
تعداد نشریات | 43 |
تعداد شمارهها | 1,720 |
تعداد مقالات | 14,067 |
تعداد مشاهده مقاله | 34,077,514 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 13,646,033 |
وسائل الإعلام ودورها في النهوض باللغة العربية في الجزائر (الإعلام المسموع أنموذجاً) | |||||||||||||||||||||||||
بحوث في اللغة العربية | |||||||||||||||||||||||||
مقاله 4، دوره 7، شماره 13، دی 2015، صفحه 61-76 اصل مقاله (665.19 K) | |||||||||||||||||||||||||
نوع مقاله: المقالة البحثیة | |||||||||||||||||||||||||
شناسه دیجیتال (DOI): 10.22108/rall.2016.20681 | |||||||||||||||||||||||||
نویسندگان | |||||||||||||||||||||||||
حياه عماره* 1؛ مريم جلائي2 | |||||||||||||||||||||||||
1أستاذة مساعدة في اللغة العربية وآدابها بجامعة تلمسان ـ الجزائر | |||||||||||||||||||||||||
2أستاذة مساعدة في قسم اللغة العربية بجامعة کاشان. | |||||||||||||||||||||||||
چکیده | |||||||||||||||||||||||||
لوسائل الإعلام دور حياتي في بناء المجتمع المسلم المعاصر، فهي شريک إستراتيجي في بثّ الوعي ونشر القيم الإسلامية، ومن هذا المنطلق تبرز أهمّية استثمار هذه الوسيلة الفعالة لصالح توعية المجتمع. وتعدّ اللغة العربية واحدة من أهمّ القضايا التي أضحت تطرح بحدّة في العالم العربي ـ بالنظر للوهن الّذي أصابها ـ لاسيما في ظلّ العولمة وتداعياتها على المجتمعات العربية. ومن ثمّ کان لابدّ من استغلال أمثل لوسائل الإعلام لأجل تدارک هذا الضعف وإنقاذ العربية من کلّ ما يواجهها من تحدّيات. وعليه فيهدف البحث بالمنهج الوصفيـ التحليلي إلى متابعة وتحليل دور وسائل الإعلام الجزائرية في ترقية ونشر اللغة العربية وأهمّ الصعوبات الّتي تعترضها انطلاقاً من ماضي الجزائر وحاضرها الثقافي. وقد استخدمنا في هذه الدراسة مجموع بيانات ومعلومات تمکّننا من تحليل الظاهرة وإخضاعها للدراسة الدقيقة. ولأجل جمع هذه البيانات استعنّا باستبيانات وقمنا بمقابلات مع فئات مختلفة من المجتمع کما أجرينا سبراً للآراء. أمّا مجتمع الدراسة فيختلف باختلاف الأدوات المستعملة؛ حيث شملت المقابلات نخبة من الإعلاميين والمثقفين (أساتذة، طلبة وإطارات) کما شملت مجموعة من المستمعين غير المثقفين. أمّا الاستبيانات فقد وجّهناها للعاملين بالمحطّة الإذاعية لولاية تلمسان؛ 1ـ قسم الإدارة والإشهار 2ـ قسم الأخبار 3ـ قسم الإنتاج. وقد مکّننا البحث من الوقوف عند واقع اللغة العربية في الجزائر، ودور الإعلام المحدود في نشرها. واقع يؤکّد أن اللغة العربية تعيش أزمة حقيقية، ما يستدعي التفکير الجدي في آليات عملية للنهوض بها، وکذا استغلال الرسالة الإعلامية بما يخدمها ويساهم في الارتقاء بها. | |||||||||||||||||||||||||
کلیدواژهها | |||||||||||||||||||||||||
: اللغة العربیة فی الجزائر؛ الإعلام المسموع؛ المجتمع الجزائری؛ الاستعمار الفرنسی؛ التغریب | |||||||||||||||||||||||||
اصل مقاله | |||||||||||||||||||||||||
المقدمة اللغة ظاهرة اجتماعیة، وهی من العناصر الأساسیة المسهمة فی الحفاظ على وحدة المجتمع وتماسکه، حیث تکتسی أهمّیة بالغة بالنظر إلى طبیعة الوظائف التی تؤدّیها فی سیاقها الاجتماعی والتاریخی والسیاسی والثقافی واللغوی، واللغة العربیة من مکوّنات الثقافة العربیة، وعنوان هویة المجتمع العربی والإسلامی، وقناة إیصال وتواصل بین الأجیال، فهی تنقل آثار الأجداد إلى الأبناء، وتحفظ أمجاد الأبناء للأحفاد، وهی بذلک حلقة الوصل التی تربط ماضینا بحاضرنا ومستقبلنا. إنها تمثل خصائص الأمة، وقد کانت عبر التاریخ مسایرة لشخصیة الأمّة العربیة، تقوى إذا قویت، وتضعف إذا ضعفت. واللغة العربیة ـ قبل هذا وذاک ـ هی لغة القرآن، وحاملة کلام الله، فهی عنصر أساسی فی هویتنا الوطنیة وطریقة تفکیرنا (وهی أخطر بکثیر من أن تکون مجرّد أصوات لغویة تستعمل أداة للتواصل) لقد غدت العربیة لغة تحمل رسالة إنسانیة بمفاهیمها وأفکارها، واستطاعت أن تکون لغة حضارة إنسانیة واسعة اشترکت فیها أمم شتى کان العرب نواتها الأساسیة والموجهین لسفینتها، اعتبروها جمیعاً لغة حضارتهم وثقافتهم فاستطاعت أن تکون لغة العلم والسیاسة والتجارة والعمل والتشریع والفلسفة والمنطق والتصوف والأدب والفن. وکان المفروض أن یکون أبناء العربیة على مستوى عظمتها وجلالها، یسعون للحفاظ على مکانتها ویعملون على إنمائها ونشرها، لکن شیئاً من هذا لم یحدث؛ فقد تقاعس أبناؤها على خدمتها وهجروها واستبدلوها بلغات أجنبیة. وحتّى الإعلام لم یعن بها بشکل صحیح، فحلّت العامیة محلّها. وکان من واجبه أن یسعى نحو تعمیمها لیرتقی بها ویحوّلها من لغة الأمّیة والجهل (العامیة) إلى لغة العلم والحضارة (الفصحى). فنهدف فی الدراسة الحالیة بالمنهج الوصفی ـ التحلیلی تبیین دور وسائل الإعلام الجزائریة فی ترقیة ونشر اللغة العربیة وأهمّ الصعوبات التی تعترضها انطلاقاً من ماضی الجزائر وحاضرها الثقافی؛ ویندرج تحت هذا الهدف التعریف بـ: ـ أسباب أزمة العربیة فی الخطاب الإعلامی. ـ دور الإذاعة فی نشر اللغة العربیة (کعیّنة عن وسائل الإعلام) ـ ما هی أفضل السبل لتطویر وسائل الإعلام بما یتیح لها المساهمة فی نشر اللغة العربیة. ـ محاولة الخروج بمجموعة توصیات یمکنها أن تساهم فی نشر اللغة العربیة. وأما من أبرز الدراسات العربیة التی تناولت العلاقة بین وسائل الإعلام واللغة العربیة فیمکن الإشارة إلى ما یلی؛ ـ ضعف الأداء اللغوی فی وسائل الإعلام، أسبابه وعلاجه لمؤلفه رشاد محمد سالم، 2001 م. ـ وسائل الإعلام ولغة الحضارة، للکاتب عبد العزیز شرف، 1989 م. ـ اللغة والتعریب ودور الإعلام، لفائز الصانع، 1992م. ـ أثر وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئیة فی اللغة العربیة، للباحث جابر قمیحة، 1418م. ولا یفوتنا أن ننوّه بالدراسة التی أجراها الباحث حسین قادری (2004م) حول "دور وسائل الإعلام فی تعمیم اللغة العربیة فی الجزائر" وقد قام بمتابعة وتحلیل دور الإعلام ـ بأنواعه ـ فی تعمیم اللغة العربیة بالجزائر. وإذا کان الباحث قد خصّ بدراسته الصحافة المکتوبة فإن بحثنا یتناول الإعلام المسموع، على أن کلاّ من البحثین یحاول إبراز أهمیة وسائل الإعلام وما مدى إسهامها فی نشر اللغة العربیة وتطویرها من خلال استقراء واقع الأمة الجزائریة. کما لاحظنا عدداً من الدراسات الاختصاصیة عن الإعلام واللغة العربیة یتبیّن لنا أن موضوع بحثنا وذلک دور وسائل الإعلام المسموع تحدیداً فی إحیاء اللغة العربیة فی الجزائر لم یحظ بما یستحقه من دراسة واهتمام؛ فتحاول الدراسة الحالیة قدر المستطاع سدّ النقص فی هذا الجانب. وتشمل الدراسة مقدّمة وخاتمة تتوسطهما مباحث؛ هی کالتالی؛ المبحث الأوّل: اللغة العربیة فی الجزائر بین التغریب والتهمیش، المبحث الثانی: الإعلام بأنواعه وأثره فی النهوض باللغة العربیة. المبحث الثالث: اللغة العربیة فی الإعلام الجزائری بین الواقع والمأمول، والمبحث الرابع: الدور المقترح لوسائل الإعلام فی مواجهة زحف اللغات الأجنبیة على حساب اللغة العربیة. وقد استخدمنا فی هذه الدراسة المنهج الوصفی ـ التحلیلی الذی یهتمّ بوصف الظاهرة وتصویرها عن طریق جمع بیانات ومعلومات تمکّننا من تحلیل الظاهرة وإخضاعها للدراسة الدقیقة. ولأجل جمع هذه البیانات استعنّا باستبیانات وقمنا بمقابلات مع فئات مختلفة من المجتمع کما أجرینا سبراً للآراء. أمّا مجتمع الدراسة فیختلف باختلاف الأدوات المستعملة؛ حیث شملت المقابلات نخبة من الإعلامیین والمثقفین (أساتذة، طلبة وإطارات) کما شملت مجموعة من المستمعین غیر المثقفین. أمّا الاستبیانات فقد وجّهناها للعاملین بالمحطّة الإذاعیة لولایة تلمسان؛ 1ـ قسم الإدارة والإشهار 2ـ قسم الأخبار 3ـ قسم الإنتاج.
