تعداد نشریات | 43 |
تعداد شمارهها | 1,652 |
تعداد مقالات | 13,408 |
تعداد مشاهده مقاله | 30,249,833 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 12,087,859 |
منهج فاضل السامرائي في تحديد العلاقة بين النحو والمعنى | |||||
بحوث في اللغة العربية | |||||
مقاله 6، دوره 10، شماره 18، تیر 2018، صفحه 67-82 اصل مقاله (1.05 M) | |||||
نوع مقاله: المقالة البحثیة | |||||
شناسه دیجیتال (DOI): 10.22108/rall.2018.80580.0 | |||||
نویسندگان | |||||
محمد اميري فر* 1؛ عيسي متقي زاده2 | |||||
1ماجستير في اللغة العربية وآدابها بجامعة تربيت مدرس | |||||
2أستاذ مشارک في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة تربيت مدرس | |||||
چکیده | |||||
إنّ النحو قد بدأ من منطلق عظيم، وهو السعي لفهم معاني القرآن الکريم ومعرفة أساليب التعبير عن تلک المعاني والکشف عن أسرار بلاغته ووجوه إعجازه. ثمّ خطا علماؤه خطوات لإنضاج الفکر النحوي والارتقاء به إلى أرفع مستويات الرقي العقلي وذلک بتنويع اتجاهات البحث فيه وتطوير وسائل الکشف عن وجوه معاني الکلام. يتناول هذا البحث واحداً من الشخصيات النحوية التي يکون لها دور مهم في إيحاء النحو العربي في يومنا هذا، فهو ينظر إلى النحو بمنظاره الجديد، وهو البحث عن المعنى من خلال النحو. ويقوم بحثنا هذا بدراسة آراء السامرائي النحوية دراسة منهجية تقوم علىالتوضيح و المقارنة بکبار النحاة و بعض البلاغيين، للوقوف على منهج المؤلف وما امتاز به السامرائي عن غيره من اللغويين والنحاة في عرضه وتوجيهه. فقد قمنا في هذا المقال من خلال المنهج الوصفي ـ التحليلي و المقارن بقراءة کتب السامرائي قراءة دقيقة ومتأنّية، ثم استخرجنا أبرز معالم منهجه في تحديد العلاقة بين النحو والمعنى مع ذکر شواهد من کتبه، مضافاً إلى المقارنة بين آرائهوغيره من النحويين. ومن أهم ما وصل إليه البحث هو أنّ السامرائي قد جمع بين النحو والبلاغة وعلم المعاني خاصة في تحديد العلاقة بين النحو والمعنى، وبذلک سعى أن يعيد الروح أو المعنى إلى النحو العربي. | |||||
کلیدواژهها | |||||
النحو؛ معانی النحو؛ فاضل السامرائی؛ المنهج | |||||
اصل مقاله | |||||
1ـ المقدّمة إنّ النحو قد بدأ أوّل ما بدأ لفهم معانی القرآن الکریم ومعرفة أسالیب التعبیر عن تلک المعانی والکشف عن أسرار بلاغته ووجوه إعجازه، هذا بینما النحویون قد اهتمّوا بالعلاقات الظاهرة بین الکلمات، أما المعنى فهو بعید عن تناولهم وفهمهم ویؤیّد رأینا هذا قول أحمد الجواری، فهو یعتقد: «قد أتى على النحو العربی حین من الدّهر کسف فیه شعاعه، وغاض فیه رونقه ورواؤه، وأصاب قواعدَه وأصولَها وفروعها جفافٌ وجفاء، یتعیّن على الدارس والباحث والناقد أن یستنبط ماءها ورواءها، بأن یکشف ماوراء الظاهر الجهم والسطح الأصم. وذلک یقتضی کثیراً من الصبر والأناة، ویلزم له عدّة من فقه قواعد اللغة والاستعداد لتذوق أسالیبها وفهم معانیها، وإدراک خصائصها ومرامیها» (1987م، ص 19). ولسنا نعنی بهذا القول أنّ المعنى کان قد غفل عنه بصورة کاملة ولم تکن الألفاظ عند النحاة الأوائل هی المقصودة فقط وکان علیها مدار بحثهم ـ کما زعم بعض الباحثین ـ بل هی أدوات للتعبیر عن المعانی التی یقصدونها. «وکان النحو فی القرنین الثانی والثالث اهتمّ اهتماماً واضحاً بالمعنى وجعل الحرکات والألفاظ والتراکیب دلائل على المعانی التی کانت بغیتهم فی دراسة النصوص القرآنیة. ولا شکّ أنّ إضراب النحویین عن ذکر معنى أسالیب اللغة العربیة لها أسبابها»(الخالدی، 2006م، ص 28 ـ 29). وکان للمعنى أثر ملموس فی الدراسات النحویة التی ظهرت منذ بدء التألیف النحوی حتّى نهایة القرن الرابع الهجری وأمّا النحاة بعد ذلک، فقد «قصروا النحو على أواخر الکلمات وعلى تعرّف أحکامها، قد ضیّقوا من حدوده الواسعة، وسلکوا به طریقاً منحرفة، إلى غایة قاصرة، وضیّعوا کثیراً من أحکام نظم الکلام وأسرار تألیف العبارة» (مصطفى، 1992م، ص 3). یرى مصطفى إبراهیم فی معرض کلامه عن أدوات النفی فی النحو، أنّ المعنى قد أغفل شرّ إغفال درسَ معانی النحو (المصدر نفسه، 5-6). وهو یرى أنّ النحویین قد حدّدوا النحو وضیّقوا بحثه، وحرموا أنفسهم وحرمونا إذ اتّبعناهم من الإطّلاع على کثیر من أسرار العربیة وأسالیبها المتنوّعة ومقدرتها فی التعبیر وبقیت هذه الأسرار مجهولة. ومن جهة أخری، أنهم رسموا للنحو طریقاً لفظیة، فاهتمّوا ببیان الأحوال المختلفة للفظ من رفع أو نصب من غیر فطنة لما یتبع هذه الأوجه من أثر فی المعنى (المصدر نفسه، ص 7 ـ 8). وقد أثبتت الدراسات النحویة الحدیثة صحّة هذا الاتجاه فی التفکیر النحویّ وسلامة مسراه، وذلک بما ظهر فی العالم من مدارس نحویة تعنى بالمعنى وتهتمّ بمسالک التعبیر عنه (الخالدی، 2006م، ص 7). ولا شکّ فی أنّ البحث عن أثر المعنى فی أیّ جانب من جوانب الدراسات النحویة یقتضی أن یکون الباحث ملمّاً بکلّ ما یتعلّق بأصول ذلک الجانب وأحکامه لیلتقط منه الدرر ویهمل الأصداف والشوائب التی علقت به. وبما أنّ النحویین لم یصرّحوا بالمعنى ولم یصنّفوا تآلیفهم على أساسه، لذلک قاد هذا البحث فاضل السامرائی إلى اتّباع منهج تحلیلیّ فی کتابه تحت عنوان معانی النحو. یسعى السامرائی أن یکتب فی فقه النحو والتمییز بین التراکیب المختلفة وشرح معنى کلّ ترکیب، فهو إذن یدور على المعنى ویعتقد بـ«أنّ موضوع المعنى موضوع جلیل، وحسبنا من جلالته أنّ اللغة ما وجدت إلا للإفصاح عنه»(2007م، ج1، ص 9). وهذا ما یؤیّده کذلک الستاری، فهو یقول: «وإنّ مما یُحتاج إلیه، لإیحاء النحو أو تجدید حیاته، تجاوز الظواهر فیه إلى الجواهر والحقائق ومواضع الإشراق ومواطن العبقریّة والإبداع، تلک التی جعلت العربیة تتفرّد بخصائص ومزایا فی حسن التعبیر عن الأفکار والمشارع ...» (الجواری، 1987م، ص 19). فالمعنى ـ على حسب رأیه ـ جوهر النحو وحقیقته وموضع الإشراق والعبقریة والإبداع فیه، والسامرائی هو البطل الذی یبحث عن هذا الجوهر والحقیقة فی کتابه معانی النحو، حیث یمکن القول إنّ هذا الکتاب قد أصاب المادة الأصلیة الحیّة فی النحو: فـ«إنّه ما قعد بوظیفة النحو عند الظواهر والأعراض، بل کشف عما وراء الظواهر النحویة التی استقلّت بالنحو، بل استبدّت وحجبت الکثیر من حقائقه وجوهر مادّته ومعناه عن الدارسین. فإنّ الأوجه النحویة لیست مجرّد استکثار من تعبیرات لا طائلَ تحتها، کما یتصوّر بعضهم، وإنّ جواز أکثر من وجه تعبیری لیس معناه أنّ هذه الأوجه ذات دلالة معنویة واحدة، وإنّ لک الحقّ أن تستعمل أیها تشاء کما تشاء، وإنما لکلّ وجه دلالته فإذا أردت معنى ما لزمک أن تستعمل التعبیر الذی یؤیّده، ولا یمکن أن یؤدی تعبیران مختلفان معنى واحداً، إلا إذا کان ذلک لغة، أی لهجة کالحجازیة والتمیمیة وغیرها من اللهجات. إذ کلّ عدول من تعبیر إلى تعبیر، لا بدّ أن یصحبه عدول من معنى إلى معنى، فالأوجه التعبیریة المتعددة، إنما هی صور لأوجه معنویة متعددة» (السامرائی، 2007م، ج 1، ص 9). ومما تقدّم، یظهر جلیاً أنّ فاضل السامرائی ذو شخصیة متمیزة فی منهجه وتفکیره فی القضایا النحویة، ولکنه لم ینلْ موضع اهتمام الباحثین، فلم یقم أحد بإبراز جهده، وبیان نهجه وتفکیره النحوی. ولذلک فإنّ البحث الحاضر یرید أن یسلّط الأضواء على منهجه فی تحدید العلاقة بین النحو والمعنى. وأما المنهج المتّبع فی المقال الحاضر فهو منهج توصیفی ـ تحلیلی. فلقد سعینا أن نستخرج أهم معالم منهج هذا العالم النحوی فی تحدید العلاقة بین النحو والمعنى من خلال قراءة دقیقة. ثمّ أوردنا شواهد من کتبه وقمنا بمقارنة آرائه فی النحو والمعنى مع النحویین الجدد أحیاناً.
