تعداد نشریات | 43 |
تعداد شمارهها | 1,686 |
تعداد مقالات | 13,791 |
تعداد مشاهده مقاله | 32,392,200 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 12,793,861 |
سورة "نوح"؛ دراسة أسلوبية دلالية في مستوى الصوت والصرف | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بحوث في اللغة العربية | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مقاله 5، دوره 5، شماره 9، دی 2013، صفحه 51-68 اصل مقاله (600.85 K) | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نوع مقاله: المقالة البحثیة | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نویسندگان | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
دانش محمدي رکعتي* 1؛ عليرضا محمدرضايي2 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
1طالب الدکتوراه في اللغة العربية وآدابها بجامعة تربيت مدرس | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
2أستاذ مساعد في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة قم. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
چکیده | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
تعتبر الأسلوبية من المناهج النقدية الهامّة التي قام الکثير من الدراسات اللغوية للقرآن الکريم على أساسها. فالأسلوبيّة لا ترکز فقط على شکل اللفظة وإنّما على عمق دلالاتها متجاوزة مرحلة التبسيط إلى مرحلة أعمق عندما تتعامل مع لغة النصّ تعاملا فنّيّا، من خلال إبراز الظواهر اللغويّة المميّزة ومحاولة إيجاد صلة بينها وبين الدلالات التي عن طريقها يمکن الوصول إلى المعنى الغائب في النصّ. فهذه الدراسة بتمثّلها منهج الأسلوبيّة الإحصائيّة، تحاول إبراز الدلالات من خلال دراسة المستويات اللغوية في سورة "نوح". وقد وقفت الدراسة على مستوى الصوت والصرف من المنهج الأسلوبي في هذه السورة؛ فدرست في المستوى الصوتي دلالةَ صفات الأصوات من الجهر والهمس والشدّة والرخاوة، ودلالة تکرير الأصوات ودلالة المقاطع، وفي المستوى الصرفي دلالةَ التعريف والتنکير ودلالة الأسماء في بعض الصيغ الصرفية ودلالة الأفعال في صيغ الماضي والمضارع والأمر. وقد خرجت الدراسة بنتيجة موادّها أنّ معظم الأصوات في السورة من الأصوات المجهورة من حيث الجهر والهمس، ومن الأصوات الشديدة والمتوسطة من حيث الشدّة والرخاوة لتدلّ على سياق السورة الذي يقتضي الجهر والشدة للدعوة. وکان لتکرير بعض الأصوات دلالات ملائمة لسياق السورة. وقد جاءت المقاطع ملائمة لهذا السياق أيضا؛ فدلّت المقاطع المقفلة على سرعة الأحداث والمقاطع الطويلة على الإنذار والتهديد. أمّا في المستوى الصرفى فوظّفت الضمائر توظيفا دلاليا حيث دلّت في بداية السورة على تقريب نوح A قومَه من نفسه إثارةً لعواطفهم واستمالة لهم وفي نهاية السورة على تبعيد نوح A إياهم عن نفسه لرفضهم الدعوة. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
کلیدواژهها | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
سورة "نوح"؛ الأسلوبیة؛ الدلالة؛ المستوى الصوتی؛ الأصوات اللغویة؛ المستوى الصرفی | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
اصل مقاله | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
1ـ المقدمة الأسلوبیة من المناهج اللغویة الهامّة التی قام الکثیر من الدراسات اللغویة للقرآن الکریم على أساسها. فلغة القرآن لیست لغة أدبیة بحتة کما أنّها لیست لغة فلسفیة أو منطقیة أو علمیة بحتة فهی تجمع بین جمیع الأسالیب اللغویة, فلهذا یمکن القول بأنّ المنهج الأسلوبی من بین المناهج اللغویة الأخرى أفضل منهج لتحلیل هذا النصّ, لأنّ هذا المنهج منهج لغوی یستفید من الدراسات اللسانیة کما یفید من البلاغة القدیمة ویقترب من النقد الأدبی (عودة، 2006م, ص 27 ـ24). وللأسلوب فی الاصطلاح دلالات مختلفة یصعب تحدید دلالة واضحة أو محدّدة له؛ لأنّ دلالته تختلف من دارس إلى آخر، فمن الدارسین من یخصّ به أسلوب کاتب بعینه، ومنهم من یخصّ به طریقة التعبیر أو نمط الکتابة، إلى غیر ذلک من التعریفات التی تجعل حصر هذا المصطلح فی تعریف واحد أمرا صعبا، فالمعنى «المحسوس لکلمة أسلوب متشعّب، فمنه ما یفید فی اللغة والکتابة، وقد یعنی طریقة التعبیر عن الفکر باللغة إلى جانب دلالته على الطریقة الخاصّة فی الکتابة لکاتب من الکتّاب، وقد یعنی طریقة للتعبیر عند مجموعة من الأدباء، وقد یعنی الاختیار الجید، وقد یدلّ على أسلوب محادثة الآخرین وخطابهم، ولذلک من الصعوبة تحدید مفهوم الأسلوب وخصوصا عند الغرب، والسبب مساحة الدرس الأسلوبی واتساعه، فضلا عن تعریفات الأسلوب التی قد تصل فی مقدّمات بعض الکتب إلى ثلاثین تعریفا أو أکثر» (قضاة، 1998م, ص 247). فإذا کان علم النفس یدرس "ما" یقال فی اللغة فعلم الأسلوب یدرس "کیف" یقال فی اللغة (الراجحی، 2011م, ص 117). فالأسلوبیّة لا ترکز ـ فقط ـ على شکل اللفظة وإنّما على عمق دلالاتها متجاوزة مرحلة التبسیط «إلى مرحلة أعمق عندما تتعامل مع لغة النصّ تعاملا فنّیّا، من خلال إبراز الظواهر اللغویّة الممیّزة ومحاولة إیجاد صلة بینها وبین الدلالات التی عن طریقها یمکن الوصول إلى المعنى الغائب فی النصّ، و بذلک تتشکل القیمة للغة التی تشکل منها النصّ، ثم انتظام هذه الکلمات فی جمل وانتظام الجمل فی فقرات وتضافر هذه الأنساق مع المعنى» (عودة، 2003م, ص 52 ـ51), ولهذا یمکن القول بأنّ من وظائف الأسلوبیة کشف الدلالات لمستویات اللغة عن طریق فک الرموز والعلامات اللغویّة. فهذه الدراسة تنهض باستجلاء الأسلوبیة و إبراز الدلالات من خلال دراسة المستویات اللغویة فی سورة "نوح". وهذه السورة من السور المکیة ولها 28 آیة وتصوَّر فیها قصّة بعض حالات نوح A التی تتعلّق بمسألة دعوته قومَه (مکارم شیرازى، 1374، ج25, ص 57). وهناک دراسات عدة حول الأسلوبیة فی القرآن الکریم منها: دراسة مجدی عایش عودة أبولحیة (2009) المعنونة بـ«النظم القرآنی فی سورة هود دراسة أسلوبیة»؛ دراسة نادیة رمضان النجار (2007م) تحت عنوان: «الدلالة الصوتیة والصرفیة فی سورة "یوسف" فی ضوء الدراسات اللغویة الحدیثة ومناهجها»؛ دراسة عمر عبد الهادی عتیق ( 2009م) تحت عنوان: «الأسلوبیة الصوتیة فی الفواصل القرآنیة»؛ دراسة نصر الله شاملی وسمیة حسینعلیان (1432) المعنونة ﺑ«دراسة أسلوبیة فی سورة"ص"»؛ دراسة فیصل حسین طحیمیر المعنونة ﺑ«التکرار فی الفاصلة القرآنیة: الجزء الأخیر من القرآن الکریم نموذجا دراسة أسلوبیة»؛ فکل هذه الدراسات حاولت الکشف عن السمات الأسلوبیة لبعض سور القرآن الکریم ویبدو أنّ هناک دراسة واحدة فقط درست بعض الجوانب من سورة "نوح" وهی دراسة یوسف عمر العساکر (2004م) المعنونة ﺑ«الجدل فی القرآن خصائصه ودلالاته», فدرس الکاتب آیات کلّ السور التی جاءت فی سیاق الجدل وکان لبعض آیات سورة "نوح" سیاقٌ جدلی وقد درسها الکاتب أسلوبیا بید أنّ هذه الدراسة لم تتسع إلا لبضعة آیات من هذه السورة وذلک بصورة موجزة جدّا. أما هذه الدراسة فتحاول تحلیل جمیع آیات هذه السورة فی مستوى الصوت والصرف فتسعى من خلال دراسة المستویات اللغویة لنصّ السورة، الکشفَ عن بعض الدلالات الکامنة وراء الظواهر اللغویة. تتمثّل الدراسة منهج الأسلوبیة الإحصائیة التی ترجّح الکمّ والقیم العددیة على الحدس، فالأسلوبیّة الإحصائیة «تعملعلىتخلیصظاهرةالأسلوبمنالحدسالخالص لتوکلأمرهاإلى حدسمنهجیموجه» (بلیش،1999م, ص 59). والمستویات اللغویة التی تدرس فی المنهج الأسلوبی أربعة ( الدایة، 1996 م, ص402), أو ستّة (عوش حیدر، 1419هـ, ص 30, ومختار عمر،1997 م, ص 221)، وهی المستوى الصوتی والمستوى الصرفی والمستوى النحوی والمستوى المعجمی والمستوى الترکیبیّ والمستوى السیاقی، وقد جاء ترکیز هذه الدراسة فی هذا المنهج على المستویین: 1. المستوى الصوتی أو الدلالة الصوتیة: دُرست فی هذا المستوى دلالة صفات الأصوات (الجهر والهمس والشدّة والرخاوة)، ودلالة تکرار الأصوات ودلالة المقاطع الصوتیّة. 2. المستوى الصرفی أو الدلالة الصرفیة: دُرست فی هذا المستوى، دلالات المعارف والنکرات وبنیة بعض الأسماء والأفعال الماضیة والمضارعة وأفعال الأمر. ولا شک أنّ الدراسة الأسلوبیة تتسع للمستویات والأقسام الأخرى بید أنّ الترکیز على هذین المستویین وعلى بعض الجوانب الخاصّة فیهما، لا یعنی إغفال المستویات والجوانب الأخرى بل یعنی أنّ کلّ نصّ لغوی تتقوّى فیه بعض الجوانب وتضعف فیه جوانب أخرى وهذا راجع إلى طبیعة النصّ اللغوی وما یتوخّاه المبدع، أکثر منه إلى قوّة النصّ وضعفه. هذا وأنّ دراسة جمیع المستویات الأسلوبیة لهذه السورة تقتضی رسالة أو بحثا طویلا. 2ـ الأدب النظریّ للبحث 2ـ1ـ المستوى الصوتی المستوى الصوتی أو ما یسمّى بالصور الفونولوجیّة ( أو المیتا أصوات) تضمّ صورا صوتیة وصورا نغمیّة، وذلک حسب توزیع الفونیمات إلى وحدات تقطیعیّة (مصوّتات وصوامت)، وفوق تقطیعیّة أو نغمیّة (مثل النبر والوقف والتنغیم) (بلیت، 1999م, ص 66). فالدلالة الصوتیّة التی تُدرس فی المستوى الصوتی، هی الدلالة التی تستنبط من الأصوات التی تألّفت منها الکلمة وتختلف دلالة الکلمات بحسب طبیعة هذه الأصوات، فتدلّ شدّة الصوت وجهره على معنى قوی، کما تدلّ رخاوة الصوت وهمسه على معنى فیه لین ویسر. والدلالة الصوتیة تشتمل على دلالة الصوت، دلالة النبر، دلالة المقاطع ودلالة التنغیم (عوض حیدر، 1999م, ص30). فالأصوات من حیث صفات النطق تنقسم إلى أنواع عدیدة أشهرها: الجهر والهمس، والشدّة والرخاوة. 2ـ 1 ـ 1ـ جهر الأصوت وهمسها یعرف العرب القدامى الصوت المجهور ﺑ«أنّه حرف أشبع الاعتماد من وضعه، ومنع النفس أن یجری معه حتّى ینقضی الاعتماد، ویجری الصوت» (أنیس،د.ت, ص 23), ویفسّر اللغویون المحدثون معنى إشباع الاعتماد على الحرف «بانقباض فتحة المزمار الذی یؤدّی إلى اقتراب الوترین الصوتیین أحدهما من الآخر، فتضیق فتحة المزمار، غیر أنّها تسمح بمرور النفس خلالها، فإذا اندفع الهواء خلال الوترین فی هذا الوضع یهتزّان اهتزازا منتظما، ویحدثان صوتا موسیقیّا تختلف درجته حسب عدد هذه الهزّات أو الذبذبات فی الثانیة، کما تختلف شدّته وغلوّه حسب سعة الاهتزازة الواحدة، وعلماء الأصوات اللغویّة یسمّون هذه العملیّة بجهر الصوت، والأصوات المجهورة هی: ب ج د ذ ر ز ض ظ ع غ ل م ن یضاف إلیها کلّ أصوات اللین بما فیها الواو والیاء» (المصدر نفسه). ومن خصائص الأصوات المجهورة أنّها هی الغالبیة فی الأصوات اللغویّة، و فی کلّ کلام، کی لا تفقد اللغة عنصرها الموسیقیّ ورنینها الخاصّ، والدلیل على ذلک أنّ نسبة شیوع الأصوات المجهورة فی کلّ کلام خمسة وسبعین مقابل خمسة وعشرین بالمئة نسبة شیوع الأصوات المهموسة (المصدر نفسه، ص 23). أمّا صفة الهمس فعبّر اللغویّون القدامى عنها ﺑ«الصوت الذی یخرج معه نفس ولیس من صوت الصدر، وإنّما یخرج منسلا»، ومعنى قولهم لیس من صوت الصدر عدم ذبذبة الأوتار الصوتیّة عند النطق بالصوت المهموس، أمّا معنى کونه یخرج منسلا فیعنی أنّ الهواء الذی یندفع إلى الحنجرة یکون حرّا طلیقا دون أن یعترض طریقه اقتراب الوترین الصوتیین عن بعضیهما البعض بل یکونان منفرجین حالة النطق بالصوت المهموس ( بشر،1973م, ص 109). والأصوات المهموسة کما حدّدها اللغوییون القدامى هی:ت ث ح خ س ش ص ط ف ق ک ه ( المصدر نفسه، ص 68). 2ـ 1ـ 2ـ شدّة الأصوات ورخاوتها من الصفات الأخرى للأصوات الشدّةُ والرخاوة وما یتوسّط بینهما والذی یسمّى بالصفة المتوسطة. والأصوات الشدیدة تقابل الأصوات الانفجاریّة أو الوقفات عند الغربیین، وتکون هذه الأصوات «بأن یحبس مجرى الهواء الخارج من الرئتین حبسا تاما فی موضع من المواضع، وینتج عن هذا الحبس أو الوقف أن یضغط الهواء، ثمّ یلق سراح المجری الهوائی فجأة فیندفع الهواء محدثا صوتا انفجاریّا» (السعران، د.ت, ص 153). والأصوات الشدیدة هی: همزه ب ت د ط ض ک ق والجیم القاهریة (المصدر نفسه). أمّا الأصوات الرخوة فهی التی: لا ینحبس الهواء عند النطق بها انحباسا تامّا محکما وإنّما یکتفی بأن یکون مجراه عند الخروج ضیّقا جدّا، یترتّب على ضیق المجرى أنّ النفس أثناء مروره بمخرج الصوت یحدث نوعا من الصفیر أو الحفیف تختلف نسبته تبعا لنسبة ضیق المجری ... وهذه الأصوات یسمّیها المحدثون بالأصوات الاحتکاکیّة وعلى قدر نسبة الصفیر فی الصوت تتکوّن رخاوته، ولهذا فأکثر الأصوات رخاوة تلک التی سمّاها القدامى بأصوات الصفیر وهی المرتبة حسب نسبة رخاوتها: س ز ث ص ش ذ ث ظ ف ه ح خ غ (أنیس، د.