تعداد نشریات | 43 |
تعداد شمارهها | 1,639 |
تعداد مقالات | 13,339 |
تعداد مشاهده مقاله | 29,949,576 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 11,980,238 |
التوجّهات اللّغويّة في أشعار «رزوق فرج رزوق» | ||
بحوث في اللغة العربية | ||
مقاله 5، دوره 9، شماره 16، تیر 2017، صفحه 53-62 اصل مقاله (356.21 K) | ||
نوع مقاله: المقالة البحثیة | ||
شناسه دیجیتال (DOI): 10.22108/rall.2017.80640 | ||
نویسندگان | ||
مريم رحمتي* 1؛ أشرف فرهود2 | ||
1أستاذة مساعدة في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة رازي | ||
2طالبةالماجستير في قسم في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة رازي | ||
چکیده | ||
إنّ "رزوق فرج رزوق"، أحد الشعراء العراقيين في القرن العشرين، کان زميلا لــ"بدر شاکر السياب" و"نازک الملائکة" الذين نشأوا في جيل واحد وفترة وتوجه أدبي وشعري متقارب، وکذلک کانوا الأعمدة الرئيسية لإنشاء رابطة "إخوان عبقر" في الشعر واهتمّوا إلى امتزاج الأدب القديم بالحديث. اهتمّ الشاعر في ديوانه بأمر اللّغة وسماتها وکيفية استخدام الکلمات والعبارات لإلقاء ما يريده وإيصال مقصوده إلى متلقّيه. هذا المقال بمنهجه الوصفي التحليلي يرمي إلى دراسة أشعاره دراسة لغوية؛ وسنحاول من خلال الغور في بحثنا هذا أن نستکشف ونفرز التوجهات اللغوية في أشعار (رزوق فرج رزوق) وإعطائها تقسيمات رئيسية ترتکز على ثلاث محاور؛ هي الرجوع إلى التراث اللغوي، واستعمال اللّغة المحکية، واستعمال اللّغة البسيطة والسّهلة. إنّ الشّاعر اتّکأ على الموروث الأدبي وأجاد التّعامل معه وأصبح التراث الشعريّ مصدرا من مصادر إبداعه الشعريّ؛ واستلهم ما أعجب به وبصاحبه، من أشعار شعراء العرب ووظّفها توظيفا رصينا في إيضاح فکرته التي أراد إيصالها إلى المخاطب. لم يستخدم الشاعر اللغة المحکية (اللغة العامية) في قصائده إلا القليل، وذلک ما عرفناه من خلال ما قرأنا في أغلب قصائده، وبالنسبة إلى استعمال اللغة البسيطة نرى أنّ البساطة ملأت قصائده وأکثرها کانت خفيفة الظلّ على المتلقّي وغير متعبة للسّامع خالية من الغموض والتّعقيد. | ||
کلیدواژهها | ||
الشعر العراقی المعاصر؛ رزوق فرج رزوق؛ التراث الشعریّ؛ اللغة المحکیة؛ اللغة البسیطة | ||
اصل مقاله | ||
1ـ المقدّمة إنّ المرء، أیاً کان مستواه الثقافی، یستعمل فی حیاته الیومیة عدداً من اللغات، داعماً فکرته بمثال الفلاح الروسی البسیط الذی یتحدّث إلى أفراد أسرته بلغة، وینشد الأغانی بلغة ثانیة، ویتحدّث إلى المسؤولین فی منطقته الإداریة بلغة ثالثة، ویخاطب ربّه فی الکنیسة بلغة رابعة (صلاح، 2017، ص 1)، إذن کلّ نص هو أداء لغوی فی طبیعة الحال، سواء أکان النص أدبیاً أم غیر أدبی (المصدر السابق). أصبح الاهتمام بأمر اللّغة الشعریة أمر هامّ جدّا فی الدراسات الحدیثة لأنّ «اللغة الشعریة هی هویة الإبداع الشعری، وهی العلامة الدالّة على انتمائه إلى دائرة الشعر» (شداد الحراق، 2011، ص 1) ولکنّه لم یعتن دارسو الأدب عادة إلى هذا الجانب من الأدب. موضوع هذا البحث سیکون عن السیرة الذاتیة والأدبیة للشاعر العراقی «رزوق فرج رزوق» الذی لم تسلّط علیه الأضواء بالشّأن الذی یستحقّه ولم یکن موضع اهتمام لکثیر من النقاد والأدباء مع أنّ هذا الشاعر ـ رغم ذلک الکم من العطاء الذی لمسناه أدبا وشعرا ـ رافق لروّاد الشعر الحدیث وکان زمیلا لهم حتّى فی أیّام الدراسة أمثال بدر شاکر السیّاب ونازک الملائکة، وإن لم نکن مبالغین، فإنّ شعراء کثیرین سبقوه إعلامیا وسبقهم شعرا لأنّه جمع بین الشّعر والتّعلیم الجامعیّ فی مسار واحد، وطبعا کلاهما یؤدّی إلى طریق المعرفة. إذن هذه المیزات الشعریة أصبحت سبب اختیارنا للبحث عن حیاة الشاعر الأدبیّة. ویرمی هذا المقال إلى دراسة جانب معیّن من جوانب شعره (التوجّهات اللغویّه فی قصائده)، لیضع أمام القارئ صورة مشرقة ورایة خفاقة فی الشعر العربی فی العصر الحدیث. هذا الشعر الذی یأخذنا إلى التأصّل وروح الجدیّة الممزوجة بثقافة عالیة نراها خلیطة بین المفردات القدیمة والحدیثة محیطة بالمتانة والسلاسة ورقّة الأسلوب. هذا البحث بعد إعطاء نبذة قصیرة عن حیاة رزوق فرج رزوق و نشاطاته العلمیة، یتناول الأداء اللغویّ فی أشعاره و یرمی إلى الإجابة عن الأسئلة التالیة:
