تعداد نشریات | 43 |
تعداد شمارهها | 1,659 |
تعداد مقالات | 13,576 |
تعداد مشاهده مقاله | 31,251,123 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 12,308,448 |
دراسة قصيدة «من مذکرات المتنبّي في مصر» من منظور أسلوبيّ | ||
بحوث في اللغة العربية | ||
مقاله 7، دوره 8، شماره 15، دی 2016، صفحه 77-98 اصل مقاله (862.75 K) | ||
نوع مقاله: المقالة البحثیة | ||
نویسندگان | ||
سيد رضا ميراحمدي* 1؛ علي نجفي ايوکي2؛ زهرا سهرابي کيا3 | ||
1أستاذ مساعد في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة سمنان (الکاتب المسؤول). | ||
2أستاذ مشارک في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة کاشان | ||
3طالبة الماجستير في اللغة العربية وآدابها بجامعة کاشان. | ||
چکیده | ||
إن الأسلوبية منهج نقدي لسانيّ تقوم على دراسة النصّ الأدبي دراسة لغوية وفکرية، لاستخلاص أهم العناصر المکونة لأدبيّة النّصّ؛ إذ تجعل النّصّ الأدبي منطلقها الأصليّ. ولخطورة هذا النّهج في استکناه المفاهيم المکنونة وراء الشکل تستهدف هذه الدراسة إلى تطبيق الأسلوبية بمشوار المنهج الوصفي ـ التحليلي على قصيدة «من مذکرات المتنبّي في مصر» للشاعر المصريّ المعاصر أمل دنقل؛ باعتبار الشاعر من أبرز أقطاب الحرکة الأدبية في مصر وواحد من الشعراء العرب المعاصرين الّذين اتّجهوا إلى الإبداع في المعاني واللغة الشعريّة تزامناً مع حرکة الحداثة، حيث نراه يلفت أنظار النقّاد بترکيزه على لغته الشعريّة جنب اهتمامه بالمضمون والمفهوم، غير أنّه يحرص على إخراج نصّه الشعريّ عن مألوف الکلام وعمّا هو معيار بحيث يؤدّي ما ينبغي له أن يتّصف به من تفرّد وإبداع وقوّة جذب. ومن أهمّ ما ينتج البحث أنّ أمل دنقل حاول أن يجسّد هواجسه السياسيّة والاجتماعيّة في خلد المتلقّي عبر التقنيات المختلفة. والقصيدة بمجملها تحتوي على التوازي والتماثل بين ما أراد وما قاله الشاعر. ودنقل يجعل المکافحين والثوريين رموزاً في قضية التشبّث بتراب الوطن، في حين يهجم على الذين يستحوذ عليهم الذّل والخوف. وهکذا أخذ يقدّم تجاربه المعاصرة للمتلقّي بشکل رمزي ليصبح صوتاً صارخاً في الحثّ على الثورة والمقاومة تجاه جميع ألوان الظلم والاستبداد. | ||
کلیدواژهها | ||
الأسلوبیة؛ أمل دنقل؛ التّقنیات؛ الانزیاح | ||
اصل مقاله | ||
المقدمة نظم دنقل الشعر فی فترة زمنیة قصیرة هی فترة الهزائم التی لا تزید على عقدین: عقد الستینات والسبعینات، ولکنها فترة مهمة جدا من تاریخ مصر والأمة العربیة، إذ هی فترة الهزیمة والاهتزاء والتفسّخ، وعکس فی شعره ذلک فجاء خیر معبّر عن تطلعات الشعب المصری وهمومه وآماله وطموحاته. وشعر الشاعر هو شعر التراث العربی والإسلامی بل شعر التراث الإنسانی «استرفده الشاعر وجعل منه عصارة حیة، تسری فی أعطاف قصیدة بمفاهیم جدیدة، ودلالات عصریّة متوهجة، حتّى لیحقّق لنا أن نلقیه بشاعر التراث الإنسانی» (قمیحة،1987،ص 6). ومن تفرّده أنه کان ینظر إلى التراث کقیمة فکریة، أخلاقیة، منهجیة، سلوکیة فی مجال السیاسة والحرب والسلام والعلاقات الاجتماعیة. هذا وإنّ شعر الشاعر تمیز «بالجدّیة والتحدّی ومواجهة المواقف ولذلک لم یکن من الشعراء الذین یهابون الدخول فی معارک قد تجرّهم إلى المشکلات، فقد کان دائماً صادقاً مع نفسه أکسبه صعید مصر شهامة وشجاعة الرجال» (الدوسری،2004، ص 29). ویتجلّى شعره بخاصیة بارزة تتصل بمحتواه القومی من هذا المنظور، فهو شعر یتحدث عن الصِّراع العربی الإسرائیلی، کما یجعل منه شعراً جدیراً بأن نسترجعه ونستعیده بالوجع الفلسطینیّ، ومع إحساس بالعجز عن الدفاع عن الحقوق العربیة واسترداد ما سلب منها. ومن البدیهی اکتسبت قصائد دنقل تمیزاً خاصاً أرهص بتطور اتجاه قائم بذاته فی الشعر العربی المعاصر، وهو اتجاه عمل على الانطلاق مما راکبه جیل الخمسینات من خصائص فنیة نوعیة، لیعانق الفضاء الشعری الأرحب الذی یعنی بتطور شکل القصیدة العربیة بقدر ما یعنی بالإخلاص للموقف الاجتماعی و الإنسانی. وهو اتجاه رأى فی التراث العربی مادة غفلاً، فحاول أن یستثمرها من خلال طرق فنیة تعید إلیها توهّجاً وتجعلها قادرة على منح القصیدة العربیة بعداً جمالیاً متمیزاً، یصل الحاضر بالماضی، ویبنی الجسور المهدومة، دون أن یعتری تلک الممارسة وهو بالتالی اتجاه ظلّ مشدوداً إلى التجدید الذی یراعی خصوصیة الأصالة العربیة، أی دون أن یعلن عن قطعیة محتملة بینه وبین تراث الأمة الشعری. وذلک من خلال الانطلاق من التراکم المتحقق کأساس بنیة تطویر وتحدیثه. ومن جانب آخر «تعرف القصیدة الدنقلیة برفضها للتجریب المتطرّف الذی قاده بعض الشعراء الحداثة وهو رفض یبرّره الهاجس القومی الذی یرى فی ربط الصلة بالتراث بغیة تجدیده ومدّه بأسباب الحیاة، خطوة أساسیة فی إستراتیجیة تصحیح الفکر العربی الذی تعرّض لرجّات عنیفة بفعل سلسلة من الهزائم العسکریة والتراجعات السیاسیّة، کان لها الأثر الکبیر فی فقدان الهویّة والشعور بالدونیّة» (المساوی،1994، ص 430). لذلک یرى النقّاد أنّ غالب شعره هو شعر سیاسی یستلهم فیه التراث بشکل کبیر کأقنعة للإسقاطات السیاسیة الغزیرة والرّافض فیها للواقع والناقد الساخر للسلطة. وما یجدر الإشارة هنا أنّ لدنقل آراء خاصة حول الشعر ووظیفته، حیث قال: «الشعر یجب أن یکون مرتبطاً بالثورة؛ لأنّه هو نفسه یجب أن یکون ثورة. فالرؤیة الشعریة هی رؤیة سابقة على الواقع، وهی رؤیة ترید أن تغیر الواقع الموجود وترفضه حتّى لو کان مقبولاً عند کثیر من الناس، أی أنّها تحلم بواقع أفضل للإنسان وبعلاقات فضلى بین الناس، وبعلاقات مختلفة حتّى بین الأشیاء أکثر سمواً ومثالیة. الشعر نفسه هو ثورة على الواقع، على العلاقات الموجودة والمألوفة فی الواقع» (جحا،1999، ص 243). وعلى هذا الأساس یمکن استخلاص هذه النتیجة بأنّه یرى ماهیة الشعر الأساسیة متّخذة من صلته بالناس؛ لأنّ له دوراً اجتماعیاً وسیاسیّاً یجب أن یعلنه ویلعبه وأن یکون متّصلاً بجماهیر الناس قریباً من إدراکهم. ورغم تعلّقه بالثورة لم ینخرط فی أی حزب سیاسی مخافة أن یفقد حریته وقد التزم بالشعر کوسیلة للتعبیر عن الثورة والتغییر وعن هموم الوطن والدفاع عن عروبة مصر. وما یعمد إلیه البحث دراسة قصیدة «من مذکرات المتنبّی فی مصر» من الجانب الأسلوبیّ؛ التماساً لفهم جمالیاتها من خلال استکشاف مستویاتها ومدى تأثیرها على المخاطب. ثمّ تشریح الدواعی التی أدّت إلى إنشاد مثل هذه القصیدة ومعرفة أسلوب الشاعر فی شحن القصیدة بحالاته الدّاخلیة. ومن أهمّ الأسئلة التی یحاول البحث الإجابة علیها هی:ما أهم الخصائص الأسلوبیة والجمالیة والإیقاعیة والترکیبیة والدلالیة فی شعر "دنقل"؟ أی مستوى من هذه المستویات أکثر تجلیاً وحضوراً فی شعره؟ ما هی التّقنیّات الفعّالة؟ وتعود ضرورة هذا البحث وأهمیته إلى أنّه بصدد دراسة أسلوبیة لقصیدة من أهم القصائد التی أنشدها الشاعر وتمثّل لقسم مهمّ من الشّعر العربی المعاصر من جانب، ومن جانب آخر لتحلیلها ونقدها وتفخیم محاسنها الجمالیة یمکن أن یکون خطوة بناءة فی فهم أفضل للنظریات والمبادیء الأسلوبیة وینقص الفجوة الحاصلة بین النظریة والتطبیق. والبحث الحالی إضافة إلى ذلک، یمنح المتلقّی قراءة جدیدة تطبیقیة للنّصوص وتظهر له الجمالیات الخفیة وهذا الأمر سیتمّ بمنهجه الوصفی ـ التحلیلی. وأخیراً یمکن أن یکون قدوة عملیة لطلاب اللغة العربیة فی تحلیل النّصّوص. و فیما یتعلّق بخلفیة البحث یمکن القول بأنّه بغضّ النظر عن الدّراسات المستقلّة وغیر المستقلّة التی کتبت عن أمل دنقل فی العالم العربی، نحن أمام دراسات مهمّة عالجت شعر هذا الشاعر من محاور متعددة منها: «شورش در شعر أمل دنقل و نصرت رحمانى» لفرهاد رجبی، و«ناسازوارى هنرى در شعر أمل دنقل» للسید رضا موسوی و رضا تواضعی، و«جلوههاى نمادین شکوه و اقتدار گذشته جهان عرب در شعر أمل دنقل» لصادق فتحی دهکردی و ژیلا قوامی، و«گذشتهاى روشن وآیندهاى تاریک، پژوهش تطبیقی دو شعر از أمل دنقل و منوچهر آتشى» لعلی اکبر أحمدی، و«نمادهاى پایدارى در شعر معاصر عرب، مطالعه مورد پژوهانه: أمل دنقل» لعلی سلیمی و أکرم چقازردی، و«ثنائیة المدینة والثأر فی شعر أمل دنقل» لأحمد فضل شبلول، و«شگردهاى فراخوانى شخصیتهاى سنتى و بیان دلالتهاى آن در شعر أمل دنقل»، و«قصیدة القناع عند الشاعر المصری أمل دنقل» و«نشانه شناسى سرودهى کلمات سبارتاکوس الأخیرة» و«التناص فی شعر الشاعر المصری أمل دنقل» لعلی نجفی ایوکی، وتوظیف التراث فی شعر "أمل دنقل" قصیدة "من مذکرات المتنبی(فی مصر)" نموذجا نوشته سعید بکور. ویلاحظ أنّ أکثر هذه الدراسات المنجزة لم تنظر إلى شعر دنقل من منظر أسلوبیّ کی تستقری خصوصیاته وتستجلی سماته الأسلوبیة المختلفة؛ فلم یکن بینها ما یقوم بدراسة مستقلة لهذا الموضوع العام ولهذه القصیدة الخاصّة عند الشاعر، وقد وجدت بعض الکتب النقدیة والأوراق البحثیة وبعض المقالات الصحفیة التی تناولت جانباً من شعره نقلاً أو تحلیلاً وتتوخّى هذه الدراسة تحلیل القصیدة تحلیلاً أسلوبیاً.