2ـ خلفیّة البحث هناک دراسات قامت بتحلیل وشرح آراء فاضل السامرائی النحویة، منها: ـ «جهود فاضل السامرائی النحویة»: وهی رسالة تقدم بها طلال وسام أحمد البکری إلى مجلس کلیة التربیة بجامعة تکریت، وهی جزء من متطلبات درجة الماجستیر فی اللغة العربیة تحت إشراف جمعة حسین. فأخذ الباحث جهود السامرائی النحویة وقام باستعراضها بشکل موجز؛ ولکنه ما أشار إلى منهجه فی النحو. ـ «آراء الدکتور فاضل السامرائی فی کتابه: معانی النحو»: وهی رسالة ماجستیر مقدّمة من قبل الطالب مظفر عبد رومی الظاهری تحت إشراف هشام إبراهیم الحداد سنة 2005 للمیلاد. کان الهدف الرئیس من الرسالة المذکورة مناقشة الآراء وما رجّحه السامرائی من آراء العلماء وما اختلف فیه معهم وأسباب الترجیح والخلاف والأدلة التی استدلّ بها السامرائی. وأما منهج فاضل السامرائی بشکل عامّ فهو غیر مدروس لم یتطرّق إلیه ـ کما نعلم ـ الباحثون من قبلُ، وهو مسألة ذات أهمیة بالغة حیث یساعد الطلاب فی فهم النحو بشکل أفضل کما یساعد الکتّاب فی کتابة الموضوعات النحویة بشکل مبرمج ومنهجی. لذلک سعینا کلّ السعی فی هذه المقالة أن نلقی الضوء على منهجه النحوی.
3ـ نبذة عن حیاة فاضل صالح السامرائی «فاضل بن صالح بن مهدی بن خلیل البدری من عشیرة "البدری" إحدى عشائر سامراء، ویُکنّى بـأبی محمد ومحمد ولده الکبیر. ولد فی سامراء عام 1933م» (الظاهری، 2005م، ص 7).أخذه والده منذ نعومة أظفاره إلى مسجد حسن باشا أحد مساجد سامراء لتعلّم القرآن الکریم، وکشف ذلک عن حدّة ذکاءه، حیث تعلّم القرآن الکریم فی مدّة وجیزة. أکمل الدراسة الابتدائیة والمتوسطة والثانویة فی سامراء، ثمّ انتقل إلى بغداد فی مدینة الأعظمیة لیدخل دورة تربویة لإعداد المعلّمین، وتخرّج فیها عام 1953م، وکان متفّوقا فی المراحل الدراسیة کافّة. فعُیّن معلماً فی مدینة بلد عام 1953م، وبعدها أکمل دراسته فی دار المعلمین العالیة بقسم اللغة العربیة (کلیة التربیة) عام 1957م وتخرّج فیها عام 1960م. حاز درجة البکالوریوس، بتقدیر امتیاز، ورجع إلى التدریس فی الثانوی. وفی أول دورة فتحت للدراسات العلیا فی العراق دخل فی قسم الماجستیر (القسم اللغوی) وکان أول من حاز درجة الماجستیر فی کلیة الآداب وفی السنة نفسها عُیّن مُعیداً فی قسم اللغة العربیة بکلیة التربیة بجامعة بغداد ومن جامعة عین شمس فی کلیة الآداب فی قسم اللغة العربیة، نال شهادة الدکتوراه عام 1968م. ثمّ عاد إلى العراق، وعُیّن فی کلیة الآداب بجامعة بغداد بعد دمج کلیة التربیة بکلیة الآداب. وعُیّن عمیداً لکلیة الدراسات الإسلامیة المسائیة فی السبعینات إلى حین إلغاء الکلیات الأهلیة فی العراق. بعدها أُعیر إلى جامعة الکویت للتدریس فی قسم اللغة العربیة عام 1979م ثم رجع إلى العراق، أصبح خبیراً فی لجنة الأصول فی المجمع العلمی العراقی عام 1983م، وعیِّن عضواً عاملاً فی المجمع العلمی العراقی عام 1996م، وأُحیل إلى التقاعد عام 1998م (البکری، 1991م، ص 4 ـ 5). بعد ما قضى ما یقارب أربعین عاما أستاذاً للنحو فی جامعة بغداد فی التدریس، رحل إلى الخلیج لیعمل أستاذاً فی جامعة عجمان التی أمضى فیها سنة. ثم انتقل إلى جامعة الشارقة أستاذاً لمادة النحو والتعبیر القرآنی عام 1999م إلى صیف عام 2004م حیث عاد الدکتور فاضل إلى بلده الحبیب العراق وعاد للتدریس فی جامعته الحبیبة بغداد. وبالإضافة لکون الدکتور نحویاً فذّاً و عالماً جلیلاً فهو أیضاً شاعر عظیم مع أنه لا یحبّ أن یُعرف عنه أنه شاعر وقد نظم الشعر مبکًراً، ومن أشعاره قصیدة ربّاه (فی رحلة الإیمان .. الحج عام 2000م) (نقلاً عن الدکتور بهجت الحدیثی من موقع الإسلامیات http://islamiyyat.com/2009-02-03-05-19-05).
4ـ معالم المنهج فی تحدید العلاقة بین النحو والمعنى عند السامرائی لقد سلک فاضل صالح السامرائی منهجاً فریداً فی النحو العربی، فیقوم منهجه على أساس العلاقة بین النحو والمعنى وله فی تحدید هذه العلاقة منهجه الخاص، ویمکننا أن نشیر هنا إلى أبرز معالم منهجه وهو:
4ـ1 إرجاع النحو إلى أصوله والجمع بین النحو والبلاغة إنّ الذی قصده السامرائی ووجّه النظر إلیه أنّ النحو العربی لیس محض أشکال ومظاهر وعلامات یعرف بها معنى الکلام فی أبسط صورة وأقرب هیئة وأدنى منال. وإنما فوق تلک العلامات والقواعد، طریقة فی أداء المعنى واضحاً مؤثّراً مفیداً للفائدة التی یحسن السکوت علیها ـ کما قال بذلک علماء العربیة ـ الفائدة بکلّ ما یقصد إلیه فی التعبیر من إفادة وإثارة وإمتاع وهو فی سبیل الوصول إلى المعنى قد جمع بین علم النحو والبلاغة وعلم المعانی منها بصورة مؤکّدة، فهو ربط بین البنیة النحویة والوظیفة الدلالیة فی دراسة الجمل والتراکیب، ودَرَس وظائف التخصیص والتقیید والتؤکید و ... . ومیَّز بین بنیة جمل مختلفة تمییزاً وظیفیاً. ویقوم منهجه فی تعلیم النحو العربی على الاتجاه الوظیفی للنحوّ لأنّ منهج الاتجاه الوظیفی یقوم «على الفهم والإدراک للمعنى وعلىالتخطیطالجیّد لبناء المعانی والمدرکات والمفاهیم اللازمة، لأنّ المتعلّم أثناء عملیة التعلّم لا بدّ أن یعرف ماهیة ما یقوم به ودوره وهذا یتطلّب منه عملیة تخطیط وتنظیم لبناء المعانی وإدراک العلاقات بین المعانی المختلفة» (السید، 2001، 57). ولیس هدف السامرائی فی النحو أن یقوم بجمع المعلومات وإلقائها على التلامیذ وتجمیدها فی أذهانهم، وإنما یشیر إلى دور المعنى فی التراکیب والسیاقات المختلفة. ولیس السامرائی هو أول من الذی اهتمّ بإرجاع علم المعانی إلى النحو، بل یبدو من آراء أحمد الجواری فی کتبه النحویة أنّه یجمع بین النحو وعلم المعانی ولا یفرق بین هذین العلمین، کما یذکر فی کتابه أیضاً: «ولکن الذی هو جدیر بالتنبیه علیه أنّ علوم البلاغة ولا سیّما علم المعانی قد قام معلّقاً أو کالمعلّق فی فضاء، لا یستند إلى قواعد تمسک به أن یزول أو یتزعزع وتلک القواعد هی قواعد النحو، التی قضىعلیهانأیها عن معانی النحو، أن یغیض ماؤها ویجفّ مددها من حسن التعبیر وجودة الترکیب» (1987م، ص 13). وهذا ما نشاهده عند السامرائی أیضاً، فهو یجمع بین النحو