
تعداد نشریات | 43 |
تعداد شمارهها | 1,715 |
تعداد مقالات | 14,055 |
تعداد مشاهده مقاله | 34,044,208 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 13,632,023 |
ومضات أسلوبية في سورة «الرحمن» | |||||||||||||||||
بحوث في اللغة العربية | |||||||||||||||||
مقاله 5، دوره 4، شماره 6، تیر 2012، صفحه 41-54 اصل مقاله (306.22 K) | |||||||||||||||||
نوع مقاله: المقالة البحثیة | |||||||||||||||||
نویسندگان | |||||||||||||||||
محمد خاقاني اصفهاني* 1؛ مريم جليليان2 | |||||||||||||||||
1استاد گروه زبان و ادبيات عربي، دانشگاه اصفهان | |||||||||||||||||
2دانشجوي دکتراي رشتة زبان و ادبيات عربي، دانشگاه اصفهان. | |||||||||||||||||
چکیده | |||||||||||||||||
الأسلوبية منهج نقدي حديث يدرس النصوص على أساس تحليل الظواهر اللغوية والأدبية للکشف عما يميّز النصوص بعضها عن بعض. وبما أنّ الأسلوبية لا تنحصر في الشکل ولا في المضمون، بل تتناول کليهما وکيفية ترکيبهما، فهي تعتبر طريقاً مثالياً للعثور على الفهم الأکثر للمعاني، والکشف عن الظواهر الجمالية في النصوص. ثم إن جمال التصوير وروعة البيان في القرآن مما يجذب الإنسان ويؤثر في الفکر والوجدان. هذا الجمال يتحقق في لغته الفصيحة ومعانيه العالية. وأما سورة «الرحمن»، فهو من أجمل سور القرآن،والمفاهيم الأساسية في هذه السورة تدور حول أعظم نعم الله تعالى. تريد هذه الدراسة تطبيق النظريات الأسلوبية على سورة الرحمن، وتقوم على المنهج الوصفي ــ التحليلي،ويتم الترکيز فيها على الظواهر الأسلوبية التي تتوزع على أربعة مستويات؛ وهي: المستوى الصوتي والصرفي والنحوي والدلالي. وبالتالي، تجيب على بعض الأسئلة؛ منها: ما هو أهم الميزات الأسلوبية في سورة الرحمن؟ وکيف يؤثر اختيار الألفاظ في نقل المعاني؟ وأما أهمّ نتائج البحث: فمن أبرز سمات سورة «الرحمن» رعاية الفواصل والإيقاع وکثرة استخدام حروف اللين والمد التي تمنح السورة موسيقى بارعة؛کما أنّ التکرار ظاهرة أخرى في هذه السورة تؤثر في الإيحاء والتوکيد على المعنى المراد. نحلل أيضاً في هذا البحث طريقة توزيع الجمل نحو الفعلية والاسمية، الأفعال الماضية والمضارعة، والمعلومة والمجهولة للکشف عن أغراض بلاغية رائعة. | |||||||||||||||||
کلیدواژهها | |||||||||||||||||
الأسلوبیات؛ سورة الرحمن؛ المستویات اللغویة | |||||||||||||||||
اصل مقاله | |||||||||||||||||
المقدمة اللغة وسیلة للتعبیر عن الأفکار، فی حین أن التعبیر عن المعانی الأدبیة یحتاج إلى الاستعانة بطریقة تألیف الکلام ونظمه وما لها من المعانی الثانویة. إن تألیف الکلام یعتمد على اختیار الکلمات، لا من ناحیة دلالتها فحسب، بل من الناحیة الفنیة والجمالیة. وأما الأسلوب فهو «الطریقة الخاصة للشاعر أو الکاتب فی اختیار الألفاظ وتألیف الکلام» (ابن ذریل،2006م، 168). وأما القرآن الکریم، فیؤمن المسلم أنه آخر کتاب أنزله الله تعالى على رسوله محمد &؛ ولهذا یعتبره وسیلة للتقرب إلى الله، فیطمئن به قلبه، ولا یستغنی عنه أبداً. من هنا تظهر أهمیة هذا الکتاب وفهمه. فلنا أن ندرسه من وجهات النظر المختلفة، ومنها الدراسة الأسلوبیة التی تمنح نظرة شاملة من حیث اللفظ والمعنى، وتبحث فی کیفیة الصلة بینهما. وتعتبر سورة الرحمن من أجمل سوره، کما قال النبی J: «لکلّ شیء عروسٌ، وعروسُ القرآن سورةُ الرّحمنِ» (النوری، 1321هـ، ص 351). تتکوّن هذه السورة المبارکة من ثمانٍ وسبعین آیة تتکرر فیها الآیة: «فَبأَیِّ آلاءِ رَبِّکُما تُکَذِّبانِª واحدة وثلاثین مرة. تسمى السورة بالرحمن، وهذه التسمیة تناسب تماماً ما تشتمل علیه من رحمة الله الواسعة؛ کما بدأت السورة بکلمة «الرحمن»، وهی اسم من أسماء الله تعالى. وأما المفاهیم الأساسیة فیها، ففی القسم الأول تلمیح إلى أعظم نعم الله #من خلقة الإنسان، وتعلیمه القرآنَ والبیانَ، ثم الحساب والمیزان، وتوفیر الوسائل اللازمة لتیسیر الحیاة على الأرض. والقسم الثانی من السورة یشیر إلى کیفیة خلقة الإنسان والجن؛ والقسم الثالث إشارة إلى آیات الله فی الأرض والسماء؛ والقسم الرابع وصف للنعمات المتوفرة فی الجنة من العیون والحدائق والفواکه والأزواج المطهرة و.... کذلک فیها إشارة موجزة إلى مصیر الکافرین وجزائهم فی النار.
منهج البحث فی هذا المقال بعد تقدیم تعریف عن الأسلوب والأسلوبیات، ندرس سورة الرحمن دراسة أسلوبیة فی المجالات اللغویة التی تتوزع فی أربع مستویات أدبیة؛ وهی: المستوى الصوتی والصرفی والنحوی والدلالی؛ وندرس صلة اللفظ بالمعنى للوصول إلى أبرز السمات الأسلوبیة فی هذه السورة المبارکة.