مناسبة القصیدة أمل دنقل أحد الشعراء الستّینات الذین حاولوا «تجدید الواقع الشعری، فی ظروف تغییر ضخمة، عاشتها مصر إبّان هذا العصر، واتّجهت هذه المحاولة إلى تقنیات جمالیة جدیدة، تساعد على التوازن الجمالیّ بین الحاضر المهزوم من ناحیة، والماضی التلید والمستقبل من ناحیة أخرى. وعاش الشاعر خلال أکثر من عقدین، متمسکاً بالرؤیة المغامرة الملتزمة فی حین وظّف شعره لخدمة قضایا شعبه وأزماته، فی الوقت الذی یغامر فیه شعریاً بتجریب أشکال مختلفة من التقنیات الجمالیة التی أثرت فی دیوانه الشعری» (الجیار،2008، ص 89). ومن القصائد التی تشمل هذه الخصائص البارزة، القصیدة «من مذکرات المتنبّی فی مصر» من دیوان البکاء بین یدی زرقاء الیمامة الذی صدر بعد حرب حزیران 1967م وفقد الأرض العربیة المحتلة، وهی مؤرخة فی حزیران 1968م. «فبعد عام من الهزیمة وفی حزیران1968م ینظم أمل هذه القصیدة ووجدانه مازال مثقلاً بمشاعر الهزیمة والانکسار، فیسقط ذلک على شخصیة المتنبّی الفنّان الأسیر الذی تجبره السلطة الغاشمة التی تتمثل فی کافور الإخشیدی على أن ینشد فیه الأمادیح» (قمیحة،1987، ص 122). ورأینا من الأفضل أن نبدأ بالموسیقى التی تعتبر أول ما یتجلّى أمام المخاطب بجانب الألفاظ والتراکیب ثمّ نعتنی بجانب المعنى؛ لأنه یتبلور فی قالب الموسیقى والألفاظ. 1ـ المستوى الصوتی «إنّ الموسیقى أسرع نواحی جمال الشعر أثراً فی النفس لما فیها من جرس الألفاظ، وانسجام منتظم من تردد بعض المقاطع بقدر معین» (سلیمان درویش،2003، ص 190). ویشمل هذا المستوى دراسة الموسیقى الداخلیة بأجزائها وتفاصیلها: الأصوات المجهورة، والأصوات المهموسة، والتکرار، والجناس، والموسیقى الخارجیة المتمثّلة فی الوزن والقافیة. وهنا نبدأ بموسیقاها الدّاخلیة وننتهی بجمیع أنواع الموسیقى. 1ـ 1ـ الموسیقى الداخلیة لقد حظی المستوى الداخلی فی کتابات النقاد المحدثین بأهمیة فائقة فهو یلفت الانتباه من حیث هو إما قصد لذاته، وإنما قصد لصلته بالمعانی، فنبحث له عن دوره الوظائفی الممیز عن موسیقى الإطار. «وتُبنىالموسیقىالداخلیةعلىجانبینهامینهما: اختیار الکلمات وترتیبها،والمواءمة بینالکلماتوالمعانیالتیتدلّعلیها» (راحج،2012، ص 27). 1ـ 1ـ 1ـ الأصوات المجهورة والمهموسة إن الجهر باعتراف سیبویه أقوى من الهمس، وقد أکّد على قوة الصوت المجهور وعرفّه بأنه «حرفأشبعالاعتمادفیموضعه،بینماالمهموسحرفأضعفالاعتمادفیموضعه» (مصطفى، 2014، ص 98). ونسبة هذه الحروف فی القصیدة: الف(286)، ب(55)، ج(30)، د(58)، ذ(3)، ر(69)، ز(4)، ض(8)، ظ(4)، ع(41)، غ(13)، ل(146)، م(84)، ن(108). والأصوات المهموسة هی الأصوات التی تکون فیها الرقیقتان الصوتیتان متباعدتین لدرجة لا تسمح بتذبذبهما. وهی تشمل على: ء(11)، ت(78)، ث(11)، ح(36)، خ(13)، س(48)، ش(18)، ص(54)، ط(15)، ف(37)، ق(41)، ک(99)، ه(43). وعلى هذا نشهد أنّ الشاعر اعتمد على الأصوات المجهورة أکثر بالنسبة للأصوات المهموسة، کما أنّ الأصوات المجهورة تکررت 909 مرة والأصوات المهموسة 504 مرة. وکیفیة هذا الاستخدام دلیل على الصِّراعات النفسیة التی یعانی منها الشاعر فی تلک المرحلة الملیئة بالانفعالات والأحزان، إثر هزیمة حزیران 1967، بما أنّ هذه الهزیمة هزّت کیان الشاعر وکیان کل مواطن عربی، حیث قلبت کل ما یرتبط بالوطن ومواطنیه من السیاسیة والاقتصادیة والاجتماعیة. وفی الرسم البیانی التالی تتبیّن هذه النسبة:
هکذا لا تکون القیمة الفنیّة للأصوات منحصرة فی تلک المتعة الصّوتیة أو الحسیّة التی یجدها المتلقّی مستمعاً أو قارئاً أو مردّداً، بل فی إثارة المنطوق على اعتباره معنى یثیر بسهولة المرجع الخفی وراءه، ولا یعتبر هذا المنطوق تراکماً غیر مفهوم من الأصوات أو الحروف، بل یعتبر وحده معنى یلائم طبیعة الفکرة أو الصورة أو العاطفة التی یعبر عنها الکاتب من خلال دفقته الشعریة، متجانسة مع بقیة البناء الفنی للنصّ (عابد،2012، ص 158). 1ـ 1ـ 2ـ التکرار إن أسلوب التکرار فی الشعر العربی الحدیث «یحتوی على کلّ ما یتضمنه أیّ أسلوب آخر من إمکانیة تعبیریة، وإنّه فی الشعر مثاله فی لغة الکلام یستطیع أن یغنی المعنى ویرفعه إلى مرتبة الأصالة، ذلک إذا استطاع أن یسیطر علیه سیطرة کاملة ویستخدمه فی موضعه، وإلا فلیس أیسر من أن یتحوّل هذا التکرار نفسه بالشعر إلى اللفظیة المبتذلة التی یمکن أن یقع فیها أولئک الشعراء الذین ینقصهم الحسّ اللغوی والموهبة والأصالة» (الملائکة،1989، ص 264ـ263). ومن الحروف المستعملة المکرّرة وأکثرها تجلیاً فی القصیدة هی: ی:147، ل:146، ن:108، و:100، م:84. وهذه الحروف تمتاز بالشدّة وفی بعض الأحیان بالرخاوة، وإنّ الوقوف على الجانب الدلالیّ لها ضمن النصّ یکشف عن حالة انفعالیة ونفسیة خاصة عاشها الشاعر، فما انفک یکرّر هذه الحروف لیکشف عن مقدار الأسى واللوعة وخیبة الأمل التی أصابته بسبب التفرق والتجزئة السائدة بین أبناء وطنه عامة وفی مصر خاصة وشدّة الأزمات الراهنة من أجل عدم الوحدة العربیة؛ لأنّه أدرک جدلیة المواجهة بین السلطة وإرادة الشعوب، ویحمل همّ أمته ویصور وجع الإنسان العربی. واستخدام هذه الحروف یساعد الشاعر على ترکیز أغراضه فی ثنایا النصّ الشعری. هذا ضرب من التکرار یدلّ فی النصّ على میل الشاعر إلى الإیقاع، «وهووإن لمیؤسسلدیهعلامةفارقةإلا أنّ له مؤشرات أسلوبیة مهمة تتمثل بالثقة الزائدة بقدرة کلمة ما على إبراز الإحساس أو الانفعال» (محمد،2010، ص 67). ومعلوم أن التکرار لا یهدف إلى إظهار المعانی فحسب وإنما یظهر الأحاسیس والانفعالات، ومن هذه الناحیة فهو ردیف للصورة التی تنبثق من خلالها العواطف الکامنة والانفعالات الحبیسة. 1ـ 2ـ الموسیقى الخارجیة فی الموسیقى الخارجیة تظهر مدى قدرتها فی تطبیق الروی فی القصائد والتزام بالوزن والقافیة فی غالبیة القصائد الشعریة، «وهذه الموسیقى المسموعة لها تأثیرها على حاسّة السمع عند القاریء الذی ینعکس أثره على الوجدان والفکر» (سلیمان فتوح،2004، ص 42). 1ـ 2ـ 1ـ الوزن الوزن فی الشعر العربی یعتبر عنصراً رئیساً ضروریاً من عناصر الشعر، وهو الذی یختص به دون النثر، فهو الذی یحرک ساکن الوجدان عند سماع هذه الألحان، وأن الکلام الفعّال لابدّ أن یقترن بالوزن. «اختار الشاعر أن ینظم قصیدته على تفعیلة الرجز (مستفعلن) التی ترد مرة مخبونة ومرة مقطوعة، وتکرر أربع مرّات فی السطر الواحد أحیاناً، ولا شک أنّ الشاعر وجد فی هذه التفعیلة تلک الطواعیة والبساطة والانطلاق والقدرة لتحمل عبء المذکرات، والملاحظ أنّ التفعیلات تتفاوت فی انتشارها ومساحتها، ومردّ ذلک إلى الدفقة الشعوریة، والنسق الفکری، وقوة التجربة النفسیة، واختلاف التموجات الداخلیة» (بکور،2014، ص 117). و«سمّی هذا البحر رجزاً لتقارب أجزائه وقلّة حروفه أو لاضطرابه، وإنّما کان مضطرباً لأنّه یجوز حذف حرفین من کلّ جزء منه. وهو وزن سهل على السمع، قریب من النفس» (معروف،2001، ص 107). وهذه القصیدة ذات البحور الممزوجة، فإن التضمین فیها یدخل عنصراً مهماً من عناصر إنتاج الإیقاع، فتتحول القصیدة فی أحد مستویاتها الأفقیة (الوزن) من اختلاط بحر الرجز بالسریع إلى البسیط. وعلى هذا الاعتبار یمکننا القول إنّ هذه الهیمنة للرجز ترجع إلى رغبة الشاعر فی أنّه یجد فضاءً إیقاعیّاً حرّاً لبیان ما فی صدره من مشاعر الحزن والألم والغربة والوطن. ولابدّ أن نتناول المظهر الإیقاعی الذی یتمثل فی ظاهرة الانزیاح الإیقاعی؛ والوحدة الإیقاعی هی _ _ب_(مستفعلن) التی تمثل نواة بحر الرجز. والصور التفعیلیة المرکزة فی القصیدة هی: ب_ب_ (مُتفعِلُن ـ مخبونة) _ ب ب _ (مُستَعِلُن ـ طی) _ _ _ (مُستَفعِل ـ ضرب البحر المقطوع) ب_ _ (فعولن ـ دخل على مستفعل خبن) _ _ ب _ (مستفعلان) وبالنسبة لبعض حالات الانزیاح الإیقاعی على الوحدة الأساسیة للإیقاع وهی بروز صورة غیر معهودة لمستفعلن هی(مُستَفع _ _). 