
تعداد نشریات | 43 |
تعداد شمارهها | 1,706 |
تعداد مقالات | 13,973 |
تعداد مشاهده مقاله | 33,608,695 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 13,328,925 |
سيبويه بين التقعيد والوظيفية (الاستثناء دراسة) | |||||||||||||
بحوث في اللغة العربية | |||||||||||||
مقاله 7، دوره 8، شماره 14، تیر 2016، صفحه 75-88 اصل مقاله (575.85 K) | |||||||||||||
نوع مقاله: المقالة البحثیة | |||||||||||||
شناسه دیجیتال (DOI): 10.22108/rall.2021.21040 | |||||||||||||
نویسندگان | |||||||||||||
جلال مرامي1؛ مجيد قاسمي* 2 | |||||||||||||
1أستاذ مساعد في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة العلامة الطباطبائي. | |||||||||||||
2طالب الدکتوراه في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة العلامة الطباطبائي (الکاتب المسؤول). | |||||||||||||
چکیده | |||||||||||||
يسعى هذا البحث إلى الکشف عن منهجية سيبويه في دراسة النحو على ضوء التقعيد والوظيفية وذلک بالارتکاز على ما جاء في تبويبات الاستثناء. فانتهى البحث إلى أنّ أسلوب سيبويه تقنيني تحليلي، لا يقف عند نقل المسموع، بل يتجاوزه إلى دراسة تحليلية وظيفية. وأدنى دليلٍ يکشف اعتماده على هذا الأسلوب هو أن کثرة المصطلحات التي يستعملها في تصنيف الأبواب اصطلاحات وصفية کثر ما تشرح الشّکل الإعرابي والتعليل له في آن واحد. ويکشف هذا البحث معتمدا على المنهج الوصفي ـ التحليلي أنّ سيبويه لم يهمل الجانب الوظيفي للغة العربية بل اعتنى بالاستعمالات، والوظائف الدلالية والتداولية عناية فائقة، حيث تکمن وراء کل استعمال، ولغة قومٍ وموقفٍ کلامي دلالته المختلفة، التي يدرسها سيبويه دراسة مستقصية. من ثمّ ما صار يعرف في وقتنا الراهن بنظرية الوظيفية کان موجودا لدى سيبويه على سبيل التطبيق والتوظيف العملي. | |||||||||||||
کلیدواژهها | |||||||||||||
سیبویه؛ الکتاب؛ التقعید؛ الوظیفیة؛ الاستثناء مصداقا | |||||||||||||
اصل مقاله | |||||||||||||
القائمان» هنا نصب على حدّ الصِّفة فی النّکرة» (سیبویه، 1999م، ج2، ص6). ویمکن القول عن منهجیة سیبویه العامة فی دراسة الأبواب إنّها تتمیز باتجاه توصیفی تعلیمی، لأنّه یبدأ الباب بالعنوان فیعقبه أمثلة نقلیّة تؤیّد ما قاله من التقعید والتنظیر الذی عنونه، وبعد ذلک یقوم بالتقویم، والتوطید والتوثیق بالأدلّة العقلیة والنقلیة وإذا ما تعرّض لمسألة خلافیّة، یکتنه ویلتمس موجب الخلاف ولا یلقیها على عواهنها، وهی طریقة تساعد المتلقّی المتفقه على تثبّت اللغة.
التقعید التقعید فی اللغة على زنة التفعیل ومن بابه، وورد فی المعاجم: «قَعَّدَ القَاعِدَةَ: وَضَعَها» (مصطفى، 2010م، ج2، ص748)؛ أی وَضعَ لها أصولها. وفی الاصطلاح النحوی قال الزایدی بودرامة عنه عبر التفریق بین القاعدة والتقعید: «إنّ القاعدة جزء لا یتجزأ من نسیج اللغة وهو الجزء الضابط لخواصها، والمرشد إلى کیفیات توظیفها، وهی بهذا المفهوم لا تُیسّر ولا تسهّل بالحذف أو الإهمال أو الاستغناء عن بعض جوانبها؛ ذلک أنّها تسری فی جسم اللغة ولا تنفکّ عنها، أمّا التقعید فهو وسائل إنتاج القاعدة [...] إنّ التقعید هو الجانب النظری، فی الموروث النحوی، من السّماع والقیاس، وهو الذی ینتمی إلى نظریة النحو ومناهجه» (بودرامة، د.ت، ص1)؛ فالتقعید بهذا المعنى یستلزم العلم الوافر بأحوال اللغة وسبر أسرارها طلباً لوضع الأصول النظریة والمنهجیة؛ وذلک یتوافر بعد الإلمام بموارد أو مصادر موثوق بها، تصدر عن بطون نفس المجتمع الناطق بتلک اللغة، فهذا هو سبب قیام النحاة واللغویین العرب الأوائل برحلات بین القبائل فی شبه الجزیرة العربیة للسماع من ألسنة فصحاء موثوق بعربیتهم وجمع المادة اللغویة. أمّا المصادر التی اعتمد علیها سیبویه فی التقعید النحوی (أو التقعید اللغوی) للعربیة فهی القرآن الکریم، وکلام العرب شعره ونثره والحدیث الشریف. الوظیفیة Fonctionnalisme قیل عن نظریة النحو الوظیفی (Functional Grammar) إنّه ظهرت فی عام 1978م ردّة فعل عنیفة ضد المدّ التولیدی التحویلی تتمثّل فی نظریة النحو الوظیفی بزعامة سیمون دیک الهولندی، حیث مثل للجانب التداولی ورفض مبادئ النحو التولیدی التحویلی (کالتحویل) محاولا الاستفادة مما قدمه فلاسفة اللغة العادیة، وموسعا النظر نحو بناء نحو یربط بین البنیة والوظیفة[1]. ثمّ دخلت هذه النظریة إلى العربیة عبر بوابة المملکة المغربیة بجامعة محمد الخامس بالرّباط عام 1982م، على ید الدکتور أحمد المتوکل (انظر: زیغد، 2012م، صص135 ـ 134 و144). فالنحو الوظیفی یبحث عن المعنى، والوظیفة والترکیب إضافة إلى أنّه یعنى عنایة فائقة بجمیع الاستعمالات ولا یسمح باستبعاد أی استعمال طالما نطقت به العرب. وبهذا فالنحو الوظیفی هو ذلک الجهاز المرکب من محصلة کل الوظائف الترکیبیة، والدّلالیة والتداولیة. أمّا النحو غیر الوظیفی فهو النحو الذی یُکتفَى فیه بتحدید وظائف بنیة الجملة الترکیبیة، أی یقتصر على البحث عن الدور الذی تؤدّیه الکلمات أو العبارات فی الجملة، أی الوظائف الترکیبیة (بعیطیش، 2006م، ص41). وما قیل عن زعامة سیمون دیک لنظریة النحو الوظیفی مزعوم الدراسات اللّسانیّة الحدیثة ولکنّ هذا البحث یعترف بسبق سیبویه وریادته على علماء النظریات اللسانیة الحدیثة فی الاعتماد على الوظیفیة.