2ـ منهج البحث ینتهج هذا المقال المنهج الوصفیّ ـ التّحلیلیّ فی عرض آراء المؤرّخین والکتّاب واستخلاص نتائج البحث مع الغور فی قراءة أشعار الشاعر. وقد کان ثقل الاعتماد فی هذا البحث على دیوانین للشاعر هما «دیوان وجد» و«دیوان المسافر» وکذلک اعتمدنا على بعض الصحف العراقیّة والمجلات وعلى بعض الکتب فی مکتبات الجامعات العامّة والأهلیّة. 3ـ خلفیة البحث هنا یجدر أن نقول إنّنا ـ فی حدود ما قرأنا وبحثنا عن رزوق فرج رزوق وأدبه ـ وجدنا مقالا عنوانه «المیزات الفنیّة فی الشعر حول دیوان "وَجْد" لرزوق فرج رزوق» کتبه یوسف الخال عام 1956 عالج شعر الشاعر فی دیوان "وجد" معالجة فنیة. ولا یفوتنا أن نذکر إنّنا لم نعثر لحدّ الآن على دراسة أخلصت نفسها لدراسة أشعار "رزوق فرج رزوق" دراسة لغویة رغم أهمیّتها الواضحة، ویمکن القول بأنّه أصبح مفقوداً ومجهولاً فی عالمنا المعاصر بالنسبة إلى زملائه کبدر شاکر السیاب ونازک الملائکة فأفردنا له هذا المقال بغیة کشف اللثام عن مستویات الأداء اللّغویّ فی دیوانیه "المسافر" و"وجد" والتغیرات التی أصابت لغته الشعریة وهدفا إلى معرفة خصائصه اللّغویة.
4ـ رزوق فرج رزوق (1919 ـ 2003) ولد الشاعر «رزوق فرج رزوق» فی مدینة البصرة عام 1919، حصل على لیسانس اللّغة العربیّة بمرتبة الشرف من دار المعلّمین العالیة ببغداد عام 1944، وماجستیر الآداب من کلیّة الآداب بالجامعة الأمریکیة ببیروت سنة 1955، ودکتوراه الأدب العربی من معهد الدراسات الشرقیّة والإفریقیّة بلندن سنة 1963. عمل مدرساً ومدیراً على الملاک الثانوی بوزارة التربیة فمدرّسا ثم أستاذاً مساعداً ثم أستاذاً مشارکاً فی کلیتی الآداب والبنات بجامعة بغداد فمحاضراً بالجامعة المستنصریة ومعهد البحوث والدراسات العربیّة ببغداد فأستاذا فی کلیة نقابة المعلمین الجامعیة ببغداد (معجم البابطین، 2002، ج2، ص 332). إنّه کان من الطلبة الذین انشأوا رابطة (إخوان عبقر) التی ترنو إلى ممازجة الأدب القدیم بالحدیث وکان ممن معه بدر شاکر السیاب ونازک الملائکة وعبد الجبّار المطلبی (الجبوری، 2002، ج2، ص 374). قد شهد له کل من عرفه زملاء وتلامیذ بخلقه الرفیع، فقد اتّسم بتواضع العلماء الجم ووجهه الملیء بالبشر ولسانه العذب وضحکته الصادقة ولطفه وسماحته فهو ذو شخصیة محبّبة إلى القلب، دمثة یحیط بها جو شعریّ معطر بالمرح وله حین یصمت رهبة القدم، ورونق الجدید حین یتکلم (الخال، 1956، ص 14). أشرف خلال فترة تدریسه على عدّة بحوث منها عشرة رسائل للدکتوراه وخمسة عشر أطروحة للماجستیر. إلى جانب الإبداع الشعریّ الذی اتّسم به الشاعر رزوق فرج رزوق فقد کانت حیاته زاخرة بالإنتاج المعرفیّ کبحوث ومؤلّفات ومقالات نشرت فی مجلات وصحف وغیرها، لکنّه بنفس الوقت کان لدیه قصائد غیر مطبوعة غیر أنّ أصحاب الشأن والمختصین فی جمع وتنضید الأشعار والمخطوطات لم یغفل علیهم هذا الأمر (أنظر ملفّه الشخصی (سیرة ذاتیة ـ علمیة) فی کلیة التربیة ـ الجامعة المستنصریة). من دواوینه الشعریة دیوان «وَجد» الذی طبع سنة 1955 ودیوان «المسافر» الذی طبع عام 1971 ومن مؤلّفاته «إلیاس أبو شبکة وشعره»، «أبو عمرو الشیبانی»، «شعر أبی سعید المخزومی»، و«حقائق الاستشهاد للطغرائی» (الجبوری، 2002، ج2، ص 375). إلى جانب ذلک ساهم فی ترجمة قصائد الشعر الإنکلیزیّ إلى اللّغة العربیّة فی کتابه (مئة قصیدة فی الشعر الإنکلیزی) ورغم ترجمته فقد نجد شیئا منه ومن أسلوبه الکتابی فی هذه القصائد المترجمة وهو یتحدّث فی هذا الکتاب: «ونقلتُ أکثر هذه القصائد إلى العربیّة منثوراً وبعضها منظوماً … وکان منهجی فی الترجمة أن أحرص على الأصل، وأن أضیّق على قلمی مجال التصرف فلا ألجأ إلیه إلاّ حین یستدعیه داعٍ عربی من بیان أو تبیین» (فرج رزوق، 1978، ص 5 ـ 6).