سوابق البحث هناک بعض الدراسات تناولها الباحثون فی مجال الأسلوبیة فی القرآن الکریم؛ منها: دراسة أسلوبیة فی سورة الکهف لمروان محمد سعید عبدالرحمن[1]، وظواهر أسلوبیة وفنیة فی سورة النحل لأسامة عبدالمالک إبراهیم عثمان[2]. وما یمیّز هذا المقال من الدراسات الأخرى الانتباه الأکثر على دور الظواهر الأسلوبیة فی نقل المعانی التی تضمّها الآیات، والکشف عن الصلة بین الأسلوب والمعنی. وأما فی مجال سورة الرحمن المبارکة، فهناک مقالة لأحمد الخراط طُبعت فی مجلة العقیق 1412هـ عنوانها: «تأملات فی أسلوب التکرار القرآنی فی ضوء سورة الرحمن». وهناک کتاب تحت عنوان سورة الرحمن، دراسة بلاغیة أسلوبیة لإبراهیم عوض، لکنه لم نعثر علیه. الأسلوبیات (Stylistics) الأسلوبیة منهج نقدی حدیث یتناول النصوص الأدبیة بالدراسة على أساس تحلیل الظواهر اللغویة والأسلوبیة بشکل یکشف الظواهر الجمالیة للنصوص، ویقیّم أسلوب مُبدعها، محدّداً المیزات الأسلوبیة التی تتمیّز بها عن غیره من المبدعین (شمیسا، 1372هـ. ش، 115ــ116). ارتبطت نشأة الأسلوبیة فی بدایة القرن العشرین بالتطور الذی قد لحق الدراسات اللغویة، وبعد أن قامت المدرسة اللغویة لفردیناند دی سوسور (فضل، 1998م،ص 12). تتمیّز هذه المدرسة بدورها کأداة للتواصل ونظام من الرموز المخصصة لنقل الفکر (المصدر نفسه، ص 25). ومنذ الخمسینیات أصبح مصطلح الأسلوبیة یطلق على منهج تحلیلی للأعمال الأدبیة، وهذا المنهج إلى حد ما کان مأخوذاً من اللسانیات (الخفاجی، 1992م، ص 11). ظهرت فی الأسلوبیة بعض المدارس الجدیدة،وهی فی معظمها تتخذ مادة دراستها من سیاق النص. الدراسة الأسلوبیة تتجاوز مرحلة التبسیط إلى مرحلة أعمق عندما تتعامل مع لغة النص تعاملاً فنیّاً من خلال إبراز الظواهر اللغویة الممیزة، ومحاولة إیجاد صلة بینها وبین الدلالات التی عن طریقها یمکن الوصول إلى المعنى الغائب فی النص؛ وبذلک تتشکل القیمة الفنیة للغة التی یتشکل منها النص و«التی یمکن بالمنهج الأسلوبی التعرف علیها من خلال وضع الکلمات فی أنساق تعبیریة؛ ثم انتظام هذه الکلمات فی الجمل وانتظام الجمل فی فقرات، وتضافر هذه الأنساق مع المعنى. وبذلک ترکّز الدراسة الأسلوبیة أصلاً على دراسة الجزئیات اللغویة فی النص، للوصول على دراسة شاملة؛ أی: إنها تبدأ من الجزء وتنتهی إلى الکل» (عودة، 2003م، ص 51).
مجالات الدرس اللغوی الدرس اللغوی یشتمل على عناصر النظام اللغوی من الصوت والصرف والنحو والدلالة. التحلیل اللغوی یبدأ بالأصوات؛ لأنها العناصر الأولى التی تشکل الکلمات أو الوحدات الدالّة، ثم ینظر فی بناء الکلمة من حیث الشکل والوظیفة، ویتناول بعد ذلک ترکیب الکلمات فی جمل إسنادیة، فیبیّن قواعده ومعانیه النحویة، وینتهی إلى درس المعنى.
1ـ المستوى الصوتی (Phonostylistic) إن اللغة نظام من الأصوات؛ فالصوت هو البنیة الأساسیة لأیّ لغة. فإذا انصبّ البحث على هذه الأصوات منفردة أو مستقلة أو متجاورة، من أجل معرفة طبیعتها ووصفها ومخرجها ووظیفتها، فذلک من اختصاص علم الأصوات الذی یدرس الوظیفة لهذا الصوت وبیان مدى تأثیرها فی المعنى اللغوی (مجاهد، 2005م، ص 48؛ و عبابو، 2008م، ص 18). من الجدیر هنا أن نشیر إلى أنّ اللسانیات الحدیثة اهتمت باللغات المنطوقة أکثر من اللغات المکتوبة؛ لأن اللغة المکتوبة مشتقة من الکلام «وهناک آلاف من اللغات لم تکن مکتوبة من قبل؛ ثم خضعت للکتابة فی عهد قریب جداً. لعل الشعوب الکنعانیة ولا سیّما الفینیقیین هم أول من أدرک العناصر الصوتیة المؤلِّفة للغة، واختراع الأبجدیة لدى الفینیقیین انتهى إلى أن اللغة الإنسانیة قابلة للتجزئة إلى عدد صغیر من التقطیعات» (قدور،1996م، ص 35). أما العرب، فلمعرفة الأشکال الصحیحة لنطق الحروف والنص القرآنی مالوا إلى الدرس الصوتی أکثر من المستویات الأخرى من علم اللسان العربی؛ لأن علم الأصوات یقیم صلة بین الصوت والدلالة، بحیث یمکننا أن نعتبره مدخلاً لفهم المعنى. وأما فی الأداء القرآنی، فللصوت وظیفة ترسیم الصور، لیجعل السمع محل العین فی الرؤیة. وتدور الموسیقى فی هذا المجال دوراً هامّاً فی التناسب بین حروف الکلمات من حیث الموسیقى والملائمة بین المعنى والصوت. ویأخذ التحلیل على المستوى الصوتی السجع والتکرار ومعالجتهما بعین الاعتبار.
1ـ1ـ السجع (الفاصلة) السجع[3] توافق الحروف الأخیرة فی مواضع الوقف من النثر، وهو یعتبر بنوعیها ــ الطویل والقصیر ــ من أهم المیزات الصوتیة فی سورة «الرحمن» ویراعى فی کلها، بحیث یختتم أغلب الآیات بالألف والنون، وفی بعض الأحیان بالألف والمیم، وفی الآیتین الرابعة عشرة والخامسة عشرة بالألف والراء، ولکن عنصر المدّ یجری فی جمیع الآیات. والسجع فیها من نوع الطویل. على سبیل المثال، من الآیة الأولى حتى التاسعة تختتم الآیات بالألف والنون، ثم شیئاً فشیئاً تطول الفقرات، بحیث کل آیة تکون أطول بالنسبة إلى الآیة السابقة، أو على الأقل لا تقصر عنها. هناک شیء یلفت الانتباه، وهو أن الآیة الثامنة «أَلاّ تَطْغَوْا فی الْمیزانِª أقصر من الآیات المتجاورة قبلها وبعدها؛ وربّما یرجع السبب إلى کون الآیة خطابیة؛ لأنها تزجر الإنسان من الطغیان، والجملة إنشائیة وخطابیة أمریة، ومن البلاغة فیه أن تعبَّر عنه بأجزل قولاً وأوجز کلاماً. والانتقال من الخبریة إلى الإنشائیة یؤدی إلى تغییر النغمة المتوسطة إلى صعود النغمة، لما فیه من التوکید والنبر فی أداة الاستفهام، وهذا یزید من جماله.
