
تعداد نشریات | 43 |
تعداد شمارهها | 1,685 |
تعداد مقالات | 13,846 |
تعداد مشاهده مقاله | 32,773,390 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 12,959,347 |
المحبّة والحبّ من المنظور الجبرانيّ | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بحوث في اللغة العربية | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مقاله 7، دوره 2، شماره 3، دی 2010، صفحه 99-116 اصل مقاله (286.29 K) | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نوع مقاله: المقالة البحثیة | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نویسنده | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
صادق فتحي دهکردي* | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
استاديار گروه زبان و ادبيات عربي دانشگاه کردستان | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
چکیده | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
إن المحبّة في رأي جبران هي شريعة الحياة، وأساس کل شيء في العالم. وهي الحياة کلها، ومظهر من مظاهر الله،و نور ناتج من نور. والمحبة الحقيقية هي المحبة غير المتناهية وليست المحدودة. ولا يمکن للإنسان أن يتعلمها، بل يلزم أن تجيش في قلبه. وکذلک يجب اتباع المحبة والخضوع أمام أحکامها. ويلزم أيضاً أن يتجدد الحب بين المتحابّين کل يوم حتى لا يصطبغ بصبغة القِدَم. وکل هذا يؤدّي دائماً إلى انتصار المحبة على أعدائها. وهناک ملازمة بين الحب والجمال، ولايوجد في العالم دين أو جمال أفضل من المحبة. فيرى جبران أيضاً أن خلق العالم کان على أساس الحب، والمحبة هي التي يمکّن الإنسان من أن يدرک الحقيقة الموجودة في العالم، وهي الله. للمحبة في رؤية جبران أشکال مختلفة ومظاهرعدّة: حب الحياة وکل العالم والوجود، حب الإنسانية والناس، حب الطبيعة وحياة الفطرة، حب الوطن، والحب بين المتحابّين. تستهدف هذه المقالة إلى دراسة وتبيين وجهات نظر جبران إزاء الحب وأنواعه من خلالآثاره. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
کلیدواژهها | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
جبران؛ المحبة؛ الحیاة؛ الإنسان؛ الله | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
اصل مقاله | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
المقدمة جبران خلیل جبران الکاتب والشاعر الشهیر من موالید عام 1883 م فی قریة بشری بلبنان. کانت أسرته تعانی من الفقر والعوز، وأبوه یهمّه مجالس الشرب والقهوة أکثر مما یهمه أسرته. وکانت أمه ــ وهی بنت أحد الکهنة ــ ذات کمال وتقوى، وقفت نفسها على أولادها الأربعة، مما دفعها إلى أن تتّجه مع الأولاد إلى مدینة بوسطن الأمریکیة، فی حین کان جبران فی الثانیة عشرة من عمره. فاجأت المصائبُ جبرانَ فی عامین متوالیین ــ أی 1902 و1903 م ــ بموت أخته الصغرى، وأمّه الحنون، وأخیه الأکبر، مما سبّب فی أن یتکوّن فی نفسه عمق من الحزن والکآبة، ورافقته هذه النفسیة سنین طویلة، إلى أن تعرّفت ماری هاسکل على عبقریته، فأرسلته على نفقتها إلى باریس لمتابعة دروسه الفنّیّة عام 1908 م. وهناک تتلمذ للرّسّام الفرنسی والنّحّات الشهیر «رودان»، ثم تعرّف على الشاعر والرسام الانجلیزی «ولیم بلاک»[1]، وقد أثّر فیه تعلّقه الشدید بعالم الروح، ومیله الشدید إلى التأمل والتفکر. وأُعجب جبران شدیداً بحیاته العائلیة الهادئة، وکان جبران یتمنى لو کانت له مثل هذه الحیاة المثالیة. وبعد رجوعه إلى بوسطن، سافر إلى نیویورک عام 1912، وسکن فی بیت متواضع فی حی قدیم یقطنه أصحاب الفن، وقد أطلق أصدقاؤه اسم «الصومعة» على هذا البیت. عندئذ بدأ جبران مرحلة جدیدة من حیاته؛ حیث کانت مرحلة التأمل والتفکر والفلسفة، ولاسیما بعد ما تعرّف على «نیتشه» وکتابه «هکذا تکلم زرادشت»؛ حیث أثّر عمیقاً فی رؤیته تجاه الحیاة (الفاخوری، 1986م، ص 220). وفی عام 1920م تأسّست «الرابطة القلمیة» فی المهجر الشمالیّ، وعُیّن جبران زعیماً لها بانتخاب الأعضاء بالإجماع، وبدأ جبران یشعر بالمجد والعظمة اللّذَین کان یحلم بهما منذ طفولته. کان لجبران عدد من المؤلفات أهمها هو الذی جعله یشتهر، ورفعه إلى أسمى درجات الکتّاب والمؤلفین، ألا وهو کتاب النبی الذی أصدره بالإنجلیزیة عام 1923م. توفی جبران فی مستشفى «القدیس فنسنت» بنیویورک. فدفن جثمانه فی بوسطن، ثم نقل رفاته إلى بیروت فی السنة نفسها؛ حیث أقیم له استقبال کبیر، ثم نقل إلى مسقط رأسه بشری، فدفن فی دیر مار سرکیس التی کان یتمنى جبران لو دخلها حیّاً (سراج، 1964م، ص 303).
حیاته التأمّلیّة فی نظرة عابرة لفت جبران انتباه الجمیع بتألیف عدد من الکتب الأدبیة، وبعرض أدب رائع وتعابیر جمیلة، وکذلک المعانی السامیة العالیة والغامضة. کانت حیاته مشتملة على فترات مختلفة ومراحل عدة، جعلت منه شخصیة متفاوتة فی کل مرحلة. فاجتازت حیاته مرحلة «المشاعر والأحاسیس» التی اعتمدت غالباً على الحزن والأسى، والحب والمحبة،إلى مرحلة «التمرد والثورة» على الأوضاع السائدة فی المجتمعات الشرقیة. وانتهت إلى مرحلة «الحکمة والتأمل»، وخلق النبی الذی بحجمه القلیل ینطوی على کثیر من المعانی والمفاهیم فیما یتعلق بالإنسان وحیاته. کانت لجبران منطلقات خاصة فی مجالات مختلفة بما فیها الدین والشرائع السماویة،الإنسان والإنسانیة،الحیاة المثالیة والموت،الأبدیة والخلود،الحب والمحبة، إلى غیرذلک من المواضیع والمفاهیم المتعلقة بالإنسان. نشاهد فی آثاره أسلوباً ذا صیاغة فلسفیة تبین اطلاعه على کتب ذات طابع فلسفی، ولکن هذا لا یعنی أنه دخل جامعة خاصة ودرس على ید فلاسفة کبار، بل أخذ جبران ثفافته وفلسفته من هنا وهناک، و «أن نتاجه تعبیر عن حیاة تنمو وتتطور، ولیس تعبیراً عن فلسفة ذات نظام متکامل ومنضبط وعقلانی» (أبی فاضل،1992م، ص 544)، اللهم إلا أن نستثنی تلک الفترة التی درس فی «معهد الحکمة» ببیروت على ید أستاذه یوسف الحداد عندما رجع إلى وطنه بعد سنتین من ذهابه إلى أمیرکا، حیث کان فی الرابعة عشرة من عمره. وفی هذه السنوات تعرّف على کلیلة ودمنة والأغانی ومقدمة ابن خلدون ورسائل بدیع الزمان والمتنبی والبهاء زهیر ونهج البلاغة والتوراة. وکان أیضاً للحدّاد دور هام فی توجیهه نحو التأمل الروحی والتثقف الدینی، حیث کان الحداد نفسه ینتقل بنظره من الأرض إلى الفلک الأعلى، ورأى أن أنفع کتاب بعد کتاب الله هو الطبیعة (المصدر نفسه، ص 541). و هکذا لبث جبران أربعة أعوام یدرس فی بیروت استطاع فیها أن یتعمّق فی مظاهر الجمال فی لبنان، وأن یتذوّق ویرى بعینه ما یجری فی بلاده من ظلم اجتماعی واستبداد إقطاعی (الفاخوری، 1986م، ص 220). وکانت الجمعیة التیوصوفیة قد تشکلّت فی أمیرکا منذ سنوات، عندما عاد جبران إلیها، ویمیل المناخ الروحی هناک إلى التنوع والتعقید والخروج على التقالید المسیحیة. وبما أن جبران لم یکن یطیق هذه التقالید والطقوس، فلذا نزع إلى التیوصوفیة (أبی فاضل، 1992م، ص 539)؛ لأنه وجد فیها غذاء لنزعته الصوفیة، ودعماً لرسالته الإصلاحیة، ومنطلقاً لعمله الاجتماعی. وتدّعی التیوصوفیة أن معرفة الله تتحقق عن طریق معرفة الذات، وبواسطة الوحی الذاتی؛ فتسمو بذلک الروحُ الإنسانیة سموّاً تتحد فی نهایته بالله، فترفض التقالید والأنظمة التی توارثتها الأجیال، ولا فرق عندها بین الأدیان. فالتیوصوفیة تلتفت إلى قلب الإنسان تُخلیه بالمحبّة من کلّ ما یحول دون نموّ التعالیم الإلهیة، وتجعله بصفاء المحبة مصدراً للإلهام والإشعاع الإشراقی (الفاخوری، 1986م، ص 238). یشبه هذا الإشراق والإلهام ما نجده فی العرفان الإسلامی؛ إذ إن العرفان مذهب فکری فلسفی متعال وعمیق للتعرّف على الحق وحقائق الأمور ومشاکل العلوم ورموزها، ویتحقق هذا عن طریق المکاشفة والشهود والإشراق القلبی (سجّادی، 1372هـ. ش، ص 8)، بینما لا ندّعی أن جبران أو التیوصوفیون کانوا عرفاء بالمعنى الإسلامی؛ إذ إن العارف المسلم یزکّی نفسه، ویطهّر باطنه، ویواظب على الأحکام والشرائع الدینیة، ویتأمل ویفکر فی حقائق الکون والوجود، ویستعین بالله فی کل هذا؛ وکما یقول ابن سینا:«یتصرف العارف بفکره إلى قدس الجبروت مستدیماً بشروق نور الحق فی سرّه» (المصدر نفسه). فواصل جبران حیاته التأملیة فی بوسطن بمطالعة کتب ذات طابع دینی وفلسفی وأسطوری، مما أهدتها إلیه ماری هاسکل، أو ما کانت طموحاته الفنیة والروحیة تفرض علیه مطالعتها. فقرأ کتاب المنجد الکلاسیکی لجون لامبرییر، حیث هتف بعد قرائته:«لم أعد کاثولیکیاً، إننی وثنیّ». ثم قرأ کنز المتواضعین لموریس مترلنک، وکتاب المزامیر وأناشید الأرض. فالکتب ذات الطابع الأسطوری قد أثرت فیه تأثیراً شدیداً حیث جعلته یمیل إلى رموز ماقبل المسیحیة، وإلى التعمق والتأمل فی المفاهیم الإنسانیة والکونیة (أبی فاضل،1992م، ص 539). ثم تعرّف جبران على نیتشه و فلسفته وکتابه هکذا تکلم زرادشت. فأثار فی قلبه موجة جدیدة من الطغیان والعاصفة مما استمرت سنوات إلى أن هدأت العاصفة الجبرانیة بظهور کتاب النبی. فدعا جبران الناس إلى الله برفض التقالید واعتناق مذهب المحبة والتعالی فوق الأدیان. وهکذا کانت حیاة جبران حافلة بالحزن والأسى مما ساقه إلى التأمل والتفکر، وملیئة بالحب والمحبة مما ساقه إلى العصیان والطغیان على شرائع الکهّان وتقالیدهم. فنرى أن الدّین فی رؤیته لیس إلا صلة حرّة بین الإنسان وبین الله دون أن یحتاج إلى الشرائع والتقالید الخاصة، وکذلک الإنسان مخلوق سماوی جُبل على فطرة إلهیة یحاول لتحقیق صبغته الإلهیة التی اصطبغ بها. فعلیه أن یتعالى ویتکامل إلى أن یصل إلى الله الذی هو الحقیقة الوحیدة فی العالم والکون. و زبدة الکلام فی المنظور الجبرانی أن الله تعالى خلق العالم على المحبة،والمحبة هی الجسر الوحید للتعالی والوصول إلیه.