5ـ التوجّهات اللّغویّة فی أشعار رزوق فرج رزوق للّغة دور هامّ فی الأعمال الأدبیّة لأنّ الأدب یقع فی اللّغة. کلّ أدیب یعرف بلغته المستخدمة؛ فهو یتمتّع بالسّمات والعناصر اللّغویة العدیدة لإلقاء ما یریده (روشن فکر، میرزایی و کاوه، 2012، ص 172). بعد التصفّح فی الکتابات وأشعار رزوق فرج رزوق وجدنا أنّه لدیه ثلاث استعمالات لغویّة یجب الوقوف علیها بتأنٍّ وهی الرجوع إلى التراث الشعری، استعمال اللّغة المحکیة المتداولة، استعمال اللّغة السّهلة البسیطة، ونجد هذه الاستعمالات تتفاوت وتتراکب فیما بینها فی القصیدة الواحدة وأحیانا تأخذ القصیدة نوعا واحدا من هذه الأسالیب اللّغویّة الثلاث وذلک لطبیعة حال القصیدة وما یرید إیصاله الشاعر إلى المتلقّی.
5ـ 1ـ الرجوع إلى التراث الشعری ولغته لا یخفى على أحد وبالتّحدید قرّاء الشعر ومتذوّقیه ومحبّیه العلاقة الوطیدة بین الشعر الحدیث والقدیم فیعدّ الشعر القدیم الدّعامة الأولى للحدیث وهو من اللبنات الأساسیّه فی بناء القصیدة ومن الکلمات القدیمة یستمدّ الشاعر ویبنی شعره ویصطفی منها ما یرید ویجمل بها قصیدته، لذلک یجب على الشاعر الحدیث ألاّ یسدّ مجرى هذا النّهر الکبیر، وإنّما لابدّ أن یحیاه مرةً ثانیة (سبندر، د.ت، ص 104). ولا تکاد تخلو النصوص الشعریّة من استعمال بعض المفردات أو التراکیب فی لغة الشاعر الحدیث ممّا یمنحها الإصالة والتدفّق، ولا یشکل العودة إلى تراث الأمة «انکفاءة أو رجعة إنّما هی إحیاء لکلّ ما أوثر عن الماضی الشعری من معطیات فنیّة إیجابیّة وهی إضاءة وتعمیق لرؤیا الشاعر وإحساسه بالاستمرار والتواصل الفنی» (أطمیش، 1982، ص 222)، وما تقدّم دلیل على أنّ التراث الشعریّ جانب أساسیّ لدى الشاعر ولکن هذا لا یعنی أن یقوم الشاعر بالتقلید المباشر والمبالغة والتّکرار فی ذلک لأنّ ذلک سیسهم فی ترخیص القصیدة وانطفاء توهّجها بدلا من سموّها والارتقاء بها. کما ینبغی «ألاّ یقع فی حدود الرّصف الجامد للّغة الموروث الأدبی، أو حشد صور القصیدة فی إطار المفردات الموروثة التی یتلقّفها الشاعر تلقّفاً غیر واعٍ؛ إذ إنّه وقع أسیراً فی شبّاک التلقّف بحدّ ذاته؛ فإنّ النظر سیبسط جناحیه على زاویة میتة تظلّ فیها خطوطه مراوحة فی مکانها، بل مراوحة مسیئة إلى لغة الأجداد التی کانت لغة عصر، وبهذا یکون حضور الشاعر الحدیث حضوراً فعلیاً فی زمنه، وهذا ما لا یتّفق مع سمات الشاعر الخالق» (راضی جعفر، 1998، ص 178)، والذی لابدّ ذکره وعدم الإغفال عنه أنّ الشاعر یجب أن یأتی بالکلمة ویضعها فی المکان المناسب فی الکلام أی أن لا یکون الغرض هو الإتیان بالکلمة وزجّها فی القصیدة دون معرفة ودرایة عمّا ستؤول إلیه داخل البیت الشعری وما ستقدّمه من جانب سلبی کان أم إیجابیّ، لأنّ «خیر ما فی عمل الشاعر، وأکثر أجزاء هذا العمل فردیّة، هی تلک التی یثبت فیها أجداده الشعراء الموتى خلودهم» (ألیوت، د.ت، ص 16). والحقیقة أنّ هذه الکلمات التی یذکرها الشعراء فی قصائدهم من التراث الشعری القدیم ما هی إلا آثار ذلک التراث الأدبیّ الذی ترسخ فی عقولهم لأنّ الشاعر یجب أن یکون ملمّا بکلّ أنواع الشعر من قدیم وحدیث وموروث وموجود لکی تکون له مساحة واسعة فی التلاعب بالکلمات واحتواء تعابیرها عند البدء بالکتابة والتوجّه لبناء قصیدته. ویبقى لکل شاعر توجّهه الخاص ومنحاه فی التعامل مع الموروث الشعری والأخذ به والطریقة التی یتّبعها فی تضمین ذلک الموروث لذلک «أصبح للکلمة عند کلّ منهم مکان خاص یبنی علیه استعمال خاص وأداء خاص» (السامرائی، د.