1ـ2ـ الفاصلة فی القرآن «رعایة الفاصلة لون من الجمال الموسیقى، وهو مما یقصد إلیه النظم الکریم أخذاً بالآذان والقلوب. الفاصلة فی القرآن الکریم آخر کلمة فی الآیة، کالقافیة فی الشعر، وقرینة السجع فی النثر... وقد تکون هذه التسمیة اقتباساً من قوله تعالى: «کِتابٌ فُصِّلَتْ آیاتُهُª (هود 11: 1)» (الصغیر،2000م، ص 143). وقد خُصّ بها القرآن اتفاقاً، کما خُصّت القوافى بالشعر. وما هذه الفواصل التی تنتهی بها آیات القرآن إلا صور تامة للأبعاد التی تنتهی بها الجمل، وهی متّفقة مع آیاتها فی قرار الصوت اتفاقاً عجیباً یلائم نوع الصوت والوجه الذی یساق علیه. کثر فی القرآن ختم الفواصل بحروف المدّ واللین لیکون أکثر تأثیراً، وکذلک بحرفی المیم والنون. «ورد النون بعد حروف المدّ متواکبة فی القرآن، حتى عاد ذلک سرّاً صوتیاً متجلیاً فی جزء کبیر من فواصل آیات سوره» (الصغیر، 2000م، ص 155). وهذا فی سورة الرحمن المبارکة یشکل موسیقىً جمیلة للسورة، والفواصل فیها قصیرة متشابهة. وربما یرجع السبب إلى ما تحتوی علیه السورة من ذکر النعم، والمدّ یفید لفت الانتباه والتسلیم والإقرار أمام النعم وتعظیمها، ولکن فی آیات الوعید ووصف العذاب تکون الفاصلة أطول من الآیات الأخرى. وأما النون فهی ذات وضوح سمعی، وتعتبر من الحروف المجهورة الرنّانة، وفیه معنى الثبات والاستقرار، ولکن هذا المعنى لایناسب الآیتین الرابعة عشرة والخامسة عشرة: «خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ کَالْفَخّارِª و«خَلَقَ الْجانَّ مِن مارِجٍ مِنْ نارٍª اللتین تبیّنان خلقة الجن والإنس، والفاصلة فی کلتا الآیتین حرف الراء ــ بدل النون ــ بعد المد، والراء «حرف تکریری اهتزازی، والتکریر الواقع فی الراء إنما هو حاصل ارتعاد سطح اللسان» (عبدالله، 2008م، ص 127). ومن صفات «الفخّار» الانکسار، ومن صفات لهب «النار» هو الحرکة والاهتزاز، وکلاهما یناسب تماماً مع صوت حرف الراء والاهتزاز الواقع عند أدائها.
1ـ3ـ البناء الصوتی فی المقاطع «فی العربیة تسعة وعشرون حرفاً، منها خمسة وعشرون حرفاً صحاحاً (الأصوات الصحیحة أو الصامتة ...) لها أحیاز ومخارج، وأربعة هوائیة، وهی: الواو والیاء والألف اللینة والهمزة [وهی الصائتة...]» (مجاهد، 2005م، ص 27). هنا ندرس المقاطع وترکیبها فی نموذج من آیات سورة الرحمن للوصول إلى صلة نوعیة المقاطع بالمعنى. المقطع إما قصیر أو متوسط أو طویل، وذلک على هذا النحو: 1ــ قصیر: هو ما تألف من صامت وصائت قصیر؛ نحو: بـَ (cv)؛ 2ـ متوسط: هو ما تألف من صامت وصائت طویل؛ نحو: بی (cvv)، أو من صامتین وصائت قصیر؛ نحو: من، عن (cvc)؛ 3ــ طویل: هو ما تألف من صامتین أو أکثر مع صائت طویل؛ نحو: باب، عود (cvvc)... أو من ثلاثة صوامت مع صائت قصیر؛ نحو: بدر، عبد (cvcc ) وهنا ننظر إلى السورة من هذا المنظار، وندرس بعض آیاتها نماذج: أ. الآیات التی توصف فیها النعم الکبرى فی الخلقة؛ 1ـ ار رح مان cv cvc cvvc 2ـ عَلـ لـَ مَل قُر آن cv cv cvc cvc cvvc 3ـ خَـ لـَ قَل إِنـ سان cv cv cvc cvc cvvc
ب. آیة الوعید یُر سَـ لُ عَـ لَیـ کـُ cvc cv cv cv cvc cv ما شـُ وا ظُن من نا cvv cv cvv cvc cvc cvv رِن وَ نـُ حا سِن فَـ cvc cv cv cvv cvc cv لا تنـ تَـ صـِ ران cvv cvc cv cv cvvc ج. آیات الوعد ووصف الجنة ذَ وا تا أَفـ نان cv cvv cvv cvc cvvc فیـ هـِ ما عَیـ نا نِ cvv cv cvv cvc cvv cv تَج ریـ یان cvc cvv cvvc مُد هامـ مَـ تان cvc cvvc cv cvvc
عدد المقاطع یدلّ على أن المقاطع القصیرة فی آیات الوعید ونسبتها إلى المقاطع المتوسطة والطویلة أکثر من الآیات الأخرى. کما قیل فی قسم السجع، فإن الکلام القصیر أکثر تأثیراً ومناسبة للإنذار،ولعلّ المقاطع القصیرة فی هذه الآیات ترید أن تلفت الانتباه الأکثر إلى العواقب السیئة للمجرمین. وأمّا فی آیات الوعد ووصف نعم الجنة، فنسبة المقاطع المتوسطة والطویلة أکثر من آیات وصف الخلقة، وربما هذا الهدوء والاطمئنان وطول النفَس إشارة إلى السکون والسلامة فی الجنة.