خلفیة البحث وفرضیته رغم أن جبران یعدّ من کبار الأدباء العرب الذین شغل الناس بأدبهم، ورغم أن المحبة هی جزء رئیسی من فکر جبران وأدبه، وتمثل دیناً خاصاً له، لکننا قلّما نجد فی داخل البلاد بحثاً مستقلاً یتطرّق إلى جبران من هذه الرؤیة، ویبین وجهات نظره إزاء الحب، ویحلّل التعبیرات التی یعبّر بها عنه. وقدر ما فتّشنا فی أعداد کثیرة من المجلات المحکّمة لکل من جامعة طهران، وشهید بهشتی، وتربیت معلم، وإصفهان، وجامعة فردوسی بمشهد المقدسة، وکذلک جامعة تربیت مدرس،وجدنا أن کل ما هو المکتوب عن جبران یستطرد إلى فلسفته وفکره وأدبه إلا مقالة فارسیة طبعت فی مجلة الجمعیة الإیرانیة للغة العربیة وآدابها باسم "گفتمان عرفان در آثار جبران " للدکتور علی سلیمی ومحمود شهبازی مأخوذة من أطروحة الماجستیر بالفارسی المسماة تأملات دینی جبران،و التی تطرّق المؤلفان فیها إلى المحبة فی صفحة ونصف صفحة. وکذلک کتاب عرفان در اندیشه جبران لسوسن فروتن شیرازی التی استطردت فیه إلى مصادر معرفة جبران، وتحدثت فیه أیضاً عن الحب باختصار. تستهدف هذه المقالة إلى تبیین ودراسة وجهات نظر جبران تجاه المحبة، ودورها الرئیسی فی الحیاة الإنسانیة؛ وذلک من خلال آثاره معتمداً على هذه الفرضیة: إن المحبة من الرؤیة الجبرانیة هی أساس کل شیء فی العالم، وبدونها لا یتحقق مفهوم الإنسانیة والحیاة.
1ـ المحبة ومیزاتها هناک خلاف بین الأدباء فی أنه ما هو واجب الفن والأدب؟ أیجب على الأدب أن یسیر فی مضمار الخدمة للأدب والفن فحسب؟ أم له مسؤولیة هامة تجاه الإنسانیة والحیاة؟ فیرى عدد منهم أن الفن إنما یکون للفن والأدب للأدب، بینما یرتأی آخرون منهم أنه یلزم أن تخدما الحیاة والإنسانیة. من هذه الفئة الأخیرة جبران الذی یعتقد أنه یحمل رسالة روحیة إنسانیة إلى جانب رسالته الوطنیة، وأنّ هذه الرسالة شیء أوسع بکثیر من أن تحدّه حدود العاطفة القومیة؛ لأنه یرى أن للأدب والأدیب رسالة سامیة، وهی أن یفتحا عیون الناس على الجمال والحق، ویقوداهم إلى ینابیع الحب والحریة (الناعوری، 1977م، ص 361). على صعید آخر یجرّب جبران فی حیاته تجربتین رئیسیّتین تؤثران فیها تأثیراً شدیداً، وتلوّنان فکره ومزاجه؛ بحیث تُحدِثان فیهما تغییرات متضاربة، وتقیمان العلاقات الفکریة والروحیة بینه وبین الکتّاب والأدباء، وهما تجربتا الحب والغربة (عکاشة، 1992، ص 16). إن الحب والمحبة یلعبان دوراً رئیسیاً فی حیاة جبران الشخصیة والأدبیة منذ أن کان فی عنفوان شبابه، وکلما لم ینل آماله فی مجال الحب ازداد شوقاً وحبّاً من جانب، وحزناً وأسى من جانب آخر. والمحبة عنده على حد تعبیر میخائیل نعیمة: «حقیقة تجعل للحیاة معنىً شاملاً یتسامى فوق کل المقادیر والمقاییس البشریة، وتقیم للإنسان وزناً یضیق به الزمان والمکان» (جبران، 1996م، ص 22). حیث یمکننا القول بأنه ألّف کتاب النبی على أساس الحب؛ فلذلک من الضروری أن نعالج وجهات نظر جبران إزاء الحب، بادئین بتعریف المحبة، وذکر میزاتها من منظوره.
ألف. الحب شریعة الحیاة
(البورینی والنابلسی، ب 2007م، ص 379) یمثّل الحب فی المنظور الجبرانی أمنیّة من أمانی البشر، کما هو الحال فی الأخوّة الحقیقة، والعدل، والجمال والسعادة؛ إذ إن الحب هو شریعة الحیاة. عنده یلتقون، وأمامه یتساوَون، وعن الحب تتفرع جمیع مظاهر الحیاة. العمل أساسه الحب، وکذلک الألم والدین والحریة والزواج (عکاشة، 1992م، ص 21). یرى جبران أن کل شیء فی هذا الوجود طریقه المحبة، ولا معنى للوجود وما فیه من مظاهر إلا إذا امتزج بالحب، وهذا الحب هو الذی یسبّب فی تعرّف الإنسان على نفسه، ممّا یؤدی إلى تعرّف الإنسان على الله تعالى؛ کما قال النبی J:«من عرف نفسه فقد عرف ربَّه» (المجلسی،1404 هـ، ص 32). وهذا ما یوصل الإنسان إلى الناس أولاً، فإلى الله أخیراً؛ لأن المحبة عنده هی التی تجعل القلب مستعدّاً لحلول الإلهامات والإشعاعات الإلهیة:«إن الحیاة ظلام إلا إذا صاحبَها الحافز، وکل حافز ضریر إلا إذا اقترن بالمعرفة، وکل معرفة هباء إلا إذا رافقها العمل، وکل عمل خواء إلا إذا امتزج بالحب، فإذا امتزج عملک بالحب فقد وصلت نفسک بنفسک وبالناس وبالله» (جبران، آ 1992م، النبی، ص 49). ثم یعرّفنا على العمل الممزوج بالحب، ویعلن أن کل عمل الإنسان فی الحیاة یلزم أن یلازمه الحب، وإلا أجدر بالإنسان أن یترکه: «العمل حبٌّ تجسّم للعیون. فإذا کنت تعمل وحلیفک النور لا الحب، فخیرٌ لک أن تهجرالعمل، فتقعد على باب المعبد تتلقى الصدقات» (المصدر نفسه).