ت، ص 200). الموروث الشعریّ واضح وضوح الشّمس عند الشاعر وقد أجاد التّعامل معه فی قصائده کیف لا وقد درس الأدب العربی سنین طوال وعزل ما فیه وشرب من صافیه. تحدّث هو نفسه عن هذا التأثیر فی مجموعة نظمها تحت عنوان (أصوات وأصداء) إذ قال:«وهی قصائد تلتقی تجاربها الشعریة مع تجارب شعریة لشعراء من العرب الأقدمین، فنلمح هنا لواحد منهم ظلاً أو نسمعُ هناک لثانٍ صوتاً أو نواجه هنالک لثالث موقفاً بارزاً من مواقف حیاته … وهی قصائد تؤمّل أن تکون مزیجاً مؤتلفاً من الأصوات والأصداء وتنشد أن تشدّ ما بین قدیم الشعر وجدیده من أواصر» (فرج رزوق، 1971، ص 77). إنّ التاریخ بأحداثه وظواهره وشخوصه وأبطاله منبع للوحی والإلهام فی الفنّ، یختار فیه الکاتب فترة بذاتها، یراها صالحة للتراسل مع راهنه ویجد فیها من الدّلالات ما یجعلها قادرة على إضاءة واقعه (الخطیب، 2014، ص172 ـ 173) وبالطّبع إنّ الشّاعر یختار من شخصیات التاریخ ما یوافق طبیعة الأفکار والقضایا والهموم التی یرید أن ینقلها إلى المتلقّی (عشری زاید، 1997، ص 120)، واستحضار هذا الماضی لیس عملیة سهلة بل یقتضی توفّر منهج خاص، یعید بناء الظاهرة التاریخیة، انطلاقا من الوثائق التاریخیة (مهدی، 2015، ص 45)، فبناء على هذا، إنّ الشّاعر قد جعل أسماء بعض الشعراء عناوین لبعض قصائده مثل: امرئ القیس، عنترة العبسی، الشنفرى، الخنساء، المتنبّی، الشهرزوری (دیوان المسافر، ص 58، 60، 63، 67، 69، 72 )، ویقول فی إحدى قصائده المشهورة التی یذکر فیها رمزا من رموز التاریخ العربی والأدبی القدیم (عنترة العبسی) فیتکلم بلسانه عن أوجاع قومه ومأساتهم حیث یقول: فعنترة فی أعماق السّجون وحسامه فی متحف الآثار ویقتاده الحوذیّ مغلولا فی المدینة: ماذا أقصُّ علیک ؟ / عنترة بأعماق السجونْ / وحسامه فی متحف الآثار، والفرس الجموحْ / یقتاده الحوذیّ مغلولاً معمّى فی المدینة (دیوان المسافر، 1971، ص 36) وقد یقترن اسما آخر فی أبیات قصیدته کالمتنبّی ببنی ضبَّة فی نحو قوله: یا قومَ ضبَّةَ، یا سکارى من دمی، طاب الشرابْ / لکمُ، لأبناء، وأحفاد، لأظفار، ونابْ / أن تشرعوا بیض السیوف، وترفعوا سمر الحرابْ / فأنا لها ولحدّها، ماذا أرجّی أو أهابْ؟ (المصدر السّابق، ص 71) ودلیلا على اطّلاع الشاعر بالأساطیر العالمیّة والتاریخیّة القدیمة یذکر شخصیّه (بنلوب) الذی یعتبر رمزا للوفاء والصّدق حین یبتعد عنها زوجها (یولیسیس) فی علاقة عاطفیّة یتوهّج بها الحبّ بین الطرفین ویکثر فیها الجانب الإحساسیّ وزرع الأمل بالحیاة ورسم التفاؤل بالمستقبل: قلبی کقلبک یولسیسْ / ما زال ماضیه یغنیه من الشط البعیدْ / وجدی کوجدک یولسیسْ / فی أبحر الظلمات، فی أسفارک الزرق القصیة / لکنّما ماتت بنیلوب الوفیة! (المصدر السابق، ص 83) وفی الأبیات التالیة یذکر الشخصیتین المعروفتین من قصص ألف لیلة ولیلة وهی (شهرزاد) و(شهریار) وهو یخاطب فیها امرأة لیوصل إلیها حبّه ویعبّر لها مدى تشوقه فی الوصول إلیها فی ضوء استعاری مجازی إذ یقول: وأنتِ یا عاشقة الشمسِ / یا قصة لم تروِها شهرزادْ / لشهریار ولیالی السهادْ ( دیوان المسافر، 1971، ص 14) وقد دأب الشاعر فی التعبیر عن الإصالة والعودة إلى موطن العرب الأول بذکر الصحراء، والبیداء، والبید، والقفار، والمفازة، والهیجاء، والعیس، والربع، والمرابع (انظر مثلاً : المسافر، ص 35، 51، 61، 62، 63، 65) وقد أفاد من هذه الألفاظ فی إیضاح الفکرة التی یرید إیصالها إلى المتلقّی فهو یستخدم (المرابع) مثلاً ـ وهی لفظة غیر شائعة الاستعمال فی لغة العصر ـ للدّلالة على الخصب والنماء، لأنّها جمع مربع وهو سکنى القوم فی فصل الربیع؛ فجاءت منسجمة مع موضوع