1ـ4ـ أثر التکرار فی المستوى الصوتی التکرار هو تواتر معنوی فی التراکیب والبنى والأسالیب، ویهدف الإیحاء والتوکید على أمر ما، ویعتبر أحد المنبّهات الأسلوبیة التی تلفت النظر أکثر من غیره فی النص(الجصّانی،2010م، ص 3). یفید التکرار التوکید والموسیقى، وقدجاء فی عدة مستویات: تکرار الجملة، تکرار المفرد، وتکرار الحرف. أ. تکرار الجملة: فی سورة «الرحمن» تکررت آیة «فَبأَیِّ آلاءِ رَبِّکُما تُکَذِّبانِª إحدى وثلاثین مرة؛ کأنها ترید تنبه العباد على رحمة الله ونعمه الکثیرة. وهذه الآیة تأتی للتنبیه بعد عدّ النعمات واحدة تلو الأخرى. فمن بدایة السورة جاء ثمانٍ منها بعد آیات تذکّر فیها نعمة خلقة العالم وما فیه من العجائب ومبدء الخلق ومعادهم. ثمّ یتلو سبعٌ منها بعد الآیات التی تختصّ بوصف النار وما فیها من العذاب. ربّما فائدة ذکر آیة «فَبأَیِّ آلاءِ رَبِّکُما تُکَذِّبانِª بعد هذه الآیات هی تحذیر الناس وإبعادهم عن المعاصی والذنوب، وهو موهبة یمکن اعتبارها من أعظم النعم. بعد هذا السبع جاء ثمان فی وصف الجنتین وذکر النعم فیهما؛ ثمّ یتلوها ثمان آخر فی وصف الجنتین الأخریین دون الجنتین السابقتین. جاء فی تفسیر البرهان تحلیل جمیل لسرّ هذه الأعداد، وقال صاحبه: «السبع عدد أبواب جهنم، والثمانی عدد أبواب الجنة. فمن اعتقد الثمانی الأولى وعمل بموجبها، استحقّ کلتا الثمانیتین من الله تعالى، ووقاه الله من السبع السابقة (البحرانی، د ت، ص 270). کذلک جاءت عبارة «لَمْ یَطْمِثْهُنَّ قَبْلَهُمْ إِنْسٌ وَلا جانٌّª مرتین، وذلک فی الآیتین السادسة والخمسین،والرابعة والسبعین، وفی وصف الجنتین الأولیین والثانیتین. ب. تکرار المفرد: من الألفاظ التی تکررت فی السورة: «الجنّ» خمس مرات، و«الإنس» ستّ مرات،خمس منها متقابلتان ومرة أخرى انفرد الإنس بالذکر فی الآیة الثالثة: «خَلَقَ الْإِنْسانَª. وأمّا السماء والأرض، فذکرت «الأرض» ثلاث مرات و«السماء» أربع مرات، وثلاث منها متقابلتان، ومرة أخرى انفردت السماء بالذکر فی الآیة السابعة والثلاثین: «فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَکانَتْ وَرْدَةً کَالدِّهانِª. وربّما فی هذا العدد إشارة إلى أنّ الإنس أشرف من الجنّ، والسماء أفضل من الأرض. ج. تکرار الحرف:تکررت الألف والنون فی أغلبیة الآیات، وهی نوعان: إمّا ضمیر للتثنیة، وإمّا تعتبر من أصل الکلمة. ویمکن أن نتصوّر أنّ التثنیة التی ملأت السورة تلمح إلى رحمة الله الواسعة التی تشمل على الجمیع من الإنس والجنّ؛ وکذلک تلمح إلى الزوجیة السائدة على الکون بجماده وحیوانه وإنسانه والدنیا والآخرة وما فیهما من النعیم والشقاء والجنة والنار.
1ـ5ـ صفات الحروف و انطباق اللفظ مع المعنى لکل معنىً لفظٌ یناسبه لا یمکن استبداله بلفظ آخر؛ لأن کل لفظ له صوت یؤدّی معنى خاصاً. «وأما القرآن، فقد اختار اللفظ المناسب فی الموقع المناسب من عدة وجوه وبمختلف الدلالات، واستوفى وجوه التعبیر عنها بمختلف الصور الناطقة، ویضاف إلیه الوقعُ السمعی للفظ، والتأثیر النفسی للکلمة» (الصغیر، 2000م، ص 165). هنا نرید الإشارة إلى بعض النماذج فی هذا المعلم من معالم الإعجاز البیانی فی القرآن: أ. نبدأ هذا المجال من الدراسة الصوتیة بالآیة المتکررة فی السورة، وهی آیة «فَبأَیِّ آلاءِ رَبِّکُما تُکَذِّبانِª. فأکثر حروفها من حروف الجهر، والهمزة والباء والکاف والتاء تعتبر من الحروف الشدیدة، والذال فی «تکذّبان» ذات صفة الجهر وتناسب الوعید والإنذار، وهی حرف مشدّدة والتشدید یفید التوکید على الإنذار. وهناک شیء آخر جدیر بالملاحظة، وهو تتابع الحرکات، وأن عنصر الحرکة فی الحروف غلب على السکون غلبة تامة؛ ثمّ المدّ فی کلمة «آلاء»یفید التیقّظ والتوجیه إلى النعم وعظمة شأنها، ویمهّد طریق الإقرار بالعبودیة والتسلیم أمام الربّ. ب. ابتدأت السورة بلفظ «الرحمن»، وهذا ما یمیّز السورة ببراعة الاستهلال. «الرحمن» یشیر إلى صفة الرحمة فی الله $، وهذه الرحمة عامة تشمل جمیع الخلائق. هذا المعنى یناسب الأصوات فی کلمة «الرحمن»، ونرى سمة الاستمرار والتوکید فی الراء المشددة؛ لأن التکریر من صفة هذا الحرف، ویلمح هنا إلى کثرة الرحمة واستمرارها بین الخلائق. وأما حرف الحاء، فیتلو حرف الراء، وهی من الحروف المهموسة ویناسب معنى الرحمة. والمیم والنون من الحروف المتوسطة لاشدة فیها ولا رخوة، وهذا التغییر فی الشدة والرخاء والهمس والجهر یمنح موسیقىً رائعة للکلمة. ج. فی الآیة الرابعة عشرة «خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ کَالْفَخّارِª کلمة «صلصال» تناسب الإنسان تماماً؛ لأنه یستعمل فیهما حرفا السین والصاد، وکلاهما من الحروف الصفیریة التی تتّسم بصفة الاحتکاک والاهتزاز. أما «الفَخّار» وهو «الخزف»، فجاءت فیه حرفا الفاء والخاء وکلاهما من حروف الهمس وفیهم الرخاوة. والراء کذلک حرف تکریری اهتزازی. إذن نرى بین الصوت والمعنى مناسبة تامة؛ لأن الضعف والانکسار الذی یوحیه صوت الحروف یعدّ من السمات البارزة فی الفخّار الذی خُلق الإنسان من مادته. ولعلّ غایته هی الإشارة إلى مصدر خلقة الإنسان وتکون تذکیراً إلى ضعف الإنسان وانکساره وسرعة فنائه. هذا وجاءت تلو هذه الآیة آیة تبین لنا خلقة الجن: «وَخَلَقَ الْجانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍª. اختیر لهذا المخلوق لفظ «الجن» الذی یشتمل على حرف الجیم، وهذا الحرف یعتبر من الحروف الشدیدة، والتشدید یؤکد على شدته. وأما المیم فی «مارج» والنون فی «الجانّ» وحرف الجیم فی کلیهما، فمن حروف الجهر. وربما سبب اختیار هذه الحروف یرجع إلى أن النار فیها شدة وقوة، والراء فی «مارج» و«نار» تدلّ على صفة الاهتزاز فی اللهب الذی یعلو النار. د. الجیم والقاف فی الآیة التاسعة عشرة «مَرَجَ الْبَحْرَیْنِ یَلْتَقِیانِª تعدّان من الحروف الشدیدة، وتلمحان إلى شدة الحرکة فی البحرین. هـ. فی الآیة السادسة والعشرین «کُلُّ مَنْ عَلَیْها فانٍª نوع من الهدوء، ویلمح إلى أن کل العالم مسیره السکون بعد الحرکة، والفناء بعد الحیاة، وکل الحروف فی هذه الآیة من حروف الاستفال، وتقرأ بصوت منخفض وهادئ. و. فی الآیة السادسة والستین «فیهِما عَیْنانِ نَضّاخَتانِª جاءت کلمة «نضّاختان» للدلالة على شدة الحرکة والفیضان. ومن حروف هذه الکلمة الضاد والخاء تعتبران من حروف الاستعلاء؛کأنّ استعلاء الحرفین یصوّر لنا فیضان الماء إلى الأعلى بصورة جلیّة،والتشدید فی الضاد یقوّی أثرهما، ویبیّن شدة الحرکة فی العینین. والتاء کذلک من الحروف الشدیدة، وتساعد الحرفین ــ الضاد والخاء ــ فی أداء المفهوم.