التقعید والوظیفیة فی تبویبات الاستثناء دراسة 1ـ هذا باب الاستثناء: یعدّد سیبویه فی مجمل هذا الباب، الذی لا یعدو أسطراً، أدوات الاستثناء من الأحرف والأسماء والأفعال، فالجانب التقعیدی هنا یأتی اقتضاء لطبیعة الموضع. 2ـ هذا باب ما یکون استثناء بـ«إلا»: یستهلّ سیبویه هذا الباب بتوطئة تقعیدیّة، حیثُ یجیز للاسم الواقع بعد "إلا" وجهین: أ) أوّلهما ما اصطلح المتأخّرون لتسمیته بالاستثناء المفرّغ؛ وهو عند سیبویه معالجة نمطیة تبیّن الحرکة الإعرابیة، بمعنى أنّه آثر استعمال مصطلحات وصفیة تحمل معنى المفرَّغ وإن لم تحمل لفظه، إذ یذکر فی کتابه أنّ الاسم بعد "إلا" یکون على وجهین: «فأحدُ الوجهین أن لا تغیر الاسمَ عن الحال التی کان علیها قبل أن تَلحق» (سیبویه، 1999م، ج2، ص323) ثمّ یقول: «فأمّا الوجه الذی یکون فیه الاسم بمنزلته قبل أن تلحق "إلا"، فهو أن تُدخل الاسمَ فی شیءٍ تَنفی عنه ما سِواه، وذلک قوله: «ما أتانی إلا زیدٌ»، و«ما لقیت إلا زیداً» و«ما مررت إلا بزید»» (المصدر نفسه، ص323)؛ وکلام سیبویه هذا یستغرق مدلول الاستثناء المفرَّغ. واللافت للنظر أنّ سیبویه أثناء ذکره لهذا الوجه التقعیدی یضمّن طرفة طریفة من المعنى الوظیفی إبانة لفائدة "إلا"، انطلاقا من أنّها فی هذا الوجه لا تغیّر إعراب الاسم بعدها «ولکنّها تجیء لمعنى» (المصدر نفسه، ص323). فاعتبارا لما قاله سیبویه، الفرقُ بین قولک: «ما قامَ إلا زیدٌ» وقولک: «قامَ زیدٌ» فی أنّ الأوّل یفید إثباتَ الفعل لما بعد "إلا" ونفیه عمّن سواه والثّانی یفید إثبات الفعل للفاعل بدون أن تکون فیه دلالة على نفیه عمّن سواه (السّیرافیّ، 2008م، ج8، ص164). ب) ثانیهما «أن یکون الاسمُ بعدها خارجاً ممّا دخل فیه ما قبله، عاملاً فیه ما قبله من الکلام، کما تَعمل «عشرون» فیما بعدها إذا قلت: «عشرون درهماً»» (سیبویه، 1999م، ج2، ص323). یُوعَز إلى أنّ «المتصل» و«المنقطع» من مصطلحات المتأخّرین فی الاستثناء، أمّا سیبویه ـ وإن جاءت لفظة «المنقطع» عنده فی بعض توضیحاته ـ فلم یتخذهما مصطلحینِ بل یعالجهما فی ضوء الحرکة الإعرابیة، مثل ما یلاحظ فی «ثانیهما». هنا لا یکتفی سیبویه بالمسموع، فنراه بعد ذکره لهذین التقعیدینِ فی أسطرٍ، یلتمس إلى تحلیل ضمنیّ لعامل المستثنى، وذلک جاء عنده أثناء قیاس تعریفی، حیثُ لا یکون فی المستثنى فی قولک: «ما أتانی إلا زیدٌ» وجهٌ سِوَى أن یکون على حاله قبل أن تَلحق "إلا"؛ لأنّه بعد "إلا" محمولٌ على ما یَرفع، کما کان محمولا علیه قبل أن تَلحق "إلا"، ولم یَشغل الفعلُ معمولا آخر سِوَى «زیدٌ» قبلَ أن تَلحق "إلا"؛ أمّا المستثنى فی قولک: «أتانی القومُ إلا زیداً» فالعامل فیه مختلف عمّا مضى ذکره؛ ذلک أنّ الفعل فیه قد شغل معمولاً آخر سوى «زیداً» قبل أن تَلحق "إلا". من ثمّ یبدو أنّ ابن مالک قد أصاب فی زعمه أنّ مذهب سیبویه نصب المستثنى بـ"إلا" (انظر: ابن عقیل، 1387، ج1، ص544). هذا هو المنهج التحلیلی الذی یستشفه سیبویه وراء مسموعه ویتغلغل فیه برؤى استکشافیّة. 3ـ هذا باب ما یکون المستثنى فیه بدلاً مما نفی عنه ما أدخل فیه: یؤسّس سیبویه عمله التنظیری على المادة اللغویة المتداولة بین العرب ولا یجعله تقعیداً لأشکال افتراضیّة، فوجه الکلام عنده ـ کما أنّ عنوان الباب یوحی ذلک ـ أن تجعل المستثنى فی قولک: «ما أتانی أحدٌ إلا ذلک» ونظائره بدلاً من الذی قبله؛ إلا أنّه قد سمع لغةً أخرى فیه وذلک أن یکون المستثنى فیه کالمستثنى فی قولک الموجب: «أتانی القومُ إلا أباک» منصوباً بـ"إلا"؛ فیضع سیبویه هذه اللغة لغة ثانیة اعتبارا للاستعمال العربی، إلا أنّه لا یتطرّق فی هذا الموضع إلى أیّ تعلیل یوضح الدّواعی المعنویّة لهذا الافتراق التّداولیّ ویؤجّل إیضاحَه إلى باب: «هذا باب النصب فیما یکون مستثنى مبدَلاً» فشأنه فی ذلک یشبه تحریک الهمّة والتّشویق إلى المتأخّر، لأنّ اختلاف الحرکة الإعرابیة یؤدّی إلى معنى مختلف. فی إطار هذه العملیة التقعیدیة، یتعرّض سیبویه لأمثلة تتکوّن من أسلوب ترکیبی واحدٍ ولکنّ اعتبار المعنى فیه قد یمنع حرکة إعرابیة وقد یجیزها؛ یتمثّل ذلک فی قولک: «ما رأیتُ أحداً یقول ذاک إلا زیداً» وفی قولک: «ما ضربتُ أحداً یقول ذاک إلا زیداً»، فبینما یجوز فی الأوّل أن تنصبَ «زیداً» على البدلیّة من الاسم الأوّل ـ وهذا وجهُ الکلام بسبب انتفاء المبدل منه لفظاً ـ أو تحملَه على الإضمار الذی فی «یقول» وترفعه، لا یجوز فی الثّانی إلا النّصبُ. ذلک لأنّ المعنى فی الأوّل أنّک أردتَ أنّه «لیس یقول ذاک إلا زیدٌ» وما جئتَ بفعل «رأیتُ» إلا لتُبدِی ما تیقَّنته، أمّا الرّفع فی الثانی فممتنع «لأنّک أردت فی هذا الموضع أن تُخبِر بموقوعِ فعلِک، ولم ترد أن تُخبِر أنّه لیس یقول ذاک إلا زیدٌ، ولکنّک أَخبرت أنّک ضَربت ممّن یقول ذاک زیدا» (سیبویه، 1999م، ج2، ص326). تجدر الإشارة إلى أنّ الکاتب لا یغفل العنایة بالقدرة التواصلیة ودور المتکلّم فی توظیف قواعد اللغة أثناء العملیة التواصلیة، کما أنّ الشّأن عند الوظیفیین یتمحور فی معرفة القواعد اللغویة وکیفیة استثمارها فی تلک العملیة؛ الدّلیل على عنایة سیبویه بالمتکلّم قوله: «ولو جعلتَ «رأیتُ» رؤیة العین کان بمنزلة «ضربت»» (المصدر نفسه، ص326)؛ فالمعنى القصدی للرؤیة القلبیة أو الرؤیة البصریة عند المتکلّم له أثر إعرابی قد أدلى سیبویه بتصریحه وذلک على نهج التداولیة التی تدرس اللغة کما یستعملها النّاطقون بها ضمن مقاصدهم وتحدیداتهم. فی خواتیم هذا الباب یتبیّن تطعیم آخر بین النحو التقعیدی والنحو الوظیفی، إذ یقول العرب: «أقلُّ رجلٍ یقولُ ذاک إلا زیدٌ» و«قَلَّ رجلٌ یقول ذاک إلا زیدٌ» فیرفعون «زیدٌ» مع أنّه لم یسبقه النفی الذی قعّده سیبویه فی العنوان، فمخالفة الاستعمال بالقاعدة المذکورة جعلت الکاتب ـ یعنى به سیبویه ـ یتوسّل إلى توسیع نطاق النّفی اللفظی، فالذی یقصده سیبویه من قوله: «وتقول: «أقلُّ رجلٍ یقولُ ذاک إلا زیدٌ»، لأنّه صار فی معنى: ما أحدٌ فیها إلا زیدٌ» (المصدر نفسه، ص326)، هو موافقة النّفی المعنوی أو التأویلی بالنّفی اللفظی، ذلک لأنّ ««أقلّ» ینصرف على معنیین: أحدهما:النّفی العامّ والآخر: ضدّ الکثرة؛ فإذا أرید النّفی العامّ جُعِلَ تقدیره: «ما رَجُلٌ یقول ذاک إلا زیدٌ» کما تقول: «ما أحدٌ یقول ذاک إلا زیدٌ». وإن أُرِیدَ به ضِدُّ الکثرة، فتقدیره: «ما یقول ذاک کثیر إلا زید»، ومعناهما یَؤُوْلُ إلى شیءٍ واحدٍ» (السّیرافی، 2008م، ج8، ص173). یتبادر هنا إلى الذّهن تساؤل مشروع لم یعالِجه سیبویه لا فی هذا الباب ولا فی سائر تبویبات الاستثناء معالجة واضحة إمّا لأنّه لم یفطن إلیه وهذا مستبعد لغزارة علمه وإمّا لأنّه قد رآه معروفاً معهوداً، هو: لِمَ أبدلت العرب من المنفیّ ولَم تُبدِل من الموجب؟ قال المتأخّرون: لأنّ عبرة البدل أن یحلّ محلّ المبدل منه وفی المنفیّ یصحّ حذف الاسم المبدل منه قبل "إلا" ولا یصحّ ذلک فی الموجب؛ لا یقال: «أتانی إلا زید» لأنّه لا یجوز إثبات ما یتضادُّ، فإذا قلت: «ما أتانی إلا زیدٌ» فقد وقع النّفی على ما لا یجوز إثباته من الأشیاء المتضادّة وکأنّک قلت: «ما أتانی رجلٌ وحده، ولا رجلان، ولا رجال مجتمعون، ولا متفرقون» فإذا أثبتَّ على هذا الحدّ فقلتَ: «أتانی إلا زیدٌ»؛ فقد أوجبت إتیان النّاس کلّهم على هذه الأحوال المتضادّة، وذلک لا یجوز ولا یُقصد (انظر: ابن یعیش، د.ت، ج2، ص82؛ السّیرافی، 2008م، ج8، ص174). 4ـ هذا باب ما حمل على موضع العامل فی الاسم والاسم لا على عمل فی الاسم ولکن الاسم وما عمل فیه فی موضع اسم مرفوع أو منصوب: فی هذا الباب یتمحور مناط الاجتهاد عند سیبویه فی تقعیده للقواعد حول تعذّر البدل على اللّفظ. وأثناء ذلک قد یتعرّض للجانب الوظیفی للغة. ففی قولک: «ما أتانی مِن أحدٍ إلا زیدٌ»، و«ما أنت بشیءٍ إلا شیءٌ لا یُعْبَأُ به»، و«لستَ بشیءٍ إلا شیئاً لا یُعْبَأُ به»، و«لا أحدَ فیها إلا عبدُ الله» یتعذّر البدل على اللّفظ بسبب وجود المانع. من هذه الأمثلة التی ساقها سیبویه یظهر أنّه «یتعذّر البدل على اللّفظ فی أربعة مواضع: فی المجرور بمِن الاستغراقیّة، والمجرور بالباء الزّائدة لتأکید غیر الموجَب، نحو: ما زید أو لیس زید، أو هل زید بشیء، وفی اسم «لا» التّبرئة، إذا کان منصوباً، أو مفتوحاً، نحو: لا رجل، ولا غلامَ رجل، وفی الخبر المنصوب بما الحجازیة» (انظر: الأستراباذی، 1996م، ج2، ص107). هذا من ناحیة التقعید أمّا من ناحیة الوظیفیة فیرى سیبویه أنّ العرب لا تحملُ المستثنى فی عبارة: «لا أحدَ فیها إلا عبدُ الله» على اللّفظ لأنّ هذا الکلام جوابٌ لقول القائل: «هل مِنْ أحَدٍ»؟ وشأنه فی ذلک مثلُ: «ما أتانی من أحدٍ لا عبدُ الله ولا زیدٌ» جواباً لقول القائل: «هل أتاک من أحد»؟ فلمّا یکون السؤال عن استغراق الجنس بمجیء «مِن» زائدة یجب أن یکون الجواب کذلک عن الجنس، «فإذا قلت: «ما جاءنی من رجل» لم یقع ذلک إلا للجنس کلّه. ولو وضعت فی موضع هذا المنکور معروفا ـ لم یجز لو قلتک ما جاءنی من عبد الله ـ کان محالاً؛ لأنّه معروف بعینه فلا یَشیع فی الجنس» (المبرد، 1994م، ج4، ص420). فی هذا الباب کذلک یدرسُ سیبویه موافقة النّفی المعنوی أو التأویلی بالنّفی اللفظی حسب الاستعمال العربی، بیدَ أنّ هذا الموضع لیس فی القوّة کالنّفی التأویلی فی الباب السّابق، من قِبَل أنّ من یقول على الجواز: «رأیتُ أحداً لا یقول ذاک إلا زیداً» و«إنّ أحداً لا یقول هذا إلا زیداً» إنّما یُبدلُ المستثنى مما تأخّر عنه النفیُ وإن یکون معناه النفیَ، أمّا قولک: ««ما رأیتُ أحداً یقول ذاک إلا زیدٌ» و«أقلُّ رجلٍ یقولُ ذاک إلا زیدٌ» إنّما ابتدأتَه مع النّفی اللّفظی أو معناه. جدیر بالذّکر أنّ «أحد» ـ کما یقوله سیبویه ـ لا یُستعمل فی الواجب، لذلک وقوعه فی: «إنّ أحداً لا یقول ذاک» ضعیفٌ خبیثٌ ولکنّه احتُمل حیث کانَ معناه النفیَ (سیبویه، 1999م، ج2، ص329). 5ـ هذا باب النصب فیما یکون مستثنى مبدَلاً: مضى فی باب: «هذا باب ما یکون المستثنى فیه بدلاً مما نفی عنه ما أدخل فیه» أنّ وجه الکلام عند سیبویه أن تجعل المستثنى فی قولک: «ما أتانی أحدٌ إلا ذلک» ونظائره بدلاً من الذی قبله؛ إلا أنّه قد سمع لغةً أخرى فیه وذلک أن یکون المستثنى فیه کالمستثنى فی قولک الموجب: «أتانی القومُ إلا أباک» منصوباً بـ"إلا"؛ فوضع سیبویه هذه اللغة لغة ثانیة اعتبارا للاستعمال العربی. أمّا الإشکالیّة الواردة هنا فتجول فی فلک تفضیل البدلیة على النّصب؛ لماذا یجعل سیبویه البدلیّة لغة مختارة؟ هل رأى الکاتب وراء هذا الاختلاف علّة معقولة ودلالة موضوعة؟ أم کرّس جلّ همّه فی بناء القاعدة؟ رکائز الباب توحی أنّه فی هذا الباب قد جرى فی سَنَنٍ متّبع فالتّقعید عنده ملازم للدّرس والمفاحصة؛ من حیث إنّه فی هذا الباب یقوم بتقسیم ضمنیّ لهذا الضرب من الاستثناء تبعاً للمنهج المستدلّ، ذلک أنّ المستثنى فی قولک: «ما أتانی أحدٌ إلا زید» یحتمل أن یکون متّصلاً بما عَمل فی الاسم الأوّل إعراباً و هذا هو الأصل عند سیبویه، لأنّه من جنس الأوّل وهذا التّجانُس یسبّب إتباعه فی إعراب الأوّل وجواز إحلاله محلّه على البدلیّة، ویحتمل أن یکون منقطعاً مما عَمل فی الأوّل، عاملا فیه «إلا» ویعتبره لغة ثانیة استعملها بعض العرب. من ثمَّ یعتقد سیبویه أنّ وجه الکلام فی هذا المستثنى أن یکون بدلاً من المنفیّ قبله وأن یکون مختلفاً عن مستثنى من غیر جنس المستثنى منه، لأنّ من ینصب ویقول: «ما أتانی أحدٌ إلا زیداً» أبعده من التّجانس وأدناه مما لیس من جنس الأول والدلیل على ذلک ـ کما یقوله سیبویه ـ أنّ النصب یجیء على معنى: «ولکنّ زیداً»، و«لا أعنی زیداً» (انظر: سیبویه، 1999م، ج2، ص330)، کما أنّه یجیء على هذا المعنى مستثنى من غیر جنس المستثنى منه. یجدر بالذکر أنّ الباب التالی یکمل هذا الباب ویبیّنه. 6ـ هذا باب یختار فیه النّصب لأنّ الآخر لیس من النوع الأول: طبقا لما عالجه سیبویه فی الباب السابق، المستثنى المتصل ـ کما اصطلحه المتأخّرون ـ إمّا یکون اتصاله بالأول فی الجنس والإعراب معاً، وهذا یکون الوجه عنده، وإمّا یکون اتصاله فی الجنس دون الإعراب، حیثُ یقرُب مما لیس من جنس الأول فیأتی على معنى: «ولکنّ» و«لا أعنِی». هذه التوطئة تطلُّ المستقرئ على اختیار سیبویه للغة أهل الحجاز وهی النصب فی قولک: «ما فیها أحدٌ إلا حماراً»؛ بدلیل أنّ المستثنى فی هذا الضرب لیس من جنس الاسم الأوّل فنراهم «جاؤوا به على معنى: ولکنّ حماراً، وکرهوا أن یُبدِلوا الآخر من الأوّل، فیصیرَ کأنّه من نوعه» (المصدر نفسه، ص331)؛ فیکون الانقطاع فی الإعراب نتیجة للانقطاع فی الجنس، حیث یترتّب على ذلک انعدام التوائم المعنوی بین الاسمین فیما صار علّة عقلیّة ومصدرا معتمداً جعل الکاتب یختار النصب فی عمله التنظیری للغة؛ أمّا اللغة الثّانیة التی یتعرّض الکاتب إلى تجلیة أبعادها الخفیّة فهی لغة بنی تمیم، فیقولون: «لا أحدَ فیها إلا حمارٌ» على سلک ما یکون من جنس الأوّل. من المبرز أنّ الذی یقعّد النحو على النّهج التقعیدی یکتفی بالقول: إنّه یجوز هنا النّصب والرّفع أو یصل منتهى همّه إلى أن یقول: إنّه یجوز النّصب على لغة أهل الحجاز والإتباع على لغة بنی تمیم ولا ینغمس فی طیّات ذلک، أمّا سیبویه إمام النّحاة انطلاقا من اعتماده على النحو التّقعیدی والوظیفی فیستشفّ ویتمعّن فیما یرى من الخلافات اللغویة عند مستعملیها ویسعى إلى تقریب حقائقها إلى الفهم وتأویل ما یبعد عن اللغة المختارة وفق اللغة المختارة. من ثمّ یتتبّع موجِبَ الإتباع لهذا المستثنى فی لغة أهل تمیم مع أنّه مخالف عن الأوّل فی الجنس. فیستدلّ على الإتباع بالقول: «وأمّا بنو تمیم فیقولون: «لا أحدَ فیها إلا حمارٌ، أرادوا: لیس فیها إلا حمارٌ، ولکنّه ذَکر «أحداً» توکیداً لأنْ یُعْلم أنْ لیس فیها آدمِیٌّ، ثمّ أبدلَ، فکأنّه قال: «لیس فیها إلا حمارٌ». وإن شئتَ جعلته إنسانها» (المصدر نفسه، ص331). یعنی قول سیبویه أنّهم رفعوه على تأویلینِ: «أحدهما: أنّک أردت ما فیها إلّا حمارٌ، وقولک: ما فیها إلّا حمار، قد نفیت به النّاس وغیرهم فی المعنى، ودخل فی النّفی من یعقل ومن لایعقل، ثمّ ذکرت "أحداً" توکیدا، لأن یعلم أنّه لیس بها الآدمیّ. والوجه الآخر: أن تجعل المستثنى من جنس ما قبله على المجاز کأنّ الحمار هو من أحد أناسیّ ذلک الموضع» (الأعلم الشّنتمری، 1999م، ج2، ص233). بعد هذا الاستدلال یستشهد الکاتب على أبیات أُنْشِدَتْ على لغة بنی تمیم ویناقشها متمسکاً بالتّأویلین، منها قول الشّاعر:
اللّغات: الیعافیر جمع الیَعْفُور وهو ولد الظَّبیة وولد البقرة الوحشیة أیضا، قال بعضهم: الیعفور: تیس الظّباء، والعِیس: إبل بیض یخالط بیاضها شقرة جمع أعیس و الأنثى عیساء. الشّرح: هذا البیت قطعة من الرجز لعامر بن الحارث، المعروف بجران العود فی وصف فلاة؛ ظاهر قوله: «إلا الیعافیر» أنّه استثناء منقطع تقدّم فیه المستثنى منه، فکان ینبغی انتصابه على المشهور من لغات العرب وهی لغة أهل الحجاز، إلا أنّه ورد مرفوعا، وقد وجّه سیبویه لیوافق المشهور بوجهین: الأوّل: أنّه جعله کالاستثناء المفرّغ کما اصطلحه المتأخّرون، وجعل ذکر المستثنى منه مجردّ توکید لیُعلَم أن لیس فی تلک الفلاة أنیسٌ، فکأنّه قال: «لیس بها إلا الیعافیر». الثّانی: أنّه رفع الیعافیر والعیس بدلا من الأنیس على الاتّساع والمجاز، من قِبل أنّه توسّع فی معنى المستثنى حتى جعله نوعا من المستثنى منه، وکأنّ من قال: «لیس فیها أحد إلا حمار» قد جعل الحمار إنسان هذا الدّار، فحمله على المحمل الذی یحمل على مستثنى من جنس الأوّل (انظر: ابن السّیرافی، 1974م، ج2، ص136؛ ابن هشام، أوضح المسالک إلى ألفیة ابن مالک، ج2، ص261؛ البغدادی، 1996م، ج9، ص258؛ الأنباری، 1961، ج1، ص271). یُذکر أنّه: «قال المازنی فیه وجه ثالث: وهو أنّه خلط من یعقل بما لا یعقل، فعبّر عن جماعة ذلک بأحد ثمّ أبدل «حماراً» من لفظ مشتمل علیه وعلى غیره، وعلى هذا قول الله $: ]مِنْهُمْ مَنْ یَمْشِی عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ یَمْشِی عَلَى رِجْلَیْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ یَمْشِی عَلَى أَرْبَعٍ[[2]لما خلط من یعقل بما لا یعقل فی قوله:]کلَّ دَابَّةٍ[، خبر عنها کلّها بلفظ من یعقل» (الأعلم الشّنتمری، 1999م، ج2، ص233)، فلم یعد سیبویه یکتفی هنا بالملاحظة الخارجیة التقریریة بل یتجاوز ذلک إلى عمق تفسیری یبحث فی الکیف وما وراء الکیف. 