الحبّ الذی یأتی بعد جهد وتعب عبر عنه الشاعر بـ(المفازة) لینتهی إلى السّعادة والاستقرار: یا ضوء رحلتیَ الطویلة فی المفازة، یا هوایْ / عیناک والأهل الأحبّة والمرابع والذمار (المصدر السابق، ص 63) وهو أیضا یذکر أسماء بعض الأماکن المتّصلة بهذا الموطن الأصلی، تلک الأسماء التی ردّدها الشاعر العربی القدیم مثل: سقط اللّوى، والدخول، وحومل ونجد (انظر مثلاً: المصدر السابق، ص 58، 68)، وأسماء أخرى تتّصل بالحضارات القدیمة أو الحضارة العربیّة الإسلامیّة کنینوى، والمدائن، والأندلس (انظر دیوان وَجْد، 1955، ص 59، 60 ودیوان المسافر، 1971، ص 6، 52). من الألفاظ القدیمة الموروثة التی لم تعد متداولة فی وقتنا الحالی وقد أصبحت من الألفاظ المنسیة فی الواقع المعاصر ولکن الشاعر استخدمها لذکراها الشعوریة کأدوات القتال: بیض الهند، والحسام، والسیف، والأسنة، والرماح، والسهام، والحراب (انظر مثلاً: دیوان المسافر، ص 36، 63، 70، 71)؛ فإنّ هذه الکلمات باتت قلیلة الاستخدام فی عصرنا هذا کلاما وشعرا ونجد الشاعر ذکرها ووصفها فی قصائده وذلک لما یرى فیها من قیمة حیة وتراثیة فی إیصال ما یروح إلیه وما یرید به للمتلقّی والسامع وهو الحثّ للثورة فیقول فی قصیدته (الفارس والمدینة): لا نقع، لا هیجاء، بیض الهند فی الأیدی بنادقْ / والسوح حصن تکمن الأبطال فیه أو خنادقْ / والحرب ـ یا ابن صراحة الصحراء والشمس الجلیلة / یا من قدّمت مع الأعنّة والأسنّة والبیارقْ (المصدر السّابق: 36 ـ 37). وقد ذکر فی القصیدة نفسها جمیع متطلّبات الحرب من السیوف والرماح والبیارق والخنادق وهو یصوّر جوّ المعرکة ویجمع بین صورتین من صور المعرکة بأسلوب خاص وکذلک بدأ یرسم طابعا دینیّا فی القصیدة وهو یذکر صلب الیهود للمسیح حین یقول: وصدئ الطبول یعمّ أرجاء المدینه / یعلو، یدوّی، یملأ الأسماع، یخنقها، یصیح / ثوب المسیح لنا، لنا ثوب المسیحْ (المصدر السابق، ص 38) ولا عجب أن نجد فی دیوان رزوق فرج رزوق بعض الأشعار التی أعجب بها وبصاحبها وقد أدخلها فی قصائده ووظّفها توظیفا محکما لأنّه قبل أن یکون شاعرا هو أستاذ فی الأدب العربی وأؤکد أنّ هذه الأبیات قد وجدت لها مکانا قیاسیا فی شعره لم تأتِ عن فراغ فقد کانت له قصیدة جعل عنوانه «المتنبّی» فقد کانت مقدّمتها بیتا للمتنبّی: فَصِرتُ إِذا أَصابتْنی سِهامُ / تکسَّرَت النِصالُ عَلَى النِصالِ (دیوان المتنبّی، د.ت، ص 271) ولم یکتفِ بهذا فقط، فقد فعل ذلک فی قصیدة عنترة فأخذ بعضا من معلّقته وأخذ یردّدها فی قصیدته فیقول: یدعون عنتر والرّماح تنوشهم: أنا للرماحْ / یا داعی الهیجاء قد أسمعتِ، موعدُنا الصباحْ / … / ما قد تشقّق من صخور أو تحرَّق من حِرارْ / سأشکُّ بالرمح الأصمِّ ثیابهم، أنا یا دیارْ (دیوان المسافر، 1971، ص 62 ـ 63) وقد یذکر الشاعر أحیانا عبارة أو کلاما مشهورا ومأثورا کان یردّد من قبل مثل قول امرئ القیس حین قتلوا والده (الیوم خمر وغدا أمر) التی قالها رزوق فرج رزوق فی قصیدته (امرئ القیس): فقال:"الیوم خمر" یا سقاةَ رحیقها، یا شاربینْ / لا تنکشفْ عن حسرة شفةٌ ولا ینطقْ جبینْ (المصدر السابق، ص 59) ویتصرّف بها فی القصیدة نفسها على نحوٍ تقتضیه طبیعة الشعر والموضوع: الیوم خمر، والغد المخبوء فی عمر الزمانْ / أمر، ستزدحم العصور المقبلات على العصورْ (المصدر السابق) وبذلک استطاع «رزوق فرج رزوق» أن یتعامل مع الإرث الشعری بکلّ حذر وخطوات متأنیة وراکزة راصفا الکلمة فی مکانها المناسب کی لا تنعکس سلبا على قصائده وهذا دلیل على ثقافته الواسعة وحسّه الأدبی والعلمی کشاعر وأدیب وأستاذ جامعیّ.
