
تعداد نشریات | 43 |
تعداد شمارهها | 1,713 |
تعداد مقالات | 14,040 |
تعداد مشاهده مقاله | 33,956,499 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 13,595,223 |
بنية التعبير في رواية عازف الغيوم لعلي بدر في ضوء نظرية التواصل اللغوي لجاکبسون | ||
بحوث في اللغة العربية | ||
مقاله 4، دوره 13، شماره 25، دی 2021، صفحه 43-58 اصل مقاله (1.56 M) | ||
نوع مقاله: المقالة البحثیة | ||
شناسه دیجیتال (DOI): 10.22108/rall.2020.122540.1279 | ||
نویسندگان | ||
عبدالعزيز حمادي1؛ محمد جواد پورعابد* 2؛ رسول بلاوي2 | ||
1طالب الدکتوراه في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة خليج فارس، بوشهر، إيران | ||
2أستاذ مشارک في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة خليج فارس، بوشهر، إيران | ||
چکیده | ||
لقد تطور علم اللسانيات الحديث تطورا ملحوظا في مجال دراسة اللغة، وأنتج هذا التطور تحولاً في المفاهيم اللغوية، من حيث الوظائف التواصلية لغوية کانت أم اجتماعية، مما أدّت هذه الظاهرة إلى بروز تفاسير مختلفة للنص والخطاب. يعد رومان جاکبسون منظرا حقيقيا لنظرية التواصل اللغوي التي تکون أهم النظريات اللغوية الحديثة؛ إذ قسَّم البناء اللغوي والتواصل بين الأفراد على أساس ستة عناصر لعملية الاتصال وستّ وظائف للغة يتمّ عملها على طاولة تلک العناصر. تعد دراسة الروايات الحديثة من أهم المواضيع الأدبية، کما هي مادة خصبة للدراسة والبحث بالنسبة للباحثين والنقاد، وکذلک الرواية من الأجناس الأدبية التي ترتبط مباشرة بالتواصل اللغوي والاجتماعي؛ وذلک لکونها متکونة من الحوار والسرد، فتطبيق وظائف التواصل على الرواية يعد عملا نقديا في غاية الأهمية. نتبع في بحثنا هذا المنهج الوصفي ـ التحليلي، حيث نهدف من خلاله إلى دراسة رواية عازف الغيوم، لعلي بدر بعرض النماذج التي يشاهد فيها استخدامه الدقيق والمتقن للتعبير بالوظائف اللغوية للتواصل على ضوء نظرية التواصل اللغوي لجاکبسون. فوجدنا سرده وحواره مناسباً للنهوض بغايات بحثنا، ويساعدنا ذلک في وقوفنا على خصوصية اللغة ووظائفها في روايته. من أهمّ النتايج التي توصّلت إليها الدراسة؛ هي أن في رواية عازف الغيوم مساحة واسعة للبحث في مجال اللغة؛ إذ وجدنا الحوار خاضعاً لعملية التواصل حسب أرکان النظرية الستة والوظائف التواصلية الست، فکشفنا مواطن النظرية في الرواية، حيث إن الروائي علي بدر اهتمّ في خطابه بالتواصل مع المتلقي في السرد والحوار موافقاً بين عناصر اللغة ووظائف التواصل. | ||
کلیدواژهها | ||
وظائف التواصل اللغوي؛ رومان جاکبسون؛ علي بدر؛ رواية عازف الغيوم | ||
اصل مقاله | ||
1. المقدمة منذ دخول الرواية بشکلها الفني إلى الأدب العربي، لاقت تطورات فنية مختلفة بالموضوع واللغة والسرد والتقنيات الأدبية، حيث إنّها قبل ذلک لم تکن إلا قصة طويلة أو حکاية شعبية خيالية، ولکنها بعد عبور محطات أدبية مختلفة، استطاعت أن تحتل موقعاً متميزاً في الأدب العربي المعاصر، حيث إنها نافست الجنس الأدبي الأهم في العالم العربي وهو الشعر؛ إذ استطاعت أن توسع دائرة مخاطبيها بالفترة القصيرة التي تعرف عليها العرب؛ لذلک عرفت الرواية بأنها «الجنس الأدبي الأقدر على التقاط الأنغام المتباعدة، المتنافرة، المرکبة، المتغايرة الخواص لإيقاع عصرنا ورصد التحولات المتسارعة في الواقع الراهن» (الشامي، 1998م، ص 15)؛ فلهذا التقطت الرواية الکثير من القرّاء العرب، وتناول هذا الجنس الأدبي الکتّاب العرب في الآونة الأخيرة بکثافة؛ إذ نجد بينهم الروائي العراقي علي بدر[1]حائزاً على مکانة أدبية مرموقة. إن الرواية من الأجناس الأدبية التي تعتمد على الحوار والخطاب. لهذا، تستطيع أن تکون مادة خصبة للبحوث اللسانية وتطبيق نصوصها على نظريات التواصل اللغوي. يتمثّل ذلک في کون اللغة أداة للتواصل بشکليه الشفوي والمکتوب، حيث يتجلّى في الأول الحديث والخطاب المباشر، وفي الثاني اللغة العلمية والأدبية المکتوبة؛ ولأن الرواية کيان مبني على الشخصيات والأحداث، فلغة الکتابة فيها لا تختلف عن التلفظ والخطاب المباشر. فمن هذا الجانب، تستجلب أهميتها القصوى في دراستها من حيث التواصل اللساني. إنّ هذه الأسباب هي التي دعتنا للنظر في رواية عازف الغيوم[2] لعلي بدر بغية الوقوف على نصها؛ لنکشف عن شتَّى الوظائف التي تؤديها اللغة المعبرة ببنائها السردي والحواري؛ تلک اللغة التي يعبّر من خلالها علي بدر عن غربة بطل الرواية نبيل في بلده وفي الخارج بعد هجرته. کوّن بدر شخصياتها حسب وظائف التواصل وأرکانها اللغوية من مرسِل ومرسل إليه على أساس سياق الاتصال وقنواته المختلفة، وصولاً إلى التشفير وفکّه من قبل شخصيات الرواية ومتلقّيها. لم يختصر علي بدر ما يريد إيصاله للمتلقي على بنية الحوار وحده، بل استخدم آلة السرد وسيلة للتعبير وقناةً تواصلية بينه وبين المتلقي، فهذا ما حدى بنا إلى تطبيق وظائف التواصل اللغوي لجاکبسون على روايته. سنتطرق في هذا البحث إلى التعابير التي تتلاءم مع وظائف التواصل اللغوي لرومان جاکبسون، مثل: الوظيفة المرجعية، والوظيفة التعبيرية، والوظيفة الشعرية، والوظيفة الإفهامية، والوظيفة الانتباهية، والوظيفة الميتالغوية، مدققين في المساحة الفائقة من البنية التعبيرية المستخدمة في الرواية. 1ـ2. أسئلة البحث تعتمد إشکالية البحث على الأسئلة التالية: ـ کيف تماشت لغة علي بدر مع الوظائف اللغوية لجاکبسون في رواية عازف الغيوم؟ ـ کيف قام علي بدر بإخضاع وظائف التواصل الستّ في حواره وسرده؟ ـ ما مدى ترکيز علي بدر في الحوار لإقامة قناة تواصل بينه وبين المتلقي؟ 1ـ3. خلفية البحث نظرية التواصل اللغوي من أهم المواضيع التي تناولها النقاد في القرون الأخيرة، ولو أن للغة والخطاب بحوث قديمة جداً، لکن المهم في هذا البحث أن نرکز على ما يدور حول التواصل ووظائفه، وذلک بتطبيق تلک الوظائف على رواية عازف الغيوم لعلي بدر. فمن الکتب التي ناقشت اللغة والتواصل نذکر کتاب التواصل: نظريات ومقاربات، لرومان جاکبسون وآخرين سنة 2007م، حيث قاموا بطرح نظرياتهم اللغوية بالنسبة للتواصل مع مقاربات نصية، منها: المقاربة السيکو اجتماعية للتواصل وسوسيولوجيا التواصل وتکنولوجيا الإعلام إلى أن تطرّقوا إلى التواصل وعوائقه وطرق التواصل المختلفة. وکتاب آخر لميشال زکريا بعنوان مباحث في النظرية الألسنية وتعليم اللغة، سنة 1984م. يتناول الباحث فيه مواضيع ألسنية متنوعة تندرج في مجملها ضمن النظرية الألسنية التوليدية والتحويلية. تنقسم دراسته إلى قسمين: القسم الأوّل يبحث عن الألسنية وتطبيقها في مجال تدريس اللغة؛ والقسم الثاني يتناول بعض المسائل النظرية الألسنية. ومن الأطروحات الجامعية نذکر رسالة ماجستير في اللغة العربية وآدابها بعنوان المکان في روايات علي بدر، ناقشها حمود ناصر حسون عليعل، سنة 2016م. تناولت الدراسة المکان في روايات الکاتب العراقي علي بدر، لتحليل المکان، والکشف عن مفهومه وطبيعته، وعلاقته بعناصر السرد في الرواية، ودوره في بناء تقنيات السرد، وقد سعت إلى إبراز صورة المکان الروائي والکشف عن طبيعته، وعلاقته مع باقي العناصر السردية الأخرى، ومن ثمّ معرفة طبيعة هذه العلاقة. نذکر أيضاً رسالة أخرى بعنوان الوثيقة والتخيل التاريخي في روايات علي بدر، تقدّمت بها رنا فرمان محمد الربيعي سنة 2014م. يتناول الفصل الأوّل المصطلحات ذات العلاقة بموضوع الوثيقة وکيفية توظيفها؛ وأمّا الفصلان الثاني والثالث، فيمثِّلان دراسة تطبيقية للبعد التأويلي الذي أراده علي بدر من توظيف الوثيقة في نصوصه؛ واختصَّ الفصل الرابع بالحديث عن البعد الفني وتقنيات القص في توظيف الوثيقة ودمجها في النص. أمّا البحوث المحکمة التي ترتبط ببحثنا هذا فنذکر منها بحثا بعنوان نظرية التواصل في رسائل الجاحظ في ضوء نظرية التواصل لجاکبسون، لمحمد کاظم موات سنة 2017م. فقد قام الباحث بتطبيق الوظائف التواصلية على رسائل الجاحظ باعتبارها من النصوص القديمة التي تتميّز بطابع لغوي خاص. وکذلک نذکر بحثاً آخر بعنوان عملية التواصل اللغوي عند رومان جاکبسون، للکاتبة ليلى زيان سنة 2016، حيث قامت بذکر التعاريف التي تختصّ بنظرية التواصل، وتقسيماها الوظيفية، فکان بحثها عارياً من التطبيق. أمّا بالنسبة لعلي بدر ورواياته فوجدنا بعض الورقات النقدية في الصحف والجرائد، وتلميحات لرواياته في بعض الکتب، ولم نجد دراسة حول رواية عازف الغيوم لا في الکتب ولا في المجلات الأکاديمية. فبالرغم من أهمية هذه الرواية وإخضاعها لوظائف التواصل اللغوي بشکل قابل للبحث والدراسة، أهملها النقاد والدارسين، فوجدنا من الضروري أن نلقي الضوء عليها من هذا الجانب اللغوي.
2. نظرية التواصل ووظائف اللغة إن عملية التواصل اللغوي أصبحت سهلة بعد تشکل اللغات وتکاملها، حيث إن اللغة تعمل الدور الرئيس لهذه العملية. فوجود اللغة وحدها لا يکفي لمباشرة قضية التواصل، غير أنها تحتاج إلى عناصر تکوّن عملية الاتصال، کما تحتاج العناصر نفسها إلى أدوات تؤدّي الأدوار لتکتمل العملية؛ فتلک الأدوات: المرسِل والمرسَل إليه، أي أشخاص من المجتمع يتخاطبون بلغة واحدة أو لغات مختلفة، وقد تتکوّن الأدوات من مرسِل ومتلقٍّ، حيث إن المتلقي في بعض الأحيان قد لا يکون المخاطب المباشر أو المخاطب الهدف، ويحصل ذلک عندما يکون المرسِل کاتباً أو شاعراً، حيث إن الکاتب لا يستطيع تحديد دائرة المتلقين تحديداً مکانياً أو زمنياً؛ وفي هذا الأمر يکمن اهتمام الباحثين والنقاد بقضايا اللغة والتواصل. اعتنى الکثير من الباحثين في مجال اللغة بدراسة وظائف التواصل اللغوي قديماً وحديثاً، ومن بينهم هارولد لاسفيل[3] (1948م)، وشانون وويفر[4] (1949م)، ورومان جاکبسون[5] (1964م). وکان الأخير أشهر اللسانيين المحدثين الذين تناولوا هذه القضية؛ إذ «يرى أن اللغة هي وسيلة التواصل الإنساني، ولا يتحقق هذا التواصل إلا من خلال توافر العناصر التالية: مُرسِل، مُرسَل إليه، مُرسَلة لغوية، إقامة إتصال، لغة مشترکة» (زکريا، 1984م، ص 171 - 172). فهذه العناصر عوامل مکوَّنة للتواصل اللفظي. ففي رأي جاکبسون «لإعطاء فکرة عن وظائف اللغة، يبدو من الضروري تقديم نظرة موجزة عن العوامل المکوّنة لکل عملية لسانية ولکل فعل تواصلي، فالمرسل (destinateur) يبعث رسالة (message) إلى المتلقّي (destinataire)، ولکي تکون الرسالة إجرائية، فإنها تتطلب مقاماً أو مرجعاً (contexte) تحيل عليه» (2007م، ص 64). وهذا المرجع قد يکون لفظي ذو معنى واضح، أو يمکن تلفظه بمعنى يدرک من خلال تصرّفات المرسل. «وتقتضي الرسالة أيضاً سنناً (code) مشترکا کليا أو جزئيا بين المرسل والمتلقي، وأخيراً فإن الرسالة تستوجب اتصالا (contact)، أي قناة فيزيائية وروابط نفسية بين المرسل والمتلقي، وهذا الاتصال هو الذي يسنح بالحفاظ على التواصل» (المصدر نفسه، ص 64). وتکون هذه العناصر ومکوّنها الوظيفي حسب الرسم البياني التالي:
فکما نرى في هذا الرسم البياني أنه قد اتخذ کل عنصر وظيفة تواصلية. فمن بداية إرسال المرسلة حتى استلامها من قبل المتلقي إلى فکّ شفرتها، هناک وظائف لغوية کل يعبَّر بها بشکل مختلف حسب المغزى ودورها التعبيري عند التواصل اللغوي والتخاطب.