ب. الحب هو الحیاة کلها
(البورینی والنابلسی، آ 2007م، ص 368) إذا عالجنا حیاة جبران من بدایتها إلى النهایة، شاهدنا ــ وکما مر ــ تغییرات وتطورات حدثت له فی أطوار ثلاثة:طور الأحاسیس والمشاعر؛ حیث کان فی عنفوان شبابه،طور العاصفة والطغیان، وأخیراً طور التأمل والحکمة؛ حیث کان فی السنوات الأخیرة من عمره عندما تعرّف على الأفکار الصوفیة والفلسفیة، بما فیها أفکار نیتشه وکتابه هکذا تکلم زرادشت. وکتاب النبی الذی کان عصارة أفکاره وآماله،ألّفه فی أواخر عمره متأثراً بهذه الأفکار. إن النظرة الجبرانیة إلى الحب والمحبة تشبه النظرة الصوفیة والعرفانیة إلیهما؛ حیث ترى الملازمة التامة بین الحیاة والحب والإنسان وکل عمل یقوم به الإنسان فی حیاته. ولابدّ لنا من القول إن هذه النظرة العرفانیة عند جبران لیست تعنی النظرة العرفانیة بالمعنى الإسلامی الدقیق، بل هی نظرة بالمعنى الفلسفی؛ لأن العارف یزکی نفسه، ویطیل التأمل فی الکون والوجود لکی یصل إلى الحقیقة المطلقة من طریق الإشراقات القلبیة والإلهامات الإلهیة، ولکننا نجد إلى حدٍّ الشبه بینهما من الناحیة التأملیة والنظریة. فنراه یعتقد بادی الرأی أن الحب هو شریعة الحیاة، بل هو النصف الملتهب للحیاة، لکنه یعود قائلاً إنه هو الحیاة کلها. یتحدث جبران فی قطعة «على باب الهیکل» من العواصف عن الحب، ویذکر وجهات نظر کل طائفة من الناس تجاهه، وأخیراً یستنتج قائلاً: «الحیاة نصفان؛ نصف متجلّد ونصف ملتهب. فالحب هو النصف الملتهب» (جبران، ب د. ت، العواصف، ص 382). ثم یعبّر جبران عن الحب بأنه هو الحیاة الحرّة الطلیقة، بل هو الوجود فی أسماه، وأن مشاکل الوجود ــ أولها وأخرها ومابینها من مراحل التقلب والتطور ــ کلها ترجع إلى أصل واحد یفسّر لنا السرّ المختفی وراء هذا الوجود، وهو الحب (عکاشة، 1992م، ص 21). یرى جبران أنه لا یمکن الانفصال بین الحیاة والمحبة والجمال؛ لأنها ثلاثة أجزاء من کیان واحد: «الحیاة بغیر الحب کشجرة بغیر أزهار ولا أثمار. والحب بغیر الجمال کأزهار بغیر عطر وأثمار بغیر بذور... الحیاة والحب والجمال ثلاثه أقانیم فی ذات واحدة مستقلة مطلقة لا تقبل التغییر ولا الانفصال» (جبران، ب د. ت، العواصف، ص 415).
ج. الحب مظهر من مظاهر الله یرى المتصوفة أن العالم مظهر للمحبة الإلهیة، وخلق العالم إنما کان ناشئاً عن الحب الإلهی؛ حیث ورد فی الحدیث القدسی:«کنتُ کنزاً مخفیّاً. فأحببت أن أُعرفَ، فخلقتُ الخلقَ لکی أُعرفَ» (سجّادی، 1372هـ. ش، ص 9). فنرى جبران یعتقد من منظوره الصوفی والفلسفی أن للمحبة قداسة؛ لأنها مظهر من مظاهر الله. ویتحدث فی العواصف عن أشباح ثلاثة تمجّد الحب والتّمرّد والحرّیّة کمظاهر لله الذی هو ضمیر العالم: «الحب وما یولده، والتمرد وما یوجده، والحریة وما تنمیه ثلاثة مظاهر من مظاهر الله، والله ضمیر العالم العاقل» (جبران، ب د. ت، العواصف، ص 416). ویقول أیضاً: «إذا أحببتَ، فلا تقل: "لقد وسِعَ قلبی اللهَ"، بل قل: "وسعنی قلبُ الله"» (جبران، آ 1992م، النبی، ص 45). یقصد أنک إذا أصبحت محباً لأحد أو لشیء، لا تقل: «إن الله فی قلبی»، بل یلزم علیک أن تقول: «أنا فی قلب الله». وقداسة المحبّة تؤدّی إلى قداسة القلب؛ لأن الله تعالى یقدّس کل مکان فیه المحبة، وهذا المکان هو قلب المحب: «بنیت هیکلاً بین أضلُعی للمحبة، فقدّسه الله، ولن تقوى علیه القوات» (جبران، ب د. ت، ص 31)، فیعطی جبران المحبة للقریب طابعاً دینیاً؛ حیث یرى أن الإنسان إذا أحب حبیبه، فقد أحبّ الله، والعکس صحیح. فالمحبة الجبرانیة ذات بعد دینی من حیث مصدرها وغایتها (أبی فاضل، 1992م، ص 586). هذا ویعتقد جبران أن الله بحر المحبة والجمال، والنفس ترجع نهائیاً إلى هذا البحر الذی انفصلت عنه أولاً: «النفس تنفصل عن الروح الأمّ، وتسیر فی عالم المادة... فترجع إلى حیث کانت: إلى بحر المحبة والجمال، إلى الله» (جبران، ب د. ت، دمعة وابتسامة، ص 9).
د. الجمال ومعرفة النفس مصدران للحبّ یعتقد جبران أن المحبة تنشأ عن الجمال، والجمال هو الحیاة ومبعث المحبة التی تسیّر الکون. والإنسان یسمو بالمحبة. ویرى أیضا أن المحبة والجمال مصدران للحکمة: «اقترب قلبی منالحکمة ابنةِ المحبة والجمال" (المصدر نفسه، ص 66). وأن الحب والجمال متلازمان، حیث یقول:"إنما سرّ الوجود فی الحب والجمال، وسرّ الخلود فی ما یزهره الحب وما یثمره الجمال"(أبی فاضل، 1992م، ص 592). وفی الرؤیة الجبرانیة معرفة النفس هی مصدر الحب، والحب یکتفی بذاته، ولایحتاج إلى شیء غیر نفسه، ولایطیق أن یکون مملوکاً، ولا یوجد الحبُّ شیئاً إلّا الحبَّ: «فالحب لایُعطی إلا ذاتَه، ولا یأخذ إلا من ذاته، والحب لا یملک ولا یملکه أحد. فالحبّ حسبه أنه الحبّ» (جبران، آ 1992م، النبی، ص 45).
هـ. الحب نور یتألّق فی عالم النور وحده یرى جبران أن السعادة والنور یصدران عن المحبة: « أنا أفکّر بمنزلة المال عند الحب. أفکّر بالمال مصدر شرور الإنسان، وبالحب منبع السعادة والنور» (جبران، ب د. ت، دمعة وابتسامة، ص 26). ویرى أیضاً أن الحب نور یُنتجه نورٌ: «الحب کلمة من نور خطّتها یدٌ من نور على صفحة من نور» (جبران، آ 1992م، رمل وزبد، ص 78). یشبّه جبران المحبة بثمرة تتفتّح بزوال العالم الأرضی، فیزدهر فی عالم النور وحده؛ لأن عالم الحب وحده هو الباقی، ولن یتفتّح کاملاً إلا حین تندثر «المدینة» التی تجسّد هذا العالم الأرضی بأوشابه وصراعاته. ففی عالم النور وحده یتألّق الحب (عکاشة، 1992م، ص 29) . و. المحبة هی الحرّیّة الوحیدة فی العالم بما أن للمحبة دوراً رئیسیاً فی حیاة الإنسان وتحریره من کل قید، لذا یعتقد جبران أن الحریة الوحیدة فی العالم هی المحبة؛ إذ إن الإنسان إذا عاش بالمحبة ومعها وفیها، لایشعر بأی قید من القیود، ولو کان من أضخم أنواعها. فتتحقق الحیاة والإنسانیة عند الإنسان بالروح، والروح تحیا وتعیش بالحب والمحبة، ولو کان الإنسان مقیّداً فی السجن. یقول: «المحبة هی الحرّیّة الوحیدة فی هذا العالم؛ لأنها ترفع النفس إلى مقام سام لا تبلغه شرائعُ البشر وتقالیدهم، ولا تسود علیه نوامیس الطبیعة وأحکامها» (جبران، آ 1992م، الأجنحة المتکسرة، ص 151). ثم یرى فی المحبة السبیل الوحید للغناء، قائلاً: «یقولون إن البلبل یخز صدرَه بشوکة حین یغنّی أغنیة الحب، وکذلک نحن جمیعاً نفعل. هل من سبیل آخر للغناء؟ » (جبران، آ 1992م، رمل وزبد، ص 76).
ز. الحب هو الأبدیّة نفسها
(البورینی والنابلسی، ب 2007م، ص374) فی الرؤیة الجبرانیة أن کلا من الأبدیة والمحبة تحفظ الأخرى لأن المحبة هی الأبدیة نفسها والأبدیة هی المحبة نفسها أیضا إذ إنه من المقرر أن یخلد الإنسان ویلتحق بالأبدیة، وهذا الخلود والالتحاق بالأبدیة لایتحققان إلا بالمحبة فتضمن المحبة للإنسان أبدیته وخلوده وعلى صعید آخر تحفظ الأبدیة الحب للإنسان أیضا لأن الحب هو الذی یوصله إلىها وبدونه لایلتحق الإنسان بالأبدیة فیقول جبران: «لاتحفظ الأبدیة إلا المحبة لأنها مثلها» (دمعة وابتسامة، ص 31). والأبدیة لاتُبقی على غیرالحب لأنها مثلها، فلیست الأبدیة غیر الروح الکلیة أو الإله الذی لایمکن أن یکون شیئا سوى المحبة والرحمة. (عکاشة، ص 29). کذلک یعتقد أن الحب نارخالدة تشرق دائما لن تخمد ولا تقل حدتها ولا یحدّها زمان ولا مکان: «الحب نارخالدة أبدیة الإشراق. إنها نفثة الروح الکلیة التی یسمو وجودها فوق الزمان والمکان والتاریخ» (المصدر نفسه).