2ـ اللغة العربیة فی الجزائر بین التغریب والتهمیش حین احتلّ الفرنسیون الجزائر کانت اللغة العربیة هی لغة التعلیم فی المدارس والزوایا والمساجد، وهی اللغة الأدبیة التی تؤلف بها الکتب والبحوث، وهی أداة التعامل فی المحاکم الشّرعیة والمراسلات الرسمیة، بها توثق عقود الأوقاف والمواریث، وتکتب حاضر المداولات الإداریة والمنازعات فی کل أنحاء القطر (العربی الزبیری، 2006م، ص3). وقد اهتمّ الفرنسیون باللغة العربیة کونها لغة الشعب الجزائری الذی یعملون على استعماره والسیطرة علیه، ومعرفة آدابه وتفکیره وماضیه. وقد اعتمدوا منذ اللحظة الأولى للاحتلال على التّرجمة وعلى دراسة اللغة العربیة؛ لأنهم کانوا یوقنون أنهم بدون ذلک لا یمکنهم معرفة الجزائریین ولا النجاح فی التعامل معهم وفرض سلطانهم علیهم، ثمّ ما لبث المحتل أن أفصح عن نوایاه المبیّتة للقضاء على اللغة العربیة فی الجزائر حین أصدر فی عام 1938م قراراً یعتبر اللغة العربیة لغةً أجنبیةً فی الجزائر لا یجوز تعلّمها وتعلیمها إلا على هذا الأساس. وکان ذلک جانباً من الحرب الصلیبیة التی شنّها رجال الاحتلال الفرنسی والمبشّرون المسیحیّون ـ وهم الطلیعة الأولى للاستعمار الأوروبی فی الأقطار العربیة الإسلامیة ـ على اللغة العربیة والدین الإسلامی، والقرآن الکریم، والثقافة العربیة الإسلامیة طیلة وجود الاستعمار الفرنسی فی الجزائر. لقد کان الاستعمار والمبشّرون یعتقدون جازمین أن نجاحهم فی القضاء على اللغة العربیة سوف یسهّل لهم القضاء على الإسلام، فاللغة العربیة هی المقوّم الرئیسی للشخصیة الوطنیة العربیة والإسلامیة فی الجزائر، ولذلک کان الصراع محتدماً بین رجال التعلیم العربی الحرّ من جهة، وبین الإدارة الاستعماریة ورجال التبشیر المسیحی من جهة أخرى طیلة قرن واثنتین وثلاثین سنة (1830م ـ 1962م) (الإبراهیمی،2007م، ص24). یصّور لنا الشیخ الإبراهیمی هذه الحرب الصلیبیة التی شنّتها فرنسا على الإسلام واللغة العربیة فی الجزائر فیقول: "مشکلة العروبة فی الجزائر أساسها وسببها الاستعمار الفرنسی، وهو عدوّ سافر للعرب وعروبتهم ولغتهم، ودینهم الإسلام، وبیان ذلک مع الإیجاز أن الاستعمار الفرنسی صلیبی النزعة، فهو منذ أن احتلّ الجزائر عامل على محو الإسلام؛ لأنّه الدّین السماوی الذی فیه من القوّة ما یستطیع به أن یسود العالم، وعلى محو اللغة العربیة لأنّها لسان الإسلام، وعلى محو العروبة لأنها دعامة الإسلام، وقد استعمل جمیع الوسائل المؤدّیة إلى ذلک ظاهرة وخفیّة، سریعة ومتأنّیة، وأوشک أن یبلغ غایته بعد قرن من الزمن متّصل الأیّام واللّیالی فی أعمال المحو لولا أن عاجلته جمعیة العلماء المسلمین الجزائریین على رأس القرن بالمقاومة لأعماله والعمل على تخییب آماله" (البصائر، 1948م، العدد41), وبالرغم من أن المحتلّ قد استطاع أن یفرض أحکامه وقوانینه الجائرة بالقوّة، وتمکّن أن یخفی الإرث العربی الإسلامی ویشلّه زمناً طویلاً إلا أنّه لم یتمکّن من القضاء علیه وإتلافه (ینظر:شریبط، 1983م، ص54)، ذلک لأنّه یرتبط ارتباطاً وثیقاً بمعانی الکینونة والهویّة؛ کینونة الشعب الجزائری وهویّته. هذا الأخیر الذی ظلّ صامداً أمام جبروت المحتلّ یردّ مکائده وافتراءاته التی تنکر علیه جنسه ولغته وقومیّته، لاسیما وقد کان زعماء الإصلاح یشدّون أزره ویدعونه إلى إحیاء اللغة العربیة وبعث الدین الإسلامی بعثاً جدیداً. یقول الشیخ الإبراهیمی: "اللغة العربیة فی الجزائر لیست غریبة ولا دخیلة بل هی فی عقر دارها وبین حماتها وأنصارها وهی ممتدّة الجذور مع الماضی، مشتدّة الأواخی مع الحاضر، طویلة الأفنان فی المستقبل لأنها دخلت هذا الوطن مع الإسلام على ألسنة الفاتحین، ترحل برحیلهم، وتقیم بإقامتهم. فلما أقام الإسلام بهذا الشمال الإفریقی إقامة الأبد وضرب بجرانه فیه أقامت معه العربیة لا تریم ولا تبرح مادام الإسلام مقیماً لا یتزحزح ومن ذلک الحین بدأت تتغلغل فی النفوس وتنساغ فی الألسنة واللّهوات، وتنساب بین الشفاه والأفواه یزیدها طیباً وعذوبة أن القرآن بها یتلى وأن الصلوات بها تبدأ وتختم" (الإبراهیمی، 2007، ص221)، ولأن اللّغة العربیة کذلک، ولأنها تمثّل إحدى أهمّ رکائز الأمّة ومقوّماتها، کان لها على الشعب الجزائری حقّان؛ حقّ من حیث أنها لغة دین الأمّة بحکم أن الأمّة مسلمة. وحقّ أنها لغة جنسها بحکم أن الأمّة عربیة الجنس. وفی المحافظة علیها محافظة على الجنسیة والدّین معاً یقول: "اللّغة العربیة هی لغة الإسلام الرسمیة، ومن ثمّ فهی لغة المسلمین الدّینیة الرّسمیة ولهذه الأمّة الجزائریة حقّان أکیدان کلّ منهما یقتضی وجوب تعلّمها فکیف إذا اجتمعا؛ حقّ من حیث أنّها لغة دین الأمّة بحکم أنّ الأمّة مسلمة، وحقّ أنّها لغة جنسها بحکم أنّ الأمّة عربیة الجنس، ففی المحافظة علیها محافظة على جنسیة ودین معاً" (المصدر نفسه، ص24). ولقد رأى المصلحون بثاقب بصیرتهم أن إنقاذ الجزائر من خطر الفرنسة، والتنصیر، إنّما یکون عن طریق واحد فقط، هو العمل على إحیاء اللّغة العربیة وإنقاذها من التغریب، حتى تعود لها