3. اللغة وبنية التعبير قبل أن نبدأ بتحليل وظائف اللغة وعناصر التواصل عند علي بدر في رواية عازف الغيوم، لا بد من إعطاء فکرة عن اللغة نفسها والتعبير بها ولو بصورة وجيزة، من حيث إنّها وسيلة للتواصل بترکيزها على إيجاد علاقة وعقد صلة بين العناصر الجسدية وعناصر الفهم والتعبير. فحسب استنتاج إدوارد سابير[6] أن «اللغة لا تتمرکز ولا يمکن تحديد تمرکزها؛ لأنّها تتألف من علاقة رمزية خاصة، هي علاقة اعتباطية فيزيولوجية، بين جميع العناصر الممکنة للوعي من ناحية وعناصر منتخبة معينة في الأجهزة السمعية والحرکية والمخية والعصبية الأخرى من ناحية ثانية» (1993م، ص 15). فبهذا، نعرف أن اللغة تتکوّن من أنظمة ذات وظيفة معينة ترتبط بالتأثر والتأثير النفسي للإنسان على أساس العناصر المتبادلة عند فاعلية اللغة. فبهذا التعريف، تکمن عملية التعبير وإيصال الفکرة، «وفي أفضل الأحوال، لا يمکن للغة سوى أن تکون الوجه الخارجي للفکر في أرقى مستويات التعبير الرمزي وأکثرها تعميماً، ولکي نعبّر عن وجهة نظرنا تعبيراً مختلفاً بعض الشيء نقول إنّ اللغة هي في الأساس وظيفة قبل عقلية، فهي تسبغ على الفکر الکامن فيها، الفکر الذي کثيراً ما يقرأ منها، تصنيفاتها وأشکالها بتواضع، أي أنّها ليست کما يدّعي البعض بسذاجة التسمية الأخيرة للفکر» (المصدر نفسه، ص 19). فبالرغم من هذه الآراء، نهتمّ بدراسة اللغة لاحتوائها على الوظيفة، وبالتالي فإن «دراسة اللغة هي دراسة الطبيعي في الوظائف والأشکال الخاصة بالأنظمة الاعتباطية للرمزية التي نسميها لغات» (بغورة، 2005م، ص 217). نستطيع أن نصف اللغة بأنها نظام خاص لتشکيل رموز للنطق والتعبير. وکُوّن ذلک منذ احتياج الإنسان إلى إيصال المفاهيم والتعبير بها. فإن «الرغبة الذاتية في التعبير والتفاهم من أهمّ الدوافع التي يجـب أن يعتد بها في نشأة اللغة واضطرار الإنسان الأول للنطق بالألفاظ» (أولمتن، 1973م، ص 84). ويؤيد إدوارد سابير اضطرارية تکوين اللغة، يقول: «اللغة وسيلة إنسانية خالصة، وغير غريزية إطلاقاً لتوصيل الأفکار، والانفعالات، والرغبات عن طريق نظام من الرموز التي تصدر بطريقة إرادية» (أبو الفرج، 1992م، ص 25). نجد هذه النظرة عينها عند روبرت هول[7]، غير أنه أفردها بخاصية عشوائية؛ إذ يقول: «إن اللغة هي الکيان الذي يتواصل به بنو البشر، وبه يتفاعلون مستخدمِين رموزا نطقية سمعية عشوائية ثم التعودُ على استعمالها» (ليونز، 1407ﻫ، ص 237). ويعلّق محمود السعران على اللغة والتعبير بقوله: ولکن الأفکار والانفعالات والعواطف والرغبات، مصطلحات منقولة من دراسات أخری غير لغوية في أصلها، ولو جاز أن الکلام في بعض استعمالاته تعبير عن الفکر، فإنه ليس کذلک في جميع استعمالاته أو في معظمها، فليس ثمّة توصيل للأفکار أو تعبير عن أفکار في لغة التحيات، ولغة التأديب، ولغة التدريب الرياضي والعسکري مثلاً (1963م، ص13). غير أننا نرى رأي ابن جني حول اللغة أبلغ؛ إذ يقول: «أما حدها فإنها أصوات يعبّر بها کل قوم عن أغراضهم» (1952م، ص 33). أما من الناحية الأهم، وهي ما نهدف إليه في البحوث الأدبية، فهو أن «للغة هدفان من عملية التواصل، وهما: الهدف التأثيري الانفعالي والهدف العلمي، وفي دائرة هذين الهدفين نلفي الشعراء والأدباء والکتاب والمفکرين والإعلاميين يحاولون الترکيز على محوريهما» (عبد الجليل، 2002م، ص 209)، ويبرزون إبداعاتهم اللغوية للتأثير بالمتلقي من الناحية العلمية والانفعالية. وما يهمنا في بحثنا هذا کلا الهدفين، حيث إن دراستنا تتعلق بجنس أدبي مهم في مجال التواصل، وهو الرواية التي تحظى بأهمية کبيرة تتأتى من کونها أکثر الأجناس الأدبية ارتباطا بعملية التواصل اللغوي بسبب اعتمادها على الحوار والتخاطب.
4. الوظيفة التعبيرية[8] تطلق عليها "الوظيفة الانفعالية" أيضا؛ لأنها تعبّر عن مشاعر المرسِل وذاته، «وهي تتمظهر على سطح الخطاب عندما ترکز على المرسِل؛ لأنها تهدف إلى أن تعبّر بصفة مباشرة عن موقف المتکلم تجاه ما يتحدث عنه، وهي تنزع إلى تقديم انطباع وانفعال معين صادق أو کاذب» (جاکبسون، 1988م، ص35)، کما تکشف هذه الوظيفة عن العواطف والمواقف التي يعالجها المتکلم. الشيء الملفت في رواية عازف الغيوم هو البداية؛ إذ تبدأ الرواية بمفردة "اتصل"، أي هناک اتصال من قبل نبيل بوالده. لا شک أن البداية تکون جيدة لدراسة وظائف اللغة؛ لأن الرسالة تکون هامة جداً فيما تحمله من سياق وشفرة وصلة بين المرسل والمرسل إليه، ومن جانب آخر تساعد هذه البداية على عنصر التشويق؛ إذ يبقى المتلقي متسائلا عما يريده المرسل وما يحمله الاتصال. ولا يطيل الکاتب على القارئ ما تحمله الرسالة ويقول مباشرة في السطر الأوّل: «اتصل نبيل مساء بوالده؛ ليخبره قراره بالفرار من البلد مع أحد المهرّبين هذا اليوم ليلاً» (2016م، ص7). لا شک أن ثمة وظيفة لکلّ عنصر في هذه العبارة، وأهمها الوظيفة الانفعالية من قبل المرسِل؛ لأنه يريد التعبير عما يدور بخلده وما هو يحتاجه فوراً. عادةً ما تکون الوظيفة الانفعالية قوية جداً وکثيراً ما تنجح في إعطاء رسالة واضحة للمرسَل إليه؛ لأنها منبعثة من حالة خاصة يمرُّ بها المرسل، وهي ملحّة، وهکذا نجد الوالد أخذ الأمر بجدية کبيرة وراح يحاول إقناعه بعدم الرحيل ويحکي له عن أخطار المنفى. کم أراد نبيل أن يعبّر لوالده عن سبب فراره في بداية الرواية، ولکنه لم يفلح؛ فبعدئذ نجد هناک وظائف تعبيرية، أي انفعالية أخرى حصلت لنبيل بعد أن رأى الويل من الناس الذين لا يريدون أن يعزف الموسيقى ويتوقّف عن هذه الآلة التي تکون مزعجة بالنسبة إليهم، وکل يوم يريد الناس منه أن ينصاع لکلامهم ويرضخ لفکرتهم ويعطونه وصايا ويغسلون مخّه بأنواع الأفکار المتحجرة إلى أن عبّر عن رأيه وبلغة انفعالية قائلاً: «آه، لو أنّ الناس تتکلّم بالموسيقى، لا بالفم... أي بلغة دون فم» (المصدر نفسه، ص 21). تستخدم هذه الوظيفة کذلک للتعبير عن المشاعر والقضايا التقييمية وحتى الأشياء المثالية بالنسبة للإنسان. وکثيراً ما نرى بطل رواية عازف الغيوم يعبّر عن مُثُله ووطنه باللغة التعبيرية قائلاً: «ـ أوه، لا يمکنني أن أغادر بلدي، کيف يمکنني أن أعيش في مکان آخر؟ ... إن بلدي على مساوئه لا يمکن مقارنته بأکبر جنّة على الأرض!» (المصدر نفسه، ص 22). فهنا، يعبّر نبيل عن حبّه لبلده وکيف له أن يبتعد عن أهله وأصدقائه وزملائه. ولا يخرج هذا التعبير من دائرة الانفعال، فما دعاه إلى تلک التعابير، هو ما لاقاه في الطريق من مصاعب، فلا بدّ له أن يشعر بهذا الإحساس في بداية أمره. لکن نجده في مکان آخر من الرواية يعبّر عن حنقه وسئمه وبغضه للمجتمع الذي راح يغادره إلى بلد آخر قائلاً: «ـ آه من الطبقة الرثّة! کان نبيل يفکّر مع نفسه، ولکن؛ ليس بسلام أبداً، إنَّما بألم وحنق. وهو يستخدم هذا التعبير: "الطبقة الرثة"» (المصدر نفسه، ص23). هنا، نرى حتى الروائي علي بدر يستخدم مفردة التعبير في الرواية؛ ليبيّن مدى فاعلية النص وکيف يعبّر الشخص عن انفعالاته، وهذا ما حققته له الوظيفة التعبيرية، ومن التعابير التي استخدمها الراوي بصورة انفعالية، وکأنها دون إرادة، لکنها ترتبط بصورة وثيقة مع الرواية؛ إذ يقول عن البلد الغريب وما يحصل فيه قائلاً: «العمل يتحوّل إلى ثروة الحبّ يتحوّل إلى جنس الهوية تتحوّل إلى طائفة أو دين» (المصدر نفسه، ص67). من المواقف التي أحدثت ردة فعل لنبيل بطل الرواية هي بعدما حطَّم الأوباش آلته الموسيقية، وقاموا بضربه أمام الناس، فتعالت ضحکات جميع من حوله، فشعر نبيل بالإهانة والإذلال، وکان يفکّر کيف سيواجه الناس في الشارع. هذا الموقف جعله ينفعل فيبحث عن لغة تصف انفعاله على حدّ قول الراوي: حينما استبدّ وتمکّن العجز منه تماماً، أخذ يصدر أصواتا غريبة، وهو راقد في السرير، أخذ يشدّ قبضته بقوة، ويرخيها. أخذت تنفلت منه شتائم غير مفهومة، شتائم مکرورة بلهاء، لکنها أشعرته بالغضب من نفسه، کان يريد أن يشيد لنفسه لغة جديدة؛ کي يشتمهم بها، بل أراد أن يستدعي اللغات جميعها، اللغات التي لا يعرفها من قبل؛ کي يشتمهم بها. استدعى لغات أجنبية من رأسه، أراد أن يستخدمها مثل حيوان: فک أوف، ميرد، فيس دو بوتان، صک... ولکن؛ لا فائدة(المصدر نفسه، ص27). إنّ الموقف يحتاج إلى ردة فعل بهذا المستوى، حيث أنّه فقد أي آلة للتفکير غير أنه يشتم، ولم يجد الشتم بلغة واحدة يکفي لردع هذا الغضب العارم في نفسه، بل يحتاج إلى جميع لغات العالم، أو حتّى اللغات کلّها لا تفي بالغرض، بل يحتاج إلى لغة أخرى مستحدثة يبرز بها انفعاله. أما الألفاظ غير المفهومة التي ذکرها ربّما لا تندرج ضمن معايير اللغة؛ لکنّها معبّرة بالنسبة للموقف، فنجدها تؤدي دور الوظيفة الانفعالية بصورة صحيحة. 5. الوظيفة التأثيرية[9] يطلق عليها أيضاً "الوظيفة الإفهامية". تکون الوظيفة التأثيرية أحيانا فجائية، أي تنطلق بغتة من الشخص، وهي محفّزة تريد من المرسَل إليه أن يقوم بحرکة، أو لإثارة انتباهه، وربما تنطلق في البداهة، دون إرادة، أو عن قصد، ويکون لها الأثر الکبير على المتلقّي، «ونجد هذه الوظيفة تهيمن، وتفرض کثافة حضورها مثلاً في الأدب الملتزم والروايات العاطفية؛ لأن هذين الجنسين الأدبيين يعتمدان على مخاطبة الآخر، ومحاولة التأثير فيه وإقناعه من خلال عناصر هذين الأخيرين؛ مثل عنصر المفاجأة، وهو تولُّد غير المنتظر من المنتظر، وکذا عنصر التشبّع وهو يمثل العملية التکرارية لخاصيّة معيّنة؛ إذ تتناسب بشکل عکسي مع روعة وجمال الخطاب» (زيان، 2016م، ص97). فللمفاجئة تأثير واسع في نفس المخاطب بفضل شحنتها العالية، وکلّ ما تکرّرت هذه الشحنات التأثيرية توجِد تشبّعاً عند المتلقي. وإضافة إلى هذين العنصرين، هناک عنصران مهمان، وهما «عنصر الإقناع والمتعة الفنية أو الإمتاع؛ فالأول يرمي إلى سحب المتلقي نحو أفکار وقناعات المنتج للخطاب أي المرسِل، بينما يهدف الآخر إلى إدخال المتعة والنشوة في نفس المتلقي؛ فينطفئ حينئذٍ أو يتلاشى تدريجيا الجدول المنطقي العقلاني في الخطاب، وتحلّ محلَّه نفثات الارتياح والانتشاء الوجداني العاطفي» (بومزبر، 2007م، ص40). مثلما نجد الرسالة التي وجهتها أمُّ نبيل بعد أن کان يصف الناس بالموسيقى ويرى الحياة موسيقى ويريد أن يحوّل الأصوات المبهمة إلى معانٍ، فقالت له أمّه غير آبهة به: «الناس ليسوا آلة ... قالت ذلک دون أن تعير ردة فعله أي انتباه» (2018م، ص 18). ربّما انطلقت هذه العبارة "الناس ليسوا آلة" فجأة، لکنّ لها أثر کبير في القارئ، وستکون أکثر فاعلية للنص من فکرة الراوي حول الموسيقى والحياة؛ ومن جهة أخرى، نجد العنصر التأثيري الطافح في قول المرسِل هو الإقناع وليست المتعة، والکاتب على بدر بذکاء لم يجتز هذه الرسالة بسهولة بل نرى عودته إلى نفس العبارة، ليبيّن الأثر الذي بقي مع نبيل: «ـ آه ماذا أصنع؟ وَضَعَ (نبيل) يده اليمنى على جبهته، وسقط على الأريکة يائساً. فالناس ليسوا آلة، کما قالت له أمّه، يمکنه أن يغيّرهم ويتلاعب بهم. الأمر أکثر تعقيداً من النظرية التي کوّنها هو عن الحياة والموسيقى» (المصدر نفسه، ص 19). الرسالة الإفهامية هامة جداً بالنسبة للعناصر؛ إذ تکون هادفة وتريد من الآخر أن ينتبه إلى الرسالة ويعرف ما إذا لم يکن واعياً بالنسبة إلى أمر ما. وهذه الرسالة نجدها عند والد نبيل، عندما وجّه إليه خطاباً لکي يعدل عن قراره بالنسبة للفرار خارج البلاد وکما يقول السارد: ذکّره (والد نبيل) بأحد أقاربه الذي عاش في أمريکا زمناً طويلاً، وأصبح تاجراً لنوع من السيارات الکلاسيکية التي تنتجها بيوک الشهيرة، وبالرغم من المخاطر الکثيرة، لاسيّما بعد الاحتلال الأمريکي للبلد، إلا أنَّه عاد، ليفتح محلاً لبيع منتجات إيف سان لوران، وبعض أنواع العطور الفرنسية، ثم سرعان ما أغلقه، بعد أن رأى الکساد الذي لحق بهذه البضاعة بعد الحرب. جرّب الرجل محلاً آخر، أو محلين، في مکانين مختلفين، لبيع الحقائب النسائية، ولاسيما من المارکات العالمية الأشهر، مثل: هيرمس، لويس فيتون، ديور، فندي، غوتشي... (إلى أن ينتهي به المطاف) افتتح محلاً کبيراً في شارع الکرادة، کي يبيع فيه نوعيات غالية من السجاد الإيراني الذي يستخدم للصلاة (المصدر نفسه، ص7). فکل هذا السيناريو المتسلسل جاء للإقناع والتأثير في المرسَل إليه في الرواية وهو نبيل، لکن هناک مرسَل إليه آخر، وهو قارئ الرواية، فهناک رسالة أخرى يرسلها الراوي للمتلقي تکون ما وراء نية المرسِل في نصّ الرواية. والشيء اللافت أن نبيل قد يسأل أباه وکأنّه لم يفهم ما ينويه من خلال هذه الرسالة فيقول له: «ماذا تعني بهذا؟» (المصدر نفسه). فيجيبه الوالد: «أعني ببساطة شديدة أنک لن تجد الراحة هناک» (المصدر نفسه). قد استخدم علي بدر الوظيفة الإفهامية عبر الحکاية أکثر من مرّة في روايته عازف الغيوم، ولربّما أراد أن يضفي ألقاً وجمالاً على القصة؛ إذ نجد في جانب من الرواية يريد أن يبيّن نبيل لأستاذته کم يکون صعباً أن يتعلّم شخص في الشرق آلة موسيقية غربية فيقول لها: «إنّه ليس شيئاً صعباً فحسب، بل هو تراجدي وکوميدي وفظيع، مثلما أن تأتي بالضبط بحيوان يعيش طوال حياته في القطب، وتنقليه إلى منطقة، تصل حرارتها في الصيف إلى الأربعين» (المصدر نفسه، ص17). لا شک أن هذه اللغة هي لغة الوصف، لکن الرسالة التي تحملها هي رسالة إفهامية لتعي الأستاذة ما يقوله نبيل، وقد بيّن لأستاذته صعوبة الأمر عن طريق هذا الوصف بأفضل ما يمکن لتنتبه کم يکون الأمر صعباً. في الحقيقة، جميع الرسائل الإفهامية التي تنطلق في اللغة السردية هي موجهة للقارئ نفسه. وفي النهاية، أن القارئ هو من يقوم بتحليل ما يقوله الراوي أو أي شخصية من شخصيات الرواية، کما نرى في جانب من الرواية الناس يتجمهرون أمام بيت نبيل ويريدون منه أن يتوقّف عن عزف هذه الآلة الغربية التي اسمها تشيللو، ويقولون له إن الموسيقى حرام ولا يکون العزف موافقاً لدين الإسلام، وهو يردُّ عليهم أن هذه هي مهنته وهم يردّون عليه بأنَّها مهنة قذرة وحرام وعليه أن يسمع شيخ الجامع؛ فيردُّ عليهم قائلاً: «ـ اترکوني أنا وربّي ... هو الذي يعرف إن کانت حراماً أم لا! ... ما شأنکم مني؟» (المصدر نفسه، ص20). ما نراه يکون الکلام موجّهاً للحشد الذي تجمهر أمام بيت نبيل، لکن في النهاية هي رسالة تنبيهية وإفهامية للقارئ، أي ما عليک بالآخرين خاصّة فيما يتعلّق بقضايا الدين والحلال والحرام.
