشخصيات: "ومَنْ ذا يرقّقُ ألحاننا؟ مَن يغذّي السّمَرْ؟" / ولحنُ الرعاةِ تردّدَ في وحشةٍ مضنيهْ / فضجّتْ برَجْعِ النشيدِ العرائشُ والأوديهْ / وثاروا وساروا إلى حيثُ يسكُنُ ذاكَ الغُلامْ / ودقّوا على البابِ في ثورةٍ ولَظًى واضطرامْ / وجُنّوا جُنُونًا ولم يَبْقَ فوق المَرَاقي حَجَرْ / ولا صخرةٌ لم يُعيدا الصُّرَاخَ: "نُريدُ القَمَرْ" / وطاف الصّدَى بجناحَيْهِ حَوْل الجبالِ وطارْ / إلى عَرَباتِ النجومِ وحيثُ ينامُ النّهَارْ / وأشرَبَ من نارِهِ كلّ كأسٍ لزهرةِ فُلِّ / وأيقَظَ كلّ عبيرٍ غريبٍ وقَطْرةِ طلِّ وجَمّعَ مِن سَكَراتِ الطبيعةِ صوتَ احتجاجْ / ترددَ عند عريش الغلامِ وراء السياجْ / وهزَّ السكونَ وصاحَ: "لماذا سَرَقْت القَمَرْ?" (1997م، ص 432 - 433). نلاحظ السكون الهاديء الممزوج بالدهشة في فقدان القمر. فالكل في الصورة الأدبية الرائعة التي حاكتها نازك مندهش حيران. الكل يبحث حتی الطبيعة عن القمر، لكن البحث بهدوء غير مفهوم ثمّ رويدا رويدا تبدأ الثورة، ثورة البحث عن القمر تبدأ بلحن الرعاة ... فضجّت ... تستمر الثورة إلی وهج السكون ثم تبدأ الثورة ثانية وصاحَ ... . ففي الوقفة السردية، نلاحظ السكون والتباطؤ يسايران أحداث القصيدة القصصية. في السرد القصصي للأشعار هناك دلالات لكشف السرد بصورة جلية دون الخوض في متاهات متعددة، ومن أهمّ هذه الدلالات هي الصورة الشعرية. 4ـ4. الصورة الشعرية في السرد تلعب الصورة الشعرية في الشعر القصصي دوراً بارزاً في إغناء سير الأحداث الروائية في القصة الشعرية وتحيلنا الصورة في الوهلة الأولی إلی صورتين: خارجية وداخلية. وهناك آليات عديدة نتطرّق إلی آلية التكرار دون غيرها اختصارا للبحث السردي. فالصورة الشعرية «هي خلاصة تجربة ذهنية يخلقها إحساس الشاعر لتلك التجربة وقدرة خياله علی تحويلها من كونها ذهنية غير مجردة إلی رسمها صورة بارزة للعيان يتذوقها متلقوها» (سعيد، 1999م، ص 34). ففي هذا التعريف، لا نتطرّق إلی التقاسيم المشهورة للصورة من كلية وجزئية ومركبة، بل هي صورة خارجية مرئية وصورة داخلية غير مرئية، وهذا ما توصلت إليه في مفهوم الصورة الشعرية للشعر القصصي، فكما نلاحظ في أشعار نازك، حيث تقول: وفي الكوخِ كان الغلامُ يضُمّ الأسيرَ الضحوكْ / ويُمْطرُهُ بالدموع ويَصْرُخُ: "لن يأخذوك؟" / وكان هُتافُ الرّعاةِ يشُقّ إليهِ السكونْ / فيسقُطُ من روحه في هُوًى من أسًى وجنونْ / وراح يغنّي لملهِمه في جَوًى وانْفعالْ / ويخلطُ بالدَّمْع والملح ترنيمَهُ للجمالْ / ولكنّ صوتَ الجماهيرِ زادَ جُنونًا وثورهْ / وعاد يقلِّبُ حُلْمَ الغلامِ على حدِّ شفرهْ / ويهبطُ في سَمْعه كالرّصاص ثقيلَ المرورْ/ ويهدمُ ما شيّدتْهُ خيالاتُهُ من قصور / وأين سيهرُبُ؟ أين يخبّئ هذا الجبينْ؟ / ويحميهِ من سَوْرة الشَّوْقِ في أعين الصائدين؟ / وفي أيّ شيء يلفّ أشعَّتَهُ يا سَمَاءْ / وأضواؤه تتحدّى المخابئَ في كبرياءْ؟ (1997م، ص 433 - 436). يلاحظ المتلقّي الصورة المرئية الخارجية بجلاء ودون غموض، وكأنّه يشاهد الصورة أمامه في الكوخ الغلام يضم الأسير، أي ذلك القمر الذي سرقه ويبكي عليه خوفا من أن يأخذوه منه. ونشاهد صورة الرعاة ونسمع صوتهم المطالب باسترجاع القمر وهكذا نسمع صوت غناء الغلام ونلاحظ محاولات ضمّ القمر من قِبل الغلام. فهذا السرد في الصورة الخارجية يجعل القصيدة سردية ذات حيوية وحركة، حيث هذه المشاهد الخارجية تسبب المشاهدات الكثيرة والمشاهدات تجعل الحكي يأخذ مساره في الشعر القصصي. أما الصورة الداخلية فمهمتها تهييج المشاعر ورسم الصورة من خلال تيار الوعي أو المونولوج الداخلي. ففي الصور الغير مرئية «صور متفردة تجاوز سطوح الأشياء إلی كلّ مكنون عميق» (قاسم، 2000م، ص 195). فهذه الصور المتفردة تسير في النفس وتأخذ مأخذها، حيث تتحرك الأحداث في الشعر القصصي وتسبر المكنون النفسي، حيث تعرض عليه الصورة الشعرية الخفية، كما في قول نازك: ومرّتْ دقائقُ منفعِلاتٌ وقلبُ الغُلامْ / تمزِّقُهُ مُدْيةُ الشكِّ في حَيْرةٍ وظلامْ / وجاء بفأسٍ وراح يشقّ الثَّرَى في ضَجَرْ / ليدفِنَ هذا الأسيرَ الجميلَ، وأينَ المَفرّ؟ / وراحَ يودِّعُهُ في اختناقٍ ويغسِلُ لونهْ / بأدمعِه ويصُبّ على حظِّهِ ألفَ لعنَهْ / وحينَ استطاعَ الرّعاةُ المُلحّون هدْمَ الجدارْ / وتحطيمَ بوّابةِ الكوخ في تَعَبٍ وانبهارْ / تدفّقَ تيّارهم في هياجٍ عنيفٍ ونقمهْ / فماذا رأوا؟ أيّ يأسٍ عميق وأيّة صَدْمَهْ! / فلا شيْءَ في الكوخ غيرَ السكون وغيرَ الظُّلَمْ / وأمّا الغُلامُ فقدْ نامَ مستَغْرَقًا في حُلُمْ / جدائلُهُ الشُّقْرُ مُنْسَدلاتٌ على كَتِفَيهِ / وطيفُ ابتسامٍ تَلكّأ يَحلُمُ في شفتيهِ / ووجهٌ كأنَّ أبولونَ شرّبَهُ بالوضاءهْ / وإغْفاءةٌ هي سِرّ الصَّفاءِ ومعنى البراءهْ / وحار الرُّعاةُ أيسرقُ هذا البريءُ القَمَرْ؟ / ألم يُخطِئوا الاتّهام ترى؟ ثمّ … أينَ القَمَرْ؟ / وعادوا حَيارى لأكواخهم يسألونَ الظلامْ (1997م، ص 436 - 439). يلاحظ القاريء السكون والهدوء في سرد الأحداث، حيث تقول نازك: "ومرّت دقائق منفعلات وقلب الظلام تمزّه مدية الشك في حيرة وظلام". هذه الصورة تشير إلی انعكاسها الداخلية، فهي غير مرئية بحكم الظلام التام في الكوخ وبسبب ابتعاد الكوخ عن القرية؛ لأنّها في الجبل، ثم الشاعرة في شعرها القصصي أخذت تستعرض الصور الداخلية واحدة تلو الأخری. وفي القصيدة القصصية، يتمظهر لنا السرد التكراري، حيث يؤثر علی سرد الشعر القصصي.