مکانتها فی الجزائر کلغة ثقافة وعلم وأدب. ولم تکن جمعیة العلماء المسلمین الجزائریین الوحیدة التی أخذت على عاتقها مهمّة الدفاع عن اللغة العربیة بالجزائر، بل ثمة أحزاب سارت على النهج ذاته، منها حزب نجم شمال إفریقیا الّذی اهتمّ للّغة العربیة ـ رغم أنّه أنشئ فی فرنسا ـ اهتماماً واضحاً. وقد نادى بإنشاء المدارس العربیة. ثمّ أصدر حزب الشعب الجزائری الذی قام على أنقاض النجم سنة 1937م مرسوماً یجعل تعلّم اللغة العربیة إجباریاً فی جمیع مستویات التعلیم على غرار الوضع فی تونس والمغرب وفی المشرق العربی أیضاً. وقد سارت حرکة انتصار الحریات الدیمقراطیة التی تأسّست سنة 1946م على الأسس ذاتها بالنسبة للغة العربیة. ولم تحلّ سنة 1962م ـ سنة الانعتاق والتخلّص من ربقة الاستعمار ـ إلا والمجتمع الجزائری بأسره یؤمن أن الرجوع إلى أصالته وهویّته لن یتمّ إلا من خلال الاستعمال الموسّع للغة العربیة لاسیما وقد اعتبرها الدستور الصادر سنة 1963م اللغة الرسمیة فی الجزائر (الشبکة العنکبوتیة؛ ویکیبیدیا). وکان یفترض ـ بموجب القانون ـ أن تعمّم اللغة العربیة فی سائر المؤسّسات الحکومیة والشّعبیة، لکن شیئاً من هذا القبیل لم یتحقّق، وظلّت الفرنسیة تسیطر على الأذهان والألسن ردحاً من الزمن، وظلّت اللغة العربیة تواجه ظاهرة التّهمیش من أبنائها بعد أن کانت تجابه التغریب من قبل المحتلّ الغاشم، إلى أن صدر قانون التعریب سنة 1990م الذی یفرض تعمیم استعمال اللغة العربیة فی کافة الإدارات والتعاملات الرسمیة وغیر الرسمیة. وکان یمکن للتّعریب أن یجد طریقه الصحیح، وأن یتجسّد على أرض الواقع، خاصّة وأنّه کان قد حقّق نتائج جدّ إیجابیة فی المدرسة الابتدائیة، وانتقل إلى الثانویة فی انتظار الوصول إلى الجامعة. لکن التّغریبیین ـ والسلطة الفاعلة إلى جانبهم کانوا له بالمرصاد،حیث جنّدوا کل ما لدیهم من طاقات لعرقلة المشروع، وحجّتهم فی ذلک أنّ المدرسة الأساسیة[1] تعید المجتمع الجزائری إلى الوراء، وأن العروبة والإسلام یعودان به إلى عصر الانحطاط (العربی الزبیری، 2006م، ص5)، وهم یعتبرون أن العربیة لغة ینبغی أن یقتصر دورها على الدّین والمناسبات الاجتماعیة بشکل عام، وأنّها بحکم طبیعتها لن تفی باحتیاجات العصر العلمیة التکنولوجیة؛ خاصّة أنّ المصطلح العلمی لا یعرف لغة معیّنة ومن ثمّ لا یهمّ مصدره. کما یؤکّدون أنّ استخدامها فی التّعلیم قد یؤدّی إلى منع الطلاب من إتقان لغة أجنبیة ممّا یقیم بینهم وبین العلم والحضارة الحدیثین حاجزاً قویّاً. زد على ذلک أن حرکة التطوّر السّریع للعلوم وللمعارف المصحوبة، وبطء حرکة التعریب تجعل الوفاء بکلّ ما یحتاجه الطالب والمدرّس من مصطلحات أمراً غیر میسور (فکار، 2008، ص104). ظلّ الفرانکفونیون[2] یحاربون اللغة العربیة إلى أن تمکّنوا من إصدار مرسوماً تشریعیاً سنة 1992م یجمّد قانون التّعریب. واستمرّ الحال کذلک إلى غایة سنة 1996م حین أُسّس المجلس الأعلى للغة العربیة، وکان الهدف من وراء تأسیسه هو إعادة بعث قانون التّعریب. لکن القانون ما لبث أن جُمّد مرّة ثانیة فی تحدّ صارخ للدستور الذی ینصّ ـ فی مادته الثالثة ـ على أن العربیة هی اللغة الوطنیة والرسمیة للجزائر. و'فرنس' المحیط الجزائری بحیث صارت واجهات المحلات ـ إلا ما ندر ـ تکتب بالفرنسیة، وبها تصدر التعاملات الإداریة. بل الأمرّ من ذلک والأخطر أنّ التعلیم الجزائری أصبح مفرنساً، وأن الجامعات ـ لاسیما ذات التخصصات العلمیة ـ أصبحت تعتمد اعتماداً کلّیاً على اللغة الفرنسیة، ما یؤکّد أن المشروع السیاسی قد فشل فی کسب الرّهان اللغوی، لیتحوّل هذا الأخیر إلى أزمة لغویة حقیقیة جعلت من التّواصل اللغوی شتاتاً من المفردات التی تجمع بین العربیة، والعامیة، والفرنسیة، واللهجات البربریة. "ویعود السبب فی تواجد هذا الواقع اللغوی الخاصّ إلى أن الثنائیة ـ عربیة / فرنسیة ـ المنجرّة عن تدمیر البنیة الثقافیة الأصلیة للمجتمع الجزائری من جرّاء الوجود الاستعماری أساس المشکلة اللغویة المعیشة منذ الاستقلال. إنّها سبب ظهور انقسام اجتماعی على أساس ثقافی لاسیما على مستوى النخب. فالانقسام الثقافی المتأتّی من ممارسة لغویة قائمة على ثنائیة تنازعیة أدّى إلى اهتزاز المرجعیات المشترکة للمجتمع، لتتحوّل إلى أداة توتّر اجتماعی وثقافی أو إلى وسیلة منتجة لسوء الانسجام فی المجتمع" (سعدی،2013م، ص5)، فالمتتبع لواقع الثقافة الجزائریة لاسیما فی بُعدها اللّغوی یلاحظ أنها ذات أبعاد مختلفة فهی عربیة إسلامیة أمازیغیة، متوسطیة، إفریقیة؛ ورغم ذلک تضعف فیها أبعاد معیّنة وتقوى أخرى على مستوى الانفتاح الثقافی والتثاقف، وفی الوقت الّذی ینتظر فیه الاستفادة من جمیعها نلاحظ غلبة التوجه المتوسطی فیها والفرنسی بالخصوص, ولهذا یحتدم الصراع بین معرَّبین ومفرنسین، ما أدّى إلى الأزمة اللغویة فی الجزائر (غربی،2010، ص 66)، أزمة حقیقیة نابعة من مبدأ رفض الآخر أو محاولة إلغائه، وعاکسة لثنائیة فشلت کلّ السیاسات فی تحقیقها؛ هی ثنائیة: اللغة والهویة الوطنیة فی المجتمع الجزائری.
