
تعداد نشریات | 43 |
تعداد شمارهها | 1,706 |
تعداد مقالات | 13,973 |
تعداد مشاهده مقاله | 33,598,224 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 13,323,649 |
الأفعال الکلامية لتعامل المؤمنين في القرآن الکريم في ضوء نظرية تداولية سورة لقمان نموذجا | ||
بحوث في اللغة العربية | ||
مقاله 5، دوره 13، شماره 24، تیر 2021، صفحه 53-74 اصل مقاله (1.83 M) | ||
نوع مقاله: المقالة البحثیة | ||
شناسه دیجیتال (DOI): 10.22108/rall.2020.123725.1299 | ||
نویسندگان | ||
عزت ملاابراهيمي* 1؛ بايزيد تاند2 | ||
1أستاذة في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة طهران، طهران، إيران | ||
2حاصل على الدکتوراه في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة طهران، طهران، إيران | ||
چکیده | ||
التداولية ترتبط بالتواصل السليم أو التواصل الأمثل الذي يحرز من خلاله، أکبر قدر من الوضوح والشفافية لانعکاس اللغة. بما أنها تعدّ عملية تصاعدية مؤدية إلى طبقة عالية من المعنى والسياق، فهي تستوعب جميع مستويات اللغة من الحالة الانفرادية، والتواصلية، والحوارية. وللتداولية محاور مختلفة، منها الأفعال الکلامية التي تحيل الصورة الذهنية للغة إلى الصورة الفعلية اللغوية التأثيرية. وسورة لقمان هي إحدى السور المهمة التي تحمل آداب التعامل والمعاشرة، بذلک تحتاج إلى الأسلوب التواصلي أو التداولي الذي يحقق مقصدية الکلام غير المباشر. وطبيعة الأفعال الکلامية والحجاجية تجسّد ما في السورة من الأغراض والمقاصد من خلال إستراتيجية تواصلية حجاجية، کما تهتمّ أيضا بوقع الکلام وتأثيره على المتلقي. تتبع المقالة المنهج الوصفي ـ التحليلي، مستمدة من مناهج أوستين وسيرل، اللذين قاما بتطوير نظرية الأفعال الکلامية. مما توصّلت إليه هذه المقالة أنّ الأفعال التقريرية أو الإخبارية في السورة تشمل الغرض غير المباشر، کتشجيع المؤمنين على المعاشرة الحسنة والأدب، کما تدلّ الأفعال الإنجازية أو الإنشائية الموجودة فيها على التحذير والتنبيه امتداداً إلى التشجيع في بعض الأحيان. وهذه المعاني تکون ذات دلالة نفسية شعورية تبعث الحياة والتحرک في نفس المتلقي، وتحتوي على معان أخرى غير الدلالات المباشرة، يمکن الوصول إليها من خلال المقام الذي وردت فيه. | ||
کلیدواژهها | ||
القرآن الکريم؛ التداولية؛ الأفعال الکلامية؛ تعامل المؤمنين؛ سورة لقمان | ||
اصل مقاله | ||
1. المقدمة التداولية هي معنى الکلام، بالإضافة إلى الظروف التي يقال فيها الکلام. فمبدائها المعاجم اللغوية. والتداولية لا تهتم بالمعاني المعجمية؛ فأصل الکلام موجود، ولکن نبحث عن الظروف التي قيل فيها. وهذا ما يقوم بدراسته الباحث التداولي الذي لا يبقى على المعنى السطحي المباشر، فإنّما يذهب إلى المعنى الخفي ما بين السطوح وما هو المقصود بهذا الکلام. ذلک لأن التداولية مرتبطة بالمجتمع، حيث تحقق البعد التواصلي الاجتماعي بين المرسل والمرسل إليه، وفق السياق المقامي والمقالي. فالبعد اللساني للنص مملوء بالقلق المعرفي، کالألغاز الحافلة بالغموض والتعقيد. فلا بدّ لعلم التداولية أن يقوم بفکّ هذه الانغلاقات. تعد نظرية الأفعال الکلامية أهم النظريات التي قامت عليها التداولية في الدرس اللساني الحديث، وذلک باعتبارها المنوّر الحقيقي لظلال اللغة وإيحاءاتها في الواقع، حيث تعنى بدراسة ما يفعله المرسلون بالوسائل الاتصالية (اللغة)، من إخبار وفعل أفعال وتأثير؛ وکل ذلک ينجح من خلال النشاط التواصلي والحجاجي بين المتکلمين. وما يرتبط بالحجاج، لقد انبثقت نظريته في اللغة من داخل نظرية الأفعال اللغوية التي وضع أسسها أوستين وسيرل[1]. يتشارک التناسق والتآلف اللغوي في بناء العلاقة اللغوية والتفاعلية. وبقدر ما کانت هذه العلاقة مجديةً، تزيد المعنى المتحقق الفعلي، مما يؤدي إلى خروج اللغة من النسق اللغوي إلى المقام الإنجازي والحقيقي. فيکون هذا التفاعل مقدرة على استعمال اللغة في سياقات فعلية تتجلى فيها، فلا تکتمل وظيفة العلاقة التفاعلية المتحققة عمليا بين الجمل، إلا بترکيب العناصر الخطابية بأجمعها. والمتلقي هو أساس الخطاب ومصدره، والذي يرسل الکلام إلى حيّز الإنجاز والفعل. إذن يعدّ المتلقي نقطة شرارة انقداح النص، مما يلتهب النص الحقيقي الفعلى انطلاقا من نفسيته الجياشة، وهو من تتولد بين أيديه الوظيفة التعبيرية. والعنوان لهذا البحث هو: "الأفعال الکلامية لتعامل المؤمنين في القرآن الکريم في ضوء نظرية تداولية؛ سورة لقمان نموذجا"، وينقسم إلى قسمين: يتناول القسم الأول المفاهيم العامة للمصطلحات اللسانية المتعلقة بالبحث، أي التداولية ونظرية الأفعال الکلامية من رؤية النظر أوستين وسيرل، ثم يرصد في سورة لقمان ملامح الأفعال الکلامية وما لها من أثر ووقع في نفسية المتلقي، وذلک يکون بالنظر إلى طرفي التواصل من المرسل والمرسل إليه والسياق؛ أما القسم الثاني فيتطرق إلى وظيفة الحجاج مع بيان دوره في خلق الأساليب المؤثرة في النفوس، التي تنبثق نظريته في اللغة من داخل نظرية الأفعال الکلامية. أما سبب اختيار سورة لقمان فيکمن في أنها سورة وعظية تبثّ معاني الإرشاد والحکمة؛ لذا هي من أجمل السور التي تعبّر عن مفاهيم المعاشرة الحسنة، وتشجّع الناس على التواضع والصلاح والخير؛ وهي أيضا سورة التربية، فقد تأتى تلک التربية على لسان لقمان، وهي تشمل المحاور التالية: قدرة اللّٰه المطلقة وتوحيده، وتکريم الوالدين، وفهم حقيقة الدنيا، وآداب التعامل والمعاملة الحسنة، والتخطيط للحياة. 1ـ1. أسئلة البحث نحاول في هذه المقالة الإجابة عن الأسئلة التالية: ـ کيف تسهم الأفعال الکلامية المستمدة من فعل الانسجام في إقبال المتلقي على الخطاب والتفکير فيه من خلال تعامل المؤمنين في سورة لقمان؟ ـ کيف نحصل على المعنى غير الصريح في تعامل المؤمنين من خلال الأفعال الکلامية، أثناء التواصل الکلامي في السورة؟ ـ کيف تکون قوّة الأسلوب الحجاجي للإقناع والاستمالة في سورة لقمان معتمدة على نظرية الأفعال الکلامية؟ 1ـ2. خلفية البحث کتب بعض الباحثون دراسات حول التداولية وأثرها في خلق الفعل وتأثيره. ومن أهم الدراسات في هذا المجال ما يلي: مقالة تحليل متنشناختى سوره لقمان بر اساس نظريه کنشگفتارى سرل، لحسين خاکپور وفاطمه عقدايى. فهي دراسة تتناول أنواع مختلفة من الأفعال الکلامية التي تنبني على رؤية جان سيرل. ورسالة الأفعال الکلامية في سورة الکهف: دراسة تداولية، لآمنة لعور. فهي اهتمّت بنظرية الأفعال الکلامية التي تعدّ من أهم نظرية في اللسانيات التداولية؛ لذلک تناولت دراسة هذه الأفعال وما يفعله الناطقون باللغة من تأثير وتبليغ وإنجاز أفعال. ورسالة الدکتوراه المعنونة بالاتصال اللساني ونظرياته التداولية في التفکير البلاغي، لفاطمة محمد عبد الرحمن محمد. فدرست الباحثة التراث العربي البلاغي من منظور حداثي تداولي، حيث يؤدي ذلک إلى آفاق أرحب ورؤية متوسعة في إدراک خصائصه العلمية والمنهجية، وذلک من خلال دراسة التداولية ومقارنتها بالبلاغة العربية القديمة. وکذلک رسالة الدکتوراه تحت عنوان المکون التداولي في النظرية اللسانية العربية: ظاهرة الاستلزام التخاطبي أنموذجا، لليلى کادة. تعدّ هذه الرسالة تنظيرياً حول التداولية، والتي اختارت الاستلزام الحواري أنموذجا. ورسالة إستراتيجيات الخطاب القرآني: سورة آل عمران أنموذجا مقاربة لغوية تداولية، لجيلي هدية، التي تقوم بالبحث عن أنواع إستراتيجيات الخطاب القرآني، وبالخصوص الإستراتيجية التضامنية والتوجيهية والحجاجية التي تأتي لأغراض توجيهية. وکذلک مقالة الخطاب القرآني في ضوء اللسانيات التداولية: قراءة في الأفعال الکلامية، لإيمان جربوعة. فتناول الباحث دور الأفعال الکلامية وما لها من التأثير والوقع من خلال الخطاب القرآني. ورسالة التداولية في الخطاب القرآني: سورة الحجرات أنموذجا، لعميرة حملاوي ولامية عيساوي. فاتبعت الرسالة المنهج التداولي، باعتباره المنهج الملائم لتحليل السورة. ومقالة البعد التداولي للنسق الحواري في القرآن الکريم: مقاربة معرفية حجاجية، لعبد الرحمن محمد طعمة الذي عالج الحجاج ثم تنتهي الدراسة بنموذج تطبيقي لتحليل محاورة موسى (A) وفرعون المتمثلة في آيات صدر سورة الشعراء، مع رصد أهم الجوانب التداولية والحجاجية من خلالها. ومقالة أساليب الإقناع في سورة لقمان: دراسة تداولية، لسناء هادي عباس، وساهرة عدنان وهيب. فقد عنيت المقالة بموضوع الأفعال الکلامية، والملفوظ والعامل والصورة الحجاجية والاستلزام الحواري في السورة بأکملها، وما لها من تأثير في الاستمالة والإقناع. ولکن ما يميز هذا البحث عن البحوث الأخرى هو الترکيز على المستويات اللغوية وعلاقتها بالجانب النفسي والوجداني. فيعدّ هذا البحث بحثا تحليلا يجمع في طيّاته ما بين نظرية أوستين وجان سيرل، ويبرز التطبيق من خلال رؤيتهما حافلا بالحياة والتدفق الجمالي ويقرب للإقناع والإمتاع. وهکذا اتسمت هذه الدراسة باستخدام أساليب الحجاج، حيث يقف المتلقي على عناصر جديدة أو مؤثرة عند اتصاله بالنص؛ فلا بدّ من التأثير والانفعال، کما يواجه أيضا مع جماليات الانسجام والتلاحم بين بنية الآيات من خلال آيات تعامل المؤمنين في سورة لقمان.