1ـ 2ـ 2ـ القافیة «القافیة هی التی تحدد الدّفقة الشعوریة للشاعر، وهی بمثابة الحدّ الذی یتوقّف عنده النّفس لیبدأ الشاعر نفساً جدیداً یختلف طوله باختلاف حالته الشعوریة، ولابدّ أن تعدّ لذلک النّهایة الحقیقیة للسطر أو البیت الذی ربما وزع فی الکتابة على أکثر من سطر واحد» (ساعی،1978، ص 278). وإلى جانب الوزن اعتمد دنقل على القافیة المتراوحة، وهو ما أضفى على القصیدة نبرة متمیّزة خاصة مع تکرار الرویّ الذی التزم فیه بعدد من الأحرف لا یغادرها، وهی خاصیة میّزت أمل دنقل عن غیره من شعراء الحداثة. کما نلاحظ أنّ الشاعر استخدم القوافی المقیّدة أکثر من القوافی المطلقة التی تتناسب أکثر مع مرامیه؛ لأنّ أمل دنقل عاش أحوال القهر والظلم والاستبداد، فیبدو من خلال ذلک مشارکاً رئیسیاً فی الأحداث یعکس ما أملته علیه الظروف، ویرى نفسه عارفاً وعالماً بالصّور المختلفة من الجوع والخوف والصمت، فالشاعر قد عاش هذه المحن، وهو الذی یراها ویتحدث عنها کما عاشها، وهو بذلک یرید إعطاء صورة واضحة عمّا حدث من زاویة رؤیته للقاریء. وفی الحقیقة کیفیة هذا الاستغلال إضافة إلى إیجاد نوع من التنغیم الموسیقی، توصل إلى القاریء نواحیَ الشاعر وأحزانه وآلامه وما یعانی منه فی مجتمعه من الظلم والجور والعصیان. ونجد إلى جانب ذلک توازیاً أغنى إیقاعیة المقطع وارتقى به فی سلّم الشعریة وأنقذه من مستنقع الرتابة السّردیة الخافتة، ویتمثل هذا التوازی فی قول الشاعر: أشمّ/ وجهها/ الصبوحا أضمّ/ صدرها/ الجموحا (دنقل،2010، ص 174). وهو توازی نحوی: فعل وفاعل/ مفعول به ومضاف الیه/ نعت وصرفی:أفعل/ فعلها/ الفعولا عروضی: متفعلن/ متفعلن. مت هناک إغناء لموسیقیة السطر الشعری، وبعد موسیقی بدیع ناتج عن ترداد نفس الصوامت (الراء، الغین، الدال، ألف المد) والصوائت (الفتحة، الضمة، المد)، أضف إلى ذلک جمالیة القافیة التی زاوج فیها الشاعر بین حرفی اللام والحاء المشبعة بمدّ، وهو ما جعلها أکثر بروزاً ووقاعاً على السّمع والنّفس معاً. وأیضا إیقاعاً بین:(غفوت، صحوت، وجدت)، (کافور، مأسور)، (المثقوبة، المسلوبة)، (الجنود، الحدود، الرکود، القعود)، (الصارم، الخادم)، (عید، تهوید). فیما یتعلّق بالتشکیل الصوتی للقصیدة أنّها «تعتمد فی تشکیلها على نظام الأسطر عوض الأشطر، الذی استطاع أن یتخلص من التبعیة الشکلیة وینفک من ربقة نظام الشطرین، فاختار لنفسه تشکیلاً حراً منطلقاً، لا قافیة تحبس انطلاقه ولا روی کبح تدفقه، وإذا کانت التجربة الشعریة المعاصرة تفتخر لکونها استطاعت أن تخرج من دائرة التقلید، فإنها وقعت فیه حین استدعت الشکل الجدید من الشعر العربی الحدیث» (بکور،2014، ص 90). ولابدّ من ذکر أن من الظواهر الصّوتیة المفردة والمرتبطة ببنیة اللغة، ظاهرتی النبر والتنغیم، و«النبر نشاطفیجمیعأعضاءالنطقفیوقتواحد،وهذاالملمحیخلق تأثیراًصوتیاًذافاعلیةکبیرةفیتحقیقجمالیاتصوتیةعبرالتحوّلفینبرة الصوتالتیقدتحدثبدورهاتحولاًفیالمعنى.والنبرمقترنبالمقطعوملازمله، فهووضوحنسبیلمقطعمنمقاطعالکلمةیفوقوضوحالمقاطعالأخرى المجاورةله،وهذاالمبحثولید البحث اللغویالحدیث؛لأنالبحثالصوتیّ فیالتراثالعربییرکز علىبحثالأصواتالمفردةوتغیراتها،أماالبحث الحدیثفیرتبطالنبرفیالعربیةبآثارأخرىکاللحنالموسیقیالمترتبعنتعاقب المقاطعوطبیعته» (منصوری،2011 ، ص 73). ویؤثّر النّبر حسب تقاربه أو تباعده على النغمة والإیقاع الموسیقیین فکلّما تقاربت أعداد المقاطع بین النبرین أو انتظم اختلاف بعضها عن بعض حسن إیقاعها مثل: لیطمئن قلبه... فما یزال طیره المأسور ینتظرونه... لیرفعوا إلیه المظلمات والرقاع! (دنقل،2010، ص 172ـ173). هنا لحقت الفعل زیادة تمثلت فی حرف اللام، شکّلت نبراً فی الکلمة ووقعت إیقاعاً ملفتاً، فهذه الزیادة جاءت لتأکید الطلب. ویحتفی الشاعر بالجانب الإیقاعی خاصّة فی جانب تکرار بعض الصوامت کالراء 13 مرة، والنون 11 مرة، والسین 5 مرات إضافة إلى القافیة المتراوحة التی أعطت لنهایات الأسطر نغماً فائق الروعة فی التأثیر.
2ـ المستوى الترکیبی ما یُتعرّض للدراسة فی هذا المستوى الجملة الفعلیة والاسمیة والخبریة والانشائیة والأفعال والضمائر وغیرها مما یلی: 2ـ 1ـ الجملة الفعلیة والجملة الاسمیة تجلّت الجملة الفعلیة حضوراً جلیّاً بالنسبة للجملة الاسمیة حیث تکررت 56 مرة فی حین أنّ عدد الجملة الاسمیة 18 مرّة. وفی الحقیقة البنیة الفعلیة «تعدّ إشارات شعریة سامیة القیمة تضفی الحرکة والتجدد على مسار النصوص وهی من أسباب انعتاق الإشارة وتحرّکها» (الشهروزی،2012، ص 99)، وربما یتطرّق دنقل إلى استخدام الجملة الفعلیة فی القصیدة لیتحدّث عن الأحوال الرّاهنة والمتوالیة فی مصر؛ لیبذل جهده الوفیر فی سبیل الدفاع عن وطنه وإصلاح مجتمعه. وکذلک یوضّح للشعب الفلسطینی أسباب تخلف وطنهم ویریهم طریق الخلاص مما هم فیه من الضعف والاستسلام أمام الأعداء. ویحاول إیقاظ أمّته فی سبیل الوصول إلى مجدها الأصیل. وهذا یرجع إلى ملامح التزام الشاعر للدفاع عن الوطن وردّ فعله تجاه الأحوال والأمور المفروضة علیها والدعوة إلى العدل والحریّة والاتحاد ونبذ الخلاف المدمّر فی سبیل الوصول إلى حیاة أفضل وأرقى مما فیه أبناء شعبه. والشکل التالی یأتی تبییناً لهذا الأمر:
2ـ 2ـ الجملة الخبریة والجملة الانشائیة فالجملة الخبریة هی التی یحتمل مضمونها صدقاً أو کذباً. وبرزت 65 جملة خبریة فی القصیدة والجملة الانشائیة هی قسیم للجملة الخبریة وتتمیز الجملة الانشائیة بأنّ مضمونها لا یصحّ وصفه لا بالصدق، ولا بالکذب لذاته وفی قراءتنا للقصیدة نجد أن الشاعر اعتمد على الجملة الخبریة بشکل واضح، فقد طغت هذه الجملة على الجملة الانشائیة ونلاحظ 9 جمل انشائیة تجاه 65 جملة خبریة. ومن خلال نظرة عابرة وقراءة سریعة یتبیّن بوضوح اعتماد الشاعر الکبیر والمکثّف على الأسلوب الخبری الذی أولاه أهمیة کبرى، فجاء مسیطراً طاغیاً على نظیره الانشائیّ الذی جاء حضوره محتشماً وهو أمر طبیعی إذ تدبّرناه؛ فالقصیدة ما هی إلا سرد للمذکّرات، وهذا السرد یعتمد على الإخبار والحکایة فلا مجال للانفعال الذاتی، ولهذه الأسباب وغیرها جاءت الأسالیب خبریة، لکنّ هذا لا یعنی انعدام الأسالیب الانشائیة التی کان حضورها متّسماً بالقلّة إن لم نقل بالنُّدرة. إضافة إلى المقابلة القائمة بین بدایة القصیدة ونهایتها، فالبدایة خبریة صرف (أکره لون الخمر فی القنینة) فیما النهائیة انشائیة (عید بأیة حال عدت یا عید؟) فإذا کان الشاعر قد تبنی فی بدایة القصیدة أسلوباً خبریاً یهدف من ورائه إلى السرد والحکایة. ونسبة هذه الظاهرة تندرج فی الشکل التالی:
فی الحقیقة یبدأ الشاعر قصیدته بجملة خبریة تعکس حالته النفسیة الکئیبة، وتکشف عما بات یعیشه فی مصر من داء نفسیّ وجسدی بعد أن صار مجرد ببغاء یردِّد ترانیم المدح الزاعفة، ویکشف المطلع مدى معاناة الکلمة الشاعرة التی ترکت نقد الواقع المریر، وتظهر لنا السطر الأول مدى الحیرة التی وقعت فی نفس الشاعر/ المثقّف، فهو یکره الخمر لکنه أدمنها علّها تخفف ما ألمّ به من داء وما أصابه من مرض، حیث یقول: أکرهُ لون الخمر فی القنّینة/ لکننی أدمنتها.. استشفاء/ لأننی منذ أتیتُ هذه المدینة وصرختُ فی القصور ببغاء/ عرفتُ فیها الداء(دنقل،2010، ص 172). ویلاحظ أنّ للجمل التقریریة فی النصّ دوراً کبیراً فی تقدیم الدلالات، فالجملة التقریریة الأولى تقدّم کره الشاعر للخمر، ولکن السطر الثانی یأتی بوجه مقابل لذلک فهو قد أدمن علیها، لکن إدمانه کان استشفاء. وتتبدّى المفارقة فی المنظرین الأخیرین لتکشف عن صورتین متغایرتین، فقد تحوّل الإنسان العاقل إلى ببغاء، وهی دلالة الخضوع والاستسلام. وتظهر الدراسة أنّ ضمیر المتکلم هو الفاعل الأساسی فی النصّ، حیث یقول: أکرهُ لون الخمر فی القنّینة/ لکننی أدمنتها... استشفاء/ لأننی منذ أتیتُ هذه المدینة/ وصرختُ فی القصور ببغاء/ عرفتُ فیها الداء وللأسالیب الانشائیة ارتباط وثیق بالانفعال والغلیان الداخلی، وهذا ما نستشعره فی کلام الشاعر فی آخر القصیدة، إذ وصل به الانفعال مداه فعبّر عن ذلک بأسلوب استفهامی ملیئاً بالتَّندید والحسرة المریرة: تسألنی جاریتی أن أکتری للبیت حرّاسا/ فقد طغی اللصوص فی مصر... بلا رادع/ فقلت: هذا سیفی القاطع/ ضعیه خلف الباب... متراسأ!/ (ما حاجتی للسیف مشهورا / ما دمت قد جاورت کافورا؟)/ عید بأیة حال عدت یا عید؟