6. الوظيفة الميتالغوية ـ ماوراء اللغة[10] هذه الوظيفة التي تسمّى أيضاً بـ"الوظيفة الواصفة"، تساعد في إعطاء صورة واضحة عن قصد المرسل أو المرسل إليه، وأحياناً الرسالة لم تکن واصفة، لکنّ ما ينويه المرسل إليه هو الوصف بعملية ميتالغوية. «هذه الوظيفة تبرز أحياناً بين المتخاطبين على سطح الخطاب عندما تستدعي الحاجة التأکد من الاستعمال السليم للقانون والسنن؛ إذ يکون الخطاب مرکزاً على السنن؛ لأنّه يشغل وظيفة الشرح والتفسير» (جاکبسون، 1988م، ص 31). نجد ذلک عند وصف نبيل من قبل والده. فيقول السارد: إن ترکيز والد نبيل على المنفيين بأنهم سيعودون جميعاً إلى بلادهم قد ذکّره ذلک بموعظة أطلقها الشاعر الإيراني صائب التبريزي لأحد أصدقائه قائلاً: إنّ حماراً کان يضرب ويهان من قبل صاحبه في قرية، اعتادت على إهانة وکراهية الحمير، وفي يوم هرب هذا الحمار إلى قرية مجاورة، وقد اندهش من أنَّ القرية على عکس قريته، فهي تُبجّل الحمير. فعاش هناک زمناً طويلاً فيها من الاحترام والطعام حتى نسي جميع الإهانات التي وجّهت إليه في قريته السابقة، إلا أنه وفي يوم شدّه الحنين إلى القرية السابقة، ليزورها، فخرج من هذه القرية إلى قريته وفي الطريق شاهد أحد الحمير من أصدقائه في القرية السابقة هارباً، وهو يتلفت من الخوف فناداه: ماذا تفعل؟ قال له الحمار الآخر: واللّٰه قرَّرت الهروب من هذه القرية التي تهين الحمير، لقد شبعت من الذلّ والإهانة والتعذيب وأريد أيّ مکان سوى هذا المکان. فقال له وهو حزين جداً: أرجوک، اسمع نصيحتي، عد إلى قريتک، فإنک لن تشعر بأنک حماراً إلا فيها (2018م، ص 11). فما نستلخصه من هذه الحکاية أن هناک نية ميتالغوية عند المرسِل يريد بها أمراً مشابهاً؛ لأن موقف نبيل من هجرته إلى بلد آخر يشبه الحدث المستلخص من مضمون الحکاية. فهذه هي اللغة الواصفة التي تکون أحياناً غير مباشرة وأحياناً يستخدمها علي بدر في هذه الرواية بصورة مباشرة لإعطاء صورة عن شخصية أو مکان أو حالة کما يصف السائق العجوز بهذه اللغة قائلاً: مسح نبيل بنظره السائق الجالس إلى يساره من الأعلى الأسفل. کان الأخير في الستين من عمره، ذا سحنة ريفية، بشعر أبيض، وشوارب سوداء قاتمة، کأنّها صبغت بصبغ أحذية. وهو الصبغ الذي يصبغه الفقراء عادة. يرتدي بنطلوناً صناعة صينية رخيصة، وقميصاً، موضة محلية لشخص أصغر من عمره لتلک الأيام، بکثير. کان الشکل يذکّر بممثل أفلام مصرية، يعمل بوصطجي على الدوام، حاول تذکّر اسمه، لکنه لم يفلح، ففضل أن يجلس إلى جواره دون أن يعيره انتباها(المصدر نفسه، ص 16). في جميع الأوصاف التي ذکرها الراوي في هذا الموقف من الرواية، يسرد لنا وجهاً أبعد مما نشهده على أرضية النص. ففي وصفه للسائق وما يرتديه من ملابس لا تناسبه؛ يوجّه نقداً اجتماعياً لطبقة وجيل معين، وعندما يبطّن وصف آخر داخل الوصف الأول، يوجّه نقدا آخرا للسينما المصرية، فهذه هي وظيفة اللغة الواصفة وما ينطوي وراءها. أحياناً يکون الوصف للمکان وکثيراً ما يحصل ذلک في الروايات والقصص؛ إذ يصف لنا الراوي الحي قائلاً: عمود الکهرباء في الرکن، بيتان کانا جميلين فيما مضى، وأصبحا شبه متداعيين، ودکّان امرأة عجوز مسيحية مغلق بعد سفرها، والتحاقها بأهلها في ديترويت. أما العمارة التي يقطنها هو؛ فهي الوحيدة المضاءة بمولّدة کهربائية صغيرة؛ ذلک لأن الحي معتم لانطفاء الکهرباء فيه (المصدر نفسه، ص 16). کثيراً ما نرى في الرواية أن يرسم الکاتب علي بدر لنا تصويراً أو مشهداً لا علاقة له بالموضوع، بل أنه يشبّه به، ويستخدم الوظيفة الواصفة وما وراء لغوية للتعبير عمّا يدور بخلده وما يدور في ذهن شخصيات الرواية؛ مثلاً حين أراد وصف علاقات نبيل مع الناس الذين حوله في المجتمع يقول: «علاقاته مع الجميع کانت تصنعات. لم تکن لها أيّة صلة بالحقيقة. کانت تمثيلاً أخرق في مسرحية بائسة. کانت تمثيلاً لنص ثقيل، بل أصداء، يدار في صمت کثيف وأسود. بل کانت کلاماً فارغاً في ظلمة خرساء لمسرح فارغ» (المصدر نفسه، ص23). لا شک أن هذه اللغة هي مستخدمة للوصف، فکيف للعلاقات مع الجمع أن تحمل کلّ هذا السناريو الذي رسمه لنا الکاتب، فما هو إلا وجه ثانٍ لعملة واحدة بنفس القيمة، يراد بها وصف لغة ثانية وخطاب آخر ما وراء هذه اللغة والخطاب المستعمل.