ت, ص 24). 2ـ 1ـ 3ـ المقاطع الصوتیة عرف اللغویون المقطع (syllable) تعریفات متعدّدة نأخذ منها قولهم بأنّه «صوت مدّ مکتنف بصامت أو أکثر» (47). و نستطیع أن نقدّم تعریفا أدقّ للمقطع بأنّه: «مدّة الأداء المحصورة بین عملیتین من عملیات إغلاق جهاز النطق إغلاقا کاملا أو جزئیا، وبهذا یکون المقطع أصغر وحدة نطقیة» (المطلبی، 1984م, ص 47), فللمقاطع تقسیمات مختلفة, فمن حیث الصوت الأخیر تنقسم إلى: 1. المقطع المغلق (closed) أو المقفل: هو المقطع الذی ینتهی بصامت, مثل: لن، ال، دد؛ 2. المقطع المفتوح ((opend: هو المقطع الذی ینتهی دائما بصوت مد طویل أو قصیر (المطلبی، 1984م, ص 47 ـ 48), مثل: لا، را، ما، نا، دُ، رُ، فُ. وتختلف المقاطع أیضا بدرجة الطول فهناک: 1. مقطع قصیر: مکوّن من صامت وصوت مد قصیر من نحو «لَ»؛ 2. مقطع طویل: مکوّن من صامت وصوت مدّ طویل من نحو «لا» أو من صامت وصوت مدّ قصیر وصامت من نحو «لن». وثمّة نوع ثالث من المقاطع، قلیل الاستعمال، هو المقطع المدید، ویتألّف من صامت وصوت مدّ طویل وصامت من نحو «لان» أو من صامت وصوت مد ثم صامتین من نحو «بحر» (المصدر نفسه, ص 48). ولمّا کانت الکلمات تتکوّن من مقاطع متتابعة، ولکلّ مقطع سماته الصوتیّة الممیّزة فإنّ ترتیب هذه المقاطع فی الکلمات وتوالیها على نسق معیّن، ذو أثر کبیر فی إحداث أنواع الموسیقى الداخلیة المنبعثة من إیقاع المقاطع ونغمها ویزداد التعبیر قدرة على التأثیر عندما تتناسب نغمات المقاطع وإیقاعاتها مع الأفکار التی تعبر عنها و تصوّرها (أحمد نخلة، 1981م, ص 357). فیرجع تعدّد هذه المقاطع واختلافها إلى تعدّد السیاقات والمقامات المختلفة, ویرى الدکتور أحمد أبو زید فی دراسته التناسب البیانی فی القرآن «أن استخدام القرآن للمقاطع المقفلة التی تنتهی بالسکون الحی الجازم فی مقامات الجدّ والصرامة والحسم، وفی تصویر الانفعالات الحادّة والحرکات العنیفة وسرعة الأحداث. أما المقاطع الممدودة فإنّها تعبّر عن معانی کثیرة وتصویر مشاهد مختلفة کالتذکیر والتقریع والتهدید، وکمواقف الندم والحسرة ومواقف الدعوة إلى الخیر وکوصف النعمة السابقة وکالابتهالات» (أبوزید، 1992م, ص 321).
2ـ 2ـ المستوى الصرفی أو الدلالة الصرفیة معنى الدلالة الصرفیّة هو ما یمکن أن نستخرج من الصیغة الصرفیّة من معان ودلالات زیادةً على ما تدلّ علیه حروف الأصول من دلالة معجمیّة, فمثلا لا یکفی لبیان معنى «استغفر» المعنى المعجمی المرتبط بمادّتها اللغویّة (غ فر), بل لا بدّ أن یضمّ إلى ذلک معنى الصیغة، وهی هنا وزن «استفعل»، والألف والسین والتاء التی تدلّ على الطلب. والصیغ الصرفیة لها دلالات خاصّة استعملها العرب فی کلامهم لتدلّ على وظائف معیّنة، فجعلوا للفاعلیّة والمفعولیّة والمکان والزمان والسببیّة والحرفة والأصوات والآلة والتفضیل والحدث ولمعان أخرى کثیرةٍ، صیغا خاصة وقوالب بحیث إذا بنیت أی مادّة من مواد الألفاظ على تلک الهیئة وصیغت فی ذلک القالب أدّت ذلک المعنى متّصلا بتلک المادة (حسان،1998م, ص 278). ویُعنى بالمستوى الصرفی تلک الدراسة التی تعرض لدراسة الکلمات وصورها لا لذاتها، وإنّما لغرض معنوی، أو للحصول على قیم صرفیّة تفید فی خدمة الجمل والعبارات،ومن أهمّ أبواب الصرف هنا المشتقّات وتقسیم الفعل إلى أزمنته المختلفة والتعریف والتنکیر وأقسامها (بشر، 1969م, ص 111 ـ110) .
3ـ تحلیل مواد الدراسة 3ـ 1ـ المستوى الصوتی ودلالته فی السورة بما أنّ دلالة النبر والتنغیم تحتاج إلى دراسة مستقلّة فاکتفینا بدراسة الصوت من حیث صفات الجهر والهمس والشدّة والرخاوة والمقاطع فی هذه السورة من بین الدلالات التی تتعلّق بالأصوات. 3ـ 1ـ 1ـ دلالة الأصوات المجهورة والأصوات المهموسة لقد تمّ إحصاء الأصوات المجهورة والمهموسة فی السورة. والجدول التالی یثبت نسبة تواتر الأصوات فی صفتی الهمس والجهر:
الجدول (1): عدد تواتر الأصوات المجهورة و المهموسة و النسبة المئویّة لتواترهما
جاء مجموع الأصوات (1131) صوتا حیث تواترت الأصوات المجهورة أکثر من الأصوات المهموسة، فعدد الأصوات المجهورة (975) صوتا أمّا الأصوات المهموسة فعددها (156) صوتا فالنسبة المئویة للأصوات المجهورة (21/86) والنسبة المئویة للأصوات المهموسة (79/13). فنسبة الأصوات المهموسة فی الکلام العادی (20/0) مقابل (80/0) من الأصوات المجهورة (أنیس، د.ت, ص 21), فی حین أنّ نسبة الأصوات المهموسة فی هذه السورة أقلّ من نسبتها فی الکلام العادی وهذا راجع إلى سیاق سورة "نوح" حیث یقتضی استعمال الأصوات المجهورة بکثرة لأنّ نوح A من جانب أُمر لدعوة قومه إلى الهدایة فیحتاج فی دعوته هذه إلى الجهر بما یدّعیه وهذا یقتضی استعمال الأصوات المجهورة ومن جانب آخر کان نوح A مصرّا فی دعوته فسیاق الآیات فی کلّ الجوانب یدلّ على هذا الإصرار ممّا أدّى إلى هذا التوظیف الکثیر للأصوات المجهورة أیضا. 3ـ 1ـ 2ـ دلالة الأصوات الشدیدة و الأصوات الرخوة مجموع الأصوات هنا (822) صوتا دون حروف اللین (الألف والواو والیاء), لأنّ هذه الحروف لا تدخل فی تقسیمات الأصوات الشدیدة والرخوة. فعدد تواتر الأصوات الشدیدة فی السورة (359) ونسبتها المئویة (67/43) وعدد تواتر الأصوات الرخوة (150) ونسبتها المئویة (24/18) وعدد تواتر الأصوات المتوسطة (313) ونسبتها المئویة (09/38). فکثرة الأصوات الشدیدة تدلّ أیضا على ما دلّت علیه کثرة الأصوات المجهورة من الجهر بالدعوة وإصرار نوح A على هذه الدعوة. فدعوة نوح A کما کانت تحتاج إلى نوع من الجهر تحتاج أیضا إلى نوع من الحدّة والشدّة فی الکلام لهدایة قومه. الجدول(2): عدد تواتر الأصوات الشدیدة والرخوة والمتوسطة فی السورة
