
تعداد نشریات | 43 |
تعداد شمارهها | 1,685 |
تعداد مقالات | 13,846 |
تعداد مشاهده مقاله | 32,783,957 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 12,963,749 |
جمالية التماسک الإيقاعي في مراثي عبدالرزاق عبدالواحد؛ قصيدة «في رحاب الحسين» نموذجا | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بحوث في اللغة العربية | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مقاله 3، دوره 13، شماره 25، دی 2021، صفحه 23-42 اصل مقاله (1.25 M) | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نوع مقاله: المقالة البحثیة | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
شناسه دیجیتال (DOI): 10.22108/rall.2020.124063.1307 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نویسنده | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
دانا طالب پور* | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
حاصل على الدکتوراه في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة طهران، طهران، إيران | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
چکیده | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
من السمات التي تميز بين الشعر والنثر هي عنصر الإيقاع، وهو يلعب دورا أساسيا في النغمة الشعرية وحلاوتها، وهو تعبير أصيل عما يدور في مکامن الشاعر من الأحزان والأفراح والآلام؛ فبهذا السبب، يکون دوره بارزا بين توظيفات الشعراء، وقد شغل حيزا کبيرا بينها. يحاول هذا البحث دراسة الإيقاع الصوتي في قصيدة في رحاب الحسين دراسة أسلوبية. تعد القصيدة من القصائد التي تمتاز بمکونات إيقاعية جميلة تدل على وجدانية الشاعر الحزينة بشکل مؤثر. لهذا، لجأ البحث إلى دراسة هذه الميزة في القصيدة، بالاعتماد على المنهج الوصفي ـ التحليلي. وقد تم تطبيقه في دراسة الإيقاع الداخلي والخارجي في القصيدة. يقدم هذا البحث إيجازا عن القصيدة ومکانة شاعرها ومقدمات عن الوزن والقافية والعناصر المؤثرة في الإيقاع. ففي بحث الإيقاع الخارجي، درسنا بحر القصيدة وقافيتها ورويها؛ ومن خلالها کشفنا عن أهم الجماليات المؤثرة في إيقاعية القصيدة. وفي بحث الإيقاع الداخلي، درسنا أهم العوامل المؤثرة في الإيقاع الداخلي نظريا ثم قمنا بتطبيقها على القصيدة. وفي النهاية، استخلصنا أن الشاعر ذو مهارة شعرية موسيقية بارعة، حيث نجح في إبراز المعاني عبر الإیقاعیة نجاحا. فهناک تناغم موسيقي جميل بين الهيکل البنيوي والدلالي في القصيدة، حيث يعبّر عن المعاني وما يخالج في نفس الشاعر أدق تعبير. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
کلیدواژهها | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الإيقاع؛ التماسک؛ المراثي؛ عبد الرزاق عبد الواحد؛ قصيدة في رحاب الحسين | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
اصل مقاله | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
1. المقدمة يشکل عنصر الإيقاع من أبرز خصائص الشعر التي لا يمکن أن نغضّ أبصارنا عن دوره المهم. فهو تعبير صريح عن مکنونات الشاعر وما يخالج في نفسه تجاه ما يرى. فإذا أراد أي أديب أن يکون شعره صوتا مدويا لأفکاره فإن وظيفته الرئيسة وبراعته تتجلى في کيفية استخدام التراکيب والألفاظ والانسجام والتآلف بينها. وهذه المهمة لا تتم إلا بمعرفة الشاعر بأهم الأدوات الموسيقية التي تساعد في ثراء نغمته الشعرية وسلاسته. وذلک لأن «الموسيقى طريق السمو بالأرواح والتعبير عما يعجز التعبير عنه وتقوم الأصوات في ذلک بدور بالغ الأهمية بوصفها المادة الأولى لتأليف أشکال هذه الموسيقى، بما يمتلکه کل صوت من صفات خاصة مستقلة، وبما يترشح من تجاوز صوتين مختلفين من صفات جديدة تظهر في أحدهما أو تظهر في کليهما» (السامرائي، د.ت، ص 73). ويرى ديوت هـ. بارکر[1] «أن عناصر الإيقاع هي العناصر اللازمة لتمييز الجمال الذي نجده حتما في العمل الفني ذاته؛ ففي الشعر نجده في الألفاظ، من حيث هي أصوات ترتبط في إيقاع أو انسجام وقافية ونغم» (حمدان، 1997م، ص 18). «ويرجع شکري عياد العمل الفني إلى سببين رئيسين: أولهما: الشخصية المبدعة التي ترتبط بفلسفة وفکر معينين؛ ثانيهما: الحرکة الإيقاعية في العمل الفني، وهو الذي تتحقق من خلاله وحدة العمل الفني، والتي تتمثل في وحدة الشکل والمضمون، والوحدة بين الحرکة والسکون»(المصدر نفسه، ص 20). أما خالدة سعيد فـ«ترى أنه ليس مجرد الوزن بالمعنى الخليلي أو غيره من الأوزان، الإيقاع بالمعنى العميق لغة ثانية لا تفهمها الأذن وحدها، وإنما يفهمها قبل الأذن والحواس، الوعي الحاضر والغائب ... الإيقاع لغة، بل سابق للغة المصطلح على تسميتها، کذلک إنه ما قبل الإصطلاح ... والإيقاع لا يقتصر على الصوت. إنه النظام الذي يتوالى أو يتناوب بموجبه مؤثر ما (صوتي أو شکلي) أو جو ما (حسي، سحري، روحي)، وهو کذلک صيغة للعلاقات (التناغم، التعارض، التوازي، التداخل). فهو إذن نظام أمواج صوتية ومعنوية وشکله، ذلک أن للصورة إيقاعها» (بزيو، 2017م، ص 22). إذن، الموسيقى تشکل عنصرا هاما في الشعر وتثیر انتباه المتلقي، حيث بواسطتها يستطيع أن يرتبط بالشاعر؛ لأنها تعبیر خفي دقيق عن خلجات نفس الشاعر وأحاسيسه وأحزانه وأفراحه في کل الظروف. فعلی ذلک، تعرف أهمية الغناء الموسيقي في إبراز أهم المعاني الکامنة في نفس الشاعر في أحسن صورها، حيث لا يمکن الفصل بين الموسيقى والمعنى بأي طريقة. وفقا لما تقدم، فهذه المحاولة تسعى إلى الکشف عن دور الموسيقى في رفع قيمة الشعر وجماليته ثم جماليات الإيقاع الخارجي والداخلي في إحدى قصائد الرثاء الحسيني، أي في رحاب الحسين، وتريد الإجابة عن السؤالين التاليين: ـ ما أهم خصائص البنية الإيقاعية في قصيدة الشاعر؟ ـ کيف أثر الإيقاع في جمالية القصيدة وإيحاء دلالاتها للقارئ؟ 1ـ1. خلفية البحث أما في مجال شخصیة الشاعر وأعماله ـ رغم مکانته المرموقة ـ لم تصدر حتی الآن بحوث شاملة مستقصية إلا بعض المقالات المبثوثة علی صفحات الشبکات العنکبوتیة أو في بعض المجلات أو الأطاريح الجامعية في إيران؛ منها ما يلي: مقالة قصیدة في رحاب الحسین للشاعر عبد الرزاق عبد الواحد: دراسة تحلیلیة، لمحمد مهدي یاسین الخفاجي (2015م)؛ في هذه المقالة، قام الکاتب بدراسة تحلیلیة لأهمّ الدلالات المعنوية للقصيدة علی منهج تحلیل الخطاب والنص. وکذلک مقالة دراسة أنواع التوظیفات في شعر عبد الرزاق عبد الواحد واستدعاء الإمام الحسین عليه السلام في شعره، لیوسف نظرى وعلى حیدرى (2018م)؛ قام الباحثان بدراسة أنواع التراث، منها التراث الدیني، والسیاسي، والاجتماعي في شعر الشاعر ضمن اقتطاف نماذج من قصائده. وکذلک مقالة يحيى وعيسى بين الميثولوجيا والتاريخ؛ قراءة في النصوص الدينية والشعر المندائي: عبد الرزاق عبد الواحد ولميعة عباس عمارة أنموذجين، لحسين عباسى اصل والآخرين (2019م)؛ تتناول هذه المقالة أنواع يحيى وعيسى الواردة في الکتب التاريخية والمقدسة من عيسى بن مريم، وعيسى المصلوب، وعيسى الحواري، ويحيى القرآني، ويحيى الإنجيلي في أشعار الشاعرين. ومقالة استدعاء شخصية الحسين (A) والحرّ الرياحي في شعر الصابئة المندائيين: عبد الرزاق عبد الواحد أنموذجا، للمؤلف الأخير (2016م)؛ في هذه المقالة، قام الباحث بدراسة شخصية الإمام الحسين والحرّ الرياحي في شعر الصابئة المندائيين، خاصة شعر عبد الرزاق عبد الواحد دراسة موضوعية تحليلية. ودراسة شعر عبد الرزاق عبد الواحد: دراسة اجتماعية، لخالد عامري أصل (2015م)؛ لقد تناول الباحث أنواع المضامين الاجتماعية المطوية في ديوان الشاعر. ورسالة دراسة الحکمة في شعر عبد الرزاق عبد الواحد، لسعاد سيلاوي (2016م)؛ ولقد تناولت الدراسة أهم المضامين الحکمية الموجودة في أعمال الشاعر. ودراسة الالتزام في الشعر العراقي المعاصر: عبد الرزاق عبد الواحد أنموذجا، ليوسف غرباوي (1395ﻫ.ش)؛ لقد قام البحث ـ بعد عرض إشارة إلى موضوع الالتزام في الأدب العربي ونشأته التاريخية وتحليل نماذج مختلفة من أشعار الشعراء المعاصرين ـ بدراسة الخصائص الشعرية للشاعر عبد الرزاق عبد الواحد ثم دراسة أنواع الالتزام في شعره من الالتزام السياسي والاجتماعي والديني. وکذلک رسالة دراسة الرموز الدينية ونقدها في شعر الصابئة المندائيين في قرني العشرين والواحد والعشرين: عبد الرزاق عبد الواحد ولميعة عبّاس عمارة، لحسین عباسى اصل (1440ﻫ)؛ هذه الرسالة قامت بدراسة أنواع الرموز الدينية المستخدمة في أشعار الصابئة المندائيين في قرني العشرين والواحد والعشرين، خاصة أشعار عبد الرزاق عبد الواحد ولميعة عباس عمارة. ولکن في مجال البنية الإيقاعية للقصيدة، لم یصدر حتی الآن أي بحث، بذلک يکون هذا البحث جديدا.