7. الوظيفة الشعرية[11] هي الوظيفة التي يتعلق موضوعها بالرسالة. و«إنها کلّ خطاب موضوعه ومحوره الرسالة ذاتها کنظام من العلاقات والعناصر» (غريب، 2006م، ص 448)، ومن حيث التعبير، تجعل الخطاب بليغاً ومؤثراً في السامع، «وهي وظيفة أساسية للغة لما تضفيه من ديناميکية وحيوية على اللغة نفسها وبدونها تصبح المرسلة اللغوية جسم ميِّت لا حراک له» (بوقرة، 2003م، ص 100). ففي رواية عازف الغيوم هناک لغة في القصة تغلب على سرد النثر العادي، وتأتي مکتنزة ببلاغة ومفارقة وجماليات، مما لا يمکن اعتبارها بالکلام العادي، وهي تحمل وظيفة شعرية لإمتاع القارئ بالنص ووصف الأمر بأعلى مستويات اللغة، وهي لغة الشعر کما يصف لنا الراوي غضب نبيل بعد أن طلب منه الناس أن يتوقّف عن العزف والموسيقى ويبتعد عن الآلة المحرمة: أخذ يسير في الحجرة ذهاباً وإياباً. کان يرقب بألم وغضب تحوّل البلاد إلى موضى مريعة. ليس بدءاً من هذا اليوم، ولکن؛ منذ زمن بعيد. کان صامتاً، ولکن، في داخله صراخ أخرس. غضب ينمو، مثل شجرة تنمو في حقل ممنوع، لم تعد الکلمات تخرج من فمه مثل بارود يخرج من الفوهة، کما في الماضي. لم يعد يعرف ماذا يقول؟ في داخله أشياء، لا يتمکّن بعد من قولها، فذاک لأنَّ الکلام، لا يعطى اليوم، في الحياة، إلا للمجانين والمعتوهين. أمّا الفنانون؛ فيطلب منهم بأدب أن يترکوا أجسادهم معلّقة على المشجب (2018م، ص20). يا ترى هل يمکن أن تکون عبارة "في داخله صراخ أخرس" عادية وتناسب اللغة الواصفة أو التعبيرية؟ لا شکّ أنها مفارقة لغوية، کيف يمکن لصوت أن يکون صاخباً وصامتاً معاً؟ وماذا تکون وظيفة اللغة هنا سوى لغة الشعر؟ ولم يتوقف الکاتب من اللغة الشعرية إلى هنا، بل يقول: "غضب ينمو مثل شجرة في حقل ممنوع"، هل يقصد من الغضب هو صوت الموسيقى وحلم نبيل؛ إذ يريد هذا الحلم أن ينمو في مجتمع إسلامي لا يقبل هذه المهنة؟ لذلک نجد الوظيفة الشعرية تتدفق أکثر عندما يقول: "لم تَعُد الکلمات تخرج من فمه مثل بارود يخرج من الفوهة". فهذه الصورة الشعرية البديعة کتشبيه الفم بفوهة البندقية، وما غاب وراء النص ـ وهو قوة الکلام ـ لم تأتِ إلا بهدف تشبّع النص بالشعرية. بلا شک أن ما تحمله هذه اللغة هي الوظيفة الشعرية التي لا يمکن أن تصنّف في أي وظيفة لغوية أخرى. إن لغة الشعر ليست لغة تعبير بقدر ما هي لغة خلق وإبداع، وليست لغة تفاهم عادي صريح أو لغة نقل للحقائق والمشاهد المألوفة بقدر ما هي وسيلة استبطان واستکشاف. ومن غايات هذه اللغة أن تثير وتحرک وتفاجئ وتدهش وتهز الأعماق. «إنها تيار تحولات يغمرنا بإيحائه وإيقاعه وبعده. هذه اللغة فعل، نواة حرکة، خزان طاقات، والکلمة فيها من حروفها وموسيقاها. لها وراء حروفها ومقاطعها دم خاص ودورة حياتية خاصة» (أدونيس، 1971م، ص 79). يمکننا القول إنّ عنوان الرواية يعبّر عن لغة شعرية، کيف يمکن عزف الغيوم؟ وماذا يقصد المؤلف من عزف الغيوم؟ وسوف يتبين لنا في الرواية أن نبيل يريد الهرب من بلده، بعد أن أهانه المتشددون وکسروا آلته الموسيقية في الشارع أمام الجميع وهدّدوه بالقتل، إذا لم يتبرّع بمبلغ للجامع، فأخذ نبيل يفکّر بالرحيل إلى المدينة الفاضلة وتذکّر هذا المقطع من الشعر والذي يکون للمؤلف علي بدر نفسه؛ إذ يقول: «سنذهب هناک، سنذهب إلى مدينة فاضلة، تقع وراء البحار ... هناک حيث يعيش الفنّان کما لو أنّه يعزف الموسيقى في الغيوم»(2018م، ص 36). فهذه الصورة بأکملها تعدّ صورة شعرية بکل ما تحمل الکلمة من معنى، حيث إن عزف الموسيقى في الغيوم هو عزف في أعلى قمّة من عالم الخيال الشعري، وتبقى الوظيفة الشعرية ککيان ضروري تحتاجه الرواية في نصها بين الحين والآخر حتى تتعادل کفّة الوظائف اللغوية إلى نهاية الرواية، فنجد الراوي يقول في موقف آخر: «تمتدّ الرؤية في المدى المضيء إلى الخضرة الطريّة، ومن هذه النافذة، يسطع وهج الشمس، وهو يدخل في الصباح إلى الشقّة، يصبغ بلاط الأرضية بلون أرجواني مبهم، ويغمر الغرفة بتلألؤ ذهبي أشقر، في الوقت نفسه» (المصدر نفسه، ص80). هذا النص لا يمکن أن يدرج في وظيفة غير الوظيفة الشعرية للتواصل. ومهمة اللغة هنا أن تعقد الصلة بين الراوي والمتلقي. والهدف منها إشعار المتلقي بالمتعة لا غير، فلا نجد أي معلومة مهمة يحتاجها المتلقي هنا؛ غير أن يقرأ لغة شعرية لوصف حالة ربّما تحصل في أي مکان في العالم، ليست في بيت فاني فقط أو في بلجيکا. وأمّا هدف الراوي من ذلک فهو تلطيف جو الرواية وإبعادها من اللغة الميتة، وإمتاع القارئ للاستمرار، فهي عبارة عن محطة استرخاء بالنسبة للقارئ، فهکذا اتخذ علي بدر لغته الشعرية بصور بلاغية وشعرية حديثة، وظهرت الوظيفة الشعرية بأساليب بيانية بليغة، مما تضفي على نصه عذوبةً ومتعةً للقارئ.
8. الوظيفة الانتباهية[12] هي الوظيفة التي تستخدم للمجاملات، وکثيراً ما تستخدم عند الأشخاص القرباء أو الذين يتعرفون للتو على الآخر مثلها مثل التساؤل عن أحوال الجوّ والطقس وتکون في اللقاء الأول؛ فلذلک هي التي تقيم قناة للتواصل بين الأشخاص، «وهذه الوظيفة تبرز على سطح الخطاب، حينما يکون هناک أنماط لغوية تقوم بأدوار خارجية عن نطاق الخطاب الإبلاغي لتزويد المتلقي بقيم إخبارية، کما تؤدي وظيفة المحافظة على سلامة جهاز الاتصال، والتأکد من استمرار سلسلة الرسائل الموجهة إليه على الوجه الذي أرسلت به» (زيان، 2016م، ص 98). وهذا ما نجده کذلک في رواية عازف الغيوم؛ إذ تکون أوّل لغة للمجاملات والتواصل وجلب الانتباه عند لقاء نبيل مع السائق إذ کان حوارهم على النحو التالي: مرحبا! قال نبيل دون أن ينظر إلى السائق، ثم انشغل بغلق الباب، وبعد أن ربط حزام الأمان، نظر أمامه منتظراً انطلاق السيارة. ـ مرحباّ قال السائق، وقد بقي مرکّزاً نظره بفضول على نبيل للحظات. ـ هل رأيتک من قبل في مکان ما؟ سأل السائق نبيل بصوت خفيض قبل أن ينطلق بسيارته. ـ لا أعرف ... قال نبيل بسرعة، ثمّ التفت للسائق وسأله: ـ أين تسکن ـ هنا في الجوار. ـ إذن لا بدَّ أنَّک رأيتني في الحي. ـ آه صحيح(2018م، ص 14). لا شک أنّ ما دار بين نبيل والسائق هي لغة المجاملات حسب الوظيفة الانتباهية للغة. فأراد السائق من خلال سؤاله أن يفتح قناة للتواصل بينه وبين نبيل فراح حتى انتهاء الحوار يحافظ على تلک القناة من خلال قوله "آه صحيح" تأييداً لقول نبيل: "إذن لا بدَّ أنک رأيتني في الحي". ولم تکن اللغة لغة للحصول على أي شيء ولا أحد منهما يريد أن يصل إلى سرّ أو فکرة من الآخر، والراوي نفسه يقول ويؤکّد ذلک قائلاً: «لقد تعوّد نبيل على هذا المنطق في هذا الحي منذ أن سکنه، مثلاً أن يسألک جارک ببلاهة مطلقة: ـ أين رأيتک فيما مضى. ـ في الحي! يجيبک: ـ آه صحيح، نحن جيران. دون أن يشعر بالغباء، بسبب ذلک مطلقاً» (المصدر نفسه، ص15). أحياناً، الجمل المعترضة أو الجمل المستقلة تکون هي الأقوى في التعبير، ولها دلالة يعرفها المتلقي وکما يقول بالمر[13]: «يتبين أن الشاغل الأول لعلماء الدلالة هو دلالة الجملة لا دلالة التعابير، وأن الدراسة الدلالية من صفاتها التکامل؛ لأنه لا يمکن التفکير بإجرائها دون اهتمام بمستويات البنية النحوية وغيرها» (1997م، ص40). لم تکن هذه الوظيفة دائماً لإتلاف الوقت، وتفسح مجالاً للتعرّف، بل أحياناً تکون مغلّفة برسالة تهکمية إمّا تکون مهينة وإمّا تکون غير ذلک، کما نرى في رواية عازف الغيوم، يحکي الراوي أنّ البلجيکيين طالما ينتقدون بلدهم ويريدون الهرب منه. لکنَّ هذا الأمر يحصل بين بلجيکي وبلجيکي آخر، وأمّا مع اللاجئ سيتحدثون عن فخرهم ومجدهم وجمال بلدهم وکرمهم بصورة غير مباشرة، کما يقول عن سائق تکسي يوجّه کلامه للاجئ قائلاً: «أنت سعيد هنا في بلجيکا؟ کما لو أنَّه يقول: ـ أنت سعيد عندي في بيتي» (2018م، ص93). فنرى البلجيکي، بعد إقامة قناة للتواصل بينه وبين اللاجئ، يوجه رسالة له، فهي لغة تستخدم للمجاملات، لکنها ذات مغزى تؤثر أي تأثير على المخاطب، والمغزى يشرحه الراوي في نفس المکان عندما يقول:کما لو أنه يقول: "أنت سعيد عندي في بيتي".