3ـ 2ـ 3ـ تکریر الأصوات ودلالتها یُدرس هنا تکریر الأصوات التی جاءت أکثرَ تواترا فی السورة وکذلک بعض الأصوات التی وإن لم تکرّرت بکثرة فی کلّ السورة لکنّها تواترت فی بعض الآیات والجملات تواترا ملحوظا. تکریر الصوائت والأصوات الساکنة على العموم أقلّ وضوحا فی السمع من أصوات اللین (المصدر نفسه, و المطلبی، 1984م, ص 45). لقد تکرّرت ألف المدّ (83) ویاء المدّ وغیر المد (39) وواو المد وغیر المد (83) مرّة فی السورة. فتواتر مجموعها (205) مرة وبنسبة (12/18) من مجموع أصوات السورة (1131). فهذا التکرار فی عمومیته یلائم وجوّ السورة العامّ حیث کانت السورة تدور حول دعوة نوح A قومه إلى الله $ والتی کما أسلفنا فی الأصوات المجهورة تحتاج إلى الوضوح والبروز. أما غیر هذا التکرار العام لهذه الحروف، فقد تُوجد دلالةٌ خاصّة لتواتر بعض الحروف فی بعض الآیات مثلما نرى فی تواتر «الواو» فی آیة 23 حیث یقول سبحانه تعالى على لسان نوح A:«وَ قَالُواْ لَا تَذَرُنَّ ءَالِهَتَکمُْ وَ لَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَ لَا سُوَاعًا وَ لَا یَغُوثَ وَ یَعُوقَ وَ نَسْرًاª (نوح 71: 23). فالضمة و«الواو» أثقل الصوائت، حیث یحتاج الإنسان لتلفظهما ولا سیّما «الواو» إلى جمع شفتیه إلى الأمام ممّا یودّی إلى صعوبة فی التلفّظ بالنسبة إلى بقیة الحروف. فتکررت «الواو» فی هذه الآیة (11) مرّة وذلک حینما ذکرت أسماء آلهة قوم نوح A الذین رفضوا دعوته فلعلّ ثقل تلفّظ «الواو» فی الآیة ولاسیّما فی أسماء الآلهة (ودّ و سُواع ویغُوث ویعوق) یرید أن یصوّر تصویر هذه الآلهة تصویرا ثقیلا وقبیحا فی ذهن القارئ. وکذلک تکررت «الواو» ( 9) مرّات فی آیة 7 حیث یقول سبحانه تعالى على لسان نوح A أیضا:«وَإِنِّی کُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُواْ أَصَابِعَهُمْ فىِ ءَاذَانهِمْ وَاسْتَغْشَوْاْ ثِیَابهَمْ وَأَصَرُّواْ وَاسْتَکْبرَواْ اسْتِکْبَارًاª (نوح 71: 7). فلعلّ تکریر «الواو» فی هذه الآیة أیضا یرید أن یجعل بثقل تلفّظها، تصویرا ثقیلا وقبیحا من حالة قوم نوح A فی رفضهم الدعوة وجعل أصابعهم فی الآذان وإصرارهم على استکبارهم. تکریر اللام والنون والمیم لقد تواترت «اللام» (110) مرّة بنسبة (75/9) و»المیم» (80) مرّة بنسبة (07/7) و«النون» (61) مرّة بنسبة (3/5) فی السورة. فتواترت هذه الحروف فی المجموع (251) مرّة وبنسبة (19/22) من مجموع أصوات السورة (1131). و«اللام» و»المیم» و«النون» أکثر الأصوات الساکنة وضوحا وأقربها إلى طبیعة أصوات اللین. ولذا یمیل بعضهم إلى تسمیتها «أشباه أصوات اللین» (أنیس، د.ت, 28), فکثرة تواتر هذه الحروف أیضا تناسب وجوَّ السورة العام الذی یقتضی الوضوح والإعلان. هذا وأنّ تکرار «اللام» فی بعض الآیات له دلالة خاصّة تناسب جوّ الآیات. فاللام نوعان مرقّقة ومغلّظة. على أنّ الأصل فی «اللام» العربیّة الترقیقُ ولا یجوز الرجوع عن هذا الأصل عند جمهور القرّاء إلا بشرطین: 1. أن یجاور «اللام» أحد أصوات الاستعلاء «الخاء ـ الصاد ـ الضاد ـ الطاء ـ الظاء ـ الغین ـ القاف ولا سیّما الصاد والطاء والظاء» ساکنا أو مفتوحا. 2. أن تکون «اللام» نفسها مفتوحة (المصدر نفسه, ص 55), مثل «اللام» فی کلمة «الله». أکثر اللامات فی سورة "نوح" من النوع المغلّظ حیث المقام مقام التفخیم والوعد. فإنذار نوح A قومَه ثمّ شکایته عند الله $ من قومه بأنّهم رفضوا دعوته واستکبروا استکبارا، ثم دعائه A لإنزال العذاب علیهم کلّه یحتاج إلى التغلیظ ولهذا استعملت «اللام» الغلیظة، فی حین أنّ الآیة (28) التی یطلب فیها النوح A غفران الله تعالى له ولوالدیه وللمؤمنیین والمؤمنات، تُرقّق «اللام» فیها فنرى أنّ أکثر اللامات فی هذه الآیة من النوع المرقّق: «رَّبِّ اغْفِرْ لىِ وَ لِوَالِدَىَّ وَ لِمَن دَخَلَ بَیْتىَِ مُؤْمِنًا وَ لِلْمُؤْمِنِینَ وَ الْمُؤْمِنَاتِ وَ لَا تَزِدِ الظَّالِمِینَ إِلَّا تَبَارَاª (نوح 71: ص 28).
تکریر «الراء» و«الراء» کـ«اللام» فی أنّها من الأصوات المتوسطة بین الشدّة والرخاوة وأنّ کلا منهما مجهور ( عباس، 1998م, ص 86). یسمّى هذا الصوت بالصوت المکرّر لتکرر طرق اللسان للحنک عن النطق بها (أنیس، د.ت, ص 57). تکرار «الراء» وتعدّد ورودها فی الأسماء والأفعال یدلّ على شدّة تمسّک نوح بدعوته وإلحاحه فی دعوته لقومه وإمحاض النصح لهم والإشفاق علیهم، فتعدّد تکرار «الراء» فی آیات (9 ـ 12) یدلّ دلالة واضحة على إصرار النوح A على دعوة قومه إلى سبیل الهدایة (عمر العساکر، 2004م, ص 167)؛ «ثُمَّ إِنىِّ أَعْلَنتُ لهَمْ وَ أَسْرَرْتُ لهَمْ إِسْرَارًا فقُلْتُ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّکُمْ إِنَّهُ کاَنَ غَفَّارًا یُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَیْکمُ مِّدْرَارًا و یُمْدِدْکمُ بِأَمْوَالٍ وَ بَنِینَ وَ یجَعَل لَّکمُْ جَنَّاتٍ وَ یجَعَل لَّکمُْ أَنهْارًاª (نوح 71: 12). فتکرار «الراء» فی «أسررت لهم إسرارا» یدلّ على تأکید هذا الإسرار، وتواتر «الراء» فی «یرسل السماء علیکم مدرارا» یدلّ على استمرار نزول الغیث علیهم. کما أنّ تکرار «الراء» فی آیة «وَ مَکَرُواْ مَکْرًا کُبَّارًاª (نوح 71: 23), یدلّ على إصرار قوم نوح A على مکرهم واستمرارهم فی هذا المکر حتّى أدّى إلى أن یترکهم نوح A فی طغیانهم ویدعو سبحانه تعالى بأن ینزل بعذابه علیهم وقد أصرّ نوح A على دعوتهم إلى الله $ وإذا لم یر قبولا لدعوته أصرّ على إنزال العقوبة لهم بقوله الذی تکرّرت فیه «الراء»، والذی یدلّ على هذا الإصرار (المصدر نفسه، ص167), «وَ قَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلىَ الْأَرْضِ مِنَ الْکَافِرِینَ دَیَّارًا، إنَّکَ إِن تَذَرْهُمْ یُضِلُّواْ عِبَادَکَ وَ لَا یَلِدُواْ إِلَّا فَاجِرًا کَفَّارًاª (نوح 71: 27). هذا وأنّ «الراء» تواترت فی فواصل (19) آیة من (27) آیة فی السورة: «نَهَارًا، فِرَارًا، اسْتِکْبَارًا، جِهَارًا، إِسْرَارًا، غَفَّارًا، مِّدْرَارًا، أَنهْارًا، وَقَارًا، أَطْوَارًا، سِرَاجًا، إِخْرَاجًا، خَسَارًا، کبَّارًا، نَسْرًا، أَنصَارًا، دَیَّارًا، کفَّارًا، تَبَارَا» فهذه الألفاظ بتکرار «الراء» فیها، تدلّ على استمراریة عدّة محاور فی السورة: محور استمراریة دعوة نوح A قومَه فی ألفاظ: «نهارا، جهارا، إسرارا». محور استمراریة غفران الله تعالى واستمراریة نعمه وفضله فی ألفاظ: «غفّارا، مدرارا، أنهارا، وقارا، أطوارا، سراجا،إخراجا». محور استمراریة العذاب النازل بقوم نوح A بعد رفضهم الدعوة فی ألفاظ: «خَسارا، کبّارا، نَسرا، أنصارا، دَیّارا، کفّارا، تَبارا».