2ـ المستوى الصرفی (Morphostylistics) إذا انضمّت الأصوات بعضها إلى بعض، بحیث تتآلف وتشکّل وحدات أو عناصر أکبر، یطلق علیها المفردات أو الکلمات، نقسمها إلى أسماء وأفعال وحروف. واصطلح على تسمیتها فی علم اللسان الحدیث بالـ«مورفیمات»؛ أی: الوحدات الصرفیة، وهی التی موضوع الدرس الصرفی (مجاهد، 2005م، ص 48). إن الصرف أو البحث الصرفی یهتم بمعرفة وظیفة الوحدات الصرفیة وأثرها فی بنیة الکلمة؛ لذا جاء تعریف اللغویین لها بأنها: «أصغر وحدة فی بنیة الکلمة تحمل معنى ولها وظیفة» (الحجازی، 1978م، ص 102). هنا نتعرض إلى بعض النماذج فی سورة «الرحمن»: 2ـ1ـ الصفة المشبهة: لفظ «الرحمن» الذی افتتحت السورة به یدلّ على ثبوت الرحمة ودیمومتها فی الله #، وهو الذی تفرّد بهذا الوصف. أما لفظ «ربّ»، فتکرر عدة مرات؛ کأن الله $ یرید أن یعلّمنا کیف وبأی صفة ندعوه. وکذلک هذا التکرار یدلّ على أن الرّبوبیة نفسها تعتبر من أهم الآلاء و النعمات. 2ـ2ـ اسم الفاعل: جاء فی بعض الآیات؛ منها: «فانٍ» فی الآیة السادسة وعشرین، وهو اسم الفاعل، وجاء بدل الفعل للتوکید على زوال الدنیا ونعماتها؛ لأنه یخلو اسم الفاعل من الزمن، وازداد فیه الثبات والاستمرار. ثم«دانٍ» فی الآیة الرابعة وخمسون یدل على أنّ الفواکه فی متناول الید دوماً، ولا یُحرَم الإنسان منها أبداً. وأما «قاصِرات الطَّرْف» فی الآیة السابعة والخمسین، فأضیف اسم الفاعل إلى معموله، ویَقرُب من الاسمیة، وتدل على ملازمة هذه الصفة للنسوان فی الجنة. «مُدْهامَّتانِ»: اسم الفاعل من باب «افعیلال»، وهو فعل مزید بزیادة ثلاثة أحرف. وهذا الباب یستعمل للمبالغة، ویناسب غرض الآیة تماماً. ربّما المدّ فیه یدلّ على سعة الجنتین، والتشدید یشیر إلى شدّة الخضرة. ومن جهة أخرى، إن الکلمة التی اختیرت لهذا المفهوم تلائم ملائمة تامة مع الغرض؛ لأن «دهم» بمعنى شدة السواد، وهنا یدل على الخضرة الشدیدة التی تضرب إلى السواد، وفیه مبالغة رائعة فی إیصال المعنى. 2ـ3ـ اسم المبالغة: «نَضّاخَتانِ» صفة للعینین؛ جاءت فی صیغة المبالغة للتوکید. 2ـ 4ـ الفعل المبنی للمجهول: نسبة الجمل الفعلیة فی سورة «الرحمن» أقل من الجمل الاسمیة، والجمل الفعلیة جاءت فی الآیات التی تختص بذکر العقاب والعذاب، وأکثرها استعملت فی صیغة المجهول. وإن کان الفعل معلوماً، فلیس بمتعد. ومنها: «یُرْسَلُ عَلَیْکُما شُواظٌ مِنْ نارٍ ...ª (الآیة 35)، «فَیَوْمَئِذٍ لا یُسْئَلُ عَنْ ...ª (الآیة 39)، «یُعْرَفُ الْمُجْرِمونَ بسیماهُم فَیُؤْخَذُ بالنَّواصی...ª (الآیة 41). هذا السیاق یختص بذکر العذاب دون النعیم، ربمّا السبب یرجع إلى أن الله $ فی هذه السورة التی مُلئت رحمةً ــ دنیویة وأخرویة ــ لا یرید أن ینسب العذاب إلى نفسه وملائکته. ولعلّ لها سبباً آخر، وهو إشاعة جوّ من الرهبة التی تزید منها صیغة المبنی للمجهول. 2ـ 5ـ العدول من المفرد إلى الجمع: فی الآیة السادسة والسبعین «... عَبْقَرِیٌّ حِسانٌª: جاء «حسان» وهو وصف بصیغة الجمع لـ«عبقریّ»،ویمکن أن یکون لسببین: السبب الأول: هو الانسجام اللفظی والمحافظة على الفاصلة لتختم بـ«انِ»، کما کان فی الآیات الأخرى؛ والسبب الثانی: جاء الوصف جمعاً؛ لأن الموصوف ــ وهو لفظ «عبقری» ــ یحمل فی معناه مبالغة کثیرة؛ لأنّ «العبقری منسوب إلى عبقر، تزعم العرب أنّه بلد الجنّ، فینسبون إلیه کل شیء عجیب» (الزمخشری، د ت، ص 454). وهو یطلق على کل ما بولغ فی وصفه، وما یفوقه شیء. وتصل هذه المبالغة إلى حدٍّ کأنّ مفرده یعادل الجمع، ویوصف بصفة الجمع، وإن جاء فی تفسیر مجمع البیان أنه جمع، ونقل عن القتیبی: کل ثوب موشّیً فهو عبقری، وهو جمع؛ ولذلک قال «حسان». 2ـ6ـ المعرفة و النکرة: نکتفی هنا بنموذج، وهو أنّ النعم الدنیویة ذُکرت معرفةً والنعم الأخرویة جاءت بصیغة النکرة. على سبیل المثال، لفظة «النّخل» الذی نراه فی الدنیا جاء معرفة، والنخل والرّمّان اللذان یکونان فی الجنة جاءا نکرتین؛ کأنّ النخل والرمان وجمیع نعم الجنة شىء غیر ما نراه فی الأرض، ولها کیفیات ولذّات تفوق ما ندرکه فی فواکه الدنیا. الظاهرة الصرفیة الأخرى التی شاعت فی نصّ السورة هی استخدام ضمیر المثنى؛ سواء فی آیات وصف النعم الدنیویة أو الجنة أو العذاب الأخرویة. إضافة إلى هذه الضمائر، هناک کثیر من أسماء المثنى یرجع إلى الإنس والجن؛ وإضافة إلیهما، نرى أنه فی المجالات الأخرى یکثر استعمالها؛ نحو: «المشرقَین والمغربَین»، «بَحْرَیْن»، «جنّتان»، «عَینانِ»، «زَوجان»، «مُدهامَّتان»؛ وربّما فی التوکید على التثنیة وتکرارها تلمیح إلى صفة الرحمانیة فی الله تعالى التی تشمل الجنّ والإنس جمیعاً.