2. نبذة عن حياة عبد الرزاق عبد الواحد ومکانته الأدبية إن «الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد (1930 - 2015م)، عراقي من مواليد عام 1930م في قلعة صالح في محافظة العمارة بجنوب العراق، وهو شاعر معروف من أهل بغداد، لُقِّب بـ"شاعر أم المعارک" أو "شاعر القادسية" (القروي، د.ت). تخرَّج الشاعر من دار المعلمين، کلية التربية، عام 1952م، وعمل مدرسا للغة العربية في المدارس الثانوية. عمل عبد الرزاق عبد الواحد مديرا لتحرير مجلة صروح السورية. وجدير بالذکر أنه کان زميلا لروّاد الشعر الحرّ، بدر شاکر السياب، ونازک الملائکة، وشاذل طاقة، عندما کانوا طلابا في دار المعلمين نهاية الأربعينيات من القرن الماضي. لقد کتب الشعر الحرّ أيضا، ومال إلى کتابة القصيدة العمودية العربية بضوابطها (المصدر نفسه). کان الشاعر صابئي المذهب أو المندائية، وقد کتب هو «في العدد الرابع من مجلة صروح السورية بحثاً مطولا عن هذه الديانة؛ إذ شرح فيه أصولها والجواهر اللاهوتية التي تعتبر أساسيات هذه الديانة وتاريخها، کما شرح في البحث العقائد التي يستند عليها هذا الدين کالعقيدة في اللّٰه، والعقيدة في النبوة، وأخيرا العقيدة في الموت والحياة الأخرى، والجنة والنار» (غرباوي، 1395ﻫ.ش، 71)؛ ورغم اعتناقه بهذا المذهب، نظم قصائد طوالا «في حب أهل البيت عليهم السلام کالإمام الحسين والإمام علي عليه السلام، فکان ملتزما في أدبه تجاه هذه النجوم التي لا تزال تشعّ في سماء الإنسانية» (المصدر نفسه، ص 117). وعند سؤال قدمه برنامج إضاءات على قناة العربية حول هذا الموضوع، أجابه الشاعر: علاقتي بالحسين عليه السلام کعلاقتي بالعمارة؛ فأنا ولدتُ في بغداد وبعد سنتين ونصف، انتقلت عائلتي إلى العمارة عشت بين شبکات الأنهار والأهوار والريف العماري، وهذا غذائي الشعري کان تکوين الشعري الأول، وکنت أعايش مواسم عاشوراء بطفولتي بکل جوارحي، بحيث رسخت في أعماق أعماقي، الحسين عندي النموذج، نموذج البطل الذي أنتمي أن أموت على غراره، أقول عن هذا الرجل العظيم في مسرحية الرياحي، بأنه رکب خلف الموت وأمسک الموت بيده ومات، وأقول ما معناه أنّ کل إنسان يموت بوق محدد، لکن هناک فرق بين من يمسک موته بيده وبين من يرکض وراءه الموت ويمسکه ... فهو أمسک موته بيده (عبد الواحد، 2012م). و«حين سأله المقدم: کم قصيدة کتبت في الإمام الحسين عليه السلام؟ قال الشاعر: کل دواويني مليئة، کل قصيدة تصعد صعوداً يطلع بها نسق الحسين وأحکي معه داخل القصيدة» (عامري أصل، 2015م، ص 81). ويقول الشاعر العراقي فالح نصيف الحجية في الجزء الرابع لکتابه الموجز في الشعر العربي عن أسلوبه الشعري: «إن الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد يتميز بأسلوبه القريب من شعر المتنبي. في فخره ومدحه ذو حنکة شعرية فذة وأسلوب شعري يميل إلى قوة الشاعرية والبلاغة غير المقصودة، بحيث تجعله من أوائل الشعراء المعاصرين في قصیدة عمود الشعر في العربیة» (القروي، د.ت). «وقد صدر له ما يزيد على الستين مجموعة شعرية، منها عشر مجموعات شعرية للأطفال هي أعز شعره عليه کما يقول، ومسرحيتان شعريتان من أشهر أعماله الشعرية: مسرحية الحر الریاحي المعروفة، وملحمةالصوت، ودیوان القصائد،ومجموعة قمر في شواطئ العمارة، ودیوان في مواسم التعب وزبیبة والملک،وهو عمل شعري بين الرواية والمسرح. ترجم العديد من أعماله إلى لغات عالمية، منها الإنجليزية، والفرنسية، والألمانية، والفنلندية، واليوغوسلافية، والروسية، من قبل مترجمين مقتدرين لهم وزنهم في الترجمة والخبرة الأکاديمية، وکان أهم من ترجم له البروفيسور جاک برک إلى الفرنسية والدکتورة سلمى الخضراء الجيوسي إلى الإنجليزية، وترجمت أربعة آلاف بيت من شعره إلى اللغة المکدونية تهيئة لمنحه إکليل ستروکا العالمي. حصل على أوسمة وجوائز عالمية عديدة في الأدب من جهات ومؤسسات عالمية منها، وسام بوشکين في مهرجان الشعر العالمي بطرسبرغ (1976م)، درع کامبردج وشهادة الاستحقاق منها (1979م)، ميدالية القصيدة الذهبية في مهرجان ستروکا الشعري العالمي في يوغوسلافيا (1986م)، الجائزة الأولى في مهرجان الشعر العالمي في يوغوسلافيا (1999م)، وعدد آخر من الجوائز والأوسمة المهمة في العراق والبلدان العربية والعالمية» (عامري أصل، 2015م، ص 17 -18). «ولقد توفي في العاصمة الفرنسية، باریس صباح يوم الأحد 26 محرم 1437ﻫ/ 8 تشرين الثاني 2015م، عن عمر ناهز 85 عاما» (الخفاجي، 2015م، ص 185).