7ـ هذا باب ما لا یکون إلا على معنى «ولکنّ»: هذا الباب رَدَّةٌ على القاعدة الکلیة التی اعترف بها سیبویه فی الباب السابق، ویعنی ذلک أنّ لوظیفة اللغة دوراً محوریاً فی بناء القاعدة، فوردت فی قوله $، وکلام العرب وأشعارهم مواضع امتنع فیها الإتباع وتعیّن النصب على معنى «ولکنَّ»؛ فبنو تمیم ههنا یوافقون الحجازیین فی إیجاب النصب، ذلک لأنّ المستثنى ههنا لا یکون قبله اسم یصحّ حذفه فی التقدیر ولا یکون بدلا على التوسّع. یعتقد الکاتب ـ یعنى به سیبویه ـ أنّ هذا الضرب فی القرآن الکریم کثیرٌ ویذکر مواطن منه فی کتابه، کقوله تعالى: ]لا عاصِمَ الیَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلا مَنْ رَحِمَ[ (هود: 43)، ویقول: «أی ولکنّ من رحم» (انظر: سیبویه، 1999م، ج2، ص339)؛ فبذلک یعتقد سیبویه ـ والمبرّد کذلک ـ أنّ [مَنْ رَحِمَ] تعنی: «مَن رَحِمَهُ اللهُ تعالى»، و«مَن رَحِمَهُ اللهُ تعالى» معصومٌ؛ فکأنّه قال: «لکن مَن رَحِمَه اللهُ معصومٌ» وما بعد «إلا» غیر الذی قبله. وقال بعضٌ: [لا عاصم] أی: «لا مَعْصُوم»؛ وهذا القول ضعیفٌ عند السّیرافیّ، والوجه الأَجْوَدُ عنده أن یکون [من رحِم] هو الله؛ لأنّه الراحم؛ فکأنّه قال: «لا عاصمَ الیومَ لهم إلا اللهُ» کما تقول: لا إلهَ إلا اللهُ. من ثمّ یکون المستثنى فی التّأویلین الأخیرین من جنس ما قبله (انظر: الأستراباذی، 1996م، ج2، ص86؛ المبرد، 1994م، ج4، ص412؛ السّیرافیّ، 2008م، ج8، ص202). ومن ذلک فی کلام العرب: «لا تکوننَّ من فلانٍ فی شیءٍ إلا سَلاماً بسلامٍ»؛ معنى: «لا تکونَنَّ من فلان» أی: «لا تُخَالِطنّه» ومعنى: «سلاماً بسلامٍ» أی: «مُتَارَکةً» وذلک یعنی: «لا تُخَالِطَنَّهُ إلا مُتَارَکةً» ولیست المتارکة من المخالَطة فی شیءٍ، فصار المعنى: «لا تخالطنّه ولکنْ تارِکهُ» (انظر: السّیرافیّ، 2008م، ج8، ص204). ویرى سیبویه أنّ مثل هذا فی الشّعر کثیرٌ ویذکر أبیاتاً منه فی کتابه، مثل ذلک قول النّابغة الجَعدیّ:
الشّرح: قاله النابغة فی رثاء أخ له، على أسلوب المدح بما یشبه الذّم؛ المعنى: هو فتى کامل الأوصاف ولکنّه جوادٌ لا یبقی ما لدیه من المال. فاستثنى جوده وإتلافه للمال، من الخیرات التی کملت له، مبالغة فی المدح، فجعلهما فی اللّفظ کأنّهما من غیر الخیرات؛ إن کان لابدَّ من العیب و النقص ففی أخلاقه نقص واحد هو جوده الکامل الممزِّق لمالِه؛ یَعُدُّون ما فی ظاهره أدنى شائبة من النقص وإن کان فی التحقیق غایة فی الکمال فالشاهد فیه وجوب نصب «غیر» على الاستثناء المنقطع. 8ـ هذا باب ما تکون فیه «أنّ» و«أنْ» مع صلتهما بمنزلة غیرهما من الأسماء: قد أَخرج سیبویه هذا الباب على موافقة المصدر المکوّن من «أنّ» و«أنْ» مع صلتهما للمصدر الصریح من حیث وقوعهما فی الاستثناء؛ فیقول: «وذلک قولک: ما أتانی إلا أنّهم قالوا: کذا وکذا» فـ«أنّ» فی موضع اسم مرفوع کأنّه قال: «ما أتانی إلا قولُهم کذا وکذا». ومثل ذلک قولهم: «ما مَنَعَنی إلا أنْ یَغضب علیّ فلانٌ»» (سیبویه، 1999، ج2، ص344). ثمّ یستدلّ على الرّفع بأنّ أبا الخطّاب حدّثهم أنّه سمع من العرب الموثوق بهم، من یُنْشِدُ البیت التالی رفعا:
اللّغة: منها، من الوجناء، وهی النّاقة؛ فی البیت السّابق له. الأوقال: جمع الوَقْل وهو شجرة المُقْل. الشّرح: «یرید لم یمنعها أن تشرب إلا أنّها سمعت صوت حمامة فنفرت، یعنی أنّها حدیدة النّفس یخامرها فزع وذعر لحدّة نفسها، وذلک محمود فیها» (سیبویه، 1988م، ج2، ص329) أو: «لم یمنع الشّاربین من ورود الماء سوى حمامة صوّتت على غصون الشّجر، فأهاجت الحنین والذکریات» (سیبویه، 1999م، ج2، ص344). ثمّ یستخدم الکاتب القاعدة المذکورة ـ وفقاً لعمادة غلبت على کتابه ـ کآلیة منهجیة یبیّن بها استعمال لغة أخرى، ذلک لأنّ ناساَ من العرب نصبوا "غیر" فی هذا البیت لإضافته إلى المبنیّ، فقال فی کتابه: «وزعموا أنّ ناساً من العرب یَنصبون هذا الذی فی موضع الرفع، فقال الخلیل، رحمه الله: هذا کنصب بعضهم «یَومَئذٍ» فی کلّ موضع، فکذلک «غیرَ أن نطقَتْ»» (المصدر نفسه، ص345). 9ـ هذا باب لا یکون المستثنى فیه إلا نصباً: قد انبنى مدار هذا الباب على وجوب نصب المستثنَى فی الإیجاب، وکما مضى فی بابِ: «هذا باب ما یکون المستثنى فیه بدلاً مما نفی عنه ما أدخل فیه» لم یستجلِ سیبویه الإجابة عن: لِمَ أبدلت العرب من المنفیّ ولَم تُبدِل من الموجب؟ فلا تعدو غایة مسعاه عن بیان أنّ قولک: «أتانی القومُ إلّا أباک» امتنع فیه البدل من قِبَل «أنّک لو قلت: «أتانی إلّا أبوک» کان مُحالا وإنّما جاز «ما أتانی القومُ إلّا أبوک»، لأنّه یَحسن لک أن تقول: «ما أتانی إلّا أبوک» فالمُبدَل إنّما یجیء أبداً کأنه لم یُذْکر قبله شیءٌ لأنّک تُخْلِی له الفعلَ وتَجعله مکانَ الأوّل» (المصدر نفسه، ص346). قد تکون فی إشارته هذه دلالة جلیّة على اهتدائه إلى موجب النصب ولکنّه لم یُدلِ بتصریحه فقال غیره: لأنّ عبرة البدل أن یحلّ محلّ المبدل منه وفی المنفی یصحّ حذف الاسم المبدل منه قبل "إلا" ولا یصحّ ذلک فی الموجب؛ لا یقال: «أتانی إلا زید» لأنّه لا یجوز إثبات ما یتضادُّ، فإذا قلت: «ما أتانی إلا زیدٌ» فقد وقع النفی على ما لا یجوز إثباته من الأشیاء المتضادّة وکأنّک قلت: «ما أتانی رجلٌ وحده، ولا رجلان، ولا رجال مجتمعون، ولا متفرقون»، فإذا أثبتَّ على هذا الحدّ فقلتَ: «أتانی إلا زیدٌ» فقد أوجبت إتیان النّاس کلّهم على هذه الأحوال المتضادّة، وذلک لا یجوز ولا یُقصد. وهذا مضى ذکره آنفاً. أمّا فی منتهى الباب فیسوق سیبویه مثالاً یکون المعنى فیه عنصراً أساساً للتقعید، ذلک قولُک: «ما فیهم أحدٌ إلا قد قال ذلک إلا زیداً»، فالجانب الظّاهر یُوحی ارتفاع «زیداً» على البدلیّة من المنفیّ قبله ولکنّ الوظیفة تخالفه بدلیل أنّ لهذا الکلام تفسیرا إیجابیّا فکأنّک قلت: «قد قالوا ذلک إلا زیدا»؛ من ثمّ جاء التقعید ـ أو الإعراب هنا ـ تابعا للوظیفة التداولیة وللمعنى. 