والبلاغة وعلم المعانی خاصة، بحیث یذکر فی کتابه معانی النحو أغراض التنکیر ویشیر منها إلى إرادة الجنس والتعظیم والتهویل والتکثیر والتقلیل و... (2007م، ج1، ص37 - 38)، أو فی قسم أنواع دلالة الجملة، فهو یذکر دلالتین للجملة العربیة، وهی الدلالة القطعیة والاحتمالیة والدلالة الظاهرة والباطنة، ویقول فی النوع الأخیر: «و أما الدلالة الباطنة، فهی الدلالة التی تؤدیعن طریق المجاز والکنایات والملاحن والإشارت وما إلى ذلک، کقوله: (رمتنی بسهم ریشه الکحل) أی بنظرة من عین مکحولة؛ وقوله: (بعیدة مهوی القرط) أی طویلة العنق وقولهم: (بنو فلان یطؤهم الطریق) أی أهل الطریق ...» (2007م، ج 1، ص 19). وإذا راجعنا کتابه الجملة العربیة والمعنى، نری أنّه قد أشار فی الدلالة القطعیة والاحتمالیة وفی الدلالة الظاهرة والباطنة إلى کثیر من الأمثلة المعروفة فی کتب البلاغة (2000م، ص 20). ولا شکّ أنّ الأمثال المذکورة فی صلب علم البیان ولها صلة وثیقة بالبلاغة العربیة. ویذکر فی مبحث ضمیر الفصل ومعانیه فی القصر، أنواع القصر من ضمیر الفصل وهی تؤکید القصر الحقیقی، تؤکید القصر الذی على جهة المبالغة، وتؤکید معنى المقایسة ... (2007م، ج 1، ص 56). ولا شکّ أن هذه الموضوعات أیضاً فی صلب البلاغة. ویقول محمد حسین الصغیر: «والبعد النحوی فی بنیة علم المعانی، واضح السمات متمیّز الأصول، وهو ما یجب أن یلتحق بمباحث النحو العربی جزءاً متمّماً لموضوعات متداخلة فی صلبه، وهی من جوهره فی حال من الأحوال» (1999م، ص 165). ویبدو لنا أن السامرائی ینحو هذا النحو فی دراسته النحو، فهو یجمع بین النحو وعلم المعانی. والنحو الذی یدرسه السامرائی هو «النحو البلاغی»، إن صحّ التعبیر ولیس بالنحو الشکلی.
4ـ2 إرجاع النحو إلى عصر عبدالقاهر الجرجانی والإنشاد بآرائه النحویة یقول عبدالقاهر الجرجانی فی علّة تألیف کتابه دلائل الإعجاز والغرض الرئیس منه: «واعلم أنّ غرضی من هذا الکلام الذی ابتدأته، والأساسَ الذی وضعته أن أتوصّل إلى بیان أمر المعانی کیف تختلف وتتّفق، ومن أین تجتمع وتفترق، وأفصل أجناسها وأنواعها، وأتتبع خاصّها ومُشاعها» (1984م، ص 26). وقد اتّبع السامرائی المنهج نفسه فی النحو العربی، فدراسته النحویة تهتمّ بجانب المعنى، واختلاف المعنى فی التعابیر المتشابهة وغیره ممّا أشار الجرجانی إلیه فی الغرض من تألیف کتابه. فقد استفاد السامرائی من کثیر من آراء عبدالقاهر فی أبواب مختلفة فی کتابه، ولکن یختلف الکتابان من جهة الوظیفة، فالسامرائی یکتب ویبحث فی المسائل النحویة، بینما یکتب الجرجانی عن البلاغة ولا یخفى على أحد أن هناک بعض موضوعات مشترکة بین النحو والبلاغة. ولکن هناک موضوعات فی البلاغة لیست صلتها وثیقة بالنحو العربی مثل الفصل والوصل و ... ومسائل فی النحو لا یذکره الجرجانی فی کتابه، لأنّه یؤلّف فی البلاغة، ولکنّه یمکن القول بأنّ السامرائی قد أخذ أساس نظریته فی النحو من الجرجانی وقام فی کتابه معانی النحو بتطبیقها عملیاً فی کلّ المسائل النحویة وهذا أمر صعب جداً، وأری أنه قد أصاب الهدف فی تألیفه هذا. یمیل السامرائی إلى النحو الوظیفی فی کتابه وأشار فی مقدمة کتابه بأنه یرید أن یدرس الفروق بین الجمل المتشابهة، ویرى أنّ هذه الجمل المتشابهة لا تعدّ مترادفة، بل کلّ واحدة منها قوة تعبیریة متمیزة مستمّدة من الدور الذی یؤدّیه کلّ أسلوب، ولا یفرق الأمر بالنسبة إلى عبدالقاهر الجرجانی، فقد یرى کرکشاس: «أنّ عبدالقاهر الجرجانی هو أوّل من دعا إلى تدریس النحو وظیفیاَ، حیث تجاوز منهجه الحضارة العربیة إلى المجتمعات الغربیة التی نسجت على منواله الاتجاهات الوظیفیة، وقد حملت اسم النحو الوظیفی على شاکلة کتاب سیمون دایک» (السیوطی، 2002م، ص 24). وجدیر بالذکر، أنّ السامرائی لیس وحیداً فی الاهتمام بآراء عبدالقاهر الجرجانی وجهوده فی النحو العربی، بل ذهب کثیر من النحویین الجدد هذا المذهب وأعلنوا بصراحة بأنه: «لقد آن لمذهب عبدالقاهر أن یحیا وأن یکون هو سبیل البحث النحوی، فإنّ من العقول ما أفاق لِحَظّه من التفکیر والتحرّر، وأن الحسّ اللغوی أخذ ینتعش ویتذوّقالأسالیب، ویزنها بقدرتها على رسم المعانی، والتأثیر بها، من بعد ما عاف الصناعات اللفظیة وسئم زخارفها» (مصطفى، 1992م، ص 20). ویقول إبراهیم مصطفى أیضاً فی موضع آخر: «وجاء عبدالقاهر الجرجانی المتوفى سنة 471، ورسم فی کتابه دلائل الإعجاز طریقاً جدیداً للبحث النحویّ، تجاوز أواخر الکلم وعلامات الإعراب، وبیّن أن للکلام نظماً وأن رعایة هذا النظم واتّباع قوانینه هی السبیل إلى الإبانة والإفهام، وأنه إذا عدل بالکلام عن سنن هذا النظم لم یکن مفهماً معناه ولا دالّاً على ما یراد منه» (1992م، ص 16). ولذلک یمکن القول بأنّ السامرائی یعتقد أنّ ما ترکه عبدالقاهر من دراساته فی دلائل الإعجاز وغیره یعتبر إشارات ذکیة إلى الطریق الذی کان على النحاة أن یسلکوه فی دراساتهم النحویة وبخاصة ما قام به عبدالقاهر من دراسة للنظم فی اللغة العربیة. وجدیر بالذکر أنّ هذا ما استنبطنا من کلامه وما أشار السامرائی فی کتابه یشابه هذا. وربما کان من الممکن أن نعتبر کتاب معانی النحو تطبیقاً عملیاً للنظریات السابقة، ونظریة تمام حسان وأمثاله، حیث یقول: «یحلو لکثیر من أساتذة اللغة العربیة فی أیامنا هذه، أن یشیر إلى ما یعتبرونه نقطة ضعف فی النحو العربی، وهو ارتباطه الشدید بطابع الصناعة حتى أنه یعرف أحیاناً باسم صناعة النحو، ثمّ خلوّه من الارتباط بالمضمون، مما جعله یبدو فی نظرهم جسداً بلا روح، والمضمون الذی یقصده هؤلاء هو موضوع علم المعانی» (1994م، ص 336). یعتبر عبدالفتاح لاشین عبدَالقاهر الجرجانی فی بلاغته رائداً للزمخشری، یقول: «کان عبدالقاهر فی فکره ذلک، ونظراته الثاقبة فی أعماق تلک التراکیب رائداً للبلاغیین بعده وبخاصّة الزمخشری فی تفسیره الکشّاف، فقد طبق فیه فکر عبدالقاهر وبلاغته تطبیقاً أظهر به سموّ التراکیب فی الآیات الکریمة وروعة المعنى فیها» (بلا تا، ص 185). فیمکننا أن نعتبر السامرائی مطبقاً لآراء الجرجانی النحویة فی کتابه معانی النحو.