3. نظرة إلى قصيدة في رحاب الحسین وقيمتها «تتکون القصيدة من 59 بيتا على روي مجهور. وهي قصيدة وجدانية نابعة من وجدان الشاعر وضميره، مثلت لديه إحساسا برکانيا کان لابد له من أن يثور ليرمي حممه على کل من أجزاء القصيدة، لتصف خصال ومآثر وصفات هذا الثائر المعجز الذي لا يحده وصف أو تصفه کلمات» (المصدر نفسه، ص 184 - 185). یقول الخالدي: والحسین في قصیدة عبد الرزاق عبد الواحد رمزا قد اغتنی بدلالات افتقرت إلیها قصائد الشعراء العرب الذين سبقوه بما فیهم الجواهري. فإذا کان تشبیه الحسین بالمنار والملاذ قد ورد في صور الشعراء ما قبل عبد الواحد فإن وصف الحسین بالسلام والدلیل وصلة الجبین ولألآء الشمس وسنا کربلاء ومن ضجعت بأضلعه الکبریاء، فإن تلک الأوصاف تُعدّ ملحما إبداعیا جدیدا لعبد الرزاق عبد الواحد ومنجزا شعریا للقصیدة الحسینیة المعاصرة. وبهذا فإن عددا من شعراء القرن العشرین ما بعد الجواهري قد ابتعدوا عن ثوابت القصیدة القدیمة في بکائها وطبیعة حزنها ودلائلها الملموسة، کتذراف الدموع ولطم الخدود والاتشاح بالسواد. تلک المعالم التي دأبت علیها القصیدة العربیة ورافقتها أکثر من 14 قرنا حتی مجيء الجواهري والرعیل الذي بعده وقد خطت القصیدة العربیة الحسینیة خطوة أبعد حینما طرقت القضیة الاجتماعیة والسیاسیة الراهنة، کما لدی عبد الرزاق عبد الواحد. فالحسین في میمیة عبد الرزاق عبد الواحد کان محورها وفلکها الدائر (د.ت، ص 86 - 87). «فهو نص کامل من النصوص التي تبرهن على صياغة اللغة وبناء صور أسلوبية من مادة لغوية تصل المتلقي» (الخفاجي، 2015م، ص 184). «نفس الشاعر العاشقة للحسين عليه السلام اجتذبت کلماته وجعلتها بهذا النسق الذي يصعب على غيره أن ينسج مثله. فنفس الشاعر العاشقة لم تنظر للحسين عليه السلام من نافذة الوصف، ولا من نافذة التعاطف، ولا من نافذة التاريخ، ولا من نافذة الانتماءات الصادمة للإنسانية، بل نظرت نفسه إلى معشوقه من نافذة العشق فمسحت بکلمات القصيد عن جبينها ما علق بإنسانية الإنسان من غبار الظلم والجور، فالحسين عليه السلام ليس اسما لشخص، بل هو عنوان لهوية الإنسانية، عنوان يکشف عن حقيقة لا يجد لها العلم الحديث تفسيرا مقبولا على الرغم من کلّ ما وصل إليه من نتائج هائلة في أبحاث الجينة الأنانية» (السراجي، د.ت). 3ـ1. الإيقاع لغة إن استقراء دلالات الفعل "وقع" في المعاجم العربية القديمة لا يخرج عن المعنى الاصطلاحي الذي شاع في الکتب الحديثة، فقد جاء في معجم النقد العربي القديم: «الإيقاع لغة: الميقع، والميقعة: المطرقة، والإيقاع من إيقاع اللحن والغناء، وهو أن يوقع الألحان ويبينها» (2001م، ج 1، ص 119). وجاء في المعجم الوسيط: الإيقاع هو اتفاق الأصوات وتوقيعها في الغناء (2004م، ص 1050). وورد في تهذيب اللغة: الإيقاع لغة: الميقع، والميقعة: المطرقة والإيقاع من إيقاع اللحن والغناء، وهو أن يوقع الألحان (2001م، ج 3، ص 38).
3ـ2. الإيقاع اصطلاحا الإيقاع اصطلاحا «حرکة الأصوات المنظمة داخل الدائرة الوزنية ومن الدوائر التي تؤلّف إيقاع القصيدة أو موسيقاها في شکل للحرکة متصور التنظيم» (الرباعي، 1998م، ص 177). وجاء في المخصص: أن «الإيقاع حرکات متساوية الأدوار لها عودات متوالية» (2001م، ج 13، ص 10). ويعرفه محمد صابر عبيد بأنه «توافق صوتي بين مجموعة من الحرکات يؤدي وظيفة سمعية، ويؤثر من يستجيب له ذوقيا، وهذا التوافق قد ترتضيه أذن دون أخرى» (2011م، ص 90). نلاحظ أن المعنى المشترک بين هذه التعاريف أن الإيقاع يوحي بمعنى التناوب والتتابع الذي يقع وفق نظام ثابت بين الأشياء أو الأحداث ويثير إحساس المخاطب والتذاذه وتنعمه. 3ـ3. أنواع الإيقاع ينقسم الإيقاع إلى قسمين: 3ـ3ـ1. الإيقاع الخارجي الإيقاع الخارجي لأي نصّ شعري يتمثل في الوزن العروضي وما يضمنه من زحافات وعلل ذات الأثر في إيقاعية الأبيات الشعرية، کما يتمثل بالقافية التي تحمل تحت طياتها مدلولات عميقة من خلال حرف الروي وحرکته. فیما یلي، نقوم بتعریف المصطلحات المندرجة تحته ثم تطبیقها علی قصیدة الشاعر. * الوزن: «الوزن مفتاح القصیدة فهو یضطلع بمهمة تحقیق الإیقاع الجمالي لموسیقاها» (آلوجي، 1989م، ص 153). إن الوزن في شکله الأساسي المجرد «هو الوعاء أو المحيط الإيقاعي الذي يخلق المناخ الملائم لکل الفعاليات الإيقاعية في النص، وهو في ذلک کالأرض الصالحة للزراعة التي لا تکتسب شکلها إلا من خلال النوع المزروع فيها» (عبید، 2011م، ص 8). و«هو القالب الموسیقي للأفکار والعواطف، وهو جزأ لا یتجزأ من تجربة الشاعر فلا یمکن الفصل بینه وبین الموضوع، فهو لا یقوم بنفسه کما أن جمالیة الموضوعات لا تکتمل دون الاعتماد علیه»(العشماوي، 1994م، ص 229). لقد استخدم الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد البحر الصافي[2]، أي المتقارب في القصيدة، و«هو من البحور التي ترد فیه تفعیلة "فعولن" ثمان مرات» (ابن رشيق القيرواني، د.ت، ج 1، ص 136). وهذا من البحور التي يطرأ عليه زحاف واحد وثلاث علل، أي زحاف القبض "فعولُ"، وعلة الحذف "فَعُو"، وعلة القصر "فَعُولْ"، وعلة البتر "فَعْ". لکن الشاعر استخدم بحر المتقارب التام فيها، ومن الزحافات زحاف القبض، ومن العلل علة الحذف فقط، حيث إن تفعيلة "فعولن" من حيث کمية تواترها 303 مرة تشکل 80% من أبيات القصيدة، وتفعيلة "فعولُ" 151 مرة 40% من أبيات القصيدة، وتفعيلة "فعو" 79 مرة 20% من أبيات القصيدة. وقد وفق عبد الرزاق في اختيار البحر، فهو «بسيط النغم، مضطرد التفاعيل منساب طبلي الموسيقى ويصلح لکل ما فيه تعدد للصفات وتلذذ بجرس الألفاظ وسرد للأحداث في نسق مستمر»(المجذوب، 1970م، ج 1، ص 312)؛ إذ نرى لأبياته تلاحما وإیقاعا سلسا مع المضمون تنساب فیه الحرکة وتتلاءم مع انطباعات نفسه الحزينة وأحاسيسه، إضافة إلى ما يستخدمه الشاعر من اللغة السهلة المرنة في قالب الشعر العمودي، مما يضفي أعمق تأثير على وجدان المخاطب وتشرکه في هذا الحزن العميق. وهذا طبيعي؛ لأن الشاعر يقف في ساحة معشوقه حسيرا أسيرا کما يقول، طالبا عفوه:
(2010م، ص 172). فهذه الحالة تتطلب استخدام ألفاظ تتلائم مع مکانة المعشوق والقصيدة رثائية. والرثاء يقتضي استعمال ألفاظ تُعبّر عن حزن الراثي وانکساره أمام الفاجعة التي ابتلي بها. فالهدوء يطغى على کل أبيات القصيدة. رغم ذلک، يبدو أن الشاعر ما استطاع أحيانا أن يمتلک نفسه ويصخب تارة أمام هذه الفجائع الطارئة على سبط النبي ويلجأ إلى إيجاد حرکة وانفعال وصخب يوجد حشدا صوتيا صاخبا لبناء تفعيلات الوزن، فينعکس على الجانب الإيقاعي لشعره وتحدث حالة من الجلبة والضجيج المنبعث من الأصوات المزمجرة، الأمر الذي يخرج الوزن عن مألوفه ذي النغم البسيطة، من ذلک قوله:
(المصدر نفسه، ص 178).