3ـ 2 ـ 4ـ المقاطع و دلالتها تمّ إحصاء عدد المقاطع وأنواعها فی سورة "نوح" فکان مجموع المقاطع (541) مقطعا, منها (218) مقطعا مفتوحا قصیرا و(190) مقطعا مقفلا و(133) مقاطع مفتوحة طویلة.
الجدول(3): عدد تواتر المقاطع فی السورة
وقد أُسلِف فی الأدب النظری للبحث بأنّ «استخدام القرآن للمقاطع المقفلة التی تنتهی بالسکون الحی الجازم فی مقامات الجدّ والصرامة والحسم، وفی تصویر الانفعالات الحادّة والحرکات العنیفة وسرعة الأحداث. أما المقاطع الممدودة فإنّها تعبّر عن معانی کثیرة وتصویر مشاهد مختلفة کالتذکیر والتقریع والتهدید، وکمواقف الندم والحسرة ومواقف الدعوة إلى الخیر وکوصف النعمة السابقة وکالابتهالات» (أبوزید،1992م, ص 321). فنرى أنّ المقاطع المفتوحة القصیرة أکثر من المقاطع المقفلة بید أنّ المقاطع المقفلة فی بعض الآیات تساوی عدد مجموع المقاطع المفتوحة (طویلة و قصیرة) دلالة على سرعة الأحداث وکذلک نلاحظ أنّ المقاطع الطویلة فی المجموع أقلّ من المقاطع المقفلة بید أنّها تزید على المقاطع المقفلة فی بعض الآیات دلالة على التهدید والتقریع والإنذار. دلالة المقاطع على سرعة الأحداث المقاطع المقفلة فی السورة أقلّ من المقاطع المقاطع المفتوحة بید أنّها تساوی المقاطع المفتوحة تقریبا فی الآیات (11ـ 12) حیث یقول الله تعالى على لسان نوح A مخاطبا قومه:«یُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَیْکمُ مِّدْرَارًا & وَ یُمْدِدْکمُ بِأَمْوَالٍ وَ بَنِینَ وَ یجَعَل لَّکمُْ جَنَّاتٍ وَ یجَعَل لَّکمُْ أَنهْارًاª (نوح 71: 11 ـ 12). فهذه الآیات تتکوّن من (40) مقطعا منها (19) مقطعا مقفلا و(21) مقطعا مفتوحا. فهاتان الآیاتان جاءتا جوابین لفعل الأمر فی الآیة السابقة حیث یقول الله $ على لسان نوح A: «اسْتَغْفِرُواْ رَبَّکُمْ إِنَّهُ کاَنَ غَفَّارًا»ª. فنوح A یخاطب قومه ویدعوهم للاستغفار حتى یعطیهم الله تعالى بنعمه من الغیث والأموال والبنین والجنّات والأنهار. فالنسبة العالیة للمقاطع المقفلة فی هاتین الآیتین والتی لا تُشاهد فی الآیات الأخرى قد تدلّ على سرعة استجابة الله # لاستغفارهم ولإرسال شتّى النعم لهم نتیجة لهذا الاستغفار. وقد لا تساوی أو لا تزید المقاطع المقفلة على المقاطع المفتوحة فی مجموعها (القصیرة والطویلة) بید أنّ المقاطع المقفلة غلبت فی مجموع الآیات على المقاطع المفتوحة الطویلة وذلک أیضا للدلالة على سرعة الأحداث. فی الآیة (1) تغلب المقاطع المقفلة (13) على المقاطع الطویلة (4): «إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلىَ قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَکَ مِن قَبْلِ أَن یَأْتِیَهُمْ عَذَابٌ أَلِیمٌª (نوح 71: 1). فالمقاطع المقفلة تدلّ هنا على تعجیل الله $ فی إرسال نوح A إلى قومه وطلبه منه لکی یدعوهم إلى الهدایة بسرعة قبل أن ینزل بهم العذاب لأنّ قوم نوح A کانوا مشرکین بالله تعالى وکانوا على عرضة نزول العذاب بهم کما قال بعض المفسّرین (طباطبائی،1374، ج20, ص 39), و لهذا کان على نوح A أن یأتیهم على عجل لکی ینذرهم من العذاب الذی کان على وشک النزول بهم. وکذلک فی الآیة (5) التی جاءت جوابا لفعل الأمر (اعبُدوا) فی الآیة (4)، نرى أنّ المقاطع المقفلة تزید المقاطع الطویلة: «یَغْفِرْ لَکمُ مِّن ذُنُوبِکمُْ وَ یُؤَخِّرْکُمْ إِلىَ أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا یُؤَخَّرُ لَوْ کُنتُمْ تَعْلَمُونَª (نوح 71: 5). فی الآیة (16) مقطعا مقفلا و(6) مقاطع مفتوحة طویلة وهذه الزیادة قد تدلّ على سرعة استجابة الله تعالى لعبادة قوم نوح ولمغفرته لهم من ذنوبهم. وکذلک فی الآیات (10-5) تغلب المقاطع المقفلة على المقاطع الطویلة: «قَالَ رَبِّ إنّی دَعَوْتُ قَوْمِى لَیْلًا وَ نَهَارًا & فَلَمْ یَزِدْهُمْ دُعَاءِى إِلَّا فِرَارًا & وَ إِنىِّ کُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُواْ أَصَابِعَهُمْ فىِ ءَاذَانهِمْ وَ اسْتَغْشَوْاْ ثِیَابهَمْ وَ أَصَرُّواْ وَ اسْتَکْبرَواْ اسْتِکْبَارًا & ثمَّ إِنىِّ دَعَوْتهُمْ جِهَارًا & ثُمَّ إِنىِّ أَعْلَنتُ لهَمْ وَ أَسْرَرْتُ لهَمْ إِسْرَارًا & فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّکُمْ إِنَّهُ کاَنَ غَفَّارًاª (نوح 71: 5 ـ 10). ففی هذه الآیات (47) مقطعا مقفلا و(26) مقطعا مفتوحا طویلا وذلک لأنّ المقام هنا مقام تقریر نوح A عن قیامه بهدایة قومه فاستعمال المقاطع المقفلة تدلّ على سرعة امتثال نوح A لأمر الله $ فی دعوة قومه وذلک بجانب تأکیده وإصراره على هذه الدعوة التی کما أسلفنا تبرز من خلال تکرار «الراء» فی هذه الآیات وکذلک تکرار أسلوب «ثمّ إنّنی» الذی یدلّ على عکوف نوح A على هذه الدعوة وقیامه بها لعدة مرّات وبشتّى الأسالیب. وکذلک فی آیات (13 ـ 20) نرى زیادة المقاطع المقفلة على المقاطع المفتوحة الطویلة حیث یخاطب نوح A قومه: «مَّا لَکمُْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا & وَ قَدْ خَلَقَکمُْ أَطْوَارًا & أَ لَمْ تَرَوْاْ کَیْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا & وَ جَعَلَ الْقَمَرَ فِیهِنَّ نُورًا وَ جَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا & وَ اللَّهُ أَنبَتَکمُ مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا & ثمَُّ یُعِیدُکمُْ فِیهَا وَ یخُرِجُکُمْ إِخْرَاجًا & وَ اللَّهُ جَعَلَ لَکمُُ الْأَرْضَ بِسَاطًا & لِّتَسْلُکُواْ مِنهْا سُبُلًا فِجَاجًاª (نوح 71: 13 ـ 20). فتغلب المقاطع المقفلة (31) مقطعا على المقاطع المفتوحة الطویلة (19) مقطعا. وقد یرجع السبب إلى أنّ المقاطع المقفلة هنا تدلّ على سرعة الله تعالى فی خلق هذه النعم وکأنّها تمثّل هذه الآیة الکریمة: «بدیع السماوات و الأرض و إذا