4ـ5. السرد التكراري يعد التكرار من الظواهر الأسلوبية التي تستخدم لفهم النص الأدبي. إنّ مصطلح التكرار مصطلح عربي كان له حضوره عند البلاغيين العرب القدامى. فهو في اللغة من "الكرّ"، بمعنى الرجوع، ويأتي بمعنى الإعادة والعطف. يقول الجوهري: «الكرّ الرجوع، يقال: كرّه وكرَّ بنفسه يتعدى ولا يتعدى وكررت الشيء تكريراً وتكراراً» (1979م، ص 47). أما في الاصطلاح فهو تكرار الكلمة أو اللفظة أكثر من مرة في سياق واحد لنكتة إما للتوكيد أو لزيادة التنبيه أو التهويل أو للتعظيم أو للتلذذ بذكر المكرر (ابن معصوم، 1969م، ص 96). والتكرار لا يقوم فقط على مجرد تكرار اللفظة في السياق الشعري، وإنما ما تتركه هذه اللفظة من أثر انفعالي في نفس المتلقي، وبذلك فإنه يعكس جانباً من الموقف النفسي والانفعالي. ومثل هذا الجانب لا يمكن فهمه إلا من خلال دراسة التكرار داخل النص الشعري الذي ورد فيه. فكل تكرار يحمل في ثناياه دلالات نفسية وانفعالية مختلفة تفرضها طبيعة السياق الشعري، ولو لم يكن له ذلك لكان تكراراً لجملة من الأشياء التي لا تؤدي إلى معنى أو وظيفة في البناء الشعري؛ لأن التكرار إحدى الأدوات الجمالية التي تساعد الشاعر على تشكيل موقفه وتصويره ولا بد أن يعتمد التكرار بعد الكلمة المتكررة حتى لا يصبح التكرار مجرد حشو، فالشاعر إذا كرر عكس أهمية ما يكرره مع الاهتمام بما يعده حتى تتجدد العلاقات وتثرى الدلالات وينمو البناء الشعري (الجيار، 1984م، ص 47). «وتتشكل ظاهرة التكرار في الشعر العربي بأشكال مختلفة متنوعة، فهي تبدأ من الحرف وتمتد إلى الكلمة وإلى العبارة وإلى بيت الشعر. وكل شكل من هذه الأشكال يعمل على إبراز جانب تأثيري خاص للتكرار. وتجدر الإشارة إلى أن الجانب الإيقاعي في الشعر قائم على التكرار، فبحور الشعر العربي تتكون من مقاطع متساوية والسر في ذلك يعود إلى أن التفعيلات العروضية متكررة في الأبيات، فمثلاً في بحر الرجز: "مستفعلن، مستفعلن، مستفعلن". هذا بالإضافة إلى أن التفعيلة نفسها تقوم على تكرار مقاطع متساوية. إن هذا التكرار المتماثل أو المتساوي يخلق جواً موسيقياً متناسقاً. فالإيقاع ما هو إلا أصوات مكررة، وهذه الأصوات المكررة تثير في النفس انفعالاً ما، "وللشعر نواح عدة للجمال أسرعها إلى نفوسنا ما فيه من جرس الألفاظ وانسجام توالي المقاطع وتردد بعضها بقدر معين وكل هذا ما نسميه بموسيقى الشعر» (أنيس، 1978م، ص 8). ومن التكرار السردي ما جاء في قصيدة شجرة القمر: عن القَمَر العبقريّ أتاهَ وراءَ الغمامْ؟ / أم اختطفتْهُ السَّعالي وأخفتْهُ خلفَ الغيومْ / وراحتْ تكسّرُهُ لتغذّي ضياءَ النجومْ؟ / أمِ ابتلعَ البحرُ جبهتَهُ البضّةَ الزنبقيّهْ؟ / وأخفاهُ في قلعةٍ من لآلئ بيضٍ نقيّهْ؟ / أم الريحُ لم يُبْقِ طولُ التنقّلِ من خُفِّها / سوى مِزَقٍ خَلِقاتٍ فأخفتْهُ في كهفها / لتَصْنَعَ خُفّينِ من جِلْدِهِ اللّين اللَّبَنيّ / وأشرطةً من سَناهُ لهيكلها الزنبقي (1997م، ص 436 - 442). نلاحظ في هذه الصورة الأدبية تكرار الأفعال المتتالية بحرف الربط "أم" وفي الأفعال تكرار للحركة السردية، حيث تستبين لنا الصور الأدبية واحدة تلو أخری والحركة السردية بدأت من البُطء إلی الإسراع والاختطاف. فهذه الحركة تسبب هجرة النص من صورة لأخری وهذه الهجرة والحركة تفعّل السرد القصصي في الشعر. «إنّ هجرة