/ بما مضى؟/ أم لأرضی فیک تهوید؟/ نادیت: یا نیل هل تجری المیاه دما!/ لکی تفیض... ویصحو الأهل أن نودوا؟/ عید بأیّة حال عدت یا عید؟(دنقل،2010، ص 177). وهنا یعکس الاستفهام حالة التوتر والقلق الداخلی الذی یعیشه الشاعر، الذی لم تساعده الأسالیب الأخرى فی التعبیر عنه، لیدّل بهذه الاستفهامات على خیبة الأمل التی یعیشها الشاعر والشعور بالضیاع وصورة الحزن؛ لأنّ هزیمة 1967م کانت ضربة موجهة للمشروع القومی العربی، وإن إحساسه بالأسى والفجیعة والضیاع جعله یردّد تلک التساؤلات، کما یکشف لنا عن حالة الیأس والخوف التی یعیشها الشاعر ولعلّه یستخدمها لیحثّ المخاطب على القتال والدفاع عن أرضه، والمحاربة بشجاعة ضد الاحتلال الصهیونی لمصر. 2ـ 3ـ الأفعال ولا ریب بأنّ کلّ نصّ له إیقاعه الزمنیّ الخاصّ به، حیث القصیدة تبرز تشابک الأزمنة من خلال دلالة الأفعال بأنواعه (الماضی، المضارع، الأمر). وکثرة الأفعال المعتمدة التی جاءت متراوحة بین الماضی والمضارع والأمر، إلا أن التواجد الأکبر کان للمضارع الذی تکرر 57 مرة، ویلیه الماضی المتکرر 35 مرة. وإذا کان المضارع أکثر الأفعال انتشاراً فلأن الشاعر أراد من خلاله إعطاء معنى التجدّد الذی یمتدّ إلى الآتی، فی حین یجعل الزمن المضارع الأفکار أوثق بمکانها وزمانها، ویعمل على حضور الأشیاء، ویؤکّد على وجود الأحداث، ومعتمداً على هذه الخصیصة تحدّث الشاعر عن الوحدة العربیة وأنّ أحد عوامل تقدّم الشعب الفلسطینی هی الحفاظ على وحدتهم وعلى قیمة الأرض العربیة المحتلّة. وأیضا تحدث ثائراً عن أرض العربیة المسلوبة والذی یدعو إلى التمسّک بکلّ شبر منها وفرض سیادة الشعوب والمقاومة من أجلها بکلّ صمود. والشکل التالی یصوِّر نسبة هذه الأفعال:
2ـ 5ـ الضمائر أما بالنسبة لحضور الضمائر فی القصیدة نلمس أن ضمیر المتکلم وحده جاء 47 مرة، والمتکلم مع الغیر 3 مرات، والغائب 36 مرة، والمخاطب 7 مرات. وبما أن القصیدة هی قصیدة القناع نشاهد کثرة ضمیر المتکلم فی أرجاء القصیدة؛ لأن الشاعر یتکلم على لسان المتنبّی وسیف الدولة لیشکِّل من خلال تجربته صورة الواقع، ویحاول أن یغرس الوعی لدى المتلقی ولا ینسى الشاعر أن یسلِّط الضوء على واقع التمزق السیاسی للأمة العربیة، فالأمة عنده بیت وأسرة واحدة تمتلک العدید من المقدرات الثمینة. وتندرج نسبة الضمائر فی القصیدة فی الشکل التالی:
3ـ المستوى الدلالی والمستوى الدلالی شامل لما یلی: 3ـ 1ـ الکنایة کان عبد القاهر یرى أن مدار الأمر فی الکنایة «إنما هو على المعنى لا على اللفظ، فإنّ هذا یقودنا إلى أن سبیل الوصول إلى المعنى لن یکون اللفظ، وإذا لم یکن اللفظ هو السبیل فمعنى هذا أنّه أمر خارج عن النصّ خاص بالمتلقِّی وبما یحیط بالمتلقی من أحوال وأعراف، وفی هذا یقول: أنت تعرف ذلک المعنى من طریق المعقول دون طریق اللفظ» (محمد ویس،2004، ص 158). وفاعلیة الکنایة تبتنی على الإتیان بمعنى بذکر الدلیل والإثبات. وجاءت الکنایة مبثوثة فی کل أنحاء القصیدة إذ اعتمد علیها الشاعر اعتماداً کبیراً، ولعلّه وجد فیها القدرة على حمل الأفکار بأقلّ لفظ وأقصد عبارة ومنها: الببغاء: الشاعر، المثقف الذی یعید ویردد ما یطلب منه، المسلوب الإرادة. الرجولة المسلوبة: الإخصاء وفقدان الرجولة/ المتقاعس عن القیام. جفناه الثقیلان: الکسل والبطء والخمول والغفلة عن مصالح البلاد والعباد. تجار الرقیق: الیهود الذین اغتصبوا الأرض. یرتعدون جسدا وروحا: الهوان والضعف الذی صار علیه العربی. تسقط العیون فی الحلقوم: أشدّ الهلع والفزع والرعب. أکتری للبیت حراسا: عدم استتاب الأمن وانتشار الفوضى والسّرقة. الجیران: وهی کنایة عن الدول العربیة التی لم تحرک ساکنا لإنقاذ فلسطین. ربما أحسّ أمل دنقل أن إشارة مباشرة إلى الحقیقة المجردة، عاجزة عن التعبیر بصورة کافیة عن مشاعره وطبیعة تجربته، لذلک استخدم هذه الکنایات من أجل الإیحاء بأعمق الدلالات لمعنى معین، وهو ترکیز على الوحدة العربیة وعدم التمزق والإحباط والانکسار النفسی نتیجة انکسار وانشقاق مدینته ووطنه؛ فأصبحت مدینة التناقضات، والکفر، والظلم، والاستبداد. إضافة إلى دلالة الحیرة والقلق اللذین یراودان الشاعر، فهو یعترف بعذابه وشقائه النفسی.ویرکز على اهتمام الإنسان بحفظ تراب الوطن والتشبّث بأرضه بکل ما یمتلک حتّى هدر أو عزف الدم،وبهذه الصورة یمنح القصیدة أعماقاً تستثیر الفکر وتفسح آماد الخیال. 3ـ 2ـ التقدیم والتأخیر یعمل التقدیم والتأخیر «وفق خصائصه البنیویة والتداولیة، بتناغم مع باقی الفعالیّات الشعریة القائمة على قانون الانحراف عن اللغة المعیاریة، ولذلک تکتسب الدراسة أهمیة لا تقلّ، بصورة الترکیب النحوی الشاملة، عن دراسة الترکیب البلاغی خاصة» (اسماعیل، 2012، ص 14). وأعطى دنقل الجملة النحویة قیمتها التعبیریة واستفاد من هذه الظاهرة بشکل مبثوث فی بعض أبیاته منها: أکرهُ لون الخمر فی القنّینة/ لکننی أدمنتها... استشفاء/ لأننی منذ أتیتُ هذه المدینة/ وصرختُ فی القصور ببغاء/ عرفت فیها الداءَ(دنقل،2010، ص 172). سألت عنها القادمین فی القوافل/ فأخبرونی أنها ظلت بسیفها تقاتل/ فی اللیل تجار الرقیق عن خبائها(المصدر نفسه، ص 174). تصرخ فی وجه جنود الروم/ بصیحة الحرب ... فتسقط العیون فی الحلقوم!/ تخوض ... لا تبقی لهم إلى النجاة مسلکا (المصدر نفسه، ص 176). نامت نواطیر مصر عن عساکرها/ حاربت بدلا منها الأناشیدُ(المصدر نفسه، ص 177). فی هذه الأبیات أخّر الشاعر المفعول (الداء) عن فعله (عرفت)، کما فصل بین الفعل (لا تبقی) والفاعل (مسلکا) وأخرّ الفاعل (الأناشید) عن فعله (حاربت) وأیضا فصل بین (ظلّت وتقاتل) بواسطة (بسیفها)، فالأولى أن یقدّم الفعل تقاتل بید أنه أخرّه حفاظاً على الاختیار الفنیّ للقافیة أولاً ومراعاة للواقع الجمالی ثانیاً، کما أن تقدیم بسیفها فیه محاولة لفت الانتباه وإشارة إلى الوسیلة التی قاتل بها، وهی وسیلة لا تفید فی درء الخطر. ومن الممکن أن نقول إنّ التقدیم والتأخیر نوع من الانزیاح الترکیبی الذی لجأ أمل دنقل إلى استخدامه بأشکاله المختلفة لیعبّر عن تذبذب الظروف فی وطنه وتبدّد شمل الأمّة ویدعو إلى التحرّر من سلطة العدو الغاصب من جانب ومن جانب آخر یرید أن یرکز على ما قدّمه. 3ـ 3ـ الطباق من الصناعات التی یرغب دنقل فی استخدامها، الطباق، حیث تحتوی القصیدة على عدد منها مثل: (القیام، القعود) و(غفوت، صحوت) و(نمت، لم أنم). وبدهی أنّ له أثراً فی إحداث جرس موسیقی من خلال انسجام الألفاظ وتناغمها فی ترکیب النصّ الذی یعدّ من أهم وسائل اللغة لنقل الإحساس بالمعنى والفکرة والموقف. ویلعب دوراً أساسیاً فی نقل انفعالات الشاعر وأحاسیسه، کما کان له دور واضح فی إضفاء نغم موسیقی جمیل للنصّ؛ لأنّ أمل دنقل هو الشاعر الذی ینساب شعره للإنسان والروح الحقیقیة ویرفض مظاهر الظلم والجور والاستبداد وتظهر هذه الخصیصة تحت الطباق الذی ورد فی أثناء قصیدته؛ لأن عاطفة الشاعر ووجدانه ترتبط بقضایا أمته، لهذا اتّسمت بالحزن النابع من مآسی الفرد والمجتمع والأمة، وقد امتزجت عاطفة الحزن بالغضب والأمل فی تغییر واقع الأمة، وقد أظهرت هذه العواطف عمق اتصال الشاعر بوطنه، وارتباطه الوثیق به. 3ـ 4ـ مراعاة النظیر مراعاة النظیر هی «جمع أمر وما یناسبه لا بالتضاد» (التفتازانی،1391، ص 268). وهذه میزة أساسیة استغلها دنقل خلال أبیات قصیدته منها: (الضحى، المساء، اللیل) و(الشجاع، السیف، الحسام، الغمد، الجند، العساکر، النواطیر، الصارم، الشاهر، الجواد، تقاتل) و(الوجه، العین، الجفن، الشفة، الثغر). والشاعر باستخدام هذه الظاهرة ومحاولة فی خلقالارتباط بین الکلمات جعل قصیدته هذه أکثر انسجاماً مع المضمون الذی یحمله وهو تصویر شجاعة الإنسان فی حفظ وطنه وترابه وأراضیه وعدم خضوعه تجاه العدو الغاصب مهما کان ثمن هذا الأمر، کما أحدث الشاعر نوعاً من التوازی بهذا الاستخدام، فعندما هیمن التوازی على القصیدة، تحقق التعادل والتوازی والتناسب فی المواضع، وبالتالی إبداع حرکة إیقاعیة، ورنین موسیقیّ نغمی نتیجة لتماثل قرائنه فی الصیغ الصرفیة والعروضیة وفی الحرکات والسکنات.