3ـ المستوى النحوی (Sintacstylistics) «وهی الدلالة التی تحصل من خلال العلاقات اللغویة بین الکلمات التی تتخذ کل منها موقعاً معیناً فی الجملة حسب قوانین اللغة؛ حیث کل کلمة فی الترکیب لابد أن یکون لها وظیفة نحویة من خلال موقعها» (مجاهد،2005م، ص370). والجملة عند النحاة «مصطلح یدل على وجود علاقة إسنادیة بین اسمین، أو اسم وفعل. والإسناد هو نسبة إحدى الکلمتین إلى الأخرى» (قدور، 1996م ، ص 218). وفی هذا القسم نبحث حول بعض الظواهر النحویة فی سورة الرحمن: 3ـ1ـ الترکیب الإسنادی: فی نظرة کلیة یمکن تقسیم السورة إلى ثلاثة مواضیع: الأول. الوصف، وتَعداد نعم الله سبحانه وتعالى فی الدنیا؛ الثانی. وصف العذاب فی آیات قلیلة؛ الثالث. وصف نعم الجنة؛ وهذا الموضع الأخیر أکبر وأطول من الموضعین السابقین. تصویر نعم الربّ الدنیویة جاء خلال الجملات الفعلیة والاسمیة على السواء تقریباً. والفعل فی الجملات الفعلیة غالباً یستعمل بشکل الماضی. وعندما نصل إلى الآیات التی تصف لنا عذاب النار، هناک شیء یجذب الانتباه، وهو أن الجمل فی جمیع آیات هذا القسم فعلیة، وفعلها مضارع؛ کأن الله تبارک وتعالى لا یرید هنا أن یصرّح على الدیمومة فی العذاب وثبوتها، ولکن إذا وصل الدور إلى الآیات التی تصوّر الجنة وما فیها من النعم، نرى تقریباً کل الآیات جملاً اسمیة، والجملة الاسمیة موضوعة لثبوت المسند للمسند إلیه، وهذا السیاق یناسب المعنى المقصودَ هنا، وهو ثبوت النعم فی الجنة وعدم زوالها، ویعطی الإنسان نوعاً من الهدوء والاطمئنان والفرح. 3ـ2ـ الخبر و الإنشاء: هناک مجال آخر فی تقسیم الجمل، وهو تقسیمها من حیث الخبریة والإنشائیة. أکثر الآیات یتشکل من الجمل الخبریة، والغرض منها تذکیر النعمات والامتنان. وهناک آیات جاءت فی سیاق الإنشاء الطلبی ــ وهو الأمر والنهی والاستفهام والنداء ــ نشیر إلى کلّ منها: أ. الأمر و النهی: نرى استخدام صیغة الأمر والنهی مرّتین فحسب؛ لأنهما أقل مناسبة مع الوصف الذی تصورّه هذه السورة المملوءة بالرحمة والإحسان؛ وهما الآیة الثامنة: «أَلاّ تَطْغَوْا فی الْمیزانِª ــ وهی تعبیر بالنهی ــ ، والآیة التاسعة التی تلاها: «وَأَقیمُوا الْوَزْنَ بالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمیزانَª التی جاءت فیها صیغة أمر ونهی. فی الآیتین أمر واحد ونهیان، وکلّها فی مجال واحد ویدور حول مفهوم واحد وهو إقامة الوزن والمیزان. وهذا یشیر إلى التوکید على أهمیة العدالة ورعایة المیزان. ب. الاستفهام: إن الله تعالى عالم بکل شیء، والاستفهام الذی یدل على طلب الفهم لا ینسب إلیه؛ فجاءت فی القرآن لأغراض بلاغیة. فی سورة الرحمن المبارکة نرى الاستفهام فی موضعین: الموضع الأول فی الآیة المتکررة: «فَبأَیِّ آلاءِ رَبِّکُما تُکَذِّبانِª؛ و «عند هذا المقطع یهتف بالجن والإنسان فی مواجهة الکون وأهل الکون، وهو سؤال للتسجیل والإشهاد. فما یملک إنس ولا جانّ أن یکذّب بآلاء الرحمن فی مثل هذا المقام» (قطب، 1391هـ، ص 670). ومعنى الاستفهام فیها الإنکار والامتنان. مجیء هذه الآیة الاستفهامیة خلال الآیات الوصفیة یفید تناوب الانتباه إلى النعمات ومعطیها. الموضع الثانی فی آیة الستین: «هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاّ الْإِحْسانُª التی جاء الاستفهام فیها بمعنى الإنکار أو النفی. ج. النداء: ینحصر أسلوب النداء فی الآیتین 31 و 33، وکلتاهما جاءت لإنذار الجمیع من الجن والإنس. ونرى فی هاتین الآیتین عدولاً من الغائب إلى الخطاب، وفوجئ الإنسان بالخطاب المؤکَّد بحرف النداء، وهذا بلاغة الإنذار؛ لئلاّ یظنّ إنسٌ ولا جانّ أنّ الإنذار والعذاب الذی یذکر بعد النداء یتعلق بالآخرین دونه. 3ـ3ـ التقدیم والتأخیر: هناک شیء جدیر بالانتباه وهو تقدیم الإنس على الجانّ فی جمیع الآیات إلاّ واحدة، وهی الآیة 33 التی جاءت فی صدر الآیات التی تختصّ بالعذاب ووصف النار: «یا مَعْشَرَ الْجِنِّ وْالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذوا لا تَنْفُذونَ إِلاّ بسُلْطانٍª. هنا تقدّم الجن على الإنس، وربما یرجع السبب إلى أنّ الجن قد کان ذا قدرة فی النفوذ إلى السماوات دون الإنس؛ ولهذا قُدِّم الجن فی الذکر للتوکید على منع النفوذ إلى السماوات، حتى من الجن الذی قد نفذت من قبل.