10ـ هذا باب ما یکون فیه «إلا» وما بعده وصفاً بمنزلة «مثل» و«غیر»: تکون إطلالة سیبویه فی هذا الباب توطیداً بالغا للعلاقة الوثیقة بین التقعید والوظیفیة، بدلیل أنّه قد عدّ "إلا" من أدوات الاستثناء ولکنّه لا یولیها شأو الاستثناء فی کل موطن بل یذکر لها فی هذا الباب موقفا استعمالیّا آخر؛ ذلک لأنّهم قد حملوها على «غیر» فی الوصفیّة. فیقولُ عن امتناع حملها على الاستثناء فی قولک: «لو کانَ مَعَنا رجلٌ إلا زیدٌ لَغُلِبْنا»: «والدلیل على أنّه وصفٌ أنک لو قلت: «لو کان معنا إلا زیدٌ لَهَلَکنا»، وأنت ترید الاستثناء لکنتَ قد أحَلْتَ»» (المصدر نفسه، ص347)؛ یعنی ذلک ما فسّره الأعلم الشّنتمری بقوله: اعلم أن البدل لا یکون فی "لو" بعد "إلا"، لأنها فی حکم اللفظ، تجری مجرى الموجب، وذلک أنها شرط بمنزلة "إن". ولو قلت: «إن أتانی أحد إلا زید خرجت»، لم یجز، لأنه یصیر فی التقدیر: «إن أتانی إلا زید خرجت»، کما لا یجوز: «أتانی إلا زید»، فهذا وجه من الفساد. ووجه آخر من فساده: أنه إذا قال: «لو کان معنا إلا زید لهلکنا» ـ وهو یرید الاستثناء ـ لکان محالا، لأنه یصیر فی المعنى: «لو کان زید لهلکنا»، لأن البدل بعد إلا فی الاستثناء موجب (الأعلم الشنتمری، 1999م، ج2، ص244). ونظیره فیما استشهد به سیبویه قوله $: «لَوْ کانَ فِیهمَا آلِهَةٌ إلا اللهُ لَفَسَدَتاª (الأنبیاء: 22)؛ فإنّک لو جعلتها للاستثناء لکنتَ قد أَحَلتَ. هذا ما اعتنى به متأخّروه وأوفوا شرحه قائلین: فلا یجوز فی «إلا» هذه أن تکون للاستثناء، من جهة المعنى، إذْ التقدیر حینئذٍ لو کان فیهما آلهة لیس فیهم الله لفسدتا، وذلک یقتضی بمفهومه أنّه لو کان فیهما آلهةٌ فیهمُ الله لم یفسدا، ولیس ذلک المراد؛ ولا من جهة اللفظ، لأنّ «آلهة» جمع منکر فی الإثبات فلا عموم له فلا یصحُّ الاستثناء منه، فلو قلت: «قام رجَالٌ إلا زیداً» لم یصحّ اتّفاقا. وزعم المبرّد أن «إلا» فی هذه الآیة للاستثناء، وأنّ ما بعدها بدل، محتجّا بأن «لو» تدل على الامتناع، وامتناع الشیء انتفاؤه؛ وزعم أن التفریغ بعدها جائز، وأن نحو: «لَوْ کان مَعَنا إلا زَیْدٌ أجودُ کلامٍ؛ ویَردُّهُ أنهم لا یقولون: «لو جاءنی دَیَّارٌ أکرَمْتُه»، ولا «لَوْ جاءَنی مِنْ أَحَدٍ». ولما لم یجز ذلک دلّ على أنّ الصواب قولُ سیبویه إنّ «إلا» وما بعدها صفة (ابن هشام، مغنی اللّبیب عن کتب الأعاریب، ج1، ص63). وقد استدلّ سیبویه على وصفیة "إلا" بأبیات منها قولُ عمرو بن معدی کرب:
اللّغة: الفرقدان: نجمان قریبان من القطب لا یفارق أحدهما الآخر ویهتدى بهما. الشّرح: المراد الحکم على کل أخ بأنّه مفارق أخاه فی الدنیا سوى الفرقدین فإنّهما لا یفترقان إلا عند فناء الدّنیا، واستشهد به سیبویه على أن "إلا" وقعت نعتا لــــ«کلّ» مع أنّه یجوز نصب الفرقدین على الاستثناء؛ وفیه تخاریج غیر ما ذکر سیبویه وردت فی الکتب النحویة. أمّا سیبویه فقال: «کأنّه قال: وکل أخ غیرُ الفرقدینِ مفارِقُه أخوه، إذا وصفتَ به «کلا»». اشتراطه بـــ «إذا وصفتَ به «کلا»» نصٌّ على جواز الوصفیة والاستثناء إن لم یوجد مانعٌ، فاستبان فی موضع من الباب: «وإذا قال: «ما أتانی أحدٌ إلا زیدٌ»، فأنت بالخیار إن شئت، جعلت «إلا زیدٌ» بدلا، وإن شئت، جعلته صفة» (سیبویه، 1999م، ج2، صص350 ـ 349؛ وانظر: البغدادی، 1989م، ج2، صص108 ـ 105؛ الشّنقیطی، 1328، ص194). 11ـ هذا باب ما یقدم فیه المستثنى: لم یعتمد سیبویه فی عنونة هذا الباب على التقعید بل اعتمد فیها على وظیفة اللغة عند مستعملیها، لاکتفائه ببیان تقدیم المستثنى؛ بمعنى أنّه لم یسمّ الباب کتسمیته لسائر الأبواب بالقاعدة الإعرابیة فلم یقل مثلاً: «هذا باب یختار فیه النصب لتقدیم المستثنى على المستثنى منه» مع أنّه یختار هنا النصب وذلک لسبب سیتأتّى شرحه. أمّا بالنسبة لمناقشة الباب فمن المهمّ الأخذ بمدى عنایة سیبویه بسبب تقدیم العرب للمستثنى، وتأثیر التقدیم على الإعراب. دراسة هذه القضایا تستلزم الإلمام بما قاله عبد القاهر الجرجانی عن التقدیم فی کتابه «دلائل الإعجاز» فذلک قوله: وَاعلم أَن تقدیم الشیء على وجهین:تقدیمٌ یقال إنه على نیَّة التأخیر، وذلک فی کل شیء أقرَرْته مع التقدیم على حُکمه الذی کان علیه، وفی جنسه الذی کان فیه، کخبر المبتدأ إذا قدمته على المبتدأ، والمفعول إذا قدَّمته على الفاعل کقولک: «منطلق زید» و«ضرب عمراً زیدٌ»، معلوم أنّ «منطلق» و«عمرا» لم یخرجا بالتقدیم عمّا کانا علیه، من کون هذا خبرَ مبتدأ ومرفوعاً بذلک، وکونِ ذلک مفعولاً ومنصوباً من أجله، کما یکون إذا أخَّرت. وتقدیمٌ لا على نیة التأخیر، ولکن على أن تنقُل الشیء عن حکم إلى حکم، وتجعلَ له باباً غیر بابه، وإعرابا غیرَ إعرابه، وذلک أن تجیء إلى اسمین یحتمل کلُّ واحد منهما أن یکونَ مبتدأ ویکونَ الآخر خبراً له، فتقدِّم تارة هذا على ذلک، وأخرى ذلک على هذا. ومثاله ما تصنعه بزید والمنطلق، حیث تقول مرّة: «زیدٌ المنطلقُ» وأخرى، «المنطلقُ زیدٌ»، فأنت فی هذا لم تقدم «المنطلق» على أن یکون متروکاً على حکمه الذی کان علیه مع التأخیر، فیکونَ خبر مبتدأ کما کان، بل على أن تنقله عن کونه خبراً إلى کونه مبتدأ، وکذلک لم تؤخر «زیدا» على أن یکون مبتدأ کما کان، بل على أن تخرجه عن کونه مبتدأ إلى کونه خبراً (الجرجانی، 2004م، صص107ـ 106). یُذکر أنّ سیبویه قد سمع التّقدیم للمستثنى (المنفیّ) منصوباً ومرفوعاً، کقولک: «ما فیها إلا أباک أحدٌ» و«ما لی إلا أبوک أحدٌ». أمّا النصب فحدّثه الخلیل ووجد له حجّة منطقیّة وأمّا الرفع فحدّثه یونُس وکأنّه لم یجد له حجّة فسکت عنه ولو وجد له حجّة لجعل الإعراب أساس العنوان. أمّا حجّة النصب