تعداد نشریات | 43 |
تعداد شمارهها | 1,640 |
تعداد مقالات | 13,343 |
تعداد مشاهده مقاله | 29,984,857 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 12,003,778 |
أبنية الزمن ودلالتها في اللغة العربية دراسة في الزمن اللغوي والتقويمي والفلسفي | ||
بحوث في اللغة العربية | ||
مقاله 8، دوره 13، شماره 24، تیر 2021، صفحه 127-138 اصل مقاله (851.22 K) | ||
نوع مقاله: المقالة البحثیة | ||
شناسه دیجیتال (DOI): 10.22108/rall.2020.113519.1173 | ||
نویسندگان | ||
سعدي رمضاني1؛ سميه حسنعليان* 2 | ||
1طالب الدکتوراه في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة أصفهان، أصفهان، إيران | ||
2أستاذة مشارکة في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة أصفهان، أصفهان، إيران | ||
چکیده | ||
للزمن مکانة کبيرة في نحو اللغات قديما وحديثا. ولکل لغة نظام زمني خاص يعين مدى إدراک الناطقين بها، لأهمية الزمن الذي يشکل جزءا من المعنى. الزمن ظاهرة فيزيائية ومجسمة من ظواهر الکون تستخدم کأصول کمية لمحاسبة کثير من الظواهر، وهي تقاس بأبعاد ووحدات قياسية معينة، کالدقيقة، والساعة، واليوم، والشهر، والسنة، وما إلى ذلک. ولکن عندما نتحدث عن الزمن في اللغة، نواجه ظاهرة نفسية تختلف عن الزمن الکمي تماما. في هذه الحالة، يرتبط الزمن بمقولات کيفية وقوع الأحداث في العالم الخارجي. ومن هذا المنظر، ليس الزمن أمرا فيزيائيا وعينيا، بل هو ظاهرة خيالية وانتزاعية متأثرة بالأحداث الخارجية. يهدف هذا البحث مرتکزا على المنهج الوصفي ـ التحليلي، إلى توصيف نظام الزمن اللغوي وتبيين علاقته بالصيغ والتراکيب التي يعبر بها عن الزمن في اللغة العربية وبيان الفرق بين ما تدل عليه ظروف الزمان والمصادر والصفات بأنواعها وبين الزمن الذي للفعل، وفضلا عن هذا، معالجة الجمل والأفعال التي لا تحمل شيئا من مفهوم الزمن في الکلام؛ وکذلک بيان الخلافات القائمة بين الزمن اللغوي والزمن الفلسفي والزمن الفلکي أو التقويمي. يحاول البحث دراسة موضوع الزمن في العربية مبينا مفهوم الزمن والزمان عند النحاة القدامى والمحدثين. والزمان اسم لقليل الوقت أو کثيره ولا يرتبط بالحدث أبدا، يقابله في اللغة الإنجليزية (time)؛ وهذا ما نسميه الزمن التقويمي؛ والزمن تعبير لغوي يتجلى في الأفعال خاصة، وله صلة وثيقة بالحدث، ويسميه النحاة الزمن اللغوي. ليس الزمان هو الصورة الفريدة المقصودة من الفعل دائما؛ والفعل قد يدل على محض تمام الحدث أو عدم تمامه، بغض النظر عن إرادة الوقت الذي وقع فيه. تختلف الصيغ والتراکيب في دلالتها عن الزمن في اللغة العربية؛ فإن دلت کلمة بالمطابقة على الزمن فقط، فهي ظرف؛ بعبارة أخرى، الزمن یستفاد من الظرف بالمطابقة ومن الفعل بالتضمن. | ||
کلیدواژهها | ||
الزمن اللغوي؛ الزمن الفلسفي؛ الزمن التقويمي؛ اللغة العربية | ||
اصل مقاله | ||
1. المقدمة اللغة وسيلة لإدراک ومعرفة ما حول البشر من ظواهر الکون. ومن هذه الظواهر حرکة الزمان التي يدرکها ويعبر عنها البشر بألفاظ اللغة. ولکل لغة أسلوبها في تحديد الزمن. لقد تناول النحاة العرب هذه الظاهرة قديما وحديثا وعالجوها، ولکن کانت دراساتهم للزمن قاصرة لم تکشف عن إمکانات العربية جميعها في التعبير عن الزمن؛ لأنهم تطرقوا إلى دراسته عبر دراستهم للصيغ والتراکيب، وربما کانت غاية دراستهم للزمن عثورا على تعريف جامع للفعل، يميزه عن الاسم والحرف. و«يعتبر الزمن من أکثر الظواهر اللغوية تعقيدا وأکثرها استعصاء وانفلاتا من الحصر والتحديد. وکلما تعمقنا في دراسة البنية الزمنية للغات الطبيعية إلا واکتشفنا أن العناصر المشکلة لمحتواها التمثيلي غير متجانسة، تتداخل فيها مکونات ذات طبيعة زمنية مثل: الجهة والوجه. وما من ظاهرة من ظواهر اللغة إلا وتحمل بعدا زمنيا. فالزمن يوجد في کل البنيات الترکيبية التي تولدها الملکة اللغوية البشرية» (الملاخ، 2009م، ص 20 ـ 21). و«الزمن واحد من تلک الموضوعات التي أوسعها النحاة بحثا وتقصيا، ثم ترکوها حيثما وردت. لقد قال النحاة في الزمن الشيء الکثير، وکان بإمکانهم أن يخرجوا من ذلک بقواعد ثابتة، ولکن حديثهم عن الزمن لم يکن لذاته، ولا بالهيئة التي تستوجبها أهميته في الدرس اللغوي» (رشيد، 2008م، ص 8). 