النص من نص إلى آخر أو من فضاء إلى آخر أو من ماضيه إلى حاضره، هجرة اختراقية تحولية، ... وتعني إعادة إنتاج النص إعادة إنتاج معناه ومبناه وشكله وحجمه، وربما تعني أيضاً إعادة إنتاج جنسه، فقد يكون النص تاريخياً أو دينياً أو أسطورياً، ثم يغدو شعرياً، يكتسب النص الغائب في هجرته الجديدة، ملامح وصفات جديدة لم تكن فيه من قبل» (الموسی، 2000م، ص 55). فلو لاحظنا في بداية القصيدة لوجدنا هذا السرد التكراري بدأ منذ عنوان القصيدة، حيث تبدأ قصيدة بالعلوّ وبالارتفاع وتأتي المفردات المرادفة كـ"قمة"، "جبال الشمال"، "لون الجبال"، "قمة شاهقة"، "التل"، "أفق الدجی"، فهذا الترادف المعنايي في الرفعة والارتفاع من "سماء"، و"جبال"، و"قمم" يحكي عن آفاق شاسعة لرؤية الشاعرة، حيث تحلّق بأفكارها الرومنسية الممزوجة بالواقعية الجديدة لتعطي النص الشعري ضخّاً هائلاً من الرؤية الماورائية ، ومن ثمّ تعطف نحو الطبيعة الجميلة فتأتي بمفردات مقاربة منها: "الصنوبر"، و"الیاسمين"، و"شذی الزنبق"، و"عبير"، و"زهرة فلّ".
الخاتمة في نهاية المطاف، توصل البحث إلی النتائج التالية: ـ تبيّن للباحث أنّ النظريات السردية الحديثة لها أصول في التراث النقدي العربي، وهذا ما بدا له من خلال مراجعات المصادر العربية في دراسة البحث هذا. ـ البنية السردية في قصيدة شجرة القمر متماسكها في ديمومتها وسردها التكراري. ـ الأحداث في هذه القصيدة متسلسلة وفق نظام معين مما سهّل دراسة السرد القصصي في هذه القصيدة القصصية. ـ البنية السردية لعنوان القصيدة لها دلالات واضحة لدراسة المكان في السرد القصصي، حيث صوّرت لنا الشاعرة في القصيدة شجرةً علی جبل، وفي الصورة علاوة علی الدلالات الرمزية الكثيرة، لكن ما يهمنا هو المكان المحدد في السرد القصصي. ـ استخدمت الشاعرة الزمن الاسترجاعي والاستباقي في سرد الأحداث. ـ تبيّن أنّ الديمومة والتكرار السردي أكثر استخداما من الآليات السردية الأخری في هذه القصيدة، كالمسافة والديمومة، والصورة الشعرية والسرد التكراري.
[1]. Gerard Jeanette [2]. Todruff | ||
مراجع | ||
آيت أوشان، علي. (2010م). ديداكتيك التعبير والتواصل. الرباط: دار أبي قراقر للطباعة والنشر. ابن معصوم، علي صدر الدين. (1969م). أنوار الربيع في أنواع البديع. تحقيق شاكر هادي شكر. النجف: النعمان. ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم. (2003م). لسان العرب. بيروت: دار صادر. الإبراهيم، ميساء سليمان. (2011م). البنية السردية في كتاب الإمتاع والمؤانسة. دمشق: الهيئة السورية العامة للكتاب. أدونيس، علي أحمد سعيد. (1979م). مقدمة الشعر العربي. بيروت: دار العودة. أنيس، إبراهيم. (1978م). موسیقی الشعر. القاهرة، مكتبة الأنجلو. بارش، زهيرة. (د.ت). الدرس السردي في الخطاب النقدي العربي المعاصر: مقاربة تحليلية في نموذج سعيد يقطين. رسالة ماجستير. جامعة فرحات عباس إسطيف. قسم اللغة العربية وآدابها. البركة، ناصر. (2016م). «منطلقات المكون السردي في مقامات بديع الزمان الهمذاني: مقاربة في ضوء المعطى السوسيو ـ ثقافي». الآداب واللغات. ع 4. ص 254 ـ 267. بلاوي، رسول. (1396ﻫ.ش). «تشكيل البناء السردي في قصيدة عصا الخرنوب للشاعر حبيب السالم». أدب عرب. س 9. ع 1. ص 93 ـ 111. بلخباط، عيسی. (2015م). تقنیات السرد في روایة " البیت الأندلسي" لواسیني الأعرج. رسالة الماجستیر. جامعة محمد خیضر بسكرة. بورايو، عبد الحميد. (1994م). منطق السرد: دراسات في القصة الجزائرية. د.