4ـ المستوى الفکری للعنوان أهمیة لا تخفى على أحد، فهو المدخل الذی من خلاله نلج باب القصیدة، وهو عتبة النصّ وتلخیص الملخّص لمضمونه، ولهذه الاعتبارات وغیرها صار العنوان من الأمور الحتمیّة فی القصیدة الحدیثة، وهو ما لم یکن معمولاً به فی القدیم، إذ کانت تسمَّى القصائد بأحرف رویّها. «جاء عنوان القصیدة عبارة عن شبه جملة"من مذکرات المتنبّی (فی مصر)" ویفهم منه أن الشاعر سوف لن یتطّرق إلى کلّ مذکرات "المتنبّی"، بل سیقتصر حدیثه وسرده على بعضها بدلیل" من" التبعیضیة المتصدرة للجملة، وقد یذکرها تبعاً لذلک الأهم منها ویترک ما دون ذلک، ولعلّ السبب وراء اقتصاره على بعض المذکّرات هو کثرتها وعدم القدرة على حصرها والإحاطة بها» (بکور،2014، ص 89). وربّما یعود ذلک إلى اختیار فنیّ یرتبط بالغرض منها وتماشیها مع ما یرید أن یعبر عنه الشاعر، وفی الجملة محذوف، تقدیره فی احتمالین: (بعض) أو (مذکّرات) من مذکرات المتنبّی. والمتأمّل للعنوان یلاحظ إشارته إلى عناصر أربعة تتمثل فی: الموضوع: سرد المذکّرات، الزمان: الماضی؛ لأن المذکّرات ترتبط بالماضی، الشخصیة: المتنبّی، المکان: مصر، ولعلّ ما یمیّز هذه المذکّرات هو انحصارها فی مکان واحد هو مصر ولاشکّ أن الشاعر اختاره؛ لیکون حدیثه عن المتنبّی مقتصراً على المرحلة التی قضاها فی مصر، هذه المرحلة التی عانى فیها المتنبّی من أمیرها "کافور"؛ لذلک اختار المتنبّی الذی عرف بنقمته على واقعه ورفضه له وعتبه على الدّهر تماماً کأمل دنقل نفسه، لکن مع اختلاف فی الأسباب والظروف والحیثیات والدوافع والحوافز. وهذه القصیده «تتناول علاقة الفنان أو الشاعر بالسلطة، وتفتح دلالتها فی الوقت ذاته، على آفاق أخرى ترتبط بالمزاوجة الحادّة ـ من وجهة نظر الشاعر ـ بین کافور ومقابله المعاصر» (أبوشادی،2009، ص 172)، فالشاعر استغل استغلالاً فنیاً الفترة التی قضاها المتنبّی فی مصر بعد أن حدثت جفوة بینه وبین سیف الدولة، فأقام بمصر عند کافور الذی له ظاهر یختلف تماماً عن حقیقته الخفیّة. والمحور الفکری الأساسی فی هذه القصیدة تمثیل «لفکرة الصِّراع الأبدیّ بین الفنّان وما یملکه من طاقات هائلة على الخلق والإبداع والسلطة الزمنیة الغاشمة، وما تملکه من أسالیب البطش والخداع والمکر، وأن تفوق أمل بموسیقاه الشفافة والصدق والعفویة وقدرة الحرکة النفسیة» (قمیحة،1987، ص 122). «والحدث التاریخی مکوِّن آخر من مکوِّنات القصیدة المعاصرة المتکاملة، وقد یتکیء الشاعر على لحظة تاریخیة أو شخصیة تاریخیة، فیسقط اللحظة الماضیة ـ بعد تحویرها ـ على تجربة معاصرة أو یعبر بالشخصیة التاریخیة عن الشخصیة المعاصرة» (الموسى،2003، ص 28). وتناول أمل دنقل اللحظة التاریخیة ذاتها تناولاً جزئیاً فی نفس القصیدة ولکنّه بدّل الأشخاص، فجعل "خولة" أخت سیف الدولة، المرأة الهاشمیة المستغیثة وهی أسیرة فی بیزنطیة بدلاً من عموریة، ووضع کافور فی موضع المعتصم لیسخر من مقابله المعاصر فی حدث جزئی مقلوب وتحدّث الشاعر عن لسان المتنبّی. واعتمد بعض النقّاد على موقف المتنبّی من کافور لمحاولة التعبیر عن الجوانب السیاسیّة فی الشعر العربی المعاصر. ودنقل من الشعراء الذین تمثّلوا ذلک فی هذه القصیدة التی عرّیت من خلالها شخصیة المستبدّ الذی یغطّی ضعفَه أمام عدوِّه بممارسة السلطان على رعایا وطنه؛ لأنه أخفق فی صناعة مجد حقیقی، فأخذ یختلق أمجاداً زائفة على ألسنة الشّعراء؛ لذا أکسب بعض النقّاد هذه الشخصیّة حدوداً أکثر دقّة من حدود الرّمز، بأن جعلوه قناعاً لما له من حضور على مستوى النّصّ کاملاً، وبروز لضمیر المتکلم بصورة فاعلة. ومن الشّخصیّات المحوریّة التی استحضرها دنقل فی شعره شخصیة المتنبّی وهو لا یتعامل مع شخصیاته کما هی فربّما یخالفها أو یجعلها شاهدة، ومع المتنبّی یسقط الماضی على الحاضر کما یقول: أمثل ساعة الضحى بین یدی کافور/ لیطمئنّ قلبُه... فیما یزال طیره المأسور/ لا یترک السجن ولا یطیر!/ أبصر تلک الشفة المثقوبة/ ووجهه المسودّ... والرجولة المسلوبة/ أبکی على العروبة! (دنقل،2010، ص 172 ـ 173). وتنسجم هذه السطور مع عدد من أبیات المتنبّی، فقد صورت المتنبّی المعاصر (الشاعر) فی قفص من ذهب عند کافور ـ الیوم ـ وهی صورة ملتقطة من بیت المتنبّی: إنّی نزلتُ بکذّابین ضیفُهم عن القِرى وعن التَّرحال محدود (المتنبّی، د.ت، ص 395) فإن کان الشاعر المعاصر أمل دنقل «مسجوناً أمام حاکمیه، فالمتنبّی حقیقةً نزل بکذّابین ضیفهم، لم یقیموا له ما یکرهه ولمتترک له فرصة الرحیل» (سلیمان،2007، ص 207). ولا غرو أنّ السطرین «أبصر تلک الشفة المثقوبة/ ووجهه المسود» ینظر بهما إلى قول المتنبّی: وأنّ ذا الأسود المثقوب مشفرهُ تطیعهُ ذی العضاریط الرعادید (المتنبّی، د.ت، ص 397) إنّ ما ذکره المتنبّی فی وصف کافور بالسَّواد، یقترب به من العبودیة والرقّ، ویبتعد به عن السِّیادة، حتّى طاعته فلم تصدر من الشجعان والسادة، ولکن یطاع من الجبناء وحدهم، والنصّ الحدیث یکررّ الملامح نفسها فی کافور ـ الیوم ـ لأنه بعد هذه الصورة ختم بقوله «أبکی على العروبة». أما عبارة «الرجولة المسلوبة» فقد یرتبط بقول المتنبّی: من کل رخوء وبکاءالبطن منفتق لا فی الرجال ولا النسوان معدود ولا توهّت أنّ الناس قد فُقدوا و أنّ مثل أبی البیضاء موجودُ (المتنبّی، د.ت، ص 396 ـ 397) هذا یعتبر سرداً لسیرة المتنبّی مع کافور الإخشیدی ولکن بطریقة جمیلة یفهم منها أن تلک الأحداث التاریخیة التی عاشها المتنبّی ـ بالإضافة إلى ما أضافه الشاعر ـ «تتحول فی سیاق شعری یمیل إلى معادل موضوعی معاصر، یساعد على ذلک تضمین موفّق لمجموعة من أبیات المتنبّی أجرى فیها الشاعر بعض التغییرات متکئا على ما یمتلکه من حرارة وتأثیر وشهرة بین الناس» (بخوش،2004، ص 150)، فقدّم دلالات جدیدة معاصرة تؤثر فی المتلقی أیما تأثیر ثمّ یعمد إلى جعله رجلاً قادراً على تلمّس آلام أهل مصر التی یتولاها کافور حاکمهم ذی السَّیف الرّخو، وهذا الأمر یتجلّى عند بعض أبیات دنقل: ساءلنی کافور عن حزنی/ فقلت إنها تعیش الآن فی بیزنطة/ شریدة... کالقطة/ تصیح(کافوراه... کافوراه...))/ فصاح فی غلامه أن یشتری جاریة رومیة/ تُجلد کی تصیح«واروماه... واروماه...»/ ... لکی یکون العین بالعین/ والسنّ بالسنّ! (دنقل،2010، ص 175). یستلهم الشاعر من النصّ القرآنیّ ما یخدم به معنى النصّ ویغنی دلالته، فهو یقتبس قوله تعالى:]وَکَتَبْنَا عَلَیْهِمْ فِیهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَیْنَ بِالْعَیْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ[ (المائدة: 45)، فکافور/ الحاکم العربی اختار أقصر الطرق وأسهلها وهو القصاص «وکأن القصاص العادل لا ینطبق إلا فی موقف الضعف والهوان ودرء وبال الحرب، وهو ما یعکس خضوعاً وخنوعاً، والشاعر یعرض هنا بالعرب الذین اختاروا القعود ووضع الید على الخد تماماً کالنساء الثکالى عوض الانتقام والدِّفاع عن فلسطین وتخلیصها من الکیان الصهیونی المزعوم» (بکور،2014، ص 109). ویتمثّل استلهام قرآنی آخر فی الفقرة الخامسة والأخیرة فی قوله:«فتسقط العیون فی الحلقوم» وهو مأخوذ من قوله تعالى: ]إِذْ جَاؤُوکُم مِّن فَوْقِکُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنکُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا[ (الأحزاب:10). والشاعر إنما یستلهم هذه الآیة لیعبّر عن الحلم الذی یتمنّاه، حین یصرخ سیف الدولة، القائد المحلوم به فی وجه الروم فتسقط عیونهم فی الحلقوم خوفاً وهلعاً وفزعاً وارتعاداً. ویصل التناصّ التراثی أحیاناً حد التقیّد باللفظ نفسه مع تحویر بسیط فی العبارة، کما فی قوله: «عید بأیة حال عدت یا عید؟»، بما مضى؟ أم لأرضی فیک تهوید؟ وهو نفسه قول المتنبّی: عید بأیة حال عدت یا عید بما مضى أم لأمر فیک تجدید (المتنبّی، د.ت، ص393) فقد استبدل الشاعر کلمة "أمر" بکلمة "أرض" وکلمة "تجدید" بکلمة "تهوید"؛ لیتماشى مع اللحظة الآنیة ومع الدلالة التی یعطیها السیاق، وفی قوله (تهوید) إشارة واضحة إلى الاحتلال الیهودیّ لفلسطین والجولان وسیناء وما یقع خاصة فی فلسطین من عملیات تهوید حقیقة تلاحظ حالیّاً. والتناص الشعری یتراوح بین تضمین مجموعة من الأبیات الشعریة القدیمة، وبین أخرى حدیثة وکلاهما یساهم فی رفد القصیدة بأبعاد نفسیة واجتماعیة وجمالیة ملحوظة. «وبالرجوع إلى أصل الأبیات المضمنة تکشف أن الشاعر یرکز فی انتقائه على الأبیات الأکثر شهرة بین الناس، وهو انتقاء ذکیّ یمکنه من توصیل رؤیاته المعاصرة عبر قنوات تراثیة مضمونة الذیوع بین القرّاء» (المساوی،1994، ص 190 ـ 189). وکما هو واضح یستغل الشاعر الواقع التاریخی استغلالاً معکوساً، فالواقع فی أصله یمثل موقف البطولة والانتصار، إلا أنه هنا یؤخذ بعداً انهزامیاً. وإضافة إلى هذا الاستغلال المعکوس للواقع التاریخی فی الموازنة بین المجد الماضی والفشل الحالی، قد استدعى أمل دنقل شخصیة المتنبّی وحاول أن یعبّر من خلاله عن تجربة سیاسیة معاصرة، وهذا یعنی أن البعد السیاسی من بین أبعاد شخصیة المتنبّی کان أکثر أهمیة له و«استخدم الشاعر الشخصیة التراثیة کقناع أراد من خلاله إیصال مجموعة من المواقف والآراء المنشودة فی إطار الاستغراق الکلی؛ لذلک جعل هذه الشخصیة عنواناً على مرحلة تمرّ بها مصر والبلاد العربیة فی الستینات وتحدیداً بعد النکسة 1967» (ثائر،1999، ص 46)، ثمّ یستحضر شخصیة کافور واستطاع أن یصل بهإلى ذروة الهزء معتمداً على قلب الظواهر التاریخیة؛ إذ یستحضر ضمنیاً نجدة المعتصم العباسی للمرأة الهاشمیة التی استجارت به ویجردها من دلالتها الحقیقیة ویحملها بما یشیع بالنفس الخیبة کما یقول الشاعر: ساءلنی کافور عن حزنی/ فقلت إنها تعیش الآن فی بیزنطة/ شریدة... کالقطة/ تصیح(کافوراه... کافوراه...))