2. مفهوم التداولية (البرجماتي)[2] يقول ابن منظور في لسان العرب: «تداولنا الأمر، أخذناه بالدول وقالوا دواليک أى المداولة على الأمر ... ودالت الأيام، أي دارت واللّٰه ويداولها بين الناس، تداولته الأيدى أخذته هذه مرة وهذه مرة، وتداولنا العمل والأمر بيننا ... ودواليک من تداولوا، أي تداولوا الأمر بينهم بأخذ هذا دولة وهذا دولة» (1994م، ج 11، ص 254). من أهمّ فلاسفة هذا الاتجاه هو تشارلز بيرس[3]، وويليام جيمس[4]، وجون ديوي[5]. ويرى ويليام جيمس أنّ البرجماتية هي تطوير للفکرة التجربية العملية، حيث يقوم هذا الاتجاه على الفعل والعمل في الواقع (بوجادي، 2009م، ص 44)؛ لذلک تهتم بنتائج الأفعال، أکثر من اهتمامها بالأفعال نفسها. إن مدار اشتغال التداولية في اللسانيات هو مقاصد وغايات المتکلم، وکيف أنها ترسل إلى المتلقي والمخاطب وکل تفاعل تقتضيه الظروف والعوامل المحيطة بها. والتداولية ليست علما لغويا بنيويا يکتفي بدراسة التراکيب النحوية وجوانبها الدلالية فحسب، بل هي الدراسة التي تندرج ضمن اللسانيات ما بعد البنيوية، وهي تهتم أکثر باستعمال اللغة في الخطابات الحجاجية والتواصل الاجتماعي، کما تعنى أيضا بالتلاؤم بين القضية الرمزية والسياقات المرجعية والمقامية. وهناک من يعرفها بأنها جزء من السيميائية التي تعالج العلاقات بين العلامة وبين مستعملها. تختصّ التداولية بدراسة المعنى، کما يوصله المتکلم أو الکاتب ويفسّره المستمع أو القارئ؛ لذا فإنها مرتبطة بتحليل ما يعنيه الناس بألفاظهم، أکثر من ارتباطها بما يمکن أن تعنيه کلمات أو عبارات هذه الألفاظ المنفصلة. والتداولية هي دراسة المعنى الذي يقصده المتکلم. يتضمن ميدان الدراسة هذا ـ بالضرورة ـ تفسير ما يعنيه الناس في سياق معين وکيفية تأثير السياق في ما يقال، کما يتطلب أيضا التمعن في الآلية التي ينظم من خلالها المتکلمون ما يريدون قوله وفقاً لهوية الذي يتکلمون إليه، وأين، ومتى، وتحت أية ظروف. والتداولية هي دراسة المعنى السياقي (يول، 2010م، ص 19). فبإمکاننا القول إنها دراسة المعنى بأبعاده المختلفة للوصول إلى ما يقصده المتکلم وما يتوقف على الکلام من کيفية الإيصال والتأثير. إنّ المقاربة التداولية تدرس النصّ أو الخطاب الأدبي في علاقته بالسياق التواصلي، والترکيز على أفعال الکلام، واستکشاف العلامات المنطقية الحجاجية، والاهتمام بالسياق التواصلي واللفظي. وبتعبير آخر، ترکز المقاربة التداولية على عنصر المقصدية والوظيفة في النصوص والخطابات. وبهذا، تتجاوز التداوليات سؤال البنية وسؤال الدلالة، لتهتمّ بسؤال الوظيفة والدور والرسالة والسياق الوظيفي، کما تعنى المقاربة التداولية بفهم العلاقات الموجودة بين المتکلم والمتلقي ضمن سياق معين؛ لأن البعد التداولي ينبني على سلطة المعرفة والاعتقاد. وتسمى هذه المقاربة کذلک بالمقاربة التواصلية، أو المقاربة الوظيفية، أو المقاربة الذرائعية، أو المقاربة المنطقية، أو المقاربة البراجماتية، أو المقاربة الحجاجية ...، وهلّم جرّا (حمداوي، 2015م، ص 4). إن أصحاب التداولية يهتمون بدراسة النص حال الاستعمال والاستخدام. دراسة اللغة عندهم تکون قيد الاستعمال. فإذا لم تکن حال الاستعمال فإنهم لا يهتمون به ولا يقعون في مجال دراستهم. للغة حال التداول وردود الأفعال وتأثيرات على المتلقي، وهذه الحالة المؤثرة ناتجة عن هذا التداول. وبالنسبة إلى هذه الفکرة اللسانية، على القائل أن يراعي حال المتلقين الذين يتلقون الکلام. بما أنهم مختلفون في الثقافة ونزعاتهم الفکرية والوجدانية والمرسل، إذا لم يکن کلامه مطابقا لمقتضى الحال مع فصاحته، فلن يکون بليغا. فلا بد من القائل أن يراعي المتلقين في أحوالهم. وأما وصول القارئ إلى کل الأغراض المقصودة للمتکلمين فهو أکثر صعوبة في أعمال من يشتغلون بالتداولية. فالأغراض تختلف باختلاف المتلقين ودواعي نفوسهم وتختلف أيضا باختلاف الزمان والمکان.
3. الأفعال الکلامية والتفاعل التواصلي تعدّ الأفعال الکلامية في الواقع وفق وصف مفهوم الحدث أحداثا. فنحن حين نعمل شيئا، ننتج تحديداً سلسلة من الأصوات أو الحروف التي لها بوصفها منطوقات لغة معينة، شکل عرفي يمکن معرفته، وننجز هذا العمل بقصد مساوق أيضا؛ لأننا في العادة لا نتحدث ضد إرادتنا، ويمکن أن نتحکم أيضا في لغتنا. ومع ذلک، فإن للمنطوقات اللغوية سلسلة کاملة من السمات الخاصة أيضا (دايک، 2001م، ص130). لکن الأمر في الأفعال الکلامية يتعلق بأحداث مرکبة تعلو من خطة الوعي اللغوى وأحداثه، فهي تکون على خطة لغوية غير واعية مرتبطة بجوانب وظلال الکلام. ونحصل أيضا على حدث ذي نظام أعلى، نقيمه من خلال إنجاز الحدث الکلامي، وهو حدث معنوي أو حدث دلالي. نعبر بمنطوقنا اللغوي عن معنى معين، ويمکن من خلاله أن ننجز أخيرا حدثا إحاليا نحيله إلى موضع معين، وننسب إليه خاصية معينة، ونقيم بهذه الطريقة ربطا بين المنظومة وعدد من الوقائع. وفي العادة تکون تلک الأحداث الدلالية مدرکة، ندرک ما نقول، ونتحک فيه من خلال صيغة المنطوق (المصدر نفسه، 2001م، ص 131). والحقيقة أن جون أوستين يرى أن الإنسان حينما يحاول التعبير عن أغراضه المکنونة، لا ينتج فقط أقوال ظاهرية ذات بنيات نحوية وألفاظا معينة، بل ينتج أفعالا مخصوصة. فالإنسان حينما يتکلم ليس بمجرد قول فحسب، بل إن کلام المرسل فعل، له أفعال کثيرة. فالفعل الذي ينجزه المرسل بالکلام نفسه مثل کل ما يقوم به الإنسان من الأفعال الممزوجة بالعمل والفعل. ومن هذه الأفعال هي: الاستنکار، والاستخبار، والترغيب، والتمني، والترهيب، والأمر، والنهي، والوعد، والإنذار، و.... النظرية الکلاسيکية للغة ترکز على جانبها الإخباري، ولکن فلسفة اللغة الطبيعية الجديدة تحاول توسيع الاهتمام بالجانب الآخر من اللغة، وهو أن اللغة فعل وإنجاز ويمکن أن توظف لإنجاز وعد أو تهديد أو عقد أو زواج أو تمنٍ و...؛ وبالتالي النظر إلى الجانب الإنشائي والإنجازي، حينما يقول القاضي في المحکم: "بدأت الجلسة"، فإن الجلسة تکون بادئة بمجرد نطقه بالکلام، بما أن القاضي يضع في موضع القدرة والشوکة. فإذن قوله فعل، وليس قولا عاديا فحسب. إذن الأقوال في نظر أوستين ليست مجرد النطق باللسان فحسب، بل لها جانب أساسي، وهو الجانب الفعلي والوقعي. فالوعد مجرد الکلام. والحقيقة أنه ليس مجرد کلام، والفعل الحقيقي للوعد يلزمک أن تنفذ هذا الوعد. لعلّ الفضل الأکبر في الصور التداولية وخاصة في مجال الأفعال اللغوية، يرجع إلىأوستين في کتابه الشهيرhow todo things with words (= کيف ننجز الأشياء بالکلمات)، حيث إن له شأن کبير في تقدم علم التداولية؛ إذ قدم فيه تفسيرا لظواهر الخطاب متضمنا في الأفعال الکلامية معتمدا في ذلک على سياق التلفظ ومقام إنتاج الخطاب. ثم أضاف سيرل تصنيفات کثيرة على ما قدمه أوستين من النظريات والقضايا في کتابه speech acts (= الأحداث الکلامية). في تداولية أفعال الکلام، يعد توليد قوة المنطوق الإنجازية مظهرا من مظاهر الاختلاف بين اثنين من مؤسسيها، وهما: أوستين وسيرل. يرى أوستين أن قوة المنطوق الإنجازية تحقيق لمقصد المتکلم تحقيقا ناجح، ولکن سيرل يرى أن القوة حاصل تفسير المستمع للمنطوق (هلدکرافت، 1978م، ص 155). يقول هيس کي[6]: «إن للأفعال الکلامية مجموعة من الأقوال[7] التي تخدم قول العمل في العملية التواصلية، باعتبارها أداة مهمة تستخدم في الأعمال اليومية: کالتحية، والسلام، والتعامل، والمعذرة، والطلب و...» (2014م، ص 3)، ويصرح أيضا بأن مسيرة هذه الأفعال تختلف باختلاف الثقافات والبيئات المختلفة. يعد سياق الأقوال مرجعا مهما في کشف بنية المقاصد والأغراض فيحدد ما قصد المتکلم من الکلام وما له من تأثير على المتلقي في العملية التواصلية، وقد تستثمر دلالة السياق في استنباط الأقوال غير الصريحة، مما جعلها علماء اللغة أصلا مهما في فهم النصوص بأنماطها المختلفة (ألوت، 2010م، ص 38).