4ـ3 الاعتماد على القیاس فی تحدید العلاقة بین النحو والمعنى إنّ للقیاس تعاریف مختلفة ومتعددة. فقال ابن المنظور فی تعریف هذه الکلمة: «قاس الشیء یقیسه قیساً وقیاساً ... إذا قدّره علىمثاله» (1956م، ج 3، ص 187). وهو فی الاصطلاح «عبارة عن تقدیر الفرع بحکم الأصل. وقیل هو: حمل فرع على أصل لعلة تقتضی إجراء حکم الأصل على الفرع و ... » (الأنباری، 1963م، ص 42). ولا شکّ أنّ هذه التعریفات متأثّرة بالمفهوم الفقهی للقیاس، حیث نقلها ابن الأنباری من تعریفات الفقهاء. ولکن النحاة الأوائل لم یکونوا یقصدون هذا المفهوم ولا یعنون به عند إطلاق هذا المصطلح «فسیبویه مثلاً حین استعمل فی کتابه کلمة القیاس، لم یکن یعنی أکثر من أنّ ظاهرة ما من ظواهر اللغة روی لها عن العرب قدر من الأمثلة یکفی لأن توضع لها قاعدة عامة» (أنیس، 1975م، ص 18). ولکن لا یسعنا المجال هنا الخوض فی تفاصیل تعاریف القیاس. لوحظ من خلال آراء السامرائی النحویة أنه یعتمد على القیاس والتعلیل المنطقی. فقد عرّفه بعض تلامیذه بأنّه: «کان وما یزال أمیناً دقیقاً مما یدلّ على عمق ثقافته وسعة اطّلاعه ومعرفته بأنه ذو عقلیة قیاسیة لا جماعة ولم یکن مقلّداً فی أبحاثه، بل کان أصیلاً فی نهجه معتمداً على عقله وعلمیته فی فهم النصوص» (الظاهری، 2005م، ص 9). فهو ردّ على قول إبراهیم أنیس: «لم تکن تلک الحرکات الإعرابیة تحدّد المعانی فی أذهان العرب القدماء کما یزعم النحاة، بل لا تعدو أن تکون حرکات یحتاج إلیها فی الکثیر من الأحیان لوصل الکلمات بعضها ببعض» (1975م، ص 158). یقول السامرائی: «وکون الإعراب علماً على المعانی، هو الرأی المقبول الواضح البیّن، إذ لو کانت الغایة منه الخفّة عند درج الکلام، ما التزمه العرب هذا الالتزام». علاوة على ذلک، یتوصّل السامرائی هناک ورداً على قول إبراهیم أنیس إلى القیاس من الآیات القرآنیة، ویذکر: «ومن أوضح الأمور على هذا أنه لو قرأ أحد قوله تعالى: «أن الله بریء من المشرکین ورسولُهª (التوبة 9: 3) بالجرّ لاختلّ المعنى وفسد» (1428هـ، ص 25). فهو لا یکتفی بالإشارة إلى شاهد، بل یأتی بشواهد کثیرة ویقول: «ومن یستطیع أن ینکر أن قوله تعالى: «إنما یخشى الله من عباده العلماءُª(فاطر 35: 28). لو أبدلت فیه حرکة «الله» إلى الرفع وحرکة «العلماء» إلى النصب، لاختلّ المعنى وتغیر إلى العکس تماماً؟» (المصدر نفسه). ومن جهة أخری، فهو لا یأتی بذکر شواهد قرآنیة فحسب، بل یأتی بأمثال أخرى ردّاً على آراء إبراهیم أنیس، فیقول:«وأن الجملة التالیة ـ مثلاً ـ إذا کانت غفلاً احتملت معانی عدیدة، فإن شکلت نصّت علىمعنى واحد: أکرم الناس أحمد» (المصدر نفسه)، فهو یذکر أربعة أوجه لهذه الجملة. ومن أظهر تعلیلاته المنطقیة وقیاساته، قوله فی ضمیر الشأن فی تفسیر الآیات التالیة: «فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِیَ یَا مُوسى & إِنِّی أَنَا رَبُّکَ فَاخْلَعْ نَعْلَیْکَ إِنَّکَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى & وَأَنَا اخْترَتُکَ فَاسْتَمِعْ لِمَا یُوحَى & إِنَّنی أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنی وَأَقِمِ الصَّلَوةَ لِذِکْرِیª (طه 20: 11 - 14)، وقوله تعالى: «فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِیَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَیْمَنِ فی الْبُقْعَةِ الْمُبَارَکَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ یَا مُوسىَ إِنّیِ أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِینَ & وَأَنْ أَلْقِ عَصَاکَ فَلَمَّا رَآهَا تَهَتزَُّ کَأَنهَّا جَانٌّ وَلّى مُدْبِرًا وَلَمْ یُعَقِّبْ یَا مُوسىَ أَقْبِلْ وَلا تخَفْ إِنَّکَ مِنَ الآمِنِینَ﴾(القصص 28: 30 - 31)، وقوله تعالى: «فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِیَ أَنْ بُورِکَ مَنْ فی النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِینَ & یَا مُوسىَ إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِیزُ الحَکِیمُ & وَأَلْقِ عَصَاکَ فَلَمَّا رَآهَا تهَتزَُّ کَأَنهَّا جَانٌّ وَلىَ مُدْبِرًا وَلَمْ یُعَقِّبْ یَامُوسىَ لَا تخَفْ إِنّی لا یخَافُ لَدَىَّ الْمُرْسَلُونَª (النمل 27: 8 - 10). ویقول السامرائی فی ضمیر الشأن فی الآیات المذکورة: «وأنت تلاحظ مقام التفخیم فی الآیة الثالثة من السیاق «أن بورک من فی النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمینª، فهو مسبوق بالتعظیم والتنزیه مما ناسب ضمیر الشأن» (2007م، ص 60). والذی یجدر بالإشارة هنا، أنّ السامرائی یأتی بشواهد تطبیقیة من القرآن الکریم للکشف عن تفاوت معنى ضمیر الشأن ویشیر إلى دور السیاق فی الآیات. وشبیه بقوله هذا فی ضمیر الفصل فی الآیتین التالیتین:«وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِینَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِینَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَضِیَ اللَّهُ عَنهُْمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لهَمْ جَنَّاتٍ تَجْرِی تحَتَهَا الْأَنْهَرُ خَالِدِینَ فِیهَا أَبَدًا ذَلِکَ الْفَوْزُ الْعَظِیمª (التوبة 9: 100). وقال تعالى: «وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِینَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجَرِی مِن تَحَتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِینَ فِیهَا وَمَسَاکِنَ طَیِّبَةً فی جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَکْبرَ ذَلِکَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِیمª (التوبة 9: 72). ویقول السامرائی: «فانظر إلى الفرق بین الآیتین، فقد جاء بإحداهما بضمیر الفصل دون الأخری، وذلک أنه لما عدل عن قوله «رضی الله عنهم ورضوا عنهª إلى قوله: «ورضوان من الله أکبرª، فجاء بالجملة الاسمیة الدالّة على الثبوت، والتی هی أقوی من الفعلیة ثمّ أخبر بأنّ رضوان الله أکبر من الجنّات، وملذّاتها ناسب عظم ذلک المجیء بضمیر الفصل، فقال: «ذلک هو الفوز العظیمª (السامرائی، 2007 م، ج 1، ص 50 - 51). والشواهد والأمثلة لهذا الأمر کثیرة ومتناثرة فی کتابه. ولکن المحصل من هذا الکلام هو أنّ السامرائی، علاوة على فهم هذه اللطائف النحویة ومقایسة هذه اللطائف مع نماذج أخرى، فقد أشار إلى دور السیاق فی إیصال المعنى. وفی موضع الکلام عن «أنّ» وإفادتها معنى التعلیل، یقول: «وقد ذکر الزمخشری فی البرهان من حروف العلة اللام وکی وأن. والجمهور لا یرون أنها تأتی للتعلیل، بل یتأوّلون ذلک. وللنحاة فیما ورد منها للتعلیل، ثلاث طرائق مشهورة: الأول رأی البصریین وهو تقدیر محذوف، نحو: کراهة أو مخافة أو حذار وما إلى ذلک، مما یستقیم به المعنى ... والثانی رأی الکوفیین وهو أنها تکون بمعنى "لئلا"، والثالث تقدیر لام التعلیل». هنا یقوم السامرائی بنقد الآراء المذکورة ویقول: «والحق أنّها تأتی للتعلیل، وذلک لأنّ ذکرها یؤدی فی التعلیل