5ـ 2ـ استعمال اللّغة المحکیّة ومن اللّغات التی یستعملها الشاعر، اللّغة التی تکون قریبة من حیاته أولا والتی یکون قادرا على توظیفها ثانیا. وهذه القدرة تدعمه فی إیصال ما یرید إیصاله من خلال هذه المفردات والتراکیب التی انتقاها وزیّن بها أبیاته وهی لغة الحیاة الیومیّة ونعنی بها «تلک اللّغة التی تکون مفهومة لدى عامّة الناس بحیث تجیء بسیطة غیر مستغلقة تنطلق من صوغ المتداول على أفواه الناس صیاغة نحو» (راضی جعفر، 1998، ص 160)، کما أنّها تعنی الألفاظ المتداولة التی اکتسبت دلالات جدیدة بعد أن غادرت دلالاتها الأصلیة. وقد تعتمد هذه اللّغة من حیث تجانسها مع القصیدة وابتعادها عنها على مهارة الشاعر وقدرته على مزجها مزجا رصینا کی لا یکون وجودها متکلّفا یؤدّی إلى برودة القصیدة بدلا من زیادة حرارتها وبالتّالی التأثیر فی البناء ووحدة الموضوع والصورة الشعریة. وتأخذ مفردة الحیاة الیومیة أهمیّتها ودلالاتها من خلال مقدرة الشاعر فی تشکیل العلاقة اللّغویّة والسیاق الذی تجیء فیه «وفی إیحائها وإیقاعها اللّذین لا یغیّران ما ألّفته الأذواق الشعریّة … بل یعطیان القصیدة حیویّة وحریة وانطلاقة ما کانت لها قبل ذلک» (المقالح، 1981، ص 195) والذی یجعل ذلک موضوعا کاملا مصطفى متوهّجا بالحرکة والحیاة وذات دلالات شعبیّة مفهومة. وعن طریق ما قلناه سابقا، بدأ «رزوق فرج رزوق» فی استعمال هذا الأسلوب فی شعره وذکر مفردات وتراکیب وعبارات اللّغة المحکیة مع الأخذ بنظر الاعتبار حاجة القصیدة إلى هذه المفردات والتراکیب من عدمها وتأکیدنا على ذکر کلمة من عدمها وللتذکیر على أنّ الشاعر لم یستخدم اللّغة المحکیة فی قصائده إلا القلیل، لأنّه على یقین أنّ النقاد یأخذون علیه مأخذا آخر فی حالة إکثاره من ذلک فالکثیر لا یحبذ المفردات العامة فی الشعر الحدیث ویراها من باب النقص فی ثقافة الشاعر العامة وبابا من أبواب الرکاکة الشعریة وترى استخدامه لتعبیر «مش قلیل» الذی جعله عنوانا لقصیدته وهذه الکلمة، حقیقة، غیر مستخدمة فی العراق فی المصطلح العامی وإنّما فی دول عربیة أخرى مثل مصر ولبنان وسوریا رغم أنّ الشاعر عراقی الأصل أمّا وأبا فیقول فی هذه القصیدة (مش قلیل): فی کل لحن من ترنّمه الجمیلْ / تنساب همستکِ الرقیقة: "مش قلیلْ!" (دیوان وجد، 1955، ص 37) ونرى فی المقطع الثانی الذی یبدأه فی نفس الکلمة غیر أنّه یأتی بها منفیة وهو یخاطب صاحبته وقد أعجبته کلمة (مش قلیل) فمرّة یأتی بها لوحدها ومرّة یسبقها بنفی کقوله: لا، مش قلیلْ! / إِنی أُحسُّ کأنَّ شیئاً فاض من قلب النجومْ / شیئاً أعزّ من الضیاء (المصدر السابق، ص 38) وکذلک نرى الشاعر یرسم الجوّ الذی یعیشه مع محبوبته ویبالغ فیه بکلمة (مش قلیل) أی إنّ کلّ ما یصدر عنها هو شیء غیر عادی وفوق الحدود وهو یرسمه لنا أنّه أعزّ من الضّیاء وقد فاض من أعالی النّجوم وهذا دلیل على أنّ الشاعر قد أحسّ بالکلمات قبل کتابتها ولم یأت بها للإسهاب والتکلّف بل جاءت مطابقة لما تحتویه القصیدة من تجانس بینها وبین الشاعر فیقول: وتقاصر اللّیل الطویلْ / لما تألّق بابتسامته محیّاک النبیلْ / وسمعت همستکِ الرقیقة: "مش قلیلْ!" / لا، مش قلیلْ! / إنَّ النشید الحائر الآفاق یظفر بالصدى / والأمس یُقْبِلُ من متاهات السنینْ / متجدّد البشرى لیحتضن الغدا (المصدر السابق، ص 38 ـ 39) وفی نفس الجملة (مش قلیل) التی بدأت نراه یختتم بها وکأنها أصبحت منصتا للانطلاق بین الحین والآخر ونغمة مشت على سلّمها موسیقى القصیدة بأکملها بدایة وختاما: لا، مش قلیلْ! / إنّی أراک، وثغرک البسام یهتف: "مش قلیلْ!" وفی قصیدة (الفارس والمدینة) یستعمل مثلاً شعبیاً دارجاً هو (القاع قفر والمزار بعید)، فیقول: یا فارس الصحراء إن أقبلتَ تبحث فی المدینة / عن غادة الأحلام، عن حسناء قلعتک الحصینه / ماذا أقصّ علیک؟ / أخباری وأشعاری حزینة / "القاعْ قفرهْ والمزارْ بعیدْ" والزرع الحصیدْ / نهبتهُ ارتال الجرادْ (دیوان المسافر، 1971، ص 37) إنّها من القصائد الثورویة المبطنة ذات المفهوم البعید الممزوج بالغموض التی تحتاج إلى السیمیائیة فی التحلیل التی یخاطب بها فارس الصحراء والذی یطلب منه ویستنجده أن یصبح محرّرا لهذه الأرض التی انتهکت وهو یذکره بغادة أحلامه (حسناء قلعتک الحصینة)، یشرح لهذا الفارس ما فعله الأشرار بالأرض من دمار وخراب ونهبوا خیراتها وأکلوا زرعها ویخبره أنّه یجب أن یتهیّأ لهم إذا أراد تحریرها ویعدّ العدّة لهم والعدد وأن یصبر لأنّ أمامه صعوبات جمّة. من الواضح أنّه یرید أن یکون صادقا معه حتّى لا یتفاجئ بما سیراه ولا یرید أن یضلّل علیه الأمور والدلیل على صحة الکلام استناده فی الشعر بالمثل الشعبی (القاع قفر والمزار بعید)، أی إنّک تستطیع أن تحقّق ما نریده بالسّعی وبذل الجهد حتّى لو کان ما تتمنّاه بعید المنال. فقد جاء المثل تعبیرا صادقا عمّا یرید أن یقوله الشاعر وکان محله شاهدا واضحا لفحوى القصیدة.