ح. المحبة هی جزء من الناموس الکلی فی العالم یعتقد جبران أن العالم الذی یتکوّن من أجزاء مختلفة وتسوده الأنظمة البشریة والقوانین الإنسانیة، یلزم أن تترابط أجزاؤها برباط وثیق، ویحکم قوانینه وأنظمته قانون شامل یحترمه کل فرد من أبناء البشر. ثم یعرّف لنا هذا الرباط والقانون بأنه هو الحب. فیرى جبران أن المحبة جاذبة کونیة ونظام شامل یقوم مقام الأنظمة التی یصنعها البشر، وبالتالی یرى أن الحب هو جزء من القانون العام الحاکم على العالم؛ فیقول: «ألیست هذه العاطفة (المحبة) التی نخافها ونرتجف لمرورها فی صدورنا جزءً من الناموس الکلی الذی یسیّر القمرَ حول الأرض، والأرضَ حول الشمس، والشمسَ وما یحیط بها حول الله؟!» (جبران، آ 1992م، الأجنحة المتکسرة، ص 156). ومن هذه الرؤیة ینطلق إلى أن حقیقته هی الیقظة؛ لأن العالم إذا کان خالیًا من الحب الذی یمثّل الجزء الرئیسی فیه، فکأنه یغطّ فی نوم عمیق: «فی سکینة اللیل، عندما تُعانق المخلوقاتِ طیفُ الکرى، أسهر مترنّماً تارة، متنهّداً أخرى. ویحی! لقد أتلفنی السّهرُ، ولکن أنا محبٌّ وحقیقة الحبّ یقظة» (جبران، ب د. ت، دمعة وابتسامة، ص 53).
ط. المحبة لیست اکتسابیة بل هی مبدعة للقلوب یرى جبران أنه لا یمکن تعلیم الآخرین المحبةَ، وکذلک تعلُّمها؛ لأنها لیست أمراً اکتسابیاً یکتسبه القلب؛ إذ به یحیا القلب، ویجدّد نشاطه، والقلب یتحقق بظهوره. وبعبارة أخرى، إن الحب هو الذی یبدع القلب ولا عکس: «وقد حاولتُ ـ وباطلاً حاولت ـ أن أتعلّم محبته، فلم أتعلّم؛ لأن المحبة هی قوة تبتدع قلوبنا، وقلوبُنا لاتقدر أن تبتدعها» (جبران، آ 1992م، الأرواح المتمردة، ص 99).
ی. الحب والمحبوب ثابتان لا یتغیّران
(الخطیب التبریزی، 2007م، ص 99) إن المحبة فی الرؤیة الجبرانیة تصدر فی العالم عن منشإ واحد وهو الله؛ فیلزم أن لا تتغیر بحدوث المشاکل والعراقیل بین المتحابّین. والوفاء على الحبّ أمر محتّم علیهما؛ فنرى جبران یعتقد ثبات المحبة وعدم التغییر فیها: «إذا لم یکن یومُنا هذا قد سدّ حاجاتکم وأشبع حبّی، فموعدنا یوم آخر؛ فإن حاجات الإنسان تتغیّر، ولا یتغیّر حبّه» (جبران، آ 1992م، النبی، ص 63). کذلک یرى أن المحبوب ثابت ولا أحد یستطیع أن یُفقد المحبَّ المحبةَ: «والذی أحببته عندما کنت صبیّاً ما زلت أحبّه الآن، والذی أحبّه الآن سأحبّه إلى نهایة الحیاة. فالمحبة هی کل ما أستطیع أن أحصل علیه، ولا یقدر أحد أن یُفقدنی إیّاه» (جبران، ب د. ت، دمعة وابتسامة، ص 86).
ک. المحبة غیر المتناهیة لاتقنع بغیر الأبدیة والألوهیة تنقسم المحبة فی رأی جبران إلى قسمین: محدودة وغیر محدودة: أما المحدودة، فتخمد وتنتهی عند لقاء الحبیب، ولکن غیر المحدودة تستمر إلى اللانهایة وإلى الأبد. فیدعو إلى المحبة التی لا نهایة فیها بعد اللقاء والوصل، فلا استقرار لها إلا بالاتصال إلى الخلود والأبدیة والألوهیة حیث لا زوال فیها: إن المحبّة المحدودة تطلب امتلاک المحبوب، أما المحبّة غیر المتناهیة فلا تطلب غیر ذاتها. المحبة التی تجیء بین یقظة الشباب وغفلته تستکفی باللقاء، وتقنع بالوصل، أما المحبة التی تولد فی أحضان اللانهایة، فلا تقنع بغیر الأبدیة، ولا تستکفی بغیر الخلود، ولا تقف متهیّبة أمام شیء سوى الألوهیة (جبران، آ 1992م، الأجنحة المتکسرة، ص 175). لذلک یعتقد جبران أن الحب الحقیقی الذی یجدر به أن یسمى حبّاً هو الحب غیر المحدود؛ لأنه فی رأیه لیس للحب حدود: "فأیکم لا یحس أن قدرته على الحب لا تعرف الحدود، ولکن أیکم لایشعر أن هذا الحب نفسه، وإن أفلت من الحدود، مضموم فی صدور وجوده؟" (جبران، آ 1992م، النبی، ص 58)، بینما نرى ابن الفارض الذی یعتقد بالحب الإلهی اللامحدود،یلتذّ من عدم وصال المحبوب ویکفیه الوعد بالوصل من قِبَل المحبوب لکی یزداد شوقاً وحباً فیقول:
(البورینی والنابلسی، آ 2007م، ص 365)
ل. لزوم الانقیاد للحب
(المصدر نفسه:ص 379) إن المحبة تنبع وتجیش فی القلب وتفورمنه وتنصبّ فیه،وإنما القلب یصدق المحبَّ فی حبه ولا یکذب، ولذلک من الواجب علینا أن لا نظن بالحب ظن السوء؛ إذ إن موطنه ومحیاه هو القلب الصادق. فیرى جبران أن الحب لا یقبل الشک، والشک فیه ذنبٌ لا یُغتَفر: «الشک فی الحب إثم یا حبیبتی» (جبران، ب د. ت، دمعة وابتسامة، ص 25). ومن ثم یرى أن الحب لا یکذب، بل هو یقین یخالف الشک: «ما اجتمع الشک والحب قطّ على صعید التجاوب» (جبران، آ 1992م، رمل وزبد، ص 78)؛ ولذلک فی رأیه أن من الواجب تصدیق الحب: «و إذا حدّثکم فصدّقوه» (جبران، آ 1992م، النبی، ص 45). ومن هذا المنطلق یعتقد بلزوم الاطمئنان للحب، وإن آذى الإنسان بسیوفه المختفیة تحت ثیابه؛ فیرى أن الاطمئنان إلى الحب واجب على کل حال: «و إذا بسط علیکم جَناحیه، فأسلموا له القیاد، وإن جرحکم سیفه المستور بین قوادمه» (المصدر نفسه). وبما أن حیاة الإنسان من المنظور الصوفی والعرفانی لا معنى له دون الحب والمحبة، وبما أن جبران کان متأثراً بهذه الأفکار، وکذلک قد جرّب بنفسه المحبة والهزیمة فیها مرارا ً، لذا قد وصل إلى أن السُّبل المؤدیة إلى الحب وَعِرة، بینما إذا وصل الإنسان إلیه واطمأن إلیه، یلزم أن یکون مطیعاً له حتى یؤدی حقه، متیقناً أن الحب لا یجرّ الإنسان إلى الشقاء، بل إلى السعادة والهناء. ففی الرؤیة الجبرانیة فی الحبّ الرضى والطمأنینةُ المطلقة، فیلزم إطاعته واتباعه: «إذا أومأ الحب إلیکم فاتبعوه، وإن کان وعرالمسالک زلق المنحدَر» (المصدر نفسه). ویقول فی مکان آخر: «أنا طائع أیها الحب. فماذا ترید؟ قد اتبعتک على سبل ناریة، فلذعنی اللهیبُ» (جبران، ب د. ت، دمعة وابتسامة، ص 15).
م. لزوم تجدّدالحب یومیا ً فی الفکر الجبرانی، إن کل أمر جمیلٍ حسن، وإذا أصبح عادة فی حیاة الإنسان، یتغیر جماله وحسنه بالنسبة إلیه ،والحب کذلک أیضاً؛ فلذا یرتأی أن الحب فی حیاة الإنسان یلزم أن یتجدد یومیاً کی یأخذ قواه من جدید صباح کل یوم : «الحب الذی لا یُضفی على نفسه جدیداً کلّ یوم، یستحیل عادة؛ ثم لایلبث أن یکون رقّا» (جبران، آ 1992م، رمل وزبد، ص 77)، وطبعاً لا یقصد جبران التغییر فی الحب؛ إذ إنه یعتقد بثبات الحب والمحبوب وعدم التغییر فیهما، بل القصد من کلامه تجدد الحب وعهده السابق فی کل یوم. ومن جرّاء هذا نرى أن الحب فی اعتقاده هو الوحید الذی یتکلم، ولا یسمع کلامه إلا أتباعه؛ لأن الحب الذی یتجدد دوماً کل یوم یسیطر نفسه على المحب، بحیث لا یرى ولا یسمع شیئاً سواه. فهو القائل: «ذلک الحب الذی نسمعه متکلماً عندما تخرس ألسنة الحیاة، ونراه منتصباً کعمود النور عندما تحجب الظلمةُ کلَّ الأشیاء» (جبران، ب د. ت، عرائس المروج، ص 55). ثم یکتب فی مکان آخر: «إن الذین لم یتخذهم الحب أتباعاً لایسمعون الحب متکلماً. فهذه الحکایة لم تکتب لهم» (جبران، آ 1992م، الأجنحة المتکسرة، ص 163). ومن هذا المنطلق یرى أن الحب یأخذ الأرواح فی قبضته، ویحفظها حتى الموت، ویسیر بها إلى الله: «أما الأرواح، فتظلّ فی قبضة الحب مستأمنة حتى یجیء الموت، ویسیربها إلى الله» (جبران، آ 1992م، دمعة وابتسامة، ص 62) ونراه فی تعبیر جمیل یتصور للحب موکباً خاصّاً یسیر فی طریق مفروشة بالأزهار ناشراً السرور والفرح فیما بین أتباعه؛ حیث لا یمکن لأحد منهم أن یغضّ النظر عن هذا الموکب، فیتبعه حیث ما یتّجه، ویستنشق الهواء المعطر فوق هذا الموکب: «ها قد سار موکب الحب! فمشى الجمال رافعاً أعلامه، وسارت الشبیبة نافحةً أبواق الفرح. فلا تردَعنی یا لائمی، بل دعنی أَسرِ، فالطریق مفروشة بالورود والریاحین، والهواء قد عطّرته مَجامرالمسک» (المصدر نفسه، ص 61).