4ـ المستوى الدلالی (Semanstylistics) البحث فی الدلالة و المستوى الدلالی بجمیع أشکاله وتفرعاته مطلب من مطالب الدرس الأسلوبی، ویعتبر غایة جمیعها، ویؤثر فی الکشف عن أبعاد النص المختلفة والتنوع الدلالی فیه. یبحث علم الدلالة فی العلاقة بین اللفظ والمعنى؛ أو بعبارة أخرى، الدال والمدلول فی اللغة. إذن «عملیة الکلام لها جانبان: أحدهما مادی وهو الأصوات المنطوقة، والآخر عقلی (المعنى)، وهو المقصود؛ ولهذا یجب أن یسیر التحلیل اللغوی فی خطّین متوازیَین» (أولمان، 1975م، ص 37). فالمستوى الدلالی لا ینحصر فی إفهام المتلقی وإیصال المعنى، بل یهتمّ بالمعنى وکیفیة التعبیر عنه بأشکال مختلفة ونوع الصلة بین اللفظ والمعنى. یبدو أن الألفاظ المختلفة یمکن أن تعبّر عن معنى واحد، ولکن لا یمکن وضع واحد من الألفاظ موضع الآخر؛ وهذا بالنسبة إلى القرآن الکریم أوضح؛ لأن الألفاظ فی القرآن من حیث المناسبة وإیحاءها الصوتی والمعنوی جُعل کلّ منها فی موضعه، بحیث لا یؤدی لفظ آخر ما أرید به من المقصود والمراد. فی هذا المجال نذکر نموذجاً یمثّل حسن الاختیار فی ألفاظ القرآن وهو الآیة 66 «فیهما عَیْنانِ نَضّاخَتانِª. لفظ «نَضّاختانِ» من مادة «النضخ»، و«نضخ الماء: اشتدّ فورانه من ینبوعه» (مصطفى وآخرون، 1429هـ، مدخل «نضخ»)، واختیر هذا اللفظ دون کلمة «نضح» بمعنى الرشح؛ لأن التوکید والشدة والقوة التی تصوّرها مادة «نضخ» لا نراها فی «نضح». ثم نتطرق إلى بعض العلاقات الدلالیة فی سورة «الرحمن»، وهی: التضاد، شبه التضاد، المشترک اللفظی، الاشتمال وتوسع المعنى. 4ـ1ـ التضاد: هو أن یکون للکلمتین معنیان متضادان. قد یکون اللفظان المتضادان مختلفین. على سبیل المثال، أحدهما فعل والآخر اسم؛ نحو: «کُلُّ مَنْ عَلَیْها فانٍ µ وَیَبْقى وَجْهُ رَبِّکَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِکْرامِª. التضاد فی هاتین الآیتین بین «فانٍ» وهو اسم و«یبقى» وهو فعل. هناک نوع آخر من التضاد وهو «طباق السلب»، ونرى نموذجاً منه فی آیة 33: «یا مَعْشَرَ الْجِنِّ وْالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذوا لا تَنْفُذونَ إِلاّ بسُلْطانٍª بین فعلین «اُنفُذوا» و «لا تَنفُذون».
4ـ2ـ شبه التضاد: «إن الوهم یُنزل المتضادین والشبیهین بهما منزلةَ المتضایفین؛ فیجمع بینهما فی الذهن؛ ولذلک، الضدُّ أقرب خطوراً بالبال مع الضد» (الخطیب القزوینی، 1949م، ص 264). ومن نماذجه فی هذه السورة: «الشمس والقمر»، و«النجم والشجر»، و«السماء و الأرض»، و«الإنس والجن»، و«المشرق والمغرب» و «النواصی والأقدام». وکذلک منه: «وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمیزانَª؛ فشبه التضاد فی هذه الآیة بین فعلین: «رفع» و«وضع». 4ـ3ـ المشترک اللفظی: یدخل فی هذا الباب لفظ واحد ذو معان مختلفة؛ أو بعبارة أخرى، «کلمة واحدة لها أکثر من مدلول» (قدور، 1996م،ص 316). ومنها فی سورة الرحمن: «وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ یَسْجُدانِª. لـ«النجم» معنیان: الأول: أحد الأجرام السماویة المضیئة بذاتها؛ والثانی «... من النبات: ما لا ساق له». (مصطفى وآخرون، 1429هـ، مدخل «نجم»). والمراد هنا المعنى الثانی الذی یتناسب مع الشجر، والمعنى الأوّل أیضاً یتلائم مع «والشمس والقمر» فی الآیة السابقة. 4ـ4ـ الاشتمال أو التضمن: یدلّ على الدال الذی یکون مدلوله عاماً؛ لأنه یضمّ دلالات متعددة تنضوی تحته (قدور،1996م، ص 310). على سبیل المثال، کلمة «فاکهة» فی الآیتین 11 و68 تشتمل على جمیع أنواع الفواکه، ولها دلالة عامة؛ وکذلک کلمة «الحَبّ» فی الآیة 12 تضم جمیع أنواع الحبوب، و«الأنام» و«الأنام: جمیع ما علی الأرض من الخلق» (مصطفی وآخرون، 1429هـ، مادة «أنم»). 4ـ5ـ توسّع المعنى: کلمة «المیزان» جاءت فی الآیات 7، 8 و9، وفی المرّة الثانیة والثالثة تستعمل الکلمة نفسها بدل الضمیر. وهذا الأمر یمکن أن ینظر إلیه من جانبین: الأول. التوکید على مفهوم المیزان؛ و الثانی. ربما أن یکون المیزان الثانی والثالث غیر ما یعنیه المیزان الأول. المیزان الأول یدل على القوانین التکوینیة التی وضعها الله تبارک وتعالى، والمیزان الثانی هو الأحکام السائدة على الحیاة الفردیة والحیاة فی المجتمع. والمیزان الثالث أکد على معناه اللغوی و«هو الآلة التی توزن بها الأشیاء» (مصطفى وآخرون، 1429هـ، مدخل «وزن»). وفی هذه الآیات نرى الانتقال تدریجیاً من المعنى الکلی إلى المعنى الجزئی واللغوی (را: مکارم شیرازى،1362هـ. ش، ص 108)