5ـ 3ـ الأداء باللّغة السّهلة نعنی باللّغة السهلة والبسیطة هی اللّغة المتواجدة على ألسنة العامّة من النّاس التی لا یعتریها الغموض والتعقید فتکون رطبة فی اللّسان، خفیفة على الآذان، جزلة الفهم، سهلة الحفظ، لا تحتاج إلى شرح بعیدة عن التکلّف، أی إنّ الشاعر یکتب ما یملیه علیه إحساسه فی أوانه «فلا لفظ موروث یندر استعماله نتوقف عنده، ولا مجاز مموّه، ینقر المخیّلة، فیستفزّها للتدبّر» (راضی جعفر، 1998، ص 230). إذا أمعنّا النظر جیدا، نجد هذا النوع من التوجّه یعر أکثر أهمیّة للمعنى على حساب اللفظ وهذا مأخوذ به عند بعض المدارس الأدبیة وأصبح موضع خلاف عند أصحاب المدارس الأخرى الذین یعنون باللّفظ على المعنى، أی إنّ الشاعر تأخذه أحاسیسه إلى حیث ترید معطیا زمام الأمور لما تملیه علیه مشاعره غیر مکفنة بکفان اللّفظ وهو فی رأیه أنّ المعنى یکون رباطه أشدّ بین القصیدة والمتلقّی وخاصّة حین ترتأی القصیدة للوصول إلى أکثر من فئة فی المجتمع لأنّ أغلب الناس لیسوا على درایة کافیة بالکلمات المبهمة والعسیرة الفهم وقد یقع فی هذا المطلب حتّى الذین یستهوون الشعر وبالتّالی ستتعمّق الفجوة بین السامع والقصیدة وهذا ما لا یطمح إلیه الشاعر. وأیضا الاهتمام بالمعنى یفسح مجالا أوسع للشّاعر للتّعبیر عن خلجات إحساسه ولا یضع عائقا بینه وبین تدفّقه التصویری. أمّا إذا جاء المعنى على عکس ما شرحناه ولم یصل المراد فتکون القصیدة بذلک قد خسرت البابین؛ باب اللفظ وباب المعنى ویتغیّر رسم الکلمات من شعر إلى کلام عادی واللغة الخطابیة والسفسطة التی لا تمتّ إلى الشعر بشیء. إن المتطلّع لأشعار «رزوق فرج رزوق»، یجد أکثر قصائده تنطبق علیه ما تطرّقنا إلیه من حیث الجزالة وسهولة اللفظ والمعنى البسیط مع التعبیر المفهوم والبعد عن التقعر اللفظی. حسب رأیی إنّ هذا لو أردنا تحلیله إنّما جاء عن طریق شخصیته نفسها التی تملؤها العفویة والوضوح وإحساسه المرهف وکلامه الصّادق الذی یسوقه للتّعبیر حتّى فی قصائده ونلمس ذلک حتى فی أشعاره الغزلیة وکلامه عن الحبّ نجده خفیف الظلّ على المتلقّی وغیر متعب للسّامع، لأن انفعاله استطاع أن ینمّی الصورة الشعریّة بیسر وهدوء واتّحاد بین الفکرة والوسائل التعبیریة حین یعبر عن سعادته فی الحب: أنا فی الطریقْ / کفّی على قلبی، تطمئنّه، تقول له: تعودْ! / ستطوف بالروض ابتسامتُها .. سینضر کل عودْ / ستفوح أشذاء الورودْ (دیوان وجد، 1955، ص 13) وحیث نقلنا إحساسه الصادق فی تعبیره عن قصائده الغزلیّة فهذا لا یعنی اندثار مجرى صدقه فهو کالنهر یماشیه فی کل قصائده ولباس العفویة ملازمه أینما ذهب بتعابیره، فما للغموض مکان عند الشاعر والبعد بینهما بین الثری والثریا. إذا کانت الألفاظ البسیطة والمعانی المیسرة تستطیع أن تصل بالقصیدة إلى بر المتلقی وأیضا إلى إرضاء الشاعر من إشباع أحاسیسه والتعبیر الکامل عنها فأصبحت الحاجة إلى التعقید والغموض منتفیة وأعتقد أنّ هذا الطریق الذی مشى علیه الشاعر، فقد نقلت هذه البساطة ما فی الشاعر من أفراح وأحزان وأخرجت ما یلوج فی داخله برسم الکلمات على الورق. إنّ الشاعر یرى أنّ القصیدة لیست ملکه وحده بل هو شریک بها بینه وبین المتلقّی وهذه الشراکة تلزمه بحیادیة البساطة فی القصیدة لإرضاء أکبر عدد من السامعین وانجذابهم لکلماتها على أن نضع فی نظر الاعتبار أنّ الابتذال فی اللّغة لیس بابا من أبواب البساطة واللّغة البسیطة کالسّهل الممتنع حاشا أن یکون هشّا رکیکا وإن کان فهو یأخذ بالقصیدة إلى أنفاسها الأخیرة بدل من إحیائها. وفی