ن. الانتصار فی الحیاة یکون دائماً للمحبة یتصور جبران معرکة عنیفة بین الحب وأتباعه من جهة، وبین أعدائهم من جهة أخرى؛ حیث یخرج الحب من هذه المعرکة مرفوع الرأس منتصراً؛ إذ إنه لایوجد فی العالم شیء یتغلب على الحب الذی له صلة وثیقة بالقلب الإنسانی، والذی هو موهبة إلهیة وهبها الله تعالى الإنسان للحیاة والعیش الرغد: «قد انتصرت المحبة؛ سواء أکانت المحبة بیاضاً ناصعاً أو خضرة زاهیة بجانب بُحیرة، أو کانت جلالاً وفخاراً فی القباب الرفیعة، أوکانت فی بستان حافل بالناس، أو فی صحراء لم تطأها قدم الإنسان» (جبران، ب د.ت، آلهة الأرض، ص 391).
س. للمحبة أشکال مختلفة ولکن مصدرها وتأثیرها واحد کما هو الملاحَظ فی کتابات جبران أنه یعبّر عن المحبة بتعبیرات مختلفة؛ لأنه یعتقد أن لها صوراً متعددة ذات تداعیات واحدة: «إن شعلات المحبة یا حبیبتی تهبط من السماء، متموّجة بصور متباینة وأشکال متنوعة، ولکن فعلها وتأثیرها فی هذا العالم هو واحد» (جبران، ب د. ت، دمعة وابتسامة، ص 91). فمرّة یعبّر عنها بالحکمة والعدل والأمل، وأخرى یعبّر عنها بأنها فجر جدید، ویوم لا یمکن إدراکه، وأیضا هی التی تغیر کل شیء کما هو الحال فی الموت (فروتن شیرازی، 1380هـ. ش، ص 134)، إلى غیر ذلک من التعابیر. وهکذا نرى أن الله والطبیعة والحریة والمحبة والقلب تترابط برباط وثیق حتى تبدو فی المنطلق الجبرانی بمنزلة أرکان دین خاص به، تحیا الأرواحُ فی عالمه القائم وراء الوجود، ویتألق الحب بینها بوصفه الرکیزة الأساسیة فی دین جبران، والتی تعید إلى القلب طُهره الأول (عکاشة، 1992م، ص 29).
2ـ تأثیر الحبّ والمحبّة
(البورینی والنابلسی، ب 2007م، ص 379) یتطرّق جبران فی مواضع کثیرة من آثاره إلى تأثیر المحبة فی الإنسان والعالم ومایتعلق بهما. فکما أسلفنا فی میزات الحب، إن جبران یسوّی بین الحب وبین الحیاة؛ حیث یعتقد أن الحب هو نفس الحیاة. فإذا دخل الحب فی أی شیء من الأشیاء، أو فی أی أمر من الأمور،ینفخ الحیاة فیها، ویجعلها حیّاً فی اللحظة. فیقول:«کنتُ بالأمس کلمة صامتة فی خاطر اللیالی؛ فأصبحت أغنیة مفرّحة على ألسن الأیام. وقدتم هذا کلّه فی دقیقة واحدة؛ لأنها کانت مملوءة روحاً وطهراً ومحبة» (جبران، ب د. ت، دمعة وابتسامة، ص 112)، ولکن المحبّ المیت عندما تدخل فی قلبه المحبة، یصبح توّاقاً إلى المحبوب؛ فیتألم من عدم إلفائه. فیستمرّ هذا الألم إلى أن یشعر بوجوده فی قلبه، فیحیا وجوده المیت بالألم والوجع. فنرى جبران یعتقد أن المحبة تحیی الإنسان بالآلام والأوجاع. فهو القائل: «البشر یلتصقون بالمادّة الباردة کالثلج، وأنا أطلب شعلة المحبة لأضمَّها إلى صدری، فتأکل ضلوعی وتبری أحشائی؛ لأنی ألفیت المادّة تُمیت الإنسان بلا ألم، والمحبة تحییه بالأوجاع» (المصدر نفسه، ص 113).
(البورینی والنابلسی، ب 2007م، ص 379) و یمکننا القول إن النبی وضعه جبران لیعبّر عن إیمانه العمیق بالمحبة الشاملة، وقدرتها على أن تشفی الإنسانیة من علّاتها، ویعتقدأن الحب یسبّب فی وجود المحب. فیقول عن لسان المحب: «أنا طائع أیها الحب! فماذا ترید؟ لماذا تتخلّى عنی وأنت موجدی؟ » (جبران، ب د. ت، دمعة وابتسامة، ص 15).
(البورینی والنابلسی، ب 2007م، ص 385) فیرى جبران أن معنى المحب إنما یظهر بالحب ولا غیر، فیتّحد المحب والمحبوب لا یتمایزان بعد نفخ الحیاة فی المحب من قبل الحبّ. وبما أنه لایتصور فناء للحب، فلذلک لایتصور زوال للمتحابّین؛ حیث یؤدّی الحب إلى بقائهما إلى الأبد. فیرى جبران أن الحب یؤدی إلى الخلود: «متى مسّت یدُ رجل یدَ امرأة، فقد مسّامعاً قلب الخلود» (جبران، آ 1992م، رمل وزبد، ص 77). وجدیرٌ بالذکر أن هذه الحیاة التی ینفخها الحب فی وجود المحب لا یستحقها من یضَنّ بالحب. فیرى جبران أن الحب یحیی من یعطی الحب، ویمیت من یبخَل به: «المال کالحب. یمیت من یبخل به، ویحیی واهبَه» (المصدر نفسه، ص 36).
(البورینی والنابلسی، ب 2007م، ص380) فی النظرة الجبرانیة یُفتح کل قلب مغلق عندما یدقّه الحب. فلمّا یدخل فیه، یصطحب معه الفرح،ویبدّل الحزن فیه سروراً، ویضیء أرجاءه بنوره، ولیس کلام المحب إلا بتأثیر الحب فیه؛ وکذلک بکاؤه وشکایته وکلّ شیء آخَرَ له:«أما أنا، فلا أستطیع أن أدعو سِنی الصِّبا سوى عهد آلام خفیّة خرساءَ کانت تقطُن قلبی ... حتى دخل إلیه الحبُّ، وفتح أبوابه، وأنار زوایاه. فالحب قد عتق لسانی فتکلمت، ومزّق أجفانی فبکیت، وفتح حنجرتی فتنهّدت وشکوتُ» (جبران، آ 1992، الأجنحة المتکسرة، ص 146).
(البورینی والنابلسی، ب 2007م، ص 372)
(المصدر نفسه، ص 384) ونظراً إلى أن للحب قداسة، فإذا دخل فی القلب، یجعله مقدساً، ویستعبد النفوس الشریفة والعقول الحرة: « قد ملکت قلباً قدّسه الحب، واستعبدت نفساً شرّفها الله، وخلبت عقلاً کان بالأمس حُرّاً. فصار الیوم أسیراً بقیود هذا الغرام» (جبران، ب د. ت، دمعة وابتسامة، ص 16).
(البورینی والنابلسی، آ 2007م، ص 366) فیعتقد أنالحبّ یخلّص الإنسان من الشوائب، ویجعله خبزاً مقدساً للمائدة الإلهیة المقدسة: «إن الحب یضمّکم إلى أحضانه، کما یضمّ حُزمةَ قمح، فیدرسکم، ثم یغربلکم، ثم یطحنَکم، ثم یعجِنکم، ثم یُسلمکم إلى نار هیکله المقدسة، علّ أن تصیروا الخبزَ المقدس لمائدة الرّبّ المقدسة» (جبران، آ 1992م، النبی، ص 45). فیرى أیضاً أن المحبة تسبّب فی أن یتألّه الإنسان، إذا کان خبزاً للآلهة : «و کما أن حَبة الحنطة الصّمّاء تتحول إلى أنشودة محبة عندما یبتلعها البلبل، هکذا الإنسان إذا کان خبزاً للآلهة یتذوّق الألوهیة» (جبران، ب د. ت، آلهة الأرض، ص 371). ویرى أیضاً أن الحب یعطی الأجنحة للناس حتى یطیروا إلى السماوات العلى:«إن الذین لم یَهبْهم الحب أجنحةً، لا یستطیعون أن یطیروا إلى ماوراء الغیوم، لیَرَوا ذلک العالم السِّحریّ» (جبران، آ 1992م، الأجنحة المتکسرة، ص 163). وکذلک یعتقد أن النبات ینضَج بسبب محبة الشمس للطبیعة:« فقد جاءت أیام الحَصاد، وبلغ الزرع مبلغَه، وأنضجتْه حرارة محبة الشمس للطبیعة» (جبران، ب د. ت، دمعة وابتسامة، ص 11). وفی رؤیته تجاه الحب نجد أمراً مزدوجاً فی عمل الحب، ألا وهو الارتقاء إلى الأعلى، والنزول إلى الأسفل:«إن الحب إذا یکلّل هاماتِکم، فکذلک یشدّکم على الصلیب، وکما یرتقی إلى أعالی آفاقکم، کذلک ینزل إلى جذورکم العالقة بالأرض، فیهزُّها هزّاً» (جبران، آ 1992م، النبی، ص 45). و زبدة الکلام أن المحبة فی رأی جبران تصل الإنسان بالله، وتسبّب فی سموّه واندماجه فی الله الحالّ فی الکونِ والقائم به الکونُ.