/ فصاح فی غلامه أن یشتری جاریة رومیة/ تُجلد کی تَصیح«واروماه... واروماه..»/ ... لکی یکون العین بالعین/ والسنّ بالسنّ! (دنقل،2010، ص 175). فقد یستحضر الشاعر سیف الدولة الحمدانی لیقابل بین شجاعته وشوقه المتأجج للفتح، وبین خنوع ساسة عصره وتخاذلهم وتفریطهم فی حقّ أمّتهم، حیث یتجلى هذا الاستحضار جلیّاً فی نصّه الشعری: حین تعود... باسماً... ومنهکاً/ حلمت لحظة بکا/ حین غفوت/ لکننی حین صحوت/ وجدت هذا السید الرخوا/ تصدّر البهوا/ یقصّ فی ندمائه عن سیفه الصّارم/ وسیفه فی غمده یأکله الصدأ!/ وعندما یسقط جفناه الثقیلان ... وینکفیء.../ یبتسم الخادم...! (دنقل،2010، ص 176-177). ثم یستحضر صورة تلک البدویة خولة التی رآها قرب أریحا، والتی علم فیما بعد أنها أُخذت سبیة، وما دافع عنها أحد «حیث یبرع الشاعر هنا أیضا من سحب الحدث الماضی على الواقع الحاضر بشکل لا یحسّ فیه المتلقی نشازاً أو تنافراً، إنما یتمّ ذلک على نحو فنی رائع یجده القاریء العادی کما القاریء المحترف» (بخوش،2004، ص 151)، فالمرأة السبیة من قبل الروم نفسها معادل موضوعی فی حاضر الأمة، إنّها تمثل بوضوح حال کلّ الأمة المسبیّة کما جاءت الحدیث عنها فی صلب القصیدة: «خولة» تلک البدویة الشَّموس/ لقیتها بالقرب من«أریحا»/ سویعة ... ثم افترقنا دون أن نبوحا/ لکنها کل مساء فی خواطری تجوس/ یفترّ بالشوق وبالعتاب ثغرُها العبوس/ أشمّ وجهها الصّبوحا/ أضمّ صدرها الجموحا!/ ... ... ... .../ سألتُ عنها القادمین فی القوافل/ فأخبرونی أنها ظلت بسیفها تقاتل/ فی اللیل تجار الرقیق عن خبائها/ حین أغاروا ... ثم غادروا شقیقها ذبیحا/ والأب عاجزاً کسیحا/ واختطفوا... بینما الجیران یرنون من المنازل/ یرتعدون جسدا وروحا/ لا یجرؤون أن یغیثوا سیفها الطریحا! (دنقل،2010، ص 175 ـ 174). ومن ملامح الأسلوبیة الأخرى وقوف الشاعر على ضمیر المتکلم وعلى البنیة الترکیبیة فی بعض السطور الشعریة، ومن نماذج وقوفه: یومیء، یستنشدنی ... أنشده عن سیفه الشجاع/ وسیفه فی غمده یأکله الصدأ!/ وعندما یسقط جفناه الثقیلان ... وینکفی/ أسیر مثقل الخطى فی ردهات القصر/ أبصر أهل مصر/ ینتظرونه... لیرفعوا إلیه المظلمات والرقاع! (المصدر نفسه، ص 173). إذن استغل الشاعر تقنیة التحدث من خلال الشخصیة مستخدماً ضمیر المتکلم «ویتخذ الشاعر من الشخصیة هذا الموقف حین یحسّ أن صلته بها قد بلغت حد الاتحاد و الامتزاج بها، وأن الشخصیة قادرة ـ بملامحها التراثیة ـ على أن تحمل أبعاد تجربته الخاصة، ومن ثم فإنه یتّحد بها ویتحدّث بلسانها، أو یدعها هی تتحدّث بلسانه» (عشری زاید،2006، ص 209). ویضفی الشاعر علیها من ملامحه ویستعیر لنفسه من ملامحها، بحیث یصبح الشاعر والشخصیة کیاناً جدیداً لیس هو الشاعر، ولیس هو الشخصیة، وهو فی نفس الوقت الشاعر والشخصیة معاً. وعندما یستخدم الشاعر ضمیر المتکلم ینمّ عن أن الدلالة المعاصرة للشخصیة لم تستطع أن تنفصل تماماً عن مشاعره وأفکاره الخاصة لنفسه. وهذه القصیدة نموذج للقناع، «یقتطع فیه الشاعر مقطعاً زمنیاً وجغرافیاً من حیاة المتنبّی، وهو فترة إقامته بمصر قریباً من کافور. ولا شک أن العنوان الجانبی (فی مصر) یعیّن المکان بتوجیه خاص، یقصد به القاریء المعاصر؛ فتضاف قوة دلالیة للنصّ، تأتیه من جهة مطابقة أحداث التاریخ الواقع، ویتضاعف ضجر المتنبّی بضجر القاریء المعاصر من أحوال مصر فی عالم کتابة النصّ (حزیران) والتاریخ المثبّت آخر النصّ ذو دلالة عمیقة؛ لأنّه یذکر القاریء بهزیمة حزیران 1967، وما آلت إلیه أوضاع الوطن العربی بعد خسارة المزید من الأراضی» (الصکر،1999، ص 228). وعلى الرغم من غنى شخصیة المتنبّی بالدلالات، فإن البعد السیاسی هو الذی استهوى أمل دنقل وحاول أن یعبر بواسطة تجربة المتنبّی الشاعر فی بلاط کافور عن جوانب سیاسیة فی تجربة الشاعر المعاصر، «وهذا الذی یستهدفه قمع السلطة ویحاصر استلابها إیّاه وإلى جانب ذلک یستخدم هذا الرمز لیعری بواسطته حقیقة القوى المهزومة التی أخفقت فی بناء مجد حقیقیّ، وسعت إلى توظیف ألسنة الشعراء لأجل تردید أمجاد مزیّفة ویستعیر شخصیة کافور التی اقترن اسمها بالکذب والخداع» (رحمانی،2003، ص 67). وکان المتنبّی صورة للشعب المقهور، الرافض للخنوع، المنتظر فرصة التمرد. وتعکس القصیدة نقطة الالتقاء بین الشاعر المعاصر والشاعر القدیم فی مستوى البنیة إذ تمزج بین وحدة التفعیلة ووحدة البیت التقلیدی. ویتخذ الشاعر من شخصیة المتنبّی وعلاقته بکافور قناعاً له، ویسقط علیه کلّ ما یحسّ به من زیف فی الواقع، ومن بطولات کاذبة وخوارق لا وجود لها، ولا ترقى إلى مستوى الواقع ویبدع فی ذلک التصویر متّخذاً من الصراع والسخریة والحوار أسالیب فنیة إبداعیة فی تصویر مواقفه وأفکاره وآرائه، کما هذا التوظیف یتمثل فی مثل: أکرهُ لون الخمر فی القنّینة/ لکننی أدمنتها... استشفاء/ لأننی منذ أتیتُ هذه المدینة/ وصرختُ فی القصور ببغاء/ عرفتُ فیها الداء / أمثل ساعة الضحى بین یدی کافور/ لیطمئن قلبه ... فما یزال طیره المأسور/ لا یترک السجن ولا یطیر!/ أبصر تلک الشفة المثقوبة/ ووجهه المسودّ... والرجولة المسلوبة/ أبکی على العروبة!/ یومیء، یستنشدنی ... أنشده عن سیفه الشجاع/ وسیفه فی غمده ... یأکله الصدأ! (دنقل،2010، ص 173-172). والشاعر دقیق فی اختیار المفردة الدالة على حاله، حیث نجده عبر بکلمة الداء عوض المرض؛ نظراً لأنّ الداء یرتبط بالمعاناة القاسیة المستمرة، ونقف فی هذا المقطع من القصیدة على مفارقة غریبة تبعث على التعجب، فالشاعر یکره لون الخمر والطبیعی بعد ذلک أن یترکها، إلا أنه أدمنها وصار أکثر تعلقاً بها؛ لأنها تنسیه داءه فی جسده ونفسه، وتساعده على الشفاء والنسیان. ومقابل هذه الصورة المظلمة یستحضر الشاعر تلک الصورة المشرقة التی «یرمز بها إلى انبعاث الأمة العربیة من رقادها، وتزرع الأمل فی نفس دنقل، وهی صورة تلک الفتاة البدویة التی لقیها الشاعر فی مدینة أریحا الفلسطینیة، ویختار لها اسم خولة لما لهذا الاسم من إیحاءات ودلالات نفسیة ومعنویة فی التاریخ العربی» (أبوجبین،2004، ص 311). ولا یخفى على المخاطب ما یرید الشاعر من ذلک الرمز، فهو بلا شک یقصد بها نضال الشعب الفلسطینی الذی یضیء لیل الشاعر الطویل ویتفاءل به، والأبیات التالیة تبین هذا التوظیف الرمزی: «خولة» تلک البدویة الشّموس/ لقیتها بالقرب من«أریحا»/ سویعة.. ثم افترقنا دون أن نبوحا/ لکنها کل مساء فی خواطری تجوس/ یفترّ بالشوق وبالعتاب ثغرُها العبوس/ أشم وجهها الصبوحا/ أضم صدرها الجموها!/ ... ... ... .../ سألتُ عنها القادمین فی القوافل/ فأخبرونی أنها ظلت بسیفها تقاتل/ فی اللیل تجار الرقیق عن خبائها/ حین أغاروا.. ثم غادروا شقیقها ذبیحا/والأب عاجزا کسیحا/ واختطفوا... بینما الجیران یرنون من المنازل/ یرتعدون جسدا وروحا/ لا یجرؤون أن یغیثوا سیفها الطریحا! (دنقل،2010، ص 175 ـ 174). ویعقد الشاعر مقارنة بین تلک الصورة المشرقة الموحیة، وصورة کافور بأسلوب ساخر، معبراً بذلک عن «الواقع الذی تمرّ به أمّته العربیة، فیهرب الشاعر من هذا الواقع إلى عالم الأحلام» (أبوجبین، 2004، ص 312 ـ 311). لعلّه یرى فیه ما یوحی به بالتفاؤل، ولکنّه لا یرى إلا البطولات الخارقة الکاذبة التی سرعان ما تبدِّدها یقظة الشاعر وعودته إلى عالم الواقع، کما یقول عنها الشاعر فی نصّه الشعری: حلمت لحظة بکا/ حین غفوتُ/ لکننی حین صحوتُ/ وجدت هذا السید الرخوا/ تصدر البهوا/ یقصّ فی ندمائه عن سیفه الصارم/ وسیفه فی غمده یأکله الصدأ!/ وعندما یسقط جفناه الثقیلان ... وینکفیء.../ یبتسم الخادم ...!/ ... تسألنی جاریتی أن أکتری للبیت حرّاسا/ فقد طغى اللصوص فی مصر ... بلا رادع/ فقلت: هذا سیفی القاطع/ ضعیه خلف الباب. متراسا/ (ما حاجتی للسیف مشهورا/ ما دمت قد جاورت کافورا؟)/ ... «عید بأیة حال عدت یا عیدُ؟/ بما مضى؟ أم لأرضی فیک تهویدُ؟/ «نامت نواطیر مصر» عن عساکرها/ وحاربت بدلا منها الأناشیدُ!/ نادیتُ: یا نیل هل تجری المیاه دما/ لکی تفیض ... ویصحو الأهل إن نودوا؟/ «عید بأیة حال عدت یا عیدُ؟ (دنقل،2010، ص 177-176). هکذا یجری الحوار بین المتنبّی وجاریته الحلبیّة التی تحثّه على العودة إلى حلب، فیتمکّن من خلال ذلک رسم حالة الوطن العربی الراهنة حیث تفصل نقاط الحدود بین بلدانه وهذا الحوار یتمثل فی: جاریتی من حلب ...، تسألنی«متی نعود؟»