9. الوظيفة المرجعية[14] تسمى أيضا "الوظيفة الإعلامية"، و"الوظيفة الإخبارية". وتشترک هذه المصطلحات في کون المرسلة تتجه إلى السياق أو المرجع، وترکز عليه، «وتتلوّن هذه المرسلة بهذه الوظيفة عندما يکون محتواها مؤيداً للأخبار الواردة فيها، باعتبار أن اللغة فيها تحيلنا على أشياء وموجودات نتحدث عنها وتقوم اللغة فيها بوظيفة الرمز إلى تلک الموجودات والأحداث المبلغة» (المسندي، 1982م، ص 159)، کما أنها الوظيفة التي من خلالها يعطي المرسِل للمرسَل إليه معلومات وحقائق، إمّا أن تکون مفيدة وإمّا لم تکن کذلک. وهنا، نرکّز حول المعلومات الحقيقية أو هکذا استطعنا أن نميّزها في الرواية؛ لأنّ الروائي بوسعه أن يعطي معلومات غير حقيقية لتساعد على حبکة الرواية؛ والوظائف الإعلامية التي استخدمها علي بدر في روايته هي کثيرة، لاسيَّما حديثه عن مارکس وأفکاره وما عبّر عن فکرة فارابي بالنسبة للموسيقى. لکنّ أهم ما قاله بشکل صريح وأهمّ المعلومات التي أعطاها کوظيفة مرجعية في الرواية هي المعلومات التي نقلها لنا عن بلجيکيا؛ إذ إنها تکون غير معروفة لدى القارئ الشرقي وقد وصف الشوارع وذکر حتى أسماء المقاهي والأزقة ومن هذه المعلومات نذکر جانباً؛ إذ قال: تعرّف على فاني في حفلة قامت في بار يقع في البارفي دو سون جيل. في بار الميزون دو بيل. البار ذاته الذي کان يقرأ فيه لينين الصحف الروسية والفرنسية قبل الثورة. وقد تحوّل إلى بار برجوازي هذه الأيام ... يوم الحفلة في الميزون دو بيل، وهو المساء الأخير الذي يکون هذا العامل واقفاً فيه، مثل: عمود النور، ليضيء البار ... (2018م، ص 64). في الحقيقة، يريد الکاتب أن يعطي القارئ شيئاً جديداً أو يساهمه في هذه المعلومات. وکثيراً ما تکون في الکتابات المحدثة وکما يقول جرييه[15] حول الکتابة المحدثة: إن الکاتب المحدث لا يهمل القارئ، ولکنه يطالب بالضرورة المطلقة؛ لأن يساهم القارئ مساهمة فعالة واعية بل خلاقة. إن ما يطلبه المؤلف من القارئ ليس استقبال عالم کامل ممتلئ مغلق على نفسه، بل على العکس إنه يسأله أن يساهم في عملية الخلق وأن يخترع بدوره العمل الذي يقرأ ـ العالم أيضاً ـ وأن يتعلم بهذه الطريقة أن يخلق حياته هو (1998م، ص 138). أحياناً، يعطي الروائي معلومات عن البلد بصورة غير مباشرة، لکن القارئ سوف يتعرّف على البلد ويأخذ فکرة عنه. وکلّ ذلک يعود إلى بنية اللغة للتعبير. والمشکلة اللغوية تتمثل في البنية المنطقية والشروط الممکنة للنمو. فما هي البنية المنطقية التي من خلالها يبدع الفکر المعني والدلالة؟ للإجابة عن هذا السؤال، «اقترح سيرل مصطلحين أساسيين من مصطلحاته الجديدة وهما: القصدية وشروط الکفايه، حيث يرى أن ما يربط الفکر بالعالم ليس الوعي، وإنما نوع من القصدية. وإنه لفهم القصدية، يجب معرفة شروط الکفايه، وبالتالي فإن الحالات القصدية تعمل بطريقة ترمي إلى تحديد شروط کفايتها» (بغورة، 2005م، ص 220). کما قال علي بدر عن الطقس في بلجيکيا معبّراً بهذه العبارات: أخذ نبيل يتعود شيئا فشيئا على الطقس البارد، على الشوارع الرطبة، على الأمسيات الممطرة، وحتى في وقت متأخر من الليل، کان يتردّد في الذهاب إلى ساحة فلاجيه، أو السان جيل، أو إلى اللي آل سون جيري، حيث: بالبارات، المقاهي، محلات بيع الأسطوانات، المکتبات (2018م، ص83). سوف يأخذ القارئ فکرة أن بلجيکيا يقظة في ساعات الليل المتأخرة، وحتى المکتبات مفتوحة والطقس يکون بارداً. فکلّ هذه الأمور تعکس طريقة الحياة هناک وکيف کان يعيش نبيل وکيف تعوّد على ذلک؟ ونستطيع القول إن جميع الأحداث التي دارت في نص الرواية تعبر عن الوظيفة الإعلامية أو المرجعية، حيث إن الراوي يريد إيصال معلومات للمتلقي. فهذه المعلومات عن الوضع في العراق وکذلک الوضع في بلجيکا ومقارنة بين المجتمعين بما عاناه فيهما. فالروائي الناجح هو من أشبع المتلقي بالمعلومات وأخرجه منتشياً مستمتعاً؛ کما فعل الروائي علي بدر في روايته عازف الغيوم.