3ـ الإعلام بأنواعه وأثره فی النهوض باللغة العربیة اتّخذ الإعلام فی عصرنا الحاضر صوراً عدیدةً وأشکالاً مختلفةً لاسیما فی ظلّ التطور العلمی والتقنی الکبیر، مما جعله یتبوّأ حیّزاً مهمّاً فی حیاة المجتمعات، بحیث أصبح یشکّل جانباً حیویاً فی یومیاتهم. هذه الوسائط تستخدم فی مجالات تعزیز القیم الروحیة والتأثیر السیاسی والثقافی والاجتماعی على الناس، کما أنّها تقوم بدور هام فی التقارب بینهم (معوض،2000م، ص173)، وهی إلى جانب هذا وذاک تمثّل قناة حیویة لتطوّر وانتشار اللغات فـ "عن طریق هذه الأجهزة والأدوات یتخاطب النّاس الأفراد والجماعات ویتبادلون الآراء والخبرات وینقل بعضهم إلى بعضهم الآخر المعارف والأفکار" (سعد الدین، 1995م، ص10). وتعدّ اللغة إحدى الرکائز الأساسیة لوسائل الإعلام بأنواعها، إذ لا یمکن لهذه الأخیرة أن تؤدّی وظیفتها إلا عن طریق اللغة التی هی وسیلة للتواصل وأساس للتعبیر إذ "تؤکّد الحقائق أنّه من الصعوبة بما کان أن تضطلع أیّ من أجهزة الإعلام سواء کانت سمعیة أم بصریة أم مقروءة أم شفهیة بالدور المنوط بها دون استخدام رموز اللغة"(الصانع،1992م، ص161)، فالإعلام لا یمکن أن یجد التربة الخصبة الّتی ینمو فیها والمجال الّذی یمارس فیه نشاطه بدون لغة تصوغ رسائله وتنقل الأفکار الّتی تتضمّنها، کما أنّ اللغة الإنسانیة ستؤول إلى الزوال دون الاتّصال بین أفراد المجتمع البشری عن طریق وسائل الإعلام الّتی تعطی هذه اللغة قیمة وتعطی لرموزها معنى. واللّغة ـ وخصوصاً اللغة الإعلامیة ـ من الأمور الّتی یرى کلّ فرد نفسه (المرسل ـ المستقبل) مضطراً إلى الخضوع لما ترسمه، وکل خروج عن نطاقها و لو کان عن خطأ أو جهل یلقى من الرأی العام مقاومة تکفل رد الأمور إلى نصابها الصحیح، وتأخذ المخالف ببعض أنواع الجزاء (شرف، 1991م، ص9)، ذلک لأن اللغة الإعلامیة تشکّل فی النهایة جزءاً من النظام اللغوی العام السائد. فإذا اتّخذت هذه اللغة منحى مختلفاً عن النظام اللغوی العام، فإنّ مصیر هذه اللغة، لن یکون إلا الرفض من قبل المتلقی. ثمّ إن تحدید مفهوم اللغة الإعلامیة لا یستغنی عن نتاج الدراسات اللغویة بمختلف میادینها، إذ تمدّها بما تهتدی إلیه من ظواهر لغویة، وما تکشفه من بحوث فنّیة تفید فی دراسة لغة الإعلام وتهذیب ألفاظها وتوسیع نطاقها وترقیة مفرداتها وإدخال مفردات جدیدة على مفرداتها، وتدعیم خصائص هذه اللغة الإعلامیة من تبسیط وسلامة ووضوح، واقتراب شدید من لغة الواقع الحی المثقف دون إسفاف أو هبوط إلى العامیة. وفی الوقت نفسه یمکن لعلم اللغة أن یفید من اللغة الإعلامیة؛ ذلک لأن علاقة اللغة الإعلامیة بعلم اللغة هی علاقة تأثیر وتأثر, وعلاقة التأثیر بین اللغة الإعلامیة وعلم اللغة هی علاقة التنمیة اللغویة، فوسائل الاتّصال الإعلامیة تساهم فی نشأة کلمات لم تکن موجودة فی اللغة من قبل، وفی هجر کلمات کانت مستخدمة فیها أو انقراضها انقراضاً تاماً. ذلک أن وسائل الاتّصال الإعلامیة تعکس أهمّ العوامل التی تدعو إلى نشأة کلمات فی اللّغة، کمقتضیات الحاجة إلى تسمیة مستحدث اجتماعی جدید، سواء أکان نظاماً اجتماعیاً أم اقتصادیاً، أم نظریة علمیة جدیدة أو فلسفیة أو مخترعاً مادیاً جدیداً، لکن إذا کانت هذه العلاقة الجدلیة ـ إن جاز لنا التعبیر ـ من الأهمّیة بما کان للحفاظ على اللغة من جهة ولنجاح وسائل الإعلام فی أداء مهامها من جهة ثانیة، فماذا عن واقع اللغة العربیة فی إعلامنا الیوم؟ وما محلّها منه؟ (الصانع، 1992م، ص161). یجب أن نشیر بادئ ذی بدء إلى أن اللغة العربیة لیست کیاناً جامداً لا حیاة فیه، وإنّما هی أشبه ما یکون بالکائن الحی الذی ینمو ویتطوّر، کما یکون عرضة فی أوقات الضعف والانکسار للوهن والضعف، کما یجب أن نؤکّد أنّ اللغة العربیة وعلى الرّغم من الظروف الّتی مرّت بها، والمتغیّرات التی عرفتها استطاعت أن تحافظ على هویّتها، ویعود ذلک إلى عاملین اثنین؛ أوّلهما:ارتباطها بالقرآن الکریم، فهی وعاؤه العظیم، وهی أداؤه التعبیری المعجز، وارتباط النّاس بها لا یمثّل مجرّد ارتباط بلغة بل هو ارتباط بالدّین الحنیف. وثانیهما:طبیعتها الذاتیة، وکثرة مفرداتها، والروافد التی تغذّیها وتجدّد نسیجها مثل القیاس والاشتقاق والنحت والمجاز، ممّا ینفی عنها تهمة التحجّر والعجز(قمیحة، 1418، ص170). واللغة ـ أیة لغة ـ لیست أداة تخاطب وتعبیر فقط، وإنّما هی عملیة تصوّر نفسی ومنهج تفکیر عقلی معقّد، وهی بذلک تمثّل هویّة الإنسان وأهمّ مقوّمات کیانه، وبدون هذه الهویة یغدو الإنسان کشجرة بلا جذور تهوی عند هبوب أیّة ریح، لذا تحرص جمیع الأمم الحیّة الراقیة على رعایة لغاتها وتطویرها وإکسابها لبنیها وبناتها على أتمّ شکل ممکن وفق أفضل الأسالیب العلمیة والتقنیة الحدیثة التی یُعدّها المختصون الأکفاء، وما ذلک إلاّ لأنّ الصلة بین الأمّة ومکانة لغتها وطیدة جدّا فثمة رباط جدلی صائب بین حضارة الأمّة ومکانة اللغة (شرف، 2000م، ص12). وإذا کان للإعلام أثر کبیر فی الحیاة اللغویة کما ذکرنا آنفاً، واللغة کما هو معروف تکتسب بالسماع والمحاکاة، فإنّ أجهزة الإعلام المسموعة والمرئیة حین تلتزم العربیة السلیمة تصبح أحسن مصدر لتعلیم اللغة ومحاکاتها والتقریب بین اللغة السلیمة واللغة المحکیة. و"تعدّ اللغة العربیة من أصلـح اللغـات، وذلک لأنهــا تتمتـع (بالدینامیة) أو الحرکیة التی تجعلها کذلک، وتمنحها طواعیة" (عبد الحلیم، 2002م، ص11) وقد اکتسبت اللغة الإعلامیة هذه المرونة "من امتیاز الفصحى بالعمق الذی یجعلها تنبض بالحیاة، والذی یجعلها تقوم على الترجمة الأمینة للمعانی والأفکار، والاتّساع للألفاظ والتّعبیرات الجدیدة التی یحکم بصلاحیتها الاستعمال والذوق والشیوع" (شرف، 1991م، ص 8)، ما یعنی أن اللغة العربیة تتمتّع بخصائص إعلامیة تتّفق مع غایات الإعلام الحدیث من حیث أنه أداة وظیفیة ولیست فنّاً جمالیاً یقصد لذاته. وهو ما یدحض دعاوى من یتّهمونها بالقصور فی النهوض بلغة الإعلام، ویشیعون أن العامیة هی لغة التفاهم والتداول بین أبناء الوطن. بل إنّنا نذهب لأبعد من ذلک