1ـ1. ضرورة البحث إن الزمن يدخل في مقولات لغوية ونحوية متعددة في أية لغة، وهو سبب رئيس في التکوين اللغوي. والتقسيم الثلاثي للکلام يکون ناتجا عن فکرة الزمن. واختلاف النحاة في تصنيف بعض الکلمات يکمن في کثير من الحالات بواسطة الزمن. بما أن الزمن النحوي والزمن الفلسفي لم يتبين اختلافهما من قبل النحاة في کتبهم النحوية ولم يتعين الفرق بين ما تدل عليه ظروف الزمان وبين الزمان الذي للفعل، ومن جانب آخر هناک کثيرون لايزالون يخلطون بين هذه المفاهيم، فحاول البحث ـ بجانب إشارته إلى الجمل والأفعال التي لا تدل على الزمن في اللغة أبدا ـ أن يعالج مفهوم الزمن النحوي والزمن الفلسفي والزمن التقويمي لتبيين مدى العلاقة بين هذه الأزمنة ويتناول الفرق بين الزمان الذي تدل عليه الظروف والزمان الذي يدل عليه الفعل والصفات بأنواعها. 1ـ2. أهداف البحث تسعى هذه الدراسة الإجابة عن الأسئلة التالية: ـ ما الفرق بين الزمن اللغوي والزمن التقويمي والزمن الفلسفي؟ ـ ما الفرق بين الزمن الذي يدل عليه الفعل والزمن الذي تدل عليه الظروف والصفات؟ ـ هل يحمل کل فعل من الأفعال مفهوم الزمن بجانب دلالته على الحدث، کما يقوله النحاة؟ 1ـ3. منهج البحث منهج البحث في هذه الدراسة وصفي ـ تحليلي، بحيث حاول أن يعالج الکتب النحوية المختلفة القديمة والجديدة والرسالات والمقالات التي قد کتبت في حقل الزمن في اللغة العربية. 1ـ4. خلفية البحث نظرا إلى دور الزمن ومدى أهميته في الدراسات اللغوية والتحليل النحوي، فقد کتبت کتب متعددة ودراسات عديدة في هذا المجال، نذکرها فيما يلي: دراسة الزمن النحوي في اللغة العربية، لکمال رشيد (2008م). تطرقت الدراسة إلى أهمية الزمن اللغوي ودوره في اللغة العربية ومکانته عند علماء النحو القدامى وناقشت الدلالة الزمنية لکل فعل وما يحمل دلالة زمنية، مثل: الصفة بأنواعها من اسم الفاعل، واسم المفعول، والصيغة المبالغة، والمصدر، دون أن تقوم بمقارنتها في الفارسية أو لغة أخرى، نحو: الإنجليزية أو الفرنسية. ودراسة اللغة العربية معناها ومبناها، لتمام حسان (1994م). قام المؤلف فيها بموضوعات شتى، منها اللغة والکلام وتناول طابع کل منهما، وکذلک تطرق إلى آراء سيبويه والنحاة المحدثين بالنسبة للحروف التهجي والنطق والکتابة. وکتاب اتجاهات التحليل الزمني في الدراسات اللغوية، ألفه محمد عبد الرحمن الريحاني (1996م)، وصنّفه في بابين يعالج فيه الصيغ والتراکيب الزمنية في التراث النحوي. ودراسة الزمان الدلالي: دراسة لغوية لمفهوم الزمان وألفاظه في الثقافة العربية لکريم زکي حسام الدين (2002م). فعالج الباحث ثنائية المکان والزمان؛ لأن المکان هو الذي يساهم في تحديد هوية الزمان. بتعبير آخر، المکان هو الذي يحدث فيه الشيء المتزمن، والزمان هو الذي يحدث فيه الشيء المتمکن؛ وکذلک تحدث عن مفهوم وعائية الزمان عند الجماعة العربية الأولى التي قد أدرکت أن کل ما في الکون تندرج في إطار الزمان، بل إن حياة الإنسان نفسه ونموّه الجسمي والنفسي يتزمن في أطوار مختلفة تعبر عنها ألفاظ مثل وليد ورضيع وطفل وصبي ومراهق. وکتاب الزمن في اللغة العربية بنياته الترکيبية والدلالية، لمحمد الملاخ (2009م). تطرقت الدراسة إلى النظام الزمني والبنية الزمنية والجهية في اللغة العربية وإستراتيجية بناء السلاسل الزمنية، والسلاسل الزمنية البسيطة منها والسلاسل الزمنية المرکبة؛ وکذلک عالجت مظاهر الزمن المختلفة، منها المظهر الصرفي، والدلالي، والترکيبي، والتداولي، والعلاقات القائمة بينها ومدى تفاعل هذه المظاهر. ودراسة الزمن واللغة، لمالک يوسف المطلبي (1986م). فتحدث فيها المؤلف عن الزمن الصرفي في صيغ "فعلَ" و"يفعلُ" و"الأمر" في زمني الماضي والحال والاستقبال، وکذلک الصيغ المرکبة، نحو "کان يفعل" و"کان قد فعل"، وسلّط الضوء على العلاقة بين الزمن والإعراب، أي إعراب الفعل المضارع ودلالته الزمنية، وبذلک أدرج في طياته دلالة صيغة "فعلَ" الزمنية مجردة خارج السياق ومستعملة داخل السياق. ودراسة دلالة الزمن في العربیة دراسة النسق الزمني للأفعال، لعبد المجيد جحفة (2006م). تعرّض المؤلف فيها لموضوعات شتى، منها الإحالة الزمنية، والزمن الدلالي والزمن اللغوي، والفعل والزمن، واسم الفاعل والزمن وفعل الأمر والزمن. وکتاب الفعل زمانه وأبنيته، لإبراهيم السامرائي (1983م). قد تناول فيه المؤلف مادة الفعل في اللغة العربية ومکانته في الکلام وأقسامه المتمثلة في الثلاثي والرباعي ودلالته الزمنیة، وکذلک ذکر آراء النحاة البصريين والکوفيين في کافة مجالات النحو، وخاصة في مجال تعريف الفعل وأقسامه الثلاثة، منهم سيبويه والزجاجي والزمخشري. أما من الرسالات والمقالات التي نشرت في هذا المجال فيمکن أن نشير إلى ما يلي:
رسالة ألفاظ الزمن في ديوان محمد العيد آل خليفة: دراسة معجمية دلالية، لحمزاوي حياة (2015م). توصلت الرسالة إلى أن للقرائن دورا هاما في تحدد الدلالة الزمنية لصيغ المختلفة، کالحروف والنواسخ والسوابق واللواحق التي تلحق صيغة ما وتغير دلالتها الزمنية وتخلصها لزمن معين. ورسالة ألفاظ الزمن في القرآن الکريم: دراسة نحوية، لتماضر قائد راضي الحاتمي (2004م)؛ ومن أهم نتائجها هي أنه لا فرق بين الزمان والزمن، وهما اسمان لقليل الوقت وکثيره، واختلافهما يرجع إلى اللفظ دون المعنى. ومقالة مفهوم الزمن النحوي ودلالته بين القديم والحديث، لأحمد مجتبى السيد محمد (2015م). ومن أبرز نتائج حصل عليها الباحث هي أن اللغة العربية قادرة على التعبير عن الزمن بکل ما فيه من الاسم والفعل وذلک حسب السياق؛ فالأفعال يمکن أن تتبادل أزمنتها وفقا للسياق فيعبر الماضي عن الحاضر والمستقبل والحاضر عن الماضي والمستقبل، وکل ذلک يحدث من خلال السياق ولا من خلال الصيغة الصرفية المفردة. وکذلک رسالة الزمن النحوي ودلالته: دراسة تطبيقية في ديوان أبي فراس الحمداني، لأسمهان ميزاب، (2014م). عالجت الباحثة الزمن اللغوي بنوعيه الصرفي والنحوي. أيا يکن الأمر، فهذه الدراسات لم تتناول الزمن بأقسامه الثلاثة الصرفي والنحوي والسياقي، وکذلک لم تتطرق إلى الفوارق الموجودة بين هذه الأزمنة. إذن من ميزات هذه الدراسة هو بيان الخلافات القائمة بين الزمن اللغوي بقسميه المعروفين الصرفي والنحوي، والزمن التقويمي والزمن الفلسفي، وکذلک تبيين الفروق بين الزمن الموجود في الأفعال والصفات والزمن الذي تدل عليه الظروف؛ علاوة على هذا، يعالج البحث الجمل والأفعال الموجودة في اللغة التي لا تدل على الزمن کما أن علماء النحو يشيرون إليه في تعريفهم للفعل.
2ـ مفهوم الزمن الزمن وکيفية تفهيمه في اللغة من الموضوعات الرائعة التي أوضحت مدارس علم اللغة أبعادها المختلفة، وهو مفهوم انتزاعي یستفاد من المفاهيم المحسوسة، مثل المکان والحرکة لدراسته وفهمه أن فهمنا عن الزمن ناتج عن تجاربنا ووقوفنا على الحرکات والتغييرات السائدة على البيئة. و«الزمن مقولة لغوية تسهم في بناء البنيات اللغوية. هذه المقولة مقولة فعلية بامتياز، رغم أنها ترتبط بمقولات أخرى، مثل الظروف على اختلاف أنواعها، إلا أن الزمن المرتبط بالأفعال ليس من طبيعة الزمن المرتبط بالظروف. فهو في الأولى مقولة لبناء الجملة، (أي مقولة ترکيبية)؛ وفي الثانية مقولة معجمية؛ إذ يکون الزمن جزءا من دلالة الظرف المعجمية» (جحفة، 2006م، ص25). يرى معظم النحاة القدامى أن الزمن والزمان شيء واحد، وهما مصطلحان مرادفان. لقد ورد في کتاب العين «أن الزمن من الزمان، وأزمن الشيء: طال عليه الزمان» (1414ﻫ، ج 13، ص 357). لقد عرفه الجوهري بقوله: «الزمن والزمان اسم لقليل الوقت أو کثيره، ويجمع على أزمان وأزمنة وأزمن، ولقيته ذات الزمين تريد بذلک تراخي الوقت، کما يقال لقيته ذات العويم، أي بين الأعوام» (1990م، ج 1، ص137).
أما ابن منظور فيقول: «الزمن والزمان اسم لقليل الوقت وکثيره وفي المحکم الزمن والزمان العصر» (1348ﻫ، ج 20، ص 86). في حين، يرى المحدثون من النحاة واللغويين أن النحاة القدماء قد خلطوا بين هذين المصطلحين، وهما ليسا مرادفين، فالزمن تعبير لغوي والزمان مصطلح فلسفي. وکلمة الزمن تقابلها في اللغة الإنجليزية کلمة (tense)، وليست مرادفة لکلمة الزمان التي تعادل کلمة (time)، في اللغة الإنجليزية. والزمن يدل على مقولة نحوية تستخدم الفعل أو ما بمعنى الفعل، للتعبير عن وقوع الحدث في زمان معين. أما الزمان فهو بيان للوقت، ويدخل في دائرة المقاييس ولا صلة له بالأحداث؛ وهذا ما نسميه الزمن التقويمي أو الزمن الفلکي. «أما الزمن الفلکي، فهو آلة قياس الإنسان الأحداث والخبرات، کما المسطرة آلة قياس المسافة أو المکان؛ أو هو ذلک القسم من الوجود الذي يخضع للزمان ويجري فيه کأحداث الطبيعة والتاريخ. لهذا لا بد لنا من تجسيم هذا الزمن أو تأطيره ليکون محسوسا، فنحن مضطرون لنربط أعمارنا بالساعة؛ لأننا مغرقون في دوام المادة، والساعة تقيس أحد ابعاد هذه المادة» (المطلبي، 1986م، ص13). فضلا عن الزمنين، هناک نوع آخر من الزمن يختلف عن کليهما، وهو الزمن الفلسفي. ومن ميزاته عدم وجود مستقل وقائم بالذات له، بل وجوده ضعيف وملازم للعدم، بحيث فور حدوثه ينعدم؛ لأن وجوده رهين بوجود الأشياء المادية والمحسوسة. وکذلک لا يضاف شيء إلى وجود الأشياء المادية لأجل وجود هذا النوع من الزمن. «وعلى هذا، فإن کلا الزمنين الفلسفي والفلکي زمن موضوعي، أي مستقل عن خبراتنا الشخصية، غير أن جوهر افتراقهما يکمن في کون ما سمي بالزمن الفلسفي نظرا في الزمن والزمن الفلکي هو الزمن ذاته. وعلى هذا، فإن أبعاد الزمن الفلسفي غير محددة بالوجود المادي، على العکس من الزمن الفلکي الذي هو سجل طويل يمتد إلى أعماق سحيقة في الوجود المکتشف» (المصدر نفسه).