(المصدر نفسه، ص 182). کما نرى في الأبيات، أن الصورة المصورة لحالة غضب الشاعر والثأر انعکست على أبيات القصيدة؛ إذ إن الشاعر حشد الأصوات المجهورة، أي "الهمزة"، و"الراء"، و"النون"، و"المیم"، و"العين"، و"الغين"، حيث شکّلت ألفاظا وتراکيب استطاع الشاعر بواسطتها أن يرفع من الأثر الصوتي للوزن المتقارب. فکلمات "أحجمت"، و"لم أحجم"، و"لم أنتظرهم"، و"انتزعت"، و"شداد"، و"لم نشکم" تدل خير دلالة على هذا المعنى. * القافیة: «القافیة مجموعة أصوات في آخر الشطر أو البیت، وهي کالفاصلة الموسیقیة یتوقّع السامع تکرارها في فترات منتظمة. ولولا القافیة لفقدنا جانبا من جمال الموسیقی الشعریة، فهي کضربات الناقوس المؤذنة بانتهاء معنی معین أو فکرة معینة» (خلوصي، 1977م، ص 220). «وحلاوة قوافي الشاعر هي التي تمنح القصیدة کلها جمالا خاصا. ومتی استطاع الشاعر أن یسیطر علی القوافي سیطرة دقیقة تمکن من تملک ناصیة النظم الأصیل دون منازع» (المصدر نفسه، ص 224). إذا نظرنا إلی أبیات قصیدة الشاعر نجد أنه استخدم القافیة المطلقة، و«هو الذي یکون رویّها متحرکا» (المصدر نفسه، ص 217). فالقافیة المطلقة تکون أوضح في السمع وأشد أسرا للأذن؛ لأن الروي فیها یعتمد علی حرکة بعده. قد تستطیل في الإنشاد وتشبه حینئذ حرف مد (أنیس، 1999م، ص 281). وحرکة الروي هنا الکسرة الممدودة، و«هو صوت مجهور لا هو بالشديد ولا الرخو، بل مما يسمَّى بالأصوات المتوسطة» (المصدر نفسه، ص 48). کما نرى أن الشاعر استخدم القافية المتدارکة في بعض الأبيات، و«هو أن يکون القافية ذات السکونين المفصولين بحرکتين» (خلوصي، 1977م، ص 269). في البيتين التاليين، نرى نموذج هذه الطريقة:
(2010م، ص 174 - 175). إن الساکنين اللذين يُنتَجان من إشباع الکسرة الموجودة في آخر الکلمتين "يُعْصَمِيْ" و"بُرْعُمِيْ" قد فصل بينهما الحرفان المتحرکان "صَمِ" و"عُمِ"؛ وهذا أحدث جمالا ورونقا بديعا في أبيات القصيدة. ومما يثبت حرص الشاعر على شدة الإيقاعية مراعاة التجانس الصوتي والوزني بین بعض کلمات القوافي. منها التجانس الصرفي والوزني بين الکلمتين "أحتمي"، و"أنتمي" في البيتين التاليين:
(المصدر نفسه، ص 163). ومنها أن أکثر الصيغ التي أکثر الشاعر من استخدامها في القافية صيغة "أَفعَل"، کـ"الألأم"، و"الأکرم"، و"الأقوم"، و"الأرحم"، و"الأشهم"، و...، نظرا لقوة الوصف فيها بالنسبة لباقي المشتقات، تأکيدا على مکانة الإمام الحسين المتميزة لدى المتلقي وصيغة جمع التکسير کـ"أفعُل"، کـ"أنجُم"، و"الأسهُم" و...:
(المصدر نفسه، ص 175).
(المصدر نفسه، ص 173). فلفظا "الأرحم" و"الأکرم" أحدثا نسقا صوتيا اقتضته طبيعة الخطاب. فناسب ذلک أن يبني قوافيه بشکل يوحي بالفخامة الإيقاعية الدالة على شأن المخاطب ومکانته. «فاللغة بلحاظ نظامها العلامي لها القدرة على أن تعبر عن نفسها بنفسها والنظام الصرفي زاخر بالطاقات التعبيرية والإيحاءات الصوتية والدلالية، الأمر الذي جعل الشعراء يحرصون على الاستفادة من البنية الصرفية في رفع طاقة الإنجاز الصوتي والدلالي لنصوصهم الشعرية ولا سيما في نهايات الأبيات أو القوافي التي تمثل قمة النغم وذروته» (قاسم، 2002م، ص 125). وجدير بالذکر أن هذه الموسیقی قد تسبب أن يسوغ الشاعر لنفسه ما لا يُسوَّغ، منها التضمين في البيتين التاليين. وهذا من أجل الصلة بين الأبيات وتوفير تلاحم منسجم في المعنى، وإن کان عيبا. ومنه البيت التالي، حيث جاء خبر المبتدأ "الموت" في البیت القادم، أي القدر المبرم، وفصل بينهما ضمير "هو":
(2010م، ص 174). «وهذا طبيعي؛ لأن الشاعر يريد الانتباه إلى فاجعة الإمام الحسين عليه السلام ومواقفه وخصاله وتصوير مدى الحبّ والتعلق بهذا الإمام العظيم. کان لهذه الواقعة أثر کبير في قصيدة الشاعر، فهي من فجّر في داخل هذا الشاعر کل الأفکار والمعاني التي تراها متسلسلة متتالية، وکأنها لا يمکن حصرها ولا يمکن أن نحدها» (الخفاجي، 2015م، ص 192 - 193). * حرف الروي: «يمثل صوت الروي رأس الهرم الموسيقي للبيت الشعري، وباب الدخول إلى باحة النص الإيقاعية والشيفرة التي إن استطاع أحد فکّها کان أولج من غيره إلى مکامن الشاعر النفسية وعالمه الخاص. فعنصر التطريب والإثارة کامن فيه، ولايعني ذلک أن صوت الروي يمتلک قدرة فردية على أن يتصف بالحزن أو بالفرح، ولکن التضافر الصوتي للأصوات التي تسبق الروي تسهم في تأزيم الموقف وشد الأذهان وصولا لصوت الروي الذي يفضح ذلک التأزم المفتعل»(العشماوي، 1967م، ص 337). إن الشاعر عبدالرزاق قد بنی رويّ قصیدته علی حرف "المیم" التي «تضارع اللام في حلاوتها وسهولتها» (المرشد،1970م، ج 1، ص 69)؛ «وهو من حروف الذلاقة، فمن خصائصها قدرتها على الانطلاق، من دون تعثر في تلفظها ولمرونتها وسهولة النطق بها کثرت في أبنية الکلام. وزاوج دلالة إظهار الألم بصفته القوية المجهورة، فضلا عن اقترابه من أصوات المد بانطلاقه الهوائي، لذا يسمَّى شبه علة» (عمر، 1976م، ص 100)، الانطلاق الذي هيأ له العلو والارتفاع لإظهار المدلول المتسارع والمزدحم في خلجات الشاعر. ولکي تتضح دلالة الانکسار بشکل جلي، جعل قافية النص محرکة بالکسر؛ «لأنه يحقق مستوى من الانقياد يهبط بصوت الکلمة، موقعا أثرا موسيقيا واضحا خصوصا في الأصوات الواضحة» (عودة، 2011م، ص 43). 3ـ3ـ2. الإيقاع الداخلي يطرح هذا الإيقاع بوصفه مقابلا افتراضيا للإيقاع الخارجي. «لم يقف النقاد القدماء عند دراسة الأوزان الشعرية والقوافي، بل درسوا ظاهرة موسيقية أخرى، وقد أطلقوا عليها الموسيقى الداخلية» (الزبيدي، 1994م، ص 35). يمکننا تعريف الإيقاع الداخلي بأنه النغم الذي يجمع بين الألفاظ والصورة، بين وقع الکلام والحالة النفسية للشاعر» (جيدة،1980م، ص 354). «فليست الموسيقى الخارجية وحدها التي تجعل الرباط قائما بين القصيدة والمتلقي، بل تذهب الدراسة إلى اعتبار عناصر الموسيقى الداخلية أساسية في مد الجسور الرابطة بين المتلقي والعمل الإبداعي الشعري، والارتباط الوثيق في الذهن بين جرس الکلمة ومعناها والحالة هذه تشکّل بعدا جديدا للموسيقى الداخلية» (النجار، 2007م، ص 133). «ينساب الإيقاع الداخلي في اللفظة والترکيب فيعطي إشراقة ووقدة تومئ إلى الشاعر فتحليها وتحسن التعبير عن أدقّ الخلجات وأخفاها» (آلوجي، 1989م، ص 79). وقد جرى عبد الرزاق على سنن غيره