3 ـ مظاهر الحب والمحبة قد یتبادر إلى الذهن بادئ الرأی أن المحبة الجبرانیة تتعلق بالحب بین المتحابَّین فحسب، بینما نرى ــ وکما سبق ــ أن الحب فی المنظور الجبرانی شامل یتعلق بکل ما له صلة بالإنسان. فمرّة یُفرغ جبران محبته على العالم بأسره والحیاة کوحدة متماسکة لا تتجزّأ،و مرة أخرى یتحدث عن حبه للإنسان والإنسانیة کظاهرة رئیسیة فی الکون،وأخرى نرى الحنین إلى الوطن یجیش فی کلامه ومن عمق وجوده،وتارة یتعلق حبّه بالطبیعة وحیاة الفطرة بما فیها من سذاجة وطهارة،وأخیراً یتحدث جبران عن المحبة بین الحبیبَین کمشهد أساسی لتمثیل الحب فیه.
ألف. الحب للحیاة ولکل العالم والوجود من الرؤیة الرومانطیقیة أن القلب الإنسانی یتّسع للحب المطلق لکل العالم، ولمطلق الوجود وللحیاة، ولم لا؟ والقلب قد خلق کی یحب الکون بأجمعه، إن لم یکن منسوخاً من فطرته. فجبران یخبرنا أنه یحب أشیاء کثیرة فی العالم؛ منها الموت والحیاة والحرّیّة والسعادة والناس والوجود: «قد أحببتُ الموت مرّات عدیدةً. فإننی صرت أحب الحیاة أیضاً. فالموت والحیاة قد تساویا عندی بالجمال، وقدأحببت الحریة والسعادة والناس» (جبران، ب د. ت، دمعة وابتسامة،ص 87). یرى جبران أن الحیاة تظهر فی صورة العزیمة یومَ یکون الإنسان فی أیام شبابه،و فی صورة الجدّیة عندما یصل إلى الکهولة، وتتبدّل أخیراً إلى الحکمة أیام شیخوخة الإنسان. فیعرّف جبران الحیاة بأنها «عزم یرافق الشبیبةَ، وجدّ یلاحق الکهولة، وحکمة تتبع الشیخوخة» (جبران، ب د. ت، العواصف، ص 392)؛ ومن ثم یعرّف نفسه من المنتمین إلى حزب الحیاة: «لو شئتم تسمیتی بشیء، فقولوا إننی من حزب الحیاة» (عکاشة، 1992م، ص 17). ویتحدث فی العواصف عن مواقف فی حب امرأة، وأخیراً تنکشف حقیقة هذه المرأة، وإذا هی الحیاة فی مظاهرها الفاتنة الکاذبة: «أما اسم المرأة التی أَحَبّها قلبی فهو الحیاة» (ب د. ت، ص 389). وفی رأیه أنه لابدّ من أن تسود المحبة المجتمعَ الإنسانیَّ الأمثل، ومن تصویر الحیاة بصورة محبوبة للنفوس؛ لأن العالم خُلق من الرؤیة الصوفیة الفلسفیة على أساس الحبّ، لیتعالى الإنسان ویتکامل فیه. ویتم هذا کله بالمحبة؛ فلابد أن تکون المحبة محبة صحیحة لکل ما فی الوجود، بغیر تفضیل أو تفریق. وهکذا یحبّ جبران العالم بکل ما فیه من إخلاص «الإنسان»، وحنین «الشاعر»، وحیویة «الفنّان». وهی الصفات الثلاث التی یتکوّن منها جبران (الناعوری، 1977م، ص 357).
ب. حب الإنسانیة والناس إن الإنسان فی المنظور الجبرانی محور العالم والوجود ویتمحوران علیه. فطبیعی أن یشکل جزءً رئیسیاً من المحبة الجبرانیة. فنری أن الإنسانیة هی التی ترشد جبران فی کتاباته، وترتبط روحه بالإنسانیة عن طریق المحبة. یعرّف جبران الإنسانیة بأنها «نهر بلّوریٌّ یسیر متدفّقاً مترنّماً حاملاً أسرارالجبال إلى أعماق البحر» (جبران، ب د. ت، العواصف، ص 87). ویحب الناس حبّاً جمّاً، بینما یقسمهم إلى ثلاثة: « واحد یلعن الحیاة، وواحد یبارکها، وواحد یتأمّل بها. فقد أحببت الأول لتعاسته، والثانیَ لسماحته، والثالث لمدارکه» (جبران، ب د. ت، دمعة وابتسامة، ص 87). إن محبة جبران للناس محبةٌ من أجل المحبة نفسها، لا لغرض مادی آخر؛ لأن جبران یعتقد أن الحب قانون الحیاة، وبدونه لایتحقق مفهوم الإنسان والإنسانیة. فیلزم أن یصفوَ الحب، ویتخلّص من الشوائب. فهو یحاول بکتابه النبی أن یعرّف لنا صورة صحیحة للإنسان الکامل، وبهذا المعیار یقوّم عمله. وهوالمعتقد أن الإنسان کائن سماوی الجمال والحساسیة، لا یحمل جسده آثار تراب الأرض، بل روحاً شفافة علویة (عکاشة، 1992م، ص 23). فنرى جبران کإنسان، یفیض محبته على جمیع أبناء البشر دون أن یهمّه دینهم أو جنسهم أو بلادهم؛ لأنه یعتقد أن الإنسانیة والأخوّة قد توّزعت فیما بینهم على السواء. وعلى حد تعبیر الناعوری (1977م):«کان جبران«شاعراً» یرسم بدم القلب، ویکتب بعصیر الروح، لیغنّی بأفراح الإنسانیة، ویبکی بأوجاعها. وکان «فنّاناً» یعبّر بالخطوط عن نوازع النفس البشریة، ویصوّر آلام الإنسانیة وآمالها. وقد سخّر کل مواهبه العالیة لقیادة البشریة إلى الجمال والخیر والحق، وإلى الحب والسعادة والحریة" (ص 356). وفی النص التالی دلالة واضحة على شدة محبة جبران لجمیع فئات الناس: «لقد أحببتکم کثیراً وفوق الکثیر. أجل، قد أحببتکم جمیعاً: جبّارکم وصُعلوککم، أبرَصکم وصحیحکم، وأحببتُ من یتلمّس منکم سبیله فی الظلام» (جبران، ب د. ت، السابق، 74). یرید جبران فی کتاباته إنقاذ الإنسان من أعدائه المخفیّة فی ذاته؛ إذ الإنسان یلزم أن یتعالى حتى یصل إلى الله، بینما تحول المشاکل والعراقیل دون وصوله إلى هذا الهدف المنشود. فنراه یحب الناس کثیراً، بحیث یمکننا القول: إن تمرّده وثورته أیضاً کانا ناتجَین عن هذا الحب. وفی رأیه یکون الحب للجمیع طریقاً لإدراک کنه الحقیقة؛ لأنه یعتبر الله والکون والإنسان کوناً واحداً؛ وکما تقول ربیعة أبوفاضل (1992م):«هذا الکیان الواحد المتماسک یُلزم الإنسان بالتزامات کیانیّة إزاء العالم، والمحبة هی التی تحقق هذه الالتزامات» (ص583).