4. الأفعال الکلامية عند سيرل أشار أحمد المتوکل في کتابه اللسانيات الوظيفية، إلى نظرية الأفعال اللغوية عند سيرل. وهي تأتي على الترتيب التالي: * الأفعال الحکمية: وهي أفعال تمثّل الواقع تمثيلا يکون صادقا أو کاذبا؛ * الأفعال الأمرية: وهي أفعال يقصد بها المتکلّم حمل المخاطب على فعل شيء ما؛ * الأفعال الالتزامية: وهي أفعال يلتزم بها المتکلم بواسطتها بفعل شيء في المستقبل؛ * الأفعال التعبيرية: وهي أفعال تعبر عن حالة نفسية تعينها شروط الصدق حول واقعة ما يحددها المحتوى القضوى للجملة؛ * الأفعال الإنجازية: وهي أفعال يتحقق محتواها القضوى، إذا توافرت شروط إنجازها، حين التلفظ ذاتها (2012م، ص 22). والأفعال الکلامية ـ بحسب هذه التعريفات ـ أفعال مکنونة في الأقوال الملفوظة، أي هناک أفعال تحتوي على أقوال، وتربط هذه الأفعال بالمجتمع الذي تنبعث منه هذه الأفعال. فيکون الغرض منها تحريض الأشخاص على الحرکة وطغيان الوقع والأثر إلى أن تنجز أفعالا واقعية في نفسية القارئ. وتنقسم هذه الأفعال على أقسام مختلفة، منها الحکميات والتنفيذيات التي تتجلى على الأوامر والنواهي والعقود والوعديات وغيرها. والمهم أنّ هذه الأفعال تحيل الصورة الذهنية إلى الصورة الفعلية اللغوية المتماسکة التي نعرفها ونستطيع أن نلمسها بصورة فعلية، وبالتالي هو الوجود الذهني الذي يتحول إلى الوجود العيني والتأثيري. إذن العلامات اللغوية تتجاور وتتعامل معا، لکي يتحقق من خلالها الفعل والتأثير.
5. تطبيق رؤية سيرل على آيات تعامل المؤمنين في سورة لقمان 5ـ1. الأفعال الحکمية وذلک نحو قوله تعالى: «وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَکَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى وَإِلى عاقِبَةُ الأُمورِª (لقمان 31: 22). وإسلام الوجه إلى اللّٰه هو تسليمه له، وهو إقبال الإنسان بکلّيته عليه بالعبادة وإعراضه عمن سواه. والإحسان هو الإتيان بالأعمال الصالحة عن إيقان بالآخرة (الطباطبائي، 1360ﻫ.ش، ج 16، ص 230). يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين في کتابه تفسير القرآن الکريم: سورة لقمان: معنى "من يسلم ..."، ينقاد له تمام الانقياد، بحيث يسلمه إليه. وهذا غاية ما يکون من التذلل والتوکل. فقال تعالى: "من يسلم وجهه إلى اللّٰه"، لم يقل: للّٰه؛ لأن هذا الأسلوب أبلغ، کأنّه أعطاه اللّٰه تعالى وبلغ غايته بالوصول إلى اللّٰه تعالى. المراد بالوجه، وجه قلبه، وليس وجه بدنه، يعنى اتجاهه، فهو من الوجهة، أي من يتجه إلى اللّٰه قصدا وتوکلا واعتماد(1436ﻫ، ص133). ويقول أيضا في فوائد هذه الآية: الفائدة الأولى: الفائدة العظيمة في الإخلاص والمتابعة؛ الإخلاص من قوله تعالى: "ومن يسلم وجهه إلى اللّٰه"، والمتابعة من قوله تعالى: "هو محسن"؛ الفائدة الثانية: إن من لم يکن کذلک فهو هالک لامتمسک له؛ لأنه رتب الاستمساک على هذين: إسلام الوجه للّٰه تعالى مع الإحسان؛ وعلى هذا فمن لم يأت بهما فليس له نجاة»(المصدر نفسه، ص 136). فمن أسلم وجهه للّٰه، وانقاد له بامتثال أوامره واجتناب نواهيه وأحسن في طاعته فکانت عبادته وفق شرعه وأمره. وأحسن إلى عباد اللّٰه طاعة لله، فقد هدى إلى الحق (مسلم وآخرون، 2010م، ج 6،ص 38). وکما يتبين من خلال ظلاله أنها تحثّ وتشجّع المؤمن على الأعمال الصالحة، منها حياة إحساسک بالآخرين ومساعدتهم، ثم شديدة الميل إلى بشارة الصالحين بما يلاحقونهم من السعادة والفلاح والنجاة. فهذا يفيد الإخبار والإعلان عن عواقب الأمور ونتائجها. 5ـ2. الأفعال الالتزامية وذلک نحو قوله تعالى: «أُولئک عَلى هُدى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِک هُمُ الْمُفْلِحونَª (لقمان 31: 5). وکذلک فإن وراء الآية استجلابا للمزيد من الوعود والالتزامات. فإن البشارة السارة لا يکتفي السامع منها بالقصر والإيجاز، بل إنه يشعر باللذة بسماعها المرة تلو الأخرى. هنا الذين يترقون في سلم الإحسان وميادينه من خلال إنفاق المال وعدم تعلقهم به في الدنيا، أولئک لهم بشارة ووعد، کأنه أراد بهذا الکلام تمکن المؤمنين من نور الإيمان. فمن الحقيق أن يتصفوا بصفة الفلاح والنجاة. وهذا وعد مفرح من سبحانه تعالى إلى الذين على منهج واضح، بينما غيرهم في طغيانهم يعمهون. وتملأ القلوب أملا ونورا بقوله تعالى: «إِنَّ الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلوا الصّالِحاتِ لَهُمْ جَنّاتُ النَّعِيم ! خالِدينَ فِيها وَعْدَ اللَّهِ حَقّاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَکِيمُª (لقمان 31: 8 - 9)، أي إن المؤمنين المتصدقين يتمتعون بجنات النعيم يوم القيامة مؤبدين فيها، وعد اللّٰه حقا، أي وعدا وعده اللّٰه حقا لاخلف له (الطبرسي، 2006م، ج 8، ص 60). وهکذا، هذا وعد من الوعود المقترنة بالسعادة والرخاء، يخرج بالمتلقي من حياتيه الساکنة المعتادة إلى الطغيان في الطاقة الروحية، فيولد نشاط الروح وحيويته، بحيث يستأنس بإيحاءاتها المؤملة للخير. 5ـ3. الأفعال التعبيرية وذلک نحو قوله تعالى: «وَوَصَّيْنا الإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْکُرْ لي وَلِوَالِدَيْک إِلَيَّ الْمَصِيرُª (لقمان 31 : 14). إن الفائدة التعبيرية للآية تکمن في الاهتمام بجانب الأم وتؤکد على أهمية حقوقها وتضطرم منها شرارة الترحم والإشفاق عليها؛ فهکذا تستولي على قلب المتلقي، وتملأ عالمه العاطفي، وبالتالي تعبر عما حوته النفس من المشاعر الإيجابية استمداداً من هذه الجملة الاعتراضية. 5ـ4. الأفعال الأمرية ذلک نحو قوله تعالى: «وَاقْصِدْ فِي مَشْيِکَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِک إِنَّ أَنْکَرَ الأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَميرِª (لقمان 31: 19). هذا الکلام يحرص على أن يکشف عن قبح التبختر والتکبر، فيرشد بلسان ممزوج بالوصايا والنصائح، يخاطب المتلقي، لکي يبعث في النفوس الخفقان والجولان لتجسيد الصور المشوّهة للتبختر الذي يمقته الناس. هکذا أراد بصورة غير مباشرة حمل المتلقي على الاعتياد بالتواضع والاتزان والوقار. وأما قوله تعالى: "وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِک"، فيشوه السلوکات غير الأخلاقية: کالتکبر، ورفع الصوت، وغير ذلک. فلهذا يحمل المتلقي في هذا المقطع القصير على عدم المبالغة في الکلام؛ لأن رفع الصوت بلا داعٍ ليس من صفات العقلاء؛ إذ لا تطيقه العواطف السليمة، بل تفضل دائما أن تنفعل بالصوت المنخفض الممزوج بالهدوء والثبات؛ لأنه أقرب إلى القلوب فتستميله المشاعر، لما فيه من جمال العلاقة الإنسانية التي تضمن الأمان والسکينة والاحترام. 5ـ5. الأفعال الإنجازية ذلک نحو الاستفهام المجازي في قوله تعالى: «أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَکُمْ مَا فِي السَّماواتِ وما فِي الأَرْضِª (لقمان 31: 20). إنشاء الاستفهام هنا يبعث تغييرا فکريا في النفوس، حيث له مساهمة بارزة في تمکن المعنى المقصود؛ لأن الاستفهام من خلال الآية يخلق طاقة إيجابية، کما يدعو کل المتلقين إلى التعمق والغور في الدلالة.