قصیدة أخرى سمّاها (المشاهدون): إذ یقول: سیغضب المشاهدون عندما الستارْ / یسقط، والقصة فی أوّلها والفارس المغوارْ / على حصان أشهب یخترق القفارْ / وسیفه مجرد، ظمآن للدماءْ / والغادة الحسناء فی مخابئ الأشرارْ / تصرخ فی الأسارْ / سیرجع المشاهدون الیوم من معرکة الهواءْ / لا طبل لاغناءْ (دیوان المسافر، 1971، ص 44 ـ 45) وکما نلاحظ إنّ هذه القصیدة تملأها البساطة بحذافیرها وخالیة من البعد والتعقید ماشیة على سجادة العفویة. هو یعبّر عن حالته النفسیة التی أوجزها بهذه السلاسة لأن القصیدة اقترنت بالکلام عن الوطن والنظم له. وهذا النوع من القصائد یسترعی لإصغاء أکبر عدد من السامعین وإذا أردنا البحث عن الکمیّة لابدّ لنا من زرع قصیدة ذات طابع بسیط کی تسری بعقولهم کسریان الدواء فی البدن. ویبدو أنّ «رزوق فرج رزوق» لا یتکلّف فی صنع البساطة ویذهب لها فنراها جزءا من طبعه فی الکتابة وأداة من أدوات توجّهه الأدبی وذلک لأننا نلمس ذلک فی أغلب قصائده المنشورة وغیر المنشوره. 6ـ الخاتمة وفی نهایة بحثنا وبعد الغوص فی الأدوات التی استخدمها الشاعر لتضمین أشعاره لغویّا توصّلنا إلى ما یلی: قد جعل الشاعر الرّجوع إلى التّراث الشعری، وسیلة من وسائل کتابة شعره وأجاد فی توظیفها وذلک لکونه متطلّعا فی دراسة الأدب العربی وأستاذا للّغة العربیة وتحدّث هو نفسه عن هذا التأثیر فی مجموعة نظمها تحت عنوان (أصوات وأصداء) فی دیوانه (المسافر)، إذ جعل أسماء بعض الشعراء عناوین لبعض قصائده مثل: امرؤالقیس، عنترة العبسی، الشنفرى، الخنساء، المتنبّی، الشهرزوری أو یذکرهم فی أثناء القصیدة مثل (عنترة) الذی استحضره وهو یتحدّث عن محنة قومه وابتلائهم، فضلاً عن ذکره أسماء أخرى ترتبط بالموروث مثل: المرابع، سقط اللوى، الدخول، حومل، نجد وأسماء تتّصل بالحضارات القدیمة أو الحضارات العربیة الإسلامیة مثل: نینوى، المدائن، الأندلس فضلا عن ذکر أدوات القتال التی بات ذکرها نادرا فی الشعر الحدیث مثل: بیض الهند، الحسام، السیف، الأسنة، الرماح، السهام، الحراب. وقد ضمن شعره أبیاتاً کاملة لشعراء قدماء یجعلها مقدمة لقصائده. وأمّا من منطلق استعمال اللّغة المحکیة، فقد وظّف الشاعر اللّغة المحکیة وبعض المفردات والتراکیب بتعبیر سلیم جاءت من خلال دلالة تنسجم مع الوظیفه النفسیّة والسیاق الفنّی للقصیدة واللّغة المحکیه قلیلة فی شعره وکذلک إنّ أکثرها متفرّعة من أصول فصیحة. إنّ الشاعر باستعماله اللّغة السهلة، قد حوّل فی ذلک القیمة الانفعالیة إلى قیمة تعبیریة إذ یعنی بأحاسیسه تارکا الألفاظ تتمثّل ذلک الإحساس. وبذلک یستطیع الشاعر أن یمدّ جسور المشارکة الوجدانیة بینه وبین متلقیه وقد وجدنا ذلک من صفات الشاعر وهی بساطته فی التعبیر ویسره وعفویته وکذلک العاطفة الصادقة والاحساس التلقائی المرهف. | ||
مراجع | ||
المصادر و المراجع
http://www.diwanalarab.com/spip.php?page=article&id_article=30369
http://tishreen.news.sy/?p=72784
17. المتنبّی، أبو الطیب أحمد بن الحسین. (د.ت). العرف الطیب فی شرح دیوان أبی الطیب. (شرحه: ناصیف الیازجی). بیروت: شرکة دار الأرقم بن أبی الأرقم. 18. المقالح، عبدالعزیز. (1981). الشعر بین الرؤیا والتشکیل. بیروت: دار العودة. 19. مهدی، وفاء. (2015). البعد التاریخی فی روایة «کتاب الأمیر» لواسینی الأعرج. أطروحة الماجستیر. جامعة محمد بوضیاف ـ المسیلة. | ||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 790 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 389 |