معنى لا یؤدیه حذفها واستبدال غیرها بها أحیاناً، وأنه قد یضعف أحیاناً تخرجها على الطرائق المشهورة، وذلک نحو قوله تعالى: «فَإِن لَّمْ یَکُونَا رَجُلَینِْ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشهُّدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَکِِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىª (البقرة 2: 282). فإنه لا یصحّ تقدیر "کراهة أن تضلّ أحداهما فتذکر أحداهما الأخری"، وذلک لأن (تذکر) معطوف على (أن تضل) فیکون المعنى على هذا کراهة التذکیر أیضاً، لأن المعنى "کراهة الضلال فالتذکیر"، ومثل ذلک قولک: إنی أکره أن تأتینی فأردّک، أی تکره إتیانه فردّه، ومعنى ذلک أنک تکره الإتیان و الردّ جمیعاً». فهو بقوله هذا لا یقبل رأی البصریین فی هذا الموضع. و أما بالنسبة لتعلیل الکوفیین، فیقول:«وکذا إذا قدرت "لئلا" فإن المعنى یکون غیر مستقیم أیضاً، فإذا قلت: "لئلا تضلّ إحداهما فتذکر إحداهما الأخری"، کان المعنى أن سبب التذکیر عدم الضلال، لأنّ الضلال منفی. على هذا فالتوجیهان باطلان أو ضعیفان. أما الطریقة الثالثة فصحیح مع ذکر "أن" ولکن لا یصح تقدیر اللام وحدها من دون ذکر "أن"» (2007م، ج 3، ص 340). وفی موضع الاستغناء بالجواب عن القسم، یقول النحاة: إنّه قد یستغنى بجواب القسم فیکون الجواب دلیلاً على القسم المحذوف وذلک کأن یؤتى باللام الواقعة فی جواب القسم: لأذهبَنَّ إلیه. والتقدیر: والله لأذهبنّ إلیه. وأما السامرائی فقد بدا له: «أن لیس ثمة قسم مقدّر، وإنما هو توکید کتوکید القسم وهو نظیر قولنا: "إنه لمنطلق"، فهذا لیس بقسم مؤکّد کتوکید القسمین إذ لو أقسمت فقلت: والله إنه لمنطلق. لم یختلف التؤکید فی الجملتین مع أنّ الأولى لیست قسماً کما هو رأی الجمهور. وکذلک قولک: "لقد ذهبت إلیه" أو "لأذهبنّ إلیه" لیس بقسم وإنما هو توکید للإثبات، نحو قوله تعالى: «وَلَقدْ صَدَقَکُمُ اللهُ وَعْدَهُ إذْ تَحُسُّونَهُم بِإذْنِهª (آل عمران 3: 152)... وکذلک ما فیه نون، نحو قوله تعالى: «یَا أَیُّها الَّذینَ آمَنُوا لَیَبْلُوَنَّکُمُ اللهُ بِشَیءٍ مِنَ الصَّیْدِ تَنَالُهُ أَیْدیکُمْ وَرِمَاحُکمª (المائدة 5: 94)، وقوله تعالى: «لَنُخْرِجَنَّکَ یَا شُعَیبُ وَالَّذینَ مَعکَ مِنْ قَرْیَتِنَا أَو لَتَعُودَنَّ فی مِلَّتِنِاª (الأعراف 7: 88) فهل فی قوله تعالى: «أَوْ لَتَعُودَنَّ فی مِلَّتِنَاª قسم؟ وهل یستقیم الکلام إذا قلت: والله لتعودن فی ملّتنا؟ وهل یدلّ ذلک على المعنى المراد؟ الحق أنّ هذا توکید للإثبات فقط، ولیس بقسم فإنک کما تؤکد الأمر والنهی والاستفهام والنفی بالنون تؤکد الإثبات، وذلک نحو قوله تعالى: «وَلا تَمُوتُنَّ إلا وَأَنتُم مُسْلِمونª (آل عمران 3: 102) وقوله: «هَلْ یُذهِبَنَّ کَیْدُهُ مَا یَغیِظª (الحج 22: 15) و... و إلا کیف نؤکد الإثبات من دون قسم إذا أردنا ذلک؟ ألا تری أننا نؤکد الجملة الإسمیة المثبتة من دون قسم، فنقول: "إن محمداً قادم" و"إنه لقادم"، وکذلک یقتضی القیاس أن نؤکد الجملة الفعلیة من دون قسم، نحو: "لأذهبنّ إلیه" و"لقد ذهبت إلیه"» (2007م، ص 156). وأما القیاس عند السامرائی لا یرتبط باللغة العربیة والموازنة بین الجمل فیها فحسب، بل یتعدی أحیاناً إلى لغات أخری: «إنّ اللغة العربیة تبدو وکأنّها جهاز متطوّر جداً وإن اللغات الأخری بالنسبة إلیها، کأنها جهاز قدیم مختلف، وإنّ فیها مزایا وخصائص لا ترقى إلیها بل تقرب منها اللغات المبنیة. ولأضرب مثلاً یوضح ذلک: أنت تقول فی العربیة: "لا طالبَ غائبٌ" و"لا طالبٌ غائباً" و"ما طالب غائباً" و"ما من طالب غائباً" و"ما طالب بغائب" و"إن طالب غائباً و"إن من طالب غائباً" وغیر ذلک، وکلّ تعبیر له معنى. فی حین تقول کل ذلک فی الإنجلیزیة بعبارة واحدة هی nostudent is absentوغیر ذلک کثیر» (2000م، ص 49). ویقول أیضاً: «وقد حاولت الوصول إلى المعنى على طریق النظر والموازنة بین النصوص فی استعمال الصیغ، وهذا النظر قائم على الاستعمال القرآنی أولاً علماً بأن القرآن الکریم قد استعمل بعضاً من الأبنیة لمعانٍ خصّها به هو، وقائم أیضاً على دراسة الضوابط العامة والأصول التی وضعها علماء اللغة، وعلى المعانی التی یفسرون بها المفردات أو الأبنیة» (2007م، ص 7).
4ـ4 الإتیان بالتعلیلات المنطقیة فی تحدید العلاقة بین النحو والمعنى کثیراً ما نری أن السامرائی یعتمد على الاستدلالات المنطقیة فی التعبیر عن المعانی، فهو یقول: «قوله تعالى «إِنَّا کُلَّ شَیءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍª (القمر 54: 49)، بنصب (کل) والرفع ضعیف، لأنّ المعنى على النصب "أنا خلقنا کل شیء بقدر" وعلى الرفع یحتمل هذا المعنى ویحتمل أن تکون "خلقناه" صفة ل"شیء" والخبر "بقدر" فتکون الأشیاء على قسمین: قسم خلقه الله فیکون بقدر وقسم خلقه غیره فلا یکون بقدر، تعالى الله عن الشریک» (السامرائی، 2000م، ص52). ومن المواضیع التی استفاد السامرائی فیها من التعلیلات المنطقیة، قوله: «وهذا الأسلوب "یعنی أسلوب الطلب وجوابه" کما هو ظاهر أسلوب شرطی، فیه جزاء مترتّب على ما قبله، ومرتبط به ارتباط الجزاء بالشرط، فقولک: "زرنی أکرمک"، معناه أن إکرامک کله مرتبط بزیارته لک ارتباطاً شرطیاً، فإذا لم یرتبط الفعل بما قبله هذا الارتباط لم یجزم، قال تعالى: «وَحَرَّمْنَا عَلَیْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّکمُْ عَلىَ أَهْلِ بَیْتٍ یَکْفُلُونَهُ لَکُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونª(القصص 28: 12) بالرفع ولم یجزم، لأنه لیس على إرادة معنى الشرط، إذ لیس معناه "إن ترسله یصدقنی"، وإنما المعنى "أرسله ردءاً فإنه یصدقنی"، ولذا ارتفع ولو أراد معنى الشرط لجزم، ونحوه أن تقول: "زرنی أکرمک"، فإنک لم تقصد فیه ترتیب زیارتک على زیارته، و إنما المقصود أنا أزورک فزُرنی، أی أنا ممن یزورک» (السامرائی، 2000م، ج4، ص11). وفی موضع آخر، یقول: «ذهب الجمهور إلى أنّ "ال" الداخلة على الصفة الصریحة اسم موصولٍ ... وذلک نحو قولک: "القادم خالدٌ" أی الذی قدم خالدٌ ... واستدلوا على اسمیتها بأمورٍ أهمّها عود الضمیر علیها فی نحو "قد أفلح المتقی ربّه" وهو أقوی ما یستندون إلیه» (2007م، ج1، ص171). ثمّ یشرح دلیلین آخرین اللذین أتى بهما النحویونَ استدلالاً على اسمیة "ال" الداخلة على الصفة الصریحة وینقد السامرائی هذه الإستدلالاتِ بصورة صریحة: «استدلالهم بعود الضمیر على "ال" فی نحو "قد أفلح المتقی ربّه" استدلال باطلٌ، وذلک إنه إذا کان الضمیر یعود على "ال" فی الجملة السابقة فعلى من یعود فی نحو قولنا: "ما متقی ربّه مضیّع" مما لیس فیه "ال"، فالضمیر ههنا یعود على الموصوف المحذوف أو على المتقی نفسه وکذا فی الجملة السابقة» (السامرائی،2007 م، ج 1، ص 118). ومن الواضح أنّ أثر الاستدلالات المنطقیة فی تحدید العلاقة بین النحو والمعنى بارزٌ فی کتب السامرائی النحویة. ولکننا جئنا بمصادیق عدة نموذجاً، فهذا العنوان یتطلّبُ بحثاً مستقلاً بذاته.