قضى أمرا فإنّما یقول له کن فَیَکونُª (البقرة 2: 117). دلالة المقاطع على التقریع والتهدید والإنذار قد أسلفنا بأنّ نسبة تواتر المقاطع المقفلة (190) تزید على المقاطع الطویلة (133) إلا أنّ المقاطع الطویلة فی بعض الآیات تساوی المقاطع المقفلة أو تزید علیها دلالة على التذکیر والتقریع والإنذار والتهدید. ففی الآیتین(3و4) نرى أنّ المقاطع المفتوحة الطویلة التی قلّ عددها من المقاطع المقفلة فی مجموع السورة، تزید المقاطع المقفلة فی هاتین الآیتین حیث یقول الله تعالى على لسان نوح A مخاطبا قومه:«قَالَ یَاقَوْمِ إِنىِّ لَکمُْ نَذِیرٌ مُّبِینٌ & أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَ اتَّقُوهُ وَ أَطِیعُونِª (نوح 71: 3 ـ 4) فهناک 8 مقاطع مقفلة فی الآیتین (قَو ـ إن ـ کم ـ رُن ـ نُن ـ نِع ـ دُل ـ وَت) مقابل (9) مقاطع مفتوحة طویلة (قا ـ یا ـ نی ـ ذی ـ بی ـ لا ـ قُو ـ طی ـ عو)، وذلک لأنّ المقام هنا مقام إنذار نوح A قومَه وتخویفه إیّاهم. فالسیاق هذا بحاجة إلى المقاطع الطویلة التی تستعمل غالبا للإنذار والتقریع أکثر من المقاطع المقفلة. وفی الآیة (23) تزید المقاطع الطویلة على المقاطع المقفلة أیضا حیث یقول الله تعالى على لسان قوم نوح A الکافرین فی مخاطبة بعضهم:«وَ قَالُواْ لَا تَذَرُنَّ ءَالِهَتَکمُْ وَ لَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَ لَا سُوَاعًا وَ لَا یَغُوثَ وَ یَعُوقَ وَ نَسْرًاª. فالمقاطع المفتوحة الطویلة فی هذه الآیة (10) مقاطع: (قا ـ لُو ـ لا ـ آ ـ لا ـ وا ـ لا ـ غُو ـ عُو ـ را) مقابل (6) مقاطع مقفلة (رُن ـ کم ـ رُن ـ وَد ـ دَن ـ عَن). والمقام هنا مقام مخاطبة بعض قوم نوح A البعض الآخر لکی لا یستجیبوا لدعوة نوح A ولا یدعوا آلهتهم. فاستعمال فعل نهی «لا تذرنّ» مع تأکیده بنون «الثقیلة» وتأکیده مرّة أخرى بتکرار هذا الفعل بنفس السیاق، یدلّ دلالة واضحة على تهدید وتقریع بعض قوم نوح A لبعض الآخر حتى لا یستجیبوا لدعوة نوح A، وقد جاءت زیادة المقاطع الطویلة على المقاطع المقفلة فی هذه الآیة لتدلّ على هذا التهدید والإنذار. وأخیرا فی الآیات (28 ـ 24) نرى أنّ المقاطع الطویلة تغلب أیضا على المقاطع المقفلة: «وَ قَدْ أَضَلُّواْ کَثِیرًا وَ لَا تَزِدِ الظَّالِمِینَ إِلَّا ضَلَالًا & ِّممَّا خَطِیَتهِمْ أُغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَارًا فَلَمْ یجَدُواْ لهَم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَارًا & وَ قَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلىَ الْأَرْضِ مِنَ الْکَافِرِینَ دَیَّارًا & إِنَّکَ إِن تَذَرْهُمْ یُضِلُّواْ عِبَادَکَ وَ لَا یَلِدُواْ إِلَّا فَاجِرًا کَفَّارًاª (نوح 71: 24 ـ 27). فالمقاطع الطویلة هنا (34) (لُو ـ ثی ـ لا ـ ظا ـ می ـ لا ـ لا ـ لا ـ ما ـ طِی ـ آ ـ قُو ـ لُو ـ نَا ـ دُو ـ دُو ـ لا ـ صا ـ رَا ـ قا ـ نُو ـ لا ـ کا ـ رِی ـ یا ـ را ـ لُو ـ با ـ لا ـ دُو ـ لا ـ فا ـ فا ـ را ), والمقاطع المقفلة 28 (ضَل، رَن، دِظ ـ إل ـ مِم ـ أغ ـ أُد ـ رَن ـ لَم ـ هُم ـ مِن ـ نِل ـ أن ـ حُن ـ رَب ـ ذَر ـ لَل ـ أَر ـ نَل ـ دَی ـ إن ـ إن ـ ذَر ـ هُم ـ ضِل ـ إل ـ رَن ـ کف) فالمقام هنا مقام التهدید والإنذار وإنزال العقوبة حیث یدعو نوح A الله تعالى لکی لا یزید قومه الظالم إلّا الضلال ولا یذرَ لهم دیّارا. فهذا المقام یقتضی المقاطع الطویلة تقریعا للکفّار وتهدیدا لهم. ممّا سبق نستنتج أنّ المقاطع المقفلة جاءت ملائمة لسیاق تعجیل نوح A فی إبلاغ الدعوة وتمنّی سرعة القوم فی الاستجابة وسرعة وفاء الله $ بوعده کما أنّ المقاطع المفتوحة الطویلة لائمت سیاق إنذار نوح A قومه عن نزول العذاب بهم وکذلک تهدید قوم نوح A بعضهم بعضا لکی لا یدعوا آلهتم القدیمة وأخیرا دعاء نوح A إلى الله تعالى لإنزال العذاب لقومه الکافر نتیجة لرفضهم دعوة الله تعالى. 3ـ 2ـ المستوى الصرفی یتناول المستوى الصرفی جوانب مختلفة من الدلالات حسب علم الصرف بید أنّنا نکتفی من هذه الجوانب، بدراسة دلالة التعریف والتنکیر ودلالة أبنیة بعض الأسماء ودلالة الأفعال لصیغها الماضیة والمضارعة والأمر. 3ـ 2ـ 1ـ التعریف والتنکیر ودلالتهما فی السورة بما أنّ الصرف یدرس بنیة الکلمة، والاسم هو کلمة، وبما أنّ النکرة والمعرفة تتعلّق بالاسم، فهی من صمیم الصرف بالمعنى الذی نفهمه. لقد تبین من خلال إحصائنا لعدد الأسماء الواردة (الضمائر البارزة، الضمائر المستترة، الأسماء الظاهرة) أنّ عدد الأسماء فی سورة تبلغ (190) اسما منها (151) اسما من الأسماء المعرفة و(49) اسما من النکرات. من مجموع (151) اسما من المعارف، (40) من الأسماء الظاهرة والباقی من الضمائر البارزة والمستترة. الجدول(4): عدد تواتر المعارف و النکرات فی السورة
المعارف ودلالاتها لقد جاءت أکثر المعارف مرتبطة بنوح A من خلال علاقته مع قومه (قوْمِهِ، قَوْمَکَ، قَوْمِ، قَوْمِى، یزِدْهُمْ، دَعَوْتُهُمْ،أصَابِعَهُمْ، ءَاذَانهِمْ، ثِیَابهَمْ، أصَرُّواْ، اسْتَکْبرَواْ، دَعَوْتهُمْ، لهَمْ، إِنهَّمْ، اتَّبَعُواْ، مَکَرُواْ، قالُواْ، أضَلُّواْ، خَطِیَتهِمْ، الْکَافِرِینَ، الظَّالِمِینَ ). والنقطة الهامّة فی سیر هذه المعارف هی أنّ السورة تبدأ بإرسال النوح A إلى قومه. فیُخاطب بأن یُنذِر قومه، فیضافُ قومُه إلیه فی بدایة السورة (قومه وقومَک): «إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلىَ قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَکَ مِن قَبْلِ أَن یَأْتِیَهُمْ عَذَابٌ أَلِیمٌª (نوح 71: 1)، ثم یُخاطِب النوح قومَه فیضیف نفسَه إلى قومه إثارة لبعض العواطف، وأبرزها عاطفة القرابة وذلک لجلب اهتمامهم لعلّهم یهتدون: «قال یا قومِª (نوح 71: 2). وحینما یرید أن یشکو إلى