6. الأفعال الکلامية عند أوستين 6ـ1. فعل القول[8] وهو عملية الإنتاج الصوتي والترکيبي والدلالي للملفوظات. فقولنا: "الجو جميل"، يشکل ملفوظا يتشکل من أصوات تترکب هذه الأصوات بشکل يفضي إلى إکساب الجملة دلالة معينة (رحيمة، 2009م، ص 149). وفعل القول يعنى القول الذي يقوله المتکلم من الکلام والنص. 6ـ2. الفعل الإنجازي[9] يرى أوزولد ديکرو[10] أنه «من الصعوبة إن لم نقل من المستحيل تقديم تعريف للفعل الإنجازي، ومع ذلک يمکن القول: إن هذا الفعل هو نتاج الفعل السابق، وهو الفعل الإنجازي الحقيقي، وهو قيام بفعل ضمن قول شيء، ثمة قوة تعمل في السامع لتحدد کيفية فهم الملفوظ إنها القوة اللاقولية التي تحدد فهم السامع للملفوظ بوصفه استفهاما أو إخبارا أو أمرا أو ضربا آخر من ضروب الأعمال اللاقولية» (الحباشة، 2010م، ص 101). وفعل الإنجاز هو الغرض الذي يرومه المتکلم ويقصده من هذا الکلام ومن هذه القصيدة وغير ذلک. وينقسم الفعل الإنجازي حسب نظرية أوستينإلى قسمين: الأقوال التقريرية، والأقوال الإنشائية. فأساس الأفعال الکلامية في القرآن الکريم منجزة بمجرد التلفظ بها، کالشهادتين عندما يتلفظ المتکلم بتلفظهما يصير مسلما أو الطلاق أو العقود أو غيرها. 6ـ2ـ1. الأقوال التقريرية الأقوال التي تصف حالا معينا لشيء أو لشخص، وهي عبارة عن الفعل الدال على الثبات، والفعل الدال على الحکم، والفعل الإخباري. 6ـ2ـ2. الأقوال الإنشائية الأقوال التي لا تصف ولا تخبر ولا تخضع لمعيار التصويت. وإن التلفظ بها يساوي تحقيق فعل في الواقع. يستخدم حدّ الإنشاء[11] على وجوه متنوعة، وتراکيب متقاربة: کالحال في حد الطلب الأمري. ولقد اشتق لفظ الإنشاء من فعل "أنشأ"[12]، وهو فعل يستخدم في اللغة الإنجليزية عادة مع الاسم الحدث[13]، ويدل على أن إحداث التلفظ هو إنجاز لفعل، وإنشاء لحدث (أوستين، 1991م، ص 17). والإنشائيات تشکّل تغييرات قوية لوضع العالم، بحيث تنشاء التأثيرات الروحية الناتجة عن قوة الملفوظ اللاقولية. 6ـ3. الفعل التأثيري[14] إن الفعل الإنجازي يحدث أثرا معينا على المخاطب، فلا بد من استجابته، مثلا للأمر بإغلاق النافذة أو فتح الباب، وهو صورة من صور تحقق الفعل الإنجازي. وفعل التأثير بالقول هو الأثر الذي تلقاه المتلقي وقام به وأثر فيه. ونجد في هذه النظرية أن الفعل الإنجازي يتعلق بالمرسل؛ أما الفعل التأثيري فإنه يتعلق بالمرسل إليه؛ لأنه يتوجه إليه، وقد لا تکتمل دائرة التأثير فيه إلا عند حدوث ردّ فعل من المرسل إليه (رحيمة، 2009م، ص 150). 6ـ4. أنواع الأقوال الکلامية تنقسم الأقوال الکلامية إلى قسمين: 6ـ4ـ1. الفعل الکلامي المباشر[15] وهو الحدث الکلامي أو الخطابي الذي يدلّ عليه ملفوظ معين دلالة مباشرة وحرفية، من مثل قولنا: "اخرج"، فهو يعني أمر أحدهم بمغادرة المکان، أو قولنا: "کم الساعة؟"، والذي يعني طلب الحصول على معرفة بخصوص الوقت. وعلى هذا، فإن الفعل الإنجازي المباشر هو الذي يعتمد على المتکلم من أجل تحقيقه والمخاطب من أجل اکتشافه والتعرف على ما تحتويه البنية اللسانية الشکلية للملفوظ مباشرة (المصدر نفسه، 2009م، ص 151). وهي عبارة عن الأقوال التي تساوي المحتوى ولا تخرج عن المعنى الظاهري، وتشتمل على الأقوال الناهية، والأقوال الاستفهامية، والأقوال الأمرية. 6ـ4ـ2. الفعل الکلامي غير المباشر[16] نصادف في الحياة کثيرا من العبارات التي لا تتطابق معانيها الدلالية مع المعاني التي رغب المتکلم في التعبير عنها؛ من مثل قولنا: "صباح الخير"، في مقام معين لا يتناسب مع استخدام العبارة للتحية الصباحية، وإنما قد يفصح المقام عن استخدام هذه العبارة للسخرية والتهکم. يتعلق الأمر بأقوال يرمي من خلالها المتکلمون إلى التعبير بشکل ضمني عن شيء آخر غير المعنى الحرفي، مثلما هو الشأن في التلميحات والسخرية والاستعارة وحالات تعدد المعنى (الحباشة، 2007م، ص 68).
7. تطبيق رؤية أوستين على آيات تعامل المؤمنين في سورة لقمان * «هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنينَ ! الَّذينَ يُقيمونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتونَ الزَّکاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يوقِنُونَ ! أُولئِکَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِک هُمُ الْمُفْلِحونَª (لقمان 31: 3 ـ 5): ـ الفعل الکلامي: في "هدىً ورحمة للمحسنين ..."، و"الذين...". ـ الفعل الإسنادي: يدل الإسناد من خلال الآيات السابقة أن المؤمنين هم الذين يتصفون بهذه الصفات، وهذه الصفات مازالت تتجدد آنا فآنا. ـ فعل الانسجام: فمن أدوات الاتساق في هذه الآيات، هو اسم الموصول "الذين"، وهو يرجع إلى کلمة "المحسنين" المذکورة في الآيات. والضمير المتصل "واو" في أفعال "يؤتون" و"يوقنون"، الذي يربط بين الکلام اللاحق والکلام السابق، يعود أيضا إلى کلمة "المحسنين"، کما يعود إليها اسم الإشارة "أولئک"، حيث يقوم بالربط القبلي والبعدي ويعمل على تحقيق تماسک الآيات واتساقها. فبذلک تتولد ساحة خصبة تشبع ذائقة المتلقي. ـ القول التقريري: الخبر يتضمن معاني المدح والثناء، حيث يتفاءل باتّصاف المؤمنين بهذه الصفات. فلا محالة أن يفيد الدوام والاستمرارية التي لا تنفصل عنهم أبدا. تعمق "واو" العطف کوسيلة من وسائل الاتصال دائرة نفسية، فتشکل مجالا رحبا للانسجام والثورة اللغوية. ـ الاقتضاء: على المؤمنين أن يتصفوا بصفات الإحسان وأن يأتوا بالحسنات أعلاها الإيمان وإقامة الصلاة وإيتاء الزکاة (ابن عاشور، 1984م، ج 21، ص 141). ومن ثم تستمر هذه الأعمال ليتحقق من خلالها التفاعل والتعالق الإيجابي. ـ الفعل الکلامي المباشر: الدعوة إلى الإحسان والخير والبرّ؛ لأن کل خير في هذه الدنيا إلى سعادة، وکل برّ إلى رحمة. وهذا يطهر مشاعر الروح، ويجعل منها في القيامة إنسانا سعيدا، يخلص من التعاسة والشقاوة. ـ الفعل الکلامي غير المباشر: فيها ترغيب وتشجيع إلى الاتصاف بالصفات الحسنة، التي يترقى بها الإنسان في ميادين الإحسان. فالمقصود من الزکاة تزکية النفس من عدم التعلق بالدنيا. فلا بد أن ينکسر ظهر الفقر والفاقة في المجتمع، بمقدار ما يعطى من الزکاة التي تؤدي إلى التعادل والتوازن. ـ الفعل التأثيري: تؤکد نهاية الآية "أولئک عَلَى هُدى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئک هُمُ الْمُفْلِحُونَ"، على أن الهداة الحقيقيين هم الذين يتصفون بالصفات السابقة. فکأن تمکن نور الإيمان والفلاح مختص بهم لا غيرهم، وهم المفلحون. هکذا أريد من خلال التأکيد طغيان المعنى المراد في النفوس، فضلا عن ذلک تکرار کلمة "أولئک" التي تقوم بالربط القبلي والبعدي وتقدم صورة مشحونة بالمؤثرات العاطفية وتطغى المعنى المقصود وتزيد من مستوى التأثير في الآية. * «إِنَّ الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلوا الصّالِحاتِ لَهُمْ جَنّاتُ النَّعِيمِª (لقمان 31 :8): ـ الفعل الکلامي: "إن الذين آمنوا ...". ـ الفعل الإسنادي: يستغرق الإسناد زمن السرور والاطمئنان في نفوس المؤمنين، ولهذا يأتي للدلالة على الأمل والاطمئنان والتبشير. ـ فعل الانسجام: هؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات في مقابل الذين يشترون لهو الحديث ليضلوا عن سبيل اللّٰه. وهذه سمة من سمات الأسلوب القرآني؛ لأن ذکر الشيء مع مقابله يوضح المعنى ويعطيه حسنا (الشعراوي، 1991م، ج 11، ص 11593). فنبرة التقابل بين الآيتين أحدثت انسجاما وتأثيرا جارحا يتبعهما التوازن والمزواجة. ـ القول التقريري: الخبر في مقام الإخبار والإعلان، مما يحث المتلقي على انتفاضة نفسية أو ضجة شعورية. ـ الاقتضاء: على المؤمن أولا أن يؤمن باللّٰه تعالى ثم أن يقوم بالأعمال الصالحة حتى يصلح المجتمع. وهذا ما يتسق مع نبرة البشارة والسعادة. ـ الفعل الکلامي المباشر: الاهتمام بالإيمان والعمل الصالح، لما فيه من المنافع العامة والخاصة فتفتح من خلالها نوافذ النور والانفتاح. ـ الفعل الکلامي غير المباشر: المقصود من الآية هو التشجيع والترغيب إلى رعاية حقوق اللّٰه وعباده، لما فيه من الوعد والتبشير، کما فيها دعوة أيضا إلى الإحياء والحياة، على أساس أن الإنسان بمقدوره الانطلاق والتحرر من مخالب المعصية والفساد. ـ الفعل التأثيري: النبرة الصوتية للآية برنّتها الشديدة تحقّق غرض الإفادة والمنفعة، مما تبعث روح الإحسان والإيمان في نفوس المجتمع. * «وَوَصَّيْنا الإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْکُرْ لي وَلِوالِدَيْک إِلَيَّ الْمَصِيرُª (لقمان 31: 14): ـ الفعل الکلامي: "ووصينا الإنسان بوالديه ...". ـ الفعل الإسنادي: ساهم الإسناد هنا بظلاله المقترنة بالاستمرارية والدوام في الکشف عن جمالية الاحترام والتکريم للوالدين وخاصة في حق الأم، وذلک عبر تفصيل الآية واستمرارية المضمون. ـ القول التقريري: الخبر يفيد حکما وبلاغا، ولکن ظلاله يتضمن إنشاء الحکم. ـ الاقتضاء: "ووصينا الإنسان بوالديه" إلى آخر الآية، اعتراض واقع بين الکلام المنقول عن لقمان، وليس من کلام لقمان، وإنما اطرد ههنا للدلالة على وجوب شکر الوالدين، کوجوب الشکر للّٰه، بل هو من شکره تعالى لانتهائه إلى وصيته وأمره تعالى، فشکرهما عبادة له تعالى، وعبادته شکر (الطباطبائي، 1360ﻫ.ش، ج 16، ص 216). ويقول الشعراوي في تفسيره: «فشکر اللّٰه يستلزم شکر الوالدين، وشکر الوالدين ينتهي إلى شکر اللّٰه» (1991م، ج 19، ص 11645). وخلاصة القول أن وجوب احترام الوالدين وتکريمهما يقتضي الإتيان بالآية. ـ الفعل الکلامي المباشر: فيها دعوة إلى العناية بحقوق الوالدين وحسن معاملتهما. وهذا الحق عام يشمل کل الجنس البشري. ـ الفعل الکلامي غير المباشر: الآية تؤکد على حق الأم، لما فيها من الجدة اللغوية والمخالفات اللغوية؛ لأن ما يخشى منه التهاون يجب دعمه؛ لذلک يدعم جانب الضعيف بشيء من التفصيل والتبسيط. إذن الأم أحق بالتکريم والاحترام. والمقصود الضمني من الآية هو بيان عظم حقوق الوالدين. فلا بد من الإتيان بکلمة الوصية. ـ الفعل التأثيري: في نهاية الآية "إلى المصير"، تهويل وتحذير لمن يخالف أمر اللّٰه فيما أوجبه على عاتق المؤمنين من احترام الوالدين. فلا بد منه أن يثير قوة الإشباع الإقناعي في نفسية المتلقي. * «وَإِنْ جَاهَداکَ عَلى أَنْ تُشْرِکَ بي ما لَيْسَ لَک بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْروفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُکُمْ فَأُنَبِّئُکُمْ بِما کنْتُمْ تَعْمَلونَª (لقمان 31: 15): ـ الفعل الکلامي: "وإن جاهداک ...". ـ الفعل الإسنادي: يتمرکز الإسناد ـ بشکل مغاير لما سبق عن الحکم ـ على تنقيص حقوق الوالدين في بعض الأحيان. ـ فعل الانسجام: کما تقدم ذکره أنّ الشرط يفتقر إلى جواب، فهو من أسرار تشکيل اللغة وصياغتها. وهذا ما يثبت القواعد المنطقية المنسجمة التي بنيت على المنطق والتدرج. وبالنسبة لهذه القضية، لا يتحقق جواب الشرط إلا إذا تحقق الشرط. ـ القول التقريري: الخبر يأتي بصورة الشرط، لکي يستثني شيئا عن الحکم السابق. ـ الاقتضاء: تريد الآية أن تستثني إطاعة الوالدين في بعض الأحيان. فلا بد من الإتيان بهذه الآية. ـ الفعل الکلامي المباشر: يلزم على المؤمنين تقدير الوالدين واحترامهما؛ ولکن الأمور المتعلقة بحق اللّٰه، کثيرا ما تحول بين المرء وإطاعة الوالدين. ـ الفعل الکلامي غير المباشر: عدم إطاعتهما في ما يخصّ بحق اللّٰه، مثل الشرک باللّٰه، ولکن هذا التعامل ليس مع ملامح العنف والشدة. ـ الفعل التأثيري: خاتم الآية فيه توکيد لما أمر به الإنسان بتکريم الوالدين. وهذا يدل على عظم حقوقهما ووجوب برّهما، بحيث يبثّ تأثير کمال الإحسان بالنسبة إلى الوالدين في نفسية المتلقي، فبالمناسبة يحقق التأثر والتلقى. هکذا يطمس المؤکد حالة التردد والريب في النفس. فلا بد أن ينفعل المتلقي بالمضمون المقصود. ومن جانب آخر، تفيد کلمة "أنبئکم" في کثير من مواضع القرآن، التحذير من الأعمال السيئة. * «يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَکُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَکُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبيرٌª (لقمان 31: 16): ـ الفعل الکلامي: "إن تک مثقال حبة من خردل ...". ـ الفعل الإسنادي: يدل الإسناد هنا أن مشاهد هذا العالم وخزائن علمه لا يعلم خفاياها إلا خالقه، فهو العالم المطلق من الأزل إلى الأبد. ـ فعل الانسجام: يساهم التلازم بين الشرط وجوابه من خلال هذه الآية في إثراء المعنى المقصود. فتنمو من خلاله حياة الانسجام والتناسق، فيکون أسلوب الشرط على هذه الشاکلة: حرف الشرط "إن" + جوابه "يأت بها ...". فالشرط هنا سبيل إلى تحقيق الانسجام والتأثير بين عناصر الآية. ـ القول التقريري: والآية تضمن معنى الإخبار والإعلان عن اتصاف اللّٰه تعالى بالعلم المطلق، کما ترتکز أيضا على قدرته المطلقة وتسعى وراء تجسيد تلک القدرة من خلال دلائل الإيمان في الکون والنفس. ـ الاقتضاء: يريد لقمان أن يدل ولده على صفة من صفات الحق سبحانه، وهي صفة العلم المطلق الذي لا تخفى عليه خافية، وکأنه يقول له: إياک أن تظن أن ما يخفى على الناس يخفى على اللّٰه تعالى (الشعراوي، 1991م، ج 19، ص 11651). ويتبع قضية الوالدين بمؤثر هائل، وهو يصور عظمة علم اللّٰه ودقته وشموله وإحاطته، تصويرا يرتعش له الوجدان البشري، وهو يتابعه في المجال الکوني الرحيب (قطب، 2003م، ص 2781). وهذه الصورة تکون في لفتة غير شائعة، التي تسرب المتلقي إلى داخل الجو المعبر عظمة اللّٰه وقدرته. ـ الفعل الکلامي المباشر: تخبر هذه الآية أن الحکمة المطلقة تنتمي إلى اللّٰه دون غيره، وهو الخبير يعلم الأشياء في أدق المواضع. وإتيان الآية بهذه الجزئية والتفکيک يزيد من شدة القدرة وتوسعها إلى اللانهاية. وهذا ما يستلزم العلم بأفعال العباد في کل أحوال. فلا بدّ لهم من الخير والمنفعة العامة على الناس. ـ الفعل الکلامي غير المباشر: هذه الآية تحذر من أقل الظلم وأکبره؛ فإن اللّٰه لا يخفى عليه شيء، بل يأتي به يوم القيامة من أقله وأکبره، فضلا عن ذلک هي تکشف الستار عن روح الرغبة والشوق إلى العمل الصالح وما يتدفق منها من السعادة والرخاء؛ ومن جهة أخرى، تضع هذه الآية من خلال ظلالها إدراکا شموليا لعلم اللّٰه المطلق وقدرته الشاملة الهيمنة على کل شيء. - الفعل التأثيري: هذه هي الطريقة المهمة التي يمکن أن تبث المعنى المقصود. فيستشعر عبرها العباد بشمولية علم اللّٰه المطلق، بحيث تدخل نفسية المتلقي في الإحساس بالعجز أو الضعف أمام ما يسمع من القدرة الربانية. * «يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْروفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْکَرِ وَاصْبِرْ عَلَى ما أَصابَک إِنَّ ذلِک مِنْ عَزْمِ الأُمورِª (لقمان 31: 17): ـ الفعل الکلامي: "... أقم الصلاة وإنه عن المنکر ...". ـ الفعل الإسنادي: الإسناد نوع من الأسباب التي تنشئ الاتصال بين المسند والمسند إليه، وتقوم على تراکيب لغوية، وتتراوح بين الاستمرارية والدوام. فينشئ الإسناد الصورة النامية المليئة بالحياة والدوام. ـ فعل الانسجام: العطف هنا کوسيلة من وسائل الربط والاتصال، تقود إلى الائتلاف والتلازم بين عناصر الآية، وتشکل مجالا رحبا للتعميق والغور في باطن المقصود، لما فيها من قوة الانسجام والتلازم. ـ القول الإنشائي: الأمر هنا ينشئ حکما أو بلاغا يفيد إصلاح المجتمع. ـ الاقتضاء: على المؤمن أن يوسع مجال الرحمة ويتمسک بمقاليد الصبر أمام المتاعب التي يواجهها في سبيل اللّٰه. ـ الفعل الکلامي المباشر: فيه بيان ودعوة إلى المعروف وما يتبعه من المنفعة والسعادة. ـ الفعل الکلامي غير المباشر: على الوالدين أن يوصيا أبناءهما بهذه القضايا الأربعة، ويرغبانهم في فعل هذه الأفعال، ويحذرانهم من عدم تحققها. لهذه الأفعال دلالات نفسية، من حيث هي تتکفل بسعادة المجتمع وتتناغم مع تطور المعاشرة الحسنة. وهذا ما يتحقق من خلال انصياع الإنسان لمراد الآية وتفاعله مع مدار أفکارها. ـ الفعل التأثيري: خاتم الآية يؤکد على صعوبة الصبر ومتاعبه. فجميع الأخلاقيات مدارها يعود إلى الصبر والحلم. لذلک تبعث الآية روح المواجهة في نفسية المتلقي تجاه استفزاز من يريد سخطک وغضبک. * «وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّکَ لِلنّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ کلَّ مُخْتالٍ فَخورٍª (لقمان 31 :18): ـ الفعل الکلامي: "ولا تصعّر خدّک ... ولا تمش ...". ـ الفعل الإسنادي: الإسناد يحتوي على طلب معين يکون على صورة النهي. فمعنى