4ـ5 دور السیاق فی تحدید المعنى النحوی فی دراسات السامرائی النحویة یعرف السامرائی السیاق بأنه: «هو مجری الکلام وتسلسله واتصال بعضه ببعض» (2000م، ص 63). فهو یرى أنّ السیاق والمقام ـ و هما لیسا بشیء واحد ـ من القرائن المهمة فی فهم الکلام والدلالة على معناه. فربّما کان السامرائی فی هذا متأثراً بعبد القاهر، حیث یقول: «إن الألفاظ المفردة التی هی أوضاع اللغة لم توضع لتعرف معانیها فی أنفسها ولکن لأن یُضمّ بعضها إلى بعض فیعرف فیما بینها فوائد. فهذا علم شریف وأصل عظیم» (1984م، ص 391). وهناک یقول أحد الباحثین: «والفارق بین عبدالقاهر وغیره من اللغویین والبلاغیین أنه تنبّه لدلالات العلاقات النحویة وتنبه لتأثیرها على الدلالة الوضعیة للعلاقة اللغویة فی سیاق بعینه» (أبو زید، 1992م، ص 89). وأما السیاق فهو من أهم القرائن الدالة على المعنى ومعدن سرّه هو القرآن الکریم. ویرى أحمد عبدالستار الجواری أنه على النحویین الجدد أن یستندوا إلى واقع اللغة وعلى الروایات الصحیحة الصادقة لتراکیبها المألوفة، فیقول: «وبین أیدی الباحثین والدارسین نصّ عربی هو فی قمة أسالیب العربیة: "لا تأتیه الباطل من بین یدیه ولا من خلفه". أسلوب حاشا أن یخضع للضرورة، ولا تکلف فیه ولا وعورة. إنه هو الکتاب العزیز، الذی جمع خلاصة أسالیب العربیة ووجهها الوجهة التی حفظتها من العبث والانحلال والاضمحلال» (2006م، ص 65). وأما السامرائی فقد أتى فی کتابه معانی النحو بالأمثلة القرآنیة، وهی عنصر بارز فی کتابه ومن أبرز معالم منهجه، إلیک نموذجاً منها: یتکلم السامرائی عن زیادة "لا" بعد "أن" للتوکید، فیقول: «تزاد "لا" بعد "أن" توکیداً؛ ومن ورودها زائدة موکدة فی القرآن الکریم، قوله تعالى: «قَالَ مَا مَنَعَکَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُکَ قَالَ أَنَا خَیرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنىِ مِن نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِینª (الأعراف 7: 12)، والمعنى ما منعک أن تسجد؟ و إلا کان إبلیس ساجداً ویکون محاسباً على سجوده، لأنه سیکون المعنى: ما منعک من عدم السجود؟ أی لمَ سجدت؟ فی حین أن المعنى هو: ما منعک من السجود أی لمَ لمْ تسجد؟ یدلّ على ذلک، قوله تعالى فی سورة «ص»: «قَالَ یَا إِبْلِیسُ مَا مَنَعَکَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِیَدَىَّ اَسْتَکْبرتَ أَمْ کُنتَ مِنَ الْعَالِینª (ص 38: 75)، فزیدت "لا" فی الأعراف توکیداً، ولم تزد فی «ص» وذلک أن المقام یقتضی أن یکون کل فی موضعه، وسیاق کل من القصتین یوضح ذلک» (2007م، ج 3، ص 342). ثمّ یقوم السامرائی بشرح هذا السیاق ومقارنته فی السورتین المذکورتین: «وبالنظر فی سیاق کل من السورتین یتضح سبب زیادة "لا" فی الأعراف، دون سورة «ص»، فإنّ التوکید فی سورة الأعراف أکبر، فاقتضى ذلک أن یؤتی ب"لا" الزائدة المؤکدة، یدلّ على ذلک بدؤه القصة فی سورة الأعراف بقوله: «وَلَقَدْ خَلَقْنَاکُم﴾. و"لقد" مؤکدان هما اللام و"قد"، وهی أعنی "لقد" جواب قسم عند النحاة، والقسم توکید بخلاف القصة فی «ص»، فإنها تبدأ بقوله: «وَإِذْ قُلْنَا﴾. والمؤکدات فی قصة الأعراف أکثر "لقد وزیادة لا، أنک من الصاغرین، أنک من المنظرین، لأقعدنّ، لآتیناهم، لأملأنّ جهنم منکم أجمعین، وقاسمهما إنی لکما لمن الناصحین". فناسب ذلک المجیء ب"لا" الزائدة المؤکدة. ثم أن مقام السخط والغضب فی قصة الأعراف أکبر، فناسب ذلک الزیادة فی التوکید والغلظة فی القول ویدلّ على ذلک أمور، منها: أنه طوی اسمه فلم یذکر فی الأعراف، فقال: «مَا مَنَعکَ ألا تَسْجُدª، فی حین ذکر اسمه فی «ص»، فقال: «قَالَ یَا إِبْلیسَ مَا مَنَعَک أنْ تَسْجُدَª. ویدلّ على ذلک صیغة الطرد فی الأعراف، قال: ﴿فَاهْبِطْ مِنْها فَمَا یَکونُ لَکَ أَنْ تَتکَبَّرَ فِیهَا فَاخْرُجْ أنَّکَ مِنَ الصَّاغِرینَª. وکرّر الطرد مرة أخری فی الآیة 18، قائلاً: «قَالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤوماً مَدْحُوراً﴾، ولیس کذلک فی سورة «ص»، فإنه قال: «قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّکَ رَجیمٌ وإنَّ عَلَیکَ لَعْنَتِی إِلى یَومِ الدِّینِª» (2007م، ج 3، ص 342 ـ347). ومن مواضع اهتمامه بالسیاق، قوله فی اختلاف المصادر المختلفة لفعل واحد، ونحن ندری بأنه قد یکون للفعل الواحد ولاسیّما الفعل الثلاثی، فله مصادر متعددة وذلک مثل «کفر» فمن مصادره الکفر والکفران والکفور، فالکفران أکثر استعمالاً فی جهود النعمة، والکفر فی الدین والکفور فیهما جمیعاً. والسامرائی لإظهار اختلاف المعنى فی المصادر المتقدمة، قال: «وقد وردت کلمة "الکفر" فی القرآن الکریم فی سبعة وعشرین موطناً، کلّها تدلّ على الکفر فی الدین، ووردت "الکفران" فی موطن واحد، وهو قوله تعالى: «فَمَنْ یَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ کُفْرَانَ لِسَعْیِهِ وَإِنَّا لَهُ کَاتِبُونَª (الأنبیاء 21: 94)، وهی بمعنى الجحود وتقابل الشکر. ووردت کلمة الکفور فی ثلاثة مواطن فی القرآن الکریم تحتمل المعنیین ... فکأنّ الکفور أعمّ من الکفر والکفران» (1424هـ، ص 19). ویقول فی موضع آخر: «و قد اختص القرآن الکریم قسماً من المصادر بمعنى معیّن کالصوم والصیام، فقد اختصّ کلمة "الصوم" بمعنى الصمت، قال تعالى: «فَکلُی وَاشْرَبی وَقَرِّی عَیْنًا فَإِمَّا تَرَیِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولی إِنّی نَذَرْتُ لِلرَّحْمَانِ صَوْمًا فَلَنْ أُکَلِّمَ الْیَوْمَ إِنسِیّاًª (مریم 19: 26)، ولم ترد کلمة الصوم فی القرآن الکریم فی غیر هذا الموطن. وکأنما لما کانت بمعنى الصّمت، جیء بها على وزنه وخصّها الله به. وأما الصیام فقد وردت فی تسعة مواطن من القرآن الکریم کلها بمعنى العبادة المعروفة» (المصدر نفسه، ص 20). ذهب السامرائی فی تبیین الفرق فی اختلاف النفی بین "لا" و"لن" إلى أنّ: «الحقّ أن "لا" و"لن" لمجرّد النفی عن الأفعال المستقبلة والتأبید وعدمه یؤخذان من دلیل خارج» (2007م، ج 3، ص 312). ویرى أنّ اختلاف النفی فی الآیتین الکریمین التالیین: «قُلْ إِن کاَنَتْ لَکُمُ الدَّارُ الاَخِرَةُ عِندَ اللَّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن کُنتُمْ صَادِقِینَ & وَلَنْ یَتَمَنَّوْهُ أَبَدَاً بِمَا قَدَّمَتْ أَیْدِیهِمْ وَاللَّهُ عَلِیمٌ بِالظَّالِمِینª (البقرة 2: 94 - 95) و«قُلْ یَا أَیهُّا الَّذِینَ هَادُواْ إِن زَعَمْتُمْ أَنَّکُمْ أَوْلِیَاءُ لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ الموْتَ إِن کُنتُمْ صَادِقِینَ & وَلا یَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدَاً بِمَا قَدَّمَتْ أَیْدِیهِمْ وَاللَّهُ عَلِیمٌ بِالظَّالِمِینª (الجمعة 62: 6-7)، فی ورود إحداهما بـ"لن" والأخری بـ"لا" لسبب اقتضاه المقام. فنفى الأول بـ"لن" أی "ولن یتمننوه" والثانیة بـ"لا" أی "ولا یتمنوه". وسبب ذلک أنّ الکلام فی الأولى على الآخرة: «قُلْ إِنْ کاَنَتْ لَکُمُ الدَّارُ الاَخِرَةُª، وهی استقبال فنفى بـ"لن"، وهو حرف خاصّ بالاستقبال. وإن الکلام فی الثانیة عامّ لا یختصّ بزمن دون زمن: «إِن زَعَمْتُمْ أَنَّکُمْ أَوْلِیَاءُ لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِª، فهذا أمر مطلق فنفی بـ"لا"،وهو حرف یفید الإطلاق والعموم. والله أعلم (السامرائی، 2007م، ج 3، ص 319). فلاحظنا أنّ السامرائی استعمل کلمة "المقام" و"الدلیل الخارج" لتعلیل مثل هذه العبارات، وإن هذا المصطلح یدلّ على دور السیاق وما یتعلّق به فی تحدید العلاقة بین النحو والمعنى.