حین نؤکّد أنّ الدعوة إلى استخدام العامّیة سیزید الشعوب العربیة تفرّقاً، وأن اللغة العربیة الفصحى هی اللغة الوحیدة التی یلتقی عندها أهل العربیة فی جمیع أقطارهم یتکلّمون ویکتبون بها، وأن استخدام اللغة العربیة الفصحى الموحدة فی صحافتنا ـ سمعیة وبصریة ومقروءة ـ یساعد إلى حد بعید على توحید رؤانا ونظراتنا وأفکارنا وتطلّعاتنا وعلى صهرها فی بوتقة قومیة عربیة مشترکة. فإذا التزم رجال الإعلام بالقواعد اللغویة الصحیحة وحرصوا على اتّخاذ الفصحى لغة حدیث وکتابة یقدّمون بها برامجهم ویکتبون مقالاتهم وأحادیثهم ویعبّرون بها عن مختلف الأمور والمجالات فقد استطاعوا بذلک أن یحافظوا على الوحدة العربیة وعلى اللغة العربیة الّتی هی لغة إعلامیة بامتیاز، تستطیع أن تتکیّف بسلاسة مع نسق الفنّ الإعلامی بمفهومه الحدیث (المصدر نفسه، ص133). على أن ثمّة إجماع على أنّ وسائل الإعلام لا تستخدم استخداماً مفیداً أو منتجاً فی الوطن العربی، وأنّها إلى المتعة أقرب منها إلى الفائدة، وإلى إضاعة الوقت أقرب منها إلى الاستفادة من الوقت، وأنّها إلى العمل السیاسی أقرب منها إلى العمل العلمی الأساسی الدائم (المنظمة العربیة للتربیة والثقافة والعلوم، 1990م، ص55). ولأجل تدارک الوضع والقضاء على المعضلة لابدّ من تخطیط سلیم ومدروس وممنهج للارتقاء بالمستوى اللغوی للجماهیر ولن یکون ذلک إلا عن طریق إعلام متکامل وفاعل، فما السبیل إلى تحقیق ذلک؟ إنّ عملیة الإنماء اللغوی تتطلّب فرضَ رقابة مستمرّة تضمن للغة العربیة ما یقیها من التّحریف وتجعلها دائماً على مستوى الرقی الفکری فی کلّ جیل من الأجیال (سالم، 2001، ص 20)، إذ لابد لوسائل الإعلام أن تحسن اختیار اللفظ والعبارة وتراعی الکلمات الصّحیحة التی یسهل على الجماهیر استیعابها وفهم مقاصدها، والابتعاد عن الألفاظ الوضعیة الغربیة غیر المألوفة وعدم التکلّف فی صیاغة النصوص الإعلامیة ومراعاة مستوى إفهام هذه الجماهیر حتى یقبلوا على اللغة العربیة الصحیحة ولا ینفروا منها، وفی الوقت نفسه الابتعاد عن الألفاظ المبتذلة وکذا الإسفاف واختیار الکلمات الهابطة لعرض المعانی، بهدف الارتقاء بمستوى الجماهیر ورفع مستویاتهم اللغویة وملکاتهم الفکریة.کما لابدّ أن نبتعد عن استعمال العامیة التی طغت على وسائل الإعلام العربیة، مساهمة بذلک فی إیذاء اللغة العربیة والترویج للأفکار والألفاظ التی تحرّف کلماتها وتغیّر معانیها. وعلى الأجهزة الإعلامیة أن تساهم کذلک فی الارتقاء بمستوى اللهجات العامیة التی تقدّم بها البرامج بحیث تصبح الألفاظ الفصحى وتعبیراتها أکثر تداولاً على الألسنة تمهیداً لتعمیم استعمال اللغة العربیة الفصحى فی جمیع البرامج؛ إذ إنّ هذه اللغة الفصحى هی الأساس للثقافة العربیة، وتعمیم استعمالها یمکّننا من مخاطبة جمهور أوسع (عبد الحلیم، 2002م، ص11)، ثمّ إنّ اتّجاه الأجهزة الإعلامیة بمختلف أطیافها إلى استعمال اللغة العربیة إنّما یساعدها على الانتشار الواسع، وذلک فی ظل الحرکة الإعلامیة التجاریة وخصخصتها، فالهمّ التجاری یمکن أن یتحقّق لهذه المؤسسات من خلال إحیاء اللغة العربیة، لأن ذلک معناه الوصول إلى أکبر شریحة من المجتمع العربی والتأثیر فیه واجتذاب الجمهور لهذه المؤسسة أو تلک.
4ـ اللغة العربیة فی الإعلام الجزائری بین الواقع والمأمول ذکرنا فی المبحث السابق أن وسائل الإعلام تعدّ مؤثراً مباشراً على لغات الناس وطریقة استعمالهم لها، وبالتالی فإنّ تطویر لغة هذه الوسائل هو فی الحقیقة تطویر للغة فی حدّ ذاتها. ویبرز دور الإذاعة فی تطویر اللغة من خلال البرامج المختلفة، فقد یؤثّر برنامج إذاعی یُقدَّم فی دقائق معدودة ما لا تؤثّره عشرات الکتب، إذ لا شک أن للکلمة المسموعة ما لیس للمکتوبة من تأثیر، لسهولة متابعتها وعدم احتیاجها إلى مهارة القراءة. والرادیو من وسائل الاتّصال التی یمکنها الوصول إلى جمیع السکان بیسر متخطّیة کلّ الحواجز. فهو یصل إلى مختلف الفئات العمریة من المستمعین، ذکوراً وإناثاً، متعلّمین وغیر متعلّمین، نخبة وسوقة، وغیر ذلک من الجماعات التی یصعب الوصول إلیها من قبل وسائل الإعلام الأخرى، هذا بالإضافة إلى السرعة الفائقة التی تنقل بها الرسالة الاتّصالیة من جهاز الإرسال إلى جهاز الاستقبال، فالاتصال عن طریق الإذاعة لا یحتاج إلى وسیط، حیث تصل مباشرة من القائم بالاتصال الإذاعی إلى المستمع (شرف، 2000م، ص71). وإیماناً منها بأهمّیته لجأت الجزائر إلى الإرسال الإذاعی قبل الاستقلال لإیصال صوت الثورة الجزائریة من جهة، ولحاجتها إلیه کوسیلة فعالة لتوعیة وتعبئة شعب ورث الأمّیة عن الحقبة الاستعماریة من ناحیة ثانیة. کما عُدَّ البثّ الإذاعی منذ إنشائه إلى الیوم من أهمّ وسائل الإعلام فی نشر وتعمیم اللغة العربیة بالجزائر وذلک لأسباب عدّة، لعلّ أهمّها أنّها تخاطب عامّة النّاس، فهی لا توجّه خطابها للنّخبة والمثقّفین فقط. بالإضافة إلى تنوّع برامجها التی تمسّ الحیاة الیومیة للمواطن، فبالرغم من ارتفاع نسبة الأمّیة إلا أنّ الشعب کانت لدیه قدرة استیعابیة کبیرة للغة العربیة الفصحى، وإن لم تکن له القدرة التعبیریة (بن عبد الله، 1986م، ص42). إنّا إذا تتبّعنا المشهد الإعلامی فی جزائر الیوم وجدنا مستویات لغویّة شدیدة التباین، فإذا جهدنا ضبطها میّزنا ثلاثة مستویات رئیسة: مستوى العربیة الفصحى فیما نسمع من نماذج البیان قرآناً وحدیثاً وأخباراً وتعلیقاً ومقالات ومسلسلات تاریخیة, ومستوى العربیة الوسطى المتمثّل فی مواقف المشابهة بین المتعلّمین والمثقّفین فی وجوه الخطاب السیاسی والاقتصادی والاجتماعی. ومستوى اللّهجات المحکیة المتمثّل فی مقابلات العامّة والمسلسلات العامیة والحصص الترفیهیة. هذه المستویات ـ على تباینها ـ تتوزّع وفق شبکة برامجیة تحدّدها المدیریة العامّة للبثّ الإذاعی، وتشمل کافة الإذاعات الجزائریة: وطنیة ومحلّیة، ما یستوجب الوقوف عند تلکم الشبکة لنحدّد معالمها ونضبط النسبة المئویة لکلّ مستوى بما یعیننا على رسم صورة واضحة للإعلام المسموع بالجزائر ودوره فی خدمة اللغة العربیة.