الخاتمة بعد إسقاط نظرية التواصل اللغوي لجاکبسون بوظائفها وعناصرها على رواية عازف الغيوم لعلي بدر، توصلنا إلى عدة نتائج، وهي کالتالي: ـ قدّمنا في هذا البحث تحليلاً لرواية عازف الغيوم باعتبارها نصاً حوارياً کشفنا من خلاله عن مواطن النظرية التواصلية لجاکبسون؛ إذ إننا وجدنا السرد في الرواية ينحو منحىً تواصلياً لا لبس فيه. ـ بعد أن أسقطنا نظرية التواصل على نص الرواية، وجدنا أن الراوي لم يقف على حد سطحي للنص، بل کان توجهه إلى ما وراء النص والحوار، وهو المتلقي، فاهتمامه بالمتلقي کان جلياً في سرده وحواره. ـ تبين من خلال هذه الدراسة، مدى إفادة نص الرواية من وظائف التواصل اللغوي لجاکبسون، ومدى التطابق بين أرکان النظرية التواصلية وبنية التعبير اللغوي في الرواية. ـ وظف علي بدر الوظائف الستّ للتواصل اللغوي بأکملها بشکل ملحوظ، غير أنه وظف الوظيفة الشعرية للغة في روايته ببراعة، حيث أضفت على الصور الشعرية والمفارقات جمالاً وبلاغة حتى على الحوار المتبادل بين شخصيات الرواية، وکذلک وجدنا الوظيفة الميتالغوية کياناً کلياً يشکّل الرواية بأکملها، حيث إن ما عبَّر عنه علي بدر من أحداث وحوار في الرواية ما هو إلا صورة للغة تعبيرية أخرى ما وراء نص الرواية. ـ سعينا في بحثنا هذا أن نعمّق فهم نص الرواية وبنيته التعبيرية بعيدين عن دراسة لغتها وحدها، بل قمنا بتبيين التعابير التي يتفاعل معها المتلقي عند مواجهته لنص الرواية بجانبيه الحواري والسردي. [1]. هو «کاتب روائي عراقي، ولد في بغداد في منطقة الکرادة الشرقية سنة 1964م، حصل على بکالوريوس في الأدب الفرنسي عام 1985م. التحق بالخدمة العسکرية حتى سنة 1991م، وبعد انتهائه من تلک الخدمة، دخل دورات متخصصة في تحقيق المخطوطات وإصلاحها في دار المخطوطات الوطنية في بغداد سنة 1992م، وقد حصل الروائي علي بدر على شهرة واسعة النطاق بسبب رواياته وأعماله الأدبية» (عليعل، 2016م، ص 14). ومن رواياته: 1-2001 بابا سارتر، وقد حصلت على جائزة أبو القاسم الشابي في تونس، وجائزة الدولة للآداب في بغداد؛ 2-2002 شتاء العائلة، حازت على جائزة الإبداع الأدبي في الإمارات؛ 3-2003 الطريق إلى تل مطران؛ 4-2004 الوليمة العارية، وقد حصلت هذه الرواية على منحة من مؤسسة الکوندور الثقافية؛ 5-2005 صخب ونساء؛ 6-2006 مصابيح أورشليم؛ 7-2007 الرکض وراء الذئاب؛ 8-2008 حارس التبغ (القائمة الطويلة الجائزة العالمية للرواية)؛ 9-2009 ملوک الرمال (القائمة الطويلة الجائزة العالمية للرواية)؛ 10-2010 الجريمة، الفن، وقاموس بغداد؛ 11-2011 أساتذة الوهم؛ 12-2015 الکافرة؛ 13-2016 عازف الغيوم؛ 14-2017 الکذّابون يحصلون على کل شيء. [2]. تتحدث عن نبيل عازف التشيللو، الذي يسکن في بغداد، موسيقي حالم، رومانسي، يؤمن بالموسيقى الکلاسيکية وقدرتهما على تغيير العالم؛ وکان همّه هذا الأمر، لکن في يوم من الأيام، وأثناء عودته إلى منزله، وآلته الموضوعة في صندوق کبير على ظهره، يجد نفسه وجهاً لوجه أمام مجموعة متشددة ينتظرونه أمام بيته، فيحطمون له آلته الموسيقية ويقومون بضربه وإهانته، فيقرر نبيل الهجرة إلى أوربا، والبدء بحياة جديدة مع الموسيقى، والحب؛ غير أنَّه هناک، وهو يعيش مع أفکاره الفلسفية ولاسيَّما عن الهارموني، والمدينة الفاضلة عند الفارابي، والفن العاري، والکلاسيکية في الفن، وقصة حبَّه مع فاني، الفتاة الجميلة التي يعيش معها، يجد نفسه وجهاً لوجه أمام اليمين المتطرف، المجاميع المتشددة في الغرب، والفاشية الجديدة، وما يقابلها من تشدد إسلامي. رواية ساخرة عن الأفکار، الفن، وتناقضات السياسة والدين والواقع. [3]. Harold Lasswell [4] .Shannon and Weaver [5]. Roman Jakobson [6]. Edward Sapir [7]. Robert Houle [8] .The Expressive Function [9]. The Impressive Function [10]. The Metalinguistic Function [11]. The Poetic Function [12]. The Phatic Function [13]. Frank Palmer [14]. The Referential Function [15]. Alain Robbe-Grillet | ||
مراجع | ||
ابن جني، أبو الفتح عثمان. (1952م). الخصائص. تحقيق محمد علي النجار. القاهرة: دار الکتب المصرية. أبو الفرج، محمد أحمد. (1992م). مقدمة لدراسة فقه اللغة. بيروت: دار النهضة العربية للطباعة والنشر والتوزيع. أدونيس، أحمد سعيد. (1971م). مقدمة الشعر العربي. بيروت: دار العوده. أولمتن، ستيفن. (1973م). دور الکلمة في اللغة. ترجمة کمال محمد بشير. ط 3. القاهرة: دار غريب للطباعة والنشر. بالمر، فرانک. (1997م). مدخل إلى علم الدلالة. ترجمة خالد محمود جمعة. الکويت: مکتبة دار العروبة للنشر والتوزيع. بدر، علي. (2018م). عازف الغيوم. ميلانو: المتوسط. بغورة، الزواوي. (2005م). الفلسفة واللغة: نقد "المنعطف اللغوي" في الفلسفة المعاصرة. بيروت: دار الطليعة. بوقرة، نعمان. (2003م). المدارس اللسانية المعاصرة. القاهرة: مکتبة الآداب. بومزبر، الطاهر. (2007م). التواصل اللساني والشعرية. بيروت: الدار العربية للعلوم. جاکسون، رومان. (1988م). قضايا الشعرية. ترجمة محمد الولي ومبارک حنوز. الدار البيضاء: دار توبقال. ـــــــــــــــــ؛ وآخرون. (2007م). التواصل: نظريات ومقاربات. ترجمة عز الدين الخطابي وزهور حوتي. الدار البيضاء: عالم التربية. جرييه، آلان روب. (1998م). نحو رواية جديدة. تحقيق مصطفى إبراهيم مصطفى. تقديم لويس عوض. القاهرة: دار المعارف. الربيعي، رنا فرمان محمد. (2014م). الوثيقة والتخيل التاريخي في روايات علي بدر. رسالة الماجستير. جامعة القادسية. زکريا، ميشيال. (1984م). مباحث في النظرية الألسنية وتعليم اللغة. بيروت: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر. زيان، ليلى. (2016م). «عملية التواصل اللغوي عند رومان جاکبسون». المجلة العربية للعلوم ونشر الأبحاث. ع 1. ص 89 - 102. سابير، إدوارد. (1993م). مدخل للتعريف باللغة: في اللغة والخطاب الأدبي. بيروت: المرکز الثقافي العربي. السعران، محمود. (1963م). اللغة والمجتمع. القاهرة: دار المعارف. الشامي، حسان رشاد. (1998م). المرأة في الرواية الفلسطينية "1965-1985". دمشق: اتحاد الکتاب العرب. عبد الجليل، عبد القادر. (2002م). الأسلوبية. عمان: دار صفاء. عليعل، حمود ناصر حسون. (2016م). المکان في روايات علي بدر. رسالة الماجستير. جامعة فيلادلفيا. غريب، عبد الکريم. (2006م). المنهل التربوي. الدار البيضاء: عالم التربية. ليونز، جون. (1407ﻫ). «مدخل إلى اللغة واللسانيات». ترجمة حمزة المزيني. کلية الآداب. ج 14. ع 1. المسندي، عبد السلام. (1982م). الأسلوبية والأسلوب. ط 3. القاهرة: الدار العربية للکتاب. موات، محمد کاظم. (2017م). «نظرية التواصل في رسائل الجاحظ في ضوء نظرية التواصل لجاکبسون». مجلة الجامعة العراقية. ج 37. ع 2. ص 247 - 273. | ||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 2,291 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 1,216 |