م: ديوان المطبوعات الجامعية. تودروف، تزفيتان. (1990م). الشعرية. ترجمة شكري المبخوت ورجاء سلامة. ط 3. د.م: دار توبقال. الجوهري، إسماعيل بن أحمد. (1979م). تاج اللغة وصحاح العربية. تحقيق أحمد عبد الغفار عطار. بیروت: الشركة اللبنانية للموسوعات العربية. الجيار، مدحت سعيد. (1984م). الصورة الشعرية عند أبي القاسم الشابي. طرابلس: الدار العربية للكتاب والمؤسسة الوطنية للكتاب. جينيت، جيرار. (1997م). خطاب في الحكاية بحث في المنهج. ترجمة محمد معتصم وعبد الجليل الأزدي وعمر حلي. الرباط: الهيئة العامة للمطابع الأميرية. حطيني، يوسف. (2010م). في سردية القصيدة الحكائية: محمود درويش نموذجا. دمشق: اتحاد الكتاب العرب. حمداوي، جميل. (1997م). «السيميوطيقا والعنونة». عالم الفكر. ع 3. ج 25. ص 79 ـ 112. ديب، وئام رشيد عبد الحميد. (2010م). تقنات السرد في الخطاب الروائي العربي في فلسطين من عام 1994م - 2006م. رسالة الماجستير. الجامعة الإسلامية ـ غزة. سعيد، خالدة. (1999م). «الصورة الشعرية عند يحيی الغزالي». التراث العربي. س 19. ع 75. ص32 ـ 41. طالب، أحمد. (2004م). مفهوم الزمان ودلالته في الفلسفة والأدب: بين النظرية والتطبيق. الرباط: دار الغرب للنشر والتوزيع. الصحناوي، هدی. (2013م). «البنية السردية في الخطاب الشعري: قصيدة عذاب الحلاج للبياتي نموذجاً». مجلة جامعة دمشق. ج 29. ع 2+1. ص387 ـ 417. عمر، رمضان. (2014م). «السردية في شعر محمود درويش لماذا تركت الحصاف وحيدا أنموذجا». Harran Üniversitesi İlahiyat Fakültesi Dergisi. ص 188 ـ 206. الفيروزآبادي، مجد الدين محمد بن يعقوب. (2008م). القاموس المحيط. القاهرة: دار الحديث. قاسم، عدنان حسين. (2001م). الاتجاه الأسلوبي البنيوي في نقد الشعر العربي. القاهرة: الدار العربية للنشر والتوزيع. ـــــــــــــــــــــ. (2000م). التصوير الشعري: رؤية نقدية للبلاغة العربية. القاهرة: الدار العربية للنشر والتوزيع. القصراوي، مها حسن. (2004م). الزمن في الرواية العربية. بیروت: المؤسسة العامة للدراسات والنشر. الكردي، عبد الرحيم. (2005م). البنية السردية للقصة القصيرة. ط 3. القاهرة: مكتبة الآداب. الكعبي، ماجد عبد الحميد. (2010م). «الشعر والسرد والتأريخ دراسة في شعر السيد الحميري». آداب البصرة. ع 51. ص 1 ـ 8. مانغالو، دومينيك. (2008م). المصطلحات المفاتيح لتحلیل الخطاب. ترجمة محمد يحياتن. د.م: الاختلاف. الملائكة، نازك. (1997م). الديوان. بيروت: دار العودة. الموسى، خليل. (2000م). قراءات في الشعر العربي الحديث والمعاصر. دمشق: اتحاد الكتاب العرب. ميرزائى، فرامرز؛ ومريم رحمتى تركاشوند. (2017م). «بنية السرد الروايي وتقنياته في الرسالة البغدادية». اللغة العربية وآدابها. س 13. ع 3. ص 433 ـ 455. يحياوي، رشيد. (1998م). الشعر العربي الحديث: دراسة في المنجز النصي. بيروت: الدار البيضاء. يعقوب، ناصر. (2004م). اللغة الشعرية. بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر. | ||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 5,659 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 648 |