الاجتناب والتحاشي يفهم من السياق الذي يرسل المعنى إلى الزمن الحاضر فيدل على الاستمرارية والثبات. ـ فعل الانسجام: فالانسجام بين السبب والأثر هو هذه العلاقة الوطيدة الذي نتسول بها للوصول إلى التقرير والإثبات. ترفض الآية معنى الاستکبار والکبر، والذي لا يليق أحدا إلا اللّٰه؛ ولکن لا بد من التمسک بخاتم الآية لتقرير المعنى وإثباته، وبالتالي هو تعليل مقنع لتحريم التبختر والاستکبار بما أنه تعالى لا يحب اتصاف العباد بهذه الصفة. وهکذا يبرز الانسجام شفافا حافلا بالإشعاعات النباضة من خلال علاقة السبب والأثر. ـ القول الإنشائي: النهي يدل على الکفّ عن فعل التصعير والنفخة والتبختر في المشي، لتفتح وردة المعاملة الحسنة وتورقها، حيث أن التواضع يفيض بإشعاعات إيمانية بالغة التوسع، والذي يفتح نوافذ الولاء النقي الخالص الذي لا يکدره أي حقد أو عداوة. ـ الاقتضاء: إذا لم يستطيع أبناء الزمان تقويم صعر المتکبر فدعه للزمان، فهو جدير بتقويمه. وکثيرا ما نرى نماذج لأناس تکبروا وتجبروا، فلا يستطيع أحد منهم قياما أو قعودا، بل لا يستطيع أن يذب الطير عن وجهه (الشعراوي، 1991م، ج 19، ص 11672). وأدب الداعي إلى اللّٰه ألا يتطاول على الناس، فيفسد بالقدوة ما يصلح بالکلام (قطب، 2003م، ص 2781). ـ الفعل الکلامي المباشر: ترفض الآية معنى الاستکبار والکبر، الذي لا يليق أحدا إلا اللّٰه. ـ الفعل الکلامي غير المباشر: تطلع المعنى إلى بعد من أبعاد الأخلاق، وهو التواضع أو عدم الترفع، مما يؤکد معاني السکينة والاعتدال واللين، ويأتي ذلک المضمون بصورة مؤکدة من أجل إضفاء مزيد من الحيوية والخصوبة. ـ الفعل التأثيري: خاتم الآية جاء على صورة التأکيد الذي هو من وسائل الحجاج، بحيث تملئ موجة من الاستنکار والاستياء في النفوس السليمة، فهو يتيح الفرصة لاندفاق معاني السکينة والوقار. * «وَاقْصِدْ فِي مَشْيِکَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِکَ إِنَّ أَنْکَرَ الأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَميرِª (لقمان 31 :19): ـ الفعل الکلامي: "وأقصد في مشيک واغضض من ...". ـ الفعل الإسنادي: الإسناد في الآية يدل على القوة المتدفقة للبيان مع دلالة الاستمرار والثبات الذي ينبض بحرکة مستمرة. فتلک الصفة الموجودة في الآية ينشئ إيقاعها التواضع والطمأنينة في النفوس المتعطشة. ـ فعل الانسجام: التعليل الذي قد جاء في نهاية الآية وبلغ درجة التمثيل، يعدّ سبب للربط والانسجام والتناسق. وهذا يؤدي إلى الربط في الدلالة المعنوية، وکأنه کلمة واحدة. ـ القول الإنشائي: الأمر هنا ينشئ الشعور بالتواضع والوقار في النفس، مما يروي بصوته الناصع المؤانسة والتعاطف. ـ الاقتضاء: على المؤمن أن يتوسط في مشيه ولا يدبّ دبيب المتماوتين، ولا يثب وثب الشطار. وکذلک عليه أن ينقص من صوته، أي لا يتکلف رفع الصوت ويأخذ منه ما يحتاج إليه (القرطبي، 2006م، ص 8041). ـ الفعل الکلامي المباشر: الاهتمام بالسلوکات العامة والأخلاق المتواضعة. وجاءت نهاية الآية على سبيل المثل الذي يؤدي إلى الإقناع والإمتاع بشکل واسع. ـ الفعل الکلامي غير المباشر: تظهر هذه الآية أن مرض الکبر والترفع يظهر ملامحه في المشي والصوت. ومن جهة أخرى، هي دعوة إلى إقبال الناس بصفحة الوجه کلها، دون أدنى کبر أو استکبار، سواء کان في المشي أو في الصوت. إذن هذه الأفعال من الأفعال الترغيبية والتشجيعية، مما فيها من أثر الحثّ والتشجيع. ـ الفعل التأثيري: من المحاور الرئيسة في الآية العناية بخفض الصوت وبمشيئة متأنية؛ لأن هذه الصفات أقرب إلى قلوب المتلقين وأشد تأثيرا عليهم، بما فيهما من رعاية القيم الحضارية والإنسانية، کما تضفي نهاية الآية على المفهوم دلالة ممکثفة مضاعة، بأن يجعل من الصراخ نوعا من الرفض للقيم الحضارية. * «يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَکُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَکنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبيرٌª (لقمان 31 :16): ـ الفعل الکلامي: "يا بني ...". ـ الفعل الإسنادي: الإسناد من خلال تکرار النداء يفتح نوافذ التأثير والاستمالة لما فيه من تعميق التجربة الوجدانية، حيث يظهر الغرض في صورة قوية کاملة. ـ فعل الانسجام: صورة التکرار التي تبرز أمامنا تکرار قوله تعالى على لسان لقمان، حيث يقول: "يا بني ...". فکلمة "بني" تصغير، من حکمه التحنن والتودد والتحبب. فتکراره سبب لزيادة الحنان والتلطف والتودد وظل صدى التکرار من خلال هذا النداء يغطي الهوة والحاجز بين عناصر الآية، لما فيه من قوة الامتزاج والتلاحم. ـ القول الإنشائي: النداء هنا مازال يحاول بعث التغيير في المنهج الفکري، لما يقترنه من أساليب الإقناع والاستمالة. وهو مؤثر في تحويل أحوال المتلقي وتکوين شخصيته الاجتماعية، مما يؤدي إلى الانتباه في مضامين الآيات والتفکير فيها. ـ الاقتضاء: يستلزم التکثيف الدلالي الإتيان بهذا التکرار لما فيه من تأسيس التجارب اللغوية الإبداعية. ومن أسباب نزول هذه الآية هي تحذير الابن من المخالفة، لقوله تعالى: "يأت به اللّٰه". فلا تخفى عليه ولا تفوته، کما تبرز من خلالها عموم علم اللّٰه تعالى وإحاطته وتمام قدرته أيضا، وذلک بالإتيان بها (العثيمين، 1436ﻫ، ص 103). ـ الفعل الکلامي المباشر: المقصود المباشر من هذه الآية هو الدعوة إلى جميع الإيجابيات. ـ الفعل الکلامي غير المباشر: بهذا التکرار، يلحّ الخطاب على إثبات الحالة الشعورية التي يريد سيدنا لقمان نقلها لابنه. ـ الفعل التأثيري: جاء تکرار النداء مشحونا بمضامين التشجيع والترغيب، والذي يعمق طاقة إبداعية لغوية تبعث الحياة والدينامية في الآيات. فلا بدّ للمتلقي من الجذب والأسر.
8. دور الحجاج في الأفعال الکلامية إنّ نظرية الحجاج في اللغة وضع أسسها اللغوي الفرنسي أوزولد ديکرو[17] نظريا ومنهجيا (العزاوي، 2006م، ص 9). والحجاج يستمد وجوده وفعاليته من مرجعيته المصدرة إياه (المرسل)؛ لأنه يتمحور غالبا على ما يحمله المرسل من فضاء فکري فردي أو جماعي، وفإن الخطاب مهما ينحو نحو البعد الإنساني الذي يستعمل الأفق المعرفي في التواصل مع الآخر؛ فإنه يقوم بنقل رؤاه عندما يجد عليه أن يکون مؤثرا في الآخر بغية استمالته، وجعله يشارکه في هذه الرؤى. فالباعث والمحرک له قضية لا يقينية مختلف عليها (صادق، 2015م، ص 18). ولهذا فإن وظيفة الخطاب الحجاجي[18] ـ کما يبين عبد الرحمن بودرع ـ تعتمد على الأدوات اللغوية والأساليب البلاغية من أجل بيان المعنى المطابق لمقاصد المتکلم؛ والمراد تبليغه للمخاطب أو إقناعه به، أي من أجل أداء وظيفة إقناعية استدلالية (2015م، ص 25). إنّ الإقناع يتوقف کذلک على القول الذي يجب بناؤه حجاجيا والعمل على تعبئته بالأدلة القادرة على إقامة الاعتقادات أو تغييرها؛ لأن الإقناع ـ کما أکد أرسطو ـ يحدث عن الکلام نفسه، إذا أثبتنا حقيقة أو شبه حقيقة بواسطة حجج مقنعة مناسبة للحالة المطلوبة (عادل، 2013م، ص 55). لقد انبثقت نظرية الحجاج في اللغة من داخل نظرية الأفعال اللغوية التي وضع أسسها أوستين وسيرل. وقد قام ديکرو بتطوير أفکار وآراء أوستين بالخصوص واقترح في هذا الإطار، إضافة فعلين لغويين، هما: فعل الاقتضاء، وفعل الحجاج (النقاري، 2006م، ص 56). والحجاج الذي نتکلم عنه في هذه الورقة، هو الحجاج اللغوي والحجاج البلاغي. 8ـ1. الروابط الحجاجية إذا کانت للغة وظيفة حجاجية فقط اشتملت على مؤشرات لغوية خاصة بالحجاج. فاللغة العربية تشتمل على عدد کبير من الروابط والعوامل الحجاجية التي لا يمکن تعريفها إلا بالإحالة إلى قيمتها الحجاجية (العزاوي، 2006م، ص 26). والروابط الحجاجية تشمل "بل"، و"لکن"، و"إذن"، و"لاسيما"، و"حتى"، و"لأن"، و"بما أن"، و"إذا"، و"الواو"، و"الفاء"، و"اللام"، و"کي" و.... 8ـ1ـ1. الحجاج اللغوي تستخدم فيه الوسائل اللغوية، مثل: التراکيب الدالة على الثوابت والحقائق والتأکيد، والأساليب الإقناعية المنطقية، مثل: الشرط والاستثناء والترقي في الحجاج حسب درجاته اللغوية. وبناء الجمل على هيئة قضايا منطقية تبدأ بمقدمات وتنتهي بمسلمات (طعمة، 2018م، ص 103). لذلک وظيفة اللغة الأساسية ليست هي الوظيفة الإخبارية، بل هي الوظيفة الإقناعية الحجاجية. * التکرار: هو إلحاح على جهة مهمة من العبارة، يعنى بها المؤلف أکثر من عنايته بسواها، وهو بذلک ذو دلالة نفسية قيمة (شرتح، 2005م، ص 5)، حيث له دور مهم في عکس الانفعالات النفسية المکنونة؛ إذ يرسل الخطاب الشعري إلى مرحلة الإقناع والسکوت. صورة التکرار التي تبرز أمامنا في هذه السورة، يلاحظ فيها تکرار قوله تعالى على لسان لقمان "يا بني..."