الله $ رفض قومه دعوته، یستعمل کلمة «قومی» مرّة ثانیة لیشیر إلى أنّ هذا القوم الذی اعتُبر قومی وأُرسلتُ لدعوتهم رفضوا دعوتی: «قَالَ رَبِّ إِنىِّ دَعَوْتُ قَوْمِى لَیْلًا وَ نَهَارًاª (نوح 71: 5). فکما أسلفنا استعمال أسالیب التکرار والتأکید فی السورة مثل تکرار صوت «الراء» وتکرار أسلوب «ثمّ إنّنی» والتأکید بـ«إنّ» وتوظیف المقاطع المقفلة الدالة على سرعة امتثال نوح A لأمرالله $، کلّها یدلّ على إصرار نوح A على دعوة قومه بشتّى الأسالیب؛ بید أنّ هذه الدعوة بکلّ ما فیها من الإصرار والتأکید والترهیب والترغیب لم تتکلّل بالنجاح ممّا أدّى إلى تبعید نوح A قومَه عن نفسه الذی برز على الصعید اللغوی فلم یَعُد یذکر قومه إلا بالضمائر الغائبة التی تدلّ على هذا البعد «أصَابِعَهُمْ، ءَاذَانهِمْ، ثِیَابهَمْ، أصَرُّواْ، اسْتَکْبرَواْ، دَعَوْتهُمْ، لهَمْ، إِنهَّمْ، اتَّبَعُواْ، مَکَرُواْ، قالُواْ، أضَلُّواْ، خَطِیَتهِمْ», وقد یشتدّ أمرُ الابتعاد أکثر من هذا، فنلاحظ تغییب الضمائر المضافة إلى القوم التی تدلّ على ابتعاد نوح A من قومه، وکذلک تغییبَ الضمائر الغائبة المشیرة إلى القوم فی نهایة السورة کاملا عن الساحة حیث یدعو نوح A الله تعالى لإهلاکهم وذلک بتسمیتهم بالکافرین وبالظالمین. «وَ قَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلىَ الْأَرْضِ مِنَ الْکَافِرِینَ دَیَّارًاª (نوح 71: 26). «رَّبِّ اغْفِرْ لىِ وَ لِوَالِدَىَّ وَ لِمَن دَخَلَ بَیْتىَِ مُؤْمِنًا وَ لِلْمُؤْمِنِینَ وَ الْمُؤْمِنَاتِ وَ لَا تَزِدِ الظَّالِمِینَ إِلَّا تَبَارَاª (نوح 71: 28). النکرات ودلالتها إذا استثینا الضمائر من المعارف وبقیت الأسماء الظاهرة فقط، نلاحظ أنّ عدد النکرات (49) یفوق عدد المعارف (40). وقد یرجع السبب إلى أنّ سیاق السورة یقتضی النکرات أکثر من المعارف. فسیاق السورة من حیث اقتضاءه للنکرات ینقسم إلى خمسة محاور: المحور الأوّل: إنذار الله تعالى الکافرین على لسان نوح A لدعوتهم إلى الهدایة. فاستعمال هذه الألفاظ «عَذَابٌ أَلِیمٌ، نَذِیرٌ» نکرةً یدلّ على تفخیم العذاب الذی ینذر نوح A قومه منه. المحور الثانی: الألفاظ التی تدلّ على محاولة نوح A المکثّفة وبذل کلّ جهده لدعوة قومه «لیلا و نهارا، جِهَارًا، إِسْرَارًا». فهو یدعوهم لیلا ونهارا، وجهارا وإسرارا. فاستعمال هذه الألفاظ، بصورة النکرة یدلّ على الجهد المکثّف الذی بذله نوح A لهدایة قومه وهذا ما دلّت علیه الجوانب اللغویة الأخرى, مثل تکرار «الراء» وتکرار أسلوب «ثمّ إنّنی» وقد أُسلف ذکرُه. المحور الثالث: محور الألفاظ النکرة التی استعملت ترغیبا للقوم إلى الهدایة وهی التی جیئت بها نکرةً لتدلّ على عظم نعم الله تعالى فی الأرض «مدْرَارًا، أَمْوَالٍ، بنِینَ، جَنَّاتٍ، أَنهْارًا، وَقَارًا، أَطْوَارًا، طِبَاقًا، نورًا، سِرَاجًا، نَبَاتًا، إِخْرَاجًا،بِسَاطًا، سُبُلًا، فِجَاجًا». المحور الرابع: الألفاظ النکرة الدالّة على شدّة وفخامة رفض قوم نوح A لدعوته «فرارا، استکبارا، خسارا، مکرا کبّارا، فاجرا کفّارا». المحور الخامس: الألفاظ النکرة التی تدلّ على عظمة وشدّة العذاب الذی ینزل بقوم نوح A بعد أن رفضوا دعوته: «ضلالا، أنصارا، دیّارا، تبارا». علاوة على هذه الدلالات التی توحی بها النکرات فی السورة والتی تشترک کلّها فی أنّها تدلّ على نوع من الشدّة والعظمة والفخامة إمّا فی تمسّک نوح A بدعوة قومه وإمّا فی تذکیر القوم بالنعم التی جعلها الله تعالى فی الأرض لهم، وإمّا فی العذاب العظیم الذی یقع بقوم نوح A بسبب رفضهم للدعوة، إضافة إلى هذه الأمور هناک عاملان یقوّیان من هذه الشدّة والعظمة والفخامة التی استهدف إلیها استعمال الألفاظ النکرة: العامل الأول کما جاء ذکره، فی دلالة صوت «الراء»، فتکرار هذا الحرف فی النسبة العالیة من هذه النکرات، یدلّ بجانب الشدة والفخامة على الاستمرایة فی هذه الألفاظ. والعامل الثانی توظیف أکثر النکرات فی فواصل الآیات ممّا أدّى إلى الازدیاد من الوقع والشدة الذین یشعر بهما عند قراءة النکرات وإیقاع صوت «الراء» فیها. 3ـ 2ـ 2ـ الأسماء والأفعال ودلالاتها تواترت الأسماء الظاهرة فی سورة "نوح" (89) مرّة والأفعال (60) مرّة. ولأبنیة بعض الأسماء وللأفعال الماضیة والمضارعة وأفعال الأمر دلالات تلائم سیاق السورة. دلالة أبنیة بعض الأسماء فلأبنیة بعض الأسماء دلالات بارزة مثلما نرى فی استعمال أوزان «فَعّال وفُعّال ومِفعال». فقد ورد وزن «فعّال» فی آیة (9) حیث یقول الله تعالى على لسان نوح A مخاطبا قومَه: «اسْتَغْفِرُواْ رَبَّکُمْ إِنَّهُ کاَنَ غَفَّارا». فقد تدلّ لفظة «غفّار» على کمال غفران الله $ (ابن عاشور، ج29، ص 183), ویزیل استعمال هذه الصیغة کلّ ذریعة أمام قوم نوح A بأنّهم یتخوّفون من أن لا یغفر الله لهم. وقد جاءت صیغة «فُعّال» فی آیة (22) دلالة على مبالغة کفر قوم نوح A حیث یقول الله تعالى على لسان نوح A:«وَ مَکَرُواْ مَکْرًا کُبَّارًاª. فلظفة «کبّار» أبلغ من «کبار» بالتخفیف لما فیه من التضعیف و مثله حُسّان ووُضّاء (صالح السامرائی، 2000م, ص 25)،کما أنّ استعمال هذه اللفظة بصورة نکرة تقوّى من دلالة بنیة الاسم وتبرز عظمة المشاریع العظیمة التی خطّطها الکفّار لإخفاق دعوة نوح A (مکارم شیرازى، 1374، ج25, ص 82). أمّا صیغة «مِفعال» فجاءت فی الآیة (11) حیث یقول الله تعالى على لسان نوح A مخاطبا قومه: «یُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَیْکمُ مِّدْرَارًا», فکما أسلفنا فی دلالة المقاطع بأنّ المقاطع الطویلة فی هذه الآیة والآیة الآتیة تزید على المقاطع المقفلة، دلالةً على سرعة استجابة الله تعالى لدعوة قوم نوح A إن استغفروا من ذنوبهم. وقد جاءت صیغة «مدرار» لتزید على سرعة استجابة الله تعالى، سعةَ رحمته لعباده وعمومَ خیراته لاستمالة القوم إلى الاستغفار. الأفعال و دلالاتها تحتوی سورة "نوح" على (60) فعلا منه (40) فعلا ماضیا و(14) فعلا مضارعا و(6) أفعال أمرٍ. الجدول(5): عدد تواتر الأفعال فی سورة "نوح"