/ قلت: الجنود یملأون نقط الحدود/ ما بیننا وبین سیف الدولة (المصدر نفسه، ص 173). «إذن توظیف الحوار الذی یلجأ إلیه الشاعر بین حین وحین إضافة إلى ما تؤدّیه من دور لتکسیر رتابة السَّرد ومنح القصیدة الحیویّة المرجوّ هو وقد أفاد الحوار بیان جبن کافور وخوره وبطلان مزاعم شجاعته، والمقطع غنی تخییلیّاً حیث یوظّف الشاعر الانزیاح الدلالیّ فی قوله (سیفها الطریحا) إذ وصف السیف بکونه طریحاً مما یخلق مسافة توتر بین المسند والمسند إلیه، إضافة إلى التشبیه فی قوله (شریدة کالقطّة) وفائدة هذا التشبیه إظهار ما آلت إلیه خولة بعد أن صارت مأسورة بین یدی العِدى)» (بکور،2014، ص 100). ولا ننسى الحضور اللافت والظاهر للتناصّ حیث یستلهم الشاعر فی کلامه بعضاً من آی القرآن فی قوله (لکی یکون العین بالعین والسنّ بالسنّ) إضافة إلى استخدام واقعة المعتصم التاریخیة بطریقة معکوسة حذفت غرض الشاعر. ووظیفة الحوار فی السیاق الأدبی تکمن فی تنمیة الحدث وإبراز محاوره ومحرّکه (الشخصیات)، فضلا عن التکثیف الدلالیّ نتیجة غلبة التوتّر والمحادثة. ومن ظواهر الأسلوبیة المستفادة فی القصیدة هی الرمز الذی یعرِّفه البلاغیّون بأن «یستعمل المتکلم الرمز فی کلامه فیما یرید طیَّه عن کافّة الناس، والإفضاء به إلى بعضهم فیجعل للکلمة أو الحرف اسماً ما من الأسماء ویطلع على ذلک الموضع یرید إفهامه» (طبانة، دت، ص 106). وواضح من النصّ، أن الشاعر رمز بکافور إلى القائد البلید الذی لا یحسن السیاسة؛ فقد استحضر له عددًا غیر قلیل من الملامح السلبیة، التی تدل دلالة واضحة على ضعف الشخصیة وخوائه. فکافور لا یبدأ یومه، إلا بعد أن یطمئنّ قلبه، بأن أسیره) المتنبّی (لم یغادر مدینته، وأنه ما زال سجین فیها وأی حاکم یقضی بالإقامة الجبریة على ضیفه الذی قصده من مکان بعید رغبة فی الإنصاف غیر کافور؟! وعلى أساس هذا الأمر اکتسبت إحدى المعالجات خصوصیة بمحاولة الموازنة بین شخصیتین فی هذه القصیده، هما سیف الدولة: رمز الإخلاص والانعتاق من سطوة الواقع القاسی، وکافور: رمز للذلّ والهزیمة والکذب والادعاء، «ویبدو الواقع المهزوم (کافور) ماضیاً فی سیره، بینما عودة الخلاص(سیف الدولة) مستحیلة» (سلیمان،2007، ص 112). کما نلاحظ فی القصیدة حینما یقول الشاعر: جاریتی من حلب ...، تسألنی«متى نعود؟»/ قلت: الجنود یملأون نقط الحدود/ ما بیننا وبین سیف الدولة(دنقل،2010، ص 173). وثانیتهما، عندما جسّده أمل دنقل على صورة حلم وابتعد به عن صورة الواقع، ووظف الناقد البعد الدلالیّ ـ هنا ـ و لا نعنی الدلالة السطحیّة، بل الدلالة العمیقة، حیث کشف عن موقف الشاعر من خلال الربط بین الشخصیتین التراثیین والواقع المعیش بوساطة إسناد واقع لکلّ شخصیة تحیا به ولم یناقشها مبتورة، بل عکس واقعاً مؤلماً یعیشه الفرد/ الشاعر والمجتمع. فلجأ إلى المستوى الفیزیائی والمستوى العقلی، حیث یقول: فی اللیل ... فی حضرة کافور ... أصابنی السأم/ فی جلستی نمت ... ولم أنم/ حلمت لحظة بکا/ وجندک الشجعان یهتفون سیف الدّولة(المصدر نفسه، ص 175). فی هذین المقطعین الشاعر فی جلسته مع کافور «نام ولم ینم» فنومه کان على المستوى الفیزیائی، بینما على المستوى الذهنی لمینم؛ لأنّ همه لازم له وحاضره فی فکره. ولجأ ـ لبیان التوتّر النفسی الذی یعیشه الشاعر ـ لاستحضار المکان، فقد سئمت الجاریة من مصر ومن رخاوة الرکود، فأجابها بأنّه سئم أیضاً، ولذا لعن کافورا (لعنت کافورا ونمت مقهورا) وآخر العناصر التی جسد الناقد فیها البعد النفسی کانت صوراً ومفردات مفارقة تقترن بالشجاعة والبطولة لدى سیف الدولة، والانهزام والذلّ من جانب کافور. فإذا کان کافور یتحدث عن سیفه الصارم، وهو فی غمده یأکله الصدأ، فإنّ سیف الدولة یشهر حسامه الطویل المهلک ولذا استطاع أن یکشف لنا بوساطة هذین الرمزین حجم الهوّة بین الواقع المعیش والحلم المأمول (سلیمان،2007، ص 113). أما الرمز الأخیر فهو رمز (خولة) الذی ألبس دلالة التراث، فأعید لثلاث نساء، خولة أخت سیف الدولة، وبنت الأزور التی تعادل المرأة الفلسطینیة، وخولة المرأة العربیة التی سباها الرومان من أحد الثغور العباسیة فی زمن المعتصم. أما بالنسبة لـ"ـلنیل" فلم ینظر کسواه من الشعراء النظرة الرومانسیة الساذجة، فالنیل لا یکون لدیه مجرد لوحة جمیلة یراها من نافذة، أو طبیعة ساخرة ینظر إلیها من خلال مزاجه الشخصی، فقد تناول النیل کما یعرفه مواطن درجة ثانیة (زاید،2010،ص 72). ویتحدث عنها هکذا: نادیتُ: یا نیل هل تجری المیاه دما/ لکی تفیض... ویصحوا الأهل إن نودوا؟ (دنقل،2010،ص 177). ثمّ نشاهد نوعاً من الانتقال من الهجاء السیاسی إلى رثاء القومیة العربیة وهو رثاء یبرّره عجز الشاعر عن الهروب من الحاضر المهزوم إلى مجد الماضی العربی الحافل بالانتصارات الکبیرة، «فالهجاء ینصب على کافور بالرمز وإیقاع متواتر یعکس ذروة السخط والغضب، والشعور بالمرارة، فتکون النِّهایة الطبیعیة لهذا التوتّر الوجدانی الوصول إلى مرحلة الإجهاش بالبکاء (أبکی على العروبة) إن البکاء کموقف یتکرر کثیراً فی الدلالة على الحاضر المهزوم، وبالرغم مما یبدو من سلبیة هذا الموقف، فإن الذات الشاعرة تنجح فی کثیر من الأحیان فی التنصّل منه وإسقاطه على الأشیاء أو على الزمن. وهذا الإسقاط یصوّر دلالیاً عن طریق تعمیق الإحساس بالحزن، فیتمّ انتقال البکاء من الإنسان إلى أشیائه» (المساوی،1994،ص 289). وأیضا یضفی التضاد والمفارقة حسّاً شعریاً فی تجربة الشاعر؛ فالتضاد الذی یصنع الأشیاء فی علاقات متدایرة، والمفارقة التی تستقطر السخریة من التقابلات المفاجئة، یوظّفها الشاعر أحیاناً لیعبّر عن کشف الواقع المزعوم کما یأتی: یقص فی ندمانه عن سیفه الصارم/ وسیفه فی غمده یأکله الصدأ!/ وعندما یسقط جفناه الثقیلان ... وینکفیء .../ یبتسم الخادم ...! (دنقل،2010،ص 176 ـ 177). ویعمد دنقل إلى مفارقة تصویریة أحد طرفیها کافور، رمز السلطة الضعیفة المهزومة التی تحاول إخفاء عجزها بلون من الخداع، ومن ثمّ یضفی علیه دلالة معاصرة ویقابله الطرف الثانی الذی تمثله شخصیتان تراثیتان ترمز کل منها إلى القوة والشجاعة والإقدام، وهما شخصیتا سیف الدولة الحمدانی والمعتصم العباسی، ویسلک الشاعر فی ذلک أسلوبین مختلفین: الأول من خلال رؤیا المتنبّی الذی یوظّف للدلالة على صاحب الکلمة المعاصر إلى جانب الدلالة التراثیة ویستدعی الشاعر شخصیة سیف الدولة لیقابل بینهما وبین شخصیة کافور بدلالتها التراثیة حیث تصور هذا العمل الأبیات التالیة: أمثلُ ساعة الضحى بین یدی کافور/ لیطمئن قلبه ... فیما یزال طیره المأسور/ لا یترک السجن ولا یطیر!/ أبصر تلک الشفة المثقوبه/ ووجهه المسودّ... والرجولة المسلوبه/ أبکی على العروبه!/ یومیء، یستنشدنی ... أنشده عن سیفه الشجاع/ وسیفه فی غمده ... یأکله الصدأ(المصدر نفسه،ص 173 ـ 172). والثانی یختصّ بالمقابلة بین شخصیة کافور وشخصیة المعتصم التی نحا فیها الشاعر منحى الخفاء والتستّر، فلم یصرح بموقف المعتصم من المرأة الهاشمیة التی استنجدت به من أسر الروم بصرختها الشهیرة (وامعتصماه) وإنّما أضفى على کافور جملة من السمات تستدعی إلى ذهن القارئ (رحمانی،2003،ص 104). ومن الظواهر الأخرى فی هذا النصّ المفارقة التصویریة ویعنی بها أن «یکون التقابل الذی تعتمد علیه المفارقة لیس بین لفظین أو موقفین، ولکن بین صورتین ممتدّتین متعددتی العناصر والملامح فی ترکیبة درامیة متصاعدة وقد تکون الصورتان أو الصور المتقابلة کلها تراثیة، وقد یکون أحد الطرفین أو الأطراف عصریاً کما نراه فی هذه القصیدة حیث یضعنا أمام صورتین متناقضتین تماماً حتّى فی الملامح المادیة المحسوسة: صورة کافور الأسود ذی الشفة المثقوبة وصورة سیف الدولة المشرق الوجه کأنه شمس تختفی فی هالة الغبار عند الجولة. الأوّل ثقیل کسول یسقط جفناها الثقیلان وینکفیء فی مجلسه وسیفه فی غمده یأکله الصدأ. والثانی تجسید لقیم الفروسیة، یمتطی جواده الأشهب شاهراً حسامه الطویل المهلک، یزرع فی قلوب أعدائه الفزع ویحقق النصر» (قمیحة،1987،ص 198). وتتجلى مفارقة السخریة بشکل أخّاذ، حین یرسمه فی صورة متقنة تثیر السخریة المتهکمة النابعة من نقد شدید وحاد لسلوکات وممارسات الحکام الذین یزعمون توفیر الأمن للبلاد والعباد، حیث یقول على لسان المتنبّی: «تسألنی جاریتی أن أکتری للبیت حرّاسا/ فقد طغى اللّصوص فی مصر ... بلا رادع/ فقلت: هذا سیفی القاطع/ ضعیه خلف الباب.