4ـ6 الاعتماد على اللغة العربیة الحاضرة واللغة الدارجة الجدیر بالذکر هنا، أنّ السامرائی یهتمّ فی أثناء عرضه للآراء النحویة المختلفة بذکر وجهة نظره الشخصی ولا یکتفی بعرض الأوجه النحویة أو الخلاف النحوی بین النحویین، وإنما یتعقّبها بالبیان والإیضاح، یوجّه نظراً ما أو یتّخذ منها موقفاً مشخصاً ویستشهد على موقفه من أی قضیة من القضایا التی یعرضها أو موقف من المواقف بکلام العرب وقد یعتمد على اللغة الدارجة فی تحلیل بعض القضایا النحویة، فهو یشرح ویبرّر دلیل وقوع "لا" قبل القسم، فإنّه بعد ذکر الآارء المختلفة فی "لا المذکورة"، یقول: «فمنهم من ذهب إلى أنّ "لا" قبل القسم زائدة تفید التوکید، فمعنى "لا أقسم بیوم القیامة"، أقسم بیوم القیامة» (المصدر نفسه، ج 4، ص 146)، و«قیل: إن "لا" نافیة واختلفوا فی هذا النفی، فمنهم من ذهب إلى أنه یفید نفی أمر سابق قبل القسم ... وذهب الزمخشری إلى أنها للنفی والمقصود بذلک إعظام المقسم به ... وقیل: إنها لتوکید النفی الذی جاء فیما بعد ... » (السامرائی، 2007، ج 4، ص 147). فهو یذکر ایضاً آراء المعاصرین أمثال محمد عبده وبنت الشاطیء. وفی النهایة یصل إلى أنّ «هذا التعبیر ـ أی القسم ـ لون من ألوان الأسالیب العربیة، تخبر صاحبک عن أمر یجهله أو ینکره، وقد یحتاج إلى قسم لتوکیده، لکنک تقول له: لا داعی لأن أحلف لک على هذا، أو لا أرید أن أحلف لک أن الأمر على هذه الحال، ونحوه مستعمل فی الدارجة عندنا، نقول: ما أحلف لک أن الأمر کیت وکیت، أو ما أحلف لک بالله، لأن الحلف بالله عظیم أن الأمر على غیر ما تظن، أو ما أکول والله ان الأمر کذا وکذا أی لا أقول والله» (المصدر نفسه، ج 4، ص 149). وفی موضع آخر، یشرح فائدة أسماء الأفعال على الطلب بأنّ الفائدة منها هی المبالغة والتوکید، یقول: «ویدلّ استعمالنا لها فی اللغة الدارجة على ذلک، ف"اص" أو "هص" مقلوب "صه" أبلغ فی الزجر من اسکت وأشدّ، وقد نستعملها فی المواقف التی تستوجب الصمت المطبق کأن یکون موقف رعب أو موقف یستدعی الصمت لسماع شیء مهم» (المصدر نفسه، ج 4، ص 37). اختلفت الآراء فی نوع "الفاء" فی الآیة الآتیة: «وَرَبِّکَ فَکَبِّرْ & وَثِیَابَکَ فَطَهِّر& وَالرُّجْزَ فَاهْجُرª (المدثّر 74: 3 ـ 4 ـ 5). یذکر النحاة أن الفاء دخلت هنا لمعنى الشرط: «کأنه قیل: وما کان فلا تدع تکبیره» (الزمخشری، 1948م، ج3، 285)، وأما الظاهر فإنها زیادة فی التوکید والتخصیص هنا، فقدّم المفعول للتخصیص وجاء بالفاء زیادة فی التوکید، ونحوه قوله تعالى: «بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ وَکُنْ مِنَ الشَّاکِرینَª وقوله: «وَإیَّایَ فَارْهَبُونِª فجیء بالفاء زیادة فی التوکید (السامرائی، 2007م، ج 4، ص 94). وقد ذهب أبوالفتح إلى أنها زائدة فی نحو «وَرَبِّکَ فَکَبِّرª ونحوه أن یقال: "زیداً فاضرب وعمراً فاشکر" (الرازی، بلا تا: ج 30، ص 191). ویستدلّ السامرائی على ذلک من اللغة العربیة الدارجة، فقال: «والفاء لا تزال تستعمل عندنا فی لغتنا الدارجة فی العراق لتوکید الکلام، تقول: "والله ما أروح"، فإذا أکّدنا قلنا: "و الله فلا أروح"» (2007م، ج 4، ص 94). فقد ذکر السامرائی فی موضع آخر، الخلاف بین النحویین فی زیادة الکاف وعدمها فی قوله تعالى: «وَلَیسَ کَمِثْلِه شَیءٌª (الشوری 42: 11)، أو دخول "مثل" علیه، کقول الشاعر: «فأصبحوا مثل کعصف مأکول». یرى السامرائی أن الکاف لیست زائدة، وإنما هی على معناها وبیّن الفرق بین استخدام "مثل" وحدها وبین استخدام الکاف معها. فإن استخدام "مثل" دون الکاف هو نفی الشبیه القریب، وأما باستخدام الکاف معها فهو الشبه البعید و«لکنه قال: "لیس کمثله شیء" مریداً بذلک نفی المشابهة ولو من وجه بعید على معنى أنه لا یشبه شیء ولو من وجه بعید ...» (السامرائی، 2007م، ج 3، ص 55 ـ 54). یتابع السامرائی رأیه حتى یصل إلى قول الشاعر:
یرى السامرائی أنها هنا أیضاً لیست بزائدة وربَطَ الکلام باللغة الدارجة، فقال: «والمقق هو الطول، لأنّا نقول فیها طول ولا نقول: فیها کالطول. وهذه الزیادة سماعیة عند النحاة. والذی أراه أنها لیست زائدة، بل هی على معناها أیضاً ونحن نستعمل فی لغتنا الدارجة، فنقول: هذا القمیص بین مثل الطول وأری فیه مثل القصر، والمعنى أنه لیس فیه طول واضح أو قصر واضح، وإنما هو کأنما فیه طول» (المصدر نفسه).