وقد یرجع سبب کثرة الأفعال الماضیة فی هذه السورة بالنسبة إلى الأفعال المضارعة إلى أنّ الأفعال الماضیة قامت بدور حکایة الأدوار التی قام بها نوح A فی سبیل دعوته لقومه. وقد جاءت الأفعال الماضیة متوالیة لتدلّ على أربعة محاور: المحور الأول: للتأکید على أنّ نوح A لم یدّخر جهدا فی سبیل دعوة قومه وفی استعماله لشتّى الأسالیب فی هذه الدعوة: قال (مرّتین)، دعوت ( ثلاث مرّات)، أعلنت، أسررت. المحور الثانی: للتأکید على رفض قوم نوح A لدعوته: جعلوا، استغشوا، أصرّوا، استکبروا، عصونی، اتّبعوا، لم یرده، مکروا، قالوا، قد أضلّوا. المحور الثالث: للتأکید على تعدد نعم الله تعالى وفضله علیهم: خَلَقَ وجعلَ (ثلاث مرّات) وأنبت. المحور الرابع: للتأکید على تتابع العذاب الذی وقع بهم نتیجة أعمالهم ورفضهم لدعوة نوح A: أغرقوا، أدخلوا، لم یجدوا. أمّا الأفعال المضارعة فدخل أکثرها فی سیاق ترغیب القوم فیدعوهم نوح A للتقوى والإطاعة حتى «یغفرَ» لهم من ذنوبهم و»یؤخّرهم» إلى أجل مسمّى، کما یدعوهم إلى الاستغفار لکی «یرسل» السماء علیهم مدرارا و«یمددهم» بأموال وبنین و»یجعل» لهم جنّات و»یجعل» لهم أنهارا. أما أفعال الأمر فأقلّ الأفعال ورودا وقد یعود السبب فی أنّ طبیعة الجدل وهی سعی کلّ طرف إلى إقناع الآخر لا یتناسب مع الأمر بل یحتاج إلى التعلیل والإتیان بالحجج (عمر العساکر،2005م, ص 227). 4ـ النتائج النتائج التی توصّل إلیها هذا البحث من خلال دراسة سورة "نوح" الأسلوبیة الدلالیة، هی: فی المستوى الصوتی: 1ـ دلّت کثرةُ الأصوات المجهورة والشدیدة على الإعلان والجهر للدعوة والذی اقتضاه سیاق السورة. 2ـ تواترت أصوات اللین (الألف والواو والیاء) بنسبة (12/18) فی السورة؛ هذه الأصوات من أشدّ الأصوات ظهورا، فلائمت سیاق السورة والذی دلّت علیه الأصوات المجهورة والشدیدة أیضا. 3ـ کان تکرار «اللام» ملائما لسیاق السورة حیث جاءت تقریبا فی کلّ السورة مفخّخة وذلک لتلائم مقام تفخیم الدعوة وتفخیم العذاب الذی نزل بالکفّار لکنّها جاءت فی الآیة الأخیرة مرقّقة لتلائم سیاق ابتهال نوح A ودعاءه إلى الله لکی یغفر له ولأهله وللمؤمنین والمؤمنات لأنّ الاسترحام یحتاج إلى الترقیق والاستمالة حتى یقضی المراد. 4ـ تواتر صوت «الراء» فی السورة کثیرا وذلک لیدلّ على إصرار نوح A وتأکیده على دعوة قومه وقیامه بهذه الدعوة لعدّة مرّات وبشتّى الأسالیب, کما أنّ تکرارها فی فواصل الآیات دلّ على محور استمراریة دعوة نوح A قومَه ومحور استمراریة العذاب النازل بقوم نوح A بعد رفضهم الدعوة، ومحور استمراریة غفران الله تعالى واستمراریة نعمه وفضله. 5ـ جاءت المقاطع المقفلة ملائمة لسیاق تعجیل نوح A فی إبلاغ الدعوة وتمنّی سرعة القوم فی الاستجابة وسرعة وفاء الله بوعده کما أنّ المقاطع المفتوحة الطویلة لائمت سیاق إنذار نوح A قومه عن نزول العذاب بهم وکذلک تهدید قوم نوح A بعضهم بعضا لکی لا یدعوا آلهتم القدیمة وأخیرا دعاء نوح A إلى الله تعالى لإنزال العذاب على قومه الکافر نتیجة لرفضهم دعوة الله تعالى. فی المستوى الصرفی: 1ـ تواترت أسماء المعارف (151) مرة منها (40) اسما ظاهرا و(111) ضمیرا. وتواترت النکرات (49) مرّة فی السورة. فجاءت أکثر الضمائر مرتبطة بعلاقة نوح A مع قومه. فوظّفت الضمائر المتعلّقة بنوح A وقومه توظیفا دلّ فی بدایة السورة على تقریب نوح A نفسَه إلى قومه إثارة لعواطف القرابة واستمالة لهم لکی یستجیبوا للدعوة، ودلّ فی وسط السورة على تبعید نوح A إیّاهم عن نفسه باستعمال الضمائر الغائبة بعد رفضهم للدعوة، کما دلّ فی نهایة السورة على تغییب نوح A إیّاهم کاملا عن ساحته بحذف الضمائر الغائبة وتسمیتهم بالقوم الکافرین والقوم الظالمین. 2ـ دلّت النکرات على خمسة محاور؛ محور تفخیم العذاب الذی ینذر نوح A قومه منه فی بدایة الدعوة، ومحور محاولة نوح A المکثّفة، وبذل کلّ جهده لدعوة قومه، ومحور کثرة النعم التی یرغّب بها نوح A قومَه لقبول الدعوة، ومحور شدّة رفض قوم نوح A لدعوته، وأخیرا محور شدّة العذاب الذی ینزل بالقوم نتیجة لرفضهم الدعوة. وقد زاد على وقع النکرات وشدّتها، توظیفُ أکثر هذه النکرات فی نهایة الآیات الذی سبّب إیقاعا واحدا وتکرارُ صوت «الراء» فی أکثرها الذی أضاف دلالة الدوام والتتابع والاستمراریة على هذه النکرات. 3ـ دلّ استعمال لفظة «غَفّار» على کمال مغفرة الله تعالى لکی تُرفع للکفّار أیةُ ذریعة للتخویف من عدم مغفرة الله لهم، ودلّ استعمال لفظة «کبّار» على شدّة مکر الکفّار کما دلّ استعمال لفظة «مِدرار» على سعة نعم الله $ بعد أنّ دلّت المقاطع المقفلة فی الآیات السابقة على سرعة استجابته لاستغفار قوم نوح A. 4ـ فاقت الأفعال الماضیةُ الأفعالَ المضارعة وأفعال الأمر، وذلک لأنّ الأفعال الماضیة قامت بدور حکایة الأدوار التی قام بها نوح A فی سبیل دعوة قومه. فدلّت الأفعال الماضیة على تتابع دعوة نوح A قومه، وتعدد نعم الله تعالى لعباده، وشدّة رفض قوم نوح A الدعوة، وتتابع العذاب النازل بالکافرین نتیجة لرفضهم الدعوة. والأفعال المضارعة دخل أکثرها فی سیاق ترغیب القوم أما أفعال الأمر فأقلّ الأفعال ورودا وقد یعود السبب فی أنّ طبیعة الجدل لا یتناسب وهذه الأفعال الدالّة على الإجبار ولا الإقناع.
BBB | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مراجع | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
المصادر والمراجع µ القرآن الکریم
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 3,409 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 793 |