، وکلمة "بني" تصغير، من حکمه التحنن والتودد والتحبب. فتکراره بصورة النداء سبب لزيادة الحنان والتلطف والتودد، مما يزرع الأمر في قلب الابن. هذه العبارة تدل على قربک منه واتصالک الوثيق به، لعله کان بدوره يمزج بين السورة والتسلسل اللغوي أو التلقائي إلى نفسية المتلقي وأحاسيسه، وظل صدی التکرار من خلال هذا النداء يغطي الهوة والحاجز بين عناصر الآية، لما فيه من قوة الامتزاج والتلاحم. * التاکيد: من الواضح أنه يؤتى بالألفاظ المؤکدة بحسب الحاجة إليها. فقد يکون الکلام لا يحتاج إلى التوکيد، وقد يحتاج إلى مؤکد واحد أو أکثر بحسب ما يقتضيه المقام (السامرائي، 2006م، ص 125). إن مقصود من التأکيد، هو تقرير المعنى في النفس، وتقويته في ذهن السامع وإزالة الشک. إذن للتأکيد أدوات وتراکيب، حيث لها دور بارز في إيصال المعاني إلى الصعود والکمال. وذلک يتمثل في قوله تعالى: «وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّک لِلنّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ کُلَّ مُخْتالٍ فَخورٍª (لقمان 31 : 18). التأکيد من أبرز الوسائل المؤثرة في استجاشة العواطف وطغيانها، ويعرف بأنه فن الحجاج والإقناع أو هو يشد المتلقي إلى الخطاب اللغوي ويستميله. في هذه الآية، ينهض التأکيد بالمتلقي ويثيره ما في النفس من التهويل والترهيب، کما يلمس المتلقي سوء العاقبة للتکبّر والتبختر في قلبه ويتحسس ملامح التهديد والتوبيخ الضمنية من قبل اللّٰه تعالى. إذن يکثف خاتم الآية شناعة التکبر والکبر ويضاعف حدتها، لما فيه من عوامل الاستفزاز النفسي. وتکمن قيمتها الحجاجية في الربط الحجاجي "الواو" و"إن" فتضطلع بدور هام في الإقناع والاستمالة. إذن تتوافر الإمکانات الهائلة المؤثرة للغة مستمدة من الروابط الحجاجية وعواملها. * التقديم والتأخير: وهو يعدّ من أبرز مظاهر العدول في الترکيب النحوي ويحقق غرضاً نفسياً دلالياً ويقوم بوظيفة جمالية، باعتباره ملمحاً أسلوبياً خاصاً، ويتم عن طريق کسر العلاقات الطبيعية المألوفة بين المسند والمسند إليه في الجملة ليضعها في سياق جديد وعلاقة متميزة (الحسيني، 2004م، ص 195). فهذه الظاهرة کثيرة التفشي في القرآن الکريم، فهي وسيلة من وسائل الإقناع والحجاج؛ إذ تستميل القلوب حالا. وذلک مثل قوله تعالى: «... وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُکم فَأُنَبِّئُکُمْ بِما کُنْتُمْ تَعْمَلونَª (لقمان 31 : 8)، حيث قدم الجار والمجرور "إلى" على المسند إليه "مرجعکم"؛ لأن المقام يصور قدرة اللّٰه ويشملها بأوسع الأبعاد. فالتقديم هنا تنبيه المتلقي أو تحذيره من الشعور بالتفوق والغلبة على قدرة اللّٰه؛ لأنه هو العالم المطلق ولا ترجع الأمور إلى غيره. بذلک التقديم يسبب إلى تمکين المعنى وإفاقة المتلقي ورجوعه إلى نفسه في الفور، مما لا يفتح بابا للشک والريب فيما يخص بقدرته المطلقة. فهذا منبعث من التقديم کوسيلة الإقناع والاستمالة الروحية. 8ـ1ـ2. الحجاج البلاغي فالصورة لغةً تخيل الهيئة أو الشکل الذي تتميز به الموجودات على اختلافها وکثرتها. فلکل شيء صورة خاصة يتميز بها. وعند النقاد، الصورة الفنية کل ضرب من ضروب المجاز يتجاوز معناه الظاهري، ولو جاء منقولا عن الواقع، فهي إما مادية حسية وإما معنوية تدرک بالعقل والتمثيل الخيالي ويميل الأديب إلى التعبير بالصورة في الأغلب، عندما لا تفي الألفاظ المفردة بالإحاطة بالمعاني العامة أو نقل مشاعر في نفسه، «فيفزع إلى فن التصوير في اللغة التي تقدم صورا متعددة للتعبير عن المعنى الواحد فيختار منها صورة يتخذها قالبا يصب فيها ما في نفسه وينقله إلى السامع على شکل يرضاه»(عبد الرحمن، 2006م، ص 156). يتسم علم البلاغة بسمات لغوية لها إيحاءات مختلفة في الأعمال الأدبية، ذلک أن الحجاج هو وسيلة من وسائل التبيان، تمنحه البلاغة طاقة بيانية قوية تغير الأسلوب العادي لللغة، وذلک بانتقاء أساليب حجاجية بلاغية، کالاستعارة، والتمثيل، والکناية واستعمالها استعمالا مؤثرا، على وجه الخصوص. * الحجاج بالاستعارة: الاستعارة من أکثر استعمالات اللغة فاعليةً. فتدخل في جانب التصوير والتأثير وفي تطوير اللغة وبث الحياة فيها. فهي تتصدر بشکل کبير بنية الکلام الإنساني؛ إذ تعد عاملا رئيسا في الحفز والحث وأداة للتعبير، ومصدرا للترادف تعدد المعني، ومتنفسا للعواطف والمشاعر الانفعالية، ووسيلة لملء الفراغات في المصطلحات (أبو العدوس، 1997م، ص 11). إنّ العامل في تأثير الاستعارة هو المسافة بين المشبه والمشبه به. مثالنا في ذلک قوله تعالى: «وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَکَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى وَإِلى اللَّهِ عاقِبَةُ الأُمورِª (لقمان 31: 22). فاصطلاح "العروة الوثقى" استعارة تمثيلية تطغى الطاقة التعبيرية فيها على النفوس وعلى من يؤثر بلمسات بيانية وعاطفية. يضرب هذا المثل لمن يتبعون منهج الإسلام والإيمان وينفعلون بملامحه التأثيرية. فالجامع بين المشبه والمشبه به هو الربط الوثيق الذي يربط شيء بشيء اتصالا وثيقا. فالاستعارة هنا واضعة لأساس المؤثرات النفسية وباعثة روح الحياة في روح المتلقي بما خلفته من أمارات تخضع له العاطفة السليمة، فبالتالي تنفعل بها وتضاعف درجة الانفعال والتأثر. وحول قوله تعالى على لسان لقمان: «وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّکَ لِلنّاسِª، يقول الطبرسي في تفسيره: «ولاتمل وجهک من الناس تکبرا، ولاتعرض عمن يکلمک استخفافا به، وهذا معنى قول ابن عباس وأبى عبد اللّٰه، يقال: أصاب البعير صعر، أي داء يلوئ منه عنقه، فکان المعنى: لاتلزم خدک للصعر؛ لأنه لا داء للإنسان أدوى من الکبر» (2006، ج 8، ص 68). فقد استعير الصعر لميل العنق لتشابهما في عدم التوازن والاستقرار؛ لأن الشيء المعوج لا يصل إلى غايته، فعلى المؤمن أن يقبل على الناس بکل الوجه، لما فيه من التواضع والأدب؛ فالمتکبر لا ينظر إلى من يتکلمه؛ لذلک تشبثت العبارة بالاستعارة کوسيلة من وسائل الحجاج لتشنيع صفة الکبر والطيش. فيقول الشعراوي حول کلمة "التصعير": «تصعر من الصعر، وهو في الأصل داء يصيب البعير يجعله يميل برقبته، ويشبه به الإنسان المتکبر الذي يميل بخده، ويعرض عن الناس تکبرا»(1991م، ج 19، ص 11671). فالصعر هو أن ينظر الإنسان إلى الناس بنظرة احتقار وازدراء، کأنّه جبل والناس قاع صفصف. * الحجاج بالکناية: والکناية ذکر اللفظ في غير ما وضع له مع جواز إرادة ما وضع له (التفتازاني، 1363ﻫ.ش، ص 264).هناک الکناية في قوله تعالى:«يا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَکُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَکُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِها اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبيرٌª (لقمان 31 :16). إن فائدة هذه الکناية تکمن في تمکن المتلقي من فهم معنى العلم المطلق الرباني الذي يبث رنينه في النفوس الانفجار العاطفي المؤثر بالنسبة إلى قدرة اللّٰه وعلمه اللامتناهي. وهذا الأثر التمکني يعتمد على الکناية کوسيلة حجاجية تستفز المتلقي وتلتهب ثورة عاطفية في شعوره. فلا بد من التأثر والانفعال. * الحجاج بالتمثيل: والتمثيل هو کلّ کلام يحمل مثلا. لا يخفى على من له أدنى تمييز أن الأغراض التي تحملها الأمثال، لا تعرف من الألفاظ، ولکن تدل المعاني الحاصلة من مجموع الکلام على الأغراض والمقاصد (الجرجاني، 1991م، ص 441). فقد زال الشک وارتفع في أن طريق العلم بما يراد إثباته والخبر به في التمثيل. وذلک مثل قوله تعالى: «وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِکَ إِنَّ أَنْکَرَ الأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَميرِª (لقمان 31 : 19). من هذه الآية، يتبين أن صوت الحمار يتمثل في التمثيل الإقناعي أو الحجاجي، لکي يشنع المتلقي من خلاله جهارة الصوت ويستقبحه؛ لأن الصوت المنخفض من أمارات الحضارة والأدب، مما يعرض الإنسان عينة التواضع والانکسار. فهذا ليس ذم الحمار؛ لأن اللّٰه تعالى خلق الحمار هکذا، بل أراد من خلال هذا التمثيل أن يلفت أنظار المجتمع إلى الظاهرة المخالفة للعرف والعادة. وقد حاولنا رصد هذه الأفعال وإحصائها في الجدول التالي بحسب تواترها. رصد هذه الأفعال الموجودة في سورة لقمان حسب المؤشرات التالية