ج. حب الوطن إن أدباء المهجر ترکوا أوطانهم باحثین عن عیش جدید رغَد، ولکنهم بقَوا على حبهم لها؛ حیث یظهرون هذا الحب فی کتاباتهم بین الفینة والأخرى. فنرى أن الوطنیات تتلألأ فی کتاباتهم کموضوع محبَّب إلیهم، ولا غرو فی ذلک؛ لأنهم کمجموعة من الناس یعیشون فی الغربة لا یمکنهم السُّلوان عنه؛ فنرى أن الحنین إلى الوطن فی ازدیاد لدیهم. وجبران کواحد من المهجریّین أحبّ وطنه لبنان، وقریته الصغیرة بشری؛ إذ کان فیها میلاده، وتفتّحت عبقریته؛ لذلک ــ و على حدّ تعبیر نُعیمة ــ: کانت کل بواکیره من وحی لبنان، فمن الموسیقى إلى عرائس المروج إلى الأرواح المتمرّدة إلى الأجنحة المتکسرة یَمضی جبران یعرض علیک صوراً لبنانیة ووجوهاً لبنانیة وأصواتاً لبنانیة. ثم ینصرف عن موطنه الأصغر إلى موطنه الأکبر ـ إلى العالم ـ، ولکنه یعود بک بین الحین والحین إلى لبنان (جبران، 1996م، ص 18). إن الوطنیات فی النظرة الجبرانیة تمرّ بثلاث مراحل:مرحلة تبیینه لحبّ أبناء وطنه طالباً لهم الفوز والفلاح،فمرحلة إظهار کرهه لهم نظراً لضعفهم وبقائهم على الماضی،ثم المرحلة الجدیدة للحب لهم محاولاً إنقاذهم من أسباب التخلف. فنرى أن رؤیة جبران لواقع قومه تصفو، ویَعظُم حبّه لهم، ویتقدّم رائداً لهم مُصلحاً یرید لهم الخیر والسعادة، مخلِصاً فی ریادته، لکنه صدیق الناس وعدوُّهم فی وقت واحد. فینصح أبناء أمّه للفلاح والفوز حبّاً لهم، ولکنه یعترض علیهم بسبب عدم سَماعهم لنصحه: «قلت لکم تعالوا نصعد إلى قمّة الجبل لأریکم ممالک العالم، فأجبتم قائلین: فی أعماق هذا الوادی عاش آباؤنا وجدودنا، وفی ظلاله ماتوا، وفی کهوفه قبروا. فکیف نترکه ونذهب إلى حیث لم یذهبوا؟! » (جبران، ب د. ت، العواصف، ص 390). یقوى الحنین إلى الوطن فی العواصف، ویُشعّ إخلاصاً وإیثاراً، ویقطر لوعةً وولهاً. ففی نص «یا بنی أمّی» یظهر جبران محبّاً لقومه، ینصحهم، یرید لهم الخیر، ولکنه یتغیر من موقف المحبّ المتفائل إلى ما قد یشبه الیأسَ: «لقد کنتُ أحبّکم یا بنی أمّی، وقد أضرّ بی الحبُّ، ولم ینفعکم، والیوم صرت أَکرهکم ...کنت أشفق على ضعفکم، والشفقة تُکثرالضعفاءَ، والیوم صرت أرى ضعفکم، فترتعش نفسی اشمئزازاً، وتنقبض ازدراءً» (المصدر نفسه، ص 391). فنرى جبران یحذّر أبناء وطنه من الضعف والذّلّ، ویرید لهم القوّة والعزّة،وهذا یرجع إلى عقیدته فی الوجود، وهی أن الإنسان یلزم أن یتکامل ویتألّه ویَخلُد،و هذه أمور لا یتحقّق بالضّعف والهَوان. ثم یستمر فی لوم قومه: «أنا أکرَهُکم یا بنی أمّی؛ لأنکم تکرهون المجدَ والعظمةَ. أنا أحتقرکم؛ لأنکم تحتقرون نفوسکم. أنا عدوّکم؛ لأنکم أعداء الآلهة، ولکنکم لا تعلمون» (السابق، ص 392). وأخیرا تستبدّ به نزعته الوطنیة، فیرجع من حیث خرج؛ فیُعلن ویستخلص حبَّه لوطنه ولأبناء قومه، رغم کل ما لامهم علیه، بینما تجعله على أُهبة الاستعداد للثورة علیهم وعلى ضعفهم، إن لم یستمعوا إلى نُصحه للتّقدّم والتّطوّر: «لابأس فی ذلک، فإنی سأحبّهم أکثر فأکثر، ولکنی سوف أسدِل على محبتی ستاراً من البغض، وأستر عواطفی بشدید کرهی، وسأتبرقع ببرقع من حدید. ولا أسعى وراءهم إلّا مسلّحاً مدرّعاً» (السابق، ص 76).
د. حب الطبیعة وحیاة الفطرة إن الفطرة فی رأی جبران فطرة سلیمة من کل غشّ وشائبة ،والإنسان إذا رجع إلیها وعاش معها، یَسعَد ویفلح فی الحیاة، والطبیعة مظهر من مظاهر الفطرة الإلهیة التی تُرینا الطَّهارة والنَّقاوة. فنرى جبران ــ کسائر أدباء المهجر ــ یدعو الناس إلى حیاتهم الطبیعیة والفطریة، فیصوّر الخیرات والإیجابیات فی الحیاة الإنسانیة فی صورة من الصور الطبیعیة،ویجعل من الطبیعة رمزاً لما یتعلق بالإنسان. فلذلک نراه عمیق الإحساس بها، شدید الحب لها وقوی الاتصال بها. فیرى فی کل ما فیها أشیاءَ محبوبة ومکروهة، ویستلهم أفکاره منالطبیعة، وبراءة النفس البشریة، ومثالیة الوجود الإلهی، ویؤمن بأن الفن هو تفهّم الطبیعة. و فی رأیه تظهر الکائنات الحیّة فی روح الحب النابعة من جمیع المحسوسات والمرئیات التی ترتبط بالطبیعة برباط الأمومة: «کل شیء فی الطبیعة یرمز ویتکلم عن الأمومة. فالشمس هی أمّ الأرض، وهذه الأرض هی أمّ الأشجار والأزهار... وأمّ کل شیء فی الکون هی الروح الکلّیّة الأزلیّة الأبدیّة المترَعة بالجمال والمحبّة» (عکاشة، 1992م، ص 28). إن الفلسفة الجبرانیّة فی الحیاة تقوم على المحبة. فیرتأی أنها تنتشر فی جمیع مظاهر الکون بما فیها الطبیعة، فیرى أن البحر محبوب للجداول، والنور معشوق للأزهار، والغیوم مرادة للوادی: «الجداول تسیر إلى حبیبها البحرِ، والأزهار تبتسم لعشیقها النورِ، والغیوم تهبط نحوَ مریدها الوادی» (جبران، ب د. ت، دمعة وابتسامة، ص 16). إن الحنین إلى الغابة هو التعبیر الصادق عن رجاء السعادة فی نفس کل إنسان. فالغابة عند المهجریّین رمز البساطة والجمال. ترى الدکتورة سلمى الخضراء (2007م) «أن رموز جبران تنبع من مصادر رومانسیة، فالغابة رمز للبساطة وللحب الأشمل، والبحر لدیه رمز الخلود ووحدة الوجود، واللیل یرمز أحیاناً إلى غوص جبران فی أغوارالذات» (ص 144). فی اعتقاد جبران کلُّ ما فی الطبیعة حیّ یتکلم مع الإنسان، فیلزم أن نستلهم منها: «تکلمت الطبیعة بألسنة السواقی، وابتسمت بشفاه الأزهارِ» وأیضاً:
یصرخ الغاب... ویقول الصخر... وتقول الریح... ویقول النهر... ویقول الطود... (جبران، ب د. ت، البدائع والطرائف، ص 606) ویقول نعیمة: ولم نخطئ إذا قلنا: إن أحبّ الناس إلى جبران هو ابن الفطرة والطبیعة؛ سواء کان راعیَ أبقار أو حارثاً أو عاملاً. ولعل أبغض الناس إلیه هم الذین یظلمون أبناء الفطرة والطبیعة. فهو لم یتحدث فی کتاباته عن راع قبیح أو فلاح خسیس أو عامل شریر (جبران، 1996م، ص 15).
هـ. الحب بین الحبیبین یستطرد جبران فی مواضع کثیرة من مؤلَّفاته، ولاسیما دمعة وابتسامة إلى موضوع المحبة بین المتحابَّین، ویتحدّث کثیراً عن هذا الموضوع. فینظر إلیها فی أیام شبابه من منظور مادّیّ، کما ینظر إلیها کل شابّ؛ ثم ینزّه الحب من کل الشوائب ویقدّسه، ویتکلم عنه من رؤیة فلسفیة بعد ما تکوّنت شخصیته الفکریة والتأمّلیّة فی أواخرعمره. فیرى أن المحبة بین الحبیبین ولیدة التفاهم الروحی، وإن لم یتحقق بلحظة واحدة، لا یتحقق بجیل: «الجمال الحقیقی هو تفاهم کلّیّ بین الرجل والمرأة یتمّ بلحظة، وبلحظة یولَد ذلک المیل المترفّع عن جمیع الأمیال، ذلک الانعطاف الروحی الذی ندعوه حبّاً» (المصدر نفسه، ص 150). وفی اعتقاده أن الله یجمع بین المحب والحبیب قبل ولادتهما، فیستفهم فی أسلوب إنکاری:«هل هی (المحبة) هذه الساعة التی أوقفتْنا فی قدس أقداس الحیاة؟ أماجمعتْ روحَینا قبضةُ الله قبل أن تُصیِّرَنا الولادةُ أسیری الأیام واللیالی؟» (جبران، آ 1992م، الأجنحة المتکسّرة، ص 156).