متراسا/ ما حاجتی للسیف مشهورا/ ما دمت قد جاورت کافورا؟» (دنقل،2010،ص 177). فصاحب البیت ـ لکثرة اللصوص والمجرمین الرسمیین خاصة ـ أحوج ما یکون لوضع الحارس على بیته، مما یجعل للسیف دوراً عظیما فی مثل هذا الموقف؛ لأنه یحول دون اللصوص وتحقیق غایتهم، لکن الغرابة الممزوجة بالسخریة تبدو حین لا یتجاوز دور السیف، دور المتراس الذی یسند الباب، مما جعله سنداً ضعیفاً حین یوجه إلى مثل هذه الوظیفة وحدها (بخوش،2004،ص 207). لا غرو بأنّ «أمل دنقل استخدم علمین تراثیین بارزین حظیا بالحضور فی شعر المتنبّی؛ هما سیف الدولة رمزاً للعروبة الخالصة، والبطولة الفائقة، والشجاعة الباهرة، والعزة الأبیّة الذی یمثِّل الحلم، وکافور الإخشیدیّ رمز العبودیة والخسة والدناءة والسلطة الغاشمة والبطولة المزعومة، الذی یمثل الواقع بسلبیاته وترهّلاته» (بکور،2014،ص 107). ولا شک أن الشاعر باستدعائه لهذین العلمین التراثیین سعى صراحة أو ضمنیاً إلى عقد مقارنة بین واقعین متناقضین، بینهما مفارقات صارخة؛ فالأول یمثل الواقع الآنی المریض المتهالک، فیما الثانی یمثل واقع الحلم والانتصار والغد المرجو. إن تمثل التراث الشعری فی هذا المقطع واستمداد أجوائه ظاهرة فنیة، الغرض منها خلق انسجام بین لحظتین نفسیتین متشابهتین؛ فاللحظة النفسیة الأولى هی لحظة المتنبّی الذی خاب أمله فی وعود کافور الإخشیدیّ الکاذبة واللحظة النفسیّة الثانیة هی لحظة أمل دنقل الذی خاب أمله فی الوسیلة التی اتّبعها الأمة فی مواجهة الهزیمة «الأناشید بدل السلاح الفعلی» (المساوی،1994،ص 288). ومن هنا نجد أن دنقل اعتمد على بیتی المتنبّی متصرفاً فی الأبیات باستبدال بعض العبارات، لیحول الدلالة فیها من الهمّ الذاتی إلى الهمّ الاجتماعی القومی، ولیتوفّق على المتنبّی صاحب الموقف الشخصی. ومن الحقّ أن نقول: إن الشاعر أمل دنقل فی قصیدته ینطلق إلى توظیف التراث حیث انطلق الشعراء إلى التراث العربی والإسلامی ینهلون منه، کما اتجهوا إلى التراث الإنسانی للإفادة منه، «وهم فی هذا وذاک کانوا یبحثون عن إجابات لأسئلة الحاضر المغلقة علیهم، ویبحثون عن أساس الحیاة یرضونها، ویفتِّشون عن عناصر ومقوِّمات شخصیتهم الحضاریة، وأسباب هزیمتهم وعوامل انتصارهم» (سرور،1988، ص 186). وعلى هذا غدا التّراث مصدراً من مصادر الشعر، وملحماً من ملامحه، أما أمل دنقل فقد أجاد فیها واستطاع من خلالها أن یعدی شخصیة الحاکم الذی یتظاهر بما لیس فیه، فهو مزدوج الشخصیة له ظاهر بادٍ للعامة تحوطه الجلالة والشجاعة، وباطن هو فیه واهن وجبان. ویقارن الشاعر بین موقف کافور الذلیل وموقف سیف الدولة الشّجاع الذی ینمّ عن رجولة فائقة وتسعفنا الملاحظات السابقة فی الوقوف على الثُّنائیة التالیة: (سیف الدولة/ کافور، العزة/ الذِّلة، الشّجاعة/ الجبن، النّزول إلى المعرکة/ تصدر البهو، القصاص الفعلی/ القصاص القولی، السیف المهلک/ السیف الصدیء). وأساساً على هذا یحافظ على ارتباطه بمعاناة أمته، «فإنّ رؤیته الشعریة تستشرف آفاق المستقبل وهذا راجع إلى امتلاک الشاعر لدرجة من الوعی بالواقع، فلا یمکن أن یرتجی سقوط التجزئة وقیام الوحدة العربیة فی فترة زمنیة بدأت بثورة فکری (15مای 1971) على مبادیء الناصریة: السیاسیة والاجتماعیة والاقتصادیة التی حوّلت وجهة الحرب التحریریة إلى حرب تحریکیة، أحسّ فیها العرب بثقل الهزیمة فی نفس الوقت الذی تردّدت فیه أهازیج النصر والمسؤول عن هذه الثنائیة المظلمة یظل دائماً الحاکم الخائن الشبیه بکافور، فهما من طینة واحدة، مثالان للخیانة والجبن» (رحمانی،2003، ص 36)، لذلک یسعى إلى الخلاص من هذا الحاکم الجائر وتحقیق الحریة والعدل من أجل أن تسعد أمته ویحقق الحریة الإنسانیة الحقیقیة؛ وارتکازاً على هذه الحقیقة صرخ فی وجه نظام السبعینات رافضاً الصلح. وإن الشاعر حریص على الالتحام بالشخصیة المتقنّع بها، غیر أنه قام بتحویر فی نصّ مستدعى لتلاؤم الغرض الذی یرمی إلیه؛ وأکبر الظن أن المتنبّی المعاصر (أمل دنقل) یطلب من کافور (الحاکم العربی الزائف) أن یفی بمواعیده وأن یستردّ ما احتلّ من أراضیه وألا یتقاعس عن المسؤولیة التی فوّضت إلیه، لکن کافور مواعیده للمتنبی (أمل دنقل أو الإنسان العربی المعاصر) مواعید عرقوب. کما أنّ ختام القصیدة «فهو إعادة صوت أبو الطیّب فی أبیات من الدّالیة المشهورة فی مصر، وإجراء تغییر على بعض جملها، لیلتحم الشاعران فی زمن واحد تصنعه الحیرة، هو زمن مصر فی التاریخین مختلفین، مصر زمن کافور ومصر القابضة على جرح الهزیمة، بعد هزیمة 1967» (الکرکی،1989، ص 233). وینهی الشاعر مقطوع القصیدة بتصویر حال مصر التی طغى فیها اللصوص وانتشرت فیها الفوضى، ونامت عساکرها التی یجدر بها أن تحارب فی أرض المعرکة دفاعاً عن کرامة الوطن وعن حقیقته وحاربت الأناشید الثوریة بدلاً منها وفی ذلک إلى تلک الأغانی الثوریة التی ردّدها کبار المطربین فی حرب 1967م وکانت هی وحدها المحاربة فیما الجیوش فی أرض المعارک لم تحرک ساکناً، ویختم القصیدة باستفهام ملیء بالإنکار یختصر کثیر من الآلام والکلام.
الخاتمة 1. إنّ أمل دنقل اعتمد إلى حدّ کثیرٍ على الأصوات المجهورة بالنسبة للأصوات المهموسة، فهذا خیر دلیل على أنّه یحتدّ غضباً ویعانی مما یجری فی الوطن العربی؛ کأنّه أخذ یصرخ فی وجه الحاکم العربی المتهاون ویسمعنا صرخته الموجعة من التخاذل الذی انتهى إلى هزیمة حزیران. ثم إنّ الامتزاج بین البحور الشعریّة من الرجز والسریع والبسیط جنب الأشکال المختلفة من الانزیاح الإیقاعی یجعلنا أن نستنتج بأنّ الشاعر صاحب الهواجس ولا یمکن أن یقرّ له الحال فی هذه الظروف السیاسیّة والاجتماعیة المتأزمة حیث یرى الهوّة السحیقة بین حلمه المأمول وواقعه المعیش. هذا وإنّ صاحب النص وظّف إلى حد کثیر القوافی المقیّدة بالنسبة إلى القوافی المطلقة؛ فالتقیید المسیطر على القوافی یدعونا بالاعتقاد إلى أنّ الحاکم الدکتاتور کمّم الأفواه ولیس بمقدور أحد أن یقول شیئاً لا یعجبه! ثم لا یمکن الإغماض عن الحضور المکثّف للکلمات والجملات السلبیّة فی النصّ، ومثل هذا الحشد الکبیر من التعابیر السلبیّة یجعل الشاعر صاحب النزعة التشاؤمیّة بالنسبة ما جرى ویجری فی العالم العربی. 2. نستشفّ من دراسة المستوى الترکیبی أن التقمّص الشعری واتخاذ الأسلوب السردی عن طریق الشخصیّة التراثیّة کالمتنبّی دفع الجملة الإخباریّة أکثر حضوراً و فاعلیّة بالقیاس إلى الجملة الانشائیّة، ثم إنّ حرص الشاعر على تجسید الظروف السیاسیّة الراهنة فی البلاد العربیّة ومحاولته لتقدیم الوجه الحقیقی للحاکم المتنمّر المتماهل جعل توظیف الجملة الفعلیّة یمیل إلى المضارعیة لیزید من وقعه وأثره بالنسبة إلى الجملة الاسمیّة؛ کأنه یرید أن یقول رمزیّاً: یتجددّ کل یوم هذیان الحاکم الأبله صاحب الشفة المثقوبة، والوجه المسوّد، والرجولة المسلوبة الذی یأمر أن یشتری جاریة رومیّة تُجلد کی تصیح واروماه! واروماه! لکی یکون العین بالعین والسنّ بالسنّ! 3. استئناساً بما تقدّم من دراسة النماذج الشعریّة یمکن القول إنّ الشاعر بواسطة التقنیّات الأدبیّة المتعددة کالمفارقة، والطعن، والقناع، والتضاد، والتناسب، والمونولوج، والدیالوج، وغیرها حاول للمقارنة بین واقع الیوم وواقع الأمس فإذا کان کافور/ الحاکم العربی المعاصر قد اتّسم موقفه بالضّعف والهوان، فإن سیف الدولة والمعتصم قد اتّسم موقفهما ببطولة سابقا، فهو الذی یکره تنمّر السلطة المهزومة على الرعیة ویتحدَّى فی نصّه الشعری القضایا السیاسیة ویدین تقاعس الحکام العرب مع الاستعانة بشخصیة المتنبّی والتکلم من خلالها، حیث أراد من خلال شخصیة کافور أن یدین کلّ الإدانة تقاعس الحکام عن أداء واجبهم فی الحفاظ على کیان الأمة وهذا لیس باسترداد ما احتلّ من البلاد، بل فی حمایة ما تبقى من هذا الکیان، وتصل هذه الإدانة ذروتها من القسوة والثورة والاستهزاء للحکام الذین لا یستطیعون أیّ تغییر. على ضوء هذا التفسیر جاء المتنبی معادلاً موضوعیّاً للإنسان العربی المعاصر الذی سُلب حقه وأهدرت کرامته؛ فالظروف السائدة جعلته یکون صاحب النوستالجیا إلى ما مضى من العهد الزاهی. | ||
مراجع | ||
القرآن الکریم
10. الدوسری، أحمد. (2004م). أمل دنقل شاعر على خطوط النار. (ط2). دمشق: مکتبة الأسد. 11. زاید، أمیرة عبد السلام. (2010م). جدلیة الشعر والتربیة، القیم التربویة فی شعر أمل دنقل. القاهرة: دسوق. العلم والایمان للنشر والتوزیع. 12. ساعی، أحمد بسام. (1978م). حرکة الشعر الحدیث فی سوریة خلال أعلامه. دمشق: دار المأمون للتراث. 13. سرور، عبد الله. (1988م). أثر النکسة فی الشعر العربی. د.م: رمل الإسکندریة. 14. سلیمان فتوح، شعیب محی الدین. (2004م). الأدب فی العصر العباسی (خصائص الأسلوب فی شعر ابن رومی). د.م: دار الوفاء. 15. سلیمان، محمد. (2007م). الحرکة النقدیة حول تجربة أمل دنقل الشعریة. عمان: دار الیازوی العلمیة للنشر والتوزیع. 16. الشهروزی، یادکار لطیف. (2012 م). المفاتیح الشعریة قراءة أسلوبیة فی شعر بشار بن برد. دمشق: دار الزمان للطباعة والنشر والتوزیع. 17. الصکر، حاتم. (1999م). مرایا نریس، الأنماط النوعیة والتشکیلات البنائیة لقصیدة السرد الحدیثة. بیروت: المؤسسة الجامعیة للدراسات والنشر والتوزیع. 18. طبانة، بدوی. (د.ت). قدامة بن جعفر والنقد العربی. القاهرة: مکتبة الأنجلو. 19. عشری زاید، علی. (2006م). استدعاء الشخصیات التراثیة فی الشعر العربی المعاصر. القاهرة: دارغریب للطباعة والنشر والتوزیع. 20. قمیحة، جابر. (1987م). التراث الإنسانی فی شعر أمل دنقل. عمان: هجر للطباعة والنشر والتوزیع. 21. الکرکی، خالد. (1989م). الرموز التراثیة فی الشعر العربی الحدیث. بیروت: دار الجیل. 22. المتنبّی، أبوطیب أحمد ین الحسن. (د.ت). الدیوان. شرح: عبدالرحمن البرقوقی. (ط2). (ج 1). بیروت: دار الأرقم بن أبی الأرقم. 23. محمد ویس، أحمد. (2004م). الانزیاح من منظور الدراسات الأسلوبیة. بیروت: المؤسسة الجامعیة للدراسات والنشر والتوزیع. 24. المساوی، عبد السلام.(1994م). البنیات الدالة فی شعر أمل دنقل. (ط2). سوریا: منشورات اتحاد الکتاب العرب. 25. معروف، نایف، عمر، الأسعد. (2001م). علم العروض التطبیقی. (ط4). بیروت: دار النفائس للطباعة والنشر والتوزیع. 26. الملائکة، نازک. (1989م). قضایا الشعر المعاصر. (ط8). بیروت: دار العلم للملایین. 27. الموسى، خلیل. (2003م). بنیة القصیدة العربیة المعاصرة المتکاملة. دمشق: من منشورات اتحاد الکتاب العرب. أ) المقالات
ج) الرسائل الجامعیة
| ||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 3,127 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 1,692 |