الخاتمة وبعد هذه الدراسة العلمية في رحاب آليات تماسک النصّ القرآني لآيات تعامل المؤمنين، توصّل البحث إلى جملة من نتائج، يمکن إجمال أبرزها على النحو الآتي: ـ تتوزع الأفعال الکلامية المتضمنة في آيات تعامل المؤمنين بين الأفعال الکلامية الوصفية (الخبرية) والأفعال الکلامية الأدائية، وتحتوي أکثر هذه الأفعال على معان أخرى غير المعاني المباشرة، يمکن الوصول إليها من خلال المقام الذي وردت فيه. ـ جاءت أفعال النهي والأمر في تعامل المؤمنين للدلالة على التحذير والتنبيه امتداداً إلى التشجيع والترغيب في بعض الأحيان. ـ تخلق الأفعال الکلامية من خلال سورة لقمان، طاقةً إبداعية تبعث الحياة في الآيات وتؤثّر في عواطف النفوس الخامدة، حيث تفسح المجال لبنية التعاطف والتلاحم، والتي تعتبر مکملة لقواعد المجتمع؛ وهذا ما يسمّى بشبکة التواصل، والتي تنبني على معاني الائتلاف والتلاؤم والتمازج؛ هذا بالإضافة إلى أن هذه القواعد أو الشبکة تشحن الطاقة الکامنة الإيجابية في نفسية المتلقي؛ فلا بدّ لها من تحويل الأحوال الانفرادية إلى الازدواجية الضرورية للنظام الاجتماعي. ـ قد يتميز خطاب المؤمنين في عمومه بأنه ذو فعالية حجاجية، کما نراه في قوله تعالى في تقبيح الصوت المرتفع: «وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِک إِنَّ أَنْکَرَ الأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَميرِª. فلجوء الکلام إلى هذا التمثيل يکون سبب طغيان الإقبال والاستماع في روح المخاطبين. ـ أفعال الأمر والنهي تدعو إلى انفتاح المعاشرة الحسنة، مما يلحّ على أن تکون جسور التواصل مزدهرةً تماما بين المؤمنين وبين الآخرين، وهذا ما ينبعث من أثر تشجيع الأفعال. ـ تکشف الأفعال الکلامية عن مقاصد الکلام وما يتضمنه من الجوانب غير الصريحة في السورة التي تبثّ معاني الإصلاح والأخلاق والاحترام معتمدة على الأسلوب التداولي اللساني. ـ تلاحظ الأفعال الترغيبية والتشجيعية في سورة لقمان، بما فيها من أثر الحث والتشجيع. وذلک نحو تکرار النداء في "يا بني"، مما يعدّ سببا لزيادة التحنن والتلطف والحنان والاستئناس، بحيث يشدّ المتلقي ويجذبه. [1]. Austin j.Searle [2]. Pragmatics [3]. Charles Pierce [4]. William James [5]. John Dewey [6]. R. His key [7] .Utterance [8] .locutionary Act [9] .Illocutionary Act [10]. Oswald Ducrot [11] .Performative [12] .Perform [13] .Action [14] .Perlocoutonry [15] .Direct Speech Act [16] .Indirect Speech Act [17]. O. Ducrot [18]. Argumentation | ||
مراجع | ||
المصادر والمراجع أ ـ العربية * القرآن الکريم. ابن عاشور، محمد طاهر. (1984م). تفسير التحرير والتنوير. تونس:الدار التونسية للنشر. ابن منظور، محمد بن مکرم. (1994م). لسان العرب. ط 3. بيروت: دار صادر. أبو العدوس، يوسف. (1997م). الاستعارة في النقد الأدبي الحديث. عمان: الأهلية للنشر والتوزيع. أوستين، جون. (1991م). نظرية أفعال الکلام العامة: کيف ننجز الأشياء بالکلام. ترجمة عبد القادر قنيني. د.م: د.ن. بوجادي،خليفة. (2009م). في اللسانيات التداولية مع محاولة تأصيلية في الدرس العربي القديم. الجزائر: دار الحکمة للنشر والتوزيع. بودرع، عبد الرحمن. (2015م). في تحليل الخطاب الاجتماعي السياسي: قضايا ونماذج من الواقع العربي المعاصر. عمان: دار کنوز المعرفة للنشر والتوزيع. التفتازاني، سعد الدين مسعود بن عمر. (1363هـ.ش). مختصر المعاني. ط 2. قم: امير. جربوعة، إيمان. (2011م). «الخطاب القرآني في ضوء اللسانيات التداولية: قراءة في الأفعال الکلامية». الممارسات اللغوية. ع 7. ص 239 ـ 253. الجرجاني، أبو بکر عبد القاهر. (1991م). دلائل الإعجاز. تحقيق محمود محمد شاکر. جدة: دار المدني. جيلي، هدية. (2017م). إستراتيجيات الخطاب القرآني: سورة آل عمران أنموذجا. أطروحة الدکتوراه. جامعة سطيف. الحباشة، صابر. (2007م). التداولية من أوستين إلى غوفمان. اللاذقية: دار الحوار للنشر والتوزيع. ـــــــــــــــ . (2010م). لسانيات الخطاب الأسلوبية والتلفظ والتداولية. اللاذقية: دار الحوار للنشر والتوزيع. الحسيني، راشد بن محمد. (2004م). البنى الأسلوبية في النص الشعري. لندن: دار الحکمة. حمداوي، جميل. (2015م). التداوليات وتحليل الخطاب. سيدني:مکتبة المثقف. حملاوي، عميرة؛ ولامية عيساوي. (2015م). التداولية في الخطاب القرآني: سورة الحجرات أنموذجا مقاربة تداولية. رسالة الماجستير. جامعة عبد الرحمان. دايک، فان. (2001م). علم النص مدخل متداخل الاختصاصات. ترجمة حسن بحيري. القاهرة: دار القاهرة للکتاب. رحيمة، شيتر. (2009م). تداولية النص الشعري: جمهرة أشعار العرب نموذجا. أطروحة الدکتوراه. جامعة الحاج لخضر باتنه. الجزائر. السامرائي، فاضل. (2006م). التعبير القرآني. ط 4. عمان: دار عمار. شرتح، عصام. (2005م). ظواهر أسلوبية في شعر بدوي الجبل. دمشق: اتحاد الکتاب العربي. الشعراوي، محمد متولي. (1991م). تفسير الشعراوي. القاهرة: مجمع البحوث الإسلامية بجامعة الأزهر. صادق، مثنى کاظم. (2015م). أسلوبية الحجاج التداولي والبلاغي: تنظير وتطبيق على السور المکية. بيروت: ضفاف. الطباطبائي، محمد حسين. (1360هـ.ش). الميزان في تفسير القرآن. قم: جماعة المدرسين في الحوزة العلمية. الطبرسي، الفضل بن الحسن. (2006م). مجمع البيان في تفسير القرآن. بيروت:دار المرتضى. طعمة، عبد الرحمن محمد. (2018م).«البعد التداولي للنسق الحواري في القرآن الکريم: مقاربة معرفية حجاجية». عالمية لبحوث القرآن. ج 10. ع 1. ص 89 ـ 128. عادل، عبد اللطيف. (2013م). بلاغة الإقناع في المناظرة. بيروت: ضفاف. عباس، سناء هادي؛ وساهرة عدنان وهيب. (2017م). «أساليب الإقناع في سورة لقمان: دراسة تداولية». دراسات لغوية. ع 4. ص 183 ـ 207. عبد الرحمن، محمد سعيد. (2006م). دراسة أسلوبية في سورة الکهف. رسالة الماجستير.جامعة النجاح الوطنية. العثيمين، محمد بن صالح. (1436ﻫ). تفسير القرآن الکريم: سورة لقمان. القصيم: دار الدرة للنشر والتوزيع. العزاوي، أبو بکر. (2006م). اللغة والحجاج. البيضاء: الأحمدية للنشر. القرطبي، محمد بن أحمد. (2006م). الجامع لأحکام القرآن. بيروت: مؤسسة الرسالة. قطب، سيد. (2003م). في ظلال القرآن. ط 32. القاهرة: دار الشروق. کادة، ليلى. (د.ت). المکون التداولي في النظرية اللسانية العربية: ظاهرة الاستلزام التخاطبي أنموذجا. رسالة الدکتوراه. جامعة الحاج لخضر. لعور، آمنة. (2011م). الأفعال الکلامية في سورة الکهف: دراسة تداولية. رسالة الماجستير. جامعة منتوري. المتوکل، أحمد. (2012م). اللسانيات الوظيفية المقارنة: دراسة في التنميط والتطور. الجزيرة: الاختلاف. محمد، فاطمة محمد عبد الرحمن. (2017م). الاتصال اللساني ونظرياته التداولية في التفکير البلاغي. أطروحة الدکتوراه. جامعة النيلين. مسلم، مصطفى. (2010م). التفسير الموضوعي لسور القرآن الکريم. جامعة الشارقة. کلية الدراسات العليا والبحث العلمي. النقاري، حمو. (2006م). التحاجج: طبيعته ومجالاته ووظائفه. الرباط. الدار البيضاء. يول، جورج. (2010م). التداولية.ترجمة قصي العتابي. بيروت: الدار العربية للعلوم.
ب ـ الفارسية خاکپور، حسين؛ و فاطمه عقدايى. (1397هـ.ش). «تحليل متنشناختى سوره لقمان بر اساس نظريه کنشگفتار جان سيرل». متون اسلامى و مطالعات ادبى. ش 2. ص 9 ـ 35.
ج ـ الإنجليزية ألوت Allott, Nicholas. (2010). In pragmatics. London: continuum. هيس کي His key, R. (2014). Speech act theory. n p: n p. هلدکرافت Holdcroft, David. (1978). words and deads, proplems in the theory of speech acts. Oxford: clarendon press. | ||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 3,092 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 817 |