التوزیع النسبی لمحاور شبکة البرامج الإذاعیة 2013 ـ 2014 (عن قسم التنشیط والبرمجة ـ الإذاعة الوطنیة بتلمسان)
وبعملیة حسابیة نتحصّل على: - 70% برامج تفاعلیة:حصص ریاضیة، حصص ترفیهیة، حصص خدماتیة، حصص اجتماعیة وحتّى الحصص الإخباریة المباشرة, وهی تستعمل العامّیة فی مخاطبتها للجمهور، وهی بذلک تندرج ضمن المستوى الثالث. - 15% برامج إخباریة: نشرات، حصص إخباریة، حصص ثقافیة, وهی تبثّ باللغة العربیة الفصحى غالباً، کما تستعین باللغة الوسطى أحیاناً، ما یجعلها تندرج ضمن المستویین الأوّل والثانی. - 15% برامج دینیة وثقافیة وتاریخیة: قرآن کریم، حصص دینیة، فتاوى، حصص تعلیمیة، وهی تقدّم باللغة العربیة الفصحى، أی أنّها تندرج ضمن المستوى الأوّل. وبجمع النوعین الثانی والثالث نجدهما یمثّلان 30% من الشبکة البرامجیة، وهو ما یفضی بنا إلى الاستنتاج بأنّ اللغة العربیة لا تغطّی إلا ما یقارب الثلث من البرامج الإذاعیة[3]. هذا فی البرنامج السنوی العادی، أمّا فی الشبکة الصیفیة فتتغیّر النسب لتصبح على الشکل التالی:
الشبکــة البرامجیــة الصیفیــة / الرمضـانیــة 2014 النـســب المئویــة لتوزیع البرامــج
نلاحظ أنّ المحور الإخباری قد تقلّصت نسبته، علماً أنّه یستعمل المستویات الثلاثة للغة، بینما المحور الاجتماعی التربوی وکذا محور الترفیه والمنوّعات والخدمات قد عرفا زیادة فی نسبتیهما، وهما یعتمدان المستوى الثالث للغة، فیما حافظ المحور الثقافی والتاریخی والدینی على المستوى ذاته تقریباً، وهو یستخدم المستوى الأوّل. وبالعودة إلى علاقة الإعلام باللغة العربیة الفصحى ومدى خدمة الأوّل للثانیة نقرّ بأن هذه النسبة تبقى بعیدة عن الأهداف المنشودة. لکنّنا ألفینا تلک المستویات اللغویة تتّفق مع المستویات الخمسة التی حدّدها الدکتور سعید بدوی حین تحدّث عن المجتمع اللغوی المتکامل والمتمثّلة فی: 1- فصحى التراث: وهی فصحى تقلیدیة غیر متأثّرة بشیء نسبی. 2- فصحى العصر: وهی فصحى متأثّرة بالحضارة المعاصرة على الخصوص. 3- عامیة المثقفین: وهی عامیة متأثّرة بالفصحى وبالحضارة معاً. 4- عامیة المتنوّرین: وهی عامیة متأثّرة بالحضارة المعاصرة. 5- عامیة الأمّیین: وهی عامیة غیر متأثّرة بشیء نسبیاً: لا بالفصحى، ولا بالحضارة المعاصرة (بدوی، 1984، ص89). فهل هذا یعنی أن الجزائر قد بلغت مستوى المجتمع المتکامل لغویّاً، وهل هذا التکامل یخدم اللغة العربیة الفصحى أم یعیقها؟ للإجابة عن السؤال قمنا بدراسة میدانیة تطلعنا على حقیقة علاقة اللغة العربیة بالإعلام المسموع فی الجزائر. وقد اتّخذنا من الإذاعة الوطنیة بتلمسان عیّنة عن الوضعیة اللغویة للإعلام المسموع فی الجزائر، إذ أقمنا استبیاناً ـ بناء على زیارة میدانیة للصرح ـ یساعدنا على وضوح الرؤیة. وکان قسم الإدارة والإشهار أوّل محطّة فی زیارتنا، حیث أکّدت لنا القائمة على القسم أنّ المستوى اللغوی المستعمل هو المستوى "العامی" بالإضافة إلى اللغة الفرنسیة، وأوعزت أسباب الظاهرة إلى الزبائن أنفسهم. فهؤلاء یصرّون على استعمال العامیة والفرنسیة بحجّة أن الجماهیر لا تستوعب اللغة الفصحى وبذلک فهی تعرقل قانون العرض والطلب لاسیما وأن الإعلان یهدف أوّلاً وأخیراً إلى جلب الزبون وإرضائه (مقابلة شخصیة مع مسؤولة قسم الإدارة والإشهار "الإذاعة الوطنیة بتلمسان"ربیع الأوّل 1435ه/ ینایر 2014م). ثانی محطّة کانت قسم الأخبار (مقابلة شخصیة مع رئیس تحریر قسم الأخبار "الإذاعة الوطنیة بتلمسان" ربیع الأوّل 1435هـ/ ینایر 2014م). هذا الأخیر یعتمد فی تحریر أخباره وإعداد برامجه على اللغة الفصحى. وهو یحاول أن یبتعد عن التعقید والمبالغة، ویقدّم لغة سلسة بسیطة بعیدة عن البهرجة والزخرفة الفنّیة والألفاظ الحوشیة التی تمجّها أذن المستمع، لکنّها راقیة تراعی ضوابط اللغة وقوانینها. ومع ذلک فقد أکّد لنا رئیس التحریر بالقسم أن الصحفیین یضطرّون أحیاناً إلى استعمال العامیة، لاسیما فی البرامج التفاعلیة کـ"أحیاء المدینة"، و"البلدیة والتنمیة", وذلک بغیة التواصل مع المواطن الذی یبحث عن حیّز لطرح انشغالاته وإبداء آرائه. ثالث محطّة کانت قسم البرمجة (مقابلة شخصیة مع رئیسة قسم التنشیط والبرمجة "الإذاعة الوطنیة بتلمسان" ربیع الأوّل 1435هـ/ینایر 2014م), وقد أکّدت لنا المسؤولة عنه أن اللغة المستعملة هی "بین بین" فلا هی ترتقی إلى الفصحى ولا هی تنحطّ إلى العامیة، هی لغة وسط، یفهمها العام والخاص، الأمّی والمتعلّم, وعن سؤال حول استعمال قسم البرمجة للغة الفرنسیة فی بعض الأحیان، کان الجواب أنّ ذلک إنّما یحدث إرضاء الفئة الفرانکفونیة، وأنّ لغة الإذاعة لغة تخضع لأذواق النّاس وتسعى لإرضاء کافة شرائح المجتمع. والحقیقة أنّ ظاهرة الأداء اللغوی وشیوع الأخطاء اللغویة واللجوء إلى العامیة وازدواجیة اللغة فی وسائل الإعلام الجزائریة أصبحت تشکّل معضلة حقیقیة تواجه اللغة العربیة لاسیما فی ظلّ العولمة والانفتاح الثقافی وسیطرة اللغات الأجنبیة، ما یجعلنا نقرّ بأنّ الإعلام فی الجزائر لازال فی حاجة إلى خطوات عملاقة وجادّة للتّمکین للغة العربیة فی دولة عربیة مسلمة یؤکّد دستورها أن اللغة العربیة هی لغتها الرسمیة. وقد حاولنا حصر أسباب تراجع اللغة العربیة فی الإعلام الجزائری بمعیّة رئیس التحریر لقسم الأخبار (إذاعة تلمسان) الّذی أکّد لنا أنّها تتفرّع إلى أسباب داخلیة وأخرى خارجیة. فأمّا الخارجیة فیمکننا إجمالها فی: 1- المناهج الدّراسیة المعتمدة فی کلّیات الإعلام الّتی تبقى هی المسؤولة بشکل مباشر عن ضعف اللغة العربیة فی وسائل الإعلام. 