أهم النتائج 1ــ هناک صلة تامّة فی السورة بین الصوت والمعنى؛ 2ــ استخدام الفاصلة فی الآیات القصیرة أکثر تأثیراً ومناسبة للإنذار والتنبیه إلى العواقب السیئة للمجرمین. وأمّا فی آیات الوعد ووصف نعم الجنة، فنسبة المقاطع المتوسطة والطویلة فیها أکثر من الآیات الأخرى؛ وربما هذا الهدوء والاطمئنان وطول النفَس یؤدی إلى معنى السکون و السلامة فی الجنة؛ 3ــ کثر فی السورة ختم الفواصل بحروف المدّ و اللین لیکون أکثر تأثیراً. وورود النون بعد حروف المدّ متواکبة تشکل موسیقىً جمیلة للسورة؛ لأنّ النون ذات وضوح سمعی، وتعتبر من الحروف المجهورة الرنّانة، وفیها معنى الثبات والاستقرار. وهذا یفید لفت الانتباه والإقرار أمام النعم وتعظیمها؛ 4ــ الآیتان 14 و 15: «خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ کَالْفَخّارِª و«خَلَقَ الْجانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍª تبیّنان خلقة الجن و الإنس. وفی کلتا الآیتین الفاصلة هی حرف الراء ــ بدل النون ــ بعد المد. والراء حرف تکریری اهتزازی یناسب تماماً معنى کلمة «الفخّار» و«النار»؛ لأن الفخار یفید الانکسار، و من صفات لهب النار الحرکة والاهتزاز؛ 5ــ کثرة التکرار من أبرز الظواهر الأسلوبیة فی السورة، ویؤثر فی الإیحاء، ویفید التوکید والموسیقى؛ وقدجاء فی عدة مستویات: تکرار الجملة، تکرار المفرد، وتکرار الحرف؛ 6ــ نسبة الجمل الفعلیة أقل من الاسمیة، والفعلیة جاءت فی الآیات التی تختص بذکر العقاب والعذاب، وأکثرها استعملت فی صیغة المجهول، وإن کان الفعل معلوماً، فلیس بمتعدٍ؛ ومنها: «یُرْسَلُ عَلَیْکُما شُواظٌ مِنْ نارٍ... ª، «فَیَوْمَئِذٍ لا یُسْئَلُ عَنْ ... ª، «یُعْرَفُ الْمُجْرِمونَ... ª، «یُؤْخَذُ بالنَّواصی...ª. هذا السیاق یختص بذکر العذاب دون النعیم، ربما السبب یرجع إلى عدم نسبة العذاب إلى الله سبحانه وتعالى وملائکته؛ ولعلّ السبب أمر آخر، وهو إشاعة جوّ من الرهبة التی تزید منها صیغه المبنی للمجهول؛ 7ــ طریقة توزیع الجمل: الفعلیة والاسمیة، والأفعال الماضیة والمضارعة، والمعلومة والمجهولة. فلکلها أغراض بلاغیة رائعة. على سبیل المثال، تصویر النعم الدنیویة جاء فی الجمل الفعلیة والاسمیة على السواء تقریباً، والفعل غالباً یستعمل بشکل الماضی. وعندما نصل إلى الآیات التی تصف عذاب النار، نرى الأفعال مضارعة؛ کأنّ الله Y لا یرید أن یصرّح بالدیمومة فی العذاب وثبوتها، ولکن فی الآیات التی تصوّر الجنة وما فیها من النعیم، جاء کل الآیات تقریباً فی سیاق الاسمیة؛ لإیحاء ثبوت النعم ودوامها وعدم زوالها فی الجنّة؛ 8ــ هناک علاقات دلالیة کثیرة فی سورة «الرحمن»؛ منها: التضاد، شبه التضاد، المشترک اللفظی، الاشتمال وتوسع المعنى.
| |||||||||||||||||
مراجع | |||||||||||||||||
أ. المصادر العربیة ــ القرآن الکریم 1. أولمان، ستیفن. (1975م). دور الکلمة فی اللغة. ترجمة کمال بشر. القاهرة: دار غریب. 2. البحرانی، سیدهاشم. (د ت). البرهان فی تفسیر القرآن. (ج 1). قم: إسماعیلیان. 3. بن ذریل، عدنان. (1427هـ). اللغة والأسلوب. (مراجعة وتقدیم حسن حمید). (ط 2). عمان: مجد لاوی. 4. الحجازی، محمود فهمی. (1978م). مدخل إلى علم اللغة. القاهرة: دار قباء. 5. الخطیب القزوینی، محمد بن عبدالرحمن. (1949م). الإیضاح فی علوم البلاغة. بیروت: دار الکتاب اللبنانیة. 6. الخفاجی، محمد عبدالمنعم، ومحمد السعدی فرهود، وعبدالعزیز شرف. (1992م). الأسلوبیة والبیان العربیة.القاهرة: الدار المصریة اللبنانیة. 7. الرافعی، محمد صادق. (1990م). إعجاز القرآن والبلاغة النبویة. بیروت: دارالکتاب العربی. 8. الزمخشری، محمود بن عمر. (د ت). الکشّاف عن حقائق التنزیل وعیون الأقاویل فی وجوه التأویل. (ج 4). بیروت: دار الکتاب العربی. 9. الصغیر، محمدحسین علی. (2000م). الصوت اللغوی فی القرآن. بیروت: دار المؤرخ العربی. 10. الطبرسی، فضل بن الحسن. (1408هـ). مجمع البیان فی تفسیر القرآن. بیروت: دار المعرفة. 11. عبابو، نجیة. (2008م). التحلیل الصوتی والدلالی للغة الخطاب. (أطروحة لنیل درجة الماجستیر). نابلس: جامعة النجاح الوطنیة، کلیة الدراسات العلیا. 12. عبدالله، محمد فرید. (2008م). الصوت اللغوی ودلالاته فی القرآن الکریم. بیروت: دار ومکتبة هلال. 13. عودة،خلیل. (2003م). «المصطلح النقدی فی الدراسات العربیة المعاصرة بین الأصالة والتجدید ــ الأسلوبیة نموذجاً».مجلة جامعة الخلیل للبحوث، العدد الأول، ص47ــ63. 14. فضل، صلاح. (1998م). علم الأسلوب، مبادئه و إجراءاته. القاهره: دار الشروق. 15. قدور، أحمد محمد. (1996م). مبادئ اللسانیات. دمشق: دار الفکر. 16. قطب، سید. (1391 هـ). فی ظلال القرآن. (ج 23). (ط 7). بیروت: دار إحیاء التراث العربی. 17. مجاهد،عبدالکریم. (2005م). علم اللسان العربی، فقه اللغة العربیة. عمان (الأردن): دار أسامة. 18. مصطفى، إبراهیم، وأحمد حسن الزیات، وحامد عبدالقادر، ومحمد علی النجار. (1429هـ). المعجم الوسیط. (ط 6). القاهرة: مجمع اللغة العربیة. 19. النورى، المیرزا حسین. (1321هـ). مستدرک الوسائل ومستنبط المسائل. طهران: نشر الإسلامیة.
ب. المصادر الفارسیة 20. شمیسا، سیروس. (1372هـ. ش). کلیات سبکشناسى. تهران: فردوس. 21. مکارم شیرازى، ناصر، ودیگران. (1362هـ. ش). تفسیر نمونه. (ج 23). تهران: دار الکتب الإسلامیة.
ج. المواقع الإنترنتیة 22. الجصانی، سلیم. (5/8/2010م). «التکرار فی القرآن الکریم، درس بلاغی». شبکة النبإ المعلوماتیة. www.annaba.org.
| |||||||||||||||||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 1,639 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 602 |