عنده فتتمثّل فیما زعمه الخلیل، فـــ«زعم الخلیل، رحمه الله، أنّهم إنّما حملهم على نصب هذا أنّ المستثنى إنَّما وجهُه عندهم أن یکون بدلاً ولا یکون مبدَلاً منه؛ لأنّ الاستثناء إنَّما حدُّه أن تتدارکه بعد ما تَنفی فتُبدله، فلمَّا لم یکن وجهُ الکلام، هذا حملوه على وجهٍ قد یجوز، إذا أخّرتَ المستثنَى، کما أنَّهم حیث استَقبحوا أن یکون الاسمُ صفةً فی قولهم: «فیها قائماً رجلٌ»، حملوه على وجهٍ قد یجوز لو أخّرتَ الصّفة، وکانَ هذا الوجهُ أَمثلَ عندهم من أن یَحملوا الکلام على غیر وجهه (سیبویه، 1999م، ج2، ص352). من ثمّ یکون التشابه بین قولک: «فیها رجلٌ قائم» وقولک: «ما فیها أحدٌ إلا أبوک» فی أنّ الإتباع ـ فی الأول کصفة، وفی الثانی کبدل ـ لغة مختارة، أمّا انتصاب «قائم» على الحالیّة وانتصاب «أبوک» على الاستثناء فلغة ثانیة، لأنّه لا تحسُن الحال لصاحب منکر ولأنّ الإبدال فی مثل هذا الاستثناء ـ کما مضى ذکره آنفا ـ هو الوجه. ولما تقدّما على متبوعهما امتنع الإتباع، من قِبَل أنّ التّابع لم یثبت تقدیمه على متبوعه فی کلام العرب فحینئذٍ اختیرت فیهما تلک اللغة الثانیة، أی النصب. هذا ما قصده سیبویه. والظاهر أنّه لو ادّعى أحد أنّ اعتبارَ «أبوک» فی قولک: «ما لی إلا أبوک أحدٌ» على البدلیّة یصحُّ على نیّة التّأخیر لتعسّف وکان ادّعاؤه خَلْفاً من القول باطلا فاسدا، لانتقاض الغرض الإیضاحی من الإبدال؛ بینما انتصابه فی قولک: «ما فیها إلا أباک أحدٌ» لفائدة من فوائد التّقدیم ولیس لهذا التقدیم انتقاضٌ، وإن لم یشر سیبویه إلى غرض التقدیم، والانتقاض وعدمه. وقال المبرد عن نحو: «ما جاءنی إلا زیدا أَحدٌ»: «إنّما امتنع البدَل؛ لأنّه لیس قَبل زید ما تُبدله منه» (المبرد، 1994م، ج4، ص397). هذا التقدیم یتمثّل فی الضرب الأوّل من التقدیم الذی اعترف به عبد القاهر الجرجانی. وأمّا الرفع ـ وهو لغة الکوفیین ـ فحدّثه یونُس وکأنّ سیبویه لم یجد له حجّة فأراد أن یطرف عنه فأخفق. فقال: «وحدّثنا یونس أنَّ بعض العرب الموثوق بهم یقولون: «ما لی إلا أبوک أحدٌ»، فیَجعلون أحداً بدلاً کما قالوا: «ما مررتُ بمِثْلِه أحد»، فجعلوه بدلاً» (سیبویه، 1999، ج2: 353). فی قوله هذا دلیلٌ على عدم اهتدائه أو عدم اقتناعه بالرفع، ذلک لأنّه لم یجعل «أحدٌ» مبدلاً منه مؤخّرا، خوفاً من أن ینتقض غرض الإبدال ولما لم یجد بدّا من انتفائه على المبدل منه جعله بدلاً ولکنّه مع ذلک لم یسلم من فخّ آخر، ذلک لأنّ العامّ لا یُبدل من الخاصّ، فأجیبَ عن مثله: إنّه عامّ أریدَ به خاصّ فصحّ إبداله من المستثنى منه (انظر: الأزهری، 2000م، ج1، ص549). وقد روى أبو علی الفارسی أنّ أبا العبّاس المبرد لا یجیز: «ما لی إلا أبُوک أَحَدٌ» لأنّ الباب الذی علیه هذا أن یکون «أحدٌ» مبدلا منه لا بدلا (الفارسی، 1992م، ج2، ص69)؛ فمن هنا یظهر أنّ عدم اعتماد سیبویه على التقعید فی عنونة الباب نتیجة عدم اقتناعه بموجب الرفع. وإضافة إلى هذه الأبواب قد ذکر سیبویه أبوابا أخرى تُکمل قواعد الاستثناء وهو قد جرى فیها على طریقة ما درسه هذا البحث فی الأعلى، هی: «هذا باب ما تکون فیه فی المستثنى الثانی بالخیار»، و«هذا باب تثنیة المستثنى»، و«هذا باب یکون مبتدأ بعد «إلا»»، و«هذا باب «غیر»»، و«هذا باب ما أُجری على موضع «غیر» لا على ما بعد «غیر»»، و«هذا باب یحذف المستثنى فیه استخفافاً» و«هذا باب «لا یکون» و«لیس» وما أشبههما».
الخاتمة یلتفت سیبویه إلى المَلْحَظ الإعرابی والمَلْحَظ الوظیفی للغة العربیة ویبنی عملیته مرصّعة على ملاحظة الحرکات، والمعانی والأشیاء فی العالم الخارجی؛ وحرصا على هذه الملاحظة الثنائیة یحلّل اللغة غیر المختارة وفق اللغة المختارة، حیث یتّضح من خلال تحلیله التّغیر الدلالی نتیجة للحرکات المختلفة. من ثمّ یرى أنّ مدلول: «ما أتانی أحدٌ إلا زیدٌ» یختلف عن مدلول: «ما أتانی أحدٌ إلا زیداً» کما یرى أنّ مدلول: «لیس فیها أحدٌ إلا حماراً» یختلف عن: «لیس فیها أحدٌ إلا حمارٌ». ذلک لأنّه کلّما اتّحد طرفا الاستثناء فی الجنس وحقیقة المعنى اتفّقا فی الحرکة ویصحّ حینئذ إحلال ثانیهما محلّ الأوّل وکلّما خالف ثانیهما الأوّل فی حقیقة المعنى انتصب وجاء على معنى: «ولکن» و«لا أعنی». فارتفاع «زیدٌ» وانتصاب «حماراً» لغتان مختارتان ولما اختلفت حرکتهما تغیرت دلالتهما؛ وکأنّ من قال: «ما أتانی أحد إلا زیداً» قد أبعد «زیداً» من التّجانس وأدناه مما لیس من حقیقة المستثنى منه وماهیته، لأنّه یکون على معنى: «ولکن زیدا» و«لا أعنی زیداً»، على ندّ الاستثناء المنقطع. وکأنّ من قال: «لیس فیها أحدٌ إلا حمارٌ» قد جعل الحمار إنسان تلک الدّار على طریق الاتّساع والمجاز. وتأتی هذه الملاحظات الوظیفیة إثر اهتمام سیبویه بوظیفة نحویة أخرى، بدلیل أنه یرتکز قبل هذه الملاحظات، على وظیفة العامل فی القاعدة الإعرابیة وتبعا لذلک فی تأدیة المقصود. فاهتمّ سیبویه أثناء تقعیده للقواعد النحویة بالعامل اهتماما بالغا، ذلک لأن العامل ـ کما تبین أمره ـ یرتبط ارتباطا وثیقا بالمتکلّم و لأن المقصود أو معنى الجملة ینشأ من المتکلّم وهو بناء على مقصوده یحدّد العامل المؤثر فیما بعده؛ فانطلاقا من ذلک یکثر سیبویه من التماسه إلى التحلیل لعامل المستثنى حیث یتبین من خلال تحلیله أنه کلما اختلف العاملان اختلفت الدلالة، على سبیل المثال تختلف دلالة: «ما أتانی أحدٌ إلا زیداً» عن: «ما أتانی أحدٌ إلا زیدٌ». ویعنى ذلک أیضا أنّ الوظیفیة تحتلّ عند سیبویه مرکزا راقیا ولو اقتنع بالتقعید لاکتفى بالقول: یجوز فی "زید" فی عبارة: «ما أتانی أحدٌ إلا