4ـ7 الاعتماد على الحدیث النبوی لإثبات العلاقة بین النحو والمعنى قد یلجأ السامرائی إلى الحدیث النبوی الشریف فی توجیه المعنى. ففی مبحث "تشبیه الاسم الموصول بالشرط"، یقول: «قد یشبه الاسم الموصول بالشرط فتدخل فی جوابه الفاء، نحو: "الذی یدخل الدار فله مکافأة"، فإن دخول الفاء معناه أن المکافأة تترتّب على دخول الدار ترتّب الجزاء على الشرط،فیکون دخول الدار سبباً للحصول على المکافأة وأما حذفها فیحتمل السببیة وغیرها ... » (2007م، ج7، ص 108). وفی مسار ذلک والإتیان بالأمثلة الأخرى، یصل إلى الآیة الشریفة: «إنّ الَّذینَ فَتَنُوا المُؤمِنینَ وَالمُؤمِنَاتِ ثُمَّ لَم یَتُوبُوا فَلَهُم عَذابُ جَهَنَّمَ وَلهُمْ عَذابُ الحَریقِª (البروج 85: 10)، وقال: «إِنَّ الَّذینَ آمَنُوا وَعمِلُوا الصَّالحَاتِ لَهُم جَنَّاتٌ تَجْری مِنْ تَحْتِها الأنْهارُ ذلکَ الفُوزُ الکَبیرُª (البروج 85: 11). فجاء فی الأولى بالفاء دون الثانیة، وذلک لأن المقام والسیاق یقتضیان توکید الأولى، وذلک أنها جاءت تعقیباً على الذین فتنوا المؤمنین عن دینهم وجعلوهم فی الأخادید وأضرموا علیهم النار: «قُتِلَ أَصْحابُ الأُخْدُود & النَّار ذات الوقُود & إذْ هُمْ عَلَیْها قعُودª (البروج 85: 4-6)، فأکّد لهم العذاب بسبب فتنتهم المؤمنین عن دینهم. ویحتمل أن یکون حذف الفاء من أصحاب الجنة إشارة إلى أنّ دخول الجنة لیس بالعمل وحده، بل هو برحمة من الله وفضل کما ذکر الرسول J لأنّ العمل الصالح لا یبلغ أن یکون مقابلاً للجنّة، فیکون دخولها برحمة الله واقتسامها بالعمل، قال النبی J: «لن یدخل أحدکم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت یا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن یتغمدنی الله برحمة منه وفضل»، فحذف الفاء فی أهل الجنة، لأنها لیست السبب للدخول وجاء بها فی أهل النار لأن أعمالهم هی السبب فی دخولها، والله أعلم» (السامرائی، 2007م، ج 4، ص 111). 4ـ8 المشاکلة بین البناء اللغوی والمعنى من الأمور التی یمکن أن ننظر إلیها بعین الإعتبار فی دراسات السامرائی النحویة، دور المشاکلة بین البناء اللغوی والمعنى. ولذلک قد بدأنا فی توجیه هذا الادّعاء بذکر شاهد من کتابه، حیث قال: «ویبدو لی أنّها "یعنی أنی" تختلف عن "کیف" و"أین" من ناحیة أخری، هی القوة فی الاستفهام، وبناؤها اللغوی یوحی بذلک، فالتشدید الذی فیها والمدة الطویلة فی آخرها یرجحان ذلک» (2007م، ج 4، ص 219). ثمّ یشیر السامرائی هنا إلى دور المشاکلة فی اختلاف المعنى فی مفردات أخری: «وقد لوحظ فی کثیر من الألفاظ فی العربیة أن بناءها اللغوی مشاکل لمعناها، وذلک کما مرّ فی "من" و"ما" و"لن" و"لا"، ف"من" مقیّدة و"ما" مطلقة، وقد عرفنا أن "ما" أوسع استعمالاً من "من"، لأنّ "من" تکاد تکون مختصة بالعقلاء و"ما" تکون لغیر العقلاء ولصفات من یعقل، کما مرّ تقریر ذلک، و"لن" مقیّدة و"لا" مطلقة، وقد عرفنا أن "لا" أطول زمناً من "لن"، و"أنّى" فی آخرها مدة طویلة، بخلاف "أین" و"کیف". وقد عرفنا أنها أوسع استعمالاً منهما، فهی تجمع معنییهما، وربما زادت على ذلک معنى "متى" أو غیره، وهی أقوی استفهاماً منهما، فإن فی قوله تعالى: «أنَّى لَکِ هَذاª، من العجب ما لیس فی قولنا: "من أین لک هذا" وفی قوله تعالى: «أنَّى یَکُونُ لی غُلامٌª من التعجب ما لیس فی "کیف". وعلى هذا، فهی تختلف عن "من أین" و"کیف" من ناحیتین، هما السعة فی أدائها المعنى والقوّة فی الاستفهام، والله أعلم» (المصدر نفسه). رأینا فی قوله هذا بأن السامرائی قد صرّح بدور المشاکلة بین البناء اللغوی والمعنى فی دراساته النحویة، لا فی اسم واحد وهو "أنّى"، بل فی حروف مختلفة منها "لا ولن" وأسماء مثل "ما ومن الاستفهامیتین". فهو یشیر إلى معنى "لا" واختلافها مع "لن": «بذلک تکون الملاحظة الطریفة فی أنّ النفی بلا أطول من النفی بلن، لأنّ آخرها ألف، وهو حرف یطول فیه النفس، فناسب طول المدة بخلاف لن، ملاحظة صحیحة» (السامرائی، 2007م، ج 3، ص 318). 4ـ9 الدراسة الإحصائیة لإثبات قضیّة ما قد یتطرّق فاضل صالح السامرائی إلى دراسة إحصائیة فی القرآن الکریم لیرى صحة قول النحاة فی مسألة نحویة، مثلاً بالنسبة ل"إن" "إذا" الشرطیتین، یرى السامرائی أنّ «ما ذکره النحاة صحیح على وجه العموم، فإن "إذا" تستعمل للمقطوع بحصوله والکثیر الوقوع بخلاف "إن" التی أصلها الشک والإبهام أو ما هو أقل مما یستعمل ب"إذا". ویبدو ذلک واضحاً فی استعمال القرآن الکریم» (2007م، ج4، ص64). ولیثبت قوله هذا فیقوم بعملیة إحصاء[1]استعمال "إذا" فی القرآن الکریم، یقول: «یدلّ على ذلک أیضاً أن "إذا" على کثرة استعمالها فی القرآن الکریم، فقد وردت فی أکثر من ثلاثمائة وستین موضعاً، لم ترد فی موضع واحد غیر محتمل الوقوع، بل هی کلها إما مقطوع بوقوعها أو کثیر الوقوع بخلاف "إن"» (المصدر نفسه، ج 4، ص 65). فی موضع آخر، یعتمد على عملیة إحصائیة للسامرائی، علیّ فودة تحت عنوان الشرط بإن وإذا فی القرآن الکریم حتى یتبیّن صدق قول النحاة أو عدمه: «قالوا ولما کانت "إذا" تفید الجزم بالوقوع، غلب معها لفظ الماضی، لکونه أدلّ على الوقوع، باعتبار لفظه، بخلاف "إن" التی تستعمل فی المعانی المحتملة، والمشکوک فیها، فإنه غلب معها الفعل المضارع» (المصدر نفسه). وهذا قول الزرکشی فی البرهان (ج 2، ص362)، والتفتازانی فی مختصر المعانی (ص 60- 61) وصاحب الإیضاح (ج 1، ص 88). فالواضح أن قول النحاة هو أنهم قالوا إن "إذا" یستعمل معها الماضی أکثر من "إن"، ولذلک یقوم السامرائی بإحصاء دقیق ویستنتج: «وملاحظة النحاة هذه صحیحة، فقد وردت "إذا" فی القرآن الکریم - شرطیة وظرفیة - فی اثنین وستّین وثلاثمائة موضع، منها ثمانیة عشر موضعاً فقط، وردت بالفعل المضارع، والبقیة وردت بالفعل الماضی، مما یؤیّد ملاحظة النحاة» ( 2007م، ج 4، ص 66).
الخاتمة 1ــ إنّ الدارسات النحویة لفاضل السامرائی توظّف الدلالات والرموز للتعبیر عن الحالات الإعرابیة وتعتمد فی استخلاص معانی تلک الحالات علاقات الألفاظ داخل الترکیب، کما تعتمد فی إبراز المعانی ما یطرأ على اللفظ من تغییر فی البنیة زیادة أو نقصاناً، وعلى ما یحدث للألفاظ من تغییر فی مواقعها من تقدیم أو تأخیر وحذف وإضمار وما یحمله اللفظ من علامات التأنیث أو التذکیر والتعریف أو التنکیر والإفراد أو التثنیة أو الجمع، و ما تراعى فیه حالة المخاطب و ما یقتضیه السیاق وغیر ذلک من السبل والوسائل التی تؤدی إلى استخلاص المعنى أو التعبیر عنه وهذا ما نراه عند السامرائی والجرجانی بصورة مشترکة ویمکن القول بأن السامرائی لیس إلا منظراً عملیاً لآراء الجرجانی النحویة. 2ــ یجمع السامرائی فی تحدید العلاقة بین النحو وعلم البلاغة وعلم المعانی منها خاصة، فهو یرى أن النحو العربی انصرف عن مهمته وأصوله وهی تألیف الکلام وترتیبه وترکیبه وأحواله المختلفة ودور هذه التراکیب والأحوال فی تأدیة المعنىدأدیى . 3ــ یعتمد السامرائی فی تحدید العلاقة بین النحو والمعنى على السیاق والتراکیب الکلامیة والتعلیلات المنطقیة وقیاس التراکیب بعضها مع بعض مع اعتمادها فی شواهدها على القرآن الکریم وللشواهد القرآنیة فی کتب السامرائی النحویة حصة الأسد وقد أشار السامرائی إلى هذه القضیة، فهو یفهرس الآیات وینظر فی الفروق التعبیریة وفی السیاق الذی ورد فی کلّ تعبیر. 4- کان السامرائی فی کتبه النحویة أکثر توسعاً فی سرد الأحکام النحویة التی لها علاقة بتفسیر الجملة العربیة وتبین معنای التراکیب المختلفة بعیداً عن الآراء المتضارعة التی لا طائل فی ذکرها. قد یعرض المفردات النحویة عرضاً مختصراً وقد یبسط آراء النحویین ویعتمد على الشرح فی المفردات التی تؤثّر فی المعنى کالتقدیم والتأخیر، الذکر والحذف، التوکید، التشابه والاختلاف. و إنه لیس مجرد ناقل للآراء المختلفة النحویة، بل ینقدها ویمحّصها ویمیّز بین الصحیح والسقیم ببصیرة وملکة موهوبة مفنداً تارة ومرجحاً أخری مما یدلّ على تضلعه بهذا العلم واتساع آفاقه النحویة والأدبیة. [1]. والظاهر أنّ السامرائی فی الإحصائیة المذکورة، استفاد من مقالة الشرط بإن وإذا فی القرآن الکریم لعلی فودة. | |||||
مراجع | |||||
أ. العربیة: & القرآن الکریم
| |||||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 1,813 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 1,045 |