من الشعراء في استخدامه للمحسنات، فجاءت عفوية نابعة من صدق تجربته، وهي تزينه بالحسن والجمال. فيما يلي، نقوم بدراسة بعض هذه الجماليات الإيقاعية الکامنة في القصيدة، من أهمها التکرار، والجناس، والتضاد، والتوازي، والتصريع، وغيرها مما له أثر على الإيقاع. * التکرار: «يمکن في الشعر أن يتکرر عناصر کثيرة. فالتکرار زيادة على کونه یؤدي وظائف دلالیة معینة فإنه یؤدي من ذلک إلی تحقیق التماسک النصي، وذلک عن طریق امتداد عنصر من بدایة النص حتی آخره، هذا العنصر قد یکون کلمة أو عبارة أو جملة أو فقرة، وهذا الامتداد یربط بین عناصر هذا النص بالتأکید مع مساعدة عوامل التماسک النصي الأخری» (الفقي، 2000م، ج 2، ص 22). ترى نازک الملائکة أن اللفظ المکرر «لا بد أن يکون وثيق الارتباط بالمعنى العام، وإلا کانت لفظة متکلفة لا سبيل لقبولها» (العنزي، 2017م، ص 176). یقول عمر محمد طالب: إن «التکرار محقِّق علی مستوی البیت وظیفتین في القصیدة: الأولی دلالیة، الشاعر عندما یکرر وحدة معجمیة بنفس اللفظ، فإنه یقصد إلی الإلحاح والتأکید علی عنصر دلالي من عناصر الإرسالیة ونقله إلی المتلقي المباشر» (طبانة، 1986م، ص 217). ولکن «لا بد أن یشکل الشيء المکرر ظاهرة في القصیدة، لکي یکون أثره واضحا في إبراز الإیقاع. قد یکون التکرار واضحا کتکرار جملة أو ترکیب أو لفظة وقد یکون أقل وضوحا کتکرار الأصوات داخل القصیدة، تکرار لفظة معینة أو أسلوب معین ولا سیما أسلوب الاستفهام والتعجب» (يوسف، 2013م، ص 212). نلمح آثار تکرار الحروف بصورة لافتة عند النظر إلى هذه القصيدة، حيث لاءم الشاعر بين الحروف وعمل على تجميع عدد من الأصوات المجهورة والمهموسة في بيت شعري واحد. وکلاهما مرتبط ارتباطا وثيقا بحالة الشاعر النفسية. استخدم الشاعر عبد الرزاق في القصیدة الحروف المجهورة أکثر بکثیر من الحروف المهموسة، حيث کمية تواترها في القصيدة تبلغ 1581 حرفا، أي 74%، مما ينبئ عن النعومة واللطافة والرقة التي تتناسب مع موضوع القصيدة ويوجد تناغما صوتیا ودلالیا مع روي القصیدة. کأنّ شاعرنا یرید الجهر وإعلاء صوته لیسمعه غیره لإخراج ما في داخله من حزن وأسی وحسرة. وذلک لأن الشعر تفريغ لمعاناة الشاعر، يأتي عبر قنوات الأصوات ذات الصفات المتعددة، من جهر أو همس وغيرهما، فيستثمر الأديب ذلک في إخراج الانفعال الشعري بالمظهر الصوتي المتناغم مع المعنى، ومن ثم يقوم الشاعر بتوظيف الصوت لإسناد الدلالة العامة للنصّ. «هذا التناغم الصوتي بين الألفاظ المفردة والمرکبة، لا تتم جماليته الموسيقية إلا بتمام التناسق بين صوت اللفظ ودلالة محتواه». (عباس، 2012م، ص 344). من أکثر الحروف تواترا في القصيدة ـ في مقدمتها ـ حرف "اللام"، حيث کررت 276 مرة في القصيدة، ثم "الميم"، وهو من الحروف المتوسطة ـ فضلا عن تناسبها مع روي القصیدة ـ تنسجم مع معناها وعاطفة الشاعر الحزينة المکسورة وتُعبِّر عما يجيش في مکامن نفسه من لوعة الحزن والأسى؛ من نماذجه البيت التالي، حيث کرر حرف "الميم" سبع مرات:
(2010م، ص 181). أو البيت التالي:
(المصدر نفسه، ص 174). حيث کررت ستّ مرات. ومن بين الحروف المهموسة يأتي حرف "التاء" أکثر من غيرها، حيث يبلغ من التواتر 117 مرة. منه البيت التالي:
(المصدر نفسه، ص 175). ففي هذا البيت، تکرر حرف "التاء" ثماني مرات، وهو «صوت مهموس شديد في تکونه لا يتحرک الوتران الصوتيان، بل يتخذ الهواء مجراه في الحلق والفم بالتقاء طرف اللسان بأصول الثنايا العليا، فإذا انفصلا فجائيا سمع ذلک الصوت محدثا انفجارا صوتيا واضحا، وهذا الانفجار جاء ليتضافر مع صفات مکانة وشجاعة الإمام عليه السلام» (العزازمة، 2014م، ص 523). وکذلک تضافر "الفاء" المهموسة و"الضاد" المجهورة في البيت التالي:
(المصدر نفسه، ص 164). أو اجتماع "الهمزة" و"الألف" في البيت التالي:
(المصدر نفسه، ص 175). فالأوجاع وغصص حادثة کربلاء تأخذ بمجامع نفسه فلا تدعه يهنأ. قد نجح الشاعر في إیجاد الامتزاج والتماسک بین الألفاظ وجو القصیدة، «فبناء الأصوات في الکلمة له ارتباط وثیق مع ظلال المعاني في أنفسها ومع إشعاع المشاعر الوجدانیة المنبثقة عن التجربة الشعریة. ومن التقاء هذین المنبعین، تغنی اللغة وتتکاثف دلالتها ویصبح للصوت دلالة إیحائیة وصدی جمالي في النفس، بل إن أسمی ما یصل إلیه الأدب هو أن یجعل الإیحاء اللفظي من القوة والسیطرة وبعد المدی والحیویة والدقة بمکان عظیم» (حمدان، 1997م، ص 154). من نماذج هذا اللون البيت التالي:
(2010م، ص 172). لقد ورد حرف "السين" المهموس ثلاث مرات، وجاءت "الياء" الممدودة المجهورة التي تدل على الانفعال المؤثر في البواطن، خمس مرات. و«یعمل على توليد نوع من إیقاع مصوت حزین، وهذا مناسب لحالته النفسیة بطلب العفو، وهو یمشي علی هذه الصورة المنکسرة التي یشبهها بالأسیر الذلیل الذي لا حول له ولا قوة والظمآن المنکسر الحسیر، کلها طلبا لنیل شفاعة الإمام علیه السلام عند الله وطلب المغفرة» (الخفاجي، 2015م، ص 191). في أبيات القصيدة، نرى نماذج کثيرة لهذا اللون من التکرار. وعليه فقد تمازجت أصوات القصيدة لتحمل دلالة الحزن والسخط، فکانت دالة على ذاتها بذاتها في بث السخط والحزن والتأسي ...، حيث کان اختيار اللفظ المناسب للصوت المناسب حقلا يانعا في شعره للدلالة الصوتية، حيث يجعل المتلقي يتماشى مع الشاعر ويشترک في فضاء الحالة الذي يعيشه. لکشف دور تکرار الأصوات على مستوى نسيج القصيدة، نورد الجدول الآتي لمعرفة نسبة ترديد الأصوات في القصيدة:
أ ـ جدول تواتر الأصوات المجهورة
ب ـ جدول تواتر الأصوات المهموسة
نتيجة الإحصاء السابق، نجد غلبة الأصوات المجهورة موازنة للأصوات المهموسة، فهو أمر طبيعي في الاستعمال اللغوي والاستعمال الشعري، فهي أقدر وأقوى على حمل الأحاسيس، فهي قناة تنفيسية لمشاعر عبد الرزاق وموصل رنيني قوي للمتلقي. لا ينحصر التکرار عند الشاعر بالأصوات، بل يأخذ أنماطا أخرى، مما يؤثر تأثيرا قويا على نغمية القصيدة ويکسر الرتابة الموجودة في النص؛ منها تکرار الکلمات أو التراکيب. فأما تکرار التراکيب فمن الأشکال البارزة عند عبد الرزاق وتأتي غالبا في سبيل الإلحاح على معنى أو تأکيد فکرة محددة. فهو لا ينقل الأفکار کالتابعين، بل يشطر الکلمات إلى دلالات ولا يصبّ کلامه في مجرى محدد، فهو ينفرد بخصوصية الابتعاد عن الأبيات الشاردة التي يقدمها بين يدي خاصته (الخفاجي، 2015م، ص 184). فـ«تکرار الکلمات يمنح القصيدة امتدادا وتناميا في الصور والأحداث، لذلک يعد نقطة ارتکاز أساسية لتوالد الصور والأحداث وتنامي حرکة النص» (الغرفي، 2001م، ص 84). ومن الکلمات التي أکثر الشاعر من استخدامها في القصيدة کلمة "سلام على"، حيث کرّر هذه الکلمة 11 مرة بشکل استهلالي في بداية الأبيات. وقد أراد الشاعر من خلاله الصلوة علی الممدوحین والعنایة بمقام الامام الحسین وشهداء کربلاء، مما أعطی الأبیات توازنا موسیقیا جميلا:
(2010م، ص 174 - 176). ومنه البيت التالي، حيث کرر الشاعر لفظة "نجما" مرتين حتى يعمق المعنى في نفس المتلقي، مما يتناسب مع موضوع القصيدة الذي يسعى الشاعر فيها إلى تخليد حماسة الإمام الحسين في المخاطب فيشعر المتلقي بذلک، وکأنه يعيش هذه اللحظات والأحاسيس مع الشاعر:
(المصدر نفسه، ص 174). کما نرى أنّ الشاعر حاول أن تکون قصیدته موسیقیة. ولقد وفق توفیقا أيضا في هذا المجال. منه إیجاد الامتزاج والتجانس الحرکي بین حرکات أواخر الکلمات المبدئیة والکلمات التي تلیها، أي الموافقة بین الصوت الآخر والصوت الأول من الکلمة المجاورة لها، مما أحدث نغما صوتیا جميلا في القصيدة وأدى إلى حلاوة النغمة الشعرية وجمالها. ففي البیت التالي ـ فضلا عن تکرار حرف "التاء" ـ قد تجاورت حرکة الفتحة الموجودة في أواخر الکلمات مع حرکة أول الکلمات الذي جاء بعدها، مما أدّی إلی إيجاد نغمة صوتیة جمیلة في أبيات القصیدة:
(المصدر نفسه، ص 175). ونظیرها في هذه الخصیصة البیت التالي، حیث انتهت الحرکات الإعرابية في أواخر الکلمات بالکسرة، وهذا أحدث جمالا موسیقیا في القصیدة یطرب القارئ ویسبب التذاذه وتنعمه فضلا عن التوافق الصرفي بين الکلمتين "متوجة" و"مخضبة"، والذي يسمى في البلاغة بالتسميط، ويعتبر نوعا من أنواع التکرار، وهو «أن يعتمد الشاعر تصيير بعض مقاطع الأجزاء أو کلها في البيت على سجع أو شبيه به أو من جنس واحد في التصريف والتمثيل» (النجار، 2007م، ص 150):
(2010م، ص 176). ومن نماذج التکرار الصرفي هو تکرار صيغة "فعيل" في الشطر الثاني للبيت التالي، مما أحدث نغمة موسيقية جميلة تنسجم مع جو القصيدة:
(المصدر نفسه، ص 172). وفي البيت التالي، جمع الشاعر بین الکلمات الثلاث "توشک"، و"تنکر"، و"ترخي" في الصيغة الصرفية:
(المصدر نفسه، ص 180). أو البيت التالي:
(المصدر نفسه، ص 175). وکل ذلک من أجل التأثير في النفس بسحر الجرس والصوت لتعزيز معانيه وبث مقاصده وغاياته، فأصوات الشاعر جاءت لتعميق المعنى، فضلا عن التعبير عما يجيش في مکامن نفسه من لوعة أسى وحزن. * الجناس: «الجناس صنف بلاغي يرجع إلى جرس الکلمة وتأليف حروفها وانسجام هذا التأليف في النطق» (سلامة، 1952م، ص 116). ويعرفه السکاکي بقوله: «تشابه الکلمتين في اللفظ» (1983م، ص ٤٢٩). ويبدو جماله في ما يلجأ إليه المجنس لاختلاب الأذهان، «فبينما هو يراک أنه سيعرض عليک معنی مکرراً ولفظاً مردداً لا تجني منه غير التطويل والانقباض والسآمة؛ إذ هو يروق منک فيجلو عليک معنی مستحدثاً يغاير ما سبقه کل المغايرة وإن حکاه في نفس الصورة وذات المعرض فتأخذک الدهشة لهذه المفاجأة السارة اللذيذة التي أجدَت عليک جديداً لم يقع في حسابک، ولا ريبة في أن کل طريف يفجئ النفس ويباين ما کانت تنتظره تتنزى له وتستقبله بالبشری وبالفرح» (الجندي،1954م، ص ٢٩ - ٣٠). «فهو نسق صوتي وضرب من التکرار یراد به تقویة الجرس» (هلال، 1980م، ص 270). والجناس أکثر الألوان البدیعیة أهمیة في تشکیل الإیقاع، فالمتجانستان هما في الواقع إیقاعان موسیقیان یترددان في مساحة البیت الشعري. قد استخدم الشاعر عبد الرزاق هذه الصناعة البلاغية أکثر بکثير في هذه القصيدة خاصة ما يسمّى بالجناس الناقص. «وهو ما توافق فیه اللفظان في الحروف الأصلیة مع الترتیب والاتفاق في أصل المعنی» (الجندي، 1954م، ص 116). وأول ما يطالعنا من هذا النوع من الجناس مطلع القصيدة، حیث اتخذ منه وسیلة لتقویة جرسه ألفاظه:
(2010م، ص 172). في هذا البيت، إن الشاعر جانس بين الکلمات "حسيرا، وأسيرا، وکسيرا"، مجانسة مطلقة بين الحرفين المهموسين، أي "الحاء" و"الکاف"، والحرف الشديد المجهور، أي "الهمزة"، وقرع سمع المتلقي بهذا الجرس. ويسمى هذا بالجناس المضارع؛ وذلک لأن بين الحرفين "الحاء" و"الهمزة" تقارب في المخرج. وهذا جناس بدیع في قصیدة الشاعر؛ لأنه وُفِّق في مراعاة تقارب مخارج الأصوات وحرکاتها. وهذا مما يتناسب مع الجو العام للقصيدة الذي عبَّر فیها عن انکساره وعجزه وشوقه وعشقه إلی إمامه المظلوم الحسین. ومن أکثر أنواع الجناس الناقص شيوعا في قصيدة الشاعر جناس الاشتقاق. وهو «ما توافق فيه اللفظان في الحروف الأصلية مع الترتيب والاتفاق في أصل المعنى» (الجندي، 1954م، ص 114). و«للاشتقاق دور بارز في تقوية رنين الألفاظ. إن هذا التوزیع للألفاظ المتجانسة یعطي حالة من الانسجام والتنغیم الذي ترتاح معه الأذن فهو یحاکي الخیال الحسي للمتلقي ویثیره بالإیحاءات المنبعثة من ذلک التنغیم» (المصلاوي، 1999م، ص 202). في القصیدة نری نماذج کثیرة من هذا النوع من الجناس، منها:
(2010م، ص 176). و:
(المصدر نفسه، ص 178). کما نری أن الجناس جاء في الأبيات ليؤکد صفة مکانة الإمام الحسين. و"معتصم ولم يعصم"، و"ترتقي ومرتقى"، و"تدور ودوائر"، و"أحجمت ولم أحجم"، کلها تجنيسات أسبغت علی العبارة ثراء نغمياً امتزج امتزاجاً مع دلالات ألفاظه. فنجح الشاعر في اشتقاقاته المتمثلة في "معتصم ولم يعصم"، و"ترتقي ومرتقى"، و"تدور ودوائر" نجاحا بارزا حقق من خلالها هالة موسيقية عکست روعة صوتية رائقة مما أوجد مکسبا أسلوبيا بارزا؛ و«هذا النمط التکراري يتحقق معه دفع المعنى إلى النمو تدريجيا ليصل إلى الحد الذي يحسن الوقوف عنده» (عبد اللطيف، 1984م، ص 124). فضلا عن ذلک أن تکرار المتجانسين في الأبيات الثلاثة الأولى خلق صنعة بديعة أخرى يسمى بردّ الأعجاز على الصدور. وهو «بأن يکون أحد اللفظين المکررين أو المتجانسين أو الملحق بهما في أول الفقرة والآخر في آخرهما» (القزويني، 2004م، ص 399). وهذا يدل على مقدرة الشاعر الفنية وسعة مخزونه اللغوي وقدرته البارعة في التوليف بين الکلمات غير أن يتکلف في هذا الامتزاج ويتعب نفسه؛ واللّٰه أعلم. * التصریع: «يعد التصريع من أبرز الظواهر الإيقاعية في الشعر العربي العمودي قديمة وحديثة. فالتصريع مأخوذ من المصرعين اللذين هما باب البيت الشعري والتصريع في الشعر نهاية الشطر الأول مشابهة لنهاية الشطر الثاني» (ابن رشيق القيرواني، د.ت، ص 173). یساهم التصریع في إضفاء موسیقی شعریة البیت ویؤثر في المتلقي الذي یعجب بقصیدة دون أخری لإیقاعیة أبیاتها. قد استغلّ الشاعر عبد الرزاق هذا التشکیل الفني في قصیدته هذه، حیث لاءم بین الکلمات في الوزن والتقفیة وأحدث توازنا صوتیا واضحا بینهما لینتج تکرار الوحدات الصوتیة إیقاعا خاصّا في القصیدة. ولقد تجلى هذا النوع في القصيدة في قول الشاعر:
(2010م، ص 175). ففي هذا البيت، التصريع حاصل بين الکلمتين "الحُوَّمِ والمضرمِ"، حيث تشترک کلمة العروض "الحوَّمِ" مع کلمة الضرب "المضرمِ" في حرف الروي، أي "الميم" وحرف الوصل، أي "الياء" الناشئة عن إشباع کسرة الروي وفي حرکات القافية "المجرى والإشباع". ومنه البيت التالي:
(المصدر نفسه، ص 181). ففي هذا البيت، جاء التصريع بين الکلمتين "مقدمي" و"العلقم"، وکلاهما ينتهيان بحرف "الميم"؛ ومن خلاله، استطاع الشاعر أن يخلق تناغما موسيقيا يلفت انتباه القارئ. * التوازي: یحتل التوازي مرکزا مهما في بنیة الخطاب الشعري، و«هو یعني تکرار البنیة الترکیبیة مع ملئها بمحتوی مختلف فیعاد استخدام سلاسل متشابهة تقدم من خلالها أحداث متنوعة» (بحيري، 1997م، ص 131). وقد عرفه ياکبسون[3] بأنه «متوالیان متعاقبان أو أکثر لنفس النظام الصرفي ـ النحوي المصاحب بتکرارات أو اختلافات إيقاعية وصوتية أو معجمية دلالية» (1988م، ص 108). «إن التوازي بصفته التکراریة قادر علی إحالة الأبنیة الصرفیة والتراکیب النحویة إلی وحدات وزنیة ترتبط بالبناء الصرفي وتؤدي عملا دلالیا یمکن اکتشافه بقوة الحدس وتحمّل النص قیما أسلوبیة ذات طابع إیقاعي وترنمي یمکن الوقوف علی مقاصده من خلال آلیة التأویل المنطقي والتي غالبا ما یستعملها المحلِّل الأسلوبي» (عبد اللطیف، 1984م، ص 196 - 201). إذا نظرنا إلى أبيات القصيدة نرى أن الشاعر استخدم صنعة التوازي بشکل بارع في الأبيات مما يکشف عن مقدرته الفنية، منها الأبیات التالیة:
(2010م، ص 173). في هذه الأبيات، حاول الشاعر أن يقيم التوازن بين الأبيات، فقام بشکل متوازن بین عبارة "ومذ کنت طفلا" في الأشطر الثلاثة و"الحسین" المکررة في الأشطر الأولی للأبيات الثلاثة و"رأیت"، و"وجدت"، و"عرفت" في الأشطر الأولی و"منارا"، و"ملاذا"، و"رضاعا"، و"إلی ضوئه"، و"بأسواره"، و"و للآن لم" في الأشطر الثانیة. و"أنتمي"، و"أحتمي"، و"أفطم" في الأبيات الثلاثة. وهذا قد أدی إلی تواز ترادفي في الأفعال "وجدت"، و"عرفت"، و"رأيت" الثلاثة في المعنی أيضا. قد کشف الشاعر في توظيف هذه الجمل؛ سواء على المستوى النحوي أم على المستوى الدلالي عن مقدرة إبداعية؛ إذ إن الجمل المتوازية متماثلة تقريبا في الترکيب في البيتين الأولين (ظرف زمان + فعل ناقص ماض + اسمه + خبره + فعل ماض + فاعل + مفعول به)، في الشطر الأول، و(حال + حرف جر + مجرور + مضاف إليه + فعل مضارع) في الشطر الثاني. أما على المستوى الدلالي فقد استخدم في الأبيات الثلاثة أفعال اليقين، أي "رأيت"، و"وجدت"، و"عرفت"، إضافة إلى الإتيان بالکلمات "ملاذا"، و"منارا"، و"رضاعا" منونةً رمزا إلی فخامة مکانة الإمام الحسین، مما أحدث ترابطا وتماسکا وإيقاعية تشد المتلقي ويخلق توافقا نغميا متسقا في الأبيات، فضلا عن توازي الطباق الموجود بين کلمات القصيدة. ومنه أیضا البيت التالي:
(المصدر نفسه، ص 180). إنّ التضاد الموجود بين الکلمات "خشوع"، و"جوع"، و"ناطق"، و"أبکم" أحکم النغمة المتساوية تنافرا وتجاذبا عبر التقفية الداخلية؛ فضلا عن ذلک، فقد استعار الشاعر کلمة "جوعک" بدلا من السکوت، وهذا أیضا خلق جمالا نصيا بديعا في القصيدة. * التضاد: کان نصیب الطباق من الإیقاع الداخلي وافرا، وهو کما یعرِّفه البلاغیون: «جمعک بين الضد في الکلام، أو في بيت من الشعر وتعددت مسمياته في کتبهم فهو المطابقة، التطابق، التضاد، التکافؤ» (عبد الجليل، 2002م، ص 521). ومن هنا، فالطباق «يرتبط بالمعنى في إحداث المفارقة التصويرية التي يبتغيها الشاعر ويساهم تکرار الألفاظ في إبراز القدرة الموسيقية للطباق. وتأتي أهمية التضاد من کونه يشکل عنصر المخالفة وهذه المخالفة تغدو فاعلية أساسية يتلقاها القارئ عبر کسر السياق والخروج عليه، فالتضاد بصيغه المختلفة يمثل أسلوبا يکسر رتابة النص وجموده بإثارة حساسية القارئ ومفاجأته بما هو غير متوقع من ألفاظ وعبارات وصور ومواقف تتضاد فيما بينها لتحقِّق في النهاية صدمة لقارئه ولعل التضاد من أکثر الأسايب قدرة على إقامة علاقة جدلية بين النص والقارئ من جهة أخرى» (الحيصة، 2011م، ص 82). من خلال دراستنا للقصيدة، لاحظنا أن التضاد قد ورد کثيرا بين جماليات الإيقاع الداخلي، وله أثر في إحداث جرس موسيقي من خلال انسدام الألفاظ وتناغمها في ترکيب النص ويلعب دورا أساسيا في تفريض انفعالات الشاعر وأحاسيسه. فقد نوَّع أشکال التضاد في القصيدة ولا يقتصر على شکل واحد، فيستعمل تارة صيغا اشتقاقية وتارة يوظف التضاد الدلالي بين الکلمات، منه البیت التالي:
(2010م، ص 178). ففي هذا، خلق التضاد بين الکلمات "خشوع"، و"جوع"، و"ناطق"، و"أبکم" تناغما موسيقيا وتقابلا معنویا جميلا في النص، ومنه البیتان التالیان:
(المصدر نفسه، ص 178). في هذين البيتين، قد أوجد الشاعر بين الکلمتين "لجمت"، و"لم تلجم"، و"أحجمت"، و"لم أحجم" تقابلا جميلا، حيث خلق إيقاعا موسيقيا آخر ينتج من تکرار الکلمة في بداية شطر ثم في نهاية شطر آخر، مما یسمّی ردّ الأعجاز علی الصدور. في قصيدة الشاعر، نرى نماذج کثيرة لهذه الصنعة. ومما يثير انتباه القارئ أن الشاعر استخدم هذا الفن في مکانه اللائق في الموضع الذي أراد به أن يثبت للقارئ المقام الشامخ للإمام وأنصاره من الحرّ الرياحي الذين لا يمتنعون عن سبيل تحقيق أهدافهم السامية ويفدون کل ما في أيديهم ويهتکون الظلام والکفر والظلم ويصبحون أنوارا مشعّة على کل الجهات، والذين لا يتخاذلون أمام الموت والذل. قد وفق الشاعر في الترابط النغمي والدلالي بين الأبيات توفيقا. الأبيات التالية خير مثال على هذه البراعة:
(المصدر نفسه، ص 173). و:
(المصدر نفسه، ص 174).