زید» الرّفع والنصب ولکنّه یحرص على تبیان العوامل ووظائفها. وإنّما قوله فی فائدة "إلا" التوظیفیّة: «ولکنّها تجیء لمعنى» یعالج وجها وظیفیا للغة، لأنّه یقصد من خلاله أنّ هناک فرقا بین قولک: «ما قام إلا زیدٌ» وقولک: «قامَ زیدٌ» فی أنّ الأول یفید إثبات الفعل لما بعدَ "إلا" ونفیه عمّن سواه والثّانی یفید إثبات الفعل للفاعل بدون أن تکون فیه دلالة على نفیه عمّن سواه. وإنّما حمْلُه عبارةَ: «لا أحدَ فیها إلا عبدُ الله» جوابا لقول القائل: «هل أتاک من أحد» یوضّح جانبا وظیفیّا للغة. فلما یکون السؤال عن استغراق الجنس بمجیء «من» زائدة یجب أن یکون الجواب کذلک عن الجنس ویتعذّر حینئذ إبدال المعروف على لفظ "أحد". ولا یغفل سیبویه عند تقعیده لقواعد اللغة العنایة بالقدرة التواصلیة ودور قطبی التخاطب ـ أی المتکلّم والمخاطب ـ أثناء العملیة التواصلیة، کما أنّ الشأن عند الوظیفیین یتمحور فی معرفة القواعد اللغویة وکیفیة استثمارها فی تلک العملیّة والدلیل على ذلک أنّه ـ کما مضت دراسته فی صلب البحث ـ یمتحن فعل «رأى» ویرى له عمقین دلالیین، فهو یأتی على معنى الإبصار الحسیّ (رؤیة العین) وعلى معنى العلم الضمنیّ (الرؤیة القلبیّة). فینظر إلى قصد المتکلّم ویجعله فیصلا فی الحکم النحوی جوازا ومنعا، یعنی أنّ فائدة الاتصال بین طرفی التّخاطب ترتبط ارتباطا وثیقا بإرادة المتکلم، وهی تعدّ معیارا لصحة الترکیب، فی حدّ ذاتها. فهذه النماذج ونماذج أخرى تمت دراستها أثناء البحث تُظهر عنایةَ سیبویه المقصودة بالوظیفیة إلى جانب التقعید. [1] - بالنسبة للتداولیة ـ وللسیاق دوره البارز والمهم فیها ـ لقد قدّم الباحثون تعریفات کثیرة لها، منها أنّ «التداولیة تعنی بالکیفیة التی تستعمل بها اللغة عند الحدیث، وتهتم بالسیاق الکلامی والموقف، وتعنی بالمتکلمین وطرائق حدیثهم، وبکل ما من شأنه أن یزید عملیة الاتصال وضوحا، حیث یعرفها إیلوار بأنها مجال یهتم بمعالجة ثلاثة معطیات توجه عملیة التبادل الکلامی وهی: أ) المتکلمون ب) السیاق ج) الاستعمالات العادیة للکلام» (انظر: عبد الحکیم، 2009م، ص89). وتعرف النظریة التولیدیة التحویلیة بالاختصار على أنّ «القواعد التولیدیة والتحویلیة تهتم مباشرة بأولیة اللغة التی تُتیح للإنسان أن ینتج جمل اللغة کلها. وعملیة الإنتاج هذه منوطة، فی الأساس، بالقواعد التولیدیة القائمة ضمن الکفایة اللغویة والتی تؤدّی، فی حال العمل بها، إلى إنتاج الجمل التی بالإمکان استعمالها فی اللغة أو إلى تعدادها» (انظر: زکریا، 1986م، ص13). [2] . الآیة الشریفة: ]وَاللهُ خَلَقَ کلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ یَمْشِی عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ یَمْشِی عَلَى رِجْلَیْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ یَمْشِی عَلَى أَرْبَعٍ یَخْلُقُ اللهُ ما یَشَاءُ إِنَّ اللهَ عَلَى کلِّ شَیءٍ قَدِیرٌ[ (النور: 45).
| |||||||||||||
مراجع | |||||||||||||
10.بعیطیش، یحیی. (السنة الجامعیة 2005 ـ 2006م). نحو نظریة وظیفیة للنحو العربی. (أطروحة دکتوراه دولة فی اللسانیات الوظیفیة الحدیثة). الجزائر: جامعة منتوری قسنطینة. 11.البغدادی، عبد القادر بن عمر. (1989م). شرح أبیات مغنی اللّبیب. (حقّقه عبد العزیز رباح وأحمد یوسف دقّاق). (ط2). بیروت: دار المأمون للتراث. 12.البغدادی، عبد القادر بن عمر. (1996م). خزانة الأدب ولبّ لُباب لسان العَرب. (تحقیق وشرح عبد السّلام محمّد هارون). (ط3). القاهرة: مکتبة الخانجی. 13.بودرامة، الزایدی. (د.ت). «النحو المقامی فی کتاب سیبویه». مجلّة جامعة محمد لمین دباغین سطیف2. مقال مستلم من موقعه الإلکترونی: .html 61blog-post_/12/2015http://boudramazaidi.blogspot.com/ 14.الجرجانی، عبد القاهر. (2004م). دلائل الإعجاز. (قرأه وعلّق علیه محمود محمد شاکر). (ط5). القاهرة: مکتبة الخانجی. 15.الحدیثی، خدیجة. (1967م). کتاب سیبویه وشروحه. بغداد: دار التضامن. 16.زکریا، میشال. (1986م). الألسنیة التولیدیة والتحویلیة وقواعد اللغة العربیة. (ط2). بیروت: مجد المؤسسة الجامعیة للدراسات والنشر والتوزیع. 17.زیغد، سعیدة. (2012م). «البؤرة فی النحو الوظیفی: قراءة جدیدة فی تنمیط أحمد المتوکل». مجلة التواصل فی اللغات والثقافة والآداب. العدد31. ص 145-134. 18.سیبویه، عمرو بن عثمان بن قنبر. (1988م). الکتاب. (تحقیق وشرح عبد السّلام محمّد هارون). (ط3). القاهرة: مکتبة الخانجی. 19.ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ. (1999م). الکتاب. (علّق علیه ووضع حواشیه وفهارسه إمیل بدیع یعقوب). بیروت: دار الکتب العلمیة. 20.السّیرافیّ، أبو سعید. (2008م). شرح کتاب سیبویه. (تحقیق مصطفى عبد السمیع سلامة وأشرف محمد فرید غنام). القاهرة: دار الکتب والوثائق القومیة. 21.الشّنقیطی، أحمد بن الأمین. (1328ق). الدرر اللوامع. القاهرة: مطبعة کردستان العلمیة. 22.عبد الحکیم، سحالیة. (2009م). «التداولیة». مجلة المخبر ـ أبحاث فی اللغة والأدب الجزائری. العدد 5. ص 109ـ 87. 23.الفارسی، أبو علی. (1992م). التعلیقة على کتاب سیبویه. (تحقیق وتعلیق عوض بن حمد القوزی). القاهرة: مطبعة الأمانة. 24.المبرد، أبو العباس. (1994م). المقتضب. (تحقیق محمد عبد الخالق عضیمة). القاهرة: لجنة إحیاء التّراث الإسلامی. 25.مصطفى، إبراهیم وآخرون. (2010م). المعجم الوسیط. القاهرة: دار الدعوة. | |||||||||||||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 2,134 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 993 |