3. الزمن من وجهة نظر النحويين واللغويين 3ـ1. الزمن من وجهة نظر النحاة القدامى «کان الزمن واحدا من تلک الموضوعات التي أوسعها النحاة القدامى بحثا وتقصيا ثم ترکوها حيثما وردت، فالزمن لم يقع في باب أو في عنوان مستقل في کتب النحو القديمة، وإنما هي شذرات وإشارات هنا وهناک ينقصها الرصد والتحليل والاستنتاج» (رشيد، 2008م، ص 8). بما أن للفعل دورا مهما في نحو اللغات کلها، وخاصة في اللغة العربية، فالزمان جزء لا يتجزأ من أجزائه، بحيث اعتبره النحاة من مقومات الفعل. وأحد الأزمنة التي نقوم بدراسته في بحثنا هذا، يتجلى في الفعل خاصة؛ لهذا جدير بنا أن نتناول تعريف النحاة للفعل أثناء دراستنا للزمن. لقد «عرف النحاة الفعل بأنه ما دل على حدث وزمن. ودلالته على الحدث تأتي عن اشتراکه مع مصدره في مادة واحدة. والمعروف أن المصدر اسم الحدث، فما شارکه في مادة اشتقاقه کالفعل والصفة والميميات، لا بد أن يکون على صلة من نوع ما بمعنى الحدث کالدلالة على اقتران الحدث بالزمان أو على موصوف بالحدث أو على مکان الحدث أو زمانه أو آلته» (حسان، 1994م، ص 104). مما يهمنا في هذا المقام أن تعريف النحاة هذا للفعل لا يحتوي على الأفعال والجملات کلها. فلا نحتاج في کثير من الأحيان في بناء جملةٍ ما إلى المفهوم الدلالي الزمني، مثل الزمن الذي نريد إثبات الحدث إلى الموصوف. لهذا من العسير أن نطلب من کل ترکيب مقرون بالحدث، المعنى الزمني. من جانب آخر، أن قسما من الأفعال مثل: "کان" الناقصة وأخواتها، لا يدل على حدث البتة. والفعل المضارع أيضا لا يعرب عن الزمن، إذا أريد به التعبير عن حقيقة. والجملة الاسمية في اللغة العربية لا تحتوي على الزمن، فهي جملة تصف المسند إليه بالمسند، ولا تشير إلى حدث، ولا إلى زمن. «لقد اهتم النحاة القدماء بمسألة الفعل في مباحثهم النحوية، کما اهتم في الموضوع نفسه المحدثون في دراساتهم الحديثة. الاهتمام بالفعل يشغل مکانا مهما في سائر اللغات. وقد کان اهتمام الأقدمين بهذه المادة غيره عند المعاصرين. کان الأقدمون يرون أن الفعل صاحب العمل، وهو عامل قوي، بل هو أقوى العوامل، فهو يرفع فاعلا وينصب مفعولا کما ينصب سائر ما أسموه بالفضلات، کالمفاعيل، والحال، ونحو ذلک، وأنه يعمل أينما متقدما أم متأخرا ظاهرا أم مقدرا» (السامرائي، 1983م، ص 15). والفعل عند سيبويه «أمثلة أخذت من لفظ أحداث الأسماء وبنيت لما مضى ولما يکون ولم يقع وما هو کائن لم ينقطع، فأما بناء ما مضى فـ"ذهب"، و"سمع"، و"مکث"، و"حمد"؛ وأما بناء لم يقع فإنه قولک آمرا: "اذهب"، و"اقتل"، و"اضرب"، ومخبرا: کـ"يقتل"، و"يذهب"، و"يضرب"، وکذلک بناء ما لم ينقطع، وهو کائن» (1988م، ص 12). ويقول الزجاجي: الفعل على الحقيقة ضربان کما قلنا: ماض ومستقبل. والمستقبل ما لم يقع بعد، ولا أتى عليه زمان ولا خرج من العدم إلى الوجود، والفعل الماضي ما تقضى وأتى عليه زمنان لا أقل من ذلک، زمان وجد فيه، وزمان خبر فيه عنه، فأما فعل الحال فهو المتکون في حال الخطاب المتکلم، لم يخرج إلى حيز المضي والانقطاع (1979م، ص 86 ـ 87). «لقد لاحظ النحاة مثال الزجاجي (ت 337ﻫ)، والسيرافي (ت 368ﻫ)، وغيرهما أن مضي الأحداث أو حضورها أو استقبالها بالنسبة للفاعل إنما لا يقاس إلا عن طريق المتکلم، ويمکن أن نمثل رؤيتهم بالخط المستقيم، هکذا الماضي الحاضر المستقبل، حيث يقف المتکلم في لحظة الآن في منتصف الخط، بينما ما سبقه مضي وما لم يأت فهو مستقبل، وهي أزمنة مطلقة بلا مدى. لکن مثل هذه النظرة إلى الصيغ مع الزمن: إنما نتحدث عن مطلق الزمان في الدلالة، فالماضي بالنسبة للمتکلم حدث وقع يخبر عنه المتکلم الآن، والحاضر حدث يوصف وقت کلام المتحدث، والمستقبل حدث سوف يقع بعد کلام المتحدث الآن، وهذا هو معيار الزمان» (الريحاني، 1983م، ص 21). و«الزمان في الأفعال ملحوظ ودلالتها على الزمان من مقوماتها، ولکن الزمان فيها زمان نحوي وظيفته التفريق بين أبنية الأفعال، لا دلالة على حرکات الفلک من مضي وحضور واستقبال» (المخزومي، 1986م، ص 115). 