الخاتمة من خلال دراستنا للقصيدة، تبین لنا أن الشاعر قد وفق في إبداع قصيدة بارعة جميلة تثير وجدان المتلقي ويشرکه في هذا التأزم والقلق النفسي الذي تعيشه نفسه، کأنه يعيش مع الشاعر ويسير معه، وذلک قيد الدقة والمهارة التي استعملها في هذا الأثر. من خلال قراءة عابرة لدى المتلقي الأديب، یرتسم سیطرة الجمال الإيقاعي على الأبيات. فهناک تناسب وائتلاف تام بين الأصوات والوزن انتهاء بالروي مع موضوع القصيدة، بحیث لا نرى نشازا بينها. وبما أن القصيدة رثائية حزينة فقد استخدم الشاعر وزنا رقيقا ورويا سهلا بحرکة مکسورة ترسم الحزن وما في بواطنه بشکل بارز عن مقام إنساني شامخ. فالکلمات وکل أجزاء القصيدة تدل بذاتها على المعنى. ففي تکرار الحروف المجهورة والمهموسة والتضاد والتوازي إيقاع معنوي خاص يعبر عن المعنى المکنون في نفس الشاعر؛ وهکذا الأمر عن جمال التجانس الإيقاعي بين الکلمات. فإن الشاعر استطاع أن یمتلک زمام المعاني وخلجات نفسه، بحيث إن التجانس يسير مع مکنونات نفس الشاعر. بما أن الشاعر کان من رواد الشعراء المتميزين في العصر، ففي هذه القصيدة قلما نرى سيطرة القديم، وذلک ينبئ عن مقدرة الشاعر عن التوليف بين الألفاظ والمعاني، إضافة إلى أن القصيدة رثائية، وهذا يتطلب استخدام ألفاظ سهلة رقيقة تعبر عن کوامن وجود الشاعر أدق تعبير. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مراجع | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
أ ـ العربية آلوجي، عبد الرحمن. (1989م). الإيقاع في الشعر العربي. دمشق: دار الحصاد للنشر والتوزيع. ابن رشيق القيرواني، أبو علي الحسن. (د.ت). العمدة في محاسن الشعر آدابه ونقده. تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد. د.م: دار الرشاد الحديثة والدار البيضاء. ابن سیدة، أبو الحسن علي بن إسماعيل. (د.ت). المخصص. بيروت: دار الکتب العلمیة. الأزهري، أبو منصور محمد بن أحمد. (2001م). تهذيب اللغة. تحقيق محمد عوض مرعب. ط 2. بيروت: دار إحياء التراث العربي. أنيس، إبراهيم. (1999م). الأصوات اللغوية. ط 5. القاهرة: مکتبة الأنجلو المصرية. ــــــــــــــ ؛ وآخرون. (2004م). المعجم الوسیط. ط 4. القاهرة: مکتبة الشرق الدولیة. بحيري، سعيد حسن. (1997م). علم لغة النص: المفاهيم والاتجاهات. القاهرة: الشرکة المصرية العالمية للنشر والترجمان. بزيو، أحمد. (2017م). الإيقاع الموسيقي في الشعر الثوري: مفدي زکريا نموذجا. أطروحة الدکتوراه. جامعة الحاج لخضر. کلية اللغة والأدب. الجندي، علي. (1954م). فن الجناس. القاهرة: دار الفکر العربي. جيدة، عبد الحميد. (1980م). الاتجاهات الجديدة في الشعر العربي المعاصر. بيروت: مؤسسة نوفل. حمدان، ابتسام أحمد. (1997م). الأسس الجمالية للإيقاع البلاغي في العصر العباسي. مراجعة وتدقيق أحمد عبد اللّٰه فراهود. حلب: دار القلم العربي. الحيصة، محمد خالد عواد. (2011م). البناء الفني في شعر عمر أبو ريشة. رسالة الماجستير. جامعة الشرق الأوسط. کلية الآداب والعلوم. الخالدي، علي محمد حسين. (د.ت). «الإمام الحسين في رحاب القصيدة العربية: الجواهري أنموذجا جديدا رؤية نقدية جديدة». اللغة العربية وآدابها. ص 88 - 110. الخفاجي، محمد مهدي ياسين. (2015م). «قصيدة في رحاب الحسين للشاعر عبد الرزاق عبد الواحد: دراسة تحليلية». مديرية تربية ذي قار. ج 5. ع 1. ص 184 ـ 209. خلوصي، صفاء. (1977م). فن التقطيع الشعري والقافية. ط 5. بغداد: مکتبة المثنى. الرباعي، عبد القادر. (1998م). جمالیات المعنی الشعري: التشکیل والتأویل. بیروت: المؤسسة العربیة للدراسات والنشر. الزبيدي، مرشد. (1994م). بناء القصيدة في النقد العربي القديم والمعاصر. بغداد: دار الشؤون الثقافية. السامرائي، إبراهيم. (د.ت). في لغة الشعر. عمان: دار الفکر للنشر والتوزيع. السکاکي، أبو يعقوب يوسف بن أبي بکر. (1983م). مفتاح العلوم. بيروت: دار الکتب العلمية. السلامة، ابراهيم. (1952م). بلاغة أرسطوبين العرب واليونان. ط 2. القاهرة: مطبعة مخمير. سيلاوي، سعيد. (2016). دراسة الحکمة في شعر عبد الرزاق عبد الواحد. رسالة الماجستير. جامعة الشهيد چمران. طبانة، بدوي. (1986م). التیارات المعاصرة في النقد العربي. ط 3. الریاض: دار المریخ. عامري أصل، خالد. (2015). شعر عبد الرزاق عبد الواحد: دراسة اجتماعية. رسالة الماجستیر. جامعة أراک. عباس، تحسين فاضل. (2012م). «من القيم الصوتية في نهجالبلاغة». مجلة کلية الفقه. ع 16. ص 256 - 283. عباسى أصل، حسين. (1440ﻫ). دراسة الرموز الدينية ونقدها في شعر الصابئة المندائيين في قرني العشرين والواحد والعشرين، عبد الرزاق عبد الواحد و لميعة عبّاس عمارة. أطروحة الدکتوراه. جامعة أصفهان. کلية اللغات. ــــــــــــــــــــــ ؛ وحميد احمديان؛ وسيد محمدرضا ابنالرسول. (2016م). «استدعاء شخصية الحسين (ع) والحر الرياحي في شعر الصابئة المندائيين: عبد الرزاق عبد الواحد أنموذجا». جامعة ذي قار. ع 20. ص 296 ـ 325. ـــــــــــــــــــــ ؛ وسيد محمدرضا ابنالرسول؛ ونرگس گنجی. (2019م). «يحيى وعيسى بين الميثولوجيا والتاريخ: قراءة في النصوص الدينية والشعر المندائي عبد الرزاق عبد الواحد ولميعة عباس عمارة أنموذجين». آداب الکوفة. م 1. ع 40، ص 11 ـ 50. عبد الجليل، عبد القادر. (2002م). الأسلوبية وثلاثية الدوائر البلاغية. عمان: دار صفاء للنشر والتوزيع. عبد اللطيف، محمد. (1984م). البلاغة والأسلوبية. القاهرة: الهيئة القومية العامة للکتاب. عبد الواحد، عبدالرزاق. (2010م). ديوان المراثي. دمشق: الهيئة العامة السورية للکتاب. عبید، محمد صابر. (2011م). القصيدة العربية الحديثة بين البنية الدلالية والبنية الإيقاعية حساسية الانبثاقة الشعرية الأولى جيل الرواد والستينات. دمشق: اتحاد الکتاب العرب. العزازمة، محمود حسين عبيد اللّٰه. (2014م). «الإيقاع الصوتي في لامية العرب للشنفرى: دراسة أسلوبية إحصائية». المشکاة. ج 1. ع 1. ص 491 - 537. العشماوي، محمد زکي. (1967م). قضايا النقد الأدبي والبلاغة. القاهرة: الأميرية. ــــــــــــــــــــــــ . (1994م). قضایا النقد الأدبي بین القدیم والحدیث. القاهرة: دار الشروق. عمر، أحمد مختار. (1976م). دراسة الصوت اللغوي. القاهرة: مطابع سجلّ العرب. العنزي، حسن عبد الواحد سهيل. (2017م). الشعر ما بعد 2003 في المثنيّ: دراسة موضوعية فنية. رسالة الماجستير. جامعة المثنى. کلية التربية للعلوم الإنسانية. عودة، علي یونس. (2011م). البنیات الأسلوبیة في شعر أحمد الوائلي. رسالة الماجستیر. جامعة البصرة. غرباوي، يوسف. (1395ﻫ.ش). الالتزام في الشعر العراقي المعاصر: عبد الرزاق عبد الواحد أنموذجا. رسالة الماجستير. جامعة الشهيد چمران. الغرفي، حسن. (2001م). حرکية الإيقاع في الشعر العربي المعاصر. د.م: إفريقيا الشرق. الفقي، صبحي إبراهیم. (2000م). علم اللغة النصي بین النظریة والتطبیق: دراسة تطبیقیة علی السور المکیة. القاهرة: دار قباء للطباعة والنشر. قاسم، محمد أحمد. (2002م). المرجع في علمي العروض والقوافي. طرابلس: مؤسسة جروس برس. القزويني، محمد بن عبد الرحمن جلال الدين. (2004م). الإيضاح في علوم البلاغة. تعليق عبد الحميد هنداوي. ط 2. القاهرة: مؤسسة المختار للنشر والتوزيع. المجذوب، عبد اللّٰه الطيب. (1970م). المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها. ط 2. بيروت: دار الفکر. المصلاوي، علی کاظم محمد علي. (1999م). لغة الشعر عند الهذلیین. رسالة الماجستیر. جامعة الکوفة. کلیة الآداب. مطلوب، أحمد. (2001م). معجم النقد العربي القدیم. بيروت: مکتبة لبنان ناشرون. النجار، مصلح عبد الفتاح؛ وأفنان عبد الفتاح النجار. (2007م). «الإيقاعات الرديفة والإيقاعات البديلة في الشعر العربي رصد لأحوال التکرار وتأصيللعناصر الإيقاع الداخلي». جامعة دمشق. ج 23. ع 1. ص 121 - 158. نظرى، يوسف؛ وعلى حيدرى. (2018م). «دراسة أنواع التوظیفات في شعر عبد الرزاق عبد الواحد واستدعاء الإمام الحسين (ع) في شعره». الآداب. ع 127. ص 175 - 190. هلال، ماهر مهدي. (1980م). جرس الألفاظ ودلالاتها في البحث البلاغي والنقدي عند العرب. بغداد: دار الرشيد للنشر. یاکبسون، رومان. (1988م). قضایا الشعریة. ترجمة محمد الوالي ومبارک الطبعة. د.م: دار توبقال. يوسف، علي حسين. (2013م). الإمام الحسين بن علي في الشعر العراقي الحديث. کربلاء: العتبة الحسينية المقدسة.
ب ـ المواقع الإلکترونية السراجي، زکي. (د.ت). في رحاب الحسين للشاعر عبد الرزاق عبد الواحد. https://www.almothaqaf.com عبد الواحد، عبد الرزاق. (2012م). برنامج إضاءات. القروي، خيري. (د.ت). عبد الرزاق عبد الواحد من رحاب الإمام الحسین. https://www.kitabat.info | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 5,180 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 1,697 |