2- انعزال الصحافة عن المؤسّسات العلمیة اللغویة أدّى إلى انحدار مستواها اللغوی، مع کونها من أهمّ وسائل التأثیر فی اللغة. 3- غیاب القوانین الخاصّة بحمایة اللغة العربیة أو عدم تطبیقها (إن وجدت). 4- غیاب الإرادة السیاسیة؛ فمعظم مسؤولی الدولة فی الجزائر من خرّیجی المدرسة الفرانکفونیة. وأمّا الأسباب الداخلیة فتتلخّص فی: 1- استبدال العامّیة بالفصحى. 2- تطویر الفصحى حتّى تقترب من العامیة. 3- الهجوم على الحروف العربیة والدعوة إلى استعمال الحروف الأمازیغیة أو حتّى اللاتینیة. 4- إسقاط الإعراب فی الکتابة والنطق. 5- غیاب مدقّقین لغویین یدرکون ما یصیب اللغة من تشویه وأخطاء. وعلى النقیض من رئیس تحریر قسم الأخبار السید توفیق بن سلامة الذی یرى أنّ اللغة العربیة لازالت فی حاجة لمزید من العنایة والاهتمام لتدارک هذا "الضعف" فی الأداء، یؤکّد المنشّط رضا بن عصمان (مقابلة شخصیة مع المنشط "الإذاعة الوطنیة بتلمسان"26 ربیع الثانی 1435هـ/26 فبرایر2014)، أنّ الإعلام المسموع بالجزائر یقوم بجهود جبارة لتعمیم اللغة العربیة وأنّه استطاع أن یخطو خطوات عملاقة فی هذا الاتّجاه. ودلیله فی ذلک أن غالبیة البرامج تقدّم بالفصحى عدا البرامج الّتی یتمّ فیها التواصل مع المستمعین عبر الأثیر بطریقة مباشرة، بل حتّى تلک البرامج ـ یضیف المنشط ـ أصبحت تنحو نحو استعمال الفصحى؛ لأنّ المستمع تعوّد علیها وأصبح یفهمها بسهولة. وهکذا فقد تمکّن الإعلام المسموع من أن یُکسب المستمعین ملکة لغویة، أی مهارة فی نطق اللغة العربیة من غیر علم بقوانینها، وهو ما یعرف بالحسّ اللغوی، أو التمکّن اللغوی التلقائی دون معرفة القواعد النظریة. کما أشار ذات المتحدّث إلى البرامج التی تسعى إلى تعلیم اللغة العربیة کتلک التی یسهر على إعدادها وتقدیمها من مثل برنامج "سحر الضاد" الذی یشمل مجموعة أسئلة حول اللغة العربیة. وجواهر الکلم الذی یخصّ الألفاظ العربیة غیر المتداولة فی عصرنا الحاضر. وقطوف دانیة الذی یفسّر بعض الکلمات التی وردت فی آی القرآن الکریم. ومع ذلک یعترف السید رضا بن عصمان أنّ الإعلامی قد یجد نفسه مجبراً على استعمال العامیة، نزولاً عند رغبة بعض المستمعین الذین یحبّذون أن یخاطبوا باللغة التی یسهل علیهم فهمها أحیاناً، وسعیاً منه لتنویع الأسالیب الخطابیة أحیاناً أخرى. وبالرّغم من هذا التباین بین الرأیین، إذ یرى الأوّل أنّ الإعلام یقصّر فی خدمة اللغة العربیة، فی حین یرى الثانی عکس ذلک، فإنّه لا یمکننا أن نتغاضى عن الجهود المبذولة فی الإعلام ـ لاسیما المسموع منه ـ إلاّ أنّها جهود تبقى فی حاجة إلى دفع مستمرّ لتخطّی العقبات ومواجهة موجة الفرنسة ومجابهة الدعوة إلى استبدال العامّیة بالفصحى. على أنّه لا یمکننا أن نغفل إذاعة رائدة فی الجزائر وهی إذاعة القرآن الکریم الدولیة التی أطلقت سنة 1412هـ ـ1991م. وکان الهدف من إنشائها هو خدمة الدّین والوطن وبالتّالی خدمة اللغة العربیة خاصّة وأنّها تقدّم دروساً ومواعظ وتلاوات عطرة، ما یجعل المستمع یتعوّد على اللغة الراقیة الّتی تبثّ بها تلک البرامج، ولا أدلّ على ذلک من الإقبال المتزاید للمستمعین على هذه الإذاعة وبرامجها الهادفة دون أن تشکّل اللغة المستعملة أدنى عائق، وهی بهذا تمثّل نموذجاً عملیّاً إیجابیاً لخدمة اللغة العربیة الفصحى بالجزائر. وبالعودة إلى الإذاعات المحلّیة، وباعتبار الجمهور طرفاً أساساً فی "المعادلة الإعلامیة" کانت لنا معه وقفة فی عملیة لسبر الآراء شملت مختلف فئات المجتمع أفضت إلى النتائج التالیة: 1ـ المثقّفون أصرّت شریحة المثقّفین (طلبة، أساتذة، إطارات، موظّفین) على إلزامیة استعمال اللغة الفصحى کونها تمثّل وعاء الحضارة العربیة الإسلامیة، وقد أکّدت أن الحلّ الأمثل هو استخدام لغة وسطى أو ما أطلقوا علیه مصطلح "لغة ثالثة" وهی لغة فصیحة بسیطة تحقّق التواصل مع الجماهیر على نحو یجنّبها الأخطاء ویصل بها إلى أفضل النتائج. 2ـ غیر المتعلّمین - النساء الماکثات فی البیت أوضحن أنّهن یفهمن نشرات الأخبار والبرامج المقدّمة بالفصحى، بل إنّهنّ أکّدن أنّ تلک البرامج ساعدتهن على اکتساب رصید لغوی هام. - الرجال أعربوا عن تعلّقهم باللغة الفصحى ـ وإن کانوا لا یفقهون إلا القلیل منها ـ کونها جزءاً من هویّة الأمّة. إنّ عملیة سبر الآراء الّتی قمنا بها مکّنتنا من التحصّل على النسب التالیة: -60% من مجتمع الدراسة أکّدوا تعلّقهم باللغة الفصحى و استمتاعهم بالاستماع إلیها. وهم من المثقفین وغیر المثقفین. -15% یفضلون استبدالها بالعامیة لیتمکّنوا من فهم البرامج الإذاعیة. وهم من فئة غیر المتعلّمین الّذین یجدون صعوبة فی فهم اللغة الفصحى. -25% یطالبون بالاستغناء عن اللغة الفصحى وحجّتهم فی ذلک أنّها لم تعد تسایر متطلّبات العصر و مستجدّاته، وهؤلاء هم فئة الفرانکفونیین. وهذه النسب تدحض ادّعاءات المطالبین بتعمیم العامیة على حساب الفصحى بدعوى التقرّب من المستمع ونقل انشغالاته، وتجعلنا نفکّر فی سبل استثمار هذه الوسائل العصریة فی تنمیة اللغة العربیة على ألسنة أبنائها ـ على مستوى الألفاظ، والتراکیب وسلامة النطق، وصحة الإعراب ـ على نحو علمی مدروس، یراعی المراحل العمریة المختلفة، ویهدف إلى التغییر اللغوی إلى الأفضل، ویأخذ بألسنة أبناء العربیة حتى یصل بهم إلى اللغة الإبداعیة؛ أی إلى المستوى الأعلى فی الأداء اللغوی.