3ـ2. الزمن من وجهة نظر اللغويين المحدثين ربما نستطيع أن نعتبر الدراسات المنطقية لريشنباخ[1]، 1947م في مجال الزمن النحوي نقطة منطلق للاتجاهات المعاصرة إلى الزمن. وإن قد تحققت الدراسات المسهبة والتطورات المرموقة في هذا المجال، إلا أن المصطلاحات والتعبيرات الدلالية له لاتزال تسترعي انتباه الباحثين في مجال الزمن النحوي. يهتم هذا الباحث بثلاثة عناصر هامة في مجال دراسة ماهية الزمن اللغوي، يقول: البنية الداخلية للزمن يتکون من ثلاثة عناصر: زمن الحدث، وزمن التلفظ، وزمن الإحالة. ويذهب إلى أن العلاقات القائمة الموجودة بين هذه العناصر تشکل الماهية النحوية للجملات في أي لغة کانت، ثم يقول: العنصر الأول من هذه العناصر يشير إلى لحظة وقوع الحدث؛ والعنصر الثاني يلمح إلى لحظة التلفظ؛ وبما أن لحظة التلفظ تحدث في الحال، فهذا الزمن يتعلق بالحال دائما؛ بعبارة أخرى، هذا الزمن يأخذ هويته من نسيج الکلام؛ وأما العنصر الثالث فيتعلق بزمن غير زمن التلفظ وزمن الحدث يتحدد بواسطته (ويسىحصار، 1394ﻫ.ش، ص 116). و«تفيد الجمل أحداثا ويتم تقييم الأحداث في الجمل بالنظر إلى زمن مخصوص، ويحدد الزمن هذا الحدث عموما من خلال علاقته بلحظة تلفظنا بالجملة. لننظر الجمل التالية: أ: "کتب الطفل رسالة"؛ ب: "يکتب الطفل رسالة"؛ ج: "سيکتب الطفل رسالة". في جملة (أ)، تموقع حدث الکتابة في الماضي بالنظر إلی لحظة التلفظ، خلافا لجملة (ب) التي تموقع الحدث باعتباره مواقتا لزمن التلفظ بالجملة؛ أما جملة (ج) فتموقع الحدث في المستقبل بالنظر إلی لحظة التلفظ أو لحظة الإخبار. ففي کل جملة من هذه الجمل، نجد تخصيصا زمنيا للحدث بالنظر إلى لحظة التلفظ. لنسم هذا التخصيص الزمني للحدث "ح"، ولنسم لحظة التلفظ "ظ". يقول الزمن الماضي: إن "ح" قبل "ظ"، ويقول الحاضر: إن "ح" في "ظ"، ويقول المستقبل: إن "ح" بعد "ظ"» (جحفة، 2006م، ص 105). «عولج الزمن تقليديا باعتباره يقيم علاقة ترتيب بين نقطتين زمنيتين، إنه يربط بين من التلفظ "ظ" والزمن الذي يحصل فيه الحدث "ح"، وبذلک فالماضي يرتب "ح" قبل "ظ"؛ أما المستقبل فيرتب "ح" بعد "ظ"» (المصدر نفسه).
4. الزمن اللغوي مفهوم الزمن اللغوي بعيد عن مفاهيم الزمن الفلسفي والزمن الفلکي کل البعد؛ «إذ الزمن اللغوي لا يعتمد على العد والقياس، ولا على المعاني المعجمية، ولا على الإدراک والإحساس، إنما يعتمد على التراکيب اللغوي على الجملة المکتوبة أو المنطوقة، وما فيها من صيغ فعلية وأدوات وحروف ونواسخ؛ وقد يکون هذا الزمن اللغوي زمن فعل مفرد، وقد يکون زمن جملة تامة» (رشيد، 2008م، ص 12). و«فقد عرفه لغويون عديدون، منهم بلارمان[2]، فقال: إنه فصيلة نحوية تنتمي إلى الأفعال عادة، تشير إلى الوقت لأي حادثة مع علاقتها مع لحظة الحاضر أو أي نقطة إشارية أخرى» (قواقزة، 2009م، ص 14). 4ـ1. أقسام الزمن اللغوي الزمن اللغوي ينقسم إلى القسمين: الزمن الصرفي، والزمن النحوي. الزمن الصرفي هو وظيقة الصيغة خارج السياق مجردة. «معنى إتيان الزمن على المستوى الصرفي من شکل الصيغة أن الزمن هنا وظيفة الصيغة المفردة» (حسان، 1994م، ص 105). و«الحديث عن الزمن الصرفي هو الحديث عن الزمن في الفعل المستقل خارج السياق؛ وقد بينا أن الفعل هو الوحيد من بين أقسام الکلام الذي يستطيع منفردا أن يدل على الزمن، أما داخل السياق فقد ينافسه المصدر أو الصفة وعندئذ يکون الزمن للجملة کاملة ونسميه زمنا نحويا» (رشيد، 2008م، ص 24). وأما الزمن النحوي فهو وظيفة في السياق ويأخذ هويته من نسيج الکلام. «أما الزمن النحوي فهو وظيفة في السياق يؤديها الفعل؛ لأن السياق يحمل من القرائن اللفظية الحالية ما يعين على فهم الزمن في مجال أوسع من مجرد المجال الصرفي المحدود، وقد استعمل النحاة الزمان أيضا للتفريق بين الفعل والاسم؛ لأن الاسم يدل على حدث فقط» (الحاتمي، 2004م، ص 15). «يقول الدکتور مهدي المخزومي: لم ينجحوا النحاة القدماء في تصور أن الزمن اللغوي ليس کالزمن الفلسفي. ويقول الدکتور تمام حسن: ينبغي أن نفرق بين الزمن النحوي والزمان، بأنه صيغ تدل على وقوع أحداث في مجالات زمنية مختلفة ترتبط ارتباطا کليا بالعلاقات الزمنية عند المتکلم» (المطلبي، 1986م، ص 10). شأن اللغة العربية کشأن اللغات الأخرى في أنها لا تقتصر في تعبيرها عن الزمن بالفعل، بل تتعداه إلى بعض الصيغ والتراکيب، فضلا عن تعبيرها بواسطة الأفعال، فيعبر عن الزمن بالصيغ والتراکيب المتعددة في العربية، منها الظروف والصفات. وهناک فرق بين الزمن