(البورینی والنابلسی، ب 2007م، ص 384) و قد یعزو هذا الجمعَ إلى الحب نفسه؛ لأنه یعتقد أن الحب مظهر من مظاهر الله، فیرى أن الحب یجمع بین المتحابَّین، ولا شیء ولا أحد یستطیع التفریق بینهما:«قد جمعَنا الحبُّ، فمن یُفرّقنا؟ وأخذَنا الموتُ، فمن یُرجعنا؟» (جبران، ب د. ت، دمعة وابتسامة، ص 17). و یعبّر عن الزواج بأنه اندماج کائنَین إلهیَّین لخلق ألوهیة أخرى:«القِران هو اتحاد ألوهیّتین على إیجاد ألوهیّة ثالثة على الأرض» (المصدر نفسه، ص 65). یرى جبران أن المحب والمحبوب کلاهما نصفٌ للآخرَ ومکمل له؛ إذ هما نصفان من جسد واحد: «سامِحینی یا حبیبتی، فقد ناجیتُک بضمیر المخاطب، وأنت نصفی الجمیل ُالذی فقدتُه عندما خرجنا من یدالله فی آن واحد» (السابق، ص 81). ویرى أن الموت ینصرف عن المتحابَّین من أجل الحبّ، والعدو ینهزم أمام الحبّ؛ لأن المحبّة فی رأیه تعنی الحیاة والتعالی والخلود والأبدیة،حیث إذا تحققت، یفرّ الفناء والزوال من أمامها. ولأن الحبیب من أبناء المحبة؛ ولذا یطلب من المحبة أن تتغلّب على عدوها وهو الحرب: «تغلّبی أیتها المحبة على عدوتک الحرب، وخلّصی حبیبی، فهو من أبنائک» (السابق، ص 83). ثم استجاب الله هذا الدعاء لقداسة الحبّ، فرجع الفتى الحبیب من الحرب سالماً وقال: «لاتعجبی من إیابی حیّاً. فللحبّ وسمٌ یراه الموتُ، فینصرف؛ ویتوسّمه العدو، فیتقهقر» (المصدر نفسه). وکذلک نجد فی المنظور الجبرانی آمال المحب وأمانیه وأفراحه وابتساماته تختم بالحبیب، فتزول مع موته وتدفن معه فی قبر واحد:«هاهنا دُفنتْ آمال ذلک الفتى. هاهنا توارتْ أمانیه، وانزوتْ أفراحه، وغارتْ دموعه، واضمحلّتْ ابتساماته... و فوق هذا القبر تُرفرف روحُه کلَّ لیلة» (جبران، آ 1992م، الأجنحة المتکسرة، ص 145). ومن منطلقه أن المحبوب حوّاء قلب المحب، ولکن هناک فرقا بین الحوّاءین: فهذه تُدخل المحب فی الجنة، بینما تخرجه تلک منها: «فسلمى کرامة هی حوّاء هذا القلب. هی التی أفهمتْه کنه هذا الوجود. حواء الأولى أخرجت آدم من الفردوس بإرادتها وانقیاده؛ أما سلمى کرامة، أدخلتْنی إلى جنّة الحب والطّهر بحلاوتها واستعدادی» (المصدر نفسه). و فی رؤیة جبران لا مکن لقاء المحبوب إلا فی الأبدیة:«و أنت ... أیتها الحوریّةُ التی لا أطمع بلقائها إلا فی الأبدیّة؛ حیث المساواة ... قد ملکتِ قلباً قدّسه الحبُّ» (جبران، ب د. ت، دمعة وابتسامة، ص 16). هذا الرأی عنده ناتج عن عقیدته بأن وجود الحبیب وظهوره فی عالم الواقع صعب جدّاً، ویکاد یکون متعذّراً لمقام الحب الرفیع: «لکل رجل محبوبتان؛ إحداهما من نسیج خیاله، والأخرى لمّا تولد» (جبران، آ 1992م، رمل وزبد، ص 77). ولأجل هذا یرى أن حقیقة المرأة لا تدرک من وراء نقاب الشهوات، أو تحت مکبّرات الکره؛ لأنها حقیقة معقدة، وفهم هذه الحقیقة لا یمکن إلا بالمحبّة، ومسّها لا یمکن إلا بالطّهر، ولا یمکن وصفها بالکلام:«إن المرأة التی تمنحها الآلهةُ جمالَ النفس مشفوعاً بجمال الجسد هی حقیقة ظاهرة غامضة، نفهمها بالمحبّة ونلمسها بالطّهر، وعندما نحاول وصفها بالکلام، تختفی عن بصائرنا وراء ضباب الحیرة والالتباس» (جبران، آ 1992م، الأجنحة المتکسرة، ص 151). و عندما یتفتّح الحب فی قلب الإنسان، یشاهد المحبّ الملائکة والشیاطینَ فی محاسن الحیاة ومکروهاتها؛ لأنه إذا فکّک أحدٌ عُرَى المحبة بین الحبیبین، فهو یذکّرنا صورة إبلیس من الأبالیس. وکذلک إذا حاول فی أن یکون همزة وصل بینهما، فیذکّرنا ملائکة السماء مسرورة: «فی تلک السنة شاهدت ملائکة السماء تنظر إلیّ من وراء أجفان امرأة جمیلة. وفیها رأیت أبالسةَ الجحیم یضجّون ویتراکضون فی صدر رجل مجرم» (المصدر نفسه، ص 147).
النتیجة نظراً إلى الأحداث والتغییرات التی طرأت فی حیاة جبران ــ والتی ساقته من الحزن إلى الفرح، ومن السلبیات إلى الإیجابیات ــ نراه فی بدایة حیاته ینظر إلى الحبّ من منظور مادی؛ حیث کان فی عنفوان شبابه. ثم یدخل فیه من منظور فلسفی تأملی. فیرى أن المحبة أعلى وأقوى من کل القوانین والشرائع، وهی شاملة تمثّل کل شیء، فبنى علیها مدینته الفاضلة؛ أی کتاب النبی. یزول کل شیء فی العالم إلا الحب. فشریعة الحب هی وحدها باقیة. والمحبة تربط بین أجزاء العالم، وبها تقوم وحدته وکیانه. یدعو جبران کل إنسان إلى القیام بعمله بروح المحبة، ویجعل معرفة النفس بدایة للمحبة والحریة؛ إذ إن معرفة النفس تؤدی إلى معرفة الله، ومعرفة الله تؤدی إلى المحبة، والحب مظهر من مظاهره تعالى؛ ولأجل هذا یطلب من الإنسان أن یعرف نفسه قبل کل شیء، للوصول إلى المحبة والحرّیّة. وهو ینادی إلى المحبة غیر المتناهیة التی توصل الإنسان إلى الله؛ لأن المحبة المحدودة تنتهی بلقاء المحبوب، وهذا ما یدّعیه الصوفیة؛ لأن جبران کان متأثراً بأفکارهم ومعتقداتهم، حیث یرون أن القلب الإنسانی یلزم أن یتخلّى من کل ما یحول دون التّجلّیات الإلهیة. فمن الواجب على الإنسان أن یوجّه محبته إلى الله . والحبّ فی الرؤیة الجبرانیة إنما ینشد الکشف عن أسرار الحب نفسه، وإلا یکون فخّاً لا یصطاد إلا الأشیاءَ الفاسدة؛ لأن الحب الحقیقی هو الذی یجعل الإنسان یسیر فی الطریق إلى الله، وهذا مما یخفى على کثیر من الناس الذین یقطعون سبیل الحب، فیضلّون الطریقَ. وکذلک یهدف الحب إلى تعرّف الناس أسرار قلوبهم حتى یصیروا جزءً رئیسیاً فی الوجود. ثم إنه یعتزم على أن یوصل الإنسان إلى الغابة المقدسة، لیترنم بأناشید أسرارها فی آذان الأبدیة؛ لأن المحبة من الرؤیة الجبرانیة هی الأبدیة نفسُها. فیلزم علیها إیصال الآخرین إلى هذه الغابة المقدسة. وهکذا کان جبران رسول المحبة والسلام فیما بین الناس. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مراجع | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
) العربیة القرآن الکریم. 1ــ أبی فاضل، ربیعة بدیع. (1992م). الفکر الدینی فی الأدب المهجری. (ج 2). (ط 1). بیروت: دارالجیل. 2ــ البورینی، الحسن بن محمد؛ والنابلسی، عبدالغنی بن إسماعیل. (آ 2007م). شرح دیوان ابن الفارض. (ج 1). (ط 2). بیروت: دار الکتب العلمیة. 3ــ ـــــــــــــــــــــــــــــــ . (ب 2007م). شرح دیوان ابن الفارض. (ج 2). (ط 2). بیروت: دار الکتب العلمیة. 4ــ سراج، نادرة جمیل. (1964م). شعراء الرابطة القلمیة. القاهرة: دار المعارف. 5ــ جبران، جبران خلیل. (آ 1992م). صفوة المؤلفات الکاملة (النبی، الأرواح المتمرّدة، رمل وزبد، الأجنحة المتکسّرة). (ط 1). القاهرة: الشرکة المصریة العالمیة للنشر. 6ــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ. (ب د. ت). المجموعة الکاملة للمؤلفات ( آلهة الأرض، السابق، البدائع والطرائف، عرائس المروج، العواصف، دمعة وابتسامة). (تعریب أنطونیوس بشیر). بیروت: دار الجیل 7ـ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ. (ج 1996م). المجموعة الکاملة لمؤلفات جبران. (تحقیق ومقدمة میخائیل نعیمة). (ج 1). (ط 3). بیروت: دار صادر. 8ــ حطیط، کاظم. (1987م). أعلام وروّاد فی الأدب العربی. بیروت: الشرکة العالمیة للکتاب. 9ــ الخضراء الجیوسی، سلمى. (2007م). الاتجاهات والحرکات فی الشعر العربی الحدیث. (ترجمة عبدالواحد لؤلؤة). (ط 1). بیروت: مرکز دراسات الوحدة العربیة. 10ــ الخطیب التبریزی، یحیى بن علی. (2007م). شرح دیوان أبی تمّام. (قدّم له ووضع هوامشه وفهارسه راجی الأسمر). بیروت: دار الکتاب العربی. 11ــ عکاشة، ثروت. (1992م). صفوة المؤلفات الکاملة لجبران. (ط 1). القاهرة: الشرکة المصریة العالمیة للنشر. 12ــ الفاخوری، حنّا. (1986م). الجامع فی تاریخ الأدب العربی. (ج 2). (ط 1). بیروت: دار الجیل. 13ــ المجلسی،محمدباقر بن محمدتقی. (1404هـ). بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار. (ج 2). بیروت: مؤسسة الوفاء. 14ــ الناعوری، عیسى. (1977م). أدب المهجر. القاهرة: دار المعارف.
ب) الفارسیة 15ــ فروتن شیرازى، سوسن. (1380هـ. ش). عرفان در اندیشه جبران. چاپ اول. تهران: نشر به دید. 16ــ سجادی،سید ضیاءالدین. (1372هـ. ش). مقدمه ای بر مبانی عرفان وتصوف. چاپ اول. تهران: سمت. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 3,527 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 489 |