5ـ الدور المقترح لوسائل الإعلام فی مواجهة زحف اللغات الأجنبیة على حساب اللغة العربیة إن أزمتنا اللغویة الحالیة لا تعود إلى اللغة العربیة باعتبارها نظاماً من الإشارات بقدر ما تعود إلى إشکالیة تعامل أبنائها معها، هؤلاء الذین یحاولون إلقاء المسؤولیة علیها ویرمونها بالضعف والتقصیر فی مواکبة مستجدّات العصر. وهو طرح ینافی الحقیقة مثلما یؤکّد المستشرق الألمانی هورنباج الذی یرى أنّ "اللغة العربیة لیست ضعیفة البتّة ـ کما یدّعی العرب وغیر العرب ـ ولا عاجزة عن مواکبة عصر التقنیات، فالتاریخ یرشدنا إلى أنّ اللغة العربیة کانت لغة لأکثر من ثلث سکان المعمورة ولم تکن فقط لغة شعر أو نثر" (القول لهورنباج نقلاً عن صفوان المقدسی، 1976م، ص6)، إنّ هذه الأزمة تدعونا إلى التفکیر بجدّیة فی آلیات عملیّة للنهوض باللغة العربیة لتصبح قادرة على الوفاء بحاجات أهلها بما یوافق مستحدثات الحیاة الجدیدة، ولن یکون ذلک إلا من خلال دفعها باتّجاه التحرّر من آثار عصور الانحطاط من جهة ومن التقلید الأجنبی والعجمة الجدیدة التی أورثنا إیّاها عصر الاستعمار والنفوذ الأجنبی من جهة أخرى. إنّ المطلوب تکوین وعی لغوی صحیح یسایر وعینا الفکری والسیاسی، ویساهم فی الوحدة اللغویة والتحرّر اللغوی والقضاء على التجزئة والنفوذ الأجنبی فی میدان اللغة والفکر. وعی یمکّننا من الاهتمام باللغة العربیة والحرص على تنمیتها وجعلها لغة علم وعمل توظّف فی شتّى المجالات ویعیننا على تعمیمها بحیث تکون لغة البیت والشارع والمؤسّسات بما فیها المؤسّسات الإعلامیة. ولأجل تحقیق هذه المرامی السامیة نورد بعض المقترحات: ـ تصحیح مناهج کلِّیَّات الإعلام، وإقرار إدخال اللُّغة العربیَّة إلیها بکثافة، بحیث تکون مواد اللُّغة العربیَّة فی تلک الکلیات إحدى معاییر الجودة. ـ عنایة الهیئات الإذاعیة بتقدیم عدد مکثَّف من البرامج الَّتی تُعنى بشؤون اللُّغة العربیَّة، والحرص على استعمال لغة فصیحة ترقى إلى مستوى رفیع فی کلّ الحصص الإذاعیة. ـ تنظیم مهنة المدقّق اللغوی وضبطها بقوانین خاصّة لتحقیق ذلک التنظیم، وحمایة المهنة من الدخلاء، وحفظ الحقوق للمشتغلین بها؛ تشجیعاً للمؤهَّلین وأصحاب السلیقة اللغویة العاملین فی المجال. ـ تفعیل التعاون بین أقسام اللُّغة العربیَّة فی الجامعات من ناحیة، وبین الجامعة والهیئات الرسمیة للدولة ووسائل الإعلام من ناحیة ثانیة. ـ تقدیم برامج للأطفال باللغة العربیة السلیمة باعتبار هذه الفئة من المجتمع هی الفئة الأکثر قابلیة للاستیعاب،وذلک بغیة إعداد جیل یحبّ لغته ویحسن استعمالها. ـ بذل أقصى جهد ممکن لضمان أن یتحدّث أهل الإعلام بالعربیة الفصحى،والاجتهاد فی مهمّة تجدیدها وربط مفرداتها بکلّ ما یطلّ برأسه من مستحدثات ومخترعات وابتکارات ومعارف جدیدة. ـ خضوع المرشّحین لوظیفة "إعلامی" إلى امتحانات تثبت مستواهم اللغوی وقدراتهم الشخصیة. ـ خضوع الإعلامیین إلى دورات تکوینیة یؤطّرها مختصّون لغویون. ـ إصدار معجم إعلامی شامل یضمّ الأعلام العربیة والأعجمیة، والألفاظ والعبارات التی یحتاج إلیها الإعلامی أکثر من غیرها. وکذلک الأخطاء التی تشیع بین الإعلامیین، مع بیان علّة الخطأ وصورة الصواب. ـ مراقبة الإعلانات مراقبة جادة، وعدم السماح بعرضها إلا إذا کانت بالعربیة الفصحى، ملتزمة بعدم الخروج عن دیننا، وقیمنا الروحیة والأخلاقیة. ـ تطویر البرامج الدینیة لتستوفی العناصر الجمالیة الفنیة فی الإخراج، ذلک لأنّ هذه الأخیرة تعدّ من البرامج الأکثر استقطاباً للمستمعین وبالتالی یقع على عاتقها المساهمة فی تحسین المستوى اللغوی لدى متتبّعیها. ـ إحیاء مجمع اللغة العربیة وتفعیله بحیث یصبح وسیلة لقیاس جودة الأداء الغوی فی وسائل الإعلام. ـ نشر أطروحات المجمع اللغوی على أوسع نطاق حتى لا تبقى حبیسة الکتب والمجلات المتخصصة التی لا یسمع بها إلا الأقلّیة. وعلى وسائل الإعلام أن تتلقف کلّ جدید یصدره المجمع من ألفاظ الحضارة، وتقدّمه للناس بصورة دائمة منتظمة. ولن تتحقّق هذه الخطوات الّتی من شأنها الحفاظ على اللغة العربیة والرقی بها إلاّ تضافرت الجهود، وتوفّرت الإرادة السیاسیة، وعمل أهل الحلّ والربط على تطبیقها فی أرض الواقع.
الخاتمة تنهض وسائل الإعلام العصریة بدور کبیر وخطیر فی لغتنا، وحیاتنا الثقافیة؛ إذ یمکنها ـ إن نحن أحسنّا استثمارها، وتوظیفها بشکل واع، ومدروس، وهادف ـ أن تحدث تغییراً إیجابیاً فی واقعنا اللغوی، کما یمکن لها أن تمثّل منبعاً ثرّاً لتنمیة الثروة اللغویة بین عامّة الشعب، وهی السبیل الأمثل لتوحید نطق المفردات، والتقریب بین اللهجات، وربّما إحلال الفصحى المبسّطة محلّ العامیة السائدة. ولن یتمّ ذلک إلا عن طریق: ـ ضبط النشاط الإعلامی بطریقة تمکّنه من خدمة اللغة العربیة و الارتقاء بها. ـ المتابعة المستمرة لأنشطة المجامع اللغویة ومراکز التعریب وتوظیف جدیدها إعلامیاً حتى تجد هذه المفاهیم طریقها للذیوع الجماهیری، و ابتکار مصطلحات عربیة تواکب التطور المعرفی والتقنی للحضارة المعاصرة. ـ خضوع الإعلامیین لدورات تکوینیة تعینهم على التحکّم فی قواعد اللغة العربیة، وبالتالی الحدّ من شوائب الخطأ اللغوی. ـ توحید المصطلحات الإعلامیة و إعادة الإنسجام للنسیج اللغوی، ذلک لأنّ الدفاع عن اللغة الوطنیة هو دفاع عن الوجود الحضاری المتمیّز للشخصیة الوطنیة. وأنّ سیادة أمّتنا من سیادة لغتنا الوطنیة، فلا أمّة من دون لغة وطنیة، ولا تاریخ ولا حضارة إلاّ من خلال هذه اللغة. ثمّ إنّ اللغة العربیة لا تقف عند حدّ القومیة بل هی لغة القرآن والدّین، وهی سجلّ ماضینا وحاضرنا ووعاء ثقافتنا. لذا على لغة الإذاعة، وهی اللغة المشترکة، أو اللغة العربیة الفصحى ـ بما تتسم به من سرعة، ومباشرة، ودافعیة ـ أن تعمل بالتدریج على تحقیق هذا الدور الکبیر والعظیم. BBB . المدرسة الأساسیة تهدف إلى إعادة تکوین الإنسان الجزائری وفق أسس تربطه بأصالته المتمثلة فی العروبة والإسلام.[1] [2]. الفرانکفونیون هم الجزائریون الذین تعلّموا فی المدارس الجزائریة باللغة الفرنسیة، وهم یستعملون اللغة الفرنسیة فی تعاملاتهم الرسمیة والاجتماعیة. [3]. هذه النسب تکاد تکون موحّدة عبر کافة المحطات الإذاعیة الجزائریة مع اختلاف طفیف أحیاناً فی المحطات المحلیة مراعاة لخصوصیات کلّ ولایة وممیّزاتها. | |||||||||||||||||||||||||
مراجع | |||||||||||||||||||||||||
المصادر والمراجع
اللقاءات الشخصیة:
| |||||||||||||||||||||||||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 3,262 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 844 |