الذي يدل عليه الفعل وبين ما تدل عليه الظروف والصفات بأنواعها. وعلينا أن نميز بين الدلالات الزمنية لهذه الصيغ والتراکيب والدلالة الزمنية للأفعال؛ لأننا حينما نتحدث عن الزمن في اللغة، نقصد الزمن الذي يتجلى في الأفعال ليس غيره؛ لأن الزمن الذي يقترن مع الحدث ويدل على وقوع الحدث في زمان ما يعادل الزمن اللغوي، وهذا ما يقابله في اللغة الإنجليزية (tense). تحدثنا عن الأفعال ودلالتها الزمنية في ما مضى. وأما الصفات التي تدل على الزمن فخمسة، وهي صفة الفاعل، وصفة المفعول، وصفة المشبهة، وصفة المبالغة، وصفة التفضيل. وکل هذه الصفات تختلف عن غيرها مبنى ومعنى. «أما من حيث المبنى، فلکل صفة منها صيغ خاصة بها؛ وأما من حيث المعنى فصفة الفاعل تدل على وصف الفاعل بالحدث منقطعا متجددا؛ وصفة المفعول تدل على وصف المفعول بالحدث کذلک على سبيل الانقطاع والتجدد؛ وصفة المبالغة تدل على وصف الفاعل بالحدث على الطريق المبالغة؛ وصفة المشبهة تدل على وصفه به على سبيل الدوام والثبوت؛ وصفة التفضيل تدل على وصفه به أيضا على سبيل تفضيله على غيره، ممن يتصف بالحدث على طريقة أي من الصفات السابقة» (حسان، 1994م، ص 100). الصفة من حيث الدلالة على الحدث والزمن تختلف عن بقية أقسام الکلم جميعها. أما بالنسبة إلى دلالتها على الحدث فإنها تدل على الموصوف بالحدث ولا تدل على الحدث وحده ما يدل المصدر، ولا على اقتران الحدث والزمن کالأفعال، ولا على مطلق مسمى کالأسماء. وأما في مجال دلالتها على الزمن، فالصفات لا تدل کالأفعال دلالة صرفية خارج السياق، وإنما تأخذ معنى الزمن النحوي في السياق. في الواقع لا تتصل الصفة بمعنى الزمن إلا من خلال علاقات السياق، إذن دلالة الصفة على الزمن وظيفة السياق لا وظيفة الصفة. «إن زمن الفعل يکون صرفيا في الإفراد ونحويا في السياق، ولکن ما ينسب إلى الصفة من معنى الزمن لا يمکن أن ينسب إليها مفردة خارج السياق، وإنما يکون الزمن وظيفة للصفة في السياق فقط، أي زمن الصفة نحوي ولا يکون صرفيا أبدا. وبهذا تمتاز الصفة بقبولها معنى الزمن عن الأسماء. فالزمن ليس جزءا من معنى الأسماء وتمتاز برفضها أن تدل عليه (على الزمن) بصيغتها الصرفية عن الأفعال التي تعتبر الزمن جزءا من معناها على جميع المستويات» (حسان، 1994م، ص 103). وأما القسم الآخر من أقسام الکلم التي تدل على الزمن في اللغة العربية فهو الظروف. «في إطار الحديث عن الزمن، يمکن التمييز بين نوعين من دلالات الظروف على الزمن؛ أما النوع الأول فذلک الذي يظهر الظرف فيه مؤکدا زمنيا، بحيث يکون وجوده المؤثر على زمن السياق تاليا لوجود قرائن أخرى أکثر فاعلية توجه الزمن فيه، فيؤکد الظرف هذا الزمن؛ وهي على شکلين: الظروف المرشحة، والظروف ذاتية الزمن؛ الشکل الأول، نحو: "أتيتک أمس"، و"سآتيک غدا"، وهو في هذا يعد الظرف مؤکدا زمنيا؛ أما الشکل الثاني من الظروف المؤکدة فهي تلک التي ليس لها علاقة مباشرة بزمن الفعل، بل إنها قد تظهر مع أي شکل من أشکاله الماضية والمضارعة والأمرية، ولکنها ليست کالأمثلة الأولى التي تملک صياغة زمنية بنفسها، دون أن ترشح زمنا في الفعل، ولکن هذه ترشح زمنا في ذاتها، وعند سيبويه أمثلة کثيرة على هذا النمط متنوعة بتنوع ظروفه، نحو: "سير عليه طورين"، و"ضرب به ضربتين"، و"سير عليه الليل والنهار"؛ أما النوع الثاني فيکون صانعا للزمن في السياق يؤکد وظيفة أساسية في الدلالة عليه» (الشريدة، 2002م، ص 52 ـ 53). يقول تمام حسان: الظروف مبان تقع في نطاق المبنيات غير المتصرفة، فتتصل بأقرب الوشائج بالضمائر والأدوات، ويمکن التمثيل لها على النحو الآتي: ظرف زمان، وهي "إذ"، و"لما"، أي أن، وظروف مکان، هي "أين"، "أنّى"، "حيث". ولکن النحاة رأوا بعض الکلمات تستعمل استعمال الظروف، فعدوا طائفة عظيمة من الکلمات المستعملة استعمال الظروف ظروفا. قد نسبها النحاة إلى الظرفية، وما هي بظروف من حيث التقسيم. ومن ذلک، المصادر، صيغتا اسمي الزمان والمکان، بعض حروف الجر، نحو: "مذ"، و"منذ"، عندما یردان مع الجمل فتکون الظرفية فيهما من قبيل تعدد المعنى الوظيفي، بعض ضمائر الإشارة إلى المکان، نحو: "هنا"، و"ثم"، وإلى الزمان، نحو: "الآن"، و"أمس"، وهي ليست ظروفا في الأصل، بعض الأسماء المبهمة، ومنها ما دل على مبهم من المقادير، نحو: "کم"، ما دل على مبهم من العدد حين يميزه ما يفيد الزمان أو المکان، نحو: "خمسة أيام"، و"ثلاث ليال" (1994م، ص 120). أما في مجال دلالة الظروف على الزمان فيمکن أن نقول إن الزمان کل معنى الظروف؛ وإذا أخذنا معنى الزمان من الظرف لا يبقى منه شيء؛ لأن الظروف لا تدل على مفهوم آخر بجانب دلالته على الزمان والکلمات المستعملة لإفادة الزمان المجرد لا تحمل مدلولا غير الزمان، ولأن الزمن يستفاد من الظروف بالمطابقة خلافا للفعل الذي يدل على الزمن بالتضمن بجانب دلالته على الحدث. بعبارة أخرى، الزمن کل معنى الظروف وبعض معنى الفعل؛ والفعل رکن أساس في الجملة بخلاف ظرف الزمان التي تعد من الفضلات. وفضلا عن هذا الزمن في الفعل ينقسم إلى المضي أو الحالية أو الاستقبال، وهو ظاهرة تتوقف على الموقع والقرينة في السياق، ولکنه في الظرف کناية عن زمان اقتران حدثين. في الحقيقة، الزمان في الظروف زمان تقويمي لعدم اقترانه بحدث ما. «الاسم لفظ يدل على معنى في نفسه ولا يتعرض ببنيته لزمان. فإن وجد من الأسماء ما يدل على زمان: کـ"أمس"، و"غد" فبذاته لا ببنيته؛ ألا ترى أن بنيتهما لا تتغير للزمان. فظروف الزمان وحدات معجمية تسهم في تحديد الدلالة الزمنية للعامل (الفعل أو ما ينوب عنه)، لکن الفعل رکن أساس في الجملة ولا يمکن الاستغناء عنه، بخلاف ظرف الزمان الذي تعد من الفضلات» (قواقزة، 2009م، ص 18).
أما الأسماء فليس الزمن جزءا من دلالتها؛ فإذا دل بعضها على زمان فإنه يدل عليه عن طريق التسمية. فالزمن هو مسمى الاسم: کـ"الليل والنهار" لتسمية الوقتين المذکورين أو عن طريق معاملته معاملة الظرف، مثل: "ليلا ونهارا"، حين يکون الوقتان وعاء لحدث ما.
الخاتمة من خلال دراستنا في مجال الزمن في اللغة العربية، حصلنا على النتائج التالية: ـ هناک فرق بين الزمن والزمان؛ فالزمان اسم لقليل الوقت أو کثيره ولا يرتبط بالحدث أبدا. وهذا ما نسميه الزمن التقويمي أو الزمن الفلکي، ويقابله في اللغة الإنجليزية (time)، بينما الزمن تعبير لغوي يتجلى في الأفعال خاصة، وله صلة وثيقة بالحدث، وهو أحد مدلولي الفعل، ويسميه النحاة الزمن اللغوي ويعادل (tense) في اللغة الإنجليزية. ينقسم الزمن إلى الزمن الصرفي والزمن النحوي. ـ بنية الفعل، أي الحدث، والزمن، وجهان لعملة واحدة لا ينفصل أحدهما عن الآخر. ولکن في بعض الأحيان، لا يدل الفعل على الزمان ولا على الحدث. ولهذا، بإمکاننا أن نعترض على علماء النحو القدامى في تعريفهم للفعل بأن الفعل ما يدل على الحدث والزمن؛ لأن هذا التعريف لا يکون جامعا ولا يشتمل على دلالة الأفعال کلها؛ وذلک بسبب أنه ليس الزمان صورة فريدة مقصودة من الفعل دائما؛ لأن الفعل قد يدل على محض تمام الحدث أو عدم تمامه، بغض النظر عن إرادة الوقت الذي وقع فيه. ـ لا نحتاج ـ في کثير من الأحيان ـ في بناء جملةٍ ما إلى المفهوم الدلالي الزمني، مثل الزمن الذي نريد به إثبات الحدث إلى الموصوف؛ فلهذا من العسير جدا أن نطلب من کل ترکيب مقرون بالحدث، المعنى الزمني؛ أما من جانب آخر، فقسم من الأفعال، مثل: "کان" الناقصة وأخواتها، لا يدل على حدث البتة؛ والفعل المضارع أيضا لا يعرب عن الزمن، إذا أريد به التعبير عن حقيقة، نحو: "تدور الأرض حول الشمس"، و"کل حي يموت"؛ وکذلک في الجملة الاسمية التي يتکون طرفاها من اسمين وتنفرد فيها اللغة العربية؛ لأن الجملة في اللغات الأخرى لا يمکن أن تخلو من الفعل، وفعل الکون على الأقل يوجد في الجملة، إن لم يکن في الکلام غيره من الأفعال. والجملة الاسمية في اللغة العربية لا تحتوي على الزمن، فهي جملة تصف المسند إليه بالمسند، ولا تشير إلى حدث ولا إلى زمن. وإذا أردنا أن نشير بالجملة الاسمية إلى الزمن، نأتي بالأدوات المنقولة عن الأفعال کالنواسخ. ـ من جانب آخر هناک فرق بين دلالة الصيغ والتراکيب التي تعبر بها عن الزمان في العربية. فإن دلت کلمة بالمطابقة على الزمن فقط، فهي ظرف؛ بعبارة أخرى، الزمن يستفاد من الظرف بالمطابقة ومن الفعل بالتضمن. إن الظروف تدل على الزمان دون غيره من المفاهيم، بمعنى أن الظروف خلافا للأفعال هي أوقات مجردة من الحدث؛ وإذا حذفنا الظرف من الکلام تفهم الدلالة الزمنية من الکلام من نفس الفعل، دون أي مشکلة. ومن هنا يتبين لنا أن الزمان الذي تدل عليه الظروف زمان تقويمي ووعاء للحدث، فمثلا: جملة "أتيتک أمس" توضح للمخاطب أن الحدث قد وقع في الزمن الماضي، ولا حاجة إلى کلمة "أمس"؛ لأن هذه الدلالة الزمنية تفهم من الفعل. ـ نظن أن الجملة الظرفية لا تدل دلالة زمنية دقيقة، إلا بما يصحبها من القرائن، فهي بدون القرائن لا تدل على التفاصيل الزمنية التي تتوفر للجملة الفعلية. أما الفعل فهو کلمة تضم دلالتي الحدث والزمن بمعنى أن الافعال تدل على الزمن بصيغتها دلالة وظيفية صرفية مطردة؛ وبهذا يختلف الفعل عن الصفة التي لا تتصل بمعنى الزمن إلا من خلال علاقات السياق، وکذلک الفرق بين الزمان في الصفة وزمان الظرف في أن زمان الظرف خاص بالظرف، وهو مفرد وأن زمن الصفة وظيفة لها في السياق دون الإفراد، أي ما ينسب إلى الصفة من معني الزمن لا يمکن أن ينسب إليها مفردةً خارج السياق؛ لأن معناها وهي مفردة هو الدلالة على الموصوف بالحدث. بتعبير أدق، صيغة الفاعل التي تصف من قام بالحدث تختلف عن صيغة المفعول التي تصف من وقع عليه الحدث. | ||
مراجع | ||
ابن منظور، جمال الدين محمد بن مکرم. (1348ﻫ). لسان العرب. بيروت: دار الإحياء التراث العربي. ابن يعيش، موفق الدين يعيش بن علي. (1993م). شرح المفصل. القاهرة: إدارة الطباعة المنيرية. جحفة، عبد المجيد. (2006م). دلالة الزمن في اللغة العربية: دراسة النسق الزمني للأفعال. الرباط: دار التوبقال للنشر والتوزيع. الجوهري، إسماعيل ابن حماد. (1990م). صحاح تاج اللغة وصحاح العربیة. ط 4. بيروت: دار العلم للملايين. الحاتمي، تماضر قائد راضي. (1425ﻫ). ألفاظ الزمن في القرآن الکريم: دراسة نحوية. رسالة الماجستير. جامعة الکوفة. کلية تربية البنات. حسام الدين، کريم زکي. (2002م). الزمان الدلالي دراسة لغوية لمفهوم الزمان وألفاظه في الثقافة العربية. ط 2. القاهرة: دار الغريب للطباعة والنشر. حسان، تمام. (1994م). اللغة العربية معناها ومبناها. الرباط: دار الثقافة. حياة، حمزاوي. (2015م). ألفاظ الزمن في ديوان محمد العيد آل خليفة: دراسة معجمية دلالية. رسالة الماجستير. جامعة وهران. کلية الآداب والفنون. رشيد، کمال. (2008م). الزمن النحوي في اللغة العربية. ط 3. عمان: دار عالم الثقافة. الريحاني، محمد عبد الرحمن. (1996م). اتجاهات التحليل الزمني في الدراسات اللغوية. القاهرة: دار القباء للطباعة والنشر. الزجاجي، أبو القاسم. (1979م). الإيضاح في علل النحو. دراسة وتحقيق مازن المبارک. ط 3. بيروت: دار النفائس. الزمخشري، محمود بن عمر. (2004م). المفصل في علم العربية. دراسة وتحقيق فخر صالح قداره. عمان: دار عمار للنشر والتوزيع. السامرائي، إبراهيم. (1983م). الفعل زمانه وأبنيته. ط 3. بيروت: مؤسسة الرسالة. سيبويه، عمرو بن عثمان. (1988م). الکتاب. تحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون. ط 3. القاهرة: مکتبة الخانجي. السيد محمد، أحمد مجتبى. (2015م). «مفهوم الزمن النحوي ودلالته بين القديم والحديث». مجلة جامعة سبها. ج 14. ع 1. ص 36 ـ 52. الشريدة، صفا شريف. (2002م). الدلالات الزمنية في کتاب سيبويه. رسالة الماجستير. جامعة اليرموک. کلية الآداب. الفراهيدي، خليل بن أحمد. (1414ﻫ). العين. دراسة وتحقيق مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي. قم: باقرى. قواقزة، محمد حسن بخيت. (2009م). نظام الزمن بين العربية والإنجليزية: دراسة تقابلية. أطروحة الدکتوراه. جامعة اليرموک. کلية الآداب. المخزومي، مهدي. (1986م). في النحو العربي: نقد وتوجيه. ط 3. بيروت: دار الرائد العربي. المطلبي، مالک يوسف. (1986م). الزمن واللغة. ط 3. القاهرة: الهيئة المصرية العامة للکتاب. الملاخ، محمد. (2009م). الزمن في اللغة العربية: بنيانه الترکيبية والدلالية. الرباط: الاختلاف. ميزاب، أسمهان. (2014م). الزمن النحوي ودلالته: دراسة تطبيقية في ديوان أبي فراس الحمداني. أطروحة الدکتوراه. جامعة جاح الخضر. کلية الآداب واللغات. ويسىحصار، رحمان. (1394هـ.ش).«الزمن والجهة في اللغة الکردية». مجلة اللغات واللهجات